×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / رسالة العبودية / الدرس (5) من شرح رسالة العبودية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس (5) من شرح رسالة العبودية
00:00:01

 بسم الله الرحمن الرحيم (وأما أهل الكفر والبدع والشهوات، فكل بحسبه. قيل لسفيان بن عيينة: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم؟ فقال: أنسيت قوله تعالى: ﴿وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم‏﴾([1])    أو نحو هذا من الكلام. فعباد الأصنام يحبون آلهتهم كما قال تعالى: ﴿ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله﴾([2]). وقال: ﴿فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله﴾([3]). وقال: ﴿إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى(23)﴾([4]). ولهذا يميل هؤلاء إلى سماع الشعر والأصوات التي تهيج المحبة المطلقة التي لا تختص بأهل الإيمان، بل يشترك فيها محب الرحمن، ومحب الأوثان، ومحب الصلبان، ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، ومحب المردان، ومحب النسوان. وهؤلاء الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة). طيب.                                   بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعدفالمؤلف -رحمه الله- ذكر أمرا مهما يشكو منه كثير ممن يوفقون إلى اتباع السنة، وهو أنهم قد لا يجدون في أوائل سلوكهم لطريق أهل السنة وتمسكهم بها لذة في عباداتهم، بل يزين لهم الشيطان بعض البدع وإن كانت يسيرة؛ ليحصلوا الخشوع وحضور القلب، كتزيينه لبعض من يصلي بأن يغمض عينيه ليحصل له حضور القلب والخشوع، وهذا لا شك أنه من تزيين الشيطان. والشيطان لا يبالي ما أصاب من الإنسان، سواء كان في إفراط أو تفريط، فإنه ساعجهده في إضلال الناس واجتيالهم وصرفهم عن الصراط المستقيم. وذلك من خلال طريقين: إما الغلو، وإما التقصير. الغلو يجانب الصراط المستقيم. والتقصير يجانب أيضا الصراط المستقيم. فالواجب على المؤمن أن يتمسك بالكتاب والسنة، ولو لم يجد من اللذة، والطمأنينة، والسكون، والخشوع ما يجده صاحب البدعة. فإن وجود هذه الآثار ليس دليلا على صحة الطريق؛بل الدليل على صحة السبيل واستقامة المنهج موافقة الكتاب والسنة.  ليس الدليل هو ما يحصل في قلب الإنسان من الرقة أو من الخشوع. لا شك أن الاستقامة على الصراط المستقيم تفيد الإنسان صلاحا في قلبه، ورقة فيه، ودفقا للدموع من عينيه، لا شك، لكن هذا قد يحول دونه حوائل قبل أن يكون، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال-كما مرمعنا في الحديث-:((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان))([5]).فلا بد من تحقيق الإيمان وتحقيق الاستقامة على الصراط المستقيم حتى يحصل الإنسان اللذة الموعودة، ولا يغريه ما يسكبه أهل البدع وأهل الانحراف من الدموع في صلواتهم، ومجالسهم، ومبتدعاتهم، بل يجب عليه أن يصبر نفسه على الصراط المستقيم، والعاقبة للمتقين. وليست العبرة في كثرة البكاء والأحوال الظاهرة، بل العبرة كل العبرة في الاستقامة على الكتاب والسنة. هذا هو المنهج القويم الذي ينبغي للمؤمن أن يسلكه. الشيخ -رحمه الله- أجاب عن ما يرد من إشكال: كيف يكونون على مجانبة للحق ومواقعة للباطل، ومع ذلك يكون لهم من الأحوال ما لا يكون لبعض أهل الاستقامة، ممن سلكوا ووفقوا إلى الطريق المستقيم؟ الجواب: أن الشيطان خلى بينهم وبين بدعهم، خلىبينهم وبين قلوبهم، بل يؤزهم، ويشجعهم، ويعينهم على ماهم فيه؛ ليستقروا على ما هم عليه من باطل، ويمضوا في هذا الطريق المنحرف المخالف لطريق أهل السنة والجماعة. ولذلك قال الله –جل وعلا- في وصف عبدة العجل، مع أنه عجل له خوار، له صوت وصفير، ليس مما يبين الكلام ولا مما يجلي البيان، وليس عنده معنى، ولا حجة، ولا برهان على صدق عبادته،مع ذلك قال الله -جل وعلا- فيما جرى لبني إسرائيل من التعلق به: ﴿وأشربوا في قلوبهم العجل﴾([6]). ﴿وأشربوا﴾، أي خالط حب العجل وعبادة العجل قلوبهم حتى اختلط بها، وكان منها في مكان عظيم، إلى درجة الإشراب وهو الاختلاط والامتزاج، فخالط حب العجل قلوبهم وامتزج بها لما زين لهم الشيطان ذلك، مع أنهم أهل توحيد في الأصل، فهم من أبناء الرسل والأنبياء، وجاءهم موسى بالحق المبين، وقام لهم من الشواهد والآيات الدالة على صدق نبوة موسى ما شاهدوه وعاينوه. مع ذلك أشربوا في قلوبهم العجل، نعوذ بالله من الخذلان. يقول -رحمه الله-: (فعباد الأصنام يحبون آلهتهم). وذكر شواهد ذلك،ثم قال: (ولهذا يميل هؤلاء ويغرمون بسماع الشعر والأصوات التي تهيج المحبة المطلقة) يعني ليست محبة الله ورسوله، إنما المحبة المطلقة: الوجد، والتعلق، والبكاء. لكن على أي شيء يبكي؟ على أي شيء وبأي شيء يتعلق؟ لا يتعلق بحق ولا يبكي بكاء صحيحا على الكتاب والسنة، إنما يبكي بكاء مطلقا يشترك فيه كما قال الشيخ -رحمه الله-: (محب الأوثان، ومحب الصلبان ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، ومحب المردان، ومحب النسوان). ولا شك أن هذا ضلال مبين، نعوذ بالله من الخسران. يقول -رحمه الله-:(وهؤلاء الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم) (هؤلاء)مبتدأ، و(الذين يتبعون أذواقهم)هذا الخبر. يعني:(وهؤلاء)هم (الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة). والواجب على المؤمن في كل طريق يسلكه، وفي كل منهج يسير فيه، أن ينظر حال السلف المتقدمين، وما كان عليه الأئمة، وأن ينظر مع ذلك وقبل ذلك إلى ما دلعلى هذا الصراط من الكتاب والسنة، هذا الطريق من الكتاب والسنة. فإن كان له شاهد من كتاب الله، أو من سنة رسوله، أو من هدي السلف الصالح؛ فإنه على خير، وإلا فليتركه، فإنه بدعة وضلالة. والبدع -ياإخواني-لا تزيد أصحابها من الله إلا بعدا، أبدا لا يمكن أن تقربه إلى حق ولا إلى خير. فكل من ابتدع بدعة يقصد بها التقرب إلى الله، عوقب بنقيض مقصوده، وكانت البدعة سببا لبعده عن الصراط المستقيم. يقول -رحمه الله-: (فالمخالف لما بعث الله به رسوله من عبادته وحده، وطاعته وطاعة رسوله، لا يكون متبعا لدين شرعه الله أبدا كما قال تعالى‏: ﴿‏ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون (18) إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين(19)﴾([7]). بل يكون متبعا لهواه بغير هدى من الله. قال تعالى‏: ﴿‏أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله‏﴾([8]). وهم في ذلك تارة يكونون على بدعة يسمونها حقيقة يقدمونها على ما شرعه الله، وتارة يحتجون بالقدر الكوني على الشريعة، كما أخبر الله به عن المشركين كما تقدم). وهاتان ضلالتان عظيمتان. الشيخ -رحمه الله- تكلم عن الصوفية الذين سلكوا طريق الجبرية فيما يتعلق بالطاعات والمعاصي، فهم يحتجون بالقدر على مخالفة الشرع، ثم إنهم لا يقتصرون على هذه البدعة العظيمة الكبيرة التي هي شر من قول اليهود والنصارى، بل يزيدون على ذلك ويضيفون إلى ذلك بدعة أخرى، وهي ماذا؟ وهي الابتداع في الدين، فهم جمعوا سوءتين: ·       تعطيل ما أمر الله به ورسوله. ·       والإحداث في الدين. فهم بين بدعة وشرك، وهاتان ضلالتان عظيمتان، هما من أعظم ما يصاب به الإنسان في الدنيا، وأعظم ما يفسد به دين العبد وقلبه. نعم. (ومن هؤلاء طائفة هم أعلاهم عندهم قدرا، وهم مستمسكون بما اختاروا بهواهم من الدين في أداء الفرائض المشهورة، واجتناب المحرمات المشهورة، لكن يضلون بترك ما أمروا به من الأسباب التي هي عبادة، ظانين أن العارف إذا شهد القدر أعرض عن ذلك. مثل من يجعل التوكل منهم أو الدعاء ونحو ذلك من مقامات العامة دون الخاصة، بناء على أن من شهد القدر علم أن ما قدر سيكون فلا حاجة إلى ذلك،وهذا ضلال مبين وغلط عظيم، فإن الله قدر الأشياء بأسبابها، كما قدر السعادة والشقاوة بأسبابها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله خلق للجنة أهلا، خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وبعمل أهل الجنة يعملون.وخلق للنار أهلا، خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وبعمل أهل النار يعملون)). وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخبرهم بأن الله كتب المقادير، فقالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: ((لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له: أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة))([9]). فكل ما أمر الله به عباده من الأسباب فهو عبادة، والتوكل مقرون بالعبادة، كما في قوله تعالى: ‏﴿‏فاعبده وتوكل عليه‏﴾([10]). وفي قوله: ﴿قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب(30)﴾([11]). وقول شعيب -عليه السلام-: ﴿عليه توكلت وإليه أنيب (88)﴾([12])). هذه طائفة من طوائف المبتدعة الصوفية الغلاة، وهم من تخير من الأوامر الشرعية شيئا فالتزمه، وتخير من المناهي الشرعية المشهورة شيئا فامتنع منه، لكنه ضل بترك ما أمر به من الأسباب التي هي عبادة، حيث إنه زعم شهود القدر، وأنه يتعبد لله -عز وجل- بقدره؛ فترك ما جعله الله سببا لتحصيل المقاصد. اعلم -بارك الله فيك-أنه ما من شيء في الدنيا، ولا في الآخرة، إلا وقد جعل الله له سببا به يحصل وبه يدرك. فمن فرط في السبب لم يدرك الغاية والمقصد والمطلب. وهذا مطرد في أمور الدين، وأمور الدنيا، أمور الأولى، وأمور الأخرى، ولذلك لا بد من الأخذ بالأسباب. الشيخ -رحمه الله- يرد على هؤلاء الذين قالوا: إن التوكل، والدعاء، ونحو ذلك من العبادات التي هي وسائل لمقاصد ويحصل بها تحصيل المطالب. يرد عليهم في قولهم: إن هذه من مقامات العامة، أما الخاصة فلا ينظرون إلى هذه الوسائل؛لأنهم قد أيقنوا بأن ما قدر سيكون، فلا حاجة للاشتغال بالأسباب. نقول لهؤلاء ماقاله الشيخ -رحمه الله- في قوله: (فإن الله قدر الأشياء بأسبابها) الأسباب ليست خارجة عن قدر الله، بل هي من قدر الله. ولذلك لما سئل النبي -صلى الله عليهوعلى آلهوسلم- عن الأدوية والرقى،قال: هل هي ترد من قدر الله شيئا؟ قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في جواب محكم، وتفصيل بين، وتوضيح ظاهر، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((هي من قدر الله))([13]). فجعل الأسباب من قدر الله، ولهذا يجب على المؤمن أن يأخذ بالسبب؛لأنه لا تحصل النتائج، ولا تدرك المطالب إلا من طريق الأسباب التي جعلها الله -عز وجل- موصلة للغايات، مفضية إلى المقاصد والمطالب. فإن لم يشتغل الإنسان بتحصيل الأسباب ما حصلت له النتائج. فالذي يريد الولد ولا يتزوجولا يطأ، هل يمكن أن يكون له ولد؟ لا يمكن. والذي يريد الرزق والكسب ثم يطيل نوم النهار، ولعب الليل، هل يحصل؟ لا. الذي يريد العلم وتحصيله، هل يمكن أن يحصل العلم بالكسل والتواني، والتفريط وتضييع الأوقات؟ الجواب: لا، لا بد من الأسباب. فالذي يريد الجنة، هل يحصلها بالمعاصي، والسيئات، والتفريط في الطاعات والحسنات؟ الجواب: لا، فلا بد من تحصيل الأسباب لتحصيل الغايات،والمطالب، والمقاصد. فإن الله -جل وعلا- قدر الأشياء بأسبابها، ذكر المؤلف -رحمه الله- لذلك دليلين يبينان تقدير السبب والغاية. يقول -رحمه الله-: (كما قدر السعادة والشقاوة بأسبابها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله خلق للجنة أهلا، خلقها لهم- وفي روايات: خلقهم لها- وهم في أصلاب آبائهم، وبعمل أهل الجنة يعملون)). إذا جعل الجنة لهم قدرا، وجعل العمل لهم أيضا قدرا، فلم يجعل الغاية مقدرة دون السبب الموصل إلى الغاية، ولذلك قال: ((وبعمل أهل الجنة يعملون)) وهذا الشاهد لقول المؤلف -رحمه الله-:(فإن الله قدر الأشياء بأسبابها) فالغايات هنا دخول الجنة، وسببها العمل لها، العمل بعمل أهلها. يقول: ((وبعمل أهل الجنة يعملون، وخلق للنار أهلا)) -نعوذ بالله منها- ((خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) يعني: أن الله سبق تقديره بذلك، والله -جل وعلا- عالم بكل شيء: إن الله بكل شيء محيط، وهو -جل وعلا- بكل شيء عليم، علم الأشياء قبل وقوعها.((وبعمل أهل النار يعملون)). فهم قدر عليهم الغاية والسبب، فالله قد قدر الغاية والسبب. فالواجب على المؤمن أن يسعى في تحصيل الأسباب المفضية إلى النتائج المرغوبة المحبوبة، وأن لا يتوانى في ذلك. يقول في ذلك أيضا: (وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخبرهم بأن الله كتب المقادير، فقالوا: يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: ((لا))).  لا، نهي عن أن يتركوا العمل وأن يتكلوا على مامضى من الكتاب الذي فيه أهل الشقاء وأهل السعادة. قال: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)). الواجب على المؤمن أن يسعى لتحصيل ما قدر له، فإن الله قدر الأشياء وقدر أسبابها الموصلة إليها، فكل ميسر لما خلق له: ((أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة)) نعوذ بالله من الخذلان. ثم قال -رحمه الله-: (فكل ما أمر الله به عباده من أسباب فهو عبادة) أي يؤجر عليه. فجعل الله -عز وجل- تحصيل المطالب الأخروية والدنيوية من طريق الدعاء، فهل يؤجر الإنسان على الدعاء؟ نعم يؤجر على الدعاء؛ لأن الدعاء عبادة وإن كان وسيلة لتحصيل المطلوب، لكنه عبادة يؤجر عليها الإنسان، ومثل لذلكبقوله: ﴿فاعبده وتوكل عليه﴾([14]). يقول:(والتوكل مقرون بالعبادة).والتوكل هو المشار إليه في قوله تعالى:﴿وإياك نستعين﴾. وقد قرن الله بين هذين في مواضع عديدة، منها هذا ومنها قوله تعالى:﴿إياك نعبد وإياك نستعين (5)﴾([15]). وماذكره المؤلف -رحمه الله- هنا: ﴿فاعبده وتوكل عليه﴾ وفي قوله:﴿قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب (30)﴾([16])وقول شعيب:﴿عليه توكلت وإليه أنيب (88)﴾([17])الإنابة، ماهي؟ الإنابة لا تكون إلا بالخضوع مع المحبة، والتزام الأمر، وترك النهي. هذه أركانها، فلا يسمى الإنسان منيبا إلا إذا كان خاضعا لله، محبا له، مقبلا على الطاعة، تاركا للمعصية. نعم. (ومنهم طائفة قد تترك المستحبات من الأعمال دون الواجبات). (منهم)أي ممن ضل في هذا الباب من الصوفية ومن شاكلهم. نعم. (فتنقص بقدر ذلك. ومنهم طائفة يغترون بما يحصل لهم من خرق عادة، مثل مكاشفة أو استجابة دعوة مخالفة للعادة العامة، ونحو ذلك، فيشتغل أحدهم بهذه الأمور عما أمر به من العبادة والشكر ونحو ذلك. فهذه الأمور ونحوها كثيرا ما تعرض لأهل السلوك والتوجه، وإنما ينجو العبد منها بملازمة أمر الله الذي بعث به رسوله في كل وقت). الله أكبر، ماشاء الله. يقول -رحمه الله-: (ومنهم طائفة يغترون بما يحصل لهم من خرق عادة مثل مكاشفة) أي يكشف له في علم شيء خفي على غيره. المكاشفة تكون في العلوم غالبا، فيكشف له علم خفي على غيره، إما من علوم الدنيا، وإما من علوم الدين. لكن في الغالب أن تكون أسباب الفتن فيما يتعلق بعلوم الدنيا، وقد يكون في علوم الدين. فيكشف له ما خفي على غيره؛ فيظن نفسه بذلك سابقا حاصلا على ما لم يحصل عليه غيره من الفضل والمكانة عند رب العالمين، وهو في الحقيقة جاهل غالط في هذا الظن. فإن المكاشفات لا تدلعلىصلاح أصحابها، يعني ليس من لوازم الاستقامة والطاعة والصلاح أن يكون الإنسان صاحب مكاشفات، وصاحب كرامات. فالكرامات نؤمن بها، ويكرم الله بها من يشاء من عباده، لكنها تسر ولا تغر، تبشر ولا تورط في الاغترار بالنفس والإعجاب بها. بل من حصل له اغترار بسبب هذه المكاشفات وهذه الكرامات؛ فإنه ضال عن الصراط المستقيم. ولذلك قال السلف -رحمهم الله- كلمة جامعة لامعة نافعة: إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، فلا تقبلوا منه حتى تزنوه -أو تعرضوه-على الكتاب والسنة. وهذا ميزان قسط، ومعيارعدل لا جور فيه، لا وكس ولا شطط. فالواجب أن لا يغتر الإنسان بما يجريه الله على أيدي بعض الصالحين من الكرامات، فيظن أنه انتهى، هو العالم، وهو الإمام، وهو القدوة، وهو وهو... لا، قد تجري المكاشفات لعوام أهل السنة، وقد تجري الكرامات لعوام أهل السنة. بل قد تجري امتحانا لبعض المبتدعة، وهي في الحقيقة في هذه الحالة لا تكون كرامة، لكن المقصود خرق العادة. قد تخرق العادة للمخالف لأهل السنة والجماعة وطريق النبي -صلى الله عليه وسلم-؛لكن هذا لا يدل على صلاحه، ولا على صحة سبيله. تركنا النبي -صلى الله عليه وسلم- ياإخواني، تركنا على محجة بيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك([18])‏ . هذه المحجة كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. فالواجب على المؤمن أن يعرض كل قول، وكل رأي، وكل أحد على هذين المعيارين الدقيقين: الكتاب والسنة. وإذا طبق الناس هذا  في أنفسهم، وفي مجتمعاتهم فازوا فوزا عظيما ومازوابه بين الحق والباطل، فإنه فرقان ونور يهدي به الله سبل السلام، ويخرج به الإنسان من الظلمات إلى النور. كثير من الناس إذا جرى له كرامة أو خروج عن العادة، اغتر بنفسه، واغتر به من حوله. والغالب أن من حوله يؤزونه إلى أن يعجب بنفسه، ويخرج عن الصراط المستقيم. ولذلك في الحقيقة تكون عليهم في بعض الأحيان، تكون هذه المخالفات للعادة والخوارق للعادات، تكون عليهم شؤما، حيث إنها تخرجهم عن سبيل المتقين، وتوقعهم في طريق المنحرفين. يقول -رحمه الله-: (فهذه الأمور)أي المكاشفات والكرامات وخوارق العادات(كثيرا ما تعرض لأهل السلوك والتوجه) يعني: أهل العبادة (وإنما ينجو العبد منها) أي: من شرها وما تعقبه من فتنة في النفس، وما تعقبه من افتتان بها، إنما ينجو منها (بملازمة أمر الله الذي بعث به رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل وقت) وهذا فيه أن العبادة لا حدلها، ولا ظرف لها، ولا زمن لها، بل هي في كل حين ووقت، كما قال الله -جل وعلا-: ‏﴿‏واعبد ربك حتى يأتيك اليقين (99)﴾([19]) . نعم. (كما قال الزهري: كان من مضى من سلفنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة. وذلك أن السنة كما قال مالك -رحمه الله-: مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق). فالنجاة في ركوب هذه السفينة، والأخذ بالسنة هو النجاة من طرق الضلالة على اختلافها وتنوعها. والغرق هو الغرق في الظلمات، فإن من أعرض عن الكتاب والسنة أظلم قلبه، وفسد رأيه، وبلي بأنواع من المخالفات والانحرافات. نعم. (والعبادة، والطاعة، والاستقامة، ولزوم الصراط المستقيم، ونحو ذلك من الأسماء، مقصودها واحد ولها أصلان: أحدهما: ألا يعبد إلا الله. الثاني: أن يعبد بما أمر وشرع، لا يعبده بغير ذلك من الأهواء، و الظنون، والبدع. قال تعالى: ‏﴿‏فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (110)﴾([20]). وقال تعالى: ‏﴿‏بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (112)‏﴾([21])‏. وقال تعالى: ‏﴿‏ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسنواتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا (125)‏﴾([22])). هذان الأصلان عليهما تدور كلمة التوحيد، كلمة الشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله،(الأولى أن لا يعبد إلا الله). وهذا معنى أشهد أن لا إله إلا الله (وأن لا يعبده -سبحانه وتعالى- إلا بما شرع). وهذا معنى أشهد أن محمدا رسول الله﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾([23]). فهذان الأصلان اللذان عليهما قوام الدين، هما معنى الشهادتين اللتين بهما يدخل الإنسان في الإسلام، وهما أول ركن، وأول ما يطالب به المكلف شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.  فالأولى تقرير للأصل الأول. والشهادة للنبي بالرسالة تقرير للأصل الثاني. وهذان الأصلان جماع الدين، يعني: يجمعان لك أطراف الدين، فيدخلان في كل عبادة وفي كل طاعة. ما من طاعة إلا ويدخل فيها هذان الأصلان، إذا اختل أحدهما فالعبادة فاسدة، باطلة، مردودة عليه: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))([24])‏ . ذكر دليل هذين الأصلين من القرآن فقال -رحمه الله-:(قال الله تعالى: ‏﴿‏فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا﴾([25])).هذا دليل ماذا يا أحمد؟ المتابعة. الأصل الأول أو الثاني؟ الثاني. أن لا يعبد إلا بما شرع، فإنه لا يوصف العمل بأنه صالح إلا إذا كان على السنة. طيب: ﴿ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾ هذا دليل الأصل الأول. طيب (وقال تعالى: ‏﴿‏بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن‏﴾): ﴿‏أسلم وجهه‏﴾ هذا دليل الأصل الأول. ‏﴿‏وهو محسن‏﴾هذا دليل الأصل الثاني. (‏﴿فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (112)‏﴾،وقال تعالى:﴿‏ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا(125)‏﴾)، ﴿‏ومن أحسن﴾ (من)هذه استفهامية، والاستفهام هنا ماذا؟ للنفي، أي لا أحد أحسن﴿ممن أسلم وجهه لله﴾‏‏ بالتوحيد‏﴿وهو محسن﴾ أي في اتباع النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ﴿‏واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا (125)﴾‏نعم. الشاهد أول الآية. ثم قال -رحمه الله-: (فالعمل الصالح هو الإحسان، وهو فعل الحسنات. والحسنات هي ما أحبه الله ورسوله، وهو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب. فما كان من البدع في الدين التي ليست في الكتاب ولا في صحيح السنة، فإنها وإن قالها من قالها و عمل بها من عمل، ليست مشروعة). ما معنى (ليست مشروعة)؟ مامعنى قول العلماء: هذا ليس مشروعا، أو هذه ليست مشروعة؟ يعني: ليست واجبة ولا مستحبة، يعني: لم تأت في الشريعة، لا على وجه الإيجاب ولا على وجه الاستحباب. نعم.   (فإن الله لا يحبها ولا رسوله، فلا تكون من الحسنات، ولا من العمل الصالح. كما أن من يعمل ما لا يجوز كالفواحش والظلم، ليس من الحسنات ولا من العمل الصالح. وأما قوله: ‏﴿‏ولا يشرك بعبادة ربه أحدا﴾([26])،‏ وقوله: ‏﴿‏أسلم وجهه لله﴾([27])فهو إخلاص الدين لله ‏وحده، وكان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يقول: اللهم اجعل عملي كله صالحا، واجعله لوجهك خالصا، ولا تجعل لأحد فيه شيئا). الله أكبر! ما أعظمه من دعاء: (اللهم اجعل عملي كله صالحا) ولا يكون كذلك إلا إذا وافق السنة (واجعله لوجهك خالصا) لا أبتغي به غيرك، فإنالله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه(ولا تجعل لأحد فيه شيئا) أي نصيبا، لا قليلا ولا كثيرا. الله أكبر! ما أعظم فقهه -رضي الله عنه-. نعم. (وقال الفضيل بن عياض-رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: ‏﴿‏ليبلوكم أيكم أحسن عملا‏﴾([28])قال: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. فإن قيل: فإذا كان جميع ما يحبه الله داخلا في اسم العبادة، فلماذا عطف عليها غيرها؟ كقوله في فاتحة الكتاب). هذا بحث مهم. هذا البحث الذي ابتدأه بهذا السؤال مهم في مسائل كثيرة من مسائل العلم، فانتبه له. السؤال يقول: (إذا كان جميع ما يحبه الله -سبحانه وتعالى- داخلا في العبادة فلماذا عطف الله على العبادة غيرها؟) والعطف يقتضي ماذا؟ العطف يقتضي المغايرة. إذا قلت: جاء زيد وعمرو، فعمروغير زيد، هذه الواو تقتضي المغايرة. إذا قلت: أكلت أكلا وبرتقالا، فالأصل أن البرتقال غير الأكل، والبرتقال أكل أو ليس أكلا؟ أكل، فلماذا عطفناه عليه؟ لماذا عطفنا البرتقال على الأكل؟ كذلك هنا الأمثلة التي سيذكرها المؤلف -رحمه الله- كلها عطف الله -جل وعلا- في كلامه على العبادة ما هو منها، فما وجه العطف؟ وما الجواب؟ واستطرد المؤلف -رحمه الله- بذكره أيضا صورا من العطف في غير العبادة نقرأ كلام المؤلف -رحمه الله-،المهم أن هذا بحث مهم، يفيدك في هذا الموضع وفي غيره. نعم يقول: (كقوله في فاتحة الكتاب: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين (5)﴾([29])، وقوله لنبيه: ‏﴿‏فاعبده وتوكل عليه‏﴾([30]) ،وقول نوح: ‏﴿‏اعبدوا الله واتقوه وأطيعون‏﴾‏([31])، وكذلك قول غيره من الرسل. قيل: هذا له نظائر). الآن بدأ الجواب. بعد أن ذكر الأمثلة التي عطف الله -سبحانه وتعالى- فيها ما يحبه على العبادة،  ذكر الجواب: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين (5)﴾. الاستعانة، أليست عبادة؟ الاستعانة عبادة. فلماذا عطفها على العبادة في قوله: ﴿إياك نعبد﴾؟ كذلك التوكل، أليس عبادة؟ بلى عبادة. فكيف يعطفه على الأمر بالعبادة في قوله: ‏﴿‏فاعبده وتوكل عليه‏﴾. كذلك ‏﴿‏اعبدوا الله واتقوه وأطيعون‏﴾ والتقوى والطاعة للرسل من العبادة، فكيف ساغ العطف، مع أن الأصل في العطف أنه يقتضي المغايرة؟ قال الشيخ -رحمه الله- في الجواب:(قيل: هذا له نظائر). يعني: هذا الأمر ليس مختصا بهذه المواضع، بل له أمثال وأشباه، فالنظائر المراد بها الأمثال والأشباه. مثل لذلك، يقول -رحمه الله-:  (كما في قوله: ‏﴿‏إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر‏﴾‏([32])والفحشاء من المنكر. وكذلك قوله: ﴿إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي‏﴾‏([33])). (والفحشاء من المنكر)، مقتضى الكلام أن يقول: والمنكر من الفحشاء؛ لأن المعطوف عليه هو الفحشاء. يعني على كل حال هو الأصل؛ لأننا ذكرنا أن المحبوبات عبادة، فعطف المحبوبات على العبادة. كذلك هنا عطف المنكر على الفحشاء. قوله: (وكذلك قوله: ‏﴿ن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي﴾. و إيتاء ذي القربى هو من العدل والإحسان، كما أن الفحشاء والبغي من المنكر. وكذلك  قوله: ‏﴿‏والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة‏﴾‏([34]).وإقامة الصلاة من أعظم التمسك بالكتاب. وكذلك قوله عن أنبيائه: ‏﴿‏إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا﴾([35]). ودعاؤهم رغبا ورهبا من الخيرات، وأمثال ذلك في القرآن كثير). طيب،الآن ذكر الشيخ -رحمه الله- أن هذا لا يختص بالعبادة، وذكر له نظائر. يأتي الجواب الآن يقول: (وهذا الباب يكون تارة مع كون أحدهما بعض الآخر، فيعطف عليه تخصيصا له بالذكر؛ لكونه مطلوبا بالمعنى العام والمعنى الخاص). هذا الوجه الأول، الوجه الأول في الجواب أنه في بعض هذه الموارد يكون المعطوف بعضا من المعطوف عليه، مثل قوله تعالى:‏﴿‏فاعبده وتوكل عليه‏﴾([36]). التوكل من العبادة،العبادة أوسع، فعطف التوكل على العبادة تخصيص له بالذكر. يعني: المعطوف إذا ذكر ماهو من أفراد المعطوف عليه، فإنه يفيد تخصيصه بالذكر؛ لكونه مطلوبا بالمعنى العام والمعنى الخاص، وهذا لأهميته. فقول الله تعالى:‏﴿فاعبده‏﴾يدخل في عمومه ماذا؟ التوكل؛ لأن العبادة أمر واسع يدخل فيه التوكل، والاستعانة، والخشية، والخوف، والرهبة، والرغبة، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، الأعمال الظاهرة والباطنة. ومن ذلك التوكل، فهذا أمر عام يدخل فيه التوكل. ثم قال:﴿وتوكل عليه‏﴾. هذا تنصيص وتخصيص لهذه العبادة بعينها، فيكون الأمر بالتوكل من جهتين: ·       من جهة العموم في قوله: ‏﴿‏فاعبده‏﴾. ·       ومن جهة الخصوص في قوله: ‏﴿‏وتوكل عليه‏﴾. وهذا يبين أهمية هذه العبادة، ومحبة الله لها. واضح هذا؟ طيب. يقول بعد ذلك: (وتارة تكون دلالة الاسم تتنوع بحال الانفراد والاقتران. فإذا أفرد عم، وإذا قرن بغيره خص، كاسم الفقير والمسكين، لما أفرد أحدهما في مثل قوله: ‏﴿‏للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله﴾([37])، ‏ وقوله: ﴿أو ‏إطعام عشرة مساكين‏﴾([38])دخل فيه الآخر، ولما قرن بينهما في قوله: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين﴾([39])صارا نوعين). هذا حال أخرى يجاب بها عن هذا الإشكال: أن الاسم في حال الانفراد يدل على معنىيشمل المعطوفات، وفي حال ذكر المعطوفات يكون الاسم مختصا ببعض المعنى، وهذا مثاله الذي ذكره الشيخ -رحمه الله- الفقير والمسكين. (وتارة دلالة الاسم تتنوع بحال الانفراد والاقتران. فإذا أفرد عم، وإذا قرن بغيره خص، كاسم الفقير والمسكين، لما أفرد أحدهما في مثل قوله: ‏﴿‏للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله﴾([40])، ‏ وقوله:﴿‏إط

المشاهدات:3928


 بسم الله الرحمن الرحيم



(وأما أهل الكفر والبدع والشهوات، فكل بحسبه. قيل لسفيان بن عيينة: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم؟ فقال: أنسيت قوله تعالى: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ‏﴾([1])    أو نحو هذا من الكلام.



فعُبَّادُ الأصنام يحبون آلهتهم كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾([2]). وقال: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ﴾([3]). وقال: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى(23)﴾([4]). ولهذا يميل هؤلاء إلى سماع الشعر والأصوات التي تهيج المحبة المطلقة التي لا تختص بأهل الإيمان، بل يشترك فيها محب الرحمن، ومحب الأوثان، ومحب الصلبان، ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، ومحب المردان، ومحب النسوان.



وهؤلاء الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة).



طيب.



                                  بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعدفالمؤلف -رحمه الله- ذكر أمراً مهمّاً يشكو منه كثير ممن يوفّقون إلى اتباع السنة، وهو أنهم قد لا يجدون في أوائل سلوكهم لطريق أهل السنة وتمسكهم بها لذة في عباداتهم، بل يزين لهم الشيطان بعض البدع وإن كانت يسيرة؛ ليحصّلوا الخشوع وحضور القلب، كتزيينه لبعض من يصلي بأن يغمض عينيه ليحصل له حضور القلب والخشوع، وهذا لا شك أنه من تزيين الشيطان.



والشيطان لا يبالي ما أصاب من الإنسان، سواء كان في إفراط أو تفريط، فإنه ساعٍجهدَه في إضلال الناس واجتيالهم وصرفهم عن الصراط المستقيم.



وذلك من خلال طريقين: إما الغلو، وإما التقصير.



الغلو يجانب الصراط المستقيم.



والتقصير يجانب أيضاً الصراط المستقيم.



فالواجب على المؤمن أن يتمسك بالكتاب والسنة، ولو لم يجد من اللذة، والطمأنينة، والسكون، والخشوع ما يجده صاحب البدعة. فإن وجود هذه الآثار ليس دليلاً على صحة الطريق؛بل الدليل على صحة السبيل واستقامة المنهج موافقة الكتاب والسنة.



 ليس الدليل هو ما يحصل في قلب الإنسان من الرِّقَّة أو من الخشوع. لا شك أن الاستقامة على الصراط المستقيم تفيد الإنسان صلاحاً في قلبه، ورقة فيه، ودفقًا للدموع من عينيه، لا شك، لكن هذا قد يحول دونه حوائل قبل أن يكون، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال-كما مرّمعنا في الحديث-:((ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان))([5]).فلا بد من تحقيق الإيمان وتحقيق الاستقامة على الصراط المستقيم حتى يُحَصَّلَ الإنسان اللذة الموعودة، ولا يغريه ما يسكبه أهل البدع وأهل الانحراف من الدموع في صلواتهم، ومجالسهم، ومبتدعاتهم، بل يجب عليه أن يصبر نفسه على الصراط المستقيم، والعاقبة للمتقين. وليست العبرة في كثرة البكاء والأحوال الظاهرة، بل العبرة كل العبرة في الاستقامة على الكتاب والسنة. هذا هو المنهج القويم الذي ينبغي للمؤمن أن يسلكه.



الشيخ -رحمه الله- أجاب عن ما يرد من إشكال: كيف يكونون على مجانبة للحق ومواقعة للباطل، ومع ذلك يكون لهم من الأحوال ما لا يكون لبعض أهل الاستقامة، ممن سلكوا ووفقوا إلى الطريق المستقيم؟



الجواب: أن الشيطان خلَّى بينهم وبين بدعهم، خلَّىبينهم وبين قلوبهم، بل يؤزهم، ويشجعهم، ويعينهم على ماهم فيه؛ ليستقروا على ما هم عليه من باطل، ويمضوا في هذا الطريق المنحرف المخالف لطريق أهل السنة والجماعة.



ولذلك قال الله –جل وعلا- في وصف عبدة العجل، مع أنه عجل له خوار، له صوت وصفير، ليس مما يبين الكلام ولا مما يجلِّي البيان، وليس عنده معنىً، ولا حجة، ولا برهان على صدق عبادته،مع ذلك قال الله -جل وعلا- فيما جرى لبني إسرائيل من التعلق به: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾([6]). ﴿وَأُشْرِبُوا﴾، أي خالط حب العجل وعبادة العجل قلوبهم حتى اختلط بها، وكان منها في مكان عظيم، إلى درجة الإشراب وهو الاختلاط والامتزاج، فخالط حب العجل قلوبهم وامتزج بها لماّ زين لهم الشيطان ذلك، مع أنهم أهل توحيد في الأصل، فهم من أبناء الرسل والأنبياء، وجاءهم موسى بالحق المبين، وقام لهم من الشواهد والآيات الدالة على صدق نبوة موسى ما شاهدوه وعاينوه. مع ذلك أشربوا في قلوبهم العجل، نعوذ بالله من الخذلان.



يقول -رحمه الله-: (فعبّاد الأصنام يحبون آلهتهم). وذكر شواهد ذلك،ثم قال: (ولهذا يميل هؤلاء ويغرمون بسماع الشعر والأصوات التي تهيج المحبة المطلقة) يعني ليست محبة الله ورسوله، إنما المحبة المطلقة: الوجد، والتعلق، والبكاء. لكن على أي شيء يبكي؟ على أي شيء وبأي شيء يتعلق؟ لا يتعلق بحق ولا يبكي بكاءً صحيحاً على الكتاب والسنة، إنما يبكي بكاءً مطلقاً يشترك فيه كما قال الشيخ -رحمه الله-: (محب الأوثان، ومحب الصلبان ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، ومحب المردان، ومحب النسوان). ولا شك أن هذا ضلال مبين، نعوذ بالله من الخسران.



يقول -رحمه الله-:(وهؤلاء الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم) (هؤلاء)مبتدأ، و(الذين يتبعون أذواقهم)هذا الخبر. يعني:(وهؤلاء)هُم (الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة). والواجب على المؤمن في كل طريق يسلكه، وفي كل منهج يسير فيه، أن ينظر حال السلف المتقدمين، وما كان عليه الأئمة، وأن ينظر مع ذلك وقبل ذلك إلى ما دلّعلى هذا الصراط من الكتاب والسنة، هذا الطريق من الكتاب والسنة.



فإن كان له شاهد من كتاب الله، أو من سنة رسوله، أو من هدي السلف الصالح؛ فإنه على خير، وإلا فليتركه، فإنه بدعة وضلالة.



والبدع -ياإخواني-لا تزيد أصحابها من الله إلا بعداً، أبداً لا يمكن أن تقرّبه إلى حق ولا إلى خير. فكل من ابتدع بدعة يقصد بها التقرب إلى الله، عوقب بنقيض مقصوده، وكانت البدعة سبباً لبعده عن الصراط المستقيم.



يقول -رحمه الله-:



(فالمخالف لما بعث الله به رسوله من عبادته وحده، وطاعته وطاعة رسوله، لا يكون متبعاً لدينٍ شرعه الله أبداً كما قال تعالى‏: ﴿‏ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ(19)﴾([7]). بل يكون متبعاً لهواه بغير هدى من الله. قال تعالى‏: ﴿‏أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ‏﴾([8]). وهم في ذلك تارة يكونون على بدعة يسمونها حقيقة يقدمونها على ما شرعه الله، وتارة يحتجون بالقدر الكوني على الشريعة، كما أخبر الله به عن المشركين كما تقدم).



وهاتان ضلالتان عظيمتان. الشيخ -رحمه الله- تكلم عن الصوفية الذين سلكوا طريق الجبرية فيما يتعلق بالطاعات والمعاصي، فهم يحتجون بالقدر على مخالفة الشرع، ثم إنهم لا يقتصرون على هذه البدعة العظيمة الكبيرة التي هي شر من قول اليهود والنصارى، بل يزيدون على ذلك ويضيفون إلى ذلك بدعة أخرى، وهي ماذا؟ وهي الابتداع في الدين، فهم جمعوا سوءتين:



·       تعطيل ما أمر الله به ورسوله.



·       والإحداث في الدين.



فهم بين بدعة وشرك، وهاتان ضلالتان عظيمتان، هما من أعظم ما يصاب به الإنسان في الدنيا، وأعظم ما يفسد به دين العبد وقلبه. نعم.



(ومن هؤلاء طائفة هم أعلاهم عندهم قدراً، وهم مستمسكون بما اختاروا بهواهم من الدين في أداء الفرائض المشهورة، واجتناب المحرمات المشهورة، لكن يضلون بترك ما أمروا به من الأسباب التي هي عبادة، ظانّين أن العارف إذا شهد القدر أعرض عن ذلك. مثل من يجعل التوكل منهم أو الدعاء ونحو ذلك من مقامات العامة دون الخاصة، بناء على أن من شهد القدر علم أنّ ما قُدِّر سيكون فلا حاجة إلى ذلك،وهذا ضلال مبين وغلط عظيم، فإن الله قدر الأشياء بأسبابها، كما قدر السعادة والشقاوة بأسبابها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إنّ الله خلق للجنة أهلاً، خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وبعمل أهل الجنة يعملون.وخلق للنار أهلاً، خلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم، وبعمل أهل النار يعملون)). وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخبرهم بأن الله كتب المقادير، فقالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتّكل على الكتاب؟ فقال: ((لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له: أمّا من كان من أهل السعادة فسيُيَسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة))([9]).



فكل ما أمر الله به عباده من الأسباب فهو عبادة، والتوكل مقرون بالعبادة، كما في قوله تعالى: ‏﴿‏فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْه‏﴾([10]). وفي قوله: ﴿قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ(30)﴾([11]). وقول شعيب -عليه السلام-: ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾([12])).



هذه طائفة من طوائف المبتدعة الصوفية الغلاة، وهم من تخيَّر من الأوامر الشرعية شيئاً فالتزمه، وتخير من المناهي الشرعية المشهورة شيئاً فامتنع منه، لكنه ضل بترك ما أمر به من الأسباب التي هي عبادة، حيث إنه زعم شهود القدر، وأنه يتعبد لله -عز وجل- بقدره؛ فترك ما جعله الله سبباً لتحصيل المقاصد.



اعلم -بارك الله فيك-أنه ما من شيء في الدنيا، ولا في الآخرة، إلا وقد جعل الله له سبباً به يُحصّل وبه يدرك. فمن فرط في السبب لم يدرك الغاية والمقصد والمطلب. وهذا مطَّرد في أمور الدين، وأمور الدنيا، أمور الأولى، وأمور الأخرى، ولذلك لا بد من الأخذ بالأسباب.



الشيخ -رحمه الله- يرد على هؤلاء الذين قالوا: إن التوكل، والدعاء، ونحو ذلك من العبادات التي هي وسائل لمقاصد ويحصل بها تحصيل المطالب. يرد عليهم في قولهم: إن هذه من مقامات العامة، أما الخاصة فلا ينظرون إلى هذه الوسائل؛لأنهم قد أيقنوا بأن ما قدَّر سيكون، فلا حاجة للاشتغال بالأسباب.



نقول لهؤلاء ماقاله الشيخ -رحمه الله- في قوله: (فإن الله قدر الأشياء بأسبابها) الأسباب ليست خارجة عن قدر الله، بل هي من قدر الله. ولذلك لما سئل النبي -صلى الله عليهوعلى آلهوسلم- عن الأدوية والرقى،قال: هل هي ترد من قدر الله شيئاً؟ قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- في جواب محكم، وتفصيل بين، وتوضيح ظاهر، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((هي من قدر الله))([13]). فجعل الأسباب من قدر الله، ولهذا يجب على المؤمن أن يأخذ بالسبب؛لأنه لا تحصل النتائج، ولا تدرك المطالب إلا من طريق الأسباب التي جعلها الله -عز وجل- موصلة للغايات، مفضية إلى المقاصد والمطالب.



فإن لم يشتغل الإنسان بتحصيل الأسباب ما حصلت له النتائج.



فالذي يريد الولد ولا يتزوجولا يطأ، هل يمكن أن يكون له ولد؟ لا يمكن.



والذي يريد الرزق والكسب ثم يطيل نوم النهار، ولعب الليل، هل يحصّل؟ لا.



الذي يريد العلم وتحصيله، هل يمكن أن يحصل العلم بالكسل والتواني، والتفريط وتضييع الأوقات؟ الجواب: لا، لا بد من الأسباب.



فالذي يريد الجنة، هل يحصلها بالمعاصي، والسيئات، والتفريط في الطاعات والحسنات؟ الجواب: لا، فلا بد من تحصيل الأسباب لتحصيل الغايات،والمطالب، والمقاصد. فإن الله -جل وعلا- قدّر الأشياء بأسبابها، ذكر المؤلف -رحمه الله- لذلك دليلين يبينان تقدير السبب والغاية. يقول -رحمه الله-: (كما قدر السعادة والشقاوة بأسبابها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقها لهم- وفي روايات: خلقهم لها- وهم في أصلاب آبائهم، وبعمل أهل الجنة يعملون)).



إذاً جعل الجنة لهم قدراً، وجعل العمل لهم أيضاً قدراً، فلم يجعل الغاية مقدّرة دون السبب الموصل إلى الغاية، ولذلك قال: ((وبعمل أهل الجنة يعملون)) وهذا الشاهد لقول المؤلف -رحمه الله-:(فإن الله قدر الأشياء بأسبابها) فالغايات هنا دخول الجنة، وسببها العمل لها، العمل بعمل أهلها. يقول: ((وبعمل أهل الجنة يعملون، وخلق للنار أهلاً)) -نعوذ بالله منها- ((خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم)) يعني: أن الله سبق تقديره بذلك، والله -جل وعلا- عالم بكل شيء: إن الله بكل شيء محيط، وهو -جل وعلا- بكل شيء عليم، علم الأشياء قبل وقوعها.((وبعمل أهل النار يعملون)). فهم قُدِّر عليهم الغاية والسبب، فالله قد قدر الغاية والسبب.



فالواجب على المؤمن أن يسعى في تحصيل الأسباب المفضية إلى النتائج المرغوبة المحبوبة، وأن لا يتوانى في ذلك.



يقول في ذلك أيضاً: (وكما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أخبرهم بأن الله كتب المقادير، فقالوا: يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: ((لا))).  لا، نهي عن أن يتركوا العمل وأن يتكلوا على مامضى من الكتاب الذي فيه أهل الشقاء وأهل السعادة. قال: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)). الواجب على المؤمن أن يسعى لتحصيل ما قُدِّر له، فإن الله قَدَّر الأشياء وقدّر أسبابها الموصلة إليها، فكل ميسر لما خلق له: ((أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة)) نعوذ بالله من الخذلان.



ثم قال -رحمه الله-: (فكل ما أمر الله به عباده من أسباب فهو عبادة) أي يؤجر عليه. فجعل الله -عز وجل- تحصيل المطالب الأخروية والدنيوية من طريق الدعاء، فهل يؤجر الإنسان على الدعاء؟ نعم يؤجر على الدعاء؛ لأن الدعاء عبادة وإن كان وسيلة لتحصيل المطلوب، لكنه عبادة يؤجر عليها الإنسان، ومَثَّلَ لذلكبقوله: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْه﴾([14]). يقول:(والتوكل مقرون بالعبادة).والتوكل هو المشار إليه في قوله تعالى:﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾. وقد قرن الله بين هذين في مواضع عديدة، منها هذا ومنها قوله تعالى:﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾([15]). وماذكره المؤلف -رحمه الله- هنا: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْه﴾ وفي قوله:﴿قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)﴾([16])وقول شعيب:﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)﴾([17])الإنابة، ماهي؟



الإنابة لا تكون إلا بالخضوع مع المحبة، والتزام الأمر، وترك النهي.



هذه أركانها، فلا يسمى الإنسان منيباً إلا إذا كان خاضعاً لله، محبّاً له، مقبلاً على الطاعة، تاركاً للمعصية. نعم.



(ومنهم طائفة قد تترك المستحبات من الأعمال دون الواجبات).



(منهم)أي ممن ضل في هذا الباب من الصوفية ومن شاكلهم. نعم.



(فتنقص بقدر ذلك. ومنهم طائفة يغترّون بما يحصل لهم من خرق عادة، مثل مكاشفة أو استجابة دعوة مخالفة للعادة العامة، ونحو ذلك، فيشتغل أحدهم بهذه الأمور عما أمر به من العبادة والشكر ونحو ذلك. فهذه الأمور ونحوها كثيراً ما تعرض لأهل السلوك والتوجه، وإنّما ينجو العبد منها بملازمة أمر الله الذي بعث به رسوله في كل وقت).



الله أكبر، ماشاء الله. يقول -رحمه الله-: (ومنهم طائفة يغترّون بما يحصل لهم من خرق عادة مثل مكاشفة) أي يكشف له في علم شيء خفي على غيره. المكاشفة تكون في العلوم غالباً، فيكشف له علم خفي على غيره، إمّا من علوم الدنيا، وإمّا من علوم الدِّين. لكن في الغالب أن تكون أسباب الفتن فيما يتعلق بعلوم الدنيا، وقد يكون في علوم الدين. فيُكشف له ما خفي على غيره؛ فيظن نفسه بذلك سابقاً حاصلاً على ما لم يحصل عليه غيره من الفضل والمكانة عند رب العالمين، وهو في الحقيقة جاهل غالط في هذا الظن. فإن المكاشفات لا تدلّعلىصلاح أصحابها، يعني ليس من لوازم الاستقامة والطاعة والصلاح أن يكون الإنسان صاحب مكاشفات، وصاحب كرامات. فالكرامات نؤمن بها، ويكرِم الله بها من يشاء من عباده، لكنها تسر ولا تَغُرّ، تبشر ولا تورط في الاغترار بالنفس والإعجاب بها. بل من حصل له اغترار بسبب هذه المكاشفات وهذه الكرامات؛ فإنه ضال عن الصراط المستقيم.



ولذلك قال السلف -رحمهم الله- كلمة جامعة لامعة نافعة: إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، فلا تقبلوا منه حتى تزنوه -أو تعرضوه-على الكتاب والسنة. وهذا ميزان قسط، ومعيارعدل لا جور فيه، لا وكس ولا شطط.



فالواجب أن لا يغتر الإنسان بما يجريه الله على أيدي بعض الصالحين من الكرامات، فيظن أنه انتهى، هو العالم، وهو الإمام، وهو القدوة، وهو وهو... لا، قد تجري المكاشفات لعوام أهل السنة، وقد تجري الكرامات لعوام أهل السنة. بل قد تجري امتحاناً لبعض المبتدعة، وهي في الحقيقة في هذه الحالة لا تكون كرامة، لكن المقصود خرق العادة. قد تخرق العادة للمخالف لأهل السنة والجماعة وطريق النبي -صلى الله عليه وسلم-؛لكن هذا لا يدل على صلاحه، ولا على صحة سبيله.



تركنا النبي -صلى الله عليه وسلم- ياإخواني، تركنا على محجة بيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك([18])



. هذه المحجة كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.



فالواجب على المؤمن أن يعرض كل قول، وكل رأي، وكل أحد على هذين المعيارين الدقيقين: الكتاب والسنة. وإذا طبق الناس هذا  في أنفسهم، وفي مجتمعاتهم فازوا فوزاً عظيماً ومازوابه بين الحق والباطل، فإنه فرقان ونور يهدي به الله سبل السلام، ويخرج به الإنسان من الظلمات إلى النور. كثير من الناس إذا جرى له كرامة أو خروج عن العادة، اغتر بنفسه، واغتر به من حوله. والغالب أن من حوله يؤزونه إلى أن يعجب بنفسه، ويخرج عن الصراط المستقيم.



ولذلك في الحقيقة تكون عليهم في بعض الأحيان، تكون هذه المخالفات للعادة والخوارق للعادات، تكون عليهم شؤماً، حيث إنها تخرجهم عن سبيل المتقين، وتوقعهم في طريق المنحرفين.



يقول -رحمه الله-: (فهذه الأمور)أي المكاشفات والكرامات وخوارق العادات(كثيراً ما تعرض لأهل السلوك والتوجه) يعني: أهل العبادة (وإنما ينجو العبد منها) أي: من شرِّها وما تعقبه من فتنة في النفس، وما تعقبه من افتتان بها، إنما ينجو منها (بملازمة أمر الله الذي بعث به رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل وقت) وهذا فيه أن العبادة لا حدّلها، ولا ظرف لها، ولا زمن لها، بل هي في كل حين ووقت، كما قال الله -جل وعلا-: ‏﴿‏وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)﴾([19]) . نعم.



(كما قال الزهري: كان من مضى من سلفنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة. وذلك أن السنة كما قال مالك -رحمه الله-: مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق).



فالنجاة في ركوب هذه السفينة، والأخذ بالسنة هو النجاة من طرق الضلالة على اختلافها وتنوعها. والغرق هو الغرق في الظلمات، فإن من أعرض عن الكتاب والسنة أظلم قلبه، وفسد رأيه، وبُلي بأنواع من المخالفات والانحرافات. نعم.



(والعبادة، والطاعة، والاستقامة، ولزوم الصراط المستقيم، ونحو ذلك من الأسماء، مقصودها واحد ولها أصلان:



أحدهما: ألاّ يعبد إلا الله.



الثاني: أن يعبد بما أمر وشرع، لا يعبده بغير ذلك من الأهواء، و الظنون، والبدع.



قال تعالى: ‏﴿‏فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾([20]). وقال تعالى: ‏﴿‏بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112)‏﴾([21])‏. وقال تعالى: ‏﴿‏وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌواتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125)‏﴾([22])).



هذان الأصلان عليهما تدور كلمة التوحيد، كلمة الشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله،(الأولى أن لا يعبد إلا الله). وهذا معنى أشهد أن لا إله إلا الله (وأن لا يعبده -سبحانه وتعالى- إلا بما شرع). وهذا معنى أشهد أن محمداً رسول الله﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾([23]). فهذان الأصلان اللذان عليهما قوام الدين، هما معنى الشهادتين اللتين بهما يدخل الإنسان في الإسلام، وهما أول ركن، وأول ما يُطالب به المكلف شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.



 فالأولى تقرير للأصل الأول. والشهادة للنبي بالرسالة تقرير للأصل الثاني. وهذان الأصلان جماع الدين، يعني: يجمعان لك أطراف الدين، فيدخلان في كل عبادة وفي كل طاعة. ما من طاعة إلا ويدخل فيها هذان الأصلان، إذا اختل أحدهما فالعبادة فاسدة، باطلة، مردودة عليه: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))([24])



.



ذكر دليل هذين الأصلين من القرآن فقال -رحمه الله-:(قال الله تعالى: ‏﴿‏فَمَن كَانَ يَرْجُوا لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا﴾([25])).هذا دليل ماذا يا أحمد؟ المتابعة. الأصل الأول أو الثاني؟ الثاني. أن لا يعبد إلا بما شرع، فإنه لا يوصف العمل بأنه صالح إلا إذا كان على السنة.



طيب: ﴿وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ هذا دليل الأصل الأول.



طيب (وقال تعالى: ‏﴿‏بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ‏﴾):



﴿‏أَسْلَمَ وَجْهَهُ‏﴾ هذا دليل الأصل الأول.



‏﴿‏وَهُوَ مُحْسِنٌ‏﴾هذا دليل الأصل الثاني.



(‏﴿فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112)‏﴾،وقال تعالى:﴿‏وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً(125)‏﴾)، ﴿‏وَمَنْ أَحْسَنُ﴾ (من)هذه استفهامية، والاستفهام هنا ماذا؟ للنفي، أي لا أحد أحسن﴿مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله﴾‏‏ بالتوحيد‏﴿وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ أي في اتباع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ﴿‏واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125)﴾‏نعم. الشاهد أول الآية.



ثم قال -رحمه الله-:



(فالعمل الصالح هو الإحسان، وهو فعل الحسنات. والحسنات هي ما أحبه الله ورسوله، وهو ما أمر به أمر إيجاب أو استحباب. فما كان من البدع في الدين التي ليست في الكتاب ولا في صحيح السنة، فإنها وإن قالها من قالها و عمل بها من عمل، ليست مشروعة).



ما معنى (ليست مشروعة)؟ مامعنى قول العلماء: هذا ليس مشروعاً، أو هذه ليست مشروعة؟ يعني: ليست واجبة ولا مستحبة، يعني: لم تأت في الشريعة، لا على وجه الإيجاب ولا على وجه الاستحباب. نعم.



  (فإنّ الله لا يحبها ولا رسوله، فلا تكون من الحسنات، ولا من العمل الصالح. كما أنّ من يعمل ما لا يجوز كالفواحش والظلم، ليس من الحسنات ولا من العمل الصالح.



وأمّا قوله: ‏﴿‏وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾([26])،‏ وقوله: ‏﴿‏أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ﴾([27])فهو إخلاص الدين لله ‏وحده، وكان عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- يقول: اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً).



الله أكبر! ما أعظمه من دعاء: (اللهم اجعل عملي كله صالحاً) ولا يكون كذلك إلا إذا وافق السنة (واجعله لوجهك خالصاً) لا أبتغي به غيرك، فإنّالله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه(ولا تجعل لأحد فيه شيئاً) أي نصيباً، لا قليلاً ولا كثيراً. الله أكبر! ما أعظم فقهه -رضي الله عنه-. نعم.



(وقال الفضيل بن عياض-رحمه الله تعالى- في قوله تعالى: ‏﴿‏لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً‏﴾([28])قال: أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي! ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إنّ العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.



فإن قيل: فإذا كان جميع ما يحبه الله داخلاً في اسم العبادة، فلماذا عطف عليها غيرها؟ كقوله في فاتحة الكتاب).



هذا بحث مهم. هذا البحث الذي ابتدأه بهذا السؤال مهم في مسائل كثيرة من مسائل العلم، فانتبه له. السؤال يقول: (إذا كان جميع ما يحبه الله -سبحانه وتعالى- داخلاً في العبادة فلماذا عطف الله على العبادة غيرها؟) والعطف يقتضي ماذا؟ العطف يقتضي المغايرة. إذا قلت: جاء زيد وعمرو، فعمروغير زيد، هذه الواو تقتضي المغايرة. إذا قلت: أكلت أكلاً وبرتقالاً، فالأصل أن البرتقال غير الأكل، والبرتقال أكل أو ليس أكلاً؟ أكل، فلماذا عطفناه عليه؟ لماذا عطفنا البرتقال على الأكل؟



كذلك هنا الأمثلة التي سيذكرها المؤلف -رحمه الله- كلها عطف الله -جل وعلا- في كلامه على العبادة ما هو منها، فما وجه العطف؟ وما الجواب؟ واستطرد المؤلف -رحمه الله- بذكره أيضاً صوراً من العطف في غير العبادة نقرأ كلام المؤلف -رحمه الله-،المهم أن هذا بحث مهم، يفيدك في هذا الموضع وفي غيره. نعم يقول:



(كقوله في فاتحة الكتاب: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾([29])، وقوله لنبيه: ‏﴿‏فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ‏﴾([30]) ،وقول نوح: ‏﴿‏اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ‏﴾‏([31])، وكذلك قول غيره من الرسل. قيل: هذا له نظائر).



الآن بدأ الجواب. بعد أن ذكر الأمثلة التي عطف الله -سبحانه وتعالى- فيها ما يحبه على العبادة،  ذكر الجواب: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾. الاستعانة، أليست عبادة؟ الاستعانة عبادة. فلماذا عطفها على العبادة في قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾؟ كذلك التوكل، أليس عبادة؟ بلى عبادة. فكيف يعطفه على الأمر بالعبادة في قوله: ‏﴿‏فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ‏﴾. كذلك ‏﴿‏اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ‏﴾ والتقوى والطاعة للرسل من العبادة، فكيف ساغ العطف، مع أن الأصل في العطف أنه يقتضي المغايرة؟



قال الشيخ -رحمه الله- في الجواب:(قيل: هذا له نظائر). يعني: هذا الأمر ليس مختصّاً بهذه المواضع، بل له أمثال وأشباه، فالنظائر المراد بها الأمثال والأشباه. مَثَّلَ لذلك، يقول -رحمه الله-:



 (كما في قوله: ‏﴿‏إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ‏﴾‏([32])والفحشاء من المنكر. وكذلك قوله: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأمر بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ‏﴾‏([33])).



(والفحشاء من المنكر)، مقتضى الكلام أن يقول: والمنكر من الفحشاء؛ لأن المعطوف عليه هو الفحشاء. يعني على كل حال هو الأصل؛ لأننا ذكرنا أن المحبوبات عبادة، فعطف المحبوبات على العبادة. كذلك هنا عطف المنكر على الفحشاء. قوله:



(وكذلك قوله: ‏﴿ِنَّ اللّهَ يَأمر بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾. و إيتاء ذي القربى هو من العدل والإحسان، كما أن الفحشاء والبغي من المنكر. وكذلك  قوله: ‏﴿‏وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ‏﴾‏([34]).وإقامة الصلاة من أعظم التمسك بالكتاب. وكذلك قوله عن أنبيائه: ‏﴿‏إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾([35]). ودعاؤهم رغباً ورهباً من الخيرات، وأمثال ذلك في القرآن كثير).



طيب،الآن ذكر الشيخ -رحمه الله- أن هذا لا يختص بالعبادة، وذكر له نظائر. يأتي الجواب الآن يقول:



(وهذا الباب يكون تارة مع كون أحدهما بعض الآخر، فيعطف عليه تخصيصاً له بالذكر؛ لكونه مطلوباً بالمعنى العام والمعنى الخاص).



هذا الوجه الأول، الوجه الأول في الجواب أنه في بعض هذه الموارد يكون المعطوف بعضاً من المعطوف عليه، مثل قوله تعالى:‏﴿‏فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ‏﴾([36]). التوكل من العبادة،العبادة أوسع، فعطف التوكل على العبادة تخصيص له بالذكر. يعني: المعطوف إذا ذكر ماهو من أفراد المعطوف عليه، فإنه يفيد تخصيصه بالذكر؛ لكونه مطلوباً بالمعنى العام والمعنى الخاص، وهذا لأهميته. فقول الله تعالى:‏﴿فَاعْبُدْهُ‏﴾يدخل في عمومه ماذا؟ التوكل؛ لأن العبادة أمر واسع يدخل فيه التوكل، والاستعانة، والخشية، والخوف، والرهبة، والرغبة، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، الأعمال الظاهرة والباطنة. ومن ذلك التوكل، فهذا أمر عام يدخل فيه التوكّل. ثم قال:﴿وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ‏﴾. هذا تنصيص وتخصيص لهذه العبادة بعينها، فيكون الأمر بالتوكل من جهتين:



·       من جهة العموم في قوله: ‏﴿‏فَاعْبُدْهُ‏﴾.



·       ومن جهة الخصوص في قوله: ﴿‏وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ‏﴾.



وهذا يبين أهمية هذه العبادة، ومحبة الله لها. واضح هذا؟



طيب. يقول بعد ذلك:



(وتارة تكون دلالة الاسم تتنوع بحال الانفراد والاقتران. فإذا أفرد عمّ، وإذا قرن بغيره خصَّ، كاسم الفقير والمسكين، لما أفرد أحدهما في مثل قوله: ‏﴿‏لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾([37])، ‏ وقوله: ﴿أَو ‏إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ‏﴾([38])دخل فيه الآخر، ولما قُرن بينهما في قوله: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾([39])صارا نوعين).



هذا حال أخرى يُجاب بها عن هذا الإشكال: أنّ الاسم في حال الانفراد يدل على معنىيشمل المعطوفات، وفي حال ذكر المعطوفات يكون الاسم مختصّاً ببعض المعنى، وهذا مثاله الذي ذكره الشيخ -رحمه الله- الفقير والمسكين.



(وتارة دلالة الاسم تتنوع بحال الانفراد والاقتران. فإذا أفرد عم، وإذا قرن بغيره خص، كاسم الفقير والمسكين، لما أفرد أحدهما في مثل قوله: ‏﴿‏لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾([40])، ‏ وقوله:﴿‏إِطْ

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86259 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80696 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74966 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62206 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56499 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53477 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات51186 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50934 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46186 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45730 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف