×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / القواعد الأربع / الدرس(1) من شرح القواعد الأربع

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(1) من شرح القواعد الأربع
00:00:01

قال المؤلف رحمه الله :"أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مباركا أينما كنت، وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة". بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:   فقد افتتح المؤلف الإمام المجدد في القرن الثاني عشر، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى هذه الرسالة بهذه المقدمة، والظاهر من هذه المقدمة أنها رسالة لبعض من كتبها له الشيخ، في بيان دعوته رحمه الله، افتتحها بالبسملة كسائر ما تفتتح به الرسائل، وكسائر الكتب العلمية، والمستند في هذا كتاب الله جل وعلا، فإنه افتتح بالبسملة، وأيضا هدي رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، حيث كان يفتتح رسائله وكتبه بالبسملة، ثم افتتحها بعد البسملة بذكر هذه المقدمة النافعة في أولها، فابتدأها بالدعاء، والدعاء مما يلين قلب المكتوب له، لاسيما في النصائح والإرشادات، فإنك إذا قدمت بين كلامك دعاء أفهمت من تخاطبه أو تكتب له أنك مشفق عليه، راج نفعه، راغب في نصحه.   قال رحمه الله تعالى: (أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة) ومن تولاه الله في الدنيا والآخرة فإنه آمن من المخاوف في الدارين، نسأل الله أن يتولانا وإياكم في الدنيا والآخرة.   قال رحمه الله تعالى: (وأن يجعلك مباركا أينما كنت)، وإنما يكون ذلك بأن يكون نافعا للعباد حيثما نزل، وحيثما حل، كالغيث حيثما أصاب نفع، (وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر).   ثم قال عن هذه الخلال الثلاث والخصال: (فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة) لماذا ؟ لأنه لا ينفك الإنسان عن حال من هذه الأحوال الثلاثة، إما أن يعطى فالواجب عليه أن يشكر، فإذا شكر فقد قام بوظيفة الوقت، وإما أن يبتلى فالواجب عليه الصبر، فإذا قام بذلك فقد قام بوظيفة الوقت، وإما أن يخطئ الصبر أو الشكر فيقع في الذنب، وواجبه في هذه الحالة: الاستغفار، فإذا استغفر فقد قام بوظيفة الوقت، فمن كانت حاله شكرا عند العطاء، وصبرا عند البلاء، واستغفارا عند الذنب والخطأ، فإنه قد حاز أسباب الفلاح والسعادة، والأمر كما قال الشيخ رحمه الله: (فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة) فمن حققها في سلوكه وحاله فإنه قد وفق لما تحصل به السعادة في الدنيا والآخرة. نسأل الله  عز وجل  أن يجعلنا وإياكم من السعداء.   اعلم أرشدك الله لطاعته: أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين، كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ . فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة. فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار، عرفت أن أهم ما عليك: معرفة ذلك، لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة وهي الشرك بالله الذي قال الله تعالى فيه: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ ، وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه:   قال رحمه الله تعالى: ( اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم ) وهذا لا إشكال فيه، فإن الله سبحانه وتعالى وصف إبراهيم بالحنيفية، فقال: ﴿ إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين﴾ ([1])والحنيف هو المائل من الشرك إلى الهدى، وأصل الحنف: هو الميل من الضلالة إلى الهدى، هذا أصل الحنف، ويقابله في المعنى الجنف: وهو الميل من الهدى إلى الضلالة. يقول رحمه الله: ( اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم ) فمن رغب في الحنيفية وهي: الاستقامة على الصراط المستقيم، فليلزم ملة إبراهيم التي قال الله جل وعلا فيها: ﴿ ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ﴾ ([2])أي: خسرها، ولم يكسب منها شيئا، فسفه النفس وخسارها: هو بترك ملة إبراهيم، ثم بين رحمه الله هذه الملة وهذه الحنيفية فقال:   قال رحمه الله تعالى: ( أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين ) وهذا يشمل كل عبادة قولية أو فعلية، أو قلبية، واجبة أو مستحبة، فيجب أن تكون العبادة بجميع أنواعها وأقسامها لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، وقوله: ( مخلصا ) حال من العابد، فيجب أن يكون العابد مخلصا في عبادته لله تعالى، والمخلص: هو الذي خلص عبادته من أوغال الشرك، ولوثات الوثنية، بأن يخلص في قلبه بإرادة الله  عز وجل ، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا، وابتغي به وجهه، وأن يتبع النبي  صلى الله عليه وسلم  في عمله وسيرته، فإذا تحقق له هذان الأمران فقد تحقق له وصف الحنيفية، واتباع ملة إبراهيم مخلصا له الدين، أي: مخلصا له العمل، وهذا يشمل العمل القلبي، وعمل الجوارح كما تقدم بيانه.    ثم قال رحمه الله تعالى: كما قال تعالى: ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ ([3])هذا فيه بيان أن هذه الحنيفية التي كان عليها إبراهيم هي الغاية من الخلق، وهي المقصودة من الوجود، ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ ([4])نفى الله سبحانه وتعالى الغاية من الخلق إلا لأجل العبادة، فقوله: ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا﴾ : هذا استثناء، والاستثناء هنا من عموم الغايات، فلم يخلقهم لغاية من الغايات إلا لعبادته سبحانه وتعالى، وقد ضل في معنى هذه الآية طوائف من الذين ينكرون الحكمة في فعل الله جل وعلا، وقالوا : إن اللام لام التعليل، ولا ترد في كلام الله  عز وجل ، إنما الذي يرد في كلامه لام العاقبة، والتي يسميها بعض المفسرين الصيرورة، فلام العاقبة: هي الصيرورة، فيكون المعنى عند هؤلاء ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾  فيكون المعنى حينئذ على هذا الرأي الفاسد: إلا ليذلوا لي، كيف يذلون له ؟ قالوا : ما من مخلوق إلا هو ذليل لله  عز وجل ، كما قال الله سبحانه وتعالى:﴿ إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا﴾ ([5])ففسروا العبودية هنا أو العبادة هنا: بالعبادة الكونية القدرية، التي لا يخرج عنها شيء، ونحن نقول : هذا تفسير قاصر، يأباه ما نقل عن السلف، وما دل عليه السياق، فإن الله سبحانه وتعالى بين الغاية من الخلق، فقال: ﴿ إلا ليعبدون  *  ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون ﴾  ([6])وهذا لا يكون منهم قدرا أصلا، حتى ينفى، إنما بين ذلك لبيان أن المقصود من الخلق أن يكونوا عبادا لله، موحدين له في عبادتهم، وفي جميع ما يتقربون به إليه سبحانه وتعالى، ولو كان المعنى ﴿ إلا ليعبدون ﴾  أي: ليتذللوا لي، لما اختص بذلك الجن والإنس، لأن هذا أمر عام لكل خلق الله الجن، والإنس، والملائكة، والحجر، والجبل، والأرض، والنجوم، والحيوانات، كل هذه من عباد الله التي لا تخرج عن حكمه القدري، فلما خص الجن والإنس دل أنه يراد منهم ما لا يراد من غيرهم، وما الذي يراد منهم ؟ الذي يراد منهم هو عبادته وحده لا شريك له، ثم ما السر من تقديم الجن على الإنس في هذا السياق، مع أن الإنس أشرف من الجن ؟ السر في ذلك: أن الجن مما تتعلق بهم قلوب المشركين، ولذلك قدم ذكر الجن، ليبين أن المعبودين هم ممن خلقوا للعبادة وطولبوا بها كغيرهم من المخلوقين من الإنس، وليس الكلام عن مشركي مكة خاصة، بل حتى الذين يتعلقون بالجن في زماننا هذا بدعائهم، والاستغاثة بهم، وطلب الفرج منهم، كل هؤلاء تعلقت قلوبهم بمن يجب عليهم أن يكونوا عبادا لله، بأن يوحدوه سبحانه وتعالى بالعبادة، هذا سبب من أسباب تقديم الجن في الذكر قبل الإنس، السبب الآخر: أن الجن خلقت قبل الإنس، فلما كانوا قد خلقوا بين أنهم من أول خلقهم، إنما أريد من خلقهم العبادة لخالقهم جل وعلا، إذ لو لم يرد من خلقهم العبادة لكان خلقهم عبثا، والله  عز وجل  منزه عن العبث.   ثم قال رحمه الله تعالى: ( فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته )  وكيف عرفناه ؟ الجواب: دليل هذه المسألة ومعرفتها من قوله تعالى: ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ ([7]).   ثم قال رحمه الله تعالى: ( فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد )، هذا تفريع، بناء على أصل، وهو أنه لما تقرر عندنا أن العبادة هي المقصودة من الوجود، وأن الله إنما خلقنا لعبادته، فرع على ذلك ببيان العبادة التي أمرنا بها، وأنها لا تستقيم إلا بالتوحيد الذي هو غاية الوجود، فالرجل الذي يصلي لله، ويحج لله، ويزكي، ويصوم، لكنه يتعلق قلبه في دفع الكربات بغير الله، هل حقق العبادة ؟ الجواب: أنه لم يحقق العبادة، لأن العبادة التي أمرنا بها هي أن نخلص العبادة له وحده لا شريك له.   ثم قال رحمه الله تعالى في بيان دليل أن العبادة لا تكون عبادة إلا إذا تحقق الإخلاص والتوحيد لله قال: ( كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة ) هذا تنظير للشيء بغيره، فالعبادة التي هي الغاية من الوجود مثلها بالصلاة، فلو أن إنسانا قام وصلى صلاة من أكمل ما يكون خشوعا، وحضور قلب، وتسبيحا، وقراءة، لكنه لم يتوضأ، نسي أن يتوضأ، ما حكم صلاته ؟ الجواب أنها باطلة لم تقبل، لأنها فقدت شرطا وهو الطهارة، فكذلك العبادة إذا فرغت من التوحيد، ولم يكن فيها إخلاص لله  عز وجل  فهي كصلاة المحدث لا تقبل منه، ولا تنفعه، ولا تبرأ بها ذمته منها.   ثم قال رحمه الله تعالى: ( فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت ) والمراد بالشرك هنا: الشرك الأكبر، وأما الشرك الأصغر فإنه يفسد العمل المقارن، أما قوله: (فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت) المراد به: الشرك الأكبر، مثل ما مثلنا قبل قليل في الذي يصلي، ويزكي، ويصوم، ويحج، لكنه يدعو غير الله، أو يسأل غير الله في تفريج الكربات، هذا وقع منه شرك في جانب، لكنه أفسد وهدم كل ما فعله من الصالحات.   قال رحمه الله تعالى: ( كالحدث إذا دخل في الطهارة ) فإنه يفسدها مهما كانت الطهارة مجودة محسنة، قد أسبغ فيها الوضوء، واعتنى فيها بتكميل السنن، بعد فعل الواجبات، إلا أنه إذا أحدث ماذا يقال له ؟ يقال له: أعد الطهارة، فكذلك العبادة إذا دخلها الشرك.   قال رحمه الله تعالى: ( فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك ) المشار إليه: هو ( معرفة ذلك ) أي: معرفة التوحيد، الذي تصح به العبادات.   ثم قال رحمه الله تعالى: ( لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة ) وهذا فيه فائدة، وثمرة من ثمار دراسة التوحيد، الحرص على التخلص من الشرك، وانظر كيف شبه الشرك بالشبكة، فالشبكة إذا علق بها قدم الإنسان ماذا يكون به، وما الذي يحصل له ؟ الذي يحصل أنه يسقط، ثم قد يتعلق بجميع بدنه إذا حاول فكها، فتعلق بها يده، ثم يحاول باليد الأخرى فتعلق، حتى لا يستطيع أن يتخلص، وهذا تمثيل بديع للشرك، فإن الإنسان إذا تساهل في يسير الشرك أوشك أن يقع في عظيمه، ولذلك قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  لأصحابه: (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ))([8])وهم الذين كسروا الأصنام، وجاهدوا المشركين، وفعلوا ما فعلوا من أعمال لإقامة التوحيد، ولذلك قال : (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر )) فلما سئل عنه قال : (( الرياء )). فيجب على المؤمن أن يحذر من الشرك، دقيقه وجليله، فإن الشرك في الأمة كما أخبر النبي  صلى الله عليه وسلم  خفي كنملة سوداء، على صفاة سوداء، في ليلة ظلماء، أنى ترى ؟ وكيف تتقى؟ فيجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن يكثر من قول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، كما وجه النبي  صلى الله عليه وسلم  أبا بكر إلى ذلك([9]) .   ثم قال رحمه الله تعالى: ( لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة ) وهي الشرك بالله، الذي قال الله تعالى فيه: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ﴾ ([10])أخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه لا يغفر الشرك، في قوله: ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ﴾  فأخبر أنه لا يغفر الشرك، وقوله: ﴿ أن يشرك به ﴾  أن مصدرية، ويشرك فعل، و (أن ) وما دخلت عليه مؤولة بمصدر تقديره: [ إن الله لا يغفر إشراكا به ] وأخذنا في قواعد التفسير أن النكرة في سياق النفي أو في سياق النهي تفيد العموم، ولذلك استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أن الشرك الأصغر لا يغفر، لأن قوله: ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ﴾  أي: لا يغفر إشراكا به، يشمل الشرك الأصغر، والشرك الأكبر، وهذا قول شيخ الإسلام رحمه الله في مواضع.    وقال آخرون : أن هذا العموم مقيد بالإجماع على أن الشرك الأصغر لا يخلد صاحبه في النار، فإن قوله جل وعلا: ﴿ إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار﴾ ([11])أجمعت الأمة على أنه لا يشمل الشرك الأصغر، فقالوا: كما أن الإجماع منعقد على عدم دخول الشرك الأصغر في تلك الآية، وهي آية سورة المائدة، كذلك أجمعت الأمة على أنه لا يدخل الشرك الأصغر هنا، لكن الحقيقة أنه ليس فيه إجماع، ولذلك اختلف العلماء في الشرك الأصغر، هل يغفر، أو لا يغفر ؟ وعلى كل حال يجب التوقي من الشرك الأصغر، والخوف منه، فإنه إما أن يكون داخلا في هذه الآية، وإما ألا يكون داخلا، وعلى الأمرين فالإنسان على خطر، لكن لا إشكال أنه إذا كان داخلا فإن الإنسان يجب عليه أن يحذر الشرك دقيقه وجليله، لأنه لا يقع تحت المغفرة.   ثم قال: ﴿ ويغفر ما دون ذلك ﴾  المشار إليه: هو الشرك، يعني: يغفر ما دون الشرك لمن يشاء، فعلق المغفرة فيما دون الشرك بالمشيئة، ثم قال: (وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه)، ثم شرع رحمه الله في ذكر القواعد الأربع.               ([1])النحل: (120).     ([2])البقرة: (130).     ([3])الذاريات: (56).     ([4])الذاريات: 56.     ([5])مريم: (93).     ([6])الذاريات: (57).     ([7])الذاريات: 56.     ([8])أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار، برقم: 22523، و 22528.     ([9]) الأدب المفرد، رقم 716.     ([10])النساء: (48).     ([11])المائدة: (72).

المشاهدات:4366

قال المؤلف رحمه الله :"أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مباركاً أينما كنت، وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة".


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

 


فقد افتـتح المؤلف الإمام المجدد في القرن الثاني عشر، شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى هذه الرسالة بهذه المقدمة، والظاهر من هذه المقدمة أنها رسالة لبعض من كتبها له الشيخ، في بيان دعوته رحمه الله، افتـتحها بالبسملة كسائر ما تفتـتح به الرسائل، وكسائر الكتب العلمية، والمستند في هذا كتاب الله جل وعلا، فإنه افتـتح بالبسملة، وأيضاً هدي رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، حيث كان يفتـتح رسائله وكتبه بالبسملة، ثم افتـتحها بعد البسملة بذكر هذه المقدمة النافعة في أولها، فابتدأها بالدعاء، والدعاء مما يلين قلب المكتوب له، لاسيما في النصائح والإرشادات، فإنك إذا قدمت بين كلامك دعاءً أفهمت من تخاطبه أو تكتب له أنك مشفق عليه، راجٍٍٍٍٍٍٍ نفعه، راغب في نصحه.

 


قال رحمه الله تعالى: (أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاّك في الدنيا والآخرة) ومن تولاّه الله في الدنيا والآخرة فإنه آمنٌ من المخاوف في الدارين، نسأل الله أن يتولانا وإياكم في الدنيا والآخرة.

 


قال رحمه الله تعالى: (وأن يجعلك مباركاً أينما كنت)، وإنما يكون ذلك بأن يكون نافعاً للعباد حيثما نزل، وحيثما حل، كالغيث حيثما أصاب نفع، (وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر).

 


ثم قال عن هذه الخلال الثلاث والخصال: (فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة) لماذا ؟ لأنه لا ينفك الإنسان عن حالٍ من هذه الأحوال الثلاثة، إما أن يعطى فالواجب عليه أن يشكر، فإذا شكر فقد قام بوظيفة الوقت، وإما أن يـبتلى فالواجب عليه الصبر، فإذا قام بذلك فقد قام بوظيفة الوقت، وإما أن يخطئ الصبر أو الشكر فيقع في الذنب، وواجبه في هذه الحالة: الاستغفار، فإذا استغفر فقد قام بوظيفة الوقت، فمن كانت حاله شكراً عند العطاء، وصبراً عند البلاء، واستغفاراً عند الذنب والخطأ، فإنه قد حاز أسـباب الفلاح والسعادة، والأمر كما قال الشيخ رحمه الله: (فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة) فمن حققها في سلوكه وحاله فإنه قد وفِّقَ لما تحصل به السعادة في الدنيا والآخرة. نسأل الله  عز وجل  أن يجعلنا وإياكم من السعداء.

 


اعلم أرشدك الله لطاعته: أن الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين، كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ . فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلا مع التوحيد، كما أن الصلاة لا تسمى صلاة إلا مع الطهارة، فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت، كالحدث إذا دخل في الطهارة. فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار، عرفت أن أهم ما عليك: معرفة ذلك، لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة وهي الشرك بالله الذي قال الله تعالى فيه: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ ، وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه:

 


قال رحمه الله تعالى: ( اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم ) وهذا لا إشكال فيه، فإن الله سبحانه وتعالى وصف إبراهيم بالحنيفية، فقال: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ([1])والحنيف هو المائل من الشرك إلى الهدى، وأصل الحنف: هو الميل من الضلالة إلى الهدى، هذا أصل الحنف، ويقابله في المعنى الجنف: وهو الميل من الهدى إلى الضلالة. يقول رحمه الله: ( اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم ) فمن رغب في الحنيفية وهي: الاستقامة على الصراط المستقيم، فليلزم ملة إبراهيم التي قال الله جل وعلا فيها: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ﴾ ([2])أي: خسرها، ولم يكسب منها شيئاً، فسفهُ النفس وخسارها: هو بترك ملة إبراهيم، ثم بين رحمه الله هذه الملة وهذه الحنيفية فقال:

 


قال رحمه الله تعالى: ( أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين ) وهذا يشمل كل عبادةٍ قوليةً أو فعليةً، أو قلبية، واجبةً أو مستحبة، فيجب أن تكون العبادة بجميع أنواعها وأقسامها لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، وقوله: ( مخلصاً ) حال من العابد، فيجب أن يكون العابد مخلصاً في عبادته لله تعالى، والمخلص: هو الذي خلَّص عبادته من أوغال الشرك، ولوثات الوثنية، بأن يخلص في قلبه بإرادة الله  عز وجل ، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، وابتغي به وجهه، وأن يتبع النبي  صلى الله عليه وسلم  في عمله وسيرته، فإذا تحقق له هذان الأمران فقد تحقق له وصف الحنيفية، واتباع ملة إبراهيم مخلصاً له الدين، أي: مخلـصاً له العمل، وهذا يشمل العمل القلبي، وعمل الجوارح كما تقدم بيانه.

 


 ثم قال رحمه الله تعالى: كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ﴾ ([3])هذا فيه بيان أن هذه الحنيفية التي كان عليها إبراهيم هي الغاية من الخلق، وهي المقصودة من الوجود، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ ﴾ ([4])نفى الله سبحانه وتعالى الغاية من الخلق إلاّ لأجل العبادة، فقوله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا﴾ : هذا استثناء، والاستثناء هنا من عموم الغايات، فلم يخلقهم لغايةٍ من الغايات إلا لعبادته سبحانه وتعالى، وقد ضلّ في معنى هذه الآية طوائف من الذين ينكرون الحكمة في فعل الله جل وعلا، وقالوا : إن اللاّم لام التعليل، ولا ترد في كلام الله  عز وجل ، إنما الذي يرد في كلامه لام العاقبة، والتي يسميها بعض المفسرين الصيرورة، فلام العاقبة: هي الصيرورة، فيكون المعنى عند هؤلاء ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ ﴾  فيكون المعنى حينئذٍ على هذا الرأي الفاسد: إلا ليذلوا لي، كيف يذلون له ؟ قالوا : ما من مـخلوق إلاّ هو ذليل لله  عز وجل ، كما قال الله سبحانه وتعالى:﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً﴾ ([5])ففسروا العبودية هنا أو العبادة هنا: بالعبادة الكونية القدرية، التي لا يخرج عنها شيء، ونحن نقول : هذا تفسير قاصر، يأباه ما نقل عن السلف، وما دل عليه السياق، فإن الله سبحانه وتعالى بيَّن الغاية من الخلق، فقال: ﴿ إلا لِيَعْبُدُونِ  *  مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾  ([6])وهذا لا يكون منهم قدراً أصلاً، حتى ينفى، إنما بيَّن ذلك لبيان أن المقصود من الخلق أن يكـونوا عباداً لله، موحـدين له في عبادتهم، وفي جميع ما يتقربون به إليه سبحانه وتعالى، ولو كان المعنى ﴿ إلا لِيَعْبُدُونِ ﴾  أي: ليتذللوا لي، لما اختص بذلك الجن والإنس، لأن هذا أمر عام لكل خلق الله الجن، والإنس، والملائكة، والحجر، والجبل، والأرض، والنجوم، والحيوانات، كل هذه من عباد الله التي لا تخرج عن حكمه القدري، فلما خص الجن والإنس دل أنه يراد منهم ما لا يراد من غيرهم، وما الذي يراد منهم ؟ الذي يراد منهم هو عبادته وحده لا شريك له، ثم ما السر من تقديم الجن على الإنس في هذا السياق، مع أن الإنس أشرف من الجن ؟ السر في ذلك: أن الجن مما تـتعلق بهم قلوب المشركين، ولذلك قدم ذكر الجن، ليـبيِّن أن المعبودين هم ممن خلقوا للعبادة وطولبوا بها كغيرهم من المخلوقين من الإنس، وليس الكلام عن مشركي مكة خاصة، بل حتى الذين يتعلقون بالجن في زماننا هذا بدعائهم، والاستغاثة بهم، وطلب الفرج منهم، كل هؤلاء تعلقت قلوبهم بمن يجب عليهم أن يكونوا عباداً لله، بأن يوحدوه سبحانه وتعالى بالعبادة، هذا سبب من أسباب تقديم الجن في الذكر قبل الإنس، السبب الآخر: أن الجن خلقت قبل الإنس، فلما كانوا قد خُلقوا بُيِّن أنهم من أول خلقهم، إنما أريد من خلقهم العبادة لخالقهم جل وعلا، إذْ لو لم يرد من خلقهم العبادة لكان خلقهم عبثاً، والله  عز وجل  منزهٌ عن العبث.

 


ثم قال رحمه الله تعالى: ( فإذا عرفت أن الله خلقك لعبادته )  وكيف عرفناه ؟ الجواب: دليل هذه المسألة ومعرفتها من قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ ﴾ ([7]).

 


ثم قال رحمه الله تعالى: ( فاعلم أن العبادة لا تسمى عبادة إلاّ مع التوحيد )، هذا تفريع، بناءً على أصلٍ، وهو أنه لما تقرر عندنا أن العبادة هي المقصودة من الوجود، وأن الله إنما خلقنا لعبادته، فرَّع على ذلك ببيان العبادة التي أمرنا بها، وأنها لا تستقيم إلا بالتوحيد الذي هو غاية الوجود، فالرجل الذي يصلي لله، ويحج لله، ويزكي، ويصوم، لكنه يتعلق قلبه في دفع الكربات بغير الله، هل حقق العبادة ؟ الجواب: أنه لم يحقق العبادة، لأن العبادة التي أمرنا بها هي أن نخلص العبادة له وحده لا شريك له.

 


ثم قال رحمه الله تعالى في بيان دليل أن العبادة لا تكون عبادة إلا إذا تحقق الإخلاص والتوحيد لله قال: ( كما أن الصلاة لا تسمى صلاةً إلا مع الطهارة ) هذا تنظير للشيء بغيره، فالعبادة التي هي الغاية من الوجود مثلها بالصلاة، فلو أن إنساناً قام وصلى صلاة من أكمل ما يكون خشوعاً، وحضور قلب، وتسبيحاً، وقراءة، لكنه لم يتوضأ، نسي أن يتوضأ، ما حكم صلاته ؟ الجواب أنها باطلة لم تقبل، لأنها فقدت شرطاً وهو الطهارة، فكذلك العبادة إذا فرغت من التوحيد، ولم يكن فيها إخلاص لله  عز وجل  فهي كصلاة المحدث لا تقبل منه، ولا تنفعه، ولا تبرأ بها ذمته منها.

 


ثم قال رحمه الله تعالى: ( فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت ) والمراد بالشرك هنا: الشرك الأكبر، وأما الشرك الأصغر فإنه يفسد العمل المقارن، أما قوله: (فإذا دخل الشرك في العبادة فسدت) المراد به: الشرك الأكبر، مثل ما مثلنا قبل قليل في الذي يصلي، ويزكي، ويصوم، ويحج، لكنه يدعو غير الله، أو يسأل غير الله في تفريج الكربات، هذا وقع منه شرك في جانب، لكنه أفسد وهدم كل ما فعله من الصالحات.

 


قال رحمه الله تعالى: ( كالحدث إذا دخل في الطهارة ) فإنه يفسدها مهما كانت الطهارة مجودة محسنة، قد أسبغ فيها الوضوء، واعتنى فيها بتكميل السنن، بعد فعل الواجبات، إلاّ أنه إذا أحدث ماذا يقال له ؟ يقال له: أعد الطهارة، فكذلك العبادة إذا دخلها الشرك.

 


قال رحمه الله تعالى: ( فإذا عرفت أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل وصار صاحبه من الخالدين في النار عرفت أن أهم ما عليك معرفة ذلك ) المشار إليه: هو ( معرفة ذلك ) أي: معرفة التوحيد، الذي تصح به العبادات.

 


ثم قال رحمه الله تعالى: ( لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة ) وهذا فيه فائدة، وثمرة من ثمار دراسة التوحيد، الحرص على التخلص من الشرك، وانظر كيف شبه الشرك بالشبكة، فالشبكة إذا علق بها قدم الإنسان ماذا يكون به، وما الذي يحصل له ؟ الذي يحصل أنه يسقط، ثم قد يتعلق بجميع بدنه إذا حاول فكها، فتعلق بها يده، ثم يحاول باليد الأخرى فتعلق، حتى لا يستطيع أن يتخلص، وهذا تمثيل بديع للشرك، فإن الإنسان إذا تساهل في يسير الشرك أوشك أن يقع في عظيمه، ولذلك قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  لأصحابه: (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ))([8])وهم الذين كسروا الأصنام، وجاهدوا المشركين، وفعلوا ما فعلوا من أعمال لإقامة التوحيد، ولذلك قال : (( أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر )) فلما سئل عنه قال : (( الرياء )). فيجب على المؤمن أن يحذر من الشرك، دقيقه وجليله، فإن الشرك في الأمة كما أخبر النبي  صلى الله عليه وسلم  خفي كنملة سوداء، على صفاة سوداء، في ليلة ظلماء، أنَّى ترى ؟ وكيف تـتقى؟ فيجب على المؤمن أن يحذر ذلك، وأن يكثر من قول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، كما وجه النبي  صلى الله عليه وسلم  أبا بكر إلى ذلك([9]) .

 


ثم قال رحمه الله تعالى: ( لعل الله أن يخلصك من هذه الشبكة ) وهي الشرك بالله، الذي قال الله تعالى فيه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ ([10])أخبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية أنه لا يغفر الشرك، في قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾  فأخبر أنه لا يغفر الشرك، وقوله: ﴿ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾  أن مصدرية، ويشرك فعل، و (أن ) وما دخلت عليه مؤولة بمصدر تقديره: [ إن الله لا يغفر إشراكاً به ] وأخذنا في قواعد التفسير أن النكرة في سياق النفي أو في سياق النهي تفيد العموم، ولذلك استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أن الشرك الأصغر لا يغفر، لأن قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾  أي: لا يغفر إشراكاً به، يشمل الشرك الأصغر، والشرك الأكبر، وهذا قول شيخ الإسلام رحمه الله في مواضع.

 


 وقال آخرون : أن هذا العموم مقيد بالإجماع على أن الشرك الأصغر لا يخلد صاحبه في النار، فإن قوله جل وعلا: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ ([11])أجمعت الأمة على أنه لا يشمل الشرك الأصغر، فقالوا: كما أن الإجماع منعقد على عدم دخول الشرك الأصغر في تلك الآية، وهي آية سورة المائدة، كذلك أجمعت الأمة على أنه لا يدخل الشرك الأصغر هنا، لكن الحقيقة أنه ليس فيه إجماع، ولذلك اختلف العلماء في الشرك الأصغر، هل يغفر، أو لا يغفر ؟ وعلى كل حال يجب التوقي من الشرك الأصغر، والخوف منه، فإنه إما أن يكون داخلاً في هذه الآية، وإما ألاَّ يكون داخلاً، وعلى الأمرين فالإنسان على خطر، لكن لا إشكال أنه إذا كان داخلاً فإن الإنسان يجب عليه أن يحذر الشرك دقيقه وجليله، لأنه لا يقع تحت المغفرة.

 


ثم قال: ﴿ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ﴾  المشار إليه: هو الشرك، يعني: يغـفر ما دون الشرك لمن يشاء، فعلق المغفرة فيما دون الشرك بالمشيئة، ثم قال: (وذلك بمعرفة أربع قواعد ذكرها الله تعالى في كتابه)، ثم شرع رحمه الله في ذكر القواعد الأربع.

 

 

 

 


 


 

 


([1])النحل: (120).

 

 


([2])البقرة: (130).

 

 


([3])الذاريات: (56).

 

 


([4])الذاريات: 56.

 

 


([5])مريم: (93).

 

 


([6])الذاريات: (57).

 

 


([7])الذاريات: 56.

 

 


([8])أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار، برقم: 22523، و 22528.

 

 


([9]) الأدب المفرد، رقم 716.

 

 


([10])النساء: (48).

 

 


([11])المائدة: (72).

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات83663 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78561 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات72961 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60801 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات55193 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52350 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49629 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات48443 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44971 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44281 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف