قال المؤلف رحمه الله :" القاعدة السادسة: في طريقة القرآن في تقرير التوحيد ونفي ضده يكاد القرآن أن يكون كله لتقرير التوحيد ونفي ضده).
مراده بالتوحيد في هذه القاعدة جميع أنواع التوحيد:
· توحيد الإلهية وهو بالدرجة الأولى.
· وتوحيد الأسماء والصفات.
· وتوحيد الربوبية.
(وأكثر الآيات يقرر الله فيها توحيد الألوهية، وإخلاص العبادة لله وحده، لا شريك له، ويخبر أن جميع الرسل([1])تدعو قومها إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، وأن الله تعالى إنما خلق الجن والإنس ليعبدوه، وأن الكتب والرسل([2])اتفقت على هذا الأصل، الذي هو أصل الأصول كلها، وأن من لم يَدِنْبهذا الدين الذي هو إخلاص العبادة والقلب والعمل لله وحده فعمله باطل: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾،([3])﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾([4])).
هذه لآية خطاب لمن في قوله: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾؟ هذه خطاب للنبيصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَومن قبله من الأنبياء، فهل يتصور الشرك من الأنبياء؟ هل يمكن أن يقع الشرك من الأنبياء؟ لا، إذاً لماذا خوطبوا بهذا الخطاب؟ خوطبوا بهذا لبيان مراتب الأعمال.
ليس المقصود احتمال وقوع ذلك منهم، فهم معصومون من كبائر الذنوب فضلاً عن الشرك، وإنما جاء هذا الخطاب ليبين لنا مرتبة الشرك وخطورته، فمثل هذه النصوص تبين لنا مرتبة العمل ومنزلته، وليس المقصود أن ذلك يمكن ذلك أن يقع منهم. وكذلك: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا﴾عائد على الأنبياء المذكورين في سورة الأنعام ﴿لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
(ويدعو العباد إلى ما تقرر في فطرهم وعقولهم من أن الله المنفرد بالخلق والتدبير والمنفرد بالنعم الظاهرة والباطنةهو الذي لا يستحق العبادة إلا هو، ولا ينبغي أن يكون شيء منها لغيره، وأن سائر الخلق ليس عندهم أي قدرة على خلق، ولا نفع، ولا دفع ضر عن أنفسهم،فضلاً عن أن يغنوا عن أحد غيرهم من الله شيئاً.
ويدعوهم أيضاً إلى هذا الأصل بما يَتَمَدَّح به، ويُثني على نفسه الكريمة، من تفرده بصفات العظمة والمجد، والجلال والكمال، وأن من له هذا الكمال المطلق الذي لا يشاركه فيه مشارك:أحق من أُخلصت له الأعمال الظاهرة والباطنة.
ويقرر هذا التوحيد بأنه هو الحاكم وحده، فلا يحكم غيره شرعاً ولا جزاءً: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾([5])).
أين القدر؟ قال: (فلا يحكم غيره شرعاً ولا جزاء) ولم يذكر القدر، لم يذكره المؤلف رحمه الله، وسبب عدم ذكره أنه لا خصومة بين الأنبياء وأقوامهم في الحكم القدري، فهم مقرون بأنه لا يحكم قدراً إلا الله جل وعلا، وإنما خلافهم في الحكم الشرعي، فهم عبدوا الأصنام من دون الله عز وجل ورجعوا إليها وتركوا عبادة الله وحده، ولذلك احتاج إلىٰ أن ينص على الشرع والجزاء دون القدر.
(وتارة يقرر هذا بذكر محاسن التوحيد، وأنه الدين الوحيد الواجب شرعاً وعقلاً وفطرة، على جميع العبيد، وبذكر مساوئ الشرك وقبحه، واختلال عقول أصحابه بعد اختلال أديانهم، وتقليب أفئدتهم، وكونهم([6])في شك وأمر مريج) .
كم طريقاً ذكر لتقرير التوحيد؟ إلىٰ الآن ثلاثة طرق:
الطريق الأول: تقرير توحيد الربوبية في قوله رحمه الله: (ويدعو العباد إلى ما تقرر في فطرهم وعقولهم من أن المتفرد بالخلق والتدبير) إلىٰ آخره، هـٰذا استدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية، هـٰذا الطريق الأول، وهو الطريق الأكثر في كتاب الله عز وجل في مناقشة المشركين والكفار.
الطريق الثاني: ذكر صفات الكمال والجلال وما اتصف به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من العظمة والمجد، فإذا كان كاملاً في صفاته فلا يسوغ ولا يجوز أن يسوى به غيره، هـٰذا الطريق الثاني، وهو الاستدلال بكمال الصفات على وجوب الإخلاص لله عز وجل في العبادة.
الطريق الثالث: ذكر محاسن التوحيد والثناء على أهله، وبيان حسن عاقبة من أخذ به وعمل.
إذاً هذه ثلاثة طرق.
الطريق الرابع:
(وتارة يدعو إليه بذكر ما رتب عليه من الجزاء الحسن في الدنيا والآخرة، والحياة الطيبة في الدور الثلاث، وما رتّب على ضده من العقوبات العاجلة والآجلة، وكيف كانت عواقبهمأسوأ العواقب وشرها.
وبالجملة:فكل خير عاجل وآجل فإنه من ثمرات التوحيد، وكل شر عاجل وآجل فإنه من ثمرات الشرك والله أعلم).
إذاً الطريق الرابع: بيان عاقبة الموحدين وعاقبة المشركين، وبيان العاقبة يحث هـٰذا الإنسان على سلوك أحد الطريقين.