قال رحمه الله:"يوضح ذلك ويبينه وينهج طريقته: القاعدة الثالثة: الألف واللام الداخلة على الأوصاف و أسماء الأجناس تفيد الاستغراق بحسب ما دخلت عليه وقد نص على ذلك أهل الأصول وأهل العربية".
قبل أن ندخل في القاعدة يقول: (الألف واللام الداخلةعلى الأوصاف) الأوصاف جمع وصف، كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وغيرها، (الألف واللام الداخلةعلى الأوصاف وأسماء الأجناس) وسيمثل المؤلف رحمه الله لكل من الأوصاف وأسماء الجناس (تفيد الاستغراق) يعني تفيد ثبوت كل ما دلّ عليه اللفظ، وكل ما يندرج تحته وينطوي في ظله.
يقول رحمه الله: (بحسب ما دخلت عليه) يعني على قدر، حسب هنا بمعنى بقدر وبعدد، بقدر ما دخلت عليه؛ يعني على حسب ما يحتمله اللفظ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالىٰ فيما يذكره المؤلف رحمه الله من الأمثلة.
(وقد نص على ذلك أهل الأصول وأهل العربية،واتفق على اعتبار ذلك أهل العلم والإيمان. فمثلُقوله تعالى):
هذا تمثيل لدخول الألف واللام على الأوصاف، قوله:(ومثل قوله) هذا تمثيل للأوصاف.
(﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾إلى قوله تعالىٰ: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾([1])).
يعني إلىٰ نهاية الآية، الآية تضمنت اسماً وخبراً، فالأسماء المذكورة هي الأوصاف ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾ إلىٰ آخر الآية ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)﴾. فالمتصفون بهذه الأوصاف موعودون من الله جل وعلا بهذا المنّ وهـٰذا الفضل، وهو أنه أعدَّ لهم مغفرة وأجراً عظيماً. نعم.
(يدخل في هذه الأوصاف كل ما تناولته من معاني الإسلام والإيمان والقنوت والصدق إلى آخرها).
يعني مما جاء ذكره في الآية، فكل ما يتضمنه لفظ الإسلام يدخل في قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ﴾ كل ما يتضمنه لفظ الإيمان يدخل في قوله: ﴿وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ وهلم جرّاً، إلى نهاية الأوصاف المذكورة في هذه الآية.
(وأن بكمال هذه الأوصاف يكمل لصاحبها ما رتب عليها من المغفرة والأجر العظيم، وبنقصانها ينقص، وبعدمها يفقد).
و هذه فائدة جليلة عظيمة استحضِرها في كل فضل ورد على وصف، فكل فضل ورد على وصف فلك من الفضل والأجر الموعود بقدر ما معك من الوصف المذكور، فالآن الله جل وعلا يقول هنا بعد ذكر الأوصاف: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾.معلوم يا إخواني أن المسلمين والمؤمنين والموصوفين بهذه الصفات في هذه الآية تختلف درجات تحقيقهم لهذه الأوصاف:
فمنهم من إسلامه قوي ومنهم من إسلامه دون ذلك.
منهم من إيمانه قوي ومنهم من إيمانه دون ذلك.
ومنهم من قنوته قوي ومنهم من قنوته دون ذلك.
فهل هٰؤلاء على مرتبة واحدة ودرجة واحدة في الثواب المعدّ أو في الثواب المذكور؟ الجواب: لا، كيف التفاوت؟ التفاوت بينهم بقدر ما معهم من تلك الأوصاف، فبقدر ما معك من كل صفة، بقدر ما يحصل لك من الفضل المذكور في قوله تعالىٰ: ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾،وهـٰذا في كل أمر، ليس فقط في هذه الآية.
مثلاً ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن: ((الصلوات المكتوبات والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلىٰ رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)).([2])وذكر أيضاً من الفضل أنه: ((إذا توضأ الإنسان وأحسن الوضوء خرجت ذنوبه مع آخر قطر الماء)).([3])كل هذه الفضائل المذكورة لك منها أو نصيبك منها بقدر ما معك من تحقيق الوصف الذي رُتِّب عليه الأجر سواء بسواء: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا﴾([4]).
فنبغي للإنسان في مثل هذه الأمور أن لا يقتصر على الحد الأدنى من هذه الأوصاف؛ بل يجب عليه أن يُسابق وأن يسارع إلىٰ تحقيق أعلى وغاية كمال يستطيعه، وإذا علم الله منه الصدق بلّغه الله عز وجل ما يرغب من خير وإن كان قد قَصُر عمله، والعلة في أن الأجر على قدر الوصف: أن الأجر الذي ذُكر بعد وصف حقيقته كالعلة للحكم، والعلة للحكم معلوم أن (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، قوةً وضعفاً). انتبه لهذه: نحن نعرف أن (وجوداً وعدماً) كثير من إخواننا يعرف هذه القاعدة لكن (قوةً وضعفاً) تخفى على الكثيرين فهي كما أنها تتفاوت في الوجود والعدم كذلك تتفاوت في القوة والضعف.
(وهكذا كل وصف رتب عليه خير وأجر وثواب، وكذلك ما يقابل ذلك:كل وصف نَهى الله عنه ورتب عليه وعلى المتصف به عقوبة وشرّاً ونقصاً، يكون له من ذلك بحسب ما قام به من الوصف المذكور).
الشاهد من هـٰذا المثال أن الألف واللام لما دخلت على هذه الأوصاف ﴿الْمُسْلِمِينَ﴾، ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿الْقَانِتِينَ﴾، ﴿الْخَاشِعِينَ﴾، ﴿الصَّابِرِينَ﴾، ﴿الصَّادِقِينَ﴾، ﴿الصَّائِمِينَ﴾، ﴿الْمُتَصَدِّقِينَ﴾، ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾، ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ﴾أفاد ثبوت كل ما تتضمنه هذه الأوصاف من المعاني على تفاوت درجات الموصوفين بها، هـٰذا وجه الدلالة من هذه الآية للقاعدة.
(وكذلك مثل قوله تعالى):
هـٰذا مثال لأسماء الأجناس، قال في القاعدة: (الألف واللام الداخلةعلى الأوصاف وأسماء الأجناس) مرّ التمثيل للأوصاف، والآن يمثل لأسماء الأجناس. نعم
(﴿إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)﴾،([5])عام لجنس الإنسان. فكل إنسان هذا وصفه إلا من استثنى الله بقوله:﴿إِلا الْمُصَلِّينَ﴾([6])إلى آخرها،كما أن قوله:﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾([7])كل إنسان متصف بالخسار﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾الآية([8])وأمثال ذلك كثير )يعني
في كتاب الله وكلامه جل وعلا.
(وأعظم ما تعتبر به هذه القاعدة:في الأسماء الحسنى)
معنى (تعتبر به) أي يتعظ بها وينتفع منها في الأسماء الحسنى.
(فإن في القرآن منها شيئاً كثيراً، وهي أجل علوم القرآن).
(أجلّعلوم القرآن) لأن أعظم العلوم العلم بالله عز وجل، وإنما جاء القرآن ليعرّف الناس بربهم، ولذلك لما بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معاذ بن جبل إلىٰ أهل اليمن قال: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إلـٰه إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا عرفوا ذلك))([9])أي عرفوا حق الله جل علا، وحق رسوله، الذي هو فرع عن حق الله عز وجل يترتب بعد ذلك أحكام الشريعة.
المهم أن أعظم المعلومات العلم بالله جل وعلا؛ لأنه الذي تطمئن بذكره القلوب وتسكن، والذي لا قرار للنفس إلا بمعرفته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ومعرفته فطرية، وهـٰذا من رحمته بعباده أن فطرهم على معرفته وطلب التعرف عليه؛ لكن لا سبيل إلىٰ المعرفة بالله عز وجل وكمالها إلا من طريق الرسل؛ ولذلك كل من سلك طريقاً يتعرّف به على الله عز وجل غير طريق الرسل فإنه لا يصل إلا إلىٰ ضلال، ولا يحصل إلا خبالاً.
فالواجب على المؤمن أن يقتصر في معرفة الله جل وعلا على ما جاءت به الرسل، وأعظم ذلك ما احتواه هـٰذا الكتاب المبين القرآن العظيم فإنه عرف بالله أكمل تعريف.
حتى إن ابن القيم رحمه الله قال: إن الرسل قد جاءت بتعريف الله حتى إن الإنسان ليكاد من شدة ما ورد من أوصاف أن يراه عياناً: فيراه جل وعلا مستوياً على عرشه يبسط ويقبض، يرفع ويخفض وما إلىٰ ذلك مما ذكره رحمه الله في مدارج السالكين.
المهم أن تمام المعرفة بالله عز وجل تحصل للمؤمن من طريق الرسل، وأعظم ذلك هـٰذا الكتاب المبين. نعم
(بل هي المقصد الأول للقرآن.
فمثلاً يخبر الله عن نفسه:[أنه الله وأنه الملك والعليم الرب الحي القيوم]، وأنه الملك والعليم والحكيم، والعزيز والرحيم، والقدوس السلام، والحميد المجيد.فالله هو الذي له جميع معاني الألوهية([10])التي يستحق أن يؤله لأجلها)
(يؤله) يعني يعبد.
(وهي صفات الكمال كلها، والمحامد كلها له، والفضل كله، والإحسان كله، وأنه لا يُشارِك اللهَأحد في معنى من معاني الألوهية([11])لا بشر ولا مَلَك، بل هم جميعاً عبيد مربوبون لربهم بكل أنواع الربوبية، مقهورون خاضعون لجلاله وعظمته،([12]) وأنه الملك الذي له جميع معاني الملك، ولهالملك الكامل والتصرف النافذ، وأن الخلق كلهم مماليك لله، عبيد تحت أحكام ملكه القدرية والشرعية والجزائية).
(القدرية) معروفة وهي ما قضاه الله قدراً، و(الشرعية) معروفة، فما هي الجزائية؟ المراد بالجزائية ما يعاقب الله به عباده قدراً وشرعاً:
قدراً كالعقوبات التي يعاقب الله بها من خرج عن أمره.
وأما الشرعية فكالحدود وشِبْهها.
هـٰذا معنى الجزائية فهي عائدة للقدرية والشرعية.
(وأنه العليم بكل شيء، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، الذي أحاط علمه بالبواطن والظواهر، والخفيات والجليات، والواجبات والمستحيلات والجائزات، والأمور السابقة واللاحقة، والعالم العلوي والسفلي، والكليات والجزئيات، وما يعلم الخلق وما لا يعلمون).
ف هذه القاعدة هي القاعدة الثالثة، وقد تقدم الكلام على أولها وهي قاعدة (الألف واللام الداخلة على الأوصاف وأسماء الأجناس تفيد الاستغراق بحسب ما دخلت عليه([13])).
والشيخ رحمه الله مثّل للقاعدتين أو لما تضمّنته هذه القاعدة.
والآن يمثّل للألف واللام الداخلة على الأسماء والأوصاف، ومثّل بالألف واللام الداخلة على أسماء الله تعالىٰ.
و هذه الأسماء -أيها الإخوة- مثل ما رأينا أن الشيخ رحمه الله ذكر سعة معانيها في الملك والعلم، ولكل ما ذكره دليل من الكتاب والسنة.
ولا أرى من المناسب أن نفصل في أدلة ما ذكر؛ لأن هـٰذا محله كتب العقائد، وإنما مراد الشيخ رحمه الله التمثيل للقاعدة، ومراده بالواجبات والمستحيلات والجائزات هذه القسمة العقلية للوجود: إما واجب أو مستحيل أو ممكن.
الواجب: هو ما لا بد من وجوده، الذي لا يصلح العالم إلا بوجوده، وهو الله جل وعلا.
والمستحيل: هو ممتنع الوجود، الذي يمتنع وجوده، مثال ذلك: وجود إلهين، هـٰذا ممتنع ومستحيل.
والثالث الجائزات: وهو ما يمكن أن يوجد وما يمكن أن لا يوجد؛ يعني ما يقبل الوجود والعدم.
هـٰذا معنى قوله: (والواجبات،والمستحيلات، والجائزات) أي أحاط علمه جل وعلا بالواجبات وأحاط بالمستحيلات والجائزات.
ثم قال: (والأمور السابقة واللاحقة)، ثم قال: (والكليات والجزئيات) أي العلم العام والعلم التفصيلي، خلافاً لمن قال: إن الله جل وعلا لا يعلم إلا العلم الإجمالي، وأما العلم التفصيلي فليس داخلاً في علمه. هـٰذا من الكذب على الله جل وعلا، ومن التكذيب بكتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
على كل هذه يأتي تفصيلها في الدروس إن شاء الله تعالىٰ المستقبلة. نعم
(وأنه الحكيم الذي له الحكمة التامة الشاملة لجميع ما قضاه وقدره وخلقه، وجميع ما شرعه لا يخرج عن حكمته، لا مخلوق ولا مشروع، وأنه العزيز الذي له جميع معاني العزة).
رحمة الله جل وعلا في الخلق والأمر، في التقدير الكوني وفي التقدير الشرعي، فقوله: (لا يخرج عن حكمته، لا مخلوق) هـٰذا في الحكم الكوني، (ولا مشروع) هـٰذا في الحكم الشرعي.
(وأنه العزيز الذي له جميع معاني العزة على وجه الكمال التام من كل وجه: عزة القوة، وعزة الامتناع، وعزة القهر والغلبة، وأن جميع الخلق في غاية الذل ونهايةالفقر، ومنتهى الحاجة والضرورة إلى ربهم. وأنه الرحيم الذي له جميع معاني الرحمة، الذي وسعت رحمته كل شيء، ولم يخل مخلوق من إحسانه وبره طرفة عين، ووصلت رحمته حيث وصل علمه﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً﴾.([14])وأنه القدوس السلام، المعظم المنزه عن كل عيب وآفة ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أن يكون له ند من خلقه.
وهكذا بقية الأسماء الحسنى، اعتبرْها بهذه القاعدة الجليلة ينفتح لك باب عظيم من أبواب معرفة الله؛بل أصل معرفة الله تعالى معرفة ما تحتوي عليه أسماؤه الحسنى من المعاني العظيمة، بحسب ما يقدر عليه العبد، وإلا فلن يبلغ علم أحد من الخلق، ولنيحصي أحد ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه عباده).
جل وعلا، وقد تكلم الشيخ رحمه الله كلاماً نافعاً جيداً في تعليقه على المقطع الذي تكلم به في النونية على أسماء الله عز وجل -نونية ابن القيم-، ومن المفيد قراءة ذلك في كتاب الكافية الشافية شرح الكافية الشافية للشيخ عبد الرحمـٰن حيث علق تعليقاً مفيداً يزداد به إيمان العبد وانتفاعه بأسماء الله عز وجل وصفاته؛ لأن هذه الأسماء التي ملئ بها كتاب الله جل وعلا لم تذكر عبثاً ولا لمجرد أن تذكر دون أن يتعبد الله جل وعلا بما تضمنته من المعاني.
فمن المهم، من المهم، من المهم لطالب العلم أن يعتني بهذا الجانب؛ لأن أصل العلم: العلم بالله جل وعلا، فبقدر علمك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بقدر ما يكون معك من الإيمان، وبقدر ما يكون معك من السبق إلىٰ الطاعات والانتهاء عن المعاصي والسيئات.
وإنما أشار الشيخ رحمه الله هنا إلىٰ نماذج، والتفصيل في شرح الكافية الشافية فليُرجع إليه.
(ومن ذلك قوله تعالى:﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾،([15])يشمل جميع أنواع البر والخير، وتشمل التقوى جميع ما يجب اتّقاؤه من أنواع([16])المعاصي والمحرمات).
هـٰذا تمثيل لدخول الألف واللام على أسماء الأجناس، (البر) من أسماء الأجناس، وكذلك (الخير) من أسماء الأجناس، و(التقوى) من أسماء الأجناس، فدخولها على هذه الأسماء يفيد الاستغراق. نعم
(والإثم:اسم جامع لكل ما يؤثم، ويوقع في المعصية. كما أن العدوان:اسم جامع يدخل فيه جميع أنواع التعدي على الناس في الدماء والأموال والأعراض).
بل وعلى النفس، على الناس ومنهم النفس، لأنه لا يجوز التعدي على النفس بأي شيء من أنواع التعدي المذكورة، ومن ذلك قول الله تعالىٰ: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ﴾.([17])
(والتعدي على مجموع الأمة وعلى الحكومات، والتعدي على حدود الله.
و(المعروف)في القرآن:اسم جامع لكل ما عرف حسنه شرعاً وعقلاً، وعكسه:المنكر والسوء والفاحشة).
يعني في مثل قوله تعالى:﴿وعاشروهن بالمعروف﴾المعروف اسم جامع لكل ما عرف حسنهشرعاًوعقلاً وعادةً أيضاً.
وقد نبه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَأمته إلى هذه القاعدة، وأرشدهم إلى اعتبارها، إذ علمهم أن يقولوا في التشهد في الصلاة: ((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) فقال:((فإنكم إذا قلتم ذلك سلمتم على كل عبد صالح من أهل السماء والأرض)).([18])
وأمثلتها في القرآن كثيرة جدّاً).
من يستشعر منا هذا في صلاته؟ أنه إذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أنه يسلم لكل عبد لله صالح في السماوات والأرض؟ قليل منا، وهـٰذا ليس خاصّاً بهذا الذكر؛ بل هو في جميع الأذكار، كثيراً ما يقول الإنسان الذكر دون أن يتأمل في معناه فيحرم خيره وبركته؛ لأن الخير والبركة المتضمنة في هذه الألفاظ لا تحصل بمجرد النطق بها والتلفظ؛ بل لا بد من الوقوف على معانيها واستحضارها حتى يحصل الخير، وذكرنا في ذلك دليلاً في كتاب الله عز وجل وهو قوله: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ﴾فوصفه بالبركة، ثم دلّ على طريق تحصيل البركة فقال: ﴿لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ﴾.([19])
بهذا تكون انتهت هذه القاعدة، وهي قاعدة نافعة مفيدة.
([12]) في نسخة: فلا ينبغي أن يكون أحد منهم ندّاً، ولا شريكاً لله في عبادته وإلهيته، فبربوبيته سبحانه يربي الجميع من ملائكة وأنبياء وغيرهم:خلقاً ورزقاً وتدبيراً وإحياءً وإماتةً، وهم يشكرونه على ذلك بإخلاص العبادة كلها له وحده، فيؤلهونه ولا يتخذون من دونه وليّاً ولا شفيعاً، فالإلهية حق له سبحانه على عبادته بصفة ربوبيته.
([13]) في نسخة: ﴿وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾[البقرة:255].
([18]) البخاري: كتاب العمل في الصلاة، باب من سمى قوماً أو سلم في الصلاة على غيره مواجهة وهو لا يعلم، حديث رقم (1202).