×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / الفتوى الحموية الكبرى / الدرس (11) من شرح الحموية الكبرى

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس (11) من شرح الحموية الكبرى
00:00:01

 (لكن أولئك الملاحدة ألزموهم في النصوص - نصوص المعاد - نظير ما ادعوه في نصوص الصفات. فقالوا لهم: نحن نعلم بالاضطرار أن الرسل جاءت بمعاد الأبدان وقد علمنا فساد الشبه المانعة منه. وأهل السنة يقولون لهم: ونحن نعلم بالاضطرار أن الرسل جاءت بإثبات الصفات. ونصوص الصفات في الكتب الإلهية: أكثر وأعظم من نصوص المعاد. ويقولون لهم: معلوم أن مشركي العرب وغيرهم كانوا ينكرون المعاد وقد أنكروه على الرسول وناظروه عليه؛ بخلاف الصفات فإنه لم ينكر شيئا منها أحد من العرب. فعلم أن إقرار العقول بالصفات: أعظم من إقرارها بالمعاد وأن إنكار المعاد أعظم من إنكار الصفات فكيف يجوز مع هذا أن يكون ما أخبر به من الصفات ليس كما أخبر به وما أخبر به من المعاد هو على ما أخبر به). بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين أما بعد. . فبعد أن فرغ الشيخ رحمه الله من ذكر هاتين الطائفتين وبين أن أهل التأويل لم يأتوا بما يردون به على أهل التخييل في ضلالهم وإنما شاركوهم في بعض الضلال الذي سلط عليهم أهل التخييل فألزموهم إلزامات باطلة. فقال الشيخ رحمه الله: (لكن  أولئك الملاحدة ألزموهم في النصوص نصوص المعاد نظير ما ادعوه في نصوص الصفات)أي من التأويل لما أول أهل التأويل نصوص الصفات ألزمهم أولئك في نصوص المعاد ما فعلوه في نصوص الصفات وبين هذا الإلزام فقال: (فقالوا لهم : نحن نعلم بالاضطرار أن الرسول جاء بمعاد الأبدان وقد علمنا فساد الشبهة المانعة منه، وأهل السنة يقولون لهؤلاء ونحن نعلم بالاضطرار أن السنة جاءت بإثبات الصفات فإذا كانت السنة قد جاءت بإثبات الصفات)وجاءت بإثبات المعاد وتبين لنا ولكم أي يا أهل التأويل تبين لنا ولكم فساد هذه الشبهة التي جعلت أهل التخييل يؤولون نصوص المعاد فكذلك الأمر في نصوص الصفات فكما أن الشبهة التي اعتمدها أهل التخييل في تأويل نصوص المعاد باطلة فكذلك الشبهة التي اعتمدتموها في تأويل نصوص الصفات. قال: ثم أضاف أمرا آخر يبين أن الذين أولوا في الصفات وقعوا في خطأ أكبر من أولئك الذين أولوا في نصوص المعاد من حيث إن نصوص المعاد تحتمل التأويل أكثر من نصوص الصفات وبيان ذلك في قوله: (ونصوص الصفات في الكتب الإلهية أكثر وأعظم من نصوص المعاد)فالكتب الإلهية ذكرت نصوص الصفات أكثر وأعظم من ذكرها لنصوص المعاد ومع ذلك لم يؤول أهل الكتاب في نصوص الصفات فإذا كانت هذه النصوص مع كثرتها ومجيء الرسل بها في جميع شرائعهم لم تقبل التأويل فكذلك هي في هذه الشريعة لا تقبل التأويل وتأويل من أول في نصوص المعاد أقرب من تأويل من أول في نصوص الصفات أي أقرب إلى الاحتمال وان كان الجميع باطلا لكن نحن نلزمهم على قاعدتهم في التأويل. ثم قال في بيان وجه آخر يبطل تأويل هؤلاء لنصوص الصفات قال: (معلوم أن مشركي العرب وغيرهم كانوا ينكرون المعاد وقد أنكروه على الرسول وناظروه عليه بخلاف الصفات)فإنه لم تكن العرب تنكرها مع أنهم طلبوا إبطال دعوة النبي  صلى الله عليه وسلم وإبطال رسالته وطلبوا تكذيبه  صلى الله عليه وسلم بكل طريق ومن كل سبيل ومع ذلك لم يؤولوا نصوص الصفات وإنما تسلط تكذيبهم وإنكارهم على إثبات نصوص المعاد. قال: (فعلم أن إقرار العقول بالصفات أعظم من إقرارها بالمعاد وأن إنكار المعاد أعظم من إنكار الصفات)تبين من هذين الوجهين أن إقرار العقول بالصفات أعظم من إقرارها بالمعاد وأن إنكار المعاد أعظم من إنكار الصفات ما هما الوجهان؟ الوجه الأول: أن الشرائع جاءت بنصوص الصفات أكثر وأعظم من مجيئها بنصوص المعاد، الثاني: أن مشركي العرب وغيرهم لم ينكروا نصوص الصفات كما أنكروا نصوص المعاد ثم قال: (فكيف يجوز مع هذا أن يكون ما أخبر به من الصفات ليس كما أخبر به)يعني ليس على الوجه الذي أخبر به وإنما إما أن يؤول وإما أن يعطل وإما أن يقال كما في البدعة الثالثة بأنه لا معنى له (وما أخبر به في المعاد هو على ما أخبر به)فالواجب على هؤلاء أن يلتزموا في المعاد كما التزموا في الصفات أو أن يلتزموا في الصفات ما التزموه في نصوص المعاد حتى تطرد قاعدتهم وتسلم من التناقض. (وأيضا فقد علم أنه صلى الله عليه وسلم قد ذم أهل الكتاب على ما حرفوه وبدلوه ومعلوم أن التوراة مملوءة من ذكر الصفات فلو كان هذا مما بدل وحرف لكان إنكار ذلك عليهم أولى فكيف وكانوا إذا ذكروا بين يديه الصفات يضحك تعجبا منهم وتصديقا لها ولم يعبهم قط بما تعيب النفاة أهل الإثبات مثل لفظ التجسيم والتشبيه ونحو ذلك؛ بل عابهم بقولهم: ﴿يد الله مغلولة﴾([1])وقولهم: ﴿  إن الله فقير ونحن أغنياء ﴾([2])وقولهم: إنه استراح لما خلق السموات والأرض فقال تعالى: ﴿ ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب ﴾([3]) والتوراة مملوءة من الصفات المطابقة للصفات المذكورة في القرآن والحديث؛ وليس فيها تصريح بالمعاد كما في القرآن. فإذا جاز أن تتأول الصفات التي اتفق عليها الكتابان فتأويل المعاد الذي انفرد به أحدهما أولى والثاني مما يعلم بالاضطرار من دين الرسول أنه باطل فالأول أولى بالبطلان) واستمرارا في إلزامهم بطريقتهم قال الشيخ رحمه الله: وأيضا فقد علم أنه  صلى الله عليه وسلم قد ذم أهل الكتاب على ما حرفوه وبدلوه ومع ذلك لم يرد أنه ذمهم في نصوص الصفات إلا من حيث إنهم نسبوا إلى الله عز وجل النقص فقالوا: ﴿يد الله مغلولة﴾وقالوا: ﴿إن الله فقير ونحن أغنياء﴾ وقالوا أن الله سبحانه وتعالى لما خلق السماوات والأرض استراح في اليوم السابع أما ماعدا ذلك فإنه لم ينكر عليهم فدل ذلك على أنه لم يقع في نصوص الصفات التي جاءت في كتب الأنبياء السابقين وفي التوراة خاصة لم يقع تحريف ولم يقع تبديل بل كان النبي  صلى الله عليه وسلم يقرهم على ما يذكرونه من الصفات التي توافق الحق فكيف وكانوا إذا ذكروا بين يديه الصفات ضحك وتعجب يعني الصفات الثابتة حقا له سبحانه وتعالى ضحك إقرارا لهم وتعجبا من إثباتهم إياها وتصديقا لهم وذلك كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن حبرا من أحبار يهود جاء إلى النبي  صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والخلائق على إصبع. فضحك النبي  صلى الله عليه وسلم تعجبا منه ثم قرأ قوله تعالى ﴿وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه﴾)([4])فأقره  صلى الله عليه وسلم على هذا فلما أقره على إثبات الصفات ولم ينكر عليه ذلك دل أن نصوص الصفات يجب أن تثبت دون تحريف ولا تعطيل ودون تكييف ولا تمثيل. (وأما الصنف الثالث وهم أهل التجهيل فهم كثير من المنتسبين إلى السنة وأتباع السلف. يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرف معاني ما أنزل الله إليه من آيات الصفات ولا جبريل يعرف معاني الآيات ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك. وكذلك قولهم في أحاديث الصفات: إن معناها لا يعلمه إلا الله مع أن الرسول تكلم بها ابتداء فعلى قولهم تكلم بكلام لا يعرف معناه) وهذا القسم الثالث من الطوائف الضالة في باب العلم بالله وأسمائه وصفاته وهم أهل التجهيل وهم المفوضة الذين قالوا : إن نصوص الصفات لا يعقل معناها ولا يعلم بل تقرأ دون علم لما تضمنته من المعاني هؤلاء بين الشيخ قال: (فهم كثير من المنتسبين إلى السنة وأتباع السلف) وذلك أن هؤلاء ظنوا أن مذهب السلف هو التفويض وهو الجهل بمعاني النصوص وتعطيل النصوص عن معانيها والألفاظ عن دلالاتها ومستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه سيذكره الشيخ رحمه الله فيما يأتي والمراد والمقصود في هذا بيان من هذه الطائفة وماذا تقول. قال: (يقولون أن الرسول  صلى الله عليه وسلم يعرف معاني ما أنزل الله إليه من آيات الصفات ولا جبريل يعرف معاني الآيات)فنفوا معرفة ذلك عن النبي  صلى الله عليه وسلم وهو أكمل البشر وعن جبريل الذي هو أشرف الملائكة فإذا كان النبي  صلى الله عليه وسلم لا يعرف ذلك ولا جبريل يعرف ذلك فمن يعرفهما ؟ لا يعرفهما أحد فالواجب الوقوف على الألفاظ دون النظر إلى معانيها ولا إلى دلالاتها. قال: (ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك)لان السابقين الأولين تلقوا عن النبي  صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الذي جاء به جبريل من رب العالمين فإذا كان جبريل والنبي  صلى الله عليه وسلم لا يعرفان ذلك فالسابقون المتلقون عن الكتاب والسنة لم يعرفوا ذلك. ثم قال: (وكذلك قولهم في أحاديث الصفات إن معناها لا يعلمه إلا الله مع أن الرسول تكلم بها ابتداء) يعني تكلم بها ابتداء في وصف الله سبحانه وتعالى فذكر في الحديث ما لم يذكره القرآن ذكر في السنة من صفات الله عز وجل ما لم يأت به القرآن هذا معنى قوله (تكلم بها ابتداء فعلى قولهم تكلم بكلام لا يعرف معناه يعني تكلم بكلام لا يعرف معناه ولا يعرف دلالاته)وإنما أضاف هذا ليبين أنه إذا ساغ أن نقول أنه لم يعرف ما نقله جبريل إليه فكيف يتكلم بكلام في وصف الله عز وجل ابتداء ثم لا يعرف معناه وهذا أغلظ في التهمة للنبي  صلى الله عليه وسلم لأنه في المرتبة الأولى يسوغ أن يكون النبي  صلى الله عليه وسلم يسوغ على قولهم أن يكون النبي  صلى الله عليه وسلم قد نقل وبلغ ما لم يعلم معناه لكن كيف يبتدئ كلاما في وصف الله عز وجل وذكره سبحانه وتعالى وهو لا يعقل هذه المعاني التي يتكلم بها وهذا فيه أعظم الفرية على النبي  صلى الله عليه وسلم ولذلك وصف شيخ الإسلام رحمه الله أهل التجهيل بأنهم من شر البدع لأن مقتضى بدعتهم أن الله خاطب الناس وأن الرسول  صلى الله عليه وسلم تكلم في حق الله عز وجل بما لا يعقل معناه ولا يفهم ولا يعرف وأن الكتاب لم يأت هدى ولا بيانا ولا موعظة ولا إرشادا للناس إنما جاء لتضليلهم والتضييق عليهم ومخاطبتهم وتكليفهم بما لا يعقلون ولا يعرفون. ثم ذكر رحمه الله بعد ذلك دليل هؤلاء فيما ذهبوا إليه قال:(وهؤلاء يظنون أنهم اتبعوا قوله تعالى ﴿وما يعلم تأويله إلا الله﴾([5]) فإنه وقف أكثر السلف على قوله: ﴿وما يعلم تأويله إلا الله﴾ وهو وقف صحيح لكن لم يفرقوا بين معنى الكلام وتفسيره ، وبين  التأويل الذي انفرد الله تعالى بعلمه ؛ وظنوا أن التأويل المذكور في كلام الله تعالى هو  التأويل المذكور في كلام المتأخرين وغلطوا في ذلك). أشار رحمه الله في هذا المقطع إلى أصل ضلال هؤلاء، هؤلاء لما لم تعقل عقولهم النصوص واعتقدوا منها خلاف الحق وظنوا أن فيها النسبة نسبة الباطل و النقص لله عز وجل قالوا إن النصوص لا يعلم معناها إلا الله واستدلوا لهذا بقوله:﴿وما يعلم تأويله إلا الله﴾والآية في سورة آل عمران في قوله تعالى ﴿هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾اختلف السلف رحمهم الله في الوقف في قوله: ﴿وما يعلم تأويله إلا الله﴾فبعضهم وقف على قوله ﴿إلا الله﴾وهو قول جمهور أهل العلم وقال آخرون بأن الوقف على قوله ﴿والراسخون في العلم﴾ فيكون الوقف في هذه الآية ﴿ وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا﴾والقول الثاني هو قول جماعة من السلف وكلا القولين حق كما قال شيخ الإسلام رحمه الله كلا القولين في الوقف حق لكن الذي أورد عند هؤلاء الإشكال هو الاشتراك في معنى التأويل فمن رأى أن الوقوف على قوله: ﴿وما يعلم تأويله إلا الله﴾من رأى الوقوف على هذا فإنه يحمل النفي نفي العلم في هذه الآية على ما استأثر الله بعلمه من علم حقائق الأمور وما تؤول إليه وترجع وهذا لا شك أنه لا يعلمه إلا الله حقائق الأمور وما تؤول إليه الأخبار هذا لا يعلمه إلا الله فمثلا أخبر الله جل وعلا عن يوم القيامة بأخبار كثيرة ونحن نعلم ما أخبر به سبحانه وتعالى لكن حقيقة ما أخبر به واقعا هل نعلمه؟ لا نعلمه الله سبحانه وتعالى ذكر نعيم أهل الجنة في كتابه من الأكل والشرب والنكاح والنظر إليه وغير ذلك لكن حقيقة هذا لا نعلمه ولذلك جاء في القرآن قوله سبحانه وتعالى: ﴿فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة﴾([6])أي لا تعلمه علما واقعا وحقيقة وتاما لأنه لا يعلمه إلا الله وقوله  صلى الله عليه وسلم في الحديث الإلهي: (أعددت لعبادي مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)([7])فالعلم المنفي على قول جمهور أهل العلم هو علم حقائق المغيبات وكنهها سواء في الأخبار التي تتعلق بالله عز وجل أو في الأخبار التي تتعلق باليوم الآخر وعلى هذا يكون الوقف صحيحا. ([1])   سورة : المائدة(64). ([2])   سورة : آل عمران (181). ([3])   سورة : ق (38). ([4])   أخرجه البخاري (4811) ومسلم (2786). ([5])سورة : آل عمران: (7) ([6]) سورة : السجدة:(17). ([7]) البخاري (3244).

المشاهدات:3651


 (لكن أولئك الملاحدة ألزموهم في النصوص - نصوص المعاد - نظير ما ادعوه في نصوص الصفات. فقالوا لهم: نحن نعلم بالاضطرار أن الرسل جاءت بمعاد الأبدان وقد علمنا فساد الشبه المانعة منه. وأهل السنة يقولون لهم: ونحن نعلم بالاضطرار أن الرسل جاءت بإثبات الصفات. ونصوص الصفات في الكتب الإلهية: أكثر وأعظم من نصوص المعاد. ويقولون لهم: معلوم أن مشركي العرب وغيرهم كانوا ينكرون المعاد وقد أنكروه على الرسول وناظروه عليه؛ بخلاف الصفات فإنه لم ينكر شيئا منها أحد من العرب. فعلم أن إقرار العقول بالصفات: أعظم من إقرارها بالمعاد وأن إنكار المعاد أعظم من إنكار الصفات فكيف يجوز مع هذا أن يكون ما أخبر به من الصفات ليس كما أخبر به وما أخبر به من المعاد هو على ما أخبر به).



بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين أما بعد. .



فبعد أن فرغ الشيخ رحمه الله من ذكر هاتين الطائفتين وبين أن أهل التأويل لم يأتوا بما يردون به على أهل التخييل في ضلالهم وإنما شاركوهم في بعض الضلال الذي سلط عليهم أهل التخييل فألزموهم إلزامات باطلة.



فقال الشيخ رحمه الله: (لكن  أولئك الملاحدة ألزموهم في النصوص نصوص المعاد نظير ما ادعوه في نصوص الصفات)أي من التأويل لما أول أهل التأويل نصوص الصفات ألزمهم أولئك في نصوص المعاد ما فعلوه في نصوص الصفات وبين هذا الإلزام فقال: (فقالوا لهم : نحن نعلم بالاضطرار أن الرسول جاء بمعاد الأبدان وقد علمنا فساد الشبهة المانعة منه، وأهل السنة يقولون لهؤلاء ونحن نعلم بالاضطرار أن السنة جاءت بإثبات الصفات فإذا كانت السنة قد جاءت بإثبات الصفات)وجاءت بإثبات المعاد وتبين لنا ولكم أي يا أهل التأويل تبين لنا ولكم فساد هذه الشبهة التي جعلت أهل التخييل يؤولون نصوص المعاد فكذلك الأمر في نصوص الصفات فكما أن الشبهة التي اعتمدها أهل التخييل في تأويل نصوص المعاد باطلة فكذلك الشبهة التي اعتمدتموها في تأويل نصوص الصفات.



قال: ثم أضاف أمرا آخر يبين أن الذين أولوا في الصفات وقعوا في خطأ أكبر من أولئك الذين أولوا في نصوص المعاد من حيث إن نصوص المعاد تحتمل التأويل أكثر من نصوص الصفات وبيان ذلك في قوله: (ونصوص الصفات في الكتب الإلهية أكثر وأعظم من نصوص المعاد)فالكتب الإلهية ذكرت نصوص الصفات أكثر وأعظم من ذكرها لنصوص المعاد ومع ذلك لم يؤول أهل الكتاب في نصوص الصفات فإذا كانت هذه النصوص مع كثرتها ومجيء الرسل بها في جميع شرائعهم لم تقبل التأويل فكذلك هي في هذه الشريعة لا تقبل التأويل وتأويل من أول في نصوص المعاد أقرب من تأويل من أول في نصوص الصفات أي أقرب إلى الاحتمال وان كان الجميع باطلاً لكن نحن نلزمهم على قاعدتهم في التأويل.



ثم قال في بيان وجه آخر يبطل تأويل هؤلاء لنصوص الصفات قال: (معلوم أن مشركي العرب وغيرهم كانوا ينكرون المعاد وقد أنكروه على الرسول وناظروه عليه بخلاف الصفات)فإنه لم تكن العرب تنكرها مع أنهم طلبوا إبطال دعوة النبي  صلى الله عليه وسلم وإبطال رسالته وطلبوا تكذيبه  صلى الله عليه وسلم بكل طريق ومن كل سبيل ومع ذلك لم يؤولوا نصوص الصفات وإنما تسلط تكذيبهم وإنكارهم على إثبات نصوص المعاد.



قال: (فعلم أن إقرار العقول بالصفات أعظم من إقرارها بالمعاد وأن إنكار المعاد أعظم من إنكار الصفات)تبين من هذين الوجهين أن إقرار العقول بالصفات أعظم من إقرارها بالمعاد وأن إنكار المعاد أعظم من إنكار الصفات ما هما الوجهان؟ الوجه الأول: أن الشرائع جاءت بنصوص الصفات أكثر وأعظم من مجيئها بنصوص المعاد، الثاني: أن مشركي العرب وغيرهم لم ينكروا نصوص الصفات كما أنكروا نصوص المعاد ثم قال: (فكيف يجوز مع هذا أن يكون ما أخبر به من الصفات ليس كما أخبر به)يعني ليس على الوجه الذي أخبر به وإنما إما أن يؤول وإما أن يعطل وإما أن يقال كما في البدعة الثالثة بأنه لا معنى له (وما أخبر به في المعاد هو على ما أخبر به)فالواجب على هؤلاء أن يلتزموا في المعاد كما التزموا في الصفات أو أن يلتزموا في الصفات ما التزموه في نصوص المعاد حتى تطرد قاعدتهم وتسلم من التناقض.



(وأيضا فقد علم أنه صلى الله عليه وسلم قد ذم أهل الكتاب على ما حرفوه وبدلوه ومعلوم أن التوراة مملوءة من ذكر الصفات فلو كان هذا مما بدل وحرف لكان إنكار ذلك عليهم أولى فكيف وكانوا إذا ذكروا بين يديه الصفات يضحك تعجبا منهم وتصديقا لها ولم يعبهم قط بما تعيب النفاة أهل الإثبات مثل لفظ التجسيم والتشبيه ونحو ذلك؛ بل عابهم بقولهم: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾([1])وقولهم: ﴿  إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾([2])وقولهم: إنه استراح لما خلق السموات والأرض فقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾([3]) والتوراة مملوءة من الصفات المطابقة للصفات المذكورة في القرآن والحديث؛ وليس فيها تصريح بالمعاد كما في القرآن. فإذا جاز أن تتأول الصفات التي اتفق عليها الكتابان فتأويل المعاد الذي انفرد به أحدهما أولى والثاني مما يعلم بالاضطرار من دين الرسول أنه باطل فالأول أولى بالبطلان) واستمراراً في إلزامهم بطريقتهم قال الشيخ رحمه الله: وأيضا فقد علم أنه  صلى الله عليه وسلم قد ذم أهل الكتاب على ما حرفوه وبدلوه ومع ذلك لم يرد أنه ذمهم في نصوص الصفات إلا من حيث إنهم نسبوا إلى الله عز وجل النقص فقالوا: ﴿يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ﴾وقالوا: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ وقالوا أن الله سبحانه وتعالى لما خلق السماوات والأرض استراح في اليوم السابع أما ماعدا ذلك فإنه لم ينكر عليهم فدل ذلك على أنه لم يقع في نصوص الصفات التي جاءت في كتب الأنبياء السابقين وفي التوراة خاصة لم يقع تحريف ولم يقع تبديل بل كان النبي  صلى الله عليه وسلم يقرهم على ما يذكرونه من الصفات التي توافق الحق فكيف وكانوا إذا ذكروا بين يديه الصفات ضحك وتعجب يعني الصفات الثابتة حقاً له سبحانه وتعالى ضحك إقراراً لهم وتعجباً من إثباتهم إياها وتصديقاً لهم وذلك كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن حبرا من أحبار يهود جاء إلى النبي  صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والخلائق على إصبع. فضحك النبي  صلى الله عليه وسلم تعجبا منه ثم قرأ قوله تعالى ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾)([4])فأقره  صلى الله عليه وسلم على هذا فلما أقره على إثبات الصفات ولم ينكر عليه ذلك دل أن نصوص الصفات يجب أن تثبت دون تحريف ولا تعطيل ودون تكييف ولا تمثيل.



(وأما الصنف الثالث وهم أهل التجهيل فهم كثير من المنتسبين إلى السنة وأتباع السلف. يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرف معاني ما أنزل الله إليه من آيات الصفات ولا جبريل يعرف معاني الآيات ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك. وكذلك قولهم في أحاديث الصفات: إن معناها لا يعلمه إلا الله مع أن الرسول تكلم بها ابتداء فعلى قولهم تكلم بكلام لا يعرف معناه) وهذا القسم الثالث من الطوائف الضالة في باب العلم بالله وأسمائه وصفاته وهم أهل التجهيل وهم المفوضة الذين قالوا : إن نصوص الصفات لا يعقل معناها ولا يعلم بل تقرأ دون علم لما تضمنته من المعاني هؤلاء بين الشيخ قال: (فهم كثير من المنتسبين إلى السنة وأتباع السلف) وذلك أن هؤلاء ظنوا أن مذهب السلف هو التفويض وهو الجهل بمعاني النصوص وتعطيل النصوص عن معانيها والألفاظ عن دلالاتها ومستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه سيذكره الشيخ رحمه الله فيما يأتي والمراد والمقصود في هذا بيان من هذه الطائفة وماذا تقول. قال: (يقولون أن الرسول  صلى الله عليه وسلم يعرف معاني ما أنزل الله إليه من آيات الصفات ولا جبريل يعرف معاني الآيات)فنفوا معرفة ذلك عن النبي  صلى الله عليه وسلم وهو أكمل البشر وعن جبريل الذي هو أشرف الملائكة فإذا كان النبي  صلى الله عليه وسلم لا يعرف ذلك ولا جبريل يعرف ذلك فمن يعرفهما ؟ لا يعرفهما أحد فالواجب الوقوف على الألفاظ دون النظر إلى معانيها ولا إلى دلالاتها.



قال: (ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك)لان السابقين الأولين تلقوا عن النبي  صلى الله عليه وسلم وعن القرآن الذي جاء به جبريل من رب العالمين فإذا كان جبريل والنبي  صلى الله عليه وسلم لا يعرفان ذلك فالسابقون المتلقون عن الكتاب والسنة لم يعرفوا ذلك.



ثم قال: (وكذلك قولهم في أحاديث الصفات إن معناها لا يعلمه إلا الله مع أن الرسول تكلم بها ابتداء) يعني تكلم بها ابتداء في وصف الله سبحانه وتعالى فذكر في الحديث ما لم يذكره القرآن ذكر في السنة من صفات الله عز وجل ما لم يأت به القرآن هذا معنى قوله (تكلم بها ابتداء فعلى قولهم تكلم بكلام لا يعرف معناه يعني تكلم بكلام لا يعرف معناه ولا يعرف دلالاته)وإنما أضاف هذا ليبين أنه إذا ساغ أن نقول أنه لم يعرف ما نقله جبريل إليه فكيف يتكلم بكلام في وصف الله عز وجل ابتداءًَ ثم لا يعرف معناه وهذا أغلظ في التهمة للنبي  صلى الله عليه وسلم لأنه في المرتبة الأولى يسوغ أن يكون النبي  صلى الله عليه وسلم يسوغ على قولهم أن يكون النبي  صلى الله عليه وسلم قد نقل وبلغ ما لم يعلم معناه لكن كيف يبتدئ كلاماً في وصف الله عز وجل وذكره سبحانه وتعالى وهو لا يعقل هذه المعاني التي يتكلم بها وهذا فيه أعظم الفرية على النبي  صلى الله عليه وسلم ولذلك وصف شيخ الإسلام رحمه الله أهل التجهيل بأنهم من شر البدع لأن مقتضى بدعتهم أن الله خاطب الناس وأن الرسول  صلى الله عليه وسلم تكلم في حق الله عز وجل بما لا يعقل معناه ولا يفهم ولا يعرف وأن الكتاب لم يأت هدىً ولا بياناً ولا موعظةً ولا إرشاداً للناس إنما جاء لتضليلهم والتضييق عليهم ومخاطبتهم وتكليفهم بما لا يعقلون ولا يعرفون.



ثم ذكر رحمه الله بعد ذلك دليـل هؤلاء فيما ذهبوا إليه قـال:(وهؤلاء يظنون أنهم اتبعوا قوله تعالى ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ﴾([5]) فإنه وقف أكثر السلف على قوله: ﴿وما يعلم تأويله إلا الله﴾ وهو وقف صحيح لكن لم يفرقوا بين معنى الكلام وتفسيره ، وبين  التأويل الذي انفرد الله تعالى بعلمه ؛ وظنوا أن التأويل المذكور في كلام الله تعالى هو  التأويل المذكور في كلام المتأخرين وغلطوا في ذلك).



أشار رحمه الله في هذا المقطع إلى أصل ضلال هؤلاء، هؤلاء لما لم تعقل عقولهم النصوص واعتقدوا منها خلاف الحق وظنوا أن فيها النسبة نسبة الباطل و النقص لله عز وجل قالوا إن النصوص لا يعلم معناها إلا الله واستدلـوا لهذا بقـوله:﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ﴾والآية في سورة آل عمران في قوله تعالى ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾اختلف السلف رحمهم الله في الوقف في قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ﴾فبعضهم وقف على قوله ﴿إِلا اللَّهُ﴾وهو قول جمهور أهل العلم وقال آخرون بأن الوقف على قوله ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ فيكون الوقف في هذه الآية ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾والقول الثاني هو قول جماعة من السلف وكلا القولين حق كما قال شيخ الإسلام رحمه الله كلا القولين في الوقف حق لكن الذي أورد عند هؤلاء الإشكال هو الاشتراك في معنى التأويل فمن رأى أن الوقوف على قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُمن رأى الوقوف على هذا فإنه يحمل النفي نفي العلم في هذه الآية على ما استأثر الله بعلمه من علم حقائق الأمور وما تؤول إليه وترجع وهذا لا شك أنه لا يعلمه إلا الله حقائق الأمور وما تؤول إليه الأخبار هذا لا يعلمه إلا الله فمثلاً أخبر الله جل وعلا عن يوم القيامة بأخبار كثيرة ونحن نعلم ما أخبر به سبحانه وتعالى لكن حقيقة ما أخبر به واقعاً هل نعلمه؟ لا نعلمه الله سبحانه وتعالى ذكر نعيم أهل الجنة في كتابه من الأكل والشرب والنكاح والنظر إليه وغير ذلك لكن حقيقة هذا لا نعلمه ولذلك جاء في القرآن قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ﴾([6])أي لا تعلمه علماً واقعاً وحقيقةً وتاماً لأنه لا يعلمه إلا الله وقوله  صلى الله عليه وسلم في الحديث الإلهي: (أعددت لعبادي مالا عينٌ رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)([7])فالعلم المنفي على قول جمهور أهل العلم هو علم حقائق المغيبات وكنهها سواء في الأخبار التي تتعلق بالله عز وجل أو في الأخبار التي تتعلق باليوم الآخر وعلى هذا يكون الوقف صحيحا.









([1])   سورة : المائدة(64).




([2])   سورة : آل عمران (181).




([3])   سورة : قّ (38).




([4])   أخرجه البخاري (4811) ومسلم (2786).




([5])سورة : آل عمران: (7)




([6]) سورة : السجدة:(17).




([7]) البخاري (3244).

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80483 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74768 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61838 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53356 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50921 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50647 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46027 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45574 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف