قال المؤلف رحمه الله :" القاعدة الرابعة: إذا وقعت النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط، أو الاستفهام دلت على العموم".
النكرة هي ما يصدق على الكثير والقليل، هي ما شاع في جنسه بلا تعيين، هذه هي النكرة، ما شاع في الجنس بغير تعيين، فيصدق على العدد الكثير والقليل، بخلاف المعرفة؛ فإن المعرفة لا تصدق إلا على عدد يسير؛ عدد قليل إما واحد أو أكثر لكنه قليل.
النكرة إذا وردت في سياق النفي، أو النهي هـٰذا ثانٍ، أو الشرط هـٰذا ثالث، أو الاستفهام هـٰذا رابع، دلت على العموم؛ يعني أفادت عموم المعنى فيما سيقت له: نفياً أو نهياً أو استفهاماً أو شرطاً، ويتبيَّن هـٰذا إن شاء الله تعالىٰ بالأمثلة التي ساقها المؤلف رحمه الله.
(كقوله تعالىٰ:﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً﴾([1])فإنّهنهيعن الشرك به في النيات، والأقوال والأفعال، وعن الشِّرك الأكبر والأصغر، والخفي والجلي. فلا يجعل العبد لله ندّاً ومشاركاً في شيء من ذلك).
طيب هـٰذا مثال لأي شيء؟ لمجيء النكرة في سياق النهي، أين النكرة؟ قوله: (شَيْئاً) هذه نكرة تصْدُق على القليل والكثير؛ لكن لما جاءت في سياق النهي أفادت النهي عن كل ما يصدق عليه أنه شرك، ولذلك قال المؤلف: (فإنها) يعني هذه الآية (نهيعن الشرك به في النيات) يعني المقاصد، (والأقوال) مثل الحلف بغير الله، ومثل ما شاء الله وشئت، (والأفعال) كالذبح لغير الله، والنذر لغير الله وما إلىٰ ذلك، (وعن الشرك الأكبر) كالذبح لغير الله، (والأصغر) كيسير الرياء، (والخفي) كالرياء أيضاً، (والجلي) الظاهر. ف هذه الآية تنتظم جميع الشرك وتنهى عنه، فأفادت النكرة في سياق النهي نهياً عن شرك معين أو عن كل شرك؟ عن كل شرك. وهـٰذا المقصود من هذه القاعدة، فالنكرة لما وقعت في سياق النهي أفادت العموم في المعنى، واضح.
(ونظيرها:﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً﴾.([2])
وقوله في وصف يوم القيامة:﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً﴾،([3])ليعم كل نفس، وأنها لا تملك شيئاً من الأشياء، لـ([4])إيصال شيء من المنافع، ولا دفع شيء من المضار).
هـٰذا نفي أو نهي؟ نفي، أين النكرة؟ ﴿نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً﴾ ثلاث نكرات عندنا ﴿يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ﴾أيّ نفس، ﴿لِنَفْسٍ﴾أيّ نفس، ﴿شَيْئاً﴾يعني أيّ شيء، فلا يمكن أن ينفع أحدٌ أحداً يوم القيامة إلا بما قدّره الله ورضيه وقضاه، وهـٰذا يقطع كل العلائق، وأنّ الإنسان لا يعلِّق قلبه إلا بالله عز وجل؛ لأنّه إذا كان لا ينفع في ذلك اليوم إلا هو جل وعلا، فلا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يدفع السيئات إلا هو، لم يجُز للعبد أن يعلق قلب بغيره جل وعلا.
(وكقوله تعالى:﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ﴾،([5])فكل ضر قدره الله على العبد ليس في استطاعة أحد من الخلق كائناً من كان كشفه بوجه من الوجوه.
ونهاية ما يقدر عليه المخلوق من الأسباب والأدوية:إنما هو جزء من أجزاء كثيرة داخلة في قضاء الله وقدره.
وقوله:﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ﴾،([6])وقوله:﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾([7])يشمل كل خير في العبد ويصيب العبد، وكل نعمة فيها حصول محبوب، أو دفع مكروه، فإن الله هو المتفرد بذلك وحده).
الآيتان السابقتان واضح وجه الدلالة فيها على القاعدة، أو وجه التمثيل؟
الآية الأولى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾هنا أين النكرة؟ قوله: ﴿بِضُرٍّ﴾ هذه نكرة وهي في سياق الشرط في قوله: ﴿وَإِن﴾إن شرطية، و ﴿يَمْسَسْكَ﴾فعل الشرط، ﴿بِضُرٍّ﴾ هذه جاءت في سياق الشرط فأفادت أي شيء؟ العموم؛ عموم أي ضر مما يقدره الله؛ أي ضر يصيبك فهو بتقدير الله عز وجل ﴿فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ﴾أيضاً فيه شاهد آخر في قوله: ﴿فَلاَ كَاشِفَ﴾كاشف نكرة في سياق النفي فتعم، وكذلك في قوله: ﴿بِخَيْرٍ﴾.
قوله تعالىٰ:﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ﴾النكرة قوله:﴿رَّحْمَةٍ﴾ وهي في سياق الشرط فإن ما شرطية ﴿فَلا مُمْسِكَ﴾هـٰذا نفي وهي كالتي قبلها. نعم
(وقوله: ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾،([8])وإذا دخلت[من] صارت نصّاً في العموم كهذه الآية:﴿فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)﴾([9])وقوله ﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍغَيْرُهُ﴾،([10])ولها أمثلة كثيرة جدّاً).
مراد المؤلف رحمه الله بقوله: (صارت نصّاً في العموم) أي لا تقبل الاحتمال؛ لأن دلالة صيغ العموم عليه نوعان : دلالة نص ودلالة ظاهر.
دلالة النص هي: ما لا يقبل الاحتمال.
ودلالة الظاهر هي: ما يحتمل العموم ويحتمل الخصوص.
فإذا دخلت مِن على الكلام على النكرة وهي في سياق نفي أو شرط أو استفهام أو نهي أفادت أي شيء؟ أفادت العموم وهي نص فيه؛ يعني لا تقبل الاحتمال فتصدق على القليل والكثير، هـٰذا معنى قوله رحمه الله: (صارت نصّاً في العموم).
فمثلاً: ما عندي رجل، (ما) نافية أليس كذلك؟ و(رجل) نكرة في سياق النفي أليس كذلك؟ تفيد العموم.
طيب هل العموم هنا ظاهر أو نص؟ ظاهر، لماذا؟ لأنه يحتمل أن أقول: بل رجلان. أليس كذلك؟ ألا يحتمل أن يكمل الجملة ويقول: ما عندي رجل بل رجلان، أو: بل رجال، فصار العموم هنا ظاهراً أو نصّاً؟ ظاهراً؛ لأنه يحتمل العموم ويحتمل الخصوص.
لكن إذا قلت: ما عندي من رجل. هل هذه نص أو ظاهر؟ نص؛ لأنه لا يسوغ في اللغة العربية أن تقول: ما عندي من رجل. ثم تقول: بل رجلان. وهـٰذا الفرق بين الظاهر والنص.