×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (117) خطورة التساهل في الديون

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2819

بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،نحييكم تحيةً طيبةً عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في هذه الحلقة المباشرة من برنامج:((الدين والحياة)) والتي نستمر معكم فيها على مدى ساعة إلا قليلًا... بمشيئة الله تعالى.

في بداية هذه الحلقة أنقل لكم تحيات محدثكم/ وائل الصبحي.

ومن الإخراج الزميل/ حسن جعفري، أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم.

ضيفنا في هذه الحلقات مستمعينا الكرام من برنامج "الدين والحياة" هو:فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه في جامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء في منطقة القصيم.

• المقدم: فضيلة الشيخ خالد، أهلًا وسهلًا، وحياك الله معنا في بداية هذه الحلقة. 

• الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله، حياكم الله، مرحبًا بك، وحيا الله الإخوة والأخوات، وأسأل الله أن يجعله لقاءً نافعًا مباركًا.

• المقدم: اللهم آمين، بمشيئة الله تعالى فضيلة الشيخ سيكون حديثنا في هذه الحلقة عن موضوع "التساهل في الديون".

يمكنكم مستمعينا الكرام أن تشاركونا عبر طرق التواصل المختلفة، ويمكنكم أن تشاركونا عبر هاتفي البرنامج على الرقمين: 0126477117 أو عن طريق الهاتف الآخر على الرقم: 0126493028

أيضًا يمكنكم أن تشاركونا بإرسال رسالة نصية عبر تطبيق الواتس آب على الرقم: 0500422121

• المقدم: فضيلة الشيخ.. موضوع هذه الحلقة بمشيئة الله تعالى هو عن ( التساهل في الديون).

هذا الموضوع الذي لا يكاد يسلم منه أحد، بصورته التقليدية أوحتى غير التقليدية، وسندلف إلى الأحاديث الكثيرة الواردة عن النبي - عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - التي تدل على عِظَم أمر الدَّين في حياة الإنسان، وحتى بعد وفاته. 

• الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلى وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: 

- الدَّيْنُ من حيث حكمه هو في الحقيقة يأخذ جانبين:

§الجانب الأول: جانب المدين، طالب الدَّيْن.

§والجانب الآخر: الدائن، وهو من يداين الناس.

- فيما يتعلق بالدَّيْن ابتداءً؛ قد يتوهم بعض الناس أن الدَّيْن ينحصر في صورة واحدة، وهي صورة (القروض)؛ أي: طلب القرض. 

والحقيقة أن الدَّيْن أوسع من ذلك؛ إذ يشمل القرض، ويشمل أوجهًا عديدة مما يثبت في الذمة؛ كثمن السلع وثمن البياعات وأوجه التمويل الجديد المعاصرة الكثيرة.

ولا فرق في الديون بين أن تكون ديونًا على جهات فردية؛ على أفراد، أو على جهات اعتبارية خاصة كالشركات، أو على جهات اعتبارية حكومية؛ كالقروض التي تقدِّمها الدولة - وفقها الله - لمساعدة المواطنين؛ مثلًا على السكن كالقرض الإسكاني، أو القروض الصناعية أو الزراعية، أو غير ذلك.

- كل هذا يندرج في الديون، فالدَّيْن لا ينحصر في صورة واحدة. 

- يعني أنت عندما تشتري من البقالة، وتقول له: أعطيك مثلًا أو أوفِّيك نهاية الشهر، هذا دَيْن.

- عندما تشتري سيارة بالتقسيط، هذا دَيْن. 

- عندما تشتري شيئًا بالبطاقة الائتمانية، هذا دَيْن؛ لأنه في النهاية أنت لم تبذل مالًا مباشرةً مِن قِبلك، إنما بَذَلَتْه الشركة المتكفِّلة بالبطاقة الائتمانية والمصرف، ويتم استيفاء المبلغ في أجل.

- فالدَّيْن لا ينحصر في صورة محددة، لا ينحصر فقط فيما يأخذه الإنسان من القروض، وهذا مهمٌّ أن نفهمه حتى نعرف مدى اتساع الدَّيْن في معاملات الناس. 

المقدم: حتى الأقساط فضيلة الشيخ؟

الشيخ: حتى الأقساط بكل صورها، هي تعتبر من الديون؛ لأنها اشتغلت بها الذمة؛ لأن الدَّيْن في الحقيقة هو كل ما تشتغل به ذمة الإنسان من حق غيره المالي.

 هذا المقصود بالدَّيْن في حديثنا اليوم؛ أيُّ مبلغ مالي قليل أو كثير يثبت في ذمتك لجهة أو لشخص، سواء كانت الجهة جهةً حكوميةً أو جهةً خدميةً خاصةً مثل فواتير الكهرباء، مثل فواتير الهاتف، مثل فواتير الماء، وما أشبه ذلك من الأشياء الكثيرة التي تشتغل بها ذمم الناس وهي في الحقيقة ديون.

في النهاية تنتهي أن تكون دَيْنًا، ولو تغيرت أسماؤها، ولو تعددت صورها، هي في خاتمة المطاف تعتبر دَيْنًا، اشتغلت به الذمة.

وإذا عرفنا هذا المعنى أو حضور الدين في معاملات الناس على وجه العموم، أغنياء وفقراء، في الأمور الخاصة وفي الأمور التجارية؛ عرفنا اتساع دائرة الدَّيْن، وضرورة العناية بمعرفة أحكامه، فالدَّيْن جاءت أحكامه في الشريعة مفصَّلةً مبيَّنةً؛ ابتداءً بأخذ الدَّيْن، وتوثيق الدَّيْن، وانتهاءً بوفاء الدين أو العسر عن الوفاء.

يعني اشتملت نصوص الشريعة على الأحكام المتعلقة بالدين من كل وجه؛ لبيان الأحكام المتعلقة بالدين في حق الدائن، وفي حق المدين. 

وكل ذلك لأجل ضبط موضوع المداينات، وأن لا يكون الإنسان فيها على نحوٍ من التفريط يوقعه في إضاعة الحقوق. 

وبهذا تعرف لماذا كانت أطول آية في القرآن الكريم هي آية الدَّيْن، وهي آية في سورة البقرة في آخرها؛ قال الله تعالى فيها: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ[البقرة: 282]، هذا لا يقتصر فقط على صورة من صور الدَّين، بل يشمل كل صور الدَّيْن التي ذكرنا. 

هذه  الآية أطول آية في القرآن، وهي خالصة في ذكر ما يتعلق بأحكام المداينات من أولها إلى آخرها.

عُنيت بالدَّيْن تنظيمًا وتشريعًا وبيانًا لأحكامه وتوثيقه، وما أشبه ذلك مما يتصل بالدَّيْن من الأحكام. 

فبالتالي  من الجدير بالذكر والاعتناء والاهتمام أن يُعتنى بأمر الدَّين؛ لأجل ضبط حقوق الناس.

فالله تعالى عندما ذَكَرَ الدين، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ[البقرة: 282]، فأمر بكتابته توثيقًا وضبطًا ﴿وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾، أي: بما يثبت الحقوق على وجهٍ منضبطٍ ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّـهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ﴾ أي: يملي الدين ويثبته ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ﴾.[البقرة: 282]

وذكر الله تعالى في تفاصيل إثبات الدين وتوثيقه ما يحفظ الحقوق ويقطع المنازعات التي تكون بين الناس. 

أما ما يتعلق بحكم  الدَّين، ذكرتُ أنَّ له جانبين. 

فيما يتعلق بالدائن: الدَّيْن نوعٌ من الإحسان.

سواء كان دَيْنًا في صورة معاوضة لاسيما إذا  كان تأجيلًا لا مقابل له. 

وكذلك في صور غير المعاوضات كالمداينات التي يقضي فيها الإنسان حوائج الناس من دون أن يكون هناك معاوضة:

- مثل أن يأتي شخص يطلب قرضًا حسنًا فيُعطَى، هذا دَيْن.

- يأتي شخص محتاج إلى طعام أو محتاج إلى سلع ويعطيه بثمنها الحاضر من غير زيادة، ويصبر عليه، سواء حَدَّ أجلًا أو لم يحدِّد أجلًا للوفاء، هذا دَيْن.

 فالدَّيْن يشمل هذه الصور جميعًا، وهو نوع من الإحسان. 

لكن ما كان من الديون مقابل معاوضة وليس إحسانًا (فهو جائز).

إذًا الدين بالنسبة للدائن: 

- إما أن يكون إحسانًا يؤجر عليه، وهذا فيما إذا كان لا مقابل لهذا الدين، إنما غرضه الإحسان، وتفريج الكربات، وإمهال ذوي الحاجات. 

- وإما أن يكون مباحًا، إذا كان دينًا احتُسبت قيمته؛ كالبيع بالتأجيل؛ مثلًا البيع نقدًا بألف ومؤجلًا بألف ومائتين،  الآن هذا تأجيل وهو دين، لكن لا أجر فيه؛ من جهة أنه قد قبض الإنسان عوض التأجيل.

المقدم: الزيادة في الأجل مقابل الثمن. 

الشيخ: الزيادة في الثمن مقابل الأجل، على النحو الذي ذكرنا، هذا ليس فيه أجر، وليس من الإحسان، إنما هو من المباحات في المعاملات في البيوع الآجلة على الوجه المشروع. 

قد يكون هناك تأجيل محرم، كتأجيل الجاهلية في الديون؛ حيث يأتي الدائن إلى المدين ويقول: أوفني، أعطني مالي، فيقول: ما عندي، فيقول: أؤجلك وتزيد.

هذه هي الزيادة الربوية التي نهى الله تعالى عنها ورسوله.

إذًا الدَّين من حيث أصله مباح، وقد يكون إحسانًا، وقد يعتريه ما يكون سببًا للإثم فيما إذا كان على وجه محرَّم.

هذا ما يتصل بحكم الدَّيْن من جهة الدائن.

أما المدين الذي يأخذ المال، فآخذ المال الأصل أن يجتنب الدَّيْن إلا لحاجة، والحاجة هنا قد تكون الحاجة إلى المال؛ أي: حاجة ناشئة عن عدم المال الذي في يده لقضاء حوائجه. 

وإما أن يكون عنده مال، لكن ثمة طريقة في المعاملة تتيح له قضاء حوائجه بغير السداد المباشر كالدين. 

وهذه معاملات حاصلة في كثير من صور المعاملات المعاصرة، فعندما يستعمل الإنسان على سبيل المثال البطاقة الائتمانية في شراء بعض الأشياء، هناك بطاقات ائتمانية غير مسبوقة الدفع، يطلب أحيانًا هذا النوع من البطاقة لإجراء هذه العملية، هو ليس محتاجًا إلى أن يتدين، لكن يستدين لأجل إدراك حاجته، وهو أن هذه العملية لا تتم إلا بهذه الصورة التي فيها دَيْن (فهنا لا بأس به ولا حرج عليه). 

وفي الجملة كل من أخذ مالًا أو استدان دَينًا واستحضر في قلبه أنه سيوفي الناس حقوقهم؛ فهذا الأصل فيه أنه لا بأس به، حلال. 

لكن قد يكون مكروهًا إذا كان دَينًا لغير حاجة، وقد يكون مكروهًا إذا كان يعرف أنه لن يوفي الناس حقوقهم، بمعنى أنه ما عنده قدرة على الوفاء، وليس أنه ينوي عدم الوفاء.

هذه الأمور لابد أن يراعيها الإنسان لأجل أن يدرك ما يريد من حوائج ومصالح. 

المقدم: جميل.

الشيخ: هذه معاني ينبغي أن لا تغيب في مسألة الدَّيْن والاقتراض. 

وليُعلم أن الشريعة جاءت بنوع من التغليظ في شأن الدين. 

بمعنى أن النصوص الشرعية لم تجعل الدَّيْن على نحوٍ من العمليات الاعتيادية، بل جاءت النصوص لبيان ضرورة التخفُّف من الديون. 

النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «نفس المؤمن معلَّقة بدَيْنه حتى يُقضى عنه».[سنن الترمذي:ح1079، وحسنه] 

والنبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه أنه قال في فضائل الأعمال: إن «الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال»، فقال رجل يا رسول الله، أرأيت إن قُتلتُ في سبيل الله أتُكفَّر عني خطاياي؟ 

 فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم، إن قُتلتَ في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبلٌ غير مدبر» يعني نلت هذا الأجر العظيم، والفوز الكبير الذي هو تكفير الخطايا، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «كيف قلتَ؟» طلب منه أن يعيد سؤاله. 

- فقال: يا رسول الله، أرأيتَ إن قُتلتُ في سبيل الله هل تكفر عني خطاياي؟ 

- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «نعم. إن قُتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر»، ثم قال   النبي صلى الله عليه وسلم: «إلا الدَّيْن»، فاستثنى الدَّيْن من المغفرة في حق الشهيد؛ وذلك لعِظَم الدَّيْن وخطورته، ولذلك قال: «إلا الدَّين، فإن جبريل قال لي ذلك»، يعني أخبرني عن ذلك «آنفًا».[صحيح مسلم:ح1885/117]

فلذلك من الضروري أن يعتني الإنسان بإبراء ذمته ووفاء الناس حقوقهم، وألا يشغل ذمته إلا بما لابد له منه. 

ولذلك جاء في الحديث الآخر حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يغـُفر للشهيد كلُّ شيء» أي: من الذنوب والخطايا «إلا الدَّيْن».[صحيح مسلم:ح1886/119] 

فحقوق الخلق مبنية على المُشاحَّة؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر عن عموم المغفرة للشهيد إلا ما يتصل بالدَّيْن، فإنه مستثنى من ذلك.

وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «نفس المؤمن معلَّقة بدينه»، أي: محبوسة «بدَيْنه حتى يُقضى عنه».[سبق]  

- ولذلك من الضروري أن يستحضر الإنسان هذا المعنى، وهو أن يتخفَّف من الديون، وأن يبادر إلى إبراء ذمته منها. 

لكن هنا قضية ينبغي أن يستحضرها من يُقدِم على عملية مداينة، أنه إذا داين الناس كان حَسَن النية، بمعنى أن يكون حسن النية في أخذ أموال الناس، بأن يبطن في قلبه ويعزم في نفسه أنه يرد للناس حقوقهم؛ لأن من الناس من يأخذ الأموال، ويقترض، تجده يذهب للبقالة ويأخذ، ويذهب لشركات السيارات ويأخذ، لكل جهة تجده يشغل ذمته بأخذ، ولا يبالي بالتسديد، همُّه أن يأخذ، وأما السداد فهو آخر هَمِّه، بل ليس له هَمٌّ ولا هِمَّةٌ في تسديد الناس حقوقهم. 

ويظن أن هذا وإن حصَّل به ما يريد أنَّ  ذلك لن يكون تحت طائلة المحاسبة عند الله -عز وجل-، وقد ورد الوعيد الشديد في هذا، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها» يعني ينوي ويعزم عند الأخذ أنه سيرد الأموال إلى أصحابها، سواء كان بالقرض، أو كان في ثمن البيع، أو كان أجرة منزل، أو كان لجهة خاصة، أفرادًا، أو لجهة حكومية، أو لجهة شركات والقطاع الخاص؛ كل ذلك يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها» أي: يعزم على رد الحقوق إلى أهلها «أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله».[صحيح البخاري:ح2387] 

* هنا التحذير الشديد من أن يأخذ الإنسان الأموال ولا يبيِّت نية الوفاء وإرجاع الحقوق إلى أهلها. 

المقدم: جميل، فضيلة الشيخ، ذكرت بعض الأحكام المتعلقة بحق الدائن والمدين. 

يعني سنعرض إلى جملة من هذه الحقوق وبعض التفاصيل المتعلقة بها. 

في قضية المكاتبة مثلًا والشهود، الكثير من الناس لا يعتنون بهذا الأمر، ويفرِّطون فيه تفريطا واضحًا. 

- والله تبارك وتعالى ذكر: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أو كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ﴾. [البقرة: 282]

المقدم:  يعني لو نأخذ كلمة قبل الفاصل فيما يتعلق بالتهاون في أمر هذه الأحكام المتعلقة بالمدين أو الدائن. 

الشيخ: الآية الكريمة فصَّلت تفصيلًا بديعًا فيما ينبغي أن تكون عليه المداينات، وأن الإنسان ينبغي له أن يوثق الحقوق وألا يتساهل في تقييدها؛ لأن العوارض كثيرة، والنسيان يَرِد، والشيطان له مداخل؛ ولذلك أمر الله تعالى في الديون بتوثيقها؛ 

- فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ﴾. [البقرة: 282]،﴿بِدَيْنٍ﴾ قليل أو كثير، صغير أو كبير، في قرض أو غيره من أوجه المداينات التي تكون بين الناس، ﴿إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ أمر بكتابته، ثم فصل في كيفية الكتابة، فقال: ﴿ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ أي: يكتب من هو عدل يحسن التوثيق. 

﴿ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ﴾ أي: لا يجوز له أن يمتنع إذا كان ذلك ممكنًا له ﴿ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّـهُ[البقرة: 282]،  أي: شكرًا لله -عز وجل- على إنعامه له بتعليمه الكتابة أن يكتب لمن طلب منه الكتابة. 

﴿فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَبَّهُ[البقرة: 282]، وهذا تذكير برقابة الله، وأن الله تعالى مطلع. 

﴿وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ أي: لا ينقص من الدين شيئًا عند كتابته، بل يكتبه على حقيقته. 

﴿فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ﴾ أي: المدين ﴿سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ ﴾ ما عنده قدرة على الإملاء والتوثيق ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ﴾ أي: من يقوم عليه ﴿بِالْعَدْلِ﴾.[البقرة: 282].

ثم إضافة للكتابة ومزيد العناية بتوثيق الدَّين قال: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ[البقرة: 282]، فأمر بالإشهاد على الديون لأجل التوثيق. 

﴿فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ﴾. [البقرة: 282].

وبعد ذلك كما نهى الكاتب عن الامتناع عن الكتابة، نهى مَن طُلبت منه الشهادة أن يمتنع، فقال: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾.[البقرة: 282].

وبعد ذلك عاد إلى تأكيد ضرورة الكتابة، وأنه مهما كانت الديون، ينبغي أن لا يُغفل الإنسان كتابتها حفاظًا على الحقوق. 

- قال: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا﴾ يعني الدَّين ﴿أو كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ﴾ وما فائدة ذلك؟

- قال: ﴿ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ ﴾ يعني أعدل عند الله ﴿وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ﴾ يعني الكتابة ستكون وسيلةً لإقامة الشهادة على وجه صحيح ﴿وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا﴾   هذه هي الفائدة الثالثة، وهي البعد عن الشكوك: كم بقي؟ أوفيت الدين، ما أوفيت الدين، كم لك علي؟ كم لي عليك؟

﴿ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا[البقرة: 282]،  أي: المعاملات الدائمة المستمرة الكثيرة  التي تدار بين الناس ويشق التوثيق فيها على هذا النحو. 

- مثلًا،إنسان يذهب للبقالة يأخذ خبزًا، يذهب للبقالــــة ويأخــــــذ ماءً، يذهب للبقالـــة ويأخذ عصائر على سبيل المداينة. 

المقدم: هذه تجارة حاضرة. 

الشيخ: هذه تجارة حاضرة، ودائرة بين الناس، يصعب أن توثَّق في كل فرد من أفرادها، لكن تُكتب كتابةً يسيرةً، يُثبت بها الدَّين. 

﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ  وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ[البقرة: 282]،  هذا ما ذكره الله تعالى ونبَّه إليه، وذكَّر فيه بالتقوى لإقامة الحقوق؛ إذْ إنَّ أمر الدَّين من الأمور الخطيرة التي تنشأ عنها نزاعات وتضيع بها حقوق وتعظم بها المشاجرة، وحصول شر عظيم بين الناس. 

لذلك أمر  الله تعالى فيها بهذا الأمر الذي تحفظ به الحقوق وتصان. 

• المقدم: اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة، بعده نكمل الحديث -بمشيئة الله تعالى- حول موضوعنا "التساهل في الديون".

مُستعمينا الكرام سنذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة... بعده نكمل الحديث... فابقوا معنا...

• المقدم: أهلًا وسهلًا بكم مستمعينا الكرام مجددًا، في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة.

- ضيفنا الكريم فيها هو الشيخ الدكتور/ خالد المصلح؛ أستاذ الفقه بجامعة القصيم وعضو لجنة الإفتاء في منطقة القصيم.

فضيلة الشيخ خالد. أهلًا وسهلًا، حياك الله...

• المقدم:  اسمح لي فضيلة الشيخ أن نأخذ أحد المستمعين الكرام.

• محمد من حائل... أهلًا وسهلًا يا محمد.

• المتصل: السلام عليكم.

• المقدم: وعليكم السلام ورحمة والله وبركاته..

•المتصل: أريد أن أسأل فضيلة الشيخ؟ أنا حضرت محاضرةً لشيخٍ بالمسجد، والذي فهمته من خطابه أنه يتحدث عن  الدين، وأنك تبحث عمن يتصدق عليك أو من يسلفك، وإذا وصلت إلى طريق مسدود، في هذه الحال يقول: يجوز أن تأخذ الدين؛ فهل هذا صحيح؟

• المقدم: طيب، شكرًا لك يامحمد. 

• المقدم: فضيلة الشيخ خالد إذا كان لك من تعليق على ما ذكره الأخ محمد. 

• الشيخ: سؤال الناس من أموالهم ما يبذلونه بغير مقابل مما نهت عنه الشريعة، وينبغي أن يكفَّ الإنسان نفسه عنه إلا في حال الاضطرار. 

- أما ما يتعلق بسؤال الإقراض والمداينة فهذا ليس مما يعاب، وليس مما نهت عنه الشريعة في الأصل، بل أذنت فيه؛ وذلك لحاجة الناس. 

- والأخذ من الناس بالدين لا مِنَّة فيه، بخلاف الأخذ من الناس بالصدقة، أو بالزكاة، أو نحو ذلك من أوجه العطاء الذي هو تبرع. 

- وبالتالي، التوجيه بأنك إذا احتجت؛ اطلب من الناس إعانة، ولا تستدين، هذا ليس بسديد على إطلاقه. 

- بل إذا كان يرجو الإنسان ويؤمِّل قضاء حاجته بالدين ويؤمِّل الوفاء، فإنه لا يطلب من الناس عونًا بالصدقة أو نحوها؛ لأن الدَّين من أوجه الاستغناء. 

•  وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن يَسْتَغنِ يغنِهِ الله».[صحيح البخاري:ح1427] 

- لكن إن كانت حوائجه لا تغطيها الديون أو لا يجد وفاءً لدينه، وهو مستحقٌّ من أهل الزكاة، فإذا كان مستحقًّا من أهل الزكاة فليطلب الزكاة من أهلها، ولا حرج عليه في الطلب حينئذٍ. 

• المقدم: فضيلة الشيخ، بعد هذا البيان الذي تحدثنا فيه عن بعض الأحكام للدَّين، وما هي الأمور التي ينبغي أن يعتني بها الإنسان. 

- نريد أن نتحدث عن تشديد النبي -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- في قضية التساهل في تسديد الديون.

  بعض الناس يتساهل كثيرًا في تسديد الديون، وربما يتوفاه الله- عز وجل- ولم يسدد الديون التي عليه. 

• الشيخ: نعم هذا واقع، والنصوص الشرعية في هذا متوافرة، منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه» يعني أعانه على الوفاء ويسَّر له الوفاء، «ومن أَخَذَها يريد إتلافها، أَتْلَفَه الله»[سبق]، وهذا إتلاف إما في الدنيا وإما في الآخرة، فلا يبارك له فيما أخذ، وتلحقه الخسارة في الدارين. 

ولِغِلَظ الدين توفي رجلٌ زمنَ النبي صلى الله عليه وسلم، فغسله الصحابة وحنَّطوه وكفّنوه وجهزوه، ثم أتوا به ليصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم. فقلنا: تصلي عليه؟ فخطى النبي -صلى الله عليه وسلم- خطوات، تقدم ليصلي عليه، في الطريق أثناء هذه الخطوات قال  لأصحابه: «أعليه دين؟»، قال الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-: فقلنا: ديناران. يعني قلنا: عليه ديناران. الدينار هو: (أربع غرامات وربع)، أي: الديناران (ما يعادل ثمانية غرامات  ونصفًا من الذهب)  وهذا يعتبر مبلغًا زهيدًا، وليس شيئًا كثيرًا، يعني بالحساب المعاصر يمكن أن يكون (ثلاثمائة ريال) أو نحو ذلك. 

• المقدم: مبلغ قليل جدًّا. 

• الشيخ: المقصود أنه مبلغ زهيد وليس شيئًا كثيرًا. 

- قلنا: ديناران يا رسول الله، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم. يعني توقف عن الصلاة عليه. فتحملها أبو قتادة: قال: هي في ذمتي يا رسول الله. أو قال: الديناران عليَّ يا رسول الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: «أحق الغريم وبرئ منهما الميت؟» يعني استوثق من أن أبا قتادة قد تحمَّل الدين ، فلما قال: نعم، يعني ثبت حق الغريم في ذمته وبرئت ذمة الميت، تقدم فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك لأبي قتادة: «ما فعل الديناران؟» فقال: إنما مات أمس يا رسول الله، يعني ما مَضَت مدة طويلة، مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: لقد قَضَيتُهما يارسول الله، قال: «الآن برَّدتَ عليه جلده».[مسند أحمد:ح14536، ومستدرك الحاكم:ح2346، وقال:صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. ووافقه الذهبي]؛ لأنه تحمَّل، ومع هذا ما ارتفعت المطالبة أو اشتغال ذمة الميت بعد موته حتى أوفى أبو قتادة بما تحمله من دين.  

- وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نفس المؤمن معلَّقة بدينه حتى يُقضى عنه».[سبق] 

- ولذلك ينبغي أن يبادر الإنسان إلى إبراء ذمته والتخفُّف من حقوق العباد، وألا يحيل الأمر إلى من بعده من الورثة، ويقول: سيوفي الورثة عني، الورثة من حيث الديون ليسوا مُلزَمين بالوفاء عن الميت إذا لم يترك وفاءً. 

• المقدم: ليسوا ملزمين؟

• الشيخ: نعم، ليسوا ملزمين؛ لأن الذمة المشغولة هي ذمة مَن أخذ الدَّيْن، فإذا مات الإنسان وترك وفاءً وترك مالًا أُوفي من تركته في أول الحقوق الواجبة في التركة؛ لقول الله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْن[النساء: 12]، فأول ما يقدم بعد التجهيز ما يتعلق بالديون، ثم بعد ذلك الوصية، ثم بعد ذلك أصحاب الأنصبة من الوارثين. 

لكن إن كان هذا لم يترك وفاءً؛ فإنَّ ورثته ليسوا ملزمين بالوفاء عنه؛ لأنهم لم تشتغل ذمتهم بهذا الدين، إنما اشتغلت ذمة ميتهم. 

لكن من الإحسان الذي يبرون به هذا الميت إن تمكنوا أن يوفوا عنه. 

لكن الذمة التي تشتغل بالدَّيْن هي ذمة المقترض أو المستدين، وليس ذمة ورثته. 

وبعض الناس يقول: أنا آخذ ويوفي ورثتي! ورثتك ليسوا ملزمين بالوفاء، إنما الوفاء مِن تَرِكَتِك، فإن لم تترك شيئًا فإن وفاءهم ليس لازمًا، إنما هو على وجه الإحسان. 

المقدم: جميل، طيب فضيلة الشيخ وردت أسئلة تتعلق بالدين، بعضها في ذات الموضوع وبعضها بعيد عن الموضوع، ولكن استفسارات وصلت تسأل عن قضية الحج والدَّيْن؟ يعني نريد أن تتكلم بشيء من الاستفاضة قليلًا فيما يتعلق بالدَّيْن وحج مَن عليه دَيْن، هل يجب عليه أن يحج، ولو كان قادرًا على دفع تكاليف الحج؟ 

• الشيخ: الله - عز وجل - إنما فرض الحج على المستطيع؛ قال الله تعالى:﴿وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في جوابه لمن سأله عن الإسلام قال: « أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا».[صحيح البخاري:ح50]، فلا خلاف بين أهل العلم أن شرط وجوب الحج: الاستطاعة، ومن كان لا مال عنده يستطيع به الحج فإنه غير مستطيع، وبالتالي لا يجب عليه الحج، وأما استدانته للحج؛ فإن ذلك تكليفٌ لنفسه بشيء لم يكلفه الله تعالى به؛ حيث إنه أشغل ذمته بما لم يجب عليه، لكن من حيث صحة الحج، حجه صحيح، إلا أنه فعل ما لا ينبغي أن يشغل ذمته به؛ إذ ذمته بريئة من أن يحج.

ولهذا أقول لإخواني: ينبغي أن لا تُغَلَّب العواطف في مثل هذه الأمور، وأن يُنظر إلى الأمر بالمنظار الشرعي الذي به يخرج الإنسان من المؤاخذة، من ليس عنده قدرة ولا استطاعة في الحج، فإن الله لم يفرض عليه حجًّا، وبالتالي ينبغي أن ينتظر حتى يمكِّنه الله تعالى، وعندها يحج من مال كَسَبَه وليس من مال اقترضه واستدانه.

 المقدم: جميل.

الشيخ: هنا مسألة.

المقدم: تفضل.

الشيخ: مسألة أحب أن أُنبِّه إليها، وهي ما يتعلق بتسهيلات الديون والتمويل من خلال بعض المصارف أو بعض الشركات التجارية التي تشتغل بالمداينات.

بعض الناس تُغريه هذه الدعايات التي تسهِّل له أمر الدين وتيسِّر له أمر الاقتراض، فتجده يُقبل على المداينات وعلى الاقتراض فيما يحتاج وفيما لا يحتاج، وأحيانًا يقترض في كماليات ويُشغل ذمته بديونٍ لا قدرة له على وفائها، فتجد أن عنده من الالتزامات المالية ما يعجز عن وفائه، وتجده يطرق سبلًا عديدة للاستكثار من الاستدانات؛ لأجل ما يشاهده من دعاية أو من تسهيلات الاقتراض. 

هؤلاء الذين يسهِّلون لك القرض، هؤلاء في الحقيقة لا يقصدون بالضرورة قضاء الحوائج، إنما يقصدون التكسُّب. 

بالتأكيد أنَّ أكثر صور التمويل المعاصرة غايتها وغرضها التكسُّب من طريق التمويل بالمداينات التي تدخل في دائرة التوَرُّق، سواء كان تورقًا منظمًا أو تورقًا غير منظم. 

ولهذا أقول: ينبغي للإنسان أن يفكر مليًّا قبل أن يُقدِم على الاستدانة، ويتوقَّى الأسلوب الدعائي الذي تسلكه بعض المصارف، وتسلكه بعض الشركات التي غرضها إدخال أكبر قدر من الناس في دائرة المديونية لهم، ويخترعون لذلك صورًا عديدة ومسميات شتى، وتجد أن الكثير ممن يَئِنُّون بسبب الديون تجده يقول: أنا عندي راتبي كذا، ولا يبقى لي منه إلا كذا.

طيب يا أخي تعرف أن راتبك كذا، وتعرف أن قدراتك المالية على هذا النحو؛ فلماذا تحمِّل نفسك شيئًا يلحقك بالعوز؟! ولو كان ذلك في أمر ضروري فقد يجد الإنسان له عذرًا، لكن أحيانًا تجد أنه في أمور كمالية، أو تجده في أمور فيها نوع من أنواع المفاخرات والمظاهر، أو في سفر يرهق الميزانية السنوية، أو كان ذلك أحيانًا طمعًا في فتح تجارات واستثمارات دون دراسة واعية لسلامة هذه الدعايات الاستثمارية التي تجعل بعض الناس يرهن بيته، يدخل مثلًا في أنواع من الالتزامات، وفي نهاية الأمر لا يربح في تجارة ولا يسلم من مطالبات وإشغال ذمته بديون لا قِبَل له بسدادها. 

• المقدم: جميل.

• الشيخ: ولهذا أقول: من المهم الوعي والتبصير والتأكيد على ضرورة تجنُّب الانجرار والانسياق وراء هذه الدعايات التي تسهِّل الدين والاقتراض. 

• المقدم: جميل، فضيلة الشيخ هذا أبو أمجد يقول: ما هي النصيحة لمن يستطيع تسديد المقابل المالي الذي عليه - نوع من أنواع الديون الذي ذكرناها قبل قليل - إذا كان لجهة حكومية أو جهة سيادية، يقول: إنه يستطيع أن يسدد المقابل ولكنه يماطل ولا يفعل؟

• الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «مُطْل الغنيِّ ظُلم».[صحيح البخاري:ح2278] 

• المقدم: هو يتحجج فضيلة الشيخ أنها تكون للدولة أو ما شابه ذلك. 

• الشيخ: يعني كون المال للدولة لا يعني أنه لا يسدَّد ذلك، الدولة قائمة على المال نيابةً عن جميع الأمة، وبالتالي الحق في بيت المال ليس لفرد إنما للمجموع، وعندما اقترضت من هذا الصندوق، سواء كان صندوقًا زراعيًّا أو إسكانيًّا أو نحو ذلك، فأنت أخذت نصيبًا من مجموع مال المسلمين، ومن الضروري أن توفي الحقوق.

 كون الحق للدولة لا يضعف قدر الدين، بل بالعكس، الواعي البصير يعرف أن هذا المال المستحق له عموم الناس وبالتالي خصماؤه فيه ليس فردًا، خصماؤه فيه كل مَن بَخَسَهم حقوقهم. وبالتالي من الضروري أن يعرف الإنسان أنه لا فرق في وجوب وفاء الديون في النصوص التي غلَّظت  أمر الدين وعدم الوفاء به، بين أن يكون الدين للدولة، أو أن يكون لشركات غنية خاصة في القطاع الخاص أو لأفراد خاصين بها. 

يعني لو أن شخصًا قال: والله أنا أخذتُ من فلان مائة ريال، وهو غني، أمواله بالمليارات، هل يسوغ لك أن تقول: لا، أنا لن أعطيه المائة ريال، فلوسه كثيرة، لا يجوز لك هذا بالتأكيد.

- النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من اقتطع من مال أخيه شيئًا بيمين صَبْرٍ، هو فيها كاذب، لقي الله تعالى يوم القيامة وهو عليه غضبان»، قالوا: يارسول الله: وإن كان عودًا من أراك، قال: «وإن كان عودًا من أراك»[صحيح مسلم:ح137/218] يعني وإن كان عود سواك، يعني أخذت واقترضت سواكًا فلا يجوز لك أن تبخسه، بل يجب أن يرد الإنسان الحقوق إلى أهلها صغيرها وكبيرها، ويوم القيامة ستُسأل عن النقير والقطمير والدقيق والجليل، فإياك أن يزين لك الشيطان التساهل في الأموال العامة أو الأموال الخاصة، بل يجب أن يبادر الإنسان إلى إبراء ذمته ووفاء الناس حقوقهم. 

• المقدم: فضيلة الشيخ، هذه الأخت بدرية الحربي في الواتساب تقول: ( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم المال الذي تفوز به بمجرد إعادة تغريدة أو نشر تغريدة أو إعلان حسابات؟ وشكرًا). 

• المقدم: يبدو أنها جائزة من الجوائز. 

• الشيخ: يعني هذه وسيلة دعائية.

• المقدم: نعم.

• الشيخ: هذا يرجع حكمها إلى ما يعيده، إذا كان يعيد أمرًا صالحًا، أمرًا خيِّرًا، أمرًا نافعًا في أمر معاش الناس ودنياهم. 

أما إذا كان يعيد ويغرد في شيء أو يرتوت بأشياء غير صحيحة، أو فيها كذب أو فيها تغرير أو فيها إفساد  أو نشر إشاعات؛ أي: أن هذا يختلف باختلاف المادة المعاد نشرها؛ إذا كانت مادة صالحةً وأخذ على ذلك أجرًا فلا حرج. 

• المقدم: وإن دفع مقابلًا ماديًّا لهذه الرسائل مثلًا؟ 

• الشيخ: هو صورة من صور الدعاية الحديثة من وسائل التواصل الحديث؛ يُرجع فيها إلى أن تكون صادقة، أن تكون  سالمةً من الكذب، أن تكون بعيدة عن التغرير بالناس، أن تكون  مأذونًا فيها من الجهات الرسمية، فلا ينشر أو يدعو إلى ما لا تأذن به الجهات الرسمية، ألا يكون مفضيًا إلى فساد أو شر. 

• المقدم: جميل. 

• الشيخ: هذه ضوابط وقيود لإباحة مثل هذه الوسيلة من وسائل الدعاية. 

• المقدم: جميل، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ، كتب الله أجرك. 

شكرًا جزيلًا الدكتور/ خالد المصلح، أستاذ الفقه في جامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء في منطقة القصيم. 

• الشيخ: بارك الله فيكم، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يغنينا بحلاله عن حرامه، وأن يوفقنا إلى كل خير، وأن يحفظنا وولاتنا وبلادنا من كل سوء وشر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

• المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

 

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91544 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87253 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف