×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس (5) من شرح الحموية الكبرى
00:00:01

 (وإن كان هذا الرد لا يزيد الأمر إلا شدة؛ ولا يرتفع الخلاف به؛ إذ لكل فريق طواغيت يريدون أن يتحاكموا إليهم وقد أمروا أن يكفروا بهم. وما أشبه حال هؤلاء المتكلمين بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا.فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا﴾([1]) فإن هؤلاء إذا دعوا إلى ما أنزل الله من الكتاب وإلى الرسول - والدعاء إليه بعد وفاته هو الدعاء إلى سنته - أعرضوا عن ذلك وهم يقولون: إنا قصدنا الإحسان علما وعملا بهذه الطريق التي سلكناها والتوفيق بين الدلائل العقلية والنقلية). في هذا المقطع الذي سمعناه شبه الشيخ - رحمه الله - هؤلاء المتكلمين بالمنافقين الذين ذكر الله جل وعلا عنهم في كتابه إعراضهم عن التحاكم إليه والرجوع إليه فيما يقع بينهم من نزاع وذلك أن هؤلاء رأوا أنهم إذا اختلفوا في شيء لا يرجعون إلى الكتاب والسنة لأن الكتاب والسنة لا يدلان على الله بل يرجعون في نزاعهم وخلافهم إلى ما تقتضيه العقول والأقيسة وما قعدوه من قواعد في باب أسماء الله وصفاته وفي غيرها من القضايا التي خالفوا فيها سلف الأمة , فهؤلاء معهم شعبة من شعب النفاق الكبيرة التي يخشى على صاحبها الكفر لأن من أعرض عن الكتاب والسنة وأقبل على العقول وأقوال الرجال فقد ضل ضلالا بعيدا والواجب على كل مؤمن يريد إصابة الحق والتزام الصراط المستقيم أن يسلك ما سلكه السلف الصالحون من اتباع كتاب الله وسنة رسوله , ثم بين الشيخ رحمه الله أن هؤلاء إذا دعوا إلى ما أنزل الله من الكتاب وإلى الرسول أعرضوا عن ذلك وهم يقولون : (إنا قصدنا الإحسان علما وعملا بهذه الطريقة التي سلكناها)أي طريقة التأويل وطريقة اعتماد العقول في تقرير ما يجب لله عز وجل وما يمتنع عليه في باب الأسماء والصفات. ثم قال :(والتوفيق بين الدلائل العقلية والنقلية)وكأنهم بهذا يقولون إن أدلة النقل تخالف أدلة العقل فلابد من توفيق ولا يتم التوفيق إلا بصرف النصوص عن ظواهرها حتى تستقيم مع العقول وهذا من أكذب الكذب ومن أعظم البهتان. فإن الشريعة لم تأت بما تحيله العقول وتمنعه ,بل جاءت بما تحار فيه العقول وقد لا تدركه. فينبغي أن يوقن المؤمن أن ما في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يخالف العقل بالكلية بل هو موافق للعقل وأن أي عقل خالف الكتاب والسنة فإنه عقل فاسد إنما أوتي من خطأ في قياسه. ثم بين الشيخ رحمه الله أن الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته إليه وبعد مماته ووفاته إلى سنته صلى الله عليه وسلم. ثم قال رحمه الله. (ثم عامة هذه الشبهات التي يسمونها دلائل إنما تقلدوا أكثرها عن طاغوت من طواغيت المشركين أو الصابئين أو بعض ورثتهم الذين أمروا أن يكفروا بهم مثل فلان وفلان أو عن من قال كقولهم لتشابه قلوبهم. قال الله تعالى: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما﴾([2]) وقال: ﴿كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه﴾([3])) ذكر الشيخ رحمه الله في هذا المقطع أن هؤلاء لما أعرضوا عن الكتاب والسنة استعاضوا عنهما قواعد قررها أهل الكفر والشرك وأهل الضلال والبدعة وجعلوها حاكمة على نصوص الكتاب والسنة وجعلوها مرجعا في الخلاف الذي وقع بينهم وهذا خلاف الصواب وخلاف ما أمر الله به إذ إن الله جل وعلا أمر بالرجوع إلى كتابه والرجوع إلى سنة رسوله ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما﴾وكذلك الآية الأخرى التي فيها أن الله أنزل الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه , فمن عطل الكتاب عما أنزل لأجله فقد ضل ضلالا مبينا ,ثم بدأالشيخ رحمه الله أو عاد مرة أخرى لذكر لوازم هذا القول الباطل ولوازم هذه الطريقة الفاسدة وهي طريقة النفاة فقال رحمه الله: (ولازم هذه المقالة أن لا يكون الكتاب هدى للناس ولا بيانا ولا شفاء لما في الصدور ولا نورا ولا مردا عند التنازع لأنا نعلم بالاضطرار أن ما يقوله هؤلاء المتكلفون إنه الحق الذي يجب اعتقاده لم يدل عليه الكتاب والسنة لا نصا ولا ظاهرا)هذا من اللوازم الكبرى على قولهم وفعلهم ونفيهم لصفات الله عز وجل أن الكتاب والسنة ليس فيهما هدى للناس ولا بيان ولا شفاء لما في الصدور وقال: (لأنا نعلم بالاضطرار أن ما يقوله هؤلاء من نفي الصفات وتعطيلها لم يدل عليه الكتاب ولا السنة لا نصا ولا ظاهرا) فإذا كان الأمر كذلك علم بذلك ضلال طريقهم وقوله : (نعلم بالاضطرار) العلم ينقسم إلى قسمين : علم ضروري وعلم نظري العلم الضروري: هو ما لا يحتاج في تحصيله إلى نظر وتأمل ,يدركه المتعلم دون كبير نظر ولا تأمل. وأما العلم النظري: فهو الذي يتوقف تحصيله على النظر والبحث والتأمل , فنصوص الكتاب والسنة ظاهرة ظهورا بينا في بطلان طريقة هؤلاء وأقل ما في الكتاب والسنة أن طريقة الكتاب والسنة مخالفة لطريقة هؤلاء في تقرير ما يجب لله سبحانه وتعالى من الأسماء والصفات. ثم قال الشيخ رحمه الله مبينا شبهة لهم في باب الأسماء والصفات فقال: (وإنما غاية المتحذلق أن يستنتج هذا من قوله ﴿ولم يكن له كفوا أحد﴾ ﴿هل تعلم له سميا﴾. وإنما غاية المتحذلق يعني المتشبع بما ليس عنده من العلم والنظر في الكتاب والسنة منهم غاية ما عند هذا أن يستنتج هذا يعني سلامة هذه الطريقة التي هو عليها من نفي الأسماء والصفات أو من تأويل صفات الله عز وجل وتعطيل الله سبحانه وتعالى عما يجب له في باب الأسماء والصفات أن يستدل على ذلك بقوله ﴿ولم يكن له كفوا أحد ﴾ ﴿ هل تعلم له سميا﴾([4])ومعلوم أن هذين الدليلين ليس فيهما متمسك بهذا والشيخ الآن يجيب عن تمسك هؤلاء بالأدلة يعني بهذين الدليلين وما في معناهما على نفي الصفات أو على صحة الطريق الذي سلكوه من النفي في باب الأسماء والصفات وقال رحمه الله: (و بالاضطرار يعلم كل عاقل أن من دل الخلق على أن الله ليس على العرش ولا فوق السماوات ونحو ذلك بقوله. هل تعلم له سميا لقد أبعد النجعة وهو إما ملغز و إما مدلس لم يخاطبهم بلسان عربي مبين) هذا إبطال لقولهم في مسألة علو الله عز وجل وأنه ليس على العرش وأنه ليس عال على خلقه بائن منهم  إبطال لطريقتهم في الاستدلال على ذلك بقوله ﴿ هل تعلم له سميا﴾فهذه الآية وما في معناها لا تدل على ما ذهبوا إليه بل من استدل بهذه الأدلة أو بهذا الدليل ونظائره على نفي العلو وما إلى ذلك من صفات الله عز وجل فقد (أبعد النجعة)أي أبعد المرعى (وهو إما ملغز وإما مدلس) وبهذا نعود إلى اللازم السابق أن من لازم قولهم في نفي الصفات هو أن كتاب الله عز وجل ليس فيه هدى ولا نور ولا بيان ولا شفاء لما في الصدور وهذا كذب وافتراء فإن مقتضى الاستدلال بهذه الآية على نفي الصفات أن يكون الله جل وعلا قد خاطب الناس بغير اللسان العربي المبين وذلك أن أصحاب الأفهام وأصحاب اللسان يفهمون من قوله ﴿هل تعلم له سميا﴾ ﴿ولم يكن له كفوا أحد﴾ أنه جل وعلا لا نظير له في أسماءه ولا في صفاته ولا في أفعاله وليس من ذلك أن ينفي عنه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات كما سيأتي تقريره في مذهب السلف في الفصل القادم. يعني في الفاصل من هذه الرسالة0 (ولازم هذه المقالة أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيرا لهم في أصل دينهم) (المقالة) أي مقالة أن قوله تعالى ولم يكن له كفوا أحد هل تعلم له سميا يدلان على نفي الصفات(أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيرا لهم في أصل دينهم , لأن مردهم قبل الرسالة وبعدها واحد وإنما الرسالة زادتهم عمى وضلالة) ما هو المرد قبل الرسالة وبعدها؟ العقل فإذا كان مردهم إلى العقل قبل الرسالة وبعدها وجاءت النصوص مضللة ظاهرها خلاف باطنها. ظاهرها يدل على ما لا يجوز على الله سبحانه وتعالى. فإن هذا يدلك على أن الكتاب لم يزد الناس إلا ضلالا وبعدا عن الحق وعمى  في باب أسماء الله وصفاته. (يا سبحان الله كيف لم يقل الرسول يوما من الدهر , ولا أحد من سلف الأمة : هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه ولكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم أو اعتقدوا كذا وكذا فإنه الحق وما خالف ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره و انظروا فيها فما وافق قياس عقولكم فاعتقدوه وما لا فتوقفوا فيه أو انفوه) هذا مع كمال نصحهم مع كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة وأنه ما ترك خيرا إلا دلها عليه ولا شرا إلا حذرها منه مع ذلك لم يقل لا هو صلى الله عليه وسلم ولا أحد من سلف الأمة :إن هذه الآيات لا يجوز اعتقاد ما دلت عليه , فدل هذا لما لم يكن ذلك واقعا من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أصحابه دل ذلك على كذب مقالتهم وأنهم قد أبعدوا عن الصواب ولم يصيبوا إلا خبالا وتخبطا. ((ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة))([5])  قوله (ثم)هنا تكملة للاستدلال السابق يعني إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل للأمة: لا تعتقدوا ظواهر هذه النصوص مع إخباره أن الأمة ستفترق فيكون ما دلت عليه ظواهر النصوص هو الحق الذي يجب التمسك به لأنه لو لم تكن هذه الظواهر هي الحق لكان يجب عليه مع إخباره بالافتراق وكثرة الضلال  وكمال تبليغه ونصحه لأمته لكان واجب عليه أن يبين لهم كيف يتعاملوا مع هذه النصوص. فلما لم يرد بيان يوافق ما قاله هؤلاء دل ذلك على أن ما كان عليه السلف من إجراء النصوص على ظواهرها وإثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله , دل ذلك على صحة هذا الطريق وأن طريقة السلف هي أصوب الطرق الموصلة إلى معرفة الله تعالى وما يجب له. (فقد علم ما سيكون ثم قال: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله))([6])وروي عنه أنه قال في صفة الفرقة الناجية , ((هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي))([7])فهلا قال  من تمسك بالقرآن أو بدلالة القرآن أو بمفهوم القرآن أو بظاهر القرآن في باب الاعتقاد فهو ضال وإنما الهدى ورجوعكم إلى مقاييس عقولكم وما يحدثه المتكلمون منكم بعد القرون الثلاثة في هذه المقالة وإن كان قد نبغ أصلها في أواخر عصر التابعين) هذا واضح فلما لم يكن الأمر كما ذكر الشيخ رحمه الله دل ذلك على صحة طريق السلف وأن الاعتماد على العقل مخالف لهدى النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة السلف الصالح. والحديث الذي استدل به أو الذي أشار إليه بأن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين هو حديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد وجاء من طرق عديدة وأما قوله : ((هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي))فهو تتمة جاء في بعض الروايات متمما لحديث الافتراق وقد اختلف أهل العلم في إثبات هذه الزيادة ونفيها والصواب أنها ثابتة فقد جاءت عن ابن عمر وعن أنس رضي الله عنهما وهي و إن لم تصح من جهة السند على قول بعض أهل العلم إلا أن معناها صحيح فإن الطريقة الصحيحة في باب أسماء الله عز وجل وصفاته وفي جميع أبواب الدين والإيمان هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين هم خير القرون. وأما قوله:((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله)) فهذا جزء من حديث جابر في صحيح مسلم في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال رحمه الله:(ثم أصل هذه المقالة , مقالة التعطيل للصفات إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين). هذا المقطع يبين فيه الشيخ رحمه الله منشأ هذه البدعة وذكر المنشأ يبين لك فساد الطريقة لأنه إذا كانت هذه المقالة وهذه الطريقة نشأت عن هؤلاء الضلال , دلك ذلك على أنها طريقة ليست بصحيحة ففائدة بيان المنشأ. أولا: التعرف على منشأ هذه البدعة , وثانيا: الاستدلال بمنشئها على فسادها. ثم قال رحمه الله:(فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام. أعني أن الله سبحانه وتعالى ليس على العرش حقيقة وأن معنى استوى بمعنى استولى ونحو ذلك هو الجعد بن درهم , وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها. فنسبت مقالة الجهمية إليه وقد قيل إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت ابنأخت لبيد بن الأعصم وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلىالله عليه وسلم(1)وكان الجعد بن درهم هذا فيما قيل من أهل حران وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة بقايا أهل دين نمرود والكنعانيين الذين صنف بعض المتأخرين في سحرهم والنمرود هو ملك الصابئة الكنعانيين والمشركين كما أن كسرى ملك الفرس والمجوس وفرعون ملك مصر والنجاشي ملك الحبشة وبطليومس ملك اليونان وقيصر ملك الروم فهو اسم جنس لا اسم علم) الآن بين الشيخ رحمه الله منشأ هذه المقالة وأنها مأخوذة من تلاميذ اليهود والمشركين وضلال الصابئين وسيبين من هم الصابئون بعد قليل فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة وهي نفي الصفات الجعد بن درهم و الجعد بن درهم ظهر في القرن الثاني وقتله خالد القسري  رحمه الله لما أظهر بدعته وقال أن الله سبحانه وتعالى ليس مستوي على عرشه ولم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليلا فقتله لما أظهر هذه البدعة الشنيعة التي مقتضاها تكذيب كلام الله وكلام رسوله , فتلقاها عن الجعد بن درهم الجهم بن صفوان وأظهرها فله شر إظهار هذه البدعة التي جرت على أهل الإسلام وسببت فرقة عظيمة وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه (وقد قيل أن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم وأخذها طالوت عن لبيد بن الأعصم قال اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم)لبيد بن الأعصم اختلف فيه فقيل إنه يهودي وقيل إنه منافق وقد سحر النبي صلى الله عليه وسلم وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بسحره وأنه هو الذي سحره ولم يقتله , وكان الجعد بن درهم هذا من أرض حران , الآن يبين صلة هذه البدعة بالمشركين والصابئة فبعد أن بين التسلسل لهذه البدعة وذكر أن الجعد أخذها من أبان ,ثم ذكر منتهى البدعة إلى لبيد بن الأعصم , قال :(وفوق هذا)يعني وكأنه يشير إلى سبب آخر في ابتداع الجعد أنه من أرض حران  وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة والصابئة : هم الذين بعث فيهم إبراهيم عليه السلام وهم قوم من المشركين الذين كانوا يعتقدون في الكواكب والنجوم ويقولون : إن الكواكب السبعة هي التي تصرف الكون وإليها مرجع تدبير الخلق هؤلاء عندهم بدع مغلظة وكفرية فيما يتعلق بالله سبحانه وتعالى , والفلاسفة جمع فيلسوف وهي كلمة يونانية تتكون من فلاسوفيا ومعناها محبة الحكمة , في هؤلاء الذين نشأ فيهم الجعد بن درهم فيهم صابئة وفلاسفة قال : (بقايا دين أهل نمرود والكنعانيين)وهم الذين بعث فيهم إبراهيم عليه السلام  وحاجهم فالنمرود هو الملك الذي جرت بينه وبين إبراهيم المحاجة المذكورة في سورة البقرة: ﴿ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين﴾([8])(والنمرود هو ملك الصابئة الكلدانية) وهذا استطراد في بيان أن النمرود ليس علم لشخص بل هو اسم جنس لمن ملك الكلدانيين كما أن كسرى اسم جنس لكل من ملك فارس وقيصر لمن ملك الروم وفرعون لمن ملك الأقباط في مصر والنجاشي لمن ملك الحبشة النصارى. بعد أن بين صلة هذه البدعة. بدعة نفي الصفات بهؤلاء المشركين والصابئة , انتقل الشيخ رحمه الله إلى بيان حال الصابئة فقال: (فكانت الصابئة إلا قليل منهم إذ ذاك على الشرك وعلمائهم هم الفلاسفة وإن كان الصابئي قد لا يكون مشرك بل مؤمن بالله واليوم الآخر كما قال الله تعالى: - ﴿إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾([9]) لكن كثيرا منهم أو أكثرهم كانوا كفارا أو مشركين كما أن كثيرا من اليهود والنصارى بدلوا وحرفوا وصاروا كفارا أو مشركين فأولئك الصابئون الذين كانوا إذ ذاك كانوا كفارا مشركين وكانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل) قال الشيخ رحمه الله : (كانت الصابئة إلا قليلا منهم إذ ذاك على الشرك وعلماؤهم هم الفلاسفة) فإذا كان منشأ هذه البدعة قوما مشركين وعلمائهم هم الفلاسفة دل ذلك على بطلان هذه الطريقة وأنها لا توصل إلى معرفة الله تعالى لأن المشركين هم أجهل الناس بربهم والفلاسفة هم أبعدهم عن معرفة ما يجب لله عز وجل لأنهم اعتمدوا على عقولهم في إدراك الغيبيات والاعتماد على العقل في إدراك الغيبيات لا يوصل إلى سلامة. ثم بعد أن بين الشيخ رحمه الله حال هؤلاء الصابئة كأنه يجيب على سؤال مطروح وهو أن الله سبحانه وتعالى ذكر أن من الصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون , فبين الشيخ رحمه الله أنه ليس كل صابئي مشركا فمنهم من آمن بالله واليوم الآخر وهل هم من أولئك القوم أو من غيرهم. الله أعلم بذلك ولكن ظاهر كلام الشيخ أنهم من أولئك لأنه قال: لكن كثيرا منهم أو أكثرهم كانوا كفارا أو مشركين. فمنهم قوم قلائل على الإيمان والتوحيد ولكن أكثرهم على الكفر والشرك فأولئك الصابئون الذين كانوا إذ ذاك كانوا كفارا أو مشركين وكانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل. هؤلاء هم عمدة الجهمية وأهل الكلام فيما ذهبوا إليه من نفي صفات الله عز وجل ونفي ما يجب له من التعظيم وكمال الأسماء والصفات.   ([1]) سورة : النساء : آية (60-62).           ([2])   سورة: النساء : آية (65). ([3]) سورة : البقرة : آية (213).     ([4]) سورة: مريم: آية (65). ([5])   وهذا ثابت عن عدة من الصحابة منهم أبوهريرة عند الترمذي (2640) أن رسول الله قال : (تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) قال الترمذي: حسن صحيح ووافقه الألباني وفي الباب عن سعد ، وعبدالله بن عمرو ، وعوف بن مالك عند ابن ماجة (3992) . ([6]) أخرجه: مسلم من حديث جابر في صفة حجة النبي (3941) ، والترمذي (3788) من حديث أبي سعيد الخدري . ([7])   أخرجه : الترمذي (2641) وفيه عبدالرحمن بن زياد الإفريقي متكلم فيه ،  قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ، وحسنه الألباني . ([8]) سورة : البقرة : آية (258).     ([9]) سورة : البقرة : آية (62).     

المشاهدات:3813


 (وإن كان هذا الرد لا يزيد الأمر إلا شدة؛ ولا يرتفع الخلاف به؛ إذ لكل فريق طواغيت يريدون أن يتحاكموا إليهم وقد أمروا أن يكفروا بهم. وما أشبه حال هؤلاء المتكلمين بقوله سبحانه وتعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً.فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً﴾([1]) فإن هؤلاء إذا دعوا إلى ما أنزل الله من الكتاب وإلى الرسول - والدعاء إليه بعد وفاته هو الدعاء إلى سنته - أعرضوا عن ذلك وهم يقولون: إنا قصدنا الإحسان علما وعملا بهذه الطريق التي سلكناها والتوفيق بين الدلائل العقلية والنقلية).



في هذا المقطع الذي سمعناه شبه الشيخ - رحمه الله - هؤلاء المتكلمين بالمنافقين الذين ذكر الله جل وعلا عنهم في كتابه إعراضهم عن التحاكم إليه والرجوع إليه فيما يقع بينهم من نزاع وذلك أن هؤلاء رأوا أنهم إذا اختلفوا في شيء لا يرجعون إلى الكتاب والسنة لأن الكتاب والسنة لا يدلان على الله بل يرجعون في نزاعهم وخلافهم إلى ما تقتضيه العقول والأقيسة وما قعدوه من قواعد في باب أسماء الله وصفاته وفي غيرها من القضايا التي خالفوا فيها سلف الأمة , فهؤلاء معهم شعبة من شعب النفاق الكبيرة التي يُخشى على صاحبها الكفر لأن من أعرض عن الكتاب والسنة وأقبل على العقول وأقوال الرجال فقد ضل ضلالاً بعيداً والواجب على كل مؤمن يريد إصابة الحق والتزام الصراط المستقيم أن يسلك ما سلكه السلف الصالحون من اتباع كتاب الله وسنة رسوله , ثم بين الشيخ رحمه الله أن هؤلاء إذا دعوا إلى ما أنزل الله من الكتاب وإلى الرسول أعرضوا عن ذلك وهم يقولون : (إنا قصدنا الإحسان علما وعملا بهذه الطريقة التي سلكناها)أي طريقة التأويل وطريقة اعتماد العقول في تقرير ما يجب لله عز وجل وما يمتنع عليه في باب الأسماء والصفات. ثم قال :(والتوفيق بين الدلائل العقلية والنقلية)وكأنهم بهذا يقولون إن أدلة النقل تخالف أدلة العقل فلابد من توفيق ولا يتم التوفيق إلا بصرف النصوص عن ظواهرها حتى تستقيم مع العقول وهذا من أكذب الكذب ومن أعظم البهتان. فإن الشريعة لم تأت بما تحيله العقول وتمنعه ,بل جاءت بما تحار فيه العقول وقد لا تدركه. فينبغي أن يوقن المؤمن أن ما في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يخالف العقل بالكلية بل هو موافق للعقل وأن أي عقل خالف الكتاب والسنة فإنه عقل فاسد إنما أوتي من خطأ في قياسه.



ثم بين الشيخ رحمه الله أن الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حياته إليه وبعد مماته ووفاته إلى سنته صلى الله عليه وسلم.



ثم قال رحمه الله. (ثم عامة هذه الشبهات التي يسمونها دلائل إنما تقلدوا أكثرها عن طاغوت من طواغيت المشركين أو الصابئين أو بعض ورثتهم الذين أمروا أن يكفروا بهم مثل فلان وفلان أو عن من قال كقولهم لتشابه قلوبهم. قال الله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾([2]) وقال: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾([3]))



ذكر الشيخ رحمه الله في هذا المقطع أن هؤلاء لما أعرضوا عن الكتاب والسنة استعاضوا عنهما قواعد قررها أهل الكفر والشرك وأهل الضلال والبدعة وجعلوها حاكمة على نصوص الكتاب والسنة وجعلوها مرجعاً في الخلاف الذي وقع بينهم وهذا خلاف الصواب وخلاف ما أمر الله به إذ إن الله جل وعلا أمر بالرجوع إلى كتابه والرجوع إلى سنة رسوله ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾وكذلك الآية الأخرى التي فيها أن الله أنزل الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه , فمن عطل الكتاب عما أنزل لأجله فقد ضل ضلالاً مبيناً ,ثم بدأالشيخ رحمه الله أو عاد مرة أخرى لذكر لوازم هذا القول الباطل ولوازم هذه الطريقة الفاسدة وهي طريقة النفاة فقال رحمه الله:



(ولازم هذه المقالة أن لا يكون الكتاب هدى للناس ولا بياناً ولا شفاء لما في الصدور ولا نورا ولا مرداً عند التنازع لأنا نعلم بالاضطرار أن ما يقوله هؤلاء المتكلفون إنه الحق الذي يجب اعتقاده لم يدل عليه الكتاب والسنة لا نصا ولا ظاهراً)هذا من اللوازم الكبرى على قولهم وفعلهم ونفيهم لصفات الله عز وجل أن الكتاب والسنة ليس فيهما هدى للناس ولا بيانٌ ولا شفاءٌ لما في الصدور وقال: (لأنا نعلم بالاضطرار أن ما يقوله هؤلاء من نفي الصفات وتعطيلها لم يدل عليه الكتاب ولا السنة لا نصا ولا ظاهرا) فإذا كان الأمر كذلك علم بذلك ضلال طريقهم وقوله : (نعلم بالاضطرار) العلم ينقسم إلى قسمين : علم ضروري وعلم نظري



العلم الضروري: هو ما لا يحتاج في تحصيله إلى نظر وتأمل ,يدركه المتعلم دون كبير نظر ولا تأمل. وأما العلم النظري: فهو الذي يتوقف تحصيله على النظر والبحث والتأمل , فنصوص الكتاب والسنة ظاهرة ظهوراً بيناً في بطلان طريقة هؤلاء وأقل ما في الكتاب والسنة أن طريقة الكتاب والسنة مخالفة لطريقة هؤلاء في تقرير ما يجب لله سبحانه وتعالى من الأسماء والصفات. ثم قال الشيخ رحمه الله مبينا شبهة لهم في باب الأسماء والصفات فقال:



(وإنما غاية المتحذلق أن يستنتج هذا من قوله ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾.



وإنما غاية المتحذلق يعني المتشبع بما ليس عنده من العلم والنظر في الكتاب والسنة منهم غاية ما عند هذا أن يستنتج هذا يعني سلامة هذه الطريقة التي هو عليها من نفي الأسماء والصفات أو من تأويل صفات الله عز وجل وتعطيل الله سبحانه وتعالى عما يجب له في باب الأسماء والصفات أن يستدل على ذلك بقوله ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾ ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾([4])ومعلوم أن هذين الدليلين ليس فيهما متمسك بهذا والشيخ الآن يجيب عن تمسك هؤلاء بالأدلة يعني بهذين الدليلين وما في معناهما على نفي الصفات أو على صحة الطريق الذي سلكوه من النفي في باب الأسماء والصفات وقال رحمه الله:



(و بالاضطرار يعلم كل عاقل أن من دل الخلق على أن الله ليس على العرش ولا فوق السماوات ونحو ذلك بقوله. هل تعلم له سميا لقد أبعد النجعة وهو إما ملغز و إما مدلس لم يخاطبهم بلسان عربي مبين)



هذا إبطال لقولهم في مسألة علو الله عز وجل وأنه ليس على العرش وأنه ليس عال على خلقه بائن منهم  إبطال لطريقتهم في الاستدلال على ذلك بقوله ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾فهذه الآية وما في معناها لا تدل على ما ذهبوا إليه بل من استدل بهذه الأدلة أو بهذا الدليل ونظائره على نفي العلو وما إلى ذلك من صفات الله عز وجل فقد (أبعد النجعة)أي أبعد المرعى (وهو إما ملغز وإما مدلس) وبهذا نعود إلى اللازم السابق أن من لازم قولهم في نفي الصفات هو أن كتاب الله عز وجل ليس فيه هدى ولا نور ولا بيان ولا شفاء لما في الصدور وهذا كذب وافتراء فإن مقتضى الاستدلال بهذه الآية على نفي الصفات أن يكون الله جل وعلا قد خاطب الناس بغير اللسان العربي المبين وذلك أن أصحاب الأفهام وأصحاب اللسان يفهمون من قوله ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً﴾ ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ أنه جل وعلا لا نظير له في أسماءه ولا في صفاته ولا في أفعاله وليس من ذلك أن ينفي عنه ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات كما سيأتي تقريره في مذهب السلف في الفصل القادم. يعني في الفاصل من هذه الرسالة0



(ولازم هذه المقالة أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيرا لهم في أصل دينهم) (المقالة) أي مقالة أن قوله تعالى ولم يكن له كفوا أحد هل تعلم له سميا يدلان على نفي الصفات(أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيرا لهم في أصل دينهم , لأن مردهم قبل الرسالة وبعدها واحد وإنما الرسالة زادتهم عمىً وضلالة)



ما هو المرد قبل الرسالة وبعدها؟ العقل فإذا كان مردهم إلى العقل قبل الرسالة وبعدها وجاءت النصوص مضللة ظاهرها خلاف باطنها. ظاهرها يدل على ما لا يجوز على الله سبحانه وتعالى. فإن هذا يدلك على أن الكتاب لم يزد الناس إلا ضلالاً وبعداً عن الحق وعمىً  في باب أسماء الله وصفاته.



(يا سبحان الله كيف لم يقل الرسول يوما من الدهر , ولا أحد من سلف الأمة : هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه ولكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم أو اعتقدوا كذا وكذا فإنه الحق وما خالف ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره و انظروا فيها فما وافق قياس عقولكم فاعتقدوه وما لا فتوقفوا فيه أو انفوه)



هذا مع كمال نصحهم مع كمال نصح الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة وأنه ما ترك خيرا إلا دلها عليه ولا شرا إلا حذرها منه مع ذلك لم يقل لا هو صلى الله عليه وسلم ولا أحد من سلف الأمة :إن هذه الآيات لا يجوز اعتقاد ما دلت عليه , فدل هذا لما لم يكن ذلك واقعاً من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أصحابه دل ذلك على كذب مقالتهم وأنهم قد أبعدوا عن الصواب ولم يصيبوا إلا خبالاً وتخبطاً.



((ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة))([5])  قـوله (ثم)هنا تكملة للاستدلال السابق يعني إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل للأمة: لا تعتقدوا ظواهر هذه النصوص مع إخباره أن الأمة ستفترق فيكون ما دلت عليه ظواهر النصوص هو الحق الذي يجب التمسك به لأنه لو لم تكن هذه الظواهر هي الحق لكان يجب عليه مع إخباره بالافتراق وكثرة الضلال  وكمال تبليغه ونصحه لأمته لكان واجب عليه أن يبين لهم كيف يتعاملوا مع هذه النصوص. فلما لم يرد بيان يوافق ما قاله هؤلاء دل ذلك على أن ما كان عليه السلف من إجراء النصوص على ظواهرها وإثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله , دل ذلك على صحة هذا الطريق وأن طريقة السلف هي أصوب الطرق الموصلة إلى معرفة الله تعالى وما يجب له.



(فقد علم ما سيكون ثم قال: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله))([6])وروي عنه أنه قال في صفة الفرقة الناجية , ((هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي))([7])فهلا قال  من تمسك بالقرآن أو بدلالة القرآن أو بمفهوم القرآن أو بظاهر القرآن في باب الاعتقاد فهو ضال وإنما الهدى ورجوعكم إلى مقاييس عقولكم وما يحدثه المتكلمون منكم بعد القرون الثلاثة في هذه المقالة وإن كان قد نبغ أصلها في أواخر عصر التابعين)



هذا واضح فلما لم يكن الأمر كما ذكر الشيخ رحمه الله دل ذلك على صحة طريق السلف وأن الاعتماد على العقل مخالف لهدى النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة السلف الصالح. والحديث الذي استدل به أو الذي أشار إليه بأن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين هو حديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد وجاء من طرق عديدة وأما قوله : ((هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي))فهو تتمة جاء في بعض الروايات متمما لحديث الافتراق وقد اختلف أهل العلم في إثبات هذه الزيادة ونفيها والصواب أنها ثابتة فقد جاءت عن ابن عمر وعن أنس رضي الله عنهما وهي و إن لم تصح من جهة السند على قول بعض أهل العلم إلا أن معناها صحيح فإن الطريقة الصحيحة في باب أسماء الله عز وجل وصفاته وفي جميع أبواب الدين والإيمان هي ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين هم خير القرون. وأما قوله:((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله)) فهذا جزء من حديث جابر في صحيح مسلم في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم.



ثم قال رحمه الله:(ثم أصل هذه المقالة , مقالة التعطيل للصفات إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين).



هذا المقطع يبين فيه الشيخ رحمه الله منشأ هذه البدعة وذكر المنشأ يبين لك فساد الطريقة لأنه إذا كانت هذه المقالة وهذه الطريقة نشأت عن هؤلاء الضلال , دلك ذلك على أنها طريقة ليست بصحيحة ففائدة بيان المنشأ. أولا: التعرف على منشأ هذه البدعة , وثانيا: الاستدلال بمنشئها على فسادها.



ثم قال رحمه الله:(فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام. أعني أن الله سبحانه وتعالى ليس على العرش حقيقة وأن معنى استوى بمعنى استولى ونحو ذلك هو الجعد بن درهم , وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها. فنسبت مقالة الجهمية إليه وقد قيل إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت ابنأخت لبيد بن الأعصم وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلىالله عليه وسلم(1)وكان الجعد بن درهم هذا فيما قيل من أهل حران وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة بقايا أهل دين نمرود والكنعانيين الذين صنف بعض المتأخرين في سحرهم والنمرود هو ملك الصابئة الكنعانيين والمشركين كما أن كسرى ملك الفرس والمجوس وفرعون ملك مصر والنجاشي ملك الحبشة وبطليومس ملك اليونان وقيصر ملك الروم فهو اسم جنس لا اسم علم)



الآن بين الشيخ رحمه الله منشأ هذه المقالة وأنها مأخوذة من تلاميذ اليهود والمشركين وضلال الصابئين وسيبين من هم الصابئون بعد قليل فإن أول من حفظ عنه أنه قال هذه المقالة وهي نفي الصفات الجعد بن درهم و الجعد بن درهم ظهر في القرن الثاني وقتله خالد القسري  ـ رحمه الله ـ لما أظهر بدعته وقال أن الله سبحانه وتعالى ليس مستوي على عرشه ولم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليلا فقتله لما أظهر هذه البدعة الشنيعة التي مقتضاها تكذيب كلام الله وكلام رسوله , فتلقاها عن الجعد بن درهم الجهم بن صفوان وأظهرها فله شر إظهار هذه البدعة التي جرت على أهل الإسلام وسببت فرقة عظيمة وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه (وقد قيل أن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم وأخذها طالوت عن لبيد بن الأعصم قال اليهودي الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم)لبيد بن الأعصم اختلف فيه فقيل إنه يهودي وقيل إنه منافق وقد سحر النبي صلى الله عليه وسلم وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بسحره وأنه هو الذي سحره ولم يقتله , وكان الجعد بن درهم هذا من أرض حران , الآن يبين صلة هذه البدعة بالمشركين والصابئة فبعد أن بين التسلسل لهذه البدعة وذكر أن الجعد أخذها من أبان ,ثم ذكر منتهى البدعة إلى لبيد بن الأعصم , قال :(وفوق هذا)يعني وكأنه يشير إلى سبب آخر في ابتداع الجعد أنه من أرض حران  وكان فيهم خلق كثير من الصابئة والفلاسفة



والصابئة : هم الذين بعث فيهم إبراهيم عليه السلام وهم قوم من المشركين الذين كانوا يعتقدون في الكواكب والنجوم ويقولون : إن الكواكب السبعة هـي التي تصرف الكون وإليها مرجع تدبير الخلق هؤلاء عندهم بدع مغلظة وكفرية فيما يتعلق بالله سبحانه وتعالى , والفلاسفة جمع فيلسوف وهي كلمة يونانية تتكون من فلاسوفيا ومعناها محبة الحكمة , في هؤلاء الذين نشأ فيهم الجعد بن درهم فيهم صابئة وفلاسفة قال : (بقايا دين أهل نمرود والكنعانيين)وهم الذين بعث فيهم إبراهيم عليه السلام  وحاجهم فالنمرود هو الملك الذي جرت بينه وبين إبراهيم المحاجة المذكورة في سورة البقرة: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾([8])(والنمرود هو ملك الصابئة الكلدانية) وهذا استطراد في بيان أن النمرود ليس علم لشخص بل هو اسم جنس لمن ملك الكلدانيين كما أن كسرى اسم جنس لكل من ملك فارس وقيصر لمن ملك الروم وفرعون لمن ملك الأقباط في مصر والنجاشي لمن ملك الحبشة النصارى.



بعد أن بين صلة هذه البدعة. بدعة نفي الصفات بهؤلاء المشركين والصابئة , انتقل الشيخ رحمه الله إلى بيان حال الصابئة فقال:



(فكانت الصابئة إلا قليل منهم إذ ذاك على الشرك وعلمائهم هم الفلاسفة وإن كان الصابئي قد لا يكون مشرك بل مؤمن بالله واليوم الآخر كما قال الله تعالى: - ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([9]) لكن كثيرا منهم أو أكثرهم كانوا كفارا أو مشركين كما أن كثيرا من اليهود والنصارى بدلوا وحرفوا وصاروا كفارا أو مشركين فأولئك الصابئون الذين كانوا إذ ذاك كانوا كفارا مشركين وكانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل)



قال الشيخ رحمه الله : (كانت الصابئة إلا قليلاً منهم إذ ذاك على الشرك وعلماؤهم هم الفلاسفة) فإذا كان منشأ هذه البدعة قوما مشركين وعلمائهم هم الفلاسفة دل ذلك على بطلان هذه الطريقة وأنها لا توصل إلى معرفة الله تعالى لأن المشركين هم أجهل الناس بربهم والفلاسفة هم أبعدهم عن معرفة ما يجب لله عز وجل لأنهم اعتمدوا على عقولهم في إدراك الغيبيات والاعتماد على العقل في إدراك الغيبيات لا يوصل إلى سلامة.



ثم بعد أن بين الشيخ رحمه الله حال هؤلاء الصابئة كأنه يجيب على سؤال مطروح وهو أن الله سبحانه وتعالى ذكر أن من الصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون , فبين الشيخ رحمه الله أنه ليس كل صابئي مشركاً فمنهم من آمن بالله واليوم الآخر وهل هم من أولئك القوم أو من غيرهم. الله أعلم بذلك ولكن ظاهر كلام الشيخ أنهم من أولئك لأنه قال: لكن كثيرا منهم أو أكثرهم كانوا كفارا أو مشركين. فمنهم قوم قلائل على الإيمان والتوحيد ولكن أكثرهم على الكفر والشرك فأولئك الصابئون الذين كانوا إذ ذاك كانوا كفاراً أو مشركين وكانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل. هؤلاء هم عمدة الجهمية وأهل الكلام فيما ذهبوا إليه من نفي صفات الله عز وجل ونفي ما يجب له من التعظيم وكمال الأسماء والصفات.



 









([1]) سورة : النساء : آية (60-62).          




([2])   سورة: النساء : آية (65).




([3]) سورة : البقرة : آية (213).    




([4]) سورة: مريم: آية (65).




([5])   وهذا ثابت عن عدة من الصحابة منهم أبوهريرة عند الترمذي (2640) أن رسول الله قال : (تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة) قال الترمذي: حسن صحيح ووافقه الألباني وفي الباب عن سعد ، وعبدالله بن عمرو ، وعوف بن مالك عند ابن ماجة (3992) .




([6]) أخرجه: مسلم من حديث جابر في صفة حجة النبي (3941) ، والترمذي (3788) من حديث أبي سعيد الخدري .




([7])   أخرجه : الترمذي (2641) وفيه عبدالرحمن بن زياد الإفريقي متكلم فيه ،  قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ، وحسنه الألباني .




([8]) سورة : البقرة : آية (258).    




([9]) سورة : البقرة : آية (62).     

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80483 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74768 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61838 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53356 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50921 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50647 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46027 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45574 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف