×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس (9) من شرح الحموية الكبرى
00:00:01

 (واعلم أنه ليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريق السلفية أصلا؛ لكن هذا الموضع لا يتسع للجواب عن الشبهات الواردة على الحق فمن كان في قلبه شبهة وأحب حلها فذلك سهل يسير. ثم المخالفون للكتاب والسنة وسلف الأمة - من المتأولين لهذا الباب - في أمر مريج فإن من أنكر الرؤية يزعم أن العقل يحيلها وأنه مضطر فيها إلى التأويل ومن يحيل أن لله علما وقدرة وأن يكون كلامه غير مخلوق ونحو ذلك يقول: إن العقل أحال ذلك فاضطر إلى التأويل؛ بل من ينكر حقيقة حشر الأجساد والأكل والشرب الحقيقي في الجنة: يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل ومن يزعم أن الله ليس فوق العرش: يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل. ويكفيك دليلا على فساد قول هؤلاء: إنه ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل بل منهم من يزعم أن العقل جوز وأوجب ما يدعي الآخر أن العقل أحاله. فيا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة؟ فرضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: " أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء) الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه والتابعين أما بعد، فالمؤلف رحمه الله قرر في هذا المقطع بطلان اعتماد العقل في باب أسماء الله وصفاته بل وفي سائر أبواب الاعتقاد كما سيذكر ذلك في نهاية كلامه وبطلان اعتماد العقل في باب الإخبار عن الله عز وجل بين من ثلاثة وجوه. الوجه الأول : ما ذكره الشيخ رحمه الله وهو أن المعتمدين على عقولهم في باب الأسماء والصفات في أمر مريج في أمر مضطرب فمن أدلة بطلان اعتماد العقل في باب الأسماء والصفات الاضطراب والتناقض في الشيء دليل فساده ولذلك ذكر الشيخ رحمه الله أنهم في أمر مريج ثم بين اضطرابهم وتناقضهم وضرب لذلك أمثله من البدع عند أهل الكلام (فإن من ينكر الرؤية يزعم أن العقل يحيلها يعني يمنعها وأنه مضطر فيها إلى التأويل)فالنصوص التي جاء فيها إثبات الرؤية تأول ويختلفون في تأويلها كذا ومن يحيل أن لله علما وقدرة وأن يكون كلامه غير مخلوق ونحو ذلك يقول: (إن العقل أحال ذلك فاضطر إلى التأويل)فكذلك البدع بدعة المعتزلة وغيرهم ممن ينفي هذه الصفات يقول إن الذي حمله على ذلك أن العقل أحال أن يوصف الله بهذه الصفات والشيخ رحمه الله تدرج فبدأ بالرؤية التي ينكرها مثبتة الصفات كالأشاعرة والماتردية والكلابية ومن سار طريقهم ثم ذكر بدعة الذين ينفون الصفات بالكلية كالمعتزلة والجهمية ثم أتى ببدعة مغلظة وهي بدعة الفلاسفة الذين ينكرون البعث. قال: (بل من ينكر حقيقة حشر الأجساد)يعني من ينكر أن الأجساد تحشر يوم القيامة وتبعث والأكل والشرب الحقيقي في الجنة يزعم أن العقل أحال ذلك وهذه من أقوال ابن سينا وهي من أقوال الفلاسفة الذين ينكرون البعث ويقولون ما أخبرت به الرسل مما يقع في الآخرة إنما هو خيالات ليحملوا الناس على الطاعة ويزجروهم عن المعصية الذي حمل أولئك على هذا قالوا إن العقل أحال ذلك وهم مضطرون إلى التأويل (ومن يزعم أن الله ليس فوق العرش يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل) ثم قال: (ويكفيك دليلا على فساد قول هؤلاء)وهو أنهم اعتمدوا العقل في باب الأسماء والصفات فأثبتوا ما أثبته العقل ونفوا ما نفاه العقل يكفيك (دليلا على فساد قول هؤلاء أنه ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل)ما هناك قاعدة ثابتة يرجع إليها فتجد (بل منهم من يدعي أن العقل جوز أو أوجب ما يدعي الأخر إن العقل أحاله) فبعضهم يقول العقل يوجب أن يوصف الله بكذا ومقابله يقول العقل يمنع يحيل أن يوصف الله بكذا ويأتي ثالث ويقول أن العقل لا يوجب ولا يحيل بل العقل يجيز أن يوصف الله بكذا فعقول الناس متفاوتة بل الواحد منهم كما ذكر ذلك بعض أهل العلم الواحد من هؤلاء المتكلمين تجده في الكتاب الواحد من كتبه يذكر في موضع أن العقل يوجب أن يوصف الله بكذا وفي نفس الكتاب يقول يمتنع الله أن يوصف بكذا عقلا وقد أثبته عقلا في أول الكتاب أو في أثنائه فهذا التناقض يدل دلالة واضحة على أنه لا يعتمد العقل فيما يجب لله من الكمال والتنزيه إثباتا ولا نفيا بل يرجع في ذلك إلى السمع ويستضاء بالعقل في فهم ما ورد به السمع أما أن يستقل العقل فيما يتعلق بالله عز وجل إثباتا ونفيا فهذا ليس بصحيح. ثم قال الشيخ رحمه الله بعد أن بين هذا الوجه قال:(يا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة؟)أي العقول التي تحتمل أن يوزن بها كلام الله وكلام رسوله فقوله : (يا ليت شعري)ليتني أعلم أي العقول نرجع إليها في فهم كلام الله وكلام رسوله (فرضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: " أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد لجدل هؤلاء وعقولهم)  لا شك أن هذا من الضلال المبين والخطأ العظيم، هذا الوجه الأول من الأوجه التي يبطل بها اعتماد العقل في باب الأسماء والصفات. الوجه الثاني : أن اعتماد العقل في هذا الباب مخالف لطريقة السلف فالسلف رحمهم الله اقتصروا في هذا الباب على ما جاء عن الله وعن رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل. الوجه الثالث: من الأوجه التي تبطل اعتماد العقل في باب الأسماء والصفات أنه من المحال أن يستقل العقل بمعرفة ما يتعلق بالله عز وجل العقل يحيل الاعتماد على العقل في معرفة ما يجب لله عز وجل من الأسماء والصفات. إذا هذا الوجه الثالث هو إحالة العقل أن يكون مستندا ومعتمدا في معرفة ما يجب لله عز وجل وما يجوز له وما يمتنع عليه وذلك أن باب الأسماء والصفات من الأمور الغيبية التي لا تدرك بالعقل فلا يستقل العقل بمعرفتها يعني بمعرفة ما يجب لله عز وجل وما يمتنع عليه وما يجوز عليه، فهذه ثلاثة أدلة تدل على بطلان اعتماد العقل في باب الأسماء والصفات. ثم بعد أن فرغ الشيخ رحمه الله من ذكر بطلان اعتماد العقل في باب الأسماء والصفات وذكر فيما ذكر أن من أدلة البطلان التناقض الذي وقع فيه المتكلمون. . (وكل من هؤلاء مخصوم بما خصم به الآخر وهو من وجوه: أحدها بيان أن العقل لا تحيل ذلك. و الثاني : أن النصوص الواردة لا تحتمل التأويل. و الثالث : أن عامة هذه الأمور قد علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بها بالاضطرار كما أنه جاء بالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان. فالتأويل الذي يحيلها عن هذا بمنزلة تأويل القرامطة والباطنية في الحج والصلاة والصوم وسائر ما جاءت به النبوات. (الرابع: أن يبين أن العقل الصريح يوافق ما جاءت به النصوص؛ وإن كان في النصوص من التفصيل ما يعجز العقل عن درك التفصيل وإنما يعلمه مجملا إلى غير ذلك من الوجوه. على أن الوجوه الأساطين من هؤلاء الفحول: معترفون بأن العقل لا سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية. وإذا كان هكذا فالواجب تلقي علم ذلك من النبوات على ما هو عليه) هذا المقطع بين فيه الشيخ رحمه الله أن هؤلاء المختصمين فيما يجب لله عز وجل في الأسماء والصفات كل منهم اعتمد فيما ذهب إليه على العقل والتأويل فبين الشيخ رحمه الله أن كل واحد من هؤلاء يحتج عليه بما احتج به على صاحبه فالحجة التي اعتمدها أحدهم في إبطال صفة من الصفات يحتج بهذه الحجج عليه في إثباتها يحتج عليه بهذه الحجج التي استند إليها في إبطال الصفات في إثبات هذه الصفة التي احتج بها على صاحبه، فمثلا من يقول إن العقل يحيل أن يكون الله جل وعلا مستو على العرش أو أنه سبحانه وتعالى مريد أو أنه موصوف بالصفة الفلانية يقال له إن إحالتك هذه باطلة ومنقوضة بدليلك يعني بالدليل الذي استدللت به على إبطالها نبين من هذا الدليل أن ما قلته باطل وهذا من بديع أساليب الرد على الخصوم أن ينقض قولهم من قولهم ولذلك اعتمد شيخ الإسلام رحمه الله على هذا في كثير من ردوده على المنحرفين في هذا الباب أن اعتمد على كلامهم في إبطال كلامهم لأن كلامهم اشتمل على حق وباطل فهم تمسكوا بالباطل في إبطال ما يجب لله عز وجل وغفلوا عن الحق الذي في كلامهم فاستعمال الحق في إبطال كلامهم هذا طريق بديع لإقناع الخصم ببطلان ما هو عليه فمن احتج بهذه التأويلات التي ذكرها الشيخ رحمه الله من احتج بالعقل على إبطال ما يجب لله عز وجل فيما ذكر ويحتج به على التأويل يقال له إن اعتمادك على العقل في إبطال هذه باطل من وجوه (أحدها: بيان أن العقل لا يحيل ذلك)العقل لا يحيل ما زعمت أنه محال العقل لا يحيل أن الله سبحانه وتعالى مستو على العرش وإنما جاءت الإحالة العقلية عندكم بسبب المقدمات الباطلة الفاسدة التي جعلتموها سبيلا للتوصل إلى هذه النتيجة فلما كانت المقدمات أو بعضها مقدمات فاسدة غير صحيحة كانت النتائج تابعة لها في الفساد والبطلان فيقال لهم إن العقل لا يحيل ما ذكرتم أنه محال وإنما الإحالة جاءت ناتجة عن مقدمات فاسدة إذا أبطلتموها ورفضتموها زالت الإحالة العقلية لماذا منعوا الاستواء قالوا لأن الاستواء يقتضي التمثيل فإذا قيل لهم إن الاستواء أصلا لا يقتضي التمثيل إثبات الاستواء لله عز وجل لا يقتضي المشابهة والتمثيل فتكون المقدمة التي استدلوا بها على إبطال هذه الصفة منقوضة فإذا نقضت المقدمة بطلت النتيجة التي توصلوا إليها وهي نفي الاستواء عنه سبحانه وتعالى. إذا أول هذه الوجوه التي يحتج بها عليهم أن العقل لا يحيل ذلك.( الثاني: أن النصوص الواردة لا تحتمل التأويلالنصوص الواردة في باب الأسماء والصفات كثيرة يعسر أن تصرف عن ظاهرها فهي لا تحتمل التأويل ولا تحتمل الصرف فالاستواء جاء في آيات كثيرة وأحاديث كثيرة ولم يأت في موضع واحد ما يدل على أنه مصروف عن ظاهره فكيف مع هذه الكثرة نقول إن النص يحتمل التأويل فالجواب عليهم أن النصوص الواردة في ذلك لا تحتمل التأويل. (الثالث: أن عامة هذه الأمور قد علم أن الرسول eجاء بها بالاضطرار)لكثرة ما ورد عنه eفي الإخبار عنها وفي ذكرها (كما أنه جاء بالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان)يعني كما جاء النبي eبالصلوات الخمس وجاء بصيام شهر رمضان وأقررنا بذلك وأثبتناه ولم ندخل في ذلك متأولين بل ننكر جميعا على الباطنية الذين يأولون هذه العبادات بتأويلات فاسدة كذلك حالكم في تأويلكم صفات الله عز وجل فكما أنكم أنكرتم على أهل التأويل من القرامطة والباطنية الذين أولوا هذه العبادات بأمور باطلة لم يأتي ما يؤيد ما ذهبوا إليه في كتاب الله ولا في سنة رسوله eكذلك نقول في باب الأسماء والصفات فالأمر كله من باب واحد إذا كنا لا نقبل تأويل القرامطة والباطنية في قولهم إن الصلوات الخمس ليست على ظاهرها بل يراد بها كذا وكذا وكذلك الحج لا يراد به ما فهم منه عوام المسلمون بل يراد به كذا وكذا كذلك نقول لهم في باب الأسماء والصفات إنها على ظاهرها ويجب الإيمان بها كما أخبر به الله سبحانه وتعالى وأخبر به رسوله eفالتأويل الذي يحيلها أي التأويل الذي اعتمدتموه في إحالة الأسماء والصفات يحيلها عن هذا بمنزلة  تأويل القرامطة والباطنية في الحج والصلاة والصوم وسائر ما جاءت به النبوات فالباب واحد لا خلاف فكما أنكم تنكرون على أولئك تأويلاتهم الباطلة فيجب عليكم أن تنزعوا عن هذه التأويلات الفاسدة التي أولتم بها نصوص الصفات. قال: (الرابع أن يبين أن العقل الصريح يوافق ما جاءت به النصوص)  العقل الصريح السليم يوافق ما جاءت به النصوص الصحيحة الثابتة وهذه قاعدة ذهبية تحل إشكالات كثيرة العقل الصريح السليم لا يمكن أن يخالف نصا صحيحا ثابتا لأن الشريعة لم تأت بما تحيله العقول فلم تأت الشريعة بما يقول العقل الصريح أنه محال بل جاءت بما تحار فيه العقول وقد تعجز عن إدراكه إدراكا تاما ولهذا كل ما تبادر لك من النصوص الصحيحة أنه يخالف العقل الصريح فاعلم أنما أوتيت من قبل أمرين الأمر الأول: فساد في العقل بأن يكون العقل الذي اعتمدته في مصادمة النصوص عقل فاسد إما في أصله أو في مقدماته أو أن يكون النص الوارد غير صحيح فهذان تبريران أو تعليلان للمصادمة التي قد ترد بين العقل والنص إما أن يكون سبب ذلك فسادا في العقل أو ضعفا في النصوص فإذا اجتمع عقل صريح ونص صحيح فلا تمكن المعارضة وقد قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تقريرا بينا جليا في كتابه المبارك (درء تعارض العقل والنقل) وهو كتاب جليل فيه تقعيد لأصول أهل السنة والجماعة في باب أصول الدين والرد على المبتدعة وقواعدهم في هذا الباب قال: (وان كان في النصوص من التفصيل ما يعجز العقل عن درك التفصيل وإنما يعلمه مجملا)وهذا ما ذكرناه قريبا أن الشريعة قد تأتي بما تحار فيه العقول وتعجز عن إدراكه إدراكا تاما لكن لا يمكن أن تأتي الشريعة بما تحيله العقول وتمنعه، (إلى غير ذلك من الوجوه)في إبطال طريقهم (على أن الأساطين من هؤلاء)أي كبراء القوم وعلمائهم ومنظروهم (معترفون بأن العقل لا سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية)  وذلك أن العقل لا يدرك الغيبيات إدراكا تاما قد يدركها في الجملة لكن لا يدرك تفاصيل هذه المغيبات (فإذا كان هكذا فالواجب تلقي علم ذلك من النبوات على ما هو عليه)  يعني على ما جاءت به الرسل من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل فالواجب الوقوف على ما جاءوا به من غير زيادة ولا نقصان وأن من دخل في ذلك بعقله فقد ضل ضلالا مبينا. (ومن المعلوم للمؤمنين أن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا وأنه بين للناس ما أخبرهم به من أمور الإيمان بالله واليوم الآخر. والإيمان بالله واليوم الآخر: يتضمن الإيمان بالمبدأ والمعاد وهو الإيمان بالخلق والبعث كما جمع بينهما في قوله تعالى : ﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين﴾([1]) وقال تعالى: ﴿ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة﴾([2]) وقال تعالى: ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده﴾([3]) وقد بين الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر ما هدى الله به عباده وكشف به مراده. ومعلوم للمؤمنين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من غيره بذلك وأنصح من غيره للأمة وأفصح من غيره عبارة وبيانا بل هو أعلم الخلق بذلك وأنصح الخلق للأمة وأفصحهم فقد اجتمع في حقه كمال العلم والقدرة والإرادة. ومعلوم أن المتكلم أو الفاعل إذا كمل علمه وقدرته وإرادته: كمل كلامه وفعله وإنما يدخل النقص إما من نقص علمه وإما من عجزه عن بيان علمه وإما لعدم إرادته البيان. والرسول هو الغاية في كمال العلم والغاية في كمال إرادة البلاغ المبين والغاية في قدرته على البلاغ المبين - ومع وجود القدرة التامة والإرادة الجازمة: يجب وجود المراد؛ فعلم قطعا أن ما بينه من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر: حصل به مراده من البيان وما أراده من البيان فهو مطابق لعلمه وعلمه بذلك أكمل العلوم. فكل من ظن أن غير الرسول أعلم بهذا منه أو أكمل بيانا منه أو أحرص على هدي الخلق منه: فهو من الملحدين لا من المؤمنين). هذا الوجه أيضا يضاف إلى الوجوه السابقة في بيان إبطال ما اعتمده هؤلاء من تأويل أسماء الله عز وجل وصفاته فإن النبي eأخبر عن الله عز وجل خبرا تاما اجتمع فيه تمام العلم بالمخبر وكمال المخبر من حيث البيان وتمام إرادته البيان وهذه الصفات إذا توفرت في المخبر عن الشيء علم أن خبره من أصدق الأخبار لاشتماله على العلم والقدرة على البيان وإرادة البيان ولذلك سبق تقرير هذا في أول الرسالة وأن التأويل غير مقبول في باب الأسماء والصفات لأن الرسل إنما جاءت لبيان ما يجب لله سبحانه وتعالى وجاءت بذلك مفصلا وقد صدقوا فيما أخبروا وصدقوا من الله جل وعلا في خبرهم فدل ذلك على سلامة ما جاءوا به وصحته وأن كل من سلك غير طريقهم فقد ضل ضلالا مبينا وأنه زاغ عن الطريق الذي يوصل إلى معرفة الله سبحانه وتعالى وهذا الوجه واضح وسبق تقريره والله  تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد. ([1]) سورة: البقرة:آية (8). ([2]) سورة: لقمان: آية (28). ([3])سورة: الروم: آية (27).

المشاهدات:3643


 (واعلم أنه ليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريق السلفية أصلا؛ لكن هذا الموضع لا يتسع للجواب عن الشبهات الواردة على الحق فمن كان في قلبه شبهة وأحب حلها فذلك سهل يسير. ثم المخالفون للكتاب والسنة وسلف الأمة - من المتأولين لهذا الباب - في أمر مريج فإن من أنكر الرؤية يزعم أن العقل يحيلها وأنه مضطر فيها إلى التأويل ومن يحيل أن لله علما وقدرة وأن يكون كلامه غير مخلوق ونحو ذلك يقول: إن العقل أحال ذلك فاضطر إلى التأويل؛ بل من ينكر حقيقة حشر الأجساد والأكل والشرب الحقيقي في الجنة: يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل ومن يزعم أن الله ليس فوق العرش: يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل. ويكفيك دليلا على فساد قول هؤلاء: إنه ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل بل منهم من يزعم أن العقل جوز وأوجب ما يدعي الآخر أن العقل أحاله. فيا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة؟ فرضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: " أوكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لجدل هؤلاء)



الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه والتابعين أما بعد، فالمؤلف رحمه الله قرر في هذا المقطع بطلان اعتماد العقل في باب أسماء الله وصفاته بل وفي سائر أبواب الاعتقاد كما سيذكر ذلك في نهاية كلامه وبطلان اعتماد العقل في باب الإخبار عن الله عز وجل بين من ثلاثة وجوه. الوجه الأول : ما ذكره الشيخ رحمه الله وهو أن المعتمدين على عقولهم في باب الأسماء والصفات في أمر مريج في أمر مضطرب فمن أدلة بطلان اعتماد العقل في باب الأسماء والصفات الاضطراب والتناقض في الشيء دليل فساده ولذلك ذكر الشيخ رحمه الله أنهم في أمر مريج ثم بين اضطرابهم وتناقضهم وضرب لذلك أمثله من البدع عند أهل الكلام (فإن من ينكر الرؤية يزعم أن العقل يحيلها يعني يمنعها وأنه مضطر فيها إلى التأويل)فالنصوص التي جاء فيها إثبات الرؤية تأول ويختلفون في تأويلها كذا ومن يحيل أن لله علما وقدرة وأن يكون كلامه غير مخلوق ونحو ذلك يقول: (إن العقل أحال ذلك فاضطر إلى التأويل)فكذلك البدع بدعة المعتزلة وغيرهم ممن ينفي هذه الصفات يقول إن الذي حمله على ذلك أن العقل أحال أن يوصف الله بهذه الصفات والشيخ رحمه الله تدرج فبدأ بالرؤية التي ينكرها مثبتة الصفات كالأشاعرة والماتردية والكلابية ومن سار طريقهم ثم ذكر بدعة الذين ينفون الصفات بالكلية كالمعتزلة والجهمية ثم أتى ببدعة مغلظة وهي بدعة الفلاسفة الذين ينكرون البعث.



قال: (بل من ينكر حقيقة حشر الأجساد)يعني من ينكر أن الأجساد تحشر يوم القيامة وتبعث والأكل والشرب الحقيقي في الجنة يزعم أن العقل أحال ذلك وهذه من أقوال ابن سينا وهي من أقوال الفلاسفة الذين ينكرون البعث ويقولون ما أخبرت به الرسل مما يقع في الآخرة إنما هو خيالات ليحملوا الناس على الطاعة ويزجروهم عن المعصية الذي حمل أولئك على هذا قالوا إن العقل أحال ذلك وهم مضطرون إلى التأويل (ومن يزعم أن الله ليس فوق العرش يزعم أن العقل أحال ذلك وأنه مضطر إلى التأويل)



ثم قال: (ويكفيك دليلا على فساد قول هؤلاء)وهو أنهم اعتمدوا العقل في باب الأسماء والصفات فأثبتوا ما أثبته العقل ونفوا ما نفاه العقل يكفيك (دليلاً على فساد قول هؤلاء أنه ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل)ما هناك قاعدة ثابتة يرجع إليها فتجد (بل منهم من يدعي أن العقل جوز أو أوجب ما يدعي الأخر إن العقل أحاله) فبعضهم يقول العقل يوجب أن يوصف الله بكذا ومقابله يقول العقل يمنع يحيل أن يوصف الله بكذا ويأتي ثالث ويقول أن العقل لا يوجب ولا يحيل بل العقل يجيز أن يوصف الله بكذا فعقول الناس متفاوتة بل الواحد منهم كما ذكر ذلك بعض أهل العلم الواحد من هؤلاء المتكلمين تجده في الكتاب الواحد من كتبه يذكر في موضع أن العقل يوجب أن يوصف الله بكذا وفي نفس الكتاب يقول يمتنع الله أن يوصف بكذا عقلا وقد أثبته عقلا في أول الكتاب أو في أثنائه فهذا التناقض يدل دلالة واضحة على أنه لا يعتمد العقل فيما يجب لله من الكمال والتنزيه إثباتا ولا نفيا بل يرجع في ذلك إلى السمع ويستضاء بالعقل في فهم ما ورد به السمع أما أن يستقل العقل فيما يتعلق بالله عز وجل إثباتا ونفيا فهذا ليس بصحيح.



ثم قال الشيخ رحمه الله بعد أن بين هذا الوجه قال:(يا ليت شعري بأي عقل يوزن الكتاب والسنة؟)أي العقول التي تحتمل أن يوزن بها كلام الله وكلام رسوله فقوله : (يا ليت شعري)ليتني أعلم أي العقول نرجع إليها في فهم كلام الله وكلام رسوله (فرضي الله عن الإمام مالك بن أنس حيث قال: " أو كلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد لجدل هؤلاء وعقولهم)  لا شك أن هذا من الضلال المبين والخطأ العظيم، هذا الوجه الأول من الأوجه التي يبطل بها اعتماد العقل في باب الأسماء والصفات.



الوجه الثاني : أن اعتماد العقل في هذا الباب مخالف لطريقة السلف فالسلف رحمهم الله اقتصروا في هذا الباب على ما جاء عن الله وعن رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.



الوجه الثالث: من الأوجه التي تبطل اعتماد العقل في باب الأسماء والصفات أنه من المحال أن يستقل العقل بمعرفة ما يتعلق بالله عز وجل العقل يحيل الاعتماد على العقل في معرفة ما يجب لله عز وجل من الأسماء والصفات. إذا هذا الوجه الثالث هو إحالة العقل أن يكون مستندا ومعتمدا في معرفة ما يجب لله عز وجل وما يجوز له وما يمتنع عليه وذلك أن باب الأسماء والصفات من الأمور الغيبية التي لا تدرك بالعقل فلا يستقل العقل بمعرفتها يعني بمعرفة ما يجب لله عز وجل وما يمتنع عليه وما يجوز عليه، فهذه ثلاثة أدلة تدل على بطلان اعتماد العقل في باب الأسماء والصفات.



ثم بعد أن فرغ الشيخ رحمه الله من ذكر بطلان اعتماد العقل في باب الأسماء والصفات وذكر فيما ذكر أن من أدلة البطلان التناقض الذي وقع فيه المتكلمون. .



(وكل من هؤلاء مخصوم بما خصم به الآخر وهو من وجوه: أحدها بيان أن العقل لا تحيل ذلك. و الثاني : أن النصوص الواردة لا تحتمل التأويل. و الثالث : أن عامة هذه الأمور قد علم أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بها بالاضطرار كما أنه جاء بالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان. فالتأويل الذي يحيلها عن هذا بمنزلة تأويل القرامطة والباطنية في الحج والصلاة والصوم وسائر ما جاءت به النبوات. (الرابع: أن يبين أن العقل الصريح يوافق ما جاءت به النصوص؛ وإن كان في النصوص من التفصيل ما يعجز العقل عن درك التفصيل وإنما يعلمه مجملا إلى غير ذلك من الوجوه. على أن الوجوه الأساطين من هؤلاء الفحول: معترفون بأن العقل لا سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية. وإذا كان هكذا فالواجب تلقي علم ذلك من النبوات على ما هو عليه)



هذا المقطع بين فيه الشيخ رحمه الله أن هؤلاء المختصمين فيما يجب لله عز وجل في الأسماء والصفات كل منهم اعتمد فيما ذهب إليه على العقل والتأويل فبين الشيخ رحمه الله أن كل واحد من هؤلاء يحتج عليه بما احتج به على صاحبه فالحجة التي اعتمدها أحدهم في إبطال صفة من الصفات يحتج بهذه الحجج عليه في إثباتها يحتج عليه بهذه الحجج التي استند إليها في إبطال الصفات في إثبات هذه الصفة التي احتج بها على صاحبه، فمثلا من يقول إن العقل يحيل أن يكون الله جل وعلا مستو على العرش أو أنه سبحانه وتعالى مريد أو أنه موصوف بالصفة الفلانية يقال له إن إحالتك هذه باطلة ومنقوضة بدليلك يعني بالدليل الذي استدللت به على إبطالها نبين من هذا الدليل أن ما قلته باطل وهذا من بديع أساليب الرد على الخصوم أن ينقض قولهم من قولهم ولذلك اعتمد شيخ الإسلام رحمه الله على هذا في كثير من ردوده على المنحرفين في هذا الباب أن اعتمد على كلامهم في إبطال كلامهم لأن كلامهم اشتمل على حق وباطل فهم تمسكوا بالباطل في إبطال ما يجب لله عز وجل وغفلوا عن الحق الذي في كلامهم فاستعمال الحق في إبطال كلامهم هذا طريق بديع لإقناع الخصم ببطلان ما هو عليه فمن احتج بهذه التأويلات التي ذكرها الشيخ رحمه الله من احتج بالعقل على إبطال ما يجب لله عز وجل فيما ذكر ويحتج به على التأويل يقال له إن اعتمادك على العقل في إبطال هذه باطل من وجوه (أحدها: بيان أن العقل لا يحيل ذلك)العقل لا يحيل ما زعمت أنه محال العقل لا يحيل أن الله سبحانه وتعالى مستو على العرش وإنما جاءت الإحالة العقلية عندكم بسبب المقدمات الباطلة الفاسدة التي جعلتموها سبيلا للتوصل إلى هذه النتيجة فلما كانت المقدمات أو بعضها مقدمات فاسدة غير صحيحة كانت النتائج تابعة لها في الفساد والبطلان فيقال لهم إن العقل لا يحيل ما ذكرتم أنه محال وإنما الإحالة جاءت ناتجة عن مقدمات فاسدة إذا أبطلتموها ورفضتموها زالت الإحالة العقلية لماذا منعوا الاستواء قالوا لأن الاستواء يقتضي التمثيل فإذا قيل لهم إن الاستواء أصلا لا يقتضي التمثيل إثبات الاستواء لله عز وجل لا يقتضي المشابهة والتمثيل فتكون المقدمة التي استدلوا بها على إبطال هذه الصفة منقوضة فإذا نقضت المقدمة بطلت النتيجة التي توصلوا إليها وهي نفي الاستواء عنه سبحانه وتعالى.



إذا أول هذه الوجوه التي يحتج بها عليهم أن العقل لا يحيل ذلك.( الثاني: أن النصوص الواردة لا تحتمل التأويلالنصوص الواردة في باب الأسماء والصفات كثيرة يعسر أن تصرف عن ظاهرها فهي لا تحتمل التأويل ولا تحتمل الصرف فالاستواء جاء في آيات كثيرة وأحاديث كثيرة ولم يأت في موضع واحد ما يدل على أنه مصروف عن ظاهره فكيف مع هذه الكثرة نقول إن النص يحتمل التأويل فالجواب عليهم أن النصوص الواردة في ذلك لا تحتمل التأويل.



(الثالث: أن عامة هذه الأمور قد علم أن الرسول eجاء بها بالاضطرار)لكثرة ما ورد عنه eفي الإخبار عنها وفي ذكرها (كما أنه جاء بالصلوات الخمس وصوم شهر رمضان)يعني كما جاء النبي eبالصلوات الخمس وجاء بصيام شهر رمضان وأقررنا بذلك وأثبتناه ولم ندخل في ذلك متأولين بل ننكر جميعا على الباطنية الذين يأولون هذه العبادات بتأويلات فاسدة كذلك حالكم في تأويلكم صفات الله عز وجل فكما أنكم أنكرتم على أهل التأويل من القرامطة والباطنية الذين أولوا هذه العبادات بأمور باطلة لم يأتي ما يؤيد ما ذهبوا إليه في كتاب الله ولا في سنة رسوله eكذلك نقول في باب الأسماء والصفات فالأمر كله من باب واحد إذا كنا لا نقبل تأويل القرامطة والباطنية في قولهم إن الصلوات الخمس ليست على ظاهرها بل يراد بها كذا وكذا وكذلك الحج لا يراد به ما فهم منه عوام المسلمون بل يراد به كذا وكذا كذلك نقول لهم في باب الأسماء والصفات إنها على ظاهرها ويجب الإيمان بها كما أخبر به الله سبحانه وتعالى وأخبر به رسوله eفالتأويل الذي يحيلها أي التأويل الذي اعتمدتموه في إحالة الأسماء والصفات يحيلها عن هذا بمنزلة  تأويل القرامطة والباطنية في الحج والصلاة والصوم وسائر ما جاءت به النبوات فالباب واحد لا خلاف فكما أنكم تنكرون على أولئك تأويلاتهم الباطلة فيجب عليكم أن تنزعوا عن هذه التأويلات الفاسدة التي أولتم بها نصوص الصفات.



قال: (الرابع أن يبين أن العقل الصريح يوافق ما جاءت به النصوص)  العقل الصريح السليم يوافق ما جاءت به النصوص الصحيحة الثابتة وهذه قاعدة ذهبية تحل إشكالات كثيرة العقل الصريح السليم لا يمكن أن يخالف نصا صحيحا ثابتا لأن الشريعة لم تأت بما تحيله العقول فلم تأت الشريعة بما يقول العقل الصريح أنه محال بل جاءت بما تحار فيه العقول وقد تعجز عن إدراكه إدراكا تاما ولهذا كل ما تبادر لك من النصوص الصحيحة أنه يخالف العقل الصريح فاعلم أنما أوتيت من قبل أمرين الأمر الأول: فساد في العقل بأن يكون العقل الذي اعتمدته في مصادمة النصوص عقل فاسد إما في أصله أو في مقدماته أو أن يكون النص الوارد غير صحيح فهذان تبريران أو تعليلان للمصادمة التي قد ترد بين العقل والنص إما أن يكون سبب ذلك فسادا في العقل أو ضعفا في النصوص فإذا اجتمع عقل صريح ونص صحيح فلا تمكن المعارضة وقد قرر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تقريرا بينا جليا في كتابه المبارك (درء تعارض العقل والنقل) وهو كتاب جليل فيه تقعيد لأصول أهل السنة والجماعة في باب أصول الدين والرد على المبتدعة وقواعدهم في هذا الباب قال: (وان كان في النصوص من التفصيل ما يعجز العقل عن درك التفصيل وإنما يعلمه مجملا)وهذا ما ذكرناه قريبا أن الشريعة قد تأتي بما تحار فيه العقول وتعجز عن إدراكه إدراكا تاما لكن لا يمكن أن تأتي الشريعة بما تحيله العقول وتمنعه، (إلى غير ذلك من الوجوه)في إبطال طريقهم (على أن الأساطين من هؤلاء)أي كبراء القوم وعلمائهم ومنظروهم (معترفون بأن العقل لا سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية)  وذلك أن العقل لا يدرك الغيبيات إدراكا تاما قد يدركها في الجملة لكن لا يدرك تفاصيل هذه المغيبات (فإذا كان هكذا فالواجب تلقي علم ذلك من النبوات على ما هو عليه)  يعني على ما جاءت به الرسل من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل فالواجب الوقوف على ما جاءوا به من غير زيادة ولا نقصان وأن من دخل في ذلك بعقله فقد ضل ضلالا مبينا.



(ومن المعلوم للمؤمنين أن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا وأنه بين للناس ما أخبرهم به من أمور الإيمان بالله واليوم الآخر. والإيمان بالله واليوم الآخر: يتضمن الإيمان بالمبدأ والمعاد وهو الإيمان بالخلق والبعث كما جمع بينهما في قوله تعالى : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾([1]) وقال تعالى: ﴿مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾([2]) وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾([3]) وقد بين الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر ما هدى الله به عباده وكشف به مراده. ومعلوم للمؤمنين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من غيره بذلك وأنصح من غيره للأمة وأفصح من غيره عبارة وبيانا بل هو أعلم الخلق بذلك وأنصح الخلق للأمة وأفصحهم فقد اجتمع في حقه كمال العلم والقدرة والإرادة. ومعلوم أن المتكلم أو الفاعل إذا كمل علمه وقدرته وإرادته: كمل كلامه وفعله وإنما يدخل النقص إما من نقص علمه وإما من عجزه عن بيان علمه وإما لعدم إرادته البيان. والرسول هو الغاية في كمال العلم والغاية في كمال إرادة البلاغ المبين والغاية في قدرته على البلاغ المبين - ومع وجود القدرة التامة والإرادة الجازمة: يجب وجود المراد؛ فعلم قطعا أن ما بينه من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر: حصل به مراده من البيان وما أراده من البيان فهو مطابق لعلمه وعلمه بذلك أكمل العلوم. فكل من ظن أن غير الرسول أعلم بهذا منه أو أكمل بيانا منه أو أحرص على هدي الخلق منه: فهو من الملحدين لا من المؤمنين).



هذا الوجه أيضا يضاف إلى الوجوه السابقة في بيان إبطال ما اعتمده هؤلاء من تأويل أسماء الله عز وجل وصفاته فإن النبي eأخبر عن الله عز وجل خبرا تاما اجتمع فيه تمام العلم بالمخبر وكمال المخبر من حيث البيان وتمام إرادته البيان وهذه الصفات إذا توفرت في المخبر عن الشيء علم أن خبره من أصدق الأخبار لاشتماله على العلم والقدرة على البيان وإرادة البيان ولذلك سبق تقرير هذا في أول الرسالة وأن التأويل غير مقبول في باب الأسماء والصفات لأن الرسل إنما جاءت لبيان ما يجب لله سبحانه وتعالى وجاءت بذلك مفصلا وقد صدقوا فيما أخبروا وصدقوا من الله جل وعلا في خبرهم فدل ذلك على سلامة ما جاءوا به وصحته وأن كل من سلك غير طريقهم فقد ضل ضلالا مبينا وأنه زاغ عن الطريق الذي يوصل إلى معرفة الله سبحانه وتعالى وهذا الوجه واضح وسبق تقريره والله  تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد.









([1]) سورة: البقرة:آية (8).




([2]) سورة: لقمان: آية (28).




([3])سورة: الروم: آية (27).

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80483 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74769 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61838 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53356 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50921 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50647 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46029 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45575 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف