قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: (ومذهب النفاة من هؤلاء في الرب: أنه ليس له إلا صفات سلبية أو إضافية أو مركبة منهما وهم الذين بعث إليهم إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم فيكون الجعد قد أخذها عن الصابئة الفلاسفة. وكذلك أبو نصر الفارابي دخل حران وأخذ عن فلاسفة الصابئين تمام فلسفته وأخذها الجهم أيضا - فيما ذكره الإمام أحمد وغيره - لما ناظر " السمنية " بعض فلاسفة الهند - وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات - فهذه أسانيد جهم ترجع إلى اليهود والصابئين والمشركين والفلاسفة الضالون هم إما من الصابئين وإما من المشركين)
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين أما بعد:
ففي هذا المقطـع يبين الشيخ رحـمه الله مذهب النفاة أي نفاة الصفات في صفات الله تعالى فقال: (ومذهب النفاة من هؤلاء) أي المتكلمين (في الرب سبحانه وتعالى أنه ليس له إلا صفات سلبية أو إضافية أو مركبة) فالصفات السلبية : هي التي تصدر بالنفي فلا داخل العالم ولا خارج العالم ولا فوق ولا تحت ولا حي ولا قيوم وما إلى ذلك. وهذه الصفات نفوها عن الله عز وجل لما اعتقدوه من أن إثبات الصفـات يقتدي التمثيل ولشبه عندهم يشير إلى بعضها الشيخ رحـمه الله في كلامـه ، الثاني (أو إضافية) وهي الصفات التي لا يعقل معناها إلا بغيرها فلا تفهم إلا بواسطة . وقيل: إن الصفات الإضافية : هي كل صفة فعلية متعدية يكون الفعل فيها متعدياً إلى مفعول . فقالوا : لا نفهم السمع إلا ـ صفة السمع ـ إلا بأثرها و هو أنه يسمع ؛ ولا البصر إلا بأنه يبصر (أو مركبة)من الصفات السلبية والإضافية وهذا أيضاً جمع بين النفي والإثبات ؛وهؤلاء النفاة لصفات الله عز وجل ينقسمون في الجملة إلى أربع طوائف: -
الطائفة الأولى: الذين أثبتوا الأسماء وبعض الصفات ونفوا حقائق أكثرها وهؤلاء هم الأشاعرة والماتريدية والذين يسميهم بعض أهل العلم مثبتة الصفات.
والطائفة الثانية: هم من يثبت الأسماء دون الصفات فيقولون: عليم بلا علم ؛ سميع بلا سمع ؛ بصير بلا بصر وهؤلاء هم المعتزلة.
والطائفة الثالثة: هم الذين يصفون الله عز وجل بالنفي المجرد عن الإثبات ويقولون : إن الله هو الموجود المطلق بشرط الإطلاق أي لا يوصف بصفة إنما يوصف بالنفي فلا موجود ، ولا حي ، ولا خارج العالم ولا داخل العالم وهؤلاء هم الجهمية.
والطائفة الرابعة: هم غلاة الجهمية والذين سلكوا مسلك الجمع بين النفي والإثبات في وصف الله عز وجل فهم يجمعون بين النفي والإثبات في صفات الله عز وجل فيقولون : موجود ولا موجود.
هذا مجمل أقوال هؤلاء في باب الأسماء والصفات وهؤلاء المتكلمون عملوا على تقسيم الصفات إلى أقسام كثيرة فيقسمون الصفات إلى صفات سلبية وصفات ثبوتية إلى صفات معنوية وصفات ذاتية وصفات اختيارية وتقسيماتهم كثيرة جداً لمن طالع كتبهم , وهذا خلافُ منهج السلف رحمهم الله فإن السلف لم يسلكوا هذا المسلك في صفات الله عز وجل إذ إن طريقتهم في باب الأسماء والصفات طريق واحد لا يختلف لكن هؤلاء لما فرقوا بين الصفات فأثبتوا بعضها ونفوا بعضها وأولوا بعضها. احتاجوا إلى هذه التقسيمات ليبرروا تصرفاتهم وتحريفهم في باب الأسماء والصفات ثم قال الشيخ رحمه الله :(وهم الذين بُعث إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم إليهم) يعني الصابئة , مذهب النفاة من هؤلاء يعني من الصابئة (فيكون الجعد قد أخذها)يعني قد أخذ مذهبه في باب الأسماء والصفات وما يجب لله عز وجل في ذلك (عن الصابئة والفلاسفة)(وأخذ عن فلاسفة الصابئين تمام فلسفته)يعني كمالها وتقعيدها وتنظيرها (وأخذها الجهم أيضا فيما ذكره الإمام أحمد وغيره لما ناظر السمنية بعض فلاسفة الهند) وهي فرقة في الهند تعتقد ما ذكره الشيخ (وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات)فما لا تدركه الحواس لا يثبتونه فهم على هذا ينكرون جميع الغيبيات وهم أيضا من عقائدهم تناسخ الأرواح وإنكار الصانع وما إلى ذلك من العقائد المنحرفة (فهذه أسانيد جهم)يعني هذه أسانيده في العلم وما ذهب إليه من نفي صفات الله عز وجل ومخالفة السلف فيما ذهبوا إليه (ترجع إلى اليهود والصابئين والمشركين)ثم قال: (والفلاسفة الضالونهم إما من الصابئين وإما من المشركين)وبهذا يتبين ضلال طريق هؤلاء وأنهم قد أخطؤوا سبيل الرشاد.
قال رحمه الله : (ثم لما عربت الكتب الرومية في حدود المائة الثانية زاد البلاء مع ما ألقى الشيطان في قلوب الضلال ابتداء من جنس ما ألقاه في قلوب أشباههم ولما كان في حدود المائة الثالثة انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته وكلام الأئمة مثل مالك و سفيان بن عيينة وابن المبارك وأبى يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق والفضيل بن عياض وبشر الحافي وغيرهم في هؤلاء كثيرا في ذمهم وتضليلهم وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتابه التأويلات وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه تأسيس التقديس ويوجد كثير منها في كلام خلق كثير غير هؤلاء مثل أبي علي الجبائي وعبد الجبار بن أحمد الهمداني وأبي الحسين البصري وأبي الوفاء بن عقيل وأبي حامد الغزالي وغيرهم هي بعينها التأويلات الذي ذكرها بشر المريسي في كتابه وإن كان قد يوجد في كلام بعض هؤلاء رد التأويل وإبطاله أيضا ولهم كلام حسن في أشياء وإنما بينت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات بشر المريسي ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله أحد الأئمة المشاهير في زمان البخاري , صنف كتاب سماه نقض عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افترى على الله في التوحيد. حكى فيه هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتضي أن المريسي أقعد بها وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرين الذين اتصلت إليهم من جهته ثم رد ذلك عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكي علم حقيقة ما كان عليه السلف وتبين له ظهور الحجة لطريقهم وضعف حجة من خالفهم)
الشيخ رحمه الله بعد أن قرر فيما سبق أصل مقالة التعطيل للصفات وأنها مأخوذة عن اليهود والمشركين وضلال الصابئين والفلاسفة وبين مذهب الصابئين في باب أسماء الله عز وجل وصفاته وبين صلة أئمة الضلال والانحراف في باب أسماء الله عز وجل بهذه الفرق والطوائف الضالة.
انتقل في بيان التسلسل التاريخي لهؤلاء فقال ثم لما عربت الكتب الرومية واليونانية في حدود المائة الثانية زاد البلاءفاجتمع شر إلى شر الشر الأول وهو التلقي عن هؤلاء قبل أن تعرب الكتب والشر الثاني هو تعريب كتب اليونان والروم فيما يتعلق بالعلوم الإلهية زاد البلاء مع ما ألقى الشيطان في قلوب الضلال ابتداء يعني ما كان في قلوبهم من الشبه والريب التي جاءت هذه الكتب فقعدتها وقررتها ونظرتها فكانت هذه الكتب بمثابة التقرير والتقعيد والتنظير لتلك الشبه التي قرت في قلوبهم وتلقوها عن الضلال من الصابئين واليهود والمشركين والفلاسفة وغيرهم قال ولما كان في حدود المائة الثالثة انتشرت هذه المقالةوهي مقالة التعطيل ومقالة الجهل والنفي والتحريف في باب أسماء الله عز وجل وصفاته التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية نسبة إلى الجهم بن صفوان بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته ممن سار على طريقته وسلك منهجه في باب تعطيل الله جل وعلا عن أسمائه وصفاته , قال وكلام الأئمة مثل مالك وسفيان بن عيينة و ابن المبارك وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق والفضيل بن عياض وبشر الحافي وغيرهم كثير في ذمهم و تضليلهمفالأئمة تصدوا لهم في أوان بزوغهم وفي أوائل ظهورهم ليبين أن السلف رحمهم الله قد حذروا الأمة و بينوا لها ضلال هذه الطريقة وأنها لا توصل في باب معرفة الله عز وجل إلا إلى الحيرة والاضطراب والضلال ثم قال وهذه التأويلات الموجودة اليوم في أيدي الناس.تكلم الشيخ رحمه الله عن التأويلات الموجودة في زمانه قال مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب التأويلاتوهذا كتاب مطبوع بأسماء كثيرة من أشهرها مشكل الحديث وبيانه , ذكر فيها الأحاديث صحاحا وضعافا وأولها على طريقته فيما يتعلق بأسماء الله عز وجل وصفاته وذكرها أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي في كتابه الذي سماه تأسيس التقديس وهذا الكتاب كتاب له شأو كبير عن المتكلمين قرر فيه الفخر الرازي الأمام الكبير المعروف في علوم شتى قرر فيه ضلالات كثيرة وانحرافات عديدة مخالفة لطريقة السلف فرد عليه شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب جليل عظيم النفع أسمه نقد التأسيس وهو كتاب مخطوط ويعمل على تحقيقه الآن ويوجد كثير منها أي من هذه التأويلات التي في أيدي الناس في ذلك الوقت وإلى وقتنا هذا يوجد كثير منها في كلام خلق كثير غير هؤلاء مثل أبي على الجبائي وعبد الجبار بن أحمد الهمداني وأبي الحسين البصري وأبي الوفاء بن عقيل الحنبلي وهؤلاء كلهم ضلال في باب أسماء الله عز وجل وصفاته فالجبائي والهمداني والبصري معتزلة بل هم من أئمة المعتزلة وابن عقيل تمذهب بمذهب الأشعري إلا أنه مال في كثير من أقواله إلى المعتزلة كحال أكثر الأشاعرة فإن متأخري الأشاعرة سلكوا في كثير مما يتعلق بأسماء الله عز وجل وصفاته مذهب المعتزلة وأبي حامد الغزالي وغيرهم ممن عرف عنه التأويل و التأويلات المذكورة في كتب هؤلاء هي بعينها تأويلات بشر المريسي فهي مأخوذة عنه متلقاة منه وهو قد أخذها من كتب اليونان وورثها عن الأئمة الضلال كجهم بن صفوان والجعد بن درهم وغيرهم.قال وأن كان قد يوجد في كلام بعض هؤلاء ما يفهم منه رد التأويلأو بعض التأويلات التي نقلت عن المتقدمين ولهم كلام حسن في أشياء وهذا من الأنصاف والعدل فهؤلاء لهم حسنات في بعض الجوانب إلا أن ما أتوا به من الشر و ما قرروه كثير فإنما بينت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات المريسي ليبين الصلة بين ما انتشر في أيدي الناس من الضلال في باب أسماء الله وصفاته وبين الضلال الذي كان في عهد السلف الذي أتى به الجعد والجهم ومن سار على طريقهم و سلك مسلكهم , ويدل على ذلك كتاب الرد الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة المشاهير في زمن البخاري صنف كتاب وسماه نقض عثمان بن سعيد على الكاذب العنيد فيما افترى على الله من التوحيد وهذا الكتاب مشهور معروف مطبوع فيه خير كثير رد فيه على شبهات المريسي وبه يتبين أن أكثر التأويلات التي شاعت في كتب المتأخرين من المتكلمين متلقاة عنه مأخوذة منه قال (حكى فيه هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي بكلام يقتضي أن المريسي أقعد بها)أي أحكم و أرسخ في هذه الشبه و هذه التأويلات وهذه الضلالات وأعلم بالمنقول والمعقول من هؤلاء المتأخرين الذين اتصلت إليهم يعني هذه التأويلات من جهته (ثم رد ذلك عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكي علم حقيقة ما كان عليه السلف وتبين له ظهور الحجة لطريقهم وضعف حجة من خالفهم ثم إذا رأى الأئمة)أئمة الهدى قد أجمعوا عل ذم المريسية وهي الطريقة التي سلكها بشر ومن بعده وأكثرهم كفروهم أو ضللوهم وعلم أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرين هو مذهب المريسي تبين الهدى لمن يريد الله هدايته ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والفتوى يعني هذه الفتوى التي يكتبها الشيخ لا تحتمل البسط في هذا الباب يعني في باب تقرير شبه هؤلاء تأويلاتهم وبيانهم والرد عليهم وإنما أشير إشارات إلي مبادئ الأمور وقد أحسن رحمه الله في بيان أصل هذه المقالة وكيف استقرت وانتشرت بين المسلمين وهذا كلام نفيس قد لا تجده في غير هذا الموضوع فهو تتبع تاريخي دقيق لبدعة التعطيل في باب أسماء الله عز وجل وصفاته وإنما أشير إشارة إلى مبادئ الأمور والعاقل يبصر وينظر.
" فقال رحمه الله تعالى. (وكلام السلف في هذا الباب موجود في كتب كثيرة لا يمكن أن نذكرها هنا إلا قليلا منه مثل كتاب السنن للالكائي والإبانة لابن بطة والسنة لأبي ذر الهروي والأصول لأبي عمرو الترمنكي وكلام أبي عمر أبن عبد البر والأسماء والصفات للبيهقي وقبل ذلك السنة للطبراني ولأبي الشيخ الأصبهاني ولأبي عبد الله بن منده ولأبي أحمد العسال الأصبهانيين وقبل ذلك السنة للخلال والتوحيد لابن خزيمة وكلام أبي العباس بن سريج والرد على الجهمية لجماعة وقبل ذلك السنة لعبد الله بن أحمد والسنة لأبي بكر بن الأثرم والسنة لحنبل وللمروزي ولأبي داود السجستاني ولابن أبي شيبة والسنة لأبي بكر بن أبي عاصم وكتاب الرد على الجهمية لعبد الله بن محمد الجعفي شيخ البخاري وكتاب خلق أفعال العباد لأبي عبد الله البخاري و كتاب الرد على الجهمية لعثمان بن سعيد الدرامي وكلام عبد العزيز المكي صاحب الحيدة في الرد على الجهمية وكلام نعيم بن حماد الخزاعي وكلام الأمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحي بن سعيد ويحي بن يحي النيسابوري وأمثالهم وقبل ذلك لعبد الله بن المبارك وأمثاله وأشياء كثيرة وعندنا من الدلائل السمعية والعقلية ما لا يتسع هذا الموضع لذكره وأنا أعلم أن المتكلمين النفاة لهم شبهات موجودة ولكن لا يمكن ذكرها في الفتوى , فمن نظر فيها وأراد إبانة ما ذكروه من الشبهة فأنه يسير وإذا كان أصل هذه المقالة مقالة التعطيل والتأويل مأخوذا عن تلامذة المشركين والصابئين واليهود فكيف تطيب نفس المؤمن بل نفس عاقل أن يأخذ سبيل هؤلاء المغضوب عليهم أو الضالين ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدقين والشهداء والصالحين)
في هذا المقطع قال الشيخ رحمه الله: و كلام السلف في هذا الباب أي في باب الأسماء والصفات وبيان المنهج السليم, موجود في كتب كثيرة لا يمكن أن نذكرها هنا إلا قليلاً منها وذكر جملة من الكتب وأكثر هذه الكتب ولله الحمد مطبوع موجود بين أيدي الناس ليقف من خلالها المؤمن على صحة طريقتهم وسلام منهجهم ومخالفته لمنهج هؤلاء المتكلمين.
يقول : (وعندنا) بعد أن ذكر رحمه الله كلام السلف (وعندنا من الدلائل السمعية والعقلية ما لا يتسع هذا الموضع لذكره في تقرير صحة ما ذهبوا إليه وفي تقرير بطلان طريق النفاة)فاجتمع للشيخ من الأدلة السمع و إجماع السلف والأدلة العقلية ثم قال : (وأنا أعلم)وهذا فيه تنبيه أن هذه الأدلة التي ذكرها من السمع ومن كلام السلف ومن الأدلة العقلية لا تسلم عند هؤلاء من بعض الشبهات التي يوردونها على هذه الأدلة , قال (وأنا أعلم أن المتكلمين النفاة لهم شبهات موجودة) يعني قائمة (يثيرونها ويرددونها ولكن لا يمكن ذكرها في الفتوى لأن الفتوى صغيرة , وليس المقصود بسط كلام هؤلاء وتقريره) لأن الشيخ قد قام بذلك في كثير من مؤلفاته فمن نظر فيها يعني في هذه الشبهات وأراد إبانة ما ذكروه من الشبه فأنه يسير . وقد بسط رحمه الله هو وغيره من الأئمة هذه الشبه والرد عليها وتفنيدها وكان له في هذا رحمه الله قصب السبق والواجب على المؤمن أن يبعد عن شبه هؤلاء ولكن إن طرأت عليه وألجأ إلى النظر فيها فلا بأس أن ينظر فيها وأن يفندها و إلا فالأصل أن يقي المؤمن نفسه هذه الشبه وألا ينظر إليها إلا إذا دعت الحاجة, كأن يكون في مقام مناظرة أو في مقام بيان ضلال هؤلاء وشبههم و إلا فالأصل الابتعاد عن الشبه لأن الشبه خطافة والقلوب ضعيفة لاسيما إذا لم ترسخ قدم المرء في العلم بما كان عليه السلف من إثبات ما يجب لله عز وجل من الصفات والأسماء ونفي ما نفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا كان أصل هذه المقالة بعد هذا العرض لطريقة هؤلاء أتى بالخلاصة والعلة في سياق هذا التسلسل التاريخي و بيان أصل هذه المقالة فقال : (فإذا كان أصل هذه المقالة مقالة التعطيل والتأويل مأخوذاً عن تلامذة المشركين والصابئين واليهود فكيف تطيب نفس مؤمن بل نفسعاقل أن يأخذ سبيل هؤلاء المغضوب عليهم أو الضالين)المغضوب عليهم الذين علموا ولم يعملوا والضالون الذين عملوا بلا علم و اعتقدوا بلا بينة ولا هدى (وقد أمرنا أن نستعيذ بالله من طريق هؤلاء ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء و الصالحين)وهو الصراط المستقيم المسؤول في قوله: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ .صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾([1])وهذا الصراط لا يقوم إلا على العلم الصحيح والعمل الصالح فهذا هو صراط الذين أنعم الله عليهم , كيف يسوغ لمن علم أصل مقالة هؤلاء أن يدع الطريق القويم ويسلك مسالك المغضوب عليهم والضالين وبهذا يكون قد فرغ الشيخ رحمه الله من المقدمة التي قرر فيها صحة ما ذهب إليه السلف وبطلان ما سلكه الخلف في باب أسماء الله عز وجل وصفاته والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله.