[ القاعدة الأولى ] أن تعلم أن الكافرين الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مقرون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر، وأن ذلك لم يدخلهم في الإسلام، والدليل قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ .
(القاعدة الأولى)من هذه القواعد الأربع: ( أن تعلم أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المدبر ) هذا فيه بيان حال الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حالهم الإقرار بتوحيد الربوبية، فهم مقرون بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق، مقرون بأن الله هو المدبر، مقرون بأن الله هو المالك، مقرون بأن الله هو الرازق، وهذه حال جمهورهم، هذه حال أكثر الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان منهم طائفة يقولون: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إلا الدَّهْرُ ﴾ ([1])، فهؤلاء هم الدهريون، لكن هؤلاء فئة ليسوا هم الأكثر والغالب فيمن بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ، بل غالب من بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم يقرون بأن الله هو الخالق، وأنه هو المالك، وأنه هو الرازق، وأنه هو المدبر، ويضيفون إليه سبحانه وتعالى هذه الأمور، وإن كانوا في إقرارهم بالربوبية على غير جادة، أي: لم يستكملوا توحيد الربوبية، وذلك أنهم لا يعتقدون البعث بعد الموت، ومن لوازم الإقرار بالربوبية: الإقرار بأن الله سبحانه وتعالى يبعث الناس بعد موتهم، فإن ذلك من متممات اعتقاد أن الله هو المحيي المميت، فالذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانت هذه حالهم على وجه الجملة والغالب، ودليل أنهم مقرون بهذا التوحيد، الاستفهامات المتعددة الكثيرة في كتاب الله عز وجل ، التي يُسأل فيها هؤلاء عن خالق السماوات والأرض، عن المالك، وما أشبه ذلك من الاستفهامات التي تعددت في مواضع كثيرة من كتاب الله عز وجل ويكون الجواب فيها: قل الله، فدل ذلك على إقرارهم بأنه سبحانه وتعالى الخالق، المالك، المدبر، الرازق، وقد انتخب الشيخ رحمه الله تعالى آيةً جمعت الإقرار بأركان توحيد الربوبية، وهي هذه الآية التي في سورة يونس، وهي قوله تعالى:﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ ([2])هذا فيه إثـبات الرزق له جل وعلا، وأنه الرازق: ﴿ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾ هذا فيه إثبات الملك ﴿وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ هذا فيه إثبات الخلق، وفيه أيضاً إثبات البعث بعد الموت، لكن هم لا يقرون بالبعث بعد الموت، إنما يثبتون أن الله يحيي ويميت، فيقولون: الذي أحـيا فلاناً الله، والذي أمـات فلاناً الله، فجمهورهم لا يقر بالبعث بعد الموت، بل كانوا ينكرون ذلك، كما ذكر ذلك جل وعلا في آيات عديدة، قال: ﴿ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ﴾ في هذا إثبات التدبير، وأن الله سبحانه وتعالى هو المدبر، وهذه الأمور الأربعة هي أركان توحيد الربوبية، ولا يستقر ولا يستقيم الإقرار بتوحيد الربوبية إلاَّ بهذه الأمور، مع إضافة ما ذكرناه من الإحياء، والإماتة، وأن الله جل وعلا يبعث الناس بعد موتهم، إذا سئل هؤلاء عن هذه الأمور فجوابهم ما ذكره الله جل وعلا: ﴿ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ﴾ ([3])وهم يستطيعون في وقت تنـزل الوحي أن يقولوا: ليس الخالق هو الله، ولكنهم لم يقولوا، وذلك لكونه ثابتاً مستقراً في فطرهم، لا يملكون إنكاره ولا رده، فكان الجواب من الله على هذا الجواب منهم أن أمر رسوله أن يقول لهم: ﴿ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ هذا يفيد وجوب تقوى كل ما يوقع الإنسان في هلكة، لأنه لم يذكر المعمول، ولا ذكر ما يتقى، وهذا إطلاق يفيد العموم، وأول ما يتقى الشرك، وذلك أنه أول ما نهى الله عنه، وأول ما أمر الله بضده، وهو التوحيد، أفلا تتقون الشرك إذا كنتم تقرون بهذه الأمور.
وقوله رحمه الله تعالى: ( فإن ذلك لم يدخلهم الإسلام ) هذا فيه بيان أن الإقرار بتوحيد الربوبية على وجه الإجمال لا يفيد الإنسان دخولاً في الإسلام، بل هو باق على الكفر حتى يقر بأنه لا إله إلاَّ الله، ولذلك الذين يفـسرون لا إله إلاَّ الله بأنه لا خـالق إلاَّ الله، أو لا مخترع إلاَّ الله، أو لا صـانع إلاَّ الله، ينـزلون بمعنى هذه الكلمة العظيمة إلى معنى لا يخالف فيه أهل الشرك، وأهل الشرك ما كان قتالهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومضادتهم له أنهم يثبتون خالقاً مع الله، إنما كان قتالهم ومضادتهم لكون النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم لعبادة رب واحد، وإلهٍ واحد ﴿ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ ([4])هذا الذي استغربوه وتعجبوا منه.