قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" لفظ " الشرع " قد صار فيه اشتراك في عرف العامة منهم من يجعله عبارة عن حكم الحكام ولا ريب أن حكم الحاكم قد يطابق الحق في الباطن وقد يخالفه ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن أم سلمة : { إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بنحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار } وقد اتفق المسلمون على أن حكم الحاكم بالحقوق المرسلة لا يغير الشيء عن صفته في الباطن فلو حكم بمال زيد لعمر لإقرار أو بينة كان ذلك باطلا في الباطن ولم يبح ذلك له في الباطن ولا يجوز له أخذه مع العلم بالحال باتفاق المسلمين وكذلك عند جماهير الأمة لو حكم بعقد أو فسخ نكاح أو طلاق وبيع فإن حكمه لا يغير الباطن عندهم وإن كان منهم من يقول : حكمه يغير ذلك في هذا الموضع ؛ لأن له ولاية العقود والفسوخ . فالصحيح قول الجمهور وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد وسائر فقهاء أهل الحجاز والحديث وكثير من فقهاء العراق .
وأيضا فلفظ " الشرع " في هذا الزمان يطلق على ثلاثة معان :
شرع منزل، وشرع متأول، وشرع مبدل .
" فالمنزل " الكتاب والسنة فهذا الذي يجب اتباعه على كل واحد ومن اعتقد أنه لا يجب اتباعه على بعض الناس فهو كافر .
و " المتأول " موارد الاجتهاد التي تنازع فيها العلماء فاتباع أحد المجتهدين جائز لمن اعتقد أن حجته هي القوية أو لمن ساغ له تقليده ولا يجب على عموم المسلمين اتباع أحد بعينه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكثير من المتفقهة إذا رأى بعض الناس من المشايخ الصالحين يرى أنه يكون الصواب مع ذلك وغيره قد خالف الشرع وإنما خالف ما يظنه هو الشرع وقد يكون ظنه خطأ فيثاب على اجتهاده وخطؤه مغفور له وقد يكون الآخر مجتهدا مخطئا .
وأما " الشرع المبدل " : فمثل الأحاديث الموضوعة والتأويلات الفاسدة والأقيسة الباطلة والتقليد المحرم فهذا يحرم أيضا .
"مجموع الفتاوى" ( 11/429-433).