(وجملة قولنا " أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاءوا به من عند الله وبما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئا؛ وأن الله واحد لا إله إلا هو فرد صمد لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً ؛ وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية وأن الله يبعث من في القبور. وأن الله مستو على عرشه كما قال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾([1]) وأن له وجها كما قال: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ﴾([2]) وأن له يدين بلا كيف كما قال: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾([3]) وكما قال: ﴿بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ﴾([4]) وأن له عينين بلا كيف كما قال: ﴿َتجْرِي بِأَعْيُنِنَا ﴾([5]) وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً وذكر نحواً مما ذكر في الفرق إلى أن قال: ونقول إن الإسلام أوسع من الإيمان وليس كل إسلام إيماناً وندين بأن الله يقلب القلوب بين إصبعين من أصابع الله عز وجل([6]) وأنه عز وجل يضع السموات على إصبع والأرضين على إصبع كما جاءت الرواية الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم([7]) إلى أن قال: وإن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ونسلم الروايات الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال: ونصدق بجميع الروايات التي أثبتها أهل النقل من النزول إلى سماء الدنيا وأن الرب عز وجل يقول: (هل من سائل؟ هل من مستغفر؟)([8])وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافاً لما قال أهل الزيغ والتضليل: ونعول فيما اختلفنا فيه إلى كتاب ربنا وسنة نبينا وإجماع المسلمين وما كان في معناه ولا نبتدع في دين الله ما لم يأذن لنا به ولا نقول على الله ما لا نعلم. ونقول : إن الله يجيء يوم القيامة كما قال: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾([9])وإن الله يقرب من عباده كيف شاء كما قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾([10])وكما قال: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾([11])﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾([12])إلى أن قال: وسنحتج لما ذكرناه من قولنا وما بقي مما لم نذكره باباً باباً)
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه والتابعين أما بعد:
فهذا صلة ما بدأه الشيخ رحمه الله من النقل عن أبي الحسن الأشعري في كتابه الذي سماه الإبانة في أصول الديانة وهو في سياق ذكر الشيخ رحمه الله للنقول عن أهل العلم على اختلاف مذاهبهم وطرائقهم في أن جميعهم يلزمه إثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه من الأسماء والصفات ونقله عن أبي الحسن الأشعري رحمه الله في بيان أن من المتكلمين من التزم منهج أهل السنة والجماعة فيما ذهبوا إليه مما اعتقدوه وقرروه في باب الأسماء والصفات وأبو الحسن الأشعري رحمه الله كان في أول أمره معتزلياً ثم إنه ترك الاعتزال وتخلى عنه إلى مذهب الكلابية ثم إنه ترك ذلك إلى مذهب السلف فمر رحمه الله وغفر له بثلاثة أطوار إلا أنه لما كان غير ملم مدرك لما ذهب إليه السلف وقع في أخطاء في تفصيل وفهم كلام السلف رحمهم الله وما نقله عنه في كتاب الإبانة وهو من آخر كتبه يبين أنه راجع عما كان يقوله من الاعتزال ومذهب ابن كلاب في باب الأسماء والصفات وأنه نزع إلى مذهب السلف في آخر أمره رحمه الله وغفر له وذكر في جملة ما نقل عنه جملة من الأمور وابتدأها بقوله: (وجملة قولنا أن نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله)وفي هذا أن الإيمان بالأسماء والصفات وبالأخبار التي ذكرها الله سبحانه وتعالى عن نفسه أو ذكرها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم أن الإيمان بذلك والاعتقاد به هو من لازم الإيمان بالله جل وعلا وملائكته وكتبه ورسله لأن الله تعالى أخبر عن نفسه ونقلت ذلك الملائكة وما أخبر به عن نفسه موجود في كتبه وقد نطقت به رسله وبلغته الخلق فمن لازم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله أن نؤمن بما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه أو أخبرت به عنه رسله صلوات الله وسلامه عليهم وذكر في جملة ما ذكر صفة الاستواء وأن الله مستو على عرشه وهذا أمر دلت عليه نصوص الكتاب والسنة دلالة واضحة والاستواء صفة فعلية ضل فيها من ضل من المتكلمين فذهب فيها مذاهب باطلة ومذهب أهل السنة والجماعة أن الاستواء صفة فعلية من صفات الله سبحانه وتعالى تليق به وتفسيرهم لها دائر على أربع كلمات على الصعود والاستقرار والارتفاع والعلو وأما المؤولة فقد سلكوا في ذلك مسالك فأولوا الاستواء بالاستيلاء وأولوا العرش بتأويلات باطلة كل هذه التأويلات ليصدوا الناس عن اعتقاد استواء الله سبحانه وتعالى على عرشه والعرش هو خلق من مخلوقات الله العظيم تقدم الكلام عليه ومما ذكر أيضا إثبات صفة الوجه في قوله: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ ﴾([13]) ووجه الله سبحانه وتعالى صفة له سبحانه وتعالى صفة ذاتية خبرية أثبتها لنفسه فيثبتها أهل السنة والجماعة كما يثبتها بعض المتكلمة وأن له يدين بلا كيف كما قال: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾([14]) ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾([15]) وأن له عينين بلا كيف:﴿ َتجْرِي بِأَعْيُنِنَا ﴾([16])وأن من زعم أن أسماء الله غيره كان ضالاً)وهذه المسألة حدثت بعد القرون المفضلة وأثارها المتكلمة وهي هل أسماء الله ذاته أو أنها غيره ومثل هذا الإطلاق لا يطلق لا إثباتاً ولا نفياً بل يستفصل ويثبت منه المعنى الصحيح ويُنفى منه المعنى الباطل لأن الألفاظ المجملة يسلك فيها هذا المسلك عند أهل السنة والجماعة.
قال: (ونقول إن الإسلام أوسع من الإيمان وليس كل إسلام إيماناً فالإسلام يشمل الإيمانوليس كل إسلام إيماناً لأن الإيمان أخص من الإسلام وندين بأن الله يقلب القلوب بين إصبعيه)وهذا فيه إثبات صفة الأصبع له سبحانه وتعالى وهي صفة ذاتية خبرية (وأنه عز وجل يضع السماوات على إصبع كما جاءت الرواية الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى أن قال: وأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص) وهذا من المسائل التي وقع فيها الخلاف بين أهل السنة وغيرهم وهي مسألة الإيمان اختلفوا فيها في عدة أمور منها تعريف الإيمان فاختلف أهل السنة مع غيرهم في تعريف الإيمان والصواب أن الإيمان قول وعمل قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح واختلفوا أيضا في زيادته ونقصه على أقوال والصحيح أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته بالطاعة وأن نقصانه بالزلل (ونسلم بالرواية الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلى أن قال: (ونصدق بجميع الروايات التي أثبتها أهل النقل في النزول إلى السماء الدنيا)وهذه صفة اختلف فيها أيضا أهل السنة مع غيرهم أو خالف فيها أهل السنة غيرهم فأهل السنة يثبتون النزول صفة فعلية له سبحانه وتعالى إلى السماء الدنيا وأولها المؤولون من المتكلمة فحرفوها وقالوا: إن النزول المضاف إلى الله هو نزول أمره أو نزول قضائه وقدره أو نزول ملائكته وما أشبه ذلك (وأن الرب عز وجل يقول : هل من سائل هل من مستغفر؟([17]) وسائر ما نقلوه وأثبتوه أي نصدق بجميع الروايات التي أثبتها أهل النقل من النزول وسائر ما نقلوه وأثبتوه خلافاً لما قال أهل الزيغ والتضليل ونعود فيما اختلفنا فيه إلى كتاب ربنا وسنة نبينا وإجماع المسلمين وما كان في معناه) يعني ما كان في معنى الإجماع مما توافر عليه النقل ولم يذكر فيه مخالف (ولا نبتدع في دين الله ما لم يأذن لنا به ولا نقول على الله مالا نعلم ونقول إن الله يجيء): وهذا فيه إثبات صفة المجيء وهي صفة فعلية (يوم القيامةكما قال:﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً﴾([18]) وأن الله يقرب من عباده كيف شاء): وهذا فيه إثبات صفة القرب له سبحانه وتعالى واستدل لها بقوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾([19]) وهذه الآية فيها أن القرب صفة عامة كالمعية تكون مع كل إنسان إلا أن في هذا نظراً لأن القرب على الصحيح ليس صفة عامة وليس من كل أحد بل هو قرب خاص فإن الله سبحانه وتعالى قريب من أهل الموقف يوم عرفة وقريب ممن دعاه وقريب من العبد حال سجوده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد))([20])فهو قرب خاص وليس قرباً عاماً لكل أحد.
وأما قوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾فقد اختلف أهل العلم في تأويلها على قولين منهم من جعل الضمير عائداً إلى الله جل وعلا ومنهم من جعل الضمير عائداً إلى الملائكة وهذا الثاني هو الصحيح أن الضمير في قوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾عائد إلى الملائكة لا إلى الله جل وعلا ويدل على هذا ما بعد هذه الآية من الآيات التي تفسر وتبين القرب المذكور في هذه الآيات: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ.إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾([21])فبين معنى القرب المذكور في هذه الآية وهو قرب الملائكة التي تسجل وتكتب ما يصدر عن العبد من أقوال ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ وهذا لو قلنا بدلالته على قربه سبحانه وتعالى فإنه ليس عاماً بل قرب للنبي صلى الله عليه وسلم خاص على أن هذه الآية في تأويلها نزاع فمن أهل العلم من يقول: إن القرب والدنو المذكور في هذه الآية هو قرب النبي من الله جل وعلا ومنهم من يقول: إن الدنو و القرب المذكور في هذه الآية هو قرب جبريل وهذا هو الصحيح أن الذي دنا وتدلى هو جبريل إلى أن قال: (وسنحتج لما ذكرنا من قولنا وما بقي مما لم نذكره باباً باباً) هذا أيضاً في إثبات صفة القرب وكذلك الكلام واستدل على أن من وقف في القرآن يعني توقف هل هو من كلام الله أو غير ذلك ؟ وقال : (لا أقول : إنه مخلوق ولا غير مخلوق وأن هذا ابتداع في الدين) و عدم سلوك لطريق أهل السنة والجماعة الذين يثبتون أن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى منه بدأ وإليه يعود.
([6]) وهذه الصفة ثابتة عن مجموعة من الصحابة منهم: أنس بن مالك ، والنواس بن سمعان ، وعائشة ، وأم سلمة ، وعبدالله بن عمرو بن العاصي . أما حديث أنس فأخرجه : أحمد (2140) ، الترمذي (11697) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن أنس وفيه أبو سفيان طلحة بن نافع : ليس به بأس كما قال أحمد . وصححه الألباني . وأما حديث النواس بن سمعان فقد أخرجه : أحمد (17178) من طريق الوليد بن مسلم عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن بسر بن عبيدالله عن أبي إدريس الخولاني عن النواس بن سمعان وأما حديث عائشة فرواه أحمد من طريقين أولهما برقم (24083) ، والآخر برقم (25602) وأما حديث أم سلمة فقد أخرجه : أحمد (26036) و (26139) من طريق شهر بن حوشب عن أم سلمة .وأما حديث عبدالله بن عمرو فأخرجه : مسلم (2654) ، وأحمد (6533) من طريق عبدالله بن يزيد المقرىء عن حيوة عن أبي هانىء عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبدالل .