قال المؤلف رحمه الله :" القاعدة العاشرة في طرق القرآن إلى دعوة الكفار على اختلاف مللهم ونحلهم".
بعد أن ذكر خطاب القرآن للمؤمنين ذكر خطاب القرآن للمعاندين.
(يدعوهم إلى الدين الإسلامي، والإيمان بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يصفه من محاسن شرعه ودينه، وما يذكره من براهين رسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ليهتدي مَنْ قصده الحق والإنصاف، وتقوم الحجة على المعاند.
وهذه أعظم طريق يدعى بها جميع المخالفين لدين الإسلام.
فإنّ محاسن دين الإسلام ومحاسن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآياته وبراهينه فيها كفاية تامة للدعوة، بقطع النظر عن إبطال شبههم، وما يحتجون به، فإنّ الحق إذا اتّضح عُلم أن كل ما خالفه فهو باطل وضلال).
نعم هـٰذا هو الصراط الواضح والطريق البين الذي سلكه القرآن في الدعوة إلىٰ الإسلام والدعوة إلىٰ التصديق بنبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو بيان ما عليه الدين من المحاسن، وما عليه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كمال الخلق وطيب السجايا.
وهـٰذا السبيل سلكه القرآن في دعوة المخالفين لدين الإسلام، وهو أيضاً يسلكه صاحب الحق في الدعوة إلىٰ قوله على اختلاف المخالفين، سواء كانوا مخالفين في مسائل من مسائل الفروع، أو في مسائل من مسائل الأصول، ينبغي للإنسان أن يجتهد في بيان الحق وبيان حسنه وكماله وحسن عقيدته، وأن لا يشتغل بتفنيد الشبه عند المخالفين المخاصمين؛ لأن الاشتغال برد الشبهة يعمي الخصم عن النظر إلى محاسن ما تدعوه إليه؛ لأنه يكون مشغولاً بأي شيء؟ بالدفاع عن شبهته، بالدفاع عن قوله، بالذب عن ما يدعو إليه؛ لكن إذا أغفلت ما يدعو إليه وبينت سلامة وكمال ما تدعو إليه، فهـٰذا إذا سلم لك بسلامة ما تدعو إليه وكماله حمله على ترك ما يدعو إليه ويتعصب له.
وهـٰذا طريق جيّد، ومن سلكه تبيّن له عظيم نفوذه وتأثيره في الخصوم على اختلافهم، لا تشتغل بما مع خصمك من شبه، إنما اشتغل ببيان صحة الحق الذي تدعو إليه.
فإذا تبين صحة ما تدعو إليه حمله ذلك على الإقرار بما عندك.
يبقى أنك قد تحتاج إلى إبطال بعض ما يدعو إليه أو يخاصم به، ف هذه مرتبة تالية سيأتي ذكرها في كلام المؤلف.
لكن في الابتداء والمنهج العام والطريق المسلوك في دعوة المخالفين هي بيان صحة وسلامة ما تدعو إليه، وهـٰذا طريق قرآني واضح.
(ويدعوهم بما يخوفهم من أخذات الأمم وعقوبات الدنيا وعقوبات الآخرة، وبما في الأديان الباطلة من أنواع الشرور والعواقب الخبيثة،([1])ويحذرهم من طاعة([2])رؤساء الشر ودعاة النار، وأنهم لا بد أن تتقطع نفوسهم على طاعتهم([3])حسرات، وأنهم يتمنون أن لو أطاعوا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَولم يطيعوا السادة والرؤساء، وأن مودتهم وصداقتهم وموالاتهم ستتبدل بغضاءوعداوة.
ويدعوهم أيضاً بنحو ما يدعو المؤمنين بذكر آلائه ونعمه، وأنّ المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة هو الذي يجب على العباد طاعته، وامتثال أمره واجتناب نهيه).
هـٰذا استدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية، إذا كان يدعوهم بذكر آلائه ونعمه وأنه المنفرد بالخلق والتدبير والنعم الظاهرة والباطنة، وهـٰذا كله مندرج تحت توحيد الربوبية، حملهم ذلك على عبادته وحده لا شريك له، وبهذا تعرف أن توحيد الربوبية يستلزم الإقرار بتوحيد الإلهية؛ يعني من لوازم الإقرار بأن الله رب العالمين أن يكون هو المعبود وحده جل وعلا.
(ويدعوهم أيضاً بشرح ما في أديانهم الباطلة، وما احتوت عليه من القبح، والمقارنة بينها وبين دين الإسلام؛ ليتبين ويتضح ما يجب إيثاره، وما يتعين اختياره، ويدعوهم بالتي هي أحسن. فإذا وصلت بهم الحال إلى العناد والمكابرة الظاهرة توعّدهم بالعقوبات الصوارم، وبيّن للناس طريقتهم التي كانوا عليها).
طيب ما الفرق بين هـٰذا بين قوله: (ويدعوهم بما يخوفهم من أخذات الأمم وعقوبات الدنيا وعقوبات الآخرة) إلىٰ آخر كلامه السابق؟ هناك ذكر العقوبات وهنا قال: (ويدعوهم بالتي هي أحسن. فإذا وصلت بهم الحال إلى العناد والمكابرة توعدهم بالعقوبات الصوارم) الفرق بينهما: أن هناك ذكر العقوبات على وجه الإجمال، فيخوفهم على وجه الإجمال، أو يقص عليهم على وجه الإجمال ما كان من الأمم السابقة من الكفر والتكذيب وكيف كان مآل كفرهم وتكذيبهم.
أما هنا فهو تهديد بالعقوبات الخاصة بهِمْ هُم، ومن ذلك ما ذكره الله في سورة فصلت: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾([4]). فهـٰذا إنذار خاص بعقوبة خاصة تحل بهم.
(وأنهم لم يخالفوا الدين جهلاً وضلالاً، أو لقيام شبهة أوجبت لهم التوقّف، وإنما ذلك جحود ومكابرة وعناد.
وبيّن مع ذلك الأسباب التي منعتهم من متابعة الهدى، وأنها رياسات وأغراض نفسية، وأنهم لما آثروا الباطل على الحق طَبَعَ على قلوبهم وختم عليها، وسد عليهم طريق الهدى عقوبة لهم على إعراضهم وتولِّيهم الشيطان، وإعراضهم عن الرحمـٰن، وأنه ولاهم ما تولوا لأنفسهم.
وهذه المعاني الجزيلة مبسوطة في القرآن في مواضع كثيرة، فتأمل وتدبر القرآن تجدها واضحة جلية، والله أعلم).
من المهم يا إخواني عند قراءة القرآن أن يستحضر الإنسان هذه الأمور في قراءته؛ ليتبين له صدق هذه القواعد، وانطباقُها في كتاب الله عز وجل، وانتفاعه بها أيضاً؛ فإن انتفاعه بها موقوف على تدبر كتاب الله عز وجل، وتنزيل هذه القواعد على الواقع. نعم.