×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

خطب المصلح / خطب مرئية / خطبة الجمعة : وخسف القمر ( الكسوف و الخسوف )

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:4938

﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَالأنعام:1، أَحْمَدُهُ جَلَّ شَأْنُهُ ﴿خَلَقَ الَّليْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحوُنَالأَنْبياءُ:33، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهِ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريِكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ صَفِيِّهُ وَخَليِلُهُ خِيِرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ:

اتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ، اتَّقوُا اللهَ تَعالَىَ في السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَالغَيْبِ وَالشَّهادَةِ؛ فَما اسْتُجْلِبَتِ الرَّحمَاتُ، وَلا اسْتُمْطِرَتِ النَّفَحاتُ، وَلا اسْتُدْفِعَتِ المصائِبُ وَالبَلِيَّاتُ بِمِثْلِ تَقْوَىَ اللهِ رَبِّ البَرِيِّاتِ، فاتَّقوُا اللهَ أَيُّها المؤِمِنوُنَ، اتَّقوُهُ بِطاعَتِهِ فيما أَمَرَ فِعْلًا، وَفيِما نَهاكُمْ عَنْهُ تَرْكًا؛ رَغْبةً فيما عِنْدِهُ، وخَوْفًا مِنْ عِقابِهِ، ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَالزمر:61.

عِبادَ اللهِ, إِنَّ الرَّبّ الَّذي تَعْبدوُنَ هُوَ الَّذي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، فَهُوَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرْضَ، وَجَعَلَ الظُّلِماتِ وَالنَّوُرَ، ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَالأعراف:54، ﴿خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًانوح:15-16، فَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالَّليْلُ وَالنَّهارُ وَهَذِهِ الأَفْلاكُ، وَجميعُ ما تُشاهِدوُنَهُ هُوَ خَلْقُ اللهِ العظيمِ، هُوَ مِنْ آياتِهِ الباهِرَةِ الدَّالَّةِ عَلَىَ عَظَمَتِهِ، وَقُوَّتِهِ، وَقُدْرَتِهِ، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًاالفرقان:61.

عِبادَ اللهِ, إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ عَظيِمٌ أَجْراهُما اللهُ -جَلَّ وَعَلا- بِنِظامٍ دقيِقٍ لا يَخْتَلُّ وَلا يَنْخَرِمُ، بَلْ ذاكَ وَفْقَ ما قَدَّرَهُ سُبْحانَهُ وَتَعالَىَ، لا يَتَقَدَّمُ وَلا يَتَأَخَّرُ كَما قالَ سُبْحانَهُ ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍالرحمن:5، فَالشَّمْسُ وَالقََمُر يَجْريان جَرْيًا دَقيقًا لا يَخْتَلُّ في جُزْءِ الثَّانِيَةِ أَوْ أَقَلَّ، ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَيس:40، هذا الحِسابُ الدَّقيِقُ يَشْهَدُهُ النَّاسُ بما يَرَوْنَهُ مِنْ دِقَّةِ تَوْقيِتِ شُروُقِ الشَّمْسِ وَغُروُبِها، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ دَالًّا عَلَىَ بَراعَةِ مَنْ حَسَبَ وَعَرَفَ سَيْرَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ، وَمَوْعِدَ غُروُبِها وَمَوْعِدَ شُروُقِها، إِنَّما ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَىَ عَظمَةِ وَقُدْرَةِ الصَّانِعِ الَّذي صَنَعَ هَذا الكَوْنَ عَلَىَ هذا النَّحوْ المُتْقَنِ،  ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍالنمل:88.

الشَّمْسُ وَالقَمَرُ بِحُسْبانٍ لا يَخْتَلُّ وَلا يَنْخَرِمُ، ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَيس:40، فإذا نَظَرْتَ إِلَىَ تَقاويِمِ غُروُبِ الشَّمْسِ وَشروُقِها فَرَأَيْتَ دِقَّةً باهِرَةً في جُزْءِ الثَّانِيَةِ في وَقْتِ شروُقِ الشَّمْسِ، وَوَقْتِ غُروُبِها، فَقُلْ سُبْحانَ الخلَّاقِ العَليِمِ الَّذي لا يَخْتَلُّ خَلْقُهُ، وَلا يَنْخَرِمُ نِظامُهُ إِلَّا بِأَمْرِهِ، ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَالأعراف:54.

هَكذا يَنْظُرُ المؤْمِنُ لِتِلْكَ الآياتِ الباهِرَةِ الَّتي بَثَّها اللهُ في السَّماءِ وَالأَرْضِ، تَرَىَ بِناءً عَظيمًا، وَبروُجًا مُشَيَّدَةً مِنَ الأَبْنِيَةِ وَالمصانِعِ وَغَيْرِها فَتَبْهَرُكَ، وَتَنْظُرُ بِنَظَرٍ قاصِرٍ إِلَىَ الَّذي خَطَّطَ ذَلِكَ وَأَنْجَزَهُ حَتَّى أَخْرَجَ هَذا البُنيانَ فتُشَيِدُ بِهِ، وَتَذْكُرُهُ بِالإِتْقانِ وَالإِحْسانِ، لَكِنْ أَبْعِدْ نَظَرَكَ وَراءَ ذَلِكَ إِلَىَ الَّذي خَلَقَ مَنْ صَنَعَ هذا، أَلَيْسَ هُوَ اللهُ الَّذي أَقْدَرَنا وَأَمْكَنَنا بِما وَهَبَنا مِنَ القُدُراتِ عَلَىَ هَذِهِ الصِّناعاتِ، َوهِذِهِ المُخترعاتِ، وَتِلْكَ المُنجزاتِ؟ بَلَىَ وَاللهِ ذاكَ تَيْسيِرُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، ذاكَ صُنْعُهُ، ذاكَ تَسْخيرُهُ الَّذي مَكَّنَنا مِنْ هَذا كُلِّهِ.

أَيُّها المؤِمِنوُنَ عِبادَ اللهِ, إِنَّ المؤِمِنَ يَرَىَ للهِ آيَةً في كُلِّ ما يُجرِيِهِ في كَوْنِهِ، فَفِيِ كُلِّ شيءٍ لَهُ آيةٌ تَدُلُّ عَلَىَ أَنَّهُ وَاحِدٌ، إِلَّا أَنَّ اللهَ مِنْ رَحْمَتِهِ بِعِبادِهِ يُنَوِّعُ لَهُمُ الآياتِ، وَيُصنِّفُ لهُمْ سُبُلَ التَّذْكيرِ بِأَلَوْانٍ مِنَ المُذكراتِ واَلعِبَرِ، فَمِنْها ما يَتَكَرَّرُ صَباحَ مَساءَ، ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةًالفرقان:61-62 يأتي ليلٌ يعقبه نهار، يأتي نهارٌ يعقبه ليل ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًاالفرقان:62، آيَةٌ نَشْهَدُها صَباحَ مَساءَ، إِلَّا أَنَّ تَكَرُّرَ الآياتِ يُفْقِدُ كَثيرًا مِنَ النَّاسِ الاعْتِبارَ وَالاتَّعاظَ بِها، والانْتِفاعَ مِنْها، فَيكوُنوُنَ كَما قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَيوسف:105 لا تَلْفِتُ أَنْظارَهُمْ، وَلا تَبُهِرُ عُقُوُلهُمْ، ولا تَدُلُّهًُمْ عَلَىَ عَظَمَةِ الصَّانِعِ الَّذي لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ العالمينَ.

عِبادَ اللهِ, إِنَّنا لَنَعْجَبُ مِنْ أَصْغَرِ المصْنوُعاتِ دِقَّةً وَإِتْقانًا في أَجْهِزَتِنا الذَّكِيَّةِ، أَوْ ما في أَيْديِنا مِنَ الأَجْهِزَةِ، فنُشيِدُ بِصانِعها، ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَالذاريات:21 أَلاَ تَرَىَ عَظَمَةَ الخالِقِ في يَدَيْكَ وَحَرَكَتِها، وَفي قَدَمَيْكَ وَتَنَقُّلاتِها، وَفي سَمْعِكَ وَبَصَرِكَ، وَفي سائِرِ ما ملَّكَكَ اللهُ تَعالَىَ مِنَ الآياتِ، كَمْ هِيَ الآياتُ الَّتي بَيْنَ أَيْديِنا صباحَ مَساءَ مَعَ تَرَدُّدِ الأَنْفاسِ، وَلَحْظِ الأَبْصارِ إِلَّا أَنَّنا عَنْها غافِلوُنَ، لِذلِكَ رَحِمَنا اللهُ بِأَنْ بَعَثَ لَنا مِنَ الآياتِ ما يُوُقِظُنا، وَما يُحْيي قلُوُبَنا، وَما يُخْرِجُنا عَنِ المأْلوُفِ المُعْتادِ عَلَّ ذَلِكَ أَنْ يَنْفَعَ في حياةِ قَلْبٍ أَوْ اسْتِبْصارِ نَظَرٍ، أَوْ إِحْياءِ فِكْرٍ، أَوْ مُراجَعَةٍ إِلَىَ الهُدَىَ وَتَرْكِ الضَّلالِ وَالغَيِّ وَالرَّدَىَ.

عِبادَ اللهِ, خَلَقَ اللهُ تَعالَىَ خَلْقَهُ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ما يُبَيِّنُ لَهُمُ الغايَةَ مِنْ خَلْقِهِمْ، فَخَلَقَهُمْ لأَجْلِ تَحْقيِقِ العُبوُدِيَّةِ لَهُ جَلَّ في عُلاهُ، لِيُسْعِدَهُمْ بِذَلِكَ في مَعاشِهِمْ وَمَعادِهِمْ، وَيذوُقوُنَ الفَوَْز وَالسَّبْقَ بِطاعَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَتَحْقيِقُ غايَةِ الخَلْقِ، أيها المؤمنون, إِنَّ اللهَ تَعالَىَ مِنْ آياتِهِ الباهِرَةِ في الشَّمْسِ وَالقَمَرِ ما يُجْريِهِ اللهُ عَلَيْهِما مِنَ الخُسوُفِ وَالكُسوُفِ، وَهُوَ ذَهابُ ضَوْئِهِما، وَاضْمِحْلالُ سُلْطانِهِما، وَزَوالِ جَمالهِما وَبَهائِهِما، فَسُبْحانَ سُبْحانَ مَنْ لا يَقْدُرِ الخَلْقُ قَدْرَهُ، وَمَنْ هُوَ فَوْقَ العَرْشِ رَبٌ مُمَجَّدٌ ﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َالصافات:180، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِالزمر:67.

عِبادَ اللهِ, إِنَّ انْكِسافَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ يَدُلاَّنِ عَلَىَ قُدْرَةِ اللهِ النَّافِذَةِ، وَحِكْمَتهِ ِالبَالِغَةِ، وَأَنَّهُ سُبْحانَهُ دَبَّرَ هَذا الكَوْنَ عَلَىَ نِظامٍ دَقيِقٍ، لَهُ في ذَلِكَ حِكَمٌ وغاياتٌ.

أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ لا يَنْخَسِفانِ إِلَّا لِغايَةٍ وَمَعْنَى، ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًاالإسراء:59، اللهُ جَلَّ في عُلاهُ يُرْسِلُ بِآياتهِ الَّتي تُوُقِظُ القُلوُبَ، وتُحْييِ النُّفوُسَ، وَتُبَصِّرُ الأَرْواحَ بما فِيِهِ سَعادَتُها وَخَيْرُها، وَمِنْ ذَلِكَ ما يُجْرِيِه اللهُ تَعالَىَ مِنْ كُسوُفِ القَمَرِ وَالشَّمْسِ.

وَلَكَ أَنْ تَنْظُرَ كَيْفَ كانَ رَسوُلُ اللهِ -صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَسَلَّمَ- كَيْفَ كانَتْ حَالَهُ عِنْدما حَدَثَ الكَسوُفُ في زمانِهِ في الصَّحيحَيْنِ، أَنَّ الشَّمْسَ كُسِفَتْ عَلَىَ عَهْدِ رَسوُلِ اللهِ -صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، «فَخَرَجَ -صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَىَ المَسْجِدِ فَزِعًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ»، وَهُوَ ما يَسْتُرُ بِهِ أَعْلَىَ بَدَنِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ المُنادِي أَنْ يُنادِي «الصَّلاةُ جامِعَة، الصَّلاةُ جامِعَة، فاجْتَمَعَ الصَّحابَةُ، فَاقْتَرَأَ رَسوُلُ اللهِ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في تِلْكَ الصَّلاةِ قِراءَةً طَويِلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَكَعَ رُكوُعًا طويِلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، وَقَالَ سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَ رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ، ثُمَّ عاد إِلَىَ القَراءَةِ فَقَرَأَ قِراءَةً طَويلَةً أَدْنَىَ مِنْ الَّتي قَبْلَها، ثُمَّ كَبَّرَ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَكَعَ ركُوُعًا طَويلًاهُوَ أَدْنَىَ مِنَ الركوُعِ الأَوَّلِ، ثُمَّ قالَ: سَمِعَ اللهُ لمَنْ حِمِدَ رَبَّنا وَلَكَ الحَمْدُ، ثُمَّ سَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ في الرَّكْعَةِ الأُخْرَىَ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّىَ اسْتَكْمَلَ أَرَبْعَ رَكَعاتٍ، وَأَرْبَعَ سَجَداتٍ» في صَلاةٍ طَويِلَةٍ قُدِّرَتْ بَأَرْبَعَ ساعاتٍ، انْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ رَسوُلُ اللهِ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، زالَ الكُسوُفُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ صَلاتَهُ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ وَقَفَ بَيْنَ أَصْحابِهِ فَخَطَبَ خُطْبَةً بَليِغَةً، ذَكَّرَهُمْ فيها بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَخْبَرَهُمْ بِسِرِّ هَذِهِ الآيَةِ الَّتي شَاهِدوُها فَقالَ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ»، هُما خَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ دالَّانِ عَلَىَ عظيمِ قُدْرَتِهِ وَبديِعِ صُنْعِهِ، «لا يَنْخسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ ولا لحياته»، ثُمَّ يقول-صلَّى الله عليه وسلَّم-: «فَإِذَا رَأَيْتُموهما فافزعوا إلى الصلاة»، البخاري(1046), ومسلم(901),وفي روايةٍ أُخرى قال-صلَّى الله عليه وسلَّم-: «وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ»مُسْلِمٌ(911)، فالحِكْمَةُ الكُبْرَىَ مِنَ الكُسوُفِ أَيُّها النَّاسُ هُوَ تَخْويِفُ العِبادِ وَزَجَرَهُمْ عَنِ الخُروُجِ عَنِ الصِّراطِ المُسْتَقيِمِ، وَحَثَّهُمْ عَلَىَ طَاعَةِ الرَّحمنِ جَلَّ في عُلاهُ، فاللهُ -جَلَّ وَعَلا- يُخُوِّفُ عِبادَهُ إِذا عَصَوْهُ، وَيَذْكرُهُمْ إِذا نَسَوْهُ، وَيَأْمُرُهُمْ بِما يُعيُدُهُمْ إِلَىَ الصَّراطِ المُسْتقيِمِ، مَنْ تَرَكَ المنْهِيِّاتِ وَالوُقوُع فيما يُوُقِعِهُمْ في هَلاكِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، اللهُ يُخَوِّفُكُمْ بِهَذِهِ الآياتِ الظَّاهِرَةِ الَّتي يُدْرِكُها الصَّغيرُ وَالكبيِرُ، الحاضِرُ وَالبادِ، العالمُ وَالجاهِلُ، الذَّكَرُ وَالأُنْثَىَ، مَنْ في البَرِيَّةِ ومَنْ في المُدُنِ، يُنْذِرُكُمْ بِهذا الأَمْرِ أَنَّ الكَوْنَ بِأَمْرِهِ، وَأَنَّ انْتِظامَهُ بِقُدْرَتِهِ، وَأَنَّ اخْتِلالَهُ إِلَيْهِ، يُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ، فَإِنَّ ما تُشاهِدوُنَهُ مِنْ كُسوُفِ القَمَرِ وَخُسوُفِهِ إِنَّما هُوَ تَخْويفٌ مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَلا يَغُرَّنكُمْ مَنْ يَقوُلُ ظواهِرُ طَبيِعِيَّةٌ، ذَلِكَ أَمْرٌ قَدَّرَ اللهُ لَهُ الأَسْبابَ، إِلَّا أَنَّهُ ما مِنْ شَيْءٍ في الكَوْنِ إِلَّا وَللهِ فيِهِ حِكْمَةٌ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُهَوِّنُ مِثْلَ هِذِهِ الأُموُرِ، وَيَقُوُلُ حوادِثُ طِبيِعِيَّةٌ، ظَواهِرُ فَلَكِيَّةٌ، أَمْرٌ عادِيٌّ طَبيِعِيٌّ، وَلماذا الخوْفُ؟ وَلماذا الصَّلاةُ؟ وَلماذا الإِقْبالُ عَلَىَ اللهِ؟ هَذا هُوَ حالُ القُلوُبِ الغافِلَةِ، أَمَّا القُلوُبُ المؤْمِنَةُ فَيَقوُلوُنَ نَعَمْ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ سَببًا إِلَّا أَنَّ اللهَ لا يَقْضِيِ في الأَرْضِ قَضاءً إِلَّا وَلَهُ فيِهِ حِكْمَةٌ، فتَنْفُذُ أَبْصارُهُمْ مِنَ الأَسْبابِ الظَّاهِرَةِ إِلَىَ الحِكَمِ الإِلَهِيَّةِ الَّتي أَخْبَرَ بِها سَيِّدُ الوَرَىَ-صَلواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ-، في مِثْلِ هذهِ الآيةِ وَأَشْبَاهُها.

وَاللهُ تَعالَىَ يَقوُلُ: ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًاالإسراء:59، وَلِذَلِكَ وَجَّهَ النَّبِيُّ -صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُمَّتَهُ عِنْدَ ظهوُرِ عَلاماتِ التَّخْويِفِ أَنْ تَسْتَدْفِعَ العُقوُباتِ، وَالشَّروُرَ وَالبَلِيَّاتِ بِما يَحْصُلُ بِهِ الأَمْنَ مِنَ العُقوُباتِ، فَأَمَرَ بِالفَزَعِ إِلَىَ الأَعْمالِ الصَّالِحَةِ، أَمَرَ بِالفَزَعِ إِلَىَ الصَّلاةِ، بِالفَزَعِ إِلَىَ الدُّعاءِ وَالذِّكْرِ، إِلَىَ الإِحْسانِ وَالتَّوْبَةِ وَالصَّدَقَةِ حَتَّىَ يَنْكَشِفَ ما بِالنَّاسِ، وَيَنْجَلي عَنْهُمُ الكُسوُفُ وَالخُسوُفُ، قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَالنور:31.يقوُلُ القائِلُ: نَحْنُ نَعْرِفُ مَتَىَ يَبْدَأُ الخُسوُفُ وَمَتَىَ يَنْتَهِيِ، لَكِنْ أَقوُلُ لهؤُلِاءِ أَتَعْرِفوُنَ ماذا يُمْكُنُ أَنْ يُْجرِيِهِ اللهُ في هذا الزَّمان الذَّي يَخْتَلُّ فيِهِ نِظامُ الكَوْنِ منْ البَلاياَ وَالمصائِبِ وَالنَّوازِلِ وَالنَّكَباتِ، وَاللهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَديِرٌ، لَوْ شاءَ اللهُ لَما أَبْقَىَ عَلَىَ ظَهْرِ الأَرْضِ أَحْدًا، فتَوبُوُا إِلَىَ اللهِ أَيُّها المؤْمِنونَ، عِلْمُكُمْ بِتَوْقيِتِ الكُسوُفِ لا يُذهبُ ما فيِهِ مِنَ الآيَةِ العُظْمَىَ الَّتي أَشارَ إِلَيْها سَيِّدُ الوَرَىَ بِقَوْلِهِ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ»مسلم(911)، فَأَظْهِروُا للهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِنابَتَكُمْ إِلَيْهِ، وَخَوْفَكُمْ مِنَ أَخَذاتِهِ، فاللهُ عَلَيْكُمْ قَديِرُ، وَبِكُمْ بَصيِرٌ، وَلا نَجاةَ لِأَحَدٍ إِلَّا بِاللَّجَاءِ إِلَىَ اللهِ.

هَذِهِ الآيَةُ هِيَ مِمَّا نَعْرِفُ بِهِ ما أَخْبَرَ بِهِ اللهُ -جَلَّ وَعَلا- مِمَّا يَكوُنُ في ذَلِكَ اليَوْمِ العَظيمِ، ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لا وَزَرَالقيامة:7-11 لا مَلْجَأَ، لا مَعادَ، لا نَجَاةَ إِلَّا بِاللَّجَاءِ إِلَىَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَالقيامة:12-13، هَذا الَّذي تُشاهِدوُنَهُ مِنْ كُسوُفِ الشَّمْسِ وَخسوُفِ القَمَرِ هُوَ نَموُذَجٌ لِما أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ-صَلَّىَ اللُه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا يَكوُنُ في القِيامَةِ، وَلِذَلِكَ لمَّا كُسِفَتِ الشَّمْسُ ماذا كانَتْ عَلَيْهِ حالَ مَنْ غَفَرَ اللهُ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ؟ لمَّا كُسِفَتِ الشَّمْسُ في عَهْدِهِ قامَ فَزِعًا يَجُرُّ رِداءَهُ، يَخْشَىَ أَنْ تَكوُنَ السَّاعَةُ، يَخْشَىَ أَنْ تَكوُنَ السَّاعَةُ، فَذاكَ مِنَ النُّذُرِ الَّتي تُحْيِيِ القُلوُبَ، أَفَيَسوُغُ بَعْدَ هذا أَيُّها المؤْمِنوُنَ أَنْ يَقوُلَ شَخْصٌ هذِهِ ظَواهِرُ طَبيعيَّةٌ لا يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ بِغَيْرِ هَذا المأْخَذِ، كَلَّا وَاللهِ، ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَيوسف:105-107.

الَّلهُمَّ أَحْيِيِ قُلوُبَنا بِذِكْرِكَ، وَاعْمُرْها بِتَعْظيِمِكَ وَمَحَبَّتِكَ، الَّلهُمَّ أَعِذْنا مِنْ نزَغاتِ الشَّياطيِنِ، وَاحفْظْنا مِنْ بَيْنِ أَيْديِنا وَمِنْ خَلْفِنا، وَعَنْ أَيْمانِنا، وَعَنْ شَمائِلِنا يا رَبَّ العالمينَ، وَاحْفَظْنا مِنْ فَوْقِنا، وَنَعوُذُ بِكَ أَنْ نُغتالَ مِنْ تَحْتِنا يا رَحْمَنُ يا رحيمُ، أَقوُلُ هَذا القوْلَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظيمَ لي وَلَكُمْ فاسْتَغْفِروُهُ إنَّهُ هُوَ الغَفوُرُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثانية:

الحَمْدُ للهِ الحكيمِ الخبيرِ، المِلِكِ الحَقِّ المُبينِ، أَحْمَدُهُ حَقَّ حَمْدَهُ، لا أُحْصِيِ ثَناءً عَلَيْهِ، هُوَ كَما أَثْنَىَ عَلَىَ نَفْسِهِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ إِلَهُ الأَوَّليِنَ وَالآخِريِنَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ أَصْحابِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله في السر والعلن، أكثروا من التوبة والاستغفار، أنيبوا إلى العزيز الغفَّار، توبوا إليه بالإقلاع عن الخطايا والسيئات.

أيها المؤْمِنوُنَ, كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَىَ عَهْدِ رَسوُلِ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَرَىَ ما جَرَىَ مِنْ ذِكْرٍ وَصَلاةٍ وَإِقْبالٍ، وَإِخْباتٍ، وَإِنابَةٍ إِلَىَ العزيزِ الغَفَّارِ مِنْ سَيِّدِ الوَرَىَ وَساداتِ الدُّنْيا مِنَ الصَّحابَةِ بَعْدَ الأَنْبياءِ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِمْ-، وَرَضِيَ اللهُ تَعالَىَ عَنْهُمْ، خَطَبَ أَصْحابَهُ فَكانَ مِمَّا خَطَبَهُمْ بِهِ أَنْ قالَ: «يا أُمَّة مُحمَّد»، وَهُوَ خِطابٌ لأوُلئِكَ النَّفَرِ مِنْ أَصْحابِهِ الَّذيِنَ كانوُا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَخِطابٌ لَنا الذَّيِنَ بَلَغَنا قَوْلُهُ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ-: «يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاَللَّهِ مَا أَحَدٌ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ، أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً»البخاري(1044), ومسلم(901)، هَكَذا يُذكِّرُ رَسوُلُ اللهِ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُذكِّرُ أَصْحابَهُ مِنَ المُهاجِريِنَ وَالأَنْصارِ، وَمِنْ خِيارِ الخَلْقِ وَساداتِ الدُّنْيا بِضَروُرَةِ الإِقْلاعِ عَنْ كُلِّ ذَنْبٍ لا سِيَّما الزِّنا، فَإِنَّ الزِّنا خَطَرُهُ عَظيمٌ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْم أَنَّ ذِكْرَ النَّبِيِّ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلزِّنا في خُطْبَةِ الكُسوُفِ إِشارةٌ إِلَىَ أَنَّ مِنْ موُجِباتِ غَضَبِ الرَّبِّ وَنُزوُلِ العقوُباتِ، وَحُصوُلِ الخَوْفِ أَنْ يَفْشُوَ هَذا البلاءُ والدَّاءُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَتَحاشَىَ ذَلِكَ بِكُلِّ وَسيِلَةٍ، ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًاالإسراء:32..وَمِنْ آياتِ الآخِرَةِ، وَعَلاماتِ القِيامَةِ ظُهوُرُ الزِّنا كَما أَخْبَرَ النَّبِيُّ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَظُهوُرُهُ لَيْسَ فَقَطْ بِصوُرةٍ واحِدَةٍ بَلْ لَهُ صُوُرٌ كَثيِرَةٌ، فَيَنْبَغِي لِلمُؤْمِنِ أَنْ يُجنِّبَ نَفْسَهُ كُلَّ الطُّرُقِ المُوصِلَةِ إِلَىَ هَذِهِ الآفَةِ العُظْمَىَ الَّتِي بِها الهَلاكُ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ أَنَّ سِتْرَ اللهِ المُرخى سَيُعْفيِكَ مِنَ العُقوُبَةِ، سِتْرُ اللهِ المُرخى قَدْ يَكوُنُ اسْتِدْراجًا، ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌالقلم:45، فاللهُ تَعالَى يُمْلِي لِلظَّالمِ حَتَّىَ إِذا أَخَذَهُ لمْ يُفْلِتْهُ، ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌهود:102، ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَالأعراف:99.

توُبوُا إِلَىَ اللهِ جَميِعًا أَيُّها المؤْمِنوُنَ، توُبوُا عَلَىَ اللهِ وَاحْفظوُا أَمْرَهُ في أَنْفُسِكُمْ، وَفي أَهْليِكُمْ، «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»البخاري(893), ومسلم(1829)، تَجَنَّبوُا أَسْبابَ الفَسادِ في كُلِّ صُوُرِها، فَإِنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ في الأَرْضِ هِيَ فَسادٌ فيِها، وَاللهُ تَعالَىَ يَقوُلُ:  ﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَاالأعراف:56، وَكُلُّ فَسادٍ في الكَوْنِ راجِعٌ إِلَىَ ما جَنَتْهُ أَيْديِنا، ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَالروم:41.

توُبوُا إِلَىَ اللهِ أَيُّها المؤِمِنوُنَ، وَبادِروُا إِلَىَ الاسْتِغْفارِ وَالتَّوْبَةِ وَصالحِ العَمَلِ، وَإِذا جَرَىَ الكُسوُفُ في بَلَدٍ أَوْ مَكانٍ، فَافْزَعوُا إِلَىَ الصَّلاةِ، وَارْجوُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- بِقُلوُبٍ رَاهِبَةٍ، وَبِقلوُبٍ طامِعَةٍ أَنْ يَكْشِفَ ما حَلَّ بِكُمْ، وَأَنْ يَقيِكُمْ شَرَّ ما يُمكُنُ أَنْ يكوُنَ في هَذا الزَّمانِ، أَيْ في زَمَنِ الكُسوُفِ؛ فَإِنَّ زَمَنَ الكُسوُفِ وَقْتٌ لِنزوُلِ عُقوُباتِ، وَحُلوُلِ بَليَّاتٍ، وَهِيَ نَوْعانِ: عُقوُباتٌ ظَاهِرَةٌ بِزلازِلَ أَوْ كَوارِثَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُْجريِهِ اللهُ تَعالىَ مِنَ العُقوُباتِ العامَّةِ، وَثمَّةَ عُقوُبَةٌ أَعْظَمُ مِنْ هَذا أَتَدْروُنَ ما هِيَ؟ قَسْوَةُ القُلوُبَ؛ فَإِنَّ القَلْبَ القاسي إِذا رَأَىَ الآياتِ وَأَعْرَضَ عَنْها زادَ عَلَيْهِ مِنْ حُجَجِ اللهِ، وَبَراهِيِنِهِ الَّتي تُديِنُهُ يَوْمَ الوُقوُفِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَسْوَةُ القَلْبِ أَعْظَمُ عُقوُبَة يُعَاقَبُ بِها الإِنْسانُ لا يُوازيِها في الدُّنْيا عُقوُبَةٌ، فَإِذا رَأَيْتَ الآياتِ وَكُنْتَ مُسْتَمِرََّا عَلَىَ الغَفْلَةِ وَالعِصْيانِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ ما يَكوُنُ مِنَ العقوُباتِ، بَلْ تُبْ إِلَىَ اللهِ وَاسْتَغْفِرِ، وَأَنِبْ، وارْجِعْ إِلَيْهِ، وَلا تَقُلْ أَنا عَلَىَ حالٍ حَسَنَةٍ، وَالغَيْرُ هُوَ المُقصِّرُ، فَهذا سَيِّدُ الوَرَىَ لمَّا كُسِفَتِ الشَّمْسُ ما قالَ هُناكَ مُنافقينَ هُمْ سَبَبٌ هَذا الكُسوُفِ، هُناكَ عُصاةٌ هُمْ سَبَبُ هَذا الكُسوُفِ، كانَ أَوَّلُ المُبادِريِنَ، خَرَجَ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَسْتُرْ عَلَىَ بَدَنِهِ يَجُرُّ رِداءَهُ-صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَزِعًا يَظُنُّها السَّاعَةَ.

اللَّهُمَّ صَلَّ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتِ عَلَىَ إِبْراهيِمَ وَعَلَىَ آلِ إِبْراهيِمَ إِنَّكَ حمَيِدٌ مَجيِدٌ، الَّلهُمَّ أَلْهِمْنا رُشْدَنا، وَقِنا شَرَّ أَنْفُسِنا، الَّلهُمَّ اسْلُكْ بِنا سَبيِلَ الرَّشادِ، وَخُذْ بِنواصِينا إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ مِنَ الأَعْمالِ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، الَّلهُمَّ اسْتَعْمِلْنا في طاعَتِكَ وَاصْرِفْ عَنَّا مَعْصِيَتَكَ، اسْتِعْمِلْنا فيما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ في السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَالغَيْبِ وَالشَّهادَةِ، وَالسَّعَةِ وَالضِّيِقِ، وَالصِّحَّةِ وَالمَرَضِ، وَالغِنَىَ وَالفَقْرِ، وَفي كُلِّ أَحْوالِنا حَتَّىَ تَتَوَفَّانا وَأَنْتَ رَاضٍ عَنَّا، اللَّهُمَّ تَوَفَّنا وَأَنْتَ راضٍ عَنَّا، اللَّهُمَّ تَوَفَّنا وَأَنْتَ راضٍ عَنَّا يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ.

رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكوُنَنَّ مِنَ الخاسِريِنَ، الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُموُرِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فيِمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنا إِلَىَ ما فِيِهِ خَيْرُ العِبادِ وَالبِلادِ، سَدَّدْهُ في قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، وَأَصْلِحْ لَهُ البِطانَةَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أٌموُرِ المُسْلِمينَ في كُلِّ مَكانِ إِلَىَ ما فِيِهِ خَيْرُ العِبادِ وَالبِلادِ وَخَيْرُ المُسْلِمينَ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، الَّلهُمَّ مَنْ أَرادَ المُسلِمينَ بَشِرٍّ فَرُدَّ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ، وَاكْفِنا شَرَّهُ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، الَّلهُمَّ أَعِنَّا وَلا تُعِنْ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ انْصُرْنا عَلَىَ مَنْ بَغَىَ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ آثِرْنا وَلا تُؤْثِرْ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ اهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَىَ لَنا، الَّلهُمَّ اهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَىَ لَنا، اللَّهُمَّ اهْدِنا وَيَسِّرِ الهُدَىَ لَنا، اللَّهُمَّ اجْعَلْنا لَكَ ذَاكِرِين شاكرين، راغبين راهبين، أواهين مُنيبين، اللهم تقبَّلْ تَوْبَتَنا، وَثَبِّتْ حُجَّتَنا، وَاغْفِرْ زَلَّتَنا وَسُلَّ السَّخائِمَ مِنْ قلوُبنِا، الَّلهُمَّ أَحْسِنْ عاقِبَتَنا في الأمورُ كُلِّها، رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا بِما فَعَلَ السُّفهاءِ مِنَّا، رَبَّنا لا تُزِغْ قُلوُبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ، الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَىَ مُحمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْراهيمَ وَعَلَىَ آلِ إِبْراهيمَ

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94000 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف