قال شيخ الإسلام - رحمه الله - (ثم هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة؛ بل في غاية الضلالة. كيف يكون هؤلاء المتأخرون - لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم وأخبر الواقف على نهاية إقدامهم بما انتهى إليه أمرهم حيث يقول: لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر على ذقن أو قارعا سن نادم
وأقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشئين له فيما صنفوه من كتبهم كقول بعض رؤسائهم.
نهاية إقــدام العـقول عقــال وأكثر سعي العالمين ضـلال
وأرواحنا في وحشة من جـسومنا وحاصـل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عــمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن. اقرأ في الإثبات: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ ([1])﴿إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾([2]) واقرأ في النفي: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾([3]) ﴿ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾([4]) ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي)
مازال الكلام في هذه المقدمة المباركة حول تقرير صحة مذهب السلف وبيان بطلان ما سلكه الخالفون من الخلف مما غايروا فيه طريقة السلف وخالفوهم فيه في باب أسماء الله تعالى وصفاته فذكر الشيخ رحمة الله عليه من الأدلة على بطلان طريقة الخلف وأنها لا توصل إلى علم وأن قولهم: إن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم أن هذا القول غير صحيح و ما وصل إليه هؤلاء وما حصلوه من سعيهم وسبيلهم وطريقهم فقال رحمه الله: (كيف يكون هؤلاء المتأخرون لا سيما والإشارة بالخلف إلى ضرب من المتكلمين الذين كثر في باب الدين اضطرابهم وغلظ عن معرفة الله حجابهم)ثم ساق من الأقوال التي نطقوا بها وتكلموا بها واستشهدوا بها على بيان سوء حالهم وأنهم لم يصلوا من سعيهم ونظرهم إلا إلى ضلال وعطب و أما قوله رحمه الله (من المتكلمين): فالمتكلمون : هم كل من تكلم في باب أسماء الله وصفاته بما يخالف الكتاب والسنة . كل من تكلم في باب الأسماء و الصفات أو فيما يتعلق بالله عز وجل بخلاف ما جاء في الكتاب و السنة . فهذا تعريف ينظم المتكلمين ويبين مَن هم كل من تكلم في باب أسماء الله وصفاته أو فيما يتعلق به بغير ما دل عليه الكتاب والسنة فإنه من المتكلمين. وذكر الشيخ رحمه الله نقولاً منها النقل الأول والثاني و ما سينقله أيضا كلها تبين سوء حال هؤلاء وسوء عاقبتهم فقال رحمه الله في الأبيات بعد ذلك قال (: (وأقروا على أنفسهم بما قالوه) يعني بما أخبروا به مما حصلوه (متمثلين به)أي : منزلين تلك الأقوال على حالهم (أو منشئين له) أي : إنهم قالوا قولا مبتدعاً في بيان سوء عاقبتهم وأنهم لم يصلوا في بحثهم وطلبهم معرفة الله عز وجل إلى شيء ثم قال:(لقد تأملت الطرق الكلامية)نقلا عن أحدهم وهو الفخر الرازي (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلا)أي مريضا يطلب الشفاء (ولا تروي غليلا) أي وحر صدره وطلب شفاء صدره في هذه الطرق (فرأيت أقرب الطرق طريقة القرآن)وطريقة القرآن طريقة واضحة فيها إثبات صفات الله عز وجل وهو إثبات مفصل وفيها نفي ما لا يليق بالله عز وجل وهو نفي مجمل ولذلك قال: أقرأ في الإثبات﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾وهذا إثبات الصفات وهو إثبات مفصل ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ وأقرأ في النفي﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾وهذا نفي مجمل و ستأتينا هذه القواعد في ثنايا كلام الشيخ رحمه الله في هذه الرسالة ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً﴾ وهذا أيضا نفي مجمل فنفى إحاطة العلم به سبحانه وتعالى والنفي هنا نفى إحاطة العلم به سبحانه وتعالى وبأسمائه وصفاته وبحقائق هذه الأسماء والصفات وبأفعاله جل وعلا فالخلق لا يحيطون به علما سبحانه وتعالى لا حساً ولا علماً أي من جهة الأخبار والإحاطة بوصفه سبحانه وتعالى بالعلم فيوم القيامة لا تدركه الأبصار جل وعلا ([5])وهذا فيه نفي الإحاطة الحسية وأيضا فيه نفي الإحاطة الخبرية أي أن الأخبار لا تحيط بوصفه جل وعلا ولذلك كان من أسمائه ما استأثر به فلم يظهره ولم يخبر به خلقه وكذلك من صفاته لأن الأسماء تتضمن الصفات فإذا كان من الأسماء ما لم يخبر به سبحانه وتعالى فكذلك الصفات فإن منها ما استأثر به سبحانه وتعالى ولم يخبر بها خلقه ثم قال الرازي: (ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي)ولاشك أن السعيد من اعتبر بغيره ولا يلزم أن نسلك طريقهم حتى نرى ونقف على ما وصلوا إليه وما أصابوه إنما يكفينا في العبرة والعظة أن نقرأ ما كتبوه وقالوه أو استشهدوا به في بيان سوء عاقبتهم وما وصلوا إليه .
قال رحمه الله :(ويقول الآخر منهم: لقد خضت البحر الخضم وتركت أهل الإسلام وعلومهم وخضت في الذي نهوني عنه والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان وها أنا أموت على عقيدة أمي) ا هـ.وهذا النقل نقل مهم وهو من إمام كبير من أئمة المتكلمين وهو إمام الحرمين أبو المعالي الجويني يقول :(لقد خضت البحر الخضم) وهو ما يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته (وتركت أهل الإسلام وعلومهم)ويشير بذلك إلى علماء السلف من أهل القرون المفضلة ومن سار على هديهم من بعدهم (وخضت في الذي نهوني عنه)وهو علم الكلام خاض في علم الكلام الذي نهى عنه السلف (والآن) يعني بعد هذه الجراءة بخوض هذا البحر وترك ما كان عليه سلف الأمة (الآنإن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان وها أنا أموت على عقيدة أمي) وهذا يفيدك فائدة عظيمة أنه على طول بحث المتكلمين وعلى عظم خوضهم في هذا الباب أنهم لا يصلون إلى شيء تنتهي بهم الأمور إلى أن يعتقدوا هذا على أحسن الأحوال تنتهي بهم الأمور إلى أن يعتقدوا ما يعتقده العجائز اللواتي لم يتفقهن تفقها تاما فيما يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته.
إذاً نهاية ما يصل إليه أهل الكلام في بحثهم ودراستهم ونظرهم هو أول نقطة يبتدئ منها أهل السنة والجماعة والعلماء الذين سلكوا طريق السلف فعلماء السلف يبتدئون من النقطة التي ينتهي إليها أولئك وشتان بين من كانت خاتمته هي بداية غيره شتان بين من كانت خاتمته أن يعتقد عقيدة عوام أهل الإسلام وبين من كان ابتداؤه أن يعتقد عقيدة عوام أهل الإسلام ثم يصل إلى المعارف والعلوم التي يفتح الله بها عليه مما أدركه سلف هذه الأمة وعلموه.
(ويقول الآخر منهم: أكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام) هذا الكلام للغزالي (ثم هؤلاء المتكلمون المخالفون للسلف إذا حقق عليهم الأمر: لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر ولم يقعوا من ذلك على عين ولا أثر كيف يكون هؤلاء المحجوبون المفضلون المنقوصون المسبوقون الحيارى المتهوكون: أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار).
إذاً من أسباب رد طريقة هؤلاء أن هؤلاء أن هؤلاء حجبوا عن معرفة الله عز وجل بما سلكوه من طرق وأنهم مفضلون مسبوقون بالسلف الصالحين الذين هم ورثة الأنبياء الذين تلقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا ثاني الأمور , والثالث: أنهم حيارى منهكون فلم يصلوا في باب العلم بالله وأسمائه وصفاته إلى شيء إنما وصلوا إلى ضلال وحيرة واضطراب كل هذا مما يؤكد أن طريقهم وما وصلوا إليه لا توصل إلى معرفة الله عز وجل ولا توصل إلى خـير بل هـي ضلالات وشبهات وتقولات علـى الله بغير علم (والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدى ومصابيح الدجى الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء فضلا عن سائر الأمم الذين لا كتاب لهم وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة)يعني : الموازنة استحيا من يطلب الموازنة بينما حصله السلف الذين تلقوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وما حصله غيرهم في مجموع الأمم من لهم كتاب ومن لا كتاب لهم. (ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة - لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته - من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم؟ أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس والمشركين وضلال اليهود والنصارى والصابئين وأشكالهم وأشباههم: أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان) فهذا أيضا استدلال آخر في بيان صحة ما عليه السلف وهو النظر إلى عمن أخذ هؤلاء وعمن أخذ هؤلاء فالسلف أخذوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فمحال أن يكون من أخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنقص طريقة ممن أخذ عن المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس فإن المتكلمين ورثوا ما ورثوا من خيالات وشبهات ظنوها علما ورثوها عن اليونان والهند وعن المتفلسفة وغيرهم ممن ينطق بالخيالات ولا يعتمد في ذلك على وحي من السماء فشتان بين أصحاب هاتين الطريقتين وهذا من الأدلة على صحة طريقة السلف وسلامتها وضلال طريقة هؤلاء وبعدها عن صراط الله المستقيم.
ثم قال رحمه الله : (ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة) في الجملة (لا سيما العلم بالله وأحكامه)وأحكام أسمائه وآياته لأن غاية ما اهتم به الأنبياء والنبي صلى الله عليه وسلم خصوصا هو تعليم الخلق وتعريفهم بربهم فالنبي صلى الله عليه وسلم اعتنى بهذا الأمر غاية العناية وتلقاه عنه الصحابة فهم أعلم الخلق بالله عز وجل بعد الأنبياء ولذلك كانوا أفضل الخلق بعد الأنبياء وأفضل الأمم بعد الرسل وفضلهم تابع لعلمهم بالله عز وجل كما ذكرنا سابقا أن العبادة وتحقيقها إنما يكونان فرعا عن تمام المعرفة بالله عز وجل ازدادت المعرفة به كلما زادت العبودية له وتحققت في الشخص.
ثم قال رحمه الله (وإنما قدمت " هذه المقدمة " لأن من استقرت هذه المقدمة عنده عرف طريق الهدى أين هو في هذا الباب وغيره وعلم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين)الشيخ رحمه الله بين سبب هذه المقدمة وهي أنها تنفع في باب الأسماء والصفات وفي غيره من أبواب العلم وأن الخير كل الخير في ما كان عليه السلف رحمهم الله وأن كل طريقة في باب الأسماء والصفات أو في غيرها من الأبواب خالفت طريقة السلف فهي طريقة ضلال ولا يصل صاحبها إلى خير ثم بعد ذلك بين الشيخ رحمه الله تأكيدا لما مضى وتلخيصا لما مضى بين أسباب الضلال عند أهل الكلام فقال: (وعلم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين ونبذهم كتاب الله وراء ظهورهم)هذا السبب الأول نبذ كتاب الله وراء ظهورهم. ثم قال : (وإعراضهم عما بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى) وهذا السبب الثاني في ضلال هؤلاء0قال: (و تركهم البحث عن طريقة السابقين و التابعين)وهذا السبب الثالث في ضلالهم0 (و التماسهم علم معرفة الله ممن لم يعرف الله بإقراره على نفسه و بشهادة الأمة على ذلك) إقراره على نفسه في النقول التي تقدمت وبشهادة الأمة على ذلك أن كتبهم لا توصل المرء والمطالع فيها إلى خير بل توصله إلى شك وضلال وحيرة0(و بدلالات كثيرة)يعني غير هذه المذكورة (و ليس غرضي واحداً معينا)يعني في كلامي هذا ، ليس غرضي واحدا معينا من أئمة الكلام أو تحديد سبب من هذه الأسباب إنما أصف نوع هؤلاء يعني أسباب ضلال هؤلاء في الجملة وليس سبب ضلال واحدا منه.
(وإذا كان كذلك: فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها ثم عامة كلام الصحابة والتابعينثم كلام سائر الأئمة: مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى وهو فوق كل شيء وهو على كل شيء وإنه فوق العرش وأنه فـوق السماء: مثل قـوله تعـالى : ﴿إِلَيْهِ يَصْعَـدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَـمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ﴾([6]) ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾([7]) ﴿أأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً﴾([8]) ﴿بلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾([9]) ﴿تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾([10]) ﴿يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ﴾([11]) ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾([12]) ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ في ستة مواضع([13]) ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾([14]) ﴿يا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ . أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِباً﴾([15]) ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾([16]) ﴿مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾([17]) إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى إلا بكلفة) الشيخ رحمه الله بعد أن فرغ من بيان سبب ضلال هؤلاء كأنه أجاب على شبهة مقدرة وهي ما يدعيه أهل الكلام من أن السلف الصالح لم يهتموا بهذا الباب وأنهم لم يشتغلوا به بل كان شغلهم بالعبادة وبالجهاد وبنشر الدين فلم يكونوا مهتمين بتقرير ما يتعلق بالله عز وجل وأسمائه وصفاته فأجاب الشيخ رحمه الله عن هذه الشبهة بأن كتاب الله من أوله إلى آخره وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها ثم عامة كلام الصحابة والتابعين ثم كلام سائر الأئمة مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى وذكر هذه الصفة بالذات لأن السائل سأله عن مسألة الاستواء والعلو ؛ والاستواء من أدلة علو الله عز وجل كما سيأتي مفصلا , وذكر الشيخ رحمه الله أن في كلام الله عز وجل ما يدل على هذه الصفة وهي صفة من صفاته التي أخبر بها ما لا يكاد يحصى إلا بكلفة فإذا كان هذا في صفة واحدة من الصفات فكيف بسائر صفاته سبحانه وتعالى وهذا فيه نقض صريح ودليل واضح بين أن هؤلاء قد كذبوا على السلف بقولهم: - إن السلف لم يهتموا بهذا وأنهم انشغلوا عن هذا بالجهاد والدعوة والعبادة وليس مقصود الشيخ في هذا الموضع تقرير صفة العلو بذاتها لأنه سيأتي لها كلام مستقل وإنما مراده أن يبين أنه في هذه الصفة جاء من الآيات ما سمعنا والأحاديث ما سيذكر والنقول عن السلف أيضا ما سيذكر وهذا يبين كذبهم وضلالهم.
قال رحمه الله :(وفي الأحاديث الصحاح والحسان ما لا يحصى إلا بالكلفة مثل قصة معراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه ونزول الملائكة من عند الله وصعودها إليه؛ وقوله في الملائكة الذين يتعاقبون فيكم بالليل والنهار: ((فيعرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم فيسألهم وهو أعلم بهم))([18]) وفي الصحيح في حديث الخوارج: ((ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحا ومساء))([19])وفي حديث الرقية الذي رواه أبو داود([20]) وغيره ((ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك أمرك في السماء والأرض كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض اغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت رب الطيبين أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك علـى هذا الوجع)) قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا اشتكى أحد منكم أو اشتكى أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء)) وذكـره. وقوله في حديث الأوعال ((والعرش فوق ذلك والله فوق عرشه وهو يعلم ما أنتم عليه)) رواه أحمد وأبو داود([21])وغيرهما وقوله في الحديث الصحيح للجارية ((أين الله؟ قالت في السماء قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله قال: أعتقها فإنها مؤمنة))([22])وقوله في الحديث الصحيح: ((إن الله لما خلق الخلق كتب في كتاب موضوع عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي))([23]) وقوله في حديث قبض الروح ((حتى يعرج بها إلى السماء التي فيها الله تعالى))([24])إسناده على شرط الشيخين) المقصود من هذه النصوصهو بيان كثرة ما ورد عن النبي بعد أن بين كثرة ما ورد في الكتاب في هذه الصفة وسيأتي لها مزيد بيان وتقرير وتوضيح في ثنايا كلام الشيخ في هذه الرسالة المباركة.
([5]) وهذا لا يعني نفي رؤية الله يوم القيامة ، إذ الرؤية ثابتة بقوله سبحانه : (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) وغيرها.
([13]) والستة مواضع هي : في سور : الأعراف (54) ، ويونس (3) ، و الفرقان (59) ، والسجدة (4) ، والحديد (4).
([20]) أخرجه : أبو داود (3892) من طريق الليث عن زياد بن محمد عن محمد بن كعب القرظي عن فضالة بن عبيد عن أبي الدرداء وفيه زياد بن محمد قال البخاري والنسائي وأبو حاتم الرازي : منكر الحديث . وأخرجه أحمد (23437) من طريق آخر وفيه علل منها أبو بكر بن أبي مريم ضعيف جداً ، وكذا فيه مبهم لم يسم . وضعفه الألباني.
([21]) أخرجه : أحمد (1773) ، و أبو داود (4723) ، وابن ماجة (193) ، والترمذي (3320) ولا يخلو طريق من طرقه من متهم أو ضعيف . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، وضعفه الألباني .