×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

المكتبة المقروءة / دروس / الحديث وعلومه / المنظومة البيقونية / الدرس الأول من شرح المنظومة البيقونية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس الأول من شرح المنظومة البيقونية
00:00:01

بسم الله الرحمٰن الرحيم قال الناظم عمر بن محمد بن فتوح البيقوني رحمه الله تعالىٰ: بسم الله الرحمن الرحيم أبدأ بالحمد مصليا على***محمد خير نبي أرسلا وذي من اقسام الحديث عده*** وكل واحد أتى وحده أولها الصحيح وهو ما اتصل***إسناده ولم يشذ أو يعل يرويه عدل ضابط عن مثله***معتمد في ضبطه ونقله                                   بسم الله الرحمٰن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلىٰ يوم الدين. أما بعد: فهذا أول الدروس المتعلقة بشرح البيقونية. والبيقونية متن مختصر من متون العلم المتعلقة بمصطلح الحديث. وإنما وقع الاختيار على هذا المتن دون غيره لكونه متنا مختصرا ميسرا حوى أصول علم مصطلح الحديث التي لا غنية لكل طالب علم عن الإحاطة بها ومعرفتها، فهي تمثل الحد الأدنى الذي ينبغي لطالب العلم أن يحيط به وأن يحصله فيما يتعلق بهذا العلم. وهي مشهورة بهذا الاسم (البيقونية) نسبة لصاحبها الذي نظمها وهو طه بن محمد البيقوني.  واختلف في اسمه، فقيل: عمر بن محمد البيقوني، وعلى كل حال لم يكن هناك ما يرجع إليه في تحرير أي الاسمين هو لصاحب هٰذه المنظومة. هٰذه المنظومة كما ذكرنا هي في مصطلح الحديث، ومصطلح الحديث علم يتناول دراسة الحديث من حيث الراوي والمروي؛ فهو من العلوم التي ينظر فيها إلىٰ حال الرواة وحال ما نقلوه ورووه، وله من القوانين والقواعد ما هو معروف في كتب أهل العلم، وقد ألف وصنف في ذلك شيء كثير، فإن علم مصطلح الحديث من العلوم المخدومة التي كثر مصنفوها والمتكلمون في أنواعها. والمراد أن نفهم أن علم الحديث الذي يتكلم عنه العلماء ينقسم إلىٰ قسمين: علم دراية، وعلم رواية. علم الرواية:هو العلم المتعلق بنقل الحديث وضبطه وتحرير ألفاظه. أما علم الدراية: فهو معرفة أحوال الراوي والمروي، الراوي الناقل، والمروي هو النص المنقول، وسواء كان ذلك النص لفظا أو حكاية عن عمل أو تقريرا، أو ما إلى ذلك مما ينقله الرواة. إذا من هٰذا نعلم أن علم الحديث هو علم يتضمن قواعد يعرف بها أحوال السند والمتن من حيث صحتها وحسنها وضعفها، ومن حيث علو السند ونزوله، وكيفية التحمل والأداء، وصفات رجال الإسناد. هٰذا العلم بحر لا ساحل له، فإنه من العلوم التي توسع فيها العلماء كثيرا. ومما يندرج في علم الحديث، العلم بالقواعد التي ترجح فيها الروايات، وتطبق في القبول والرد. وأول من صنف في هٰذا العلم الرامهرمزي([1])-رحمه الله- في أوسط القرن الرابع، ثم تلاه من تلاه من العلماء كالحاكم([2])والأصبهاني([3])وغيرهما.  ثم أتى أبو بكر الخطيب البغدادي([4])رحمه الله وفتح في هٰذا العلم فتحا مبينا حيث كتب فيه ما لم يكتبه غيره،([5])فكل من جاء بعده فهو مستفيد منه، منطلق مما أسسه رحمه الله.([6]) وبعد ذلك انتشرت المؤلفات والمصنفات في هٰذا العلم. نقرأ ما في هٰذه المنظومة التي افتتحها المؤلف رحمه الله. يقول رحمه الله افتتاحا: (بسم الله الرحمٰن الرحيم) فافتتح هٰذه الرسالة بالبسملة، وهٰذه سنة في كتاب الله عز وجل وفي كتب النبي صلى الله عليه وسلم، اقتدى بها العلماء وتأسى بها المصنفون والمتكلمون. فالبداءة بالبسملة سنة ماضية في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ودرج عليها وأخذها أهل العلم في مؤلفاتهم ومصنفاتهم. والبسملة الكلام فيها مشهور مكرور، خلاصته أن البسملة جملة تامة: إما اسمية وإما فعلية، والاختلاف بين القولين يرجع إلىٰ أي شيء؟ إلىٰ الاختلاف في التقدير: فمن قدر المضمر بالفعل جعلها جملة فعلية. ومن قدر المضمر بالاسم جعلها جملة اسمية. والأمر في هذا قريب كما تقدم؛ ولكن يبقى أن يقال: إن المقدر يلاحظ فيه أن يكون مناسبا، فإنه لا يسوغ أن يجعل المتعلق -متعلق البسملة- في كل الموارد لفظا واحدا، إنما يجعل في كل مورد ترد فيه هٰذه الكلمة حسب ما يناسب، فإن كانت في القراءة فيقدر ما يتعلق بالقراءة، وإن كانت في الكتابة يقدر ما يتعلق بالكتابة وهلم جرا. ويناسب أن يكون هٰذا المقدر مؤخرا، والسر في التأخير: ·       التيمن بالبداءة بذكر الله عز وجل، هٰذا أولا. ·       وثانيا الحصر؛ فإن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر. والباء في قوله: (بسم الله) من العلماء من قال: إنها للمصاحبة. ومنهم من قال: إنها للاستعانة. وهو الذي يظهر أنها للاستعانة التي تصاحب الإنسان في كل الفعل. فقراءته: (بسم الله) مصاحبة واستعانة. وأما ما في البسملة من الأسماء فهو معروف مشهور: فيها من أسماء الله عز وجل (الله الرحمٰن الرحيم) والكلام على هٰذه الأسماء مشهور معروف. بعد ذلك بدأ المؤلف رحمه الله بقوله: (أبدأ بالحمد مصليا) فابتدأ بعد البسملة بالحمد. والحمد:هو الإخبار بمحاسن المحمود على وجه المحبة والتعظيم. وقد فسره جماعة من العلماء بأنه الثناء على الجميل الاختياري.([7])وهٰذا تعريف فيه قصور؛ لأن قصر الحمد على الجميل الاختياري لا ينبئ عن ما تضمنه الحمد من عظيم المحبة للمحمود وعظيم التعظيم له أو وكبير التعظيم له، فإن حمد الله جل وعلا يتضمن هذين المعنيين: يتضمن الإخبار بمحاسن الله عز وجل على وجه المحبة له، والتعظيم له سبحانه وبحمده. وقد جاءت في البسملة والحمدلة أحاديث عديدة في ذم البداءة بغير حمد الله وبغير البسملة؛ لكن لا يصح منها شيء على وجه الانفراد، إلا أن المجموع يدل على أن البداءة مطلوبة. ويكفي في هٰذا السنة الماضية الجارية من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان يبتدئ كتبه ورسائله بالبسملة، ويبتدئ خطبه بالحمدلة. (أبدأ بالحمد مصليا)، (مصليا) حال، وهي جملة خبرية يقصد بها الإنشاء، فإن قوله: (مصليا) هٰذا خبر وليس إنشاء؛ لكن من الجمل الخبرية ما يفيد الإنشاء. فالمقصود أنني أبتدئ حامدا الله عز وجل مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم؛ أي قائلا: اللهم صل على محمد. طالبا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم اختلف العلماء في معناها: فمنهم من قال: إنها الرحمة. ومنهم من قال: إن معنى الصلاة الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم في الملأ الأعلى. ومنهم من قال: إنه طلب خير عظيم للنبي صلى الله عليه وسلم دون تحديد؛ أي دون تحديد نوع هٰذا الخير. وهٰذا المعنى الأخير معنى جيد؛ لأنه ليس هناك ما يدل على أن الصلاة هي الثناء على النبي في الملأ الأعلى تحديدا، سوى ما نقل عن أبي العالية رحمه الله([8])، ومثل هٰذا يحتاج إلىٰ توقيف، وأبو العالية ليس من الصحابة حتى نقول: إن قوله رحمه الله في حكم المرفوع.([9]) قوله: (خير نبي أرسلا) أي أخير نبي أرسل، فخير بمعنى أخير، فهي اسم تفضيل، حذف منه الهمز، وهٰذا شائع سائغ في لسان العرب أن تحذف همزة أفعل في مثل خير وشر، فإذا قلت: (هٰذا خير) أي هٰذا أخير من كذا، وإذا قلت: (هذا شر)، كان معناه: هٰذا أشر من كذا. فهي من أفعل التفضيل الذي حذفت فيه الهمزة تخفيفا لكثرة الاستعمال. مثل الناس فإن أصلها أناس حذفت الهمزة تخفيفا، فحذف الهمز تخفيفا دارج. ومثل الله أصلها الإلٰه حذفت الهمزة تخفيفا.([10]) (خير نبي أرسلا) فلا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم خير الأنبياء، ففي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر))([11]). وولد آدم فيهم الرسل والأنبياء، فإذا كان سيد ولد آدم جميعا فهو خيرهم صلى الله عليه و على آله سلم، وهٰذا وصف لا إشكال فيه، دلت عليه الأدلة في الكتاب والسنة وأجمع عليه أهل العلم. لكن الذي يقع فيه الإشكال وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه خير الخلق، فإن من الناس من يتوقف في مثل هٰذاويقول: هٰذا وصف لم يرد، وإذا كان كذلك فالواجب أن لا نزيد في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مما أخبر به الله عز وجل أو أخبر به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولكن الصحيح أن هٰذا الوصف سائغ وجائز ودلت الأدلة عليه، أما الأدلة فحديث عمر رضي الله عنه في الصحيح أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقد اتكأ على حصير حتى أثر في جنبه صلى الله عليه وسلم، فقال له عمر رضي الله عنه: هٰذا أنت يا رسول الله؟ أنت صفوة الله من خلقه.([12])والصفوة هو الخيرة وهو المصطفى المختار، (من خلقه) أي من جميع خلقه، خلق مضاف ومضاف إليه فيفيد العموم؛ مفرد مضاف يفيد العموم، وقد جرى أهل العلم على إطلاق هٰذا الوصف في حق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا وجه للتوقف في وصفه بذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ثم من حيث الدلالة اللازمة، إذا كان أفضل الخلق هم بنو آدم وهو سيد ولد آدم فيكون صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق. ثم بعد هٰذا الافتتاح بالثناء والحمد شرع المؤلف رحمه الله في المقصود من هٰذه المنظومة فقال: وذي من أقسام الحديث عده*** وكل واحد أتى وحده. (وذي) الواو هنا للاستئناف، استأنف بها مقصوده، وقوله: (ذي) اسم إشارة بمعنى هٰذه، والإشارة هنا لموجود في الذهن؛ لأن المؤلف لما كتب هٰذا البيت لم يكن قد ذكر الأقسام بعد، فإنه سابق لذكر الأقسام، فالمشار إليه في الذهن، وهٰذا أمر درج عليه العرب أن يشيروا إلىٰ ما قد هيؤوه في نفوسهم وزوروه في خواطرهم أن يتكلموا به أو أن يكتبوه أو أن ينشئوه، ولا حرج في هٰذا. قوله: (وذي من اقسام الحديث عده) بين المؤلف رحمه الله أن ما سيأتي في هٰذه الرسالة هو بيان لأقسام الحديث، والحديث: هو ما أضيف إلىٰ النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة. مثال القول: قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((بني الإسلام على خمس)) في حديث ابن عمر في الصحيحين.([13]) مثالالفعل: ما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))([14]). هٰذا قول أو فعل؟ هٰذا قول حقيقته قول؛ لأنه أمر صلى الله عليه وسلم بأن يتأسى الناس به في صلاته، ونظيره أيضا قوله: ((خذوا عني مناسككم))([15]). لكن في هذا أن فعله صلى الله عليه وسلم محل للتأسي. وأما الفعل كما في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم: أتى زمزم في حجه في طواف الإفاضة وشرب من الماء قائما.([16])فهٰذا حكاية فعل. وكذلك ما أخبرت به عائشة في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا أوى إلى فراشه جمع يديه ونفث فيهما ثلاثا، وقرأ الإخلاص والمعوذتين ثم مسح بهما رأسه وما استطاع من جسده، وكان يفعل ذلك كل ليلة.([17])هٰذا فعل، والأمثلة لهذا كثيرة جدا، إنما مقصودنا التمثيل الذي يحصل به فهم المعنى. التقرير،مثاله: ما أخبرت به عائشة في الصحيحين([18])من أنها قالت رضي الله عنها: لقد رأيتني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني ينظر وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد. فهٰذا تقرير، وجه التقرير: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة في نظرها إلىٰ من يلعب من الرجال. الثاني: أنه أقر الحبشة في لعبهم في المسجد في يوم العيد، فهٰذا تقرير منه صلى الله عليه وسلم. والتقرير: هو أن يفعل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فعل أو يصدر قول ولا ينكره. فإذا صدر قول أو وقع فعل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره دل ذلك على أي شيء؟ على أنه أقره صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أو صفة، المقصود بالصفة هنا صفة فعل أو صفة النبي صلى الله عليه وسلم؟ المقصود صفاته صلى الله عليه وسلم. أما الأفعال فقد تقدمت في قولنا في تعريف الحديث: ما أضيف إلىٰ النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل؛ لكن المقصود بالصفة هنا صفته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، سواء أكانت الصفة العامة كصفات بدنه وهيئته، أو الصفات الخاصة في أحوال معينة، كالحديث الذي في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث أصحابه عن نبي ضربه قومه فأدموه، وجعل صلى الله عليه وسلم يحكي فعل النبي المضروب؛ أي يصور هيئة النبي المضروب. فهٰذا ذكر صفة خاصة. كذلك صفته صلى الله عليه وسلم في شربه وفي قيامه وقعوده، هٰذه صفات خاصة تندرج في قول العلماء في تعريف الحديث: (أو صفة). لكن إذا كانت هٰذه فعلا فإنها تندرج في الفعل. وعلى كل حال المقصود بالصفات أولا الصفات البدنية والصفات الخلقية للنبي صلى الله عليه وسلم، والصفات الخاصة التي قد تكون في ظروف خاصة أو في قصص خاص من سيرته صلى الله عليه وسلم. إذا عرفنا الحديث، الحديث هو ما أضيف إلىٰ النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة. لماذا ذكر العلماء رحمهم الله القول قبل غيره؟ لأن الأصل في الاحتجاج بالقول؛ ولأن أقوى ما يكون في الدلالة القول، بخلاف الفعل والتقرير والصفة، فإن القول ما يرد عليه من احتمال أقل من غيره؛ ولذلك قدم القول على غيره. قال رحمه الله: (وذي من اقسام الحديث عده) فهمنا من هٰذا أن أقسام الحديث متعددة. واعلم أن العلماء رحمهم الله في تقسيم الحديث سلكوا مسالك شتى: فمنهممن يجمل في التقسيم ويقول: الحديث من حيث الأصل ينقسم إلى قسمين: إلىٰ حديث صحيح، وحديث ضعيف. وهٰذا أخصر ما يكون من الأقسام.([19]) ومنهممن يقسم الحديث تقسيما ثلاثيا، فيقول: الحديث صحيح، وضعيف، وحسن. ومنهممن يقسمه تقسيما أكثر من هٰذا فيبلغ به عددا كبيرا من الأقسام. والحقيقة أن الأقسام لا تعدو اثنين أو ثلاثة، وما عداها من أقسام الحديث فهي أنواع وليست أقساما؛ أي أنواع تندرج، فالضعيف أنواع، والحسن أنواع، والصحيح أنواع. فبالنظر إلىٰ الأنواع يكون أقساما عديدة. وبالنظر إلىٰ الإجمال نجد أنه ينقسم إلىٰ قسمين أو إلىٰ ثلاثة أقسام. فقول المؤلف رحمه الله: (وذي من اقسام الحديث عده) فيه تجوز؛ وجه التجوز أنه أراد بالأقسام هنا الأقسام الأصلية وما يندرج تحتها، فالأقسام الأصلية: صحيح وضعيف، أو صحيح وحسن وضعيف، وما يندرج تحتها من أقسام سيأتي ذكرها. فالضعيف له أنواع.. وهلم جرا. واعلم أن الأصل في سائر أنواع الحديث وأقسامه أنه اختل فيها شرط من شروط الحديث الصحيح. إذا أصل الأقسام هو الحديث الصحيح، فكلما اختل وصف من أوصاف الحديث الصحيح، انفرد، فكان نوعا من الأنواع، فجميع الأقسام تنبثق وتتفرع عن الحديث الصحيح. ولذلك تجد أن غالب المؤلفين في علوم الحديث إنما يذكرون أولا الحديث الصحيح، ويجعلونه كالقاعدة التي يبنى عليها غيره، والأصل الذي يؤسس عليه غيره. فسائر الأنواع إنما هي أنواع اختل فيها وصف من أوصاف الحديث الصحيح، ولذلك اعتن بفهم الحديث الصحيح ليتبين لك سائر الأنواع، ويتضح لك بقية الأصناف. يقول رحمه الله: وذي من أقسام الحديث عده*** وكل واحد أتى وحده. أي كل واحد يذكره المؤلف رحمه الله من أقسام الحديث في هٰذه المنظومة فإنه يذكره ويذكر معه حده، والحد هو التعريف، والبيان والتوضيح. فالمؤلف رحمه الله يذكر الحديث ويذكر حده -أي تعريفه الذي يتبين به- وهو بهذا قد أحسن غاية الإحسان؛ لأنه بين القسم وبين لنا معنى هٰذا القسم، فلم يذكره مجردا عن معناه. ابتدأ المؤلف رحمه الله في ذكر أقسام الحديث بذكر أعلاها وأشرفها وأصلها وأسها والمقصود الذي من أجله يدرس هٰذا الفن، المقصود الذي من أجله يدرس هٰذا الفن هو أن نصل إلى الحديث الصحيح، الذي به نعرف ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من القول أو الفعل أو التقرير أو الصفة. أولها الصحيح وهو ما اتصل***إسناده ولم يشذ أو يعل. يرويه عدل ضابط عن مثله***معتمد في ضبطه ونقله. فقال رحمه الله: (أولها) أي أول الأقسام التي وعد بها المؤلف رحمه الله الصحيح، وسمي صحيحا لسلامته من الآفات التي يزول بها وصف الصحة، فهو خالص من الآفات والأمراض التي توهنه وتضعفه. الصحيح قال فيه المؤلف رحمه الله في بيانه: .......... وهو ما اتصل***إسناده ولم يشذ أو يعل. يرويه عدل ضابط عن مثله***معتمد في ضبطه ونقله فهذان البيتان حويا تعريف الصحيح، ويمكن أن يتلخص لنا من تعريف الصحيح أنه ما اتصف بخمسة أوصاف، أو ما توفرت فيه خمسة شروط. واعلم أن هٰذه الأوصاف وهٰذه الشروط مجمع عليها بين أهل العلم، فلا خلاف بينهم في هٰذه الشروط. قبل أن نلج في كلام المؤلف رحمه الله لمعرفة ما ذكره من الشروط يتبادر سؤال: من أين أتى العلماء رحمهم الله بهذه الأقسام؟ معلوم أن الأئمة الكبار الذين ألفوا المؤلفات، وعنهم نقلت الأحاديث وميزوا الرجال، لم يتكلموا بهذا الكلام، لم يقسموا الحديث من حيث التصنيف إلى صحيح وضعيف وحسن ومنقطع ومرسل ومعضل وما سيأتينا من الأقسام. أيضا على أي شيء نعتمد في قولنا: إن العلماء أجمعوا على شروط الصحيح الخمسة، أو على أن الحسن ما قل فيه هذا الوصف من أوصاف الصحيح، أو أن الضعيف ما فات فيه شرط من شروط الصحيح؟ الجواب: أن هٰذا من عمل الأئمة الذين نظروا في أقوال أهل العلم وأعمالهم وطريقة تعاملهم مع الأحاديث النبوية. فمن خلال نظرهم فيما نقل عن الأئمة -في قبول الأحاديث وردها، وفي توهينها وتقويتها؛ سواء عملا أو قولا- علم من ذلك كله هٰذا التصنيف. ثم إن هٰذا التصنيف اصطلاحي، معنى اصطلاحي: أي إنه اتفق عليه العلماء المتأخرون، وعليه فلا يسوغ في مثل هٰذا أن نحكم على كلام المتقدمين من أهل العلم باصطلاح المتأخرين، فإن كثيرا من الخطأ الذي يقع فيه فئام من طلبة العلم -سواء فيما يتعلق بمصطلح الحديث أو بغيره من فنون العلم- أنهم يحكمون على كلام المتقدمين باصطلاحات المتأخرين، وهذا خطأ، فإنه يجب أن يراعى اصطلاح المتقدم. فعلى سبيل المثال: الإمام أحمد يطلق على بعض الأحاديث وصف الضعف، وإذا أجرينا اصطلاح المتأخرين في الضعيف على كلام الإمام أحمد اضطرب الميزان؛ لأن الإمام أحمد يقول: ضعيف ثم يعمل بالحديث أو يحتج به. فهل هٰذا يدل على أن الحديث الضعيف يحتج به في الأحكام والعقائد والفضائل وغيرها؟ الجواب: لا؛ لأن الإمام أحمد عنده اصطلاح في الحديث ليس عند غيره، فالحديث الضعيف عند أحمد يقابل الحسن في اصطلاح المتأخرين، فما وصفه بالضعف فهو حسن فيما اصطلح عليه متأخرو علماء هٰذا الفن. المقصود الذي نريد أن نصل إليه أن هٰذه القواعد وهٰذه الشروط وهٰذه التقسيمات اصطلاحية؛ فينبغي لنا أن نعرف متى اصطلحوا عليها، وأن نفهم أنها قد تختلف من عالم لآخر، وهٰذا هو الذي ينشأ عنه اختلاف العلماء في التصحيح والتضعيف. سيأتي إن شاء الله تعالىٰ بقية الكلام في الدرس القادم.   ([1]) أبو محمد الحسن بن عبد الرحمٰن الذي عاش إلىٰ قريب سنة 360ه، في كتابه المحدث الفاصل؛ لكنه لم يستوعب. انظر نخبة الفكر، الباعث الحثيث. ([2]) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع صاحب المستدرك وغيره، المتوفى سنة 405ه، لكنه لم يهذب ولم يرتب. ([3]) أبو نعيم أحمد بن عبد الله الصوفي صاحب حلية الأولياء وغيره، المتوفى سنة 430ه. ([4]) أحمد بن علي بن ثابت صاحب تاريخ بغداد وغيره، المتوفى سنة 463ه. ([5]) صنف في قوانين الرواية كتابا سماه (الكفاية)، وفي آدابها كتابا سماه (الجامع لآداب الشيخ والسامع). ([6]) قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه. ([7]) قال الشيخ عبد الرحمٰن بن حسن في فتح المجيد: (الحمد لله) معناه الثناء بالكلام على الجميل الاختياري، على وجه التعظيم. ([8])  صحيح البخاري: كتاب التفسير، باب قوله تعالىٰ: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾[الأحزاب:56]، قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء. ([9]) وهٰذا ما ذهب إليه الشيخ العثيمين في شرحه لمقدمة بلوغ المرام. وقال الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله: قد تنوعت عبارات العلماء سلفا وخلفا في تفسير صلاته: ففسرت بالرحمة، وفسرت بالمغفرة، وفسرت بثنائه عند الملائكة، وفسرت بعطائه وإحسانه، وفسرت بتعظيمه. ولا خلاف في الحقيقة بين هٰذه التفاسير، فإن مغفرته من رحمته، وإن ثناءه من رحمته، وإن عطاءه وإحسانه من رحمته، وإن تعظيمه من رحمته، فرجعت كلها إلىٰ تفسيرها بالرحمة. إلىٰ أن قال: فالذين فسروا الصلاة من الله بالرحمة فسروها باللازم، والذين فسروا بغير الرحمة فسروا بمقتضيات ذلك اللازم.  مجالس التذكير من حديث البشير النذير صفحة (220-221). وانظر بدائع الفوائد لابن القيم فله كلام مغاير لهذا. ([10]) انظر بدائع الفوائد تحت فائدة: هل اسم الله مشتق، (1/26)، وانظر تيسير العزيز الحميد ص15. ([11]) سنن ابن ماجه: كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة، حديث رقم (4308). قال الشيخ الألباني: صحيح. وأوله في صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (2278). ([12])مسلم: كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، حديث رقم (1479). واللفظ (صفوته). ([13]) البخاري: كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس))، حديث رقم (8).     مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، حديث رقم (16). ([14]) البخاري: كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، حديث رقم (631). ([15]) مسلم: كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا وبيان قوله صلى الله عليه وسلم: ((لتأخذوا عني مناسككم))، حديث رقم (1297). واللفظ للنسائي: كتاب مناسك الحج باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، حديث رقم (3062). ([16]) البخاري: كتاب الحج، باب ما جاء في زمزم، حديث رقم (1637).     مسلم: كتاب الأشربة، باب في الشرب من زمزم قائما، حديث رقم (2027). ([17]) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب فضل المعوذات، حديث رقم (5017). ولم أجده في مسلم. ([18]) البخاري:  كتاب النكاح، باب حسن المعاشرة مع الأهل، حديث رقم (5190).      مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، حديث رقم (892). ([19]) قاله ابن كثير في الباعث الحثيث في النوع الأول.

المشاهدات:7061


بسم الله الرحمـٰن الرحيم



قال الناظم عمر بن محمد بن فتوح البيقوني رحمه الله تعالىٰ:

بسم الله الرحمن الرحيم


أَبْدَأُ بالحمْدِ مُصَلِّياً عَلى***محمــــدٍ خَيْرِ نَبيٍّ أُرْسِلا


وَذِي مِنَ اقْسامِ الحدِيثِ عِدَّهْ*** وَكُلُّ واحدٍ أَتَى وَحَدَّهْ


أَوَّلُها الصَّحِيحُ وَهْوَ ما اتَّصَلْ***إسْنادُه ولمْ يَشُذَّ أو يُعَلْ
يَرْوِيهِ عَدْلٌ ضابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ***مُعْتَمَدٌ في ضَبْطِهِ ونَقْلِهِ


                                  بسم الله الرحمـٰن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلىٰ يوم الدين.



أما بعد:



فهذا أول الدروس المتعلِّقة بشرح البيقونية.



والبيقونية متن مختصر من متون العلم المتعلقة بمصطلح الحديث.



وإنما وقع الاختيار على هذا المتن دون غيره لكونه متناً مختصراً ميسراً حوى أصول علم مصطلح الحديث التي لا غُنية لكل طالب علم عن الإحاطة بها ومعرفتها، فهي تمثل الحد الأدنى الذي ينبغي لطالب العلم أن يحيط به وأن يُحصِّله فيما يتعلق بهذا العلم.



وهي مشهورة بهذا الاسم (البيقونية) نسبة لصاحبها الذي نظمها وهو طه بن محمد البيقوني.



 واختلف في اسمه، فقيل: عمر بن محمد البيقوني، وعلى كل حال لم يكن هناك ما يرجع إليه في تحرير أي الاسمين هو لصاحب هـٰذه المنظومة.



هـٰذه المنظومة كما ذكرنا هي في مصطلح الحديث، ومصطلح الحديث علم يتناول دراسة الحديث من حيث الراوي والمروي؛ فهو من العلوم التي ينظر فيها إلىٰ حال الرواة وحال ما نقلوه ورووه، وله من القوانين والقواعد ما هو معروف في كتب أهل العلم، وقد أُلِّفَ وصنف في ذلك شيء كثير، فإن علم مصطلح الحديث من العلوم المخدومة التي كثر مصنفوها والمتكلمون في أنواعها.



والمراد أن نفهم أن علم الحديث الذي يتكلّم عنه العلماء ينقسم إلىٰ قسمين: علم دراية، وعلم رواية.



علم الرّواية:هو العلم المتعلق بنقل الحديث وضبطه وتحرير ألفاظه.



أما علم الدِّراية: فهو معرفة أحوال الراوي والمروي، الراوي الناقل، والمروي هو النص المنقول، وسواء كان ذلك النص لفظاً أو حكايةً عن عمل أو تقريراً، أو ما إلى ذلك مما ينقله الرواة.



إذاً من هـٰذا نعلم أن علم الحديث هو علم يتضمّن قواعد يُعرف بها أحوال السند والمتن من حيث صحتها وحسنها وضعفها، ومن حيث علو السند ونزوله، وكيفية التحمل والأداء، وصفات رجال الإسناد.



هـٰذا العلم بحر لا ساحل له، فإنه من العلوم التي توسّع فيها العلماء كثيراً.



ومما يندرج في علم الحديث، العلم بالقواعد التي تُرجَّح فيها الروايات، وتطبّق في القبول والرد.



وأول من صنف في هـٰذا العلم الرامهرمزي([1])-رحمه الله- في أوسط القرن الرابع، ثم تلاه من تلاه من العلماء كالحاكم([2])والأصبهاني([3])وغيرهما.



 ثم أتى أبو بكر الخطيب البغدادي([4])رحمه الله وفتح في هـٰذا العلم فتحاً مبيناً حيث كتب فيه ما لم يكتبه غيره،([5])فكل من جاء بعده فهو مستفيد منه، منطلق مما أسسه رحمه الله.([6])



وبعد ذلك انتشرت المؤلفات والمصنفات في هـٰذا العلم.



نقرأ ما في هـٰذه المنظومة التي افتتحها المؤلف رحمه الله.



يقول رحمه الله افتتاحاً: (بسم الله الرحمـٰن الرحيم) فافتتح هـٰذه الرسالة بالبسملة، وهـٰذه سنة في كتاب الله عز وجل وفي كتب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اقتدى بها العلماء وتأسى بها المصنفون والمتكلمون.



فالبداءة بالبسملة سنة ماضية في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودرج عليها وأخذها أهل العلم في مؤلفاتهم ومصنفاتهم.



والبسملة الكلام فيها مشهور مكرور، خلاصته أن البسملة جملة تامة: إما اسمية وإما فعلية، والاختلاف بين القولين يرجع إلىٰ أي شيء؟ إلىٰ الاختلاف في التقدير:



فمن قدّر المضمر بالفعل جعلها جملة فعلية.



ومن قدّر المضمر بالاسم جعلها جملة اسمية.



والأمر في هذا قريب كما تقدم؛ ولكن يبقى أن يقال: إن المقدَّر يلاحظ فيه أن يكون مناسباً، فإنه لا يسوغ أن يجعل المتعلق -متعلق البسملة- في كل الموارد لفظاً واحداً، إنما يُجعل في كل مورد ترد فيه هـٰذه الكلمة حسب ما يناسب، فإن كانت في القراءة فيقدر ما يتعلق بالقراءة، وإن كانت في الكتابة يقدر ما يتعلق بالكتابة وهلم جرّاً.



ويناسب أن يكون هـٰذا المقدر مؤخراً، والسر في التأخير:



·       التيمن بالبداءة بذكر الله عز وجل، هـٰذا أولاً.



·       وثانياً الحصر؛ فإن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر.



والباء في قوله: (بسم الله) من العلماء من قال: إنها للمصاحبة.



ومنهم من قال: إنها للاستعانة. وهو الذي يظهر أنها للاستعانة التي تصاحب الإنسان في كل الفعل.



فقراءته: (بسم الله) مصاحبة واستعانة.



وأما ما في البسملة من الأسماء فهو معروف مشهور: فيها من أسماء الله عز وجل (الله الرحمـٰن الرحيم) والكلام على هـٰذه الأسماء مشهور معروف.



بعد ذلك بدأ المؤلف رحمه الله بقوله: (أَبْدَأُ بالحمْدِ مُصَلِّياً) فابتدأ بعد البسملة بالحمد.



والحمد:هو الإخبار بمحاسن المحمود على وجه المحبة والتعظيم.



وقد فسره جماعة من العلماء بأنه الثناء على الجميل الاختياري.([7])وهـٰذا تعريف فيه قصور؛ لأن قصر الحمد على الجميل الاختياري لا ينبئ عن ما تضمنه الحمد من عظيم المحبة للمحمود وعظيم التعظيم له أو وكبير التعظيم له، فإن حمد الله جل وعلا يتضمن هذين المعنيين: يتضمن الإخبار بمحاسن الله عز وجل على وجه المحبة له، والتعظيم له سبحانه وبحمده.



وقد جاءت في البسملة والحمدلة أحاديث عديدة في ذم البداءة بغير حمد الله وبغير البسملة؛ لكن لا يصح منها شيء على وجه الانفراد، إلا أن المجموع يدل على أن البداءة مطلوبة.



ويكفي في هـٰذا السنة الماضية الجارية من هدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث كان يبتدئ كتبه ورسائله بالبسملة، ويبتدئ خطبه بالحمدلة.



(أَبْدَأُ بالحمْدِ مُصَلِّياً)، (مُصَلِّياً) حال، وهي جملة خبرية يُقصد بها الإنشاء، فإن قوله: (مُصَلِّياً) هـٰذا خبر وليس إنشاء؛ لكن من الجمل الخبرية ما يفيد الإنشاء.



فالمقصود أنني أبتدئ حامداً الله عز وجل مصلياً على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ أي قائلاً: اللهم صل على محمد. طالباً الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



والصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلف العلماء في معناها:



فمنهم من قال: إنها الرحمة.



ومنهم من قال: إن معنى الصلاة الثناء على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الملأ الأعلى.



ومنهم من قال: إنه طلب خير عظيم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دون تحديد؛ أي دون تحديد نوع هـٰذا الخير.



وهـٰذا المعنى الأخير معنى جيد؛ لأنه ليس هناك ما يدل على أن الصلاة هي الثناء على النبي في الملأ الأعلى تحديداً، سوى ما نقل عن أبي العالية رحمه الله([8])، ومثل هـٰذا يحتاج إلىٰ توقيف، وأبو العالية ليس من الصحابة حتى نقول: إن قوله رحمه الله في حكم المرفوع.([9])



قوله: (خَيْرِ نَبيٍّ أُرْسِلا) أي أخير نبي أرسل، فخير بمعنى أخير، فهي اسم تفضيل، حُذف منه الهمز، وهـٰذا شائع سائغ في لسان العرب أن تحذف همزة أفعل في مثل خير وشر، فإذا قلت: (هـٰذا خير) أي هـٰذا أخير من كذا، وإذا قلت: (هذا شر)، كان معناه: هـٰذا أشر من كذا. فهي من أفعل التفضيل الذي حذفت فيه الهمزة تخفيفاً لكثرة الاستعمال.



مثل الناس فإن أصلها أناس حذفت الهمزة تخفيفاً، فحذف الهمز تخفيفاً دارج.



ومثل الله أصلها الإلـٰه حذفت الهمزة تخفيفاً.([10])



(خَيْرِ نَبيٍّ أُرْسِلا) فلا شك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خير الأنبياء، ففي الصحيح قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر))([11]). وولد آدم فيهم الرسل والأنبياء، فإذا كان سيد ولد آدم جميعاً فهو خيرهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ عَلَى آلِهِ سَلَّمَ، وهـٰذا وصف لا إشكال فيه، دلت عليه الأدلة في الكتاب والسنة وأجمع عليه أهل العلم.



لكن الذي يقع فيه الإشكال وصفه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه خير الخلق، فإن من الناس من يتوقف في مثل هـٰذاويقول: هـٰذا وصف لم يرد، وإذا كان كذلك فالواجب أن لا نزيد في وصف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكثر مما أخبر به الله عز وجل أو أخبر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله وسَلَّمَ.



ولكن الصحيح أن هـٰذا الوصف سائغ وجائز ودلت الأدلة عليه، أما الأدلة فحديث عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في الصحيح أنه دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد اتكأ على حصير حتى أثّر في جنبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: هـٰذا أنت يا رسول الله؟ أنت صفوة الله من خلقه.([12])والصفوة هو الخيرة وهو المصطفى المختار، (من خلقه) أي من جميع خلقه، خلق مضاف ومضاف إليه فيفيد العموم؛ مفرد مضاف يفيد العموم، وقد جرى أهل العلم على إطلاق هـٰذا الوصف في حق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فلا وجه للتوقف في وصفه بذلك صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.



ثم من حيث الدّلالة اللازمة، إذا كان أفضل الخلق هم بنو آدم وهو سيد ولد آدم فيكون صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل الخلق.



ثم بعد هـٰذا الافتتاح بالثناء والحمد شرع المؤلف رحمه الله في المقصود من هـٰذه المنظومة فقال:



وَذِي مِنَ أقْسامِ الحدِيثِ عِدَّهْ*** وَكُلُّ واحدٍ أَتَى وَحَدَّهْ.



(وَذِي) الواو هنا للاستئناف، استأنف بها مقصوده، وقوله: (ذِي) اسم إشارة بمعنى هـٰذه، والإشارة هنا لموجود في الذهن؛ لأن المؤلف لما كتب هـٰذا البيت لم يكن قد ذكر الأقسام بعد، فإنه سابق لذكر الأقسام، فالمشار إليه في الذهن، وهـٰذا أمر درج عليه العرب أن يشيروا إلىٰ ما قد هيؤوه في نفوسهم وزوّروه في خواطرهم أن يتكلموا به أو أن يكتبوه أو أن ينشئوه، ولا حرج في هـٰذا.



قوله: (وَذِي مِنَ اقْسامِ الحدِيثِ عِدَّهْ) بين المؤلف رحمه الله أن ما سيأتي في هـٰذه الرسالة هو بيان لأقسام الحديث، والحديث: هو ما أضيف إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آله سَلَّمَ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة.



مثال القول: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: ((بني الإسلام على خمس)) في حديث ابن عمر في الصحيحين.([13])



مثالالفعل: ما في الصحيح من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))([14]). هـٰذا قول أو فعل؟ هـٰذا قول حقيقته قول؛ لأنه أمر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يتأسى الناس به في صلاته، ونظيره أيضاً قوله: ((خذوا عني مناسككم))([15]). لكن في هذا أن فعله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ محل للتأسي.



وأما الفعل كما في الصحيحين من أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتى زمزم في حجه في طواف الإفاضة وشرب من الماء قائماً.([16])فهـٰذا حكاية فعل.



وكذلك ما أخبرت به عائشة في الصحيحين من أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان إذا أوى إلى فراشه جمع يديه ونفث فيهما ثلاثاً، وقرأ الإخلاص والمعوذتين ثم مسح بهما رأسه وما استطاع من جسده، وكان يفعل ذلك كل ليلة.([17])هـٰذا فعل، والأمثلة لهذا كثيرة جدّاً، إنما مقصودنا التمثيل الذي يحصل به فهم المعنى.



التقرير،مثاله: ما أخبرت به عائشة في الصحيحين([18])من أنها قالت رَضِيَ اللهُ عَنْها: لقد رأيتني ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسترني ينظر وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد.



فهـٰذا تقرير، وجه التقرير: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقر عائشة في نظرها إلىٰ من يلعب من الرجال.



الثاني: أنه أقر الحبشة في لعبهم في المسجد في يوم العيد، فهـٰذا تقرير منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



والتقرير: هو أن يُفعل بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل أو يصدر قول ولا ينكره.



فإذا صدر قول أو وقع فعل بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم ينكره دل ذلك على أي شيء؟ على أنه أقره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.



أو صفة، المقصود بالصفة هنا صفة فعل أو صفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ المقصود صفاته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



أما الأفعال فقد تقدمت في قولنا في تعريف الحديث: ما أضيف إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قول أو فعل؛ لكن المقصود بالصفة هنا صفته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، سواء أكانت الصفة العامة كصفات بدنه وهيئته، أو الصفات الخاصة في أحوال معينة، كالحديث الذي في الصحيح أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث أصحابه عن نبي ضربه قومه فأدموه، وجعل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحكي فعل النبي المضروب؛ أي يصور هيئة النبي المضروب. فهـٰذا ذكر صفة خاصة.



كذلك صفته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شربه وفي قيامه وقعوده، هـٰذه صفات خاصة تندرج في قول العلماء في تعريف الحديث: (أو صفة).



لكن إذا كانت هـٰذه فعلاً فإنها تندرج في الفعل.



وعلى كل حال المقصود بالصفات أولاً الصفات البدنية والصفات الخَلقية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والصفات الخاصة التي قد تكون في ظروف خاصة أو في قصص خاص من سيرته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



إذاً عرفنا الحديث، الحديث هو ما أضيف إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قول أو فعل أو تقرير أو صفة.



لماذا ذكر العلماء رحمهم الله القول قبل غيره؟ لأن الأصل في الاحتجاج بالقول؛ ولأن أقوى ما يكون في الدّلالة القول، بخلاف الفعل والتقرير والصفة، فإن القول ما يرد عليه من احتمال أقل من غيره؛ ولذلك قُدِّم القول على غيره.



قال رحمه الله: (وَذِي مِنَ اقْسامِ الحدِيثِ عِدَّهْ) فهمنا من هـٰذا أن أقسام الحديث متعددة.



واعلم أن العلماء رحمهم الله في تقسيم الحديث سلكوا مسالك شتى:



فمنهممن يجمل في التقسيم ويقول: الحديث من حيث الأصل ينقسم إلى قسمين: إلىٰ حديث صحيح، وحديث ضعيف. وهـٰذا أخصر ما يكون من الأقسام.([19])



ومنهممن يقسم الحديث تقسيماً ثلاثيّاً، فيقول: الحديث صحيح، وضعيف، وحسن.



ومنهممن يقسمه تقسيماً أكثر من هـٰذا فيبلغ به عدداً كبيراً من الأقسام.



والحقيقة أن الأقسام لا تعدو اثنين أو ثلاثة، وما عداها من أقسام الحديث فهي أنواع وليست أقساماً؛ أي أنواع تندرج، فالضعيف أنواع، والحسن أنواع، والصحيح أنواع.



فبالنظر إلىٰ الأنواع يكون أقساماً عديدة.



وبالنظر إلىٰ الإجمال نجد أنه ينقسم إلىٰ قسمين أو إلىٰ ثلاثة أقسام.



فقول المؤلف رحمه الله: (وَذِي مِنَ اقْسامِ الحدِيثِ عِدَّهْ) فيه تجوّز؛ وجه التجوز أنه أراد بالأقسام هنا الأقسام الأصلية وما يندرج تحتها، فالأقسام الأصلية: صحيح وضعيف، أو صحيح وحسن وضعيف، وما يندرج تحتها من أقسام سيأتي ذكرها. فالضعيف له أنواع.. وهلم جرًّا.



واعلم أن الأصل في سائر أنواع الحديث وأقسامه أنه اختل فيها شرط من شروط الحديث الصحيح.



إذاً أصل الأقسام هو الحديث الصحيح، فكلما اختل وصف من أوصاف الحديث الصحيح، انفرد، فكان نوعاً من الأنواع، فجميع الأقسام تنبثق وتتفرع عن الحديث الصحيح.



ولذلك تجد أن غالب المؤلفين في علوم الحديث إنما يذكرون أولاً الحديث الصحيح، ويجعلونه كالقاعدة التي يُبنى عليها غيره، والأصل الذي يؤسَّس عليه غيره.



فسائر الأنواع إنما هي أنواع اختل فيها وصف من أوصاف الحديث الصحيح، ولذلك اعتنِ بفهم الحديث الصحيح ليتبين لك سائر الأنواع، ويتضح لك بقية الأصناف.



يقول رحمه الله:



وَذِي مِنَ أقْسامِ الحدِيثِ عِدَّهْ*** وَكُلُّ واحدٍ أَتَى وَحَدَّهْ.



أي كل واحد يذكره المؤلف رحمه الله من أقسام الحديث في هـٰذه المنظومة فإنه يذكره ويذكر معه حدَّه، والحد هو التعريف، والبيان والتوضيح.



فالمؤلف رحمه الله يذكر الحديث ويذكر حدّه -أي تعريفه الذي يتبين به- وهو بهذا قد أحسن غاية الإحسان؛ لأنه بيّن القسم وبيّن لنا معنى هـٰذا القسم، فلم يذكره مجرّداً عن معناه.



ابتدأ المؤلف رحمه الله في ذكر أقسام الحديث بذكر أعلاها وأشرفها وأصلها وأسها والمقصود الذي من أجله يدرس هـٰذا الفن، المقصود الذي من أجله يدرس هـٰذا الفن هو أن نصل إلى الحديث الصحيح، الذي به نعرف ما ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من القول أو الفعل أو التقرير أو الصفة.



أَوَّلُها الصَّحِيحُ وَهْوَ ما اتَّصَلْ***إسْنادُه ولمْ يَشُذَّ أو يُعَلْ.



يَرْوِيهِ عَدْلٌ ضابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ***مُعْتَمَدٌ في ضَبْطِهِ ونَقْلِهِ.



فقال رحمه الله: (أَوَّلُها) أي أول الأقسام التي وعد بها المؤلف رحمه الله الصحيح، وسمي صحيحاً لسلامته من الآفات التي يزول بها وصف الصحة، فهو خالص من الآفات والأمراض التي توهنه وتضعفه.



الصحيح قال فيه المؤلف رحمه الله في بيانه:



.......... وَهْوَ ما اتَّصَلْ***إسْنادُه ولمْ يَشُذَّ أو يُعَلْ.



يَرْوِيهِ عَدْلٌ ضابِطٌ عَنْ مِثْلِهِ***مُعْتَمَدٌ في ضَبْطِهِ ونَقْلِهِ



فهذان البيتان حويا تعريف الصحيح، ويمكن أن يتلخص لنا من تعريف الصحيح أنه ما اتصف بخمسة أوصاف، أو ما توفرت فيه خمسة شروط.



واعلم أن هـٰذه الأوصاف وهـٰذه الشروط مجمع عليها بين أهل العلم، فلا خلاف بينهم في هـٰذه الشروط.



قبل أن نلج في كلام المؤلف رحمه الله لمعرفة ما ذكره من الشروط يتبادر سؤال: من أين أتى العلماء رحمهم الله بهذه الأقسام؟



معلوم أن الأئمة الكبار الذين ألفوا المؤلفات، وعنهم نقلت الأحاديث وميزوا الرجال، لم يتكلموا بهذا الكلام، لم يقسموا الحديث من حيث التصنيف إلى صحيح وضعيف وحسن ومنقطع ومرسل ومعضل وما سيأتينا من الأقسام.



أيضاً على أي شيء نعتمد في قولنا: إن العلماء أجمعوا على شروط الصحيح الخمسة، أو على أن الحسن ما قل فيه هذا الوصف من أوصاف الصحيح، أو أن الضعيف ما فات فيه شرط من شروط الصحيح؟ الجواب: أن هـٰذا من عمل الأئمة الذين نظروا في أقوال أهل العلم وأعمالهم وطريقة تعاملهم مع الأحاديث النبوية.



فمن خلال نظرهم فيما نقل عن الأئمة -في قبول الأحاديث وردها، وفي توهينها وتقويتها؛ سواء عملاً أو قولاً- عُلم من ذلك كله هـٰذا التصنيف.



ثم إن هـٰذا التصنيف اصطلاحي، معنى اصطلاحي: أي إنه اتفق عليه العلماء المتأخرون، وعليه فلا يسوغ في مثل هـٰذا أن نحكم على كلام المتقدمين من أهل العلم باصطلاح المتأخرين، فإن كثيراً من الخطأ الذي يقع فيه فئام من طلبة العلم -سواء فيما يتعلق بمصطلح الحديث أو بغيره من فنون العلم- أنهم يحكمون على كلام المتقدمين باصطلاحات المتأخرين، وهذا خطأ، فإنه يجب أن يُراعى اصطلاح المتقدم.



فعلى سبيل المثال: الإمام أحمد يطلق على بعض الأحاديث وصف الضعف، وإذا أجرينا اصطلاح المتأخرين في الضعيف على كلام الإمام أحمد اضطرب الميزان؛ لأن الإمام أحمد يقول: ضعيف ثم يعمل بالحديث أو يحتج به.



فهل هـٰذا يدل على أن الحديث الضعيف يحتج به في الأحكام والعقائد والفضائل وغيرها؟



الجواب: لا؛ لأن الإمام أحمد عنده اصطلاح في الحديث ليس عند غيره، فالحديث الضعيف عند أحمد يقابل الحسن في اصطلاح المتأخرين، فما وصفه بالضعف فهو حسن فيما اصطلح عليه متأخرو علماء هـٰذا الفن.



المقصود الذي نريد أن نصل إليه أن هـٰذه القواعد وهـٰذه الشروط وهـٰذه التقسيمات اصطلاحية؛ فينبغي لنا أن نعرف متى اصطلحوا عليها، وأن نفهم أنها قد تختلف من عالم لآخر، وهـٰذا هو الذي ينشأ عنه اختلاف العلماء في التصحيح والتضعيف.



سيأتي إن شاء الله تعالىٰ بقية الكلام في الدرس القادم.






 






([1]) أبو محمد الحسن بن عبد الرحمـٰن الذي عاش إلىٰ قريب سنة 360هـ، في كتابه المحدث الفاصل؛ لكنه لم يستوعب. انظر نخبة الفكر، الباعث الحثيث.




([2]) أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيِّع صاحب المستدرك وغيره، المتوفى سنة 405هـ، لكنه لم يهذب ولم يرتب.




([3]) أبو نعيم أحمد بن عبد الله الصوفي صاحب حلية الأولياء وغيره، المتوفى سنة 430هـ.




([4]) أحمد بن علي بن ثابت صاحب تاريخ بغداد وغيره، المتوفى سنة 463هـ.




([5]) صنف في قوانين الرواية كتاباً سماه (الكفاية)، وفي آدابها كتاباً سماه (الجامع لآداب الشيخ والسامع).




([6]) قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه.




([7]) قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن حسن في فتح المجيد: (الحمد لله) معناه الثناء بالكلام على الجميل الاختياري، على وجه التعظيم.




([8]صحيح البخاري: كتاب التفسير، باب قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[الأحزاب:56]، قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء.




([9]) وهـٰذا ما ذهب إليه الشيخ العثيمين في شرحه لمقدمة بلوغ المرام.



وقال الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله: قد تنوعت عبارات العلماء سلفاً وخلفاً في تفسير صلاته: ففسرت بالرحمة، وفسرت بالمغفرة، وفسرت بثنائه عند الملائكة، وفسرت بعطائه وإحسانه، وفسرت بتعظيمه. ولا خلاف في الحقيقة بين هـٰذه التفاسير، فإن مغفرته من رحمته، وإن ثناءه من رحمته، وإن عطاءه وإحسانه من رحمته، وإن تعظيمه من رحمته، فرجعت كلها إلىٰ تفسيرها بالرحمة. إلىٰ أن قال: فالذين فسروا الصلاة من الله بالرحمة فسروها باللازم، والذين فسروا بغير الرحمة فسروا بمقتضيات ذلك اللازم.  مجالس التذكير من حديث البشير النذير صفحة (220-221). وانظر بدائع الفوائد لابن القيم فله كلام مغاير لهذا.




([10]) انظر بدائع الفوائد تحت فائدة: هل اسم الله مشتق، (1/26)، وانظر تيسير العزيز الحميد ص15.




([11]) سنن ابن ماجه: كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة، حديث رقم (4308). قال الشيخ الألباني: صحيح. وأوله في صحيح مسلم: كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حديث رقم (2278).




([12])مسلم: كتاب الطلاق، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، حديث رقم (1479). واللفظ (صفوته).




([13]) البخاري: كتاب الإيمان، باب قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بني الإسلام على خمس))، حديث رقم (8).



    مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام، حديث رقم (16).




([14]) البخاري: كتاب الأذان، باب الأذان للمسافر، حديث رقم (631).




([15]) مسلم: كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً وبيان قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لتأخذوا عني مناسككم))، حديث رقم (1297).



واللفظ للنسائي: كتاب مناسك الحج باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، حديث رقم (3062).




([16]) البخاري: كتاب الحج، باب ما جاء في زمزم، حديث رقم (1637).



    مسلم: كتاب الأشربة، باب في الشرب من زمزم قائماً، حديث رقم (2027).




([17]) البخاري: كتاب فضائل القرآن، باب فضل المعوذات، حديث رقم (5017). ولم أجده في مسلم.




([18]) البخاري:  كتاب النكاح، باب حسن المعاشرة مع الأهل، حديث رقم (5190).



     مسلم: كتاب صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد، حديث رقم (892).




([19]) قاله ابن كثير في الباعث الحثيث في النوع الأول.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85989 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80480 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74767 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61831 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53355 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50919 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50644 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46025 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45573 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف