(فالتأويل في اصطلاح كثير من المتأخرين هو: صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن بذلك فلا يكون معنى اللفظ الموافق لدلالة ظاهره تأويلا على اصطلاح هؤلاء؛ وظنوا أن مراد الله تعالى بلفظ التأويل ذلك وأن للنصوص تأويلا يخالف مدلولها لا يعلمه إلا الله ولا يعلمه المتأولون. ثم كثير من هؤلاء يقولون: تجري على ظاهرها فظاهرها مراد مع قولهم: إن لها تأويلا بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله. وهذا تناقض وقع فيه كثير من هؤلاء المنتسبين إلى السنة: من أصحاب " الأئمة الأربعة " وغيرهم. (والمعنى الثاني " أن التأويل " هو تفسير الكلام - سواء وافق ظاهره أو لم يوافقه - وهذا هو " التأويل " في اصطلاح جمهور المفسرين وغيرهم. وهذا " التأويل " يعلمه الراسخون في العلم وهو موافق لوقف من وقف من السلف عند قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾([1]) كما نقل ذلك عن ابن عباس ومجاهد ومحمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن إسحاق وابن قتيبة وغيرهم وكلا القولين حق باعتبار. كما قد بسطناه في موضع آخر؛ ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا وكلاهما حق والمعنى الثالث أن التأويل هو الحقيقة التي يؤول الكلام إليها - وإن وافقت ظاهره - فتأويل ما أخبر الله به في الجنة - من الأكل والشرب واللباس والنكاح وقيام الساعة وغير ذلك - هو الحقائق الموجودة أنفسها؛ لا ما يتصور من معانيها في الأذهان ويعبر عنه باللسان وهذا هو " التأويل " في لغة القرآن كما قال تعالى عن يوسف أنه قال: ﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً﴾([2]) وقال تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾([3]) وقال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾([4]) وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله. وتأويل " الصفات " هو الحقيقة التي انفرد الله تعالى بعلمها وهو الكيف المجهول الذي قال فيه السلف - كمالك وغيره-: الاستواء معلوم و الكيف مجهول؛ فالاستواء معلوم - يعلم معناه ويفسر ويترجم بلغة أخرى - وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم وأما كيفية ذلك الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى).
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين أما بعد فقد تقدم الكلام على أول هذا المقطع المترابط في بيان معنى التأويل والذي ساق الشيخ رحمه الله إلى ذكر هذا هو أن الذين أولوا في صفات الله والذين قالوا إن صفات الله لا يعلم معناها اعتمدوا فيما استدلوا به على باطلهم قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾فذكر الشيخ رحمه الله الخلاف في الوقف في هذه الآية وأن كلا القولين في الآية حق ولكن المعنى في كل منهما أي في كل قراءة يختلف عن الوقف الآخر فقوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾إذا وقف على هذه فيكون معناه لا يعلم حقيقة ما يؤول إليه إلا الله سبحانه وتعالى كما سمعناه في كلام الشيخ رحمه الله في بيان هذا المعنى وسيأتي المزيد من التفصيل في المقطع القادم وأما الوقف الثاني: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾([5])وهذا الوقف الثاني أو هذا القول الثاني في الوقف فيكون معنى الآية يعني ما يعلمه إلا الله والراسخون في العلم يعلمونه وتميزوا عن غيرهم برسوخهم في العلم فعلموا ما جهله غيرهم فيكون هذا من المتشابه الإضافي يعني المتشابه النسبي الذي يعلمه أناس ولا يعلمه آخرون فيعلمه الراسخون في العلم ولا يعلمه غيرهم.
ثم ذكر الشيخ رحمه الله أن التأويل في كلام السلف يراد به ثلاثة معان: الأول: قال (فالتأويل في اصطلاح كثير من المتأخرين هو صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل يقترن بذلك)هذا التأويل الذي استعمله أكثر المتأخرين والأصل في الألفاظ أن تجرى على ظاهرها وأن تؤخذ دلالاتها من ألفاظها هذا الأصل في الألفاظ والأصل إعمال اللفظ على ظاهره والمتبادر منه لكن إذا جاء دليل يدل على أن ظاهر اللفظ غير مراد ففي هذه الحالة يصرف اللفظ عن ظاهره المتبادر إلى المعنى المرجوح الذي يحتمله اللفظ لهذه القرينة أو لهذا الدليل الصارف لكن الأصل في اللفظ أن يعمل على ظاهره وأن لا يصرف عن ظاهره إلى معنى مرجوح يحتمله النص إلا بدليل.
يقول: (فلا يكون معنى اللفظ الموافق لدلالة ظاهره تأويلا على اصطلاح هؤلاء)يعني المعنى المفهوم من ظاهر اللفظ لا يكون تأويلا فإذا نظرت في قوله تعالى: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾([6])ظاهر هذه الآية يدل على أنه لا يعلم الغيب إلا الله تعالى هذا تفسير وليس تأويلاً على كلام هؤلاء لأنهم جعلوا التأويل هو صرف اللفظ عن ظاهره أي عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح لدليل فلا يكون على قول هؤلاء تفسير القرآن تأويلاً لأن التأويل عندهم هو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر أو الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به (وظنوا أن مراد الله تعالى بلفظ التأويلذلك) في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾هم الذين يعلمون التأويل بمعنى هم الذين يعلمون أن المراد باللفظ غير ظاهره الراجح إنما المراد ظاهره المرجوح لدليل يقترن به ولا يفهم هذه الأدلة ولا يعرفها إلا الراسخون في العلم.
قال: (وأن للنصوص تأويلا يخالف مدلولها لا يعلمه إلا الله ولا يعلمه المتأولون)وظنوا: الضمير عائد إلى من؟ مـراده أهل التجهيل يعني يظن أهل التجهيل أن مراد الله تعالى في قوله ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ﴾ أي لا يعلم معناه المرجوح إلا الله سبحانه وتعالى وعلى ذلك يقفون عند قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ﴾لأنهم يقولون : لا يعلم تأويل كلام الله إلا هو سبحانه وتعالى ولا يعلمه أحد. قال: (وأن للنصوص تأويلا يخالف مدلولها لا يعلمه إلا الله ولا يعلمه المتأولون)فنفوا العلم عن المتأولين وأثبتوه لله سبحانه وتعالى وهذا على قراءة الوقف.
ثم قال: (ثم كثير من هؤلاء يقولون : تجرى على ظاهرها فظاهرها مراد مع قولهم إن لها تأويلاً بهذا المعنى لا يعلمه إلا الله) يقول: لها معنى وتجرى على ظاهرها لكن لا يعلم معناها إلا الله فهؤلاء وقعوا في التناقض يقول: لها معنى وهو غير معلوم لا يدرى ولا يعلم معنى كلام الله سبحانه وتعالى فهؤلاء وقعوا في التناقض حيث أثبتوا أن لها معنى ونفوا علم هذا المعنى مع أن الكلام كلام عربي مبين ومقتضى كونه مبيناً أن يفهمه كل من تكلم بهذا اللسان ولذلك قال: وقعوا في التناقض (وهذا تناقض وقع فيه كثير من هؤلاء المنتسبين إلى السنة من أصحاب الأئمة الأربع وغيرهم)ومراده المفوضة يريد بهذا الكلام أهل التفويض أهل التجهيل قال: والمعنى الثالث، المهم الآن عرفنا المعنى الأول الذي يقصد به التأويل يرد ويقصد به أو يراد به صرف اللفظ عن ظاهره الراجح إلى معناه المرجوح لدليل يقترن به والمعنى الثاني: أن التأويل هو تفسير الكلام سواء وافق ظاهره أم لم يوافق قال: (وهذا هو معنى التأويل في اصطلاح جمهور المفسرين وغيرهم)يعني إذا قال المفسرون تأويل هذه الآية معنى كلامهم تفسيرها وليس مرادهم بذلك صرف اللفظ عن ظاهره إلى معنى مرجوح يحتمله النص لدليل قال: (وهذا التأويل يعلمه الراسخون في العلم وهو موافق لوقف من وقف من السلف على قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾فالراسخون في العلم يعلمون تأويله ولكن العطف هنا لا يقتضي المشاركة من كل وجه في العلم بل علم الله سبحانه وتعالى تام لا يلحقه نقص وأما علم الراسخين في العلم فهو علم قاصر يشتمل علم المعاني دون علم الحقائق الذي يشير إليه في المعنى الثالث.
يقول: (كما نقل ذلك عن ابن عباس ومجاهد ومحمد بن جعفر بن الزبير ومحمد بن إسحاق وابن قتيبة وغيرهم وكلا القولين حق)كلا التفسيرين (حقباعتبار)مقصوده كلا القولين في الوقف من وقف على قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ﴾ أصاب ومن وقف على قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾أصاب لكن الأول هو قول الجمهور قول أكثر السلف والثاني قال به بعضهم.
قال الشيخ: (وكلا القولين حق باعتبار)يعني بالنظر إلى جانب كما بسطناه في موضع آخر (ولهذا نقل عن ابن عباس هذا وهذا)يعني نقـل عنه الوقف على لفظ الجلالة ونقـل عنه الوقف بعد قوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾وكلاهما حق فما المعنى الصحيح في قوله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ﴾يكون العلم المثبت لله وحده دون غيره هو علم الأمور على حقائقها و كيفيتها وما تؤول إليه وترجع وعلى القول الآخر الوقف يكون العلم التفسير و منه قول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس في دعائه له (اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل)أي علمه التفسير. قال: (والمعنى الثالث:أن التأويل هو الحقيقة التي يؤول الكلام إليها وان وافقتظاهره فتأويل ما أخبر الله به في الجنة من الأكل و الشرب و اللباس و النكاح وقيام الساعة وغير ذلك هو الحقائق الموجودة أنفسها) وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى حقائق هذه المخبرات من الأكل والشرب والنعيم في الجنة ورؤية الله سبحانه وتعالى وجميع ما أخبر به الله سبحانه وتعالى عن اليوم الآخر لا يعلم حقيقة ذلك إلا الله سبحانه وتعالى.
قال: (لاما يتصور معانيها في الأذهان ويعبر عنه باللسان) فهذا شيء آخر. قال: (وهذا هو التأويل في لغة القرآن أي التأويل في لغة القرآن) هو ما يؤول إليه الأمر ويرجع يعني حقيقة ما يؤول إليه الكلام واستدل لذلك بقوله:﴿يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ﴾([7])يعني هذا حقيقة ما رأيت ومآل ما رأيت وهذا لما سجد له أبوه وأخوته قال: ﴿ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً﴾ وفي قوله:﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾([8])يعني يوم يأتي حقيقة ما وعدوا به ويقع ما أخبروا به ﴿يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾لأنه تطابق الخبر مع المخبر فقالوا: ﴿قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾و قال تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾([9])أي أحسن عاقبة.
ثم قال: (وهذا التأويل هو الذي لا يعلمه إلا الله)قال: (وتأويل الصفات هو الحقيقة التي انفرد الله سبحانه وتعالى بعلمها)تأويل الصفات معناه يعني حقيقتها وأما تفسيرها ومعرفة معانيها الظاهرة فهذا يعرفه كل صاحب لسان (وهو الكيف المجهول فالاستواء معلوم بعلم معناه ويفسر ويترجم بلغة أخرى وهو من التأويل الذي يعلمه الراسخون في العلم وأما كيفية ذلك الاستواء فهو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله) وبهذا يتبين المعنى الصواب على كلا الوقفين.
(وقد روي عن ابن عباس ما ذكره عبد الرزاق وغيره في تفسيرهم عنه أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه: - تفسير تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل فمن ادعى علمه فهو كاذب. وهذا كما قال تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِـيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾([10]) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (يقول الله تعالى: أعـددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)([11]) وكذلك علم وقت الساعة ونحو ذلك فهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. وإن كنا نفهم معاني ما خوطبنا به ونفهم من الكلام ما قصد إفهامنا إياه كما قال تعالى:﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾([12]) ثم قال: له معان تفهم وتدرك لما عاتب الله عز وجل من لا يتدبر القرآن في قوله: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾لكن لما كان له معان ظاهرة تدرك وينتفع بها أنكر الله عز وجل على من ترك التدبر والقرآن إنما نزل ليتدبر ويتأمل فيه وينظر ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ﴾([13])فالمقصود من إنزال القرآن التدبر فمن عطل القرآن عن هذا فقد عطله عما أنزل لأجله.
وقال: ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ﴾([14]) فأمر بتدبر القرآن لا بتدبر بعضه. وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل. قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا. وقال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس رضي الله عنهما من فاتحته إلى خاتمته أقف عند كل آية وأسأله عنها. وقال الشعبي: ما ابتدع أحد بدعة إلا وفي كتاب الله بيانها وقال مسروق: ما سئل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن ولكن علمنا قصر عنه. وهذا باب واسع قد بسط في موضعه. والمقصود هنا: التنبيه على أصول " المقالات الفاسدة " التي أوجبت الضلالة في باب العلم والإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأن من جعل الرسول غير عالم بمعاني القرآن الذي أنزل إليه ولا جبريل - جعله غير عالم بالسمعيات ولم يجعل القرآن هدى ولا بيانا للناس. ثم هؤلاء ينكرون العقليات في هذا الباب بالكلية فلا يجعلون عند الرسول وأمته في " باب معرفة الله عز وجل " لا علوما عقلية ولا سمعية؛ وهم قد شاركوا الملاحدة في هذه من وجوه متعددة وهم مخطئون فيما نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى السلف من الجهل كما أخطأ في ذلك أهل التحريف والتأويلات الفاسدة وسائر أصناف الملاحدة) العقليات يريد من؟ أهل التجهيل فهم لا يعتمدون النصوص لا يعتمدون السمع في إثبات ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم عنه لأنهم يقولون : هي نصوص لا معاني لها ولا يعتمدون العقل لأن العقل ليس بحجة في النظر في باب الغيبيات فهؤلاء أغلقوا الباب بالكلية ينكرون العقليات في هذا الباب بالكلية يعني لا تبعا للنص ولا استقلالا بخلاف أهل التأويل الذين اعتمدوا العقليات وجعلوها حججا قاطعة تحكم على النصوص فكلا الفريقين وقع في ضلال أولئك عطلوا النصوص واعتمدوا العقل وهؤلاء عطلوا النصوص وعطلوا العقول والصواب هو ما عليه أهل السنة والجماعة من النظر في النصوص واعتمادها والرجوع إليها وجعل العقل تابعا لها في الإثبات وفي إدراك معانيها فهم لم يعطلوا العقول ولم يعطلوا النصوص.
(وهم مخطئون فيما نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى السلف من الجهل كما أخطأ في ذلك أهل التحريف والتأويلات الفاسدة وسائر أصناف الملاحدة) أولئك جهلوا النبي صلى الله عليه وسلم والسلف وهؤلاء أيضاً جهلوا يعني أهل التأويل جهلوا النبي صلى الله عليه وسلم والسلف في آيات الصفات وغيرها وهؤلاء أيضا جهلوا النبي صلى الله عليه وسلم والسلف في آيات الصفات وفي جميع السمعيات والغيبيات فهم متفقون على ذم صدر هذه الأمة.