×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (118) قواعد شرعية في المعاملات المالية

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3901

بسم الله الرحمن الرحيم، مستمعينا الكرام في كل مكان، السلام علىكم ورحمة الله وبركاته،
نحييكم تحيةً طيبةً عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في بداية هذه الحلقة من برنامج: ((الدين والحياة)) والذي نستمر معكم فيه على مدى ساعة إلا قليلًا بمشيئة الله تعالى.

 تقبلوا تحياتي،
محدثكم/ وائل الصبحي،
ومن الإخراج الزميل/ عبد الرحمن الأحمدي،
أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم.
مستمعينا الكرام؛ ضيفنا الكريم في هذه الحلقات هو:
فضيلة الشيخ الدكتور/ خالد المصلح أستاذ الفقه في جامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء في منطقة القصيم.
•    
المقدم: فضيلة الشيخ خالد، أهلًا وسهلًا، وحياك الله معنا في بداية هذه الحلقة.
•    
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله، مرحبًا بك أخي الكريم، وأهلًا وسهلًا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
•   
المقدم: حياك الله فضيلة الشيخ.
•    
مستمعينا الكرام يمكنكم أن تشاركونا عبر هاتفَي البرنامج على الرقمين 0126477117 أو عن طريق الهاتف الآخر على الرقم  0126493028
أيضًا يمكنكم أن تشاركونا عبر تطبيق الواتس آب على الرقم 0500422121
•    المقدم: في هذه الحلقة مستمعينا الكرام نتحدث عن موضوع"قواعد شرعية في المعاملات المالية".
نتحدث في هذه الحلقة عن بعض الضوابط الشرعية التي تحكم المعاملات المالية، وفي ضوء هذه القواعد التي أُصِّلت من الكتاب والسنة، في ضوئها يكون الحُكْم على شرعية وعدم شرعية المستحدَث والمعاصر من هذه المعاملات المالية، وهي كثيرة.
ابتداءً فضيلة الشيخ، عندما نتحدث عن هذا الموضوع، نريد أن نتحدث عن نظرة ديننا الإسلامي للمعاملات المالية  عمومًا فيما بين الناس.
الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين،
أما بعد:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياك الله  أخ وائل.
وتحية طيبة للإخوة المستمعين والمستمعات.
موضوع المعاملات المالية موضوع له أهمية كبرى، ويمس جانبًا رئيسًا في حياة الناس، فالناس خُلقوا في هذه الدنيا لعبادة الله -عز وجلَّ.
وعبادة الله -عز وجل- تتعلق بحقوقه - جل في علاه - التي فرضها على عباده، أصل ذلك التوحيد الذي هو مفتاح السعادة ومفتاح الجنة.
وبقية ما شرعه الله تعالى من حقوقه؛ من إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وحقوق الخلق من الوالدين ابتداءً والولد والزوجات وسائر من له حقوق.
وثمة ما يتعلق بحقوق المتعامِلين مع الإنسان في معاشه، وثمة حقوق ومعاملات لابد من أدائها كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء: 58].
فالأمانه اسم جامع لكل ما فرضه الله تعالى من الحقوق التي له -سبحانه وبحمده-، والحقوق التي لعباده.
وإذا نظرنا إلى العلماء - رحمهم الله تعالى - في مؤلفاتهم وكتبهم؛ نجدهم يقسمون الأحكام الشرعية - الحلال والحرام - إلى قسمين:
- قسم يتعلق بحقوق الله -عز وجل-، وهو العبادات.
-
وقسم يتعلق بحقوق الخلق، وما يكون من ضوابط التعامل فيما بينهم، وهو ما يعرف بالمعاملات.
والمعاملات ليست على صورة واحدة، بل على صور شتى وأنواع مختلفة.
ولذلك نحن نتحدث عن نوع من المعاملات، فمثلًا أحكام الأسرة من النكاح والطلاق والحضانة وما إلى ذلك، هذه معاملات، لكننا لا نتحدث عن ذلك، إنما نتحدث عن المعاملات المالية؛ أي: ما يتعلق بالمعاوضات والبياعات وأنواع أوجه الاتجار والتكسُّب الذي يكون بين الناس.
هذا الجانب جانب رئيس؛ ولذلك يأتي به الفقهاء - رحمهم الله - بعد أحكام العبادات مباشرةً؛ فبعد الفراغ من أحكام أركان الإسلام من الصلاة والزكاة والصوم الحج، وما يلحق به يأتي الفقهاء إلى بحث ما يتعلق بأحكام البيع، وما يلتحق به من أنواع المعاملات المالية.
المعاملات المالية إذا أردت أن تعرف وزنها ومنزلتها في الأحكام الشرعية فاقرأ قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282]، هذه الآية الكريمة هي أطول آية في القرآن الحكيم، أطول آية في كتاب الله -عز وجل- هي آية المداينات، وهي تنظِّم جانبًا من جوانب التعامل المالي بين الناس، وهو ما يتصل بأحكام المداينات، وما يتعلق بتوثيقها وطرق إثباتها وما إلى ذلك مما يتصل بهذه الجزئية من المعاملات.
فإذا نظرت وتأملت أن أطول آية في كتاب الله هي آية تتعلق بالمداينات، وهو جانب من المعاملات المالية - عرفتَ أن هذا الموضوع موضوع مهم، وينبغي أن يراعِي فيه الإنسان حدود الله عزوجل، وأن يقوم فيه على نحو ما شرع لأجل أن يحقق بذلك فائدتين:
-
الفائدة الأولى: امتثال ما أمر الله تعالى به، في الإتيان بما أمر به، والابتعاد عما نهى عنه.
وهذا بالتأكيد جانب عبادي يُؤْجر عليه الإنسان؛ فالذي يأتي المعاملة ويَرْعى حق الله تعالى فيها طلبًا للأجر وخوفًا من العقاب - لا شك أن هذا من دلالات الإيمان ومن علاماته التي يؤجر عليها الإنسان وتكون سببًا لإثابته.
الفائدة الثانية: تتعلق بجانب لا يقلُّ أهمية، بل ينبغي أن يبرز ويبين أن تلك الضوابط الشرعية والأحكام التي جاءت في نصوص القرآن الكريم وفي السنة المطهرة؛ هي نصوص غرضها وغايتها تحقيق حفظ المال، تحقيق سعادة الناس بإخراجهم من المضايق؛ فيدرك الإنسان بامتثال ما أمر الله تعالى به في المعاملات البركة في ربحه، والسعادة في قلبه، والاستقامة في معاملاته؛ ولذلك الله -عز وجل- يقول: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}[البقرة: 276]، وهذا دليل على أن الكسب المحرم الذي يخرج عن حدود الشريعة، سبب لحدوث البلايا للإنسان، وليس كما يتصور أنه به يدرك الكسب، وبه يدرك الزيادة في كسبه، إنما هي زيادة في الرقم، ومحقٌ للبركة والخير التي يحصلها الإنسان، نسأل الله - عز وجل - أن يبصرنا للخير.
إذًا؛ خلاصة هذه المقدمة أن المعاملات المالية جزء مهم في الأحكام الشرعية.

 والمطالِع لكتب الفقهاء، وما في دواوين السنة من الأحاديث يشهد قدر الأحاديث التي عالجت هذا الجانب.
•    
المقدم: فضيلة الشيخ، قبل أن نبدأ في الحديث عن بعض هذه القواعد الشرعية التي سنوردها في هذه الحلقة -بمشيئة الله تعالى.-
قبل قليل ذكرتَ أن مجموع هذه القواعد هي مستنبطة في كتب الفقهاء رحمهم الله.
نقول فضيلة الشيخ: هل يجب عينًا على كل شخص مسلم أن يعرف هذه القواعد الشرعية في المعاملات المالية؟
هل يجب عليه الإلمام بكل ما جاءت به هذه القواعد، أو يجب عليه أن يعرفها معرفةً بسيطةً؟
ما الواجب على المسلم معرفته من هذه القواعد الشرعية في المعاملات المالية؟
•    الشيخ: أخي الكريم، هناك جوانب:
أولًا: الأصل في الشريعة فيما يتعلق بالمعاملات الحِلُّ والإباحة، وهذا يفتح بابًا واسعًا من السعة والطمأنينة للناس في تعاملاتهم وإجرائها؛ لأن الأصل فيها الحل.
وبالتالي الذي يحتاجه الإنسان فيما يتعلق بالمعاملات المالية هو القدر الذي يحقق فيه اجتناب ما حرَّمه الله تعالى عليه في هذه المعاملات.
وبالتالي الإنسان في كل ما يأتي ويَذَر؛ يجب أن يَرْعى حق الله تعالى فيما شرعه له، ولكن لما كان الأصل الإباحة والحل فهو سيجري هذا الأصل في كل ما يأتي إليه من تعاملات، إلا مادل الدليل على أنه محرَّم، أو أنه قد نهت عنه الشريعة، وبالتالي ينتهي عنه ويجتنبه تحقيقًا لما أمره الله تعالى به.
فالذي يلزم الإنسان معرفته من الأحكام الشرعية هو القدر الذي يحقِّق به اجتناب ما حرَّمه الله تعالى عليه.
وبالتالي ليس الإنسان مطلوبًا منه أن يدرس دراسةً تخصصيةً، ويقرأ كل ما ذكره الفقهاء في مدوناتهم الفقهية من مسائل وشوارد وصور وتفريعات، إنما ينطلق في ذلك من الأصول العامة؛ ولهذا نحن في هذه الحلقة سنشير - إن شاء الله تعالى - إلى القواعد الأساسية التي يُبنى عليها هذا الباب؛ وذلك لأن المعاملات المالية في الشريعة ما جاءت بالصور والأمثلة المفصلة، إنما غالب ما جاء فيها هو أصول وقواعد؛ هذه الأصول والقواعد من المؤكَّد أنها مهمة لكل من اشتغل بالتجارات والبياعات، وعندما نقول: تجارة أو بياعات ما نقصد بذلك أن نقول: يفتح محلًّا أو يكون صاحب مؤسسات، أنا لـمَّا أذهب إلى السوق لأشتري أحتاج إلى أن أعرف وأستحضر هذه القواعد على وجه العموم؛ لكي أتجنَّب أن أقع في معاملة محرمة.
ثم ما أشكل على الإنسان من مسائل المعاملات فإنه يلزمه أن يسأل؛ لقول الله تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون}[النحل: 43].
•    المقدم: جميل.
•    
الشيخ: سنستعرض بإيجاز مهمات القواعد التي يحتاجها الإنسان عندما يجري معاملةً.
وهذه تريح الإنسان وتعينه على مراعاة حق الله -عز وجل- في تحقيق الكسب الحلال.
لما نتكلم عن المعاملات وأحكامها فنحن نتقدم خطوة لبيان الطريق الذي يحقق به الإنسان كيف يتجنب الكسب الحرام، ويحقق الكسب الحلال الذي تحصل به البركة ويحصل به النفع والخير له في دينه ودنياه؟
•    المقدم: جميل، فضيلة الشيخ، اسمح لي أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة، بعده -بمشيئة الله تعالى- نكمل الحديث وبشكل موجز عن أهم القواعد، التي ينبغي على المسلم مراعاتها في قضية المعاملات المالية.
مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة، بعده نكمل الحديث، ابقوا معنا.
أهلًا وسهلًا بكم مستمعينا الكرم مجددًا في هذه الحلقة المباشرة لبرنامج "الدين والحياة"، عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، نتحدث فيها عن القواعد الشرعية في المعاملات المالية،
ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ/ خالد المصلح.
فضيلة الشيخ أهلًا وسهلًا، حياك الله مجددًا.
•    
الشيخ: حياكم الله، مرحبًا بك، وحيا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
•    
المقدم: حياك الله فضيلة الشيخ، نريد أن نتحدث بعد هذا الفاصل عن أهم القواعد الشرعية في المعاملات المالية بشكل موجز، والتي يجب على المسلم مراعاتها في تعاملاته المالية، ولعلنا فضيلة الشيخ نبدأ بالقاعدة الأولى، والتي يكاد يعرفها الجميع، وهي أن: "الأصل في المعاملات الإباحة أو الحل".
•    
الشيخ: أول ما ينبغي أن يراعَى في الأصل في المعاملات أن يُعلم أن المعاملات منطلقة من قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا }[البقرة: 275].
-
البيع ليس المقصود به فقط مبادلة مال بمال، إنما المقصود به ما هو أوسع من ذلك، وهو كل ما يكون من التعاملات المالية سواء كان بيعًا، إجارةً، مشاركةً، سائر ما يكون من المعاوضات المالية؛ {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: 275].
إذًا عرفنا أنه فيما يتعلق بالمعاملات المالية ثمة حلال وثمة حرام، والحلال بيِّن والحرام بيِّن، وقد يكون هناك بين هذا وذاك دائرة غير واضحة وهو ما يعرف بالمشتبهات، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-:«وبينهما أمور مُشْتَبِهَات«.[صحيح البخاري:ح52]
المقصود هو أن الأصل في المعاملات هو الحل؛ فالأصل فيما يجري  بين الناس من أوجه التعامل أنه حلال حتى يقوم الدليل على التحريم.
فلما يجيء إنسان  مثلًا يريد أن يسأل عن شراء مثلًا شرائح التليفون.
يقول: ما حكم بيع خدمة التليفون؟ الأصل الحل، ما تحتاج أن تأتي بدليل خاص على إباحة هذه الصورة.
-
لما يأتي يسأل عن خدمات النقل مثلًا، وما إلى ذلك من أوجه الخدمات المتاحة، الأشياء التي يجري المعاوضة عليها.
مثله أيضًا السلع بشتى صورها وأنواعها.
فإن الأصل في ذلك الحل؛ لأن المحرمات في باب الشريعة محدودة، والإباحة هي الأصل؛ هي الفِناء الواسع في التعاملات التي تكون بين الناس.
وبالتالي ينبغي أن نستحضر هذا المعنى في كل معاملاتنا؛ نبنيها على هذا الأصل أنه عندما أشتري شيئًا، أعقد معاملةً، فأنا أنطلق من أن الأصل فيها الحل، وأن الله أذن لي في كل المعاملات التي تجري فيها أنواع من المبادلات والمصالح المتبادلة بين الناس.
أحيانًا قد يُقدِم الإنسان على معاملة وتشتبه عليه، عند ذلك عندما يوجد اشتباه فإن المخرج من الاشتباه أن يسأل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه«
[سبق]،وإن كانت حرامًا  فهذه الأشياء ليست محدودةً بالعدد، وإنما هي محدودة بالوصف، فمتى وُجدت هذه الأوصاف ثبت حكمها.
بمعنى أن التحريم ليس محدودًا بمعاملة باسمها وبعينها، بل هو في كل المعاملات المالية التي تندرج تحت وصف معين.
مثلًا: الربا بكل صوره محرم، الغش بكل صوره محرم، لكن الغش له صور؛ الغش قد يكون في الجودة، الغش قد يكون في الكمية، الغش قد يكون في الصنعة، وما إلى ذلك.
المقصود أن أسباب التحريم هي أشبه ما تكون بالضوابط والقواعد العامة التي يفسر بها ما يكون من المحرمات.
وبالتالي من المهم أن نعرف أن الأصل في المعاملات الحل، ونستحضر أيضًا ما هي الأسباب التي يرجع إليها التحريم حتى نتفاداها ونتجنَّبها في المعاملات المالية.
•    
المقدم: جميل، فضيلة الشيخ لو نعرج على بعض هذه الأسباب التي قد تجعل المحرمات محرمةً، وتُدخلها في دائرة الحرمة.
•    
الشيخ: أبرز الأسباب أو السبب الجامع للمحرمات هو الظلم، هو المظلة العامة؛ ولذلك الله تعالى يقول: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}[البقرة: 188]، فهذا هو السبب الرئيس الذي ترجع إليه جميع الأسباب الأخرى في تحريم المعاملات.
إذًا السبب الأول والرئيس الذي هو بمثابة الجامع لكل الأسباب هو الظلم.
فكل معاملة تضمنت ظلمًا فإنها محرمة؛ فالله تعالى يقول: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ}[البقرة: 188]، وقال: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188] {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين: 1 - 3] والآيات في هذا كثيرة.
فالظلم هو المعنى العام وله صور عديدة، فالربا ظلم، ولذلك كل معاملة تشتمل على ربا فإنها محرمة.
وسنأتي إلى الإشارة إلى ما المقصود بالربا...
وكل معاملة تضمنت ميسرًا فهي محرمة.
•    
المقدم: أهلًا وسهلًا بكم مستمعينا الكرام. ضيفنا في هذه الحلقة فضيلة الشيخ/ خالد المصلح.
فضيلة الشيخ فقدنا الاتصال بك، وكنت تتحدث عن أبرز الأسباب التي تجعل المعاملات محرمةً.
وتوقفنا عند هذه الأسباب، نكمل الحديث فضيلة الشيخ.
•    
الشيخ: أبرز الأسباب - يا أخي - التي تجعل المعاملات محرمةً هي الظلم كما تقدم، ويندرج تحت الظلم صور كثيرة؛ أصل هذه الصور يرجع إلى الربا؛ هذا سبب رئيس، وله صور عديدة، الميسر هذا سبب رئيس، وأيضًا له صور عديدة، الغش وهذا سبب رئيس وله صور عديدة.
وثمة تفاصيل أخرى لبعض أوجه المحرمات في المعاملات المالية، الأسباب التي يرجع إليها التحريم.
نبدأ بالربا:
الربا جاء النص على تحريمه في الكتاب والسنة:
في الكتاب قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً }[آل عمران: 130]، وقال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة: 275]، والآيات في هذا كثيرة ومتعددة.
والربا الذي جاء تحريمه في القرآن هو ربا الجاهلية.
وهو القرض أو التأجيل؛ تأجيل الدَّين مقابل زيادة، بمعنى أنه لما يقترض الإنسان مبلغًا ويحل الوفاء أو قبل أن يحل الوفاء؛ فإنه يطلب زيادة المال مقابل التأجيل؛ فهذا ربا.
•    
المقدم: ما الفرق بينه وبين التقسيط فضيلة الشيخ؟
•    الشيخ: القرآن جاء بالتحذير من ربا الجاهلية، وهو ربا القروض والديون التي مقابل التأجيل وهي مال بمال.
أما ما يتعلق بما سألت عنه من التقسيط فهو يتعلق بثاني نوعي الربا، وهو ربا البيوع.
فيما يتعلق بالتقسيط هو معاملة مباحة وليست محرمة؛ وذلك أن المتعامل يدخل في معاملة واضحة وليست مبادلة مال ربوي بمال ربوي؛ لأن الربا المحرم إما أن يكون ربا قروض، وإما أن يكون ربا بيوع.
ربا البيوع حقيقته في أصناف ستة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح»[في ذلك حديث النبيأخرجه البخاري في صحيحه:ح2134 «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ»] ويُلحق بها ما يشبهها من الموافق لها في العلة: الذهب والفضة علتها الثمنية، فكل الأثمان إذا بيعت بعضها ببعض، والأثمان هي العملات التي يجري بها التعامل.
•    
المقدم: الأموال.
•    
الشيخ: مثل الأوراق النقدية والعملات المختلفة، هذه ملحقة بالذهب والفضة.
الأصناف الأربعة: البر والشعير والتمر والملح؛ هذه أقوات؛ فكل قوت فإنه يدخل في هذا المانع، أي: كل قوت مدَّخر يكال يدخل في معنى الأصناف الأربعة.
هذا الربا هو المحرم، لكن لما أشتري مثلًا بُرًّا بذهب، أو برًّا بنقود بريالات أو جنيهات أو دولارات فهنا ما في إشكالية، لا أحتاج في ذلك إلى تقابض ولا أحتاج إلى مراعاة المثلية؛ لأن ربا البيوع نوعان:
-    
ربا نسيئة الذي هو ربا التأجيل.
-    
وربا فضل، هذا فقط في بيع المتَّفِق جنسًا في الأموال الربوية؛ مثل بُرٍّ ببر، وتمر بتمر، ما يجوز الزيادة هنا.
-    
لكن لما تأتي لتشتري تمرًا بذهب أو تمرًا بريالات نقدية؛ فهنا ما في مشكلة في أن تزيد ولا في مشكلة في التأجيل، فلا يأتي فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مِثلًا بمثل، ويَدًا بيد.«[سبق]
التفصيلات في هذا  قد يضيق عنها الوقت، لكن في الجملة الربا الذي حرَّمه الله تعالى هو نوع من الظلم؛ ما صورة هذا الظلم؟ هو أن يأخذ الإنسان مقابلًا على بيع مال بمال متساوٍ في المنافع ومتساوٍ في المصالح، مع طلب زيادة وتكسُّب؛ هذا الذي يُنهى عنه من المعاملات، وأصله أنه يُنهى عن بيع الديون والقروض.
•    
المقدم: جميل، فضيلة الشيخ قبل أن ننتقل إلى السبب الآخر، معنا على الهاتف أحد المستمعين الكرام: عبد الباقي مساعد، أهلًا وسهلًا يا عبد الباقي.
•    
المتصل: السلام عليكم.
•    
المقدم: وعليكم السلام، عبد الباقي أهلًا وسهلًا.
•    
المتصل: أريد أن أسأل الشيخ سؤالين.
•    
المقدم: تفضل، وبشكل سريع لو تكرمت.
•    
المتصل: شراء الثلاجة أو السيارة بالتقسيط؛ هل هذا يعتبر ربا؟
•    المقدم: والسؤال الآخر.
•    
المتصل: عليَّ دين من 2011 في شراء خروفين، وقد تغيَّرت قيمة العملة، وتغير سعرهما تغيرًا كبيرًا؛ فكيف أرد هذا الدين؟
•    المقدم: تسمع الإجابة إن شاء الله عبد الباقي.
فضيلة الشيخ نردُّ على عبد الباقي، ثم نرجع لنكمل الحديث.
•    
الشيخ: فيما يتعلق بالأقساط أو بالبيوع الآجلة، البيوع الآجلة ليست من الربا؛ لأنها مندرجة في عموم قول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: 275]، والشريعة جاءت بجواز تأجيل أحد العوضين بضوابط وقواعد، فليس هناك دليل يمنع من بيع التقسيط.
وزيادة الثمن مقابل التأجيل هنا، هذه ليست من الربا؛ لأن الربا الذي يُنهى عن الزيادة فيه هو فيما إذا كان بيعًا متفقًا؛ بيع ذهب بذهب أو الأصناف الربوية بعضها ببعض إذا اتفقت في علة الربا، مثل بُرٍّ بشعير، بُرٍّ بتمر.
أما هنا فالمالان أحدهما مال ربوي وهو الثمن؛ العملة النقدية، والآخر ليس ربويًّا؛ وهو ما ذكر من أنه غسالة أو أجهزة أو غير ذلك، هذه ليست أموالًا ربوية.
وبالتالي يجوز تأجيل قبض أحد العوضين في هذه المعاملات، وتجوز الزيادة.
لكن في بيع التقسيط؛ يشترط شرط؛ وهو أن يكون الإنسان عالمًا بالعقد الذي ينتهي إليه.
بمعنى أنه لما يكون عندنا الآن مبلغ من المال؛ ألف لسلعة، الألف إذا كان قد أعطاها إياه في الحاضر فهو انتهى معه، لكن أحيانًا يجيء ويقول: هذه السلعة لك فيها الخيار: إما أن تشتريها بألف حاضرًا، وإما بألف ومائتين مؤجلًا، فيقول: قبلت، ولا يحدد أيَّا من البيعين، هنا هذا محرم؛ لأنه لابد أن يكون الأمر محددًا إما بهذا  أو بهذا، أما أن لا يحدد بواحد منهما، فهذا لا يجوز.
وبالتالي بيع التقسيط جائز؛ شريطة أن يكون المتعاقدان قد دخلا على وضوح وبيان، ويُعرف ما الذي تم عليه العقد.
وأحيانًا يصير هناك نوع من الغبن بزيادة الثمن الزيادة الفاحشة، هذا يدخل في سبب آخر للتحريم، وهو التغرير أو ما أشبه ذلك من الخداع الذي يُفضي إلى التحريم.
لكن الأصل في بيوع التقسيط الإباحة، ما دام أن العقد انتهى على مطلوب بيِّن.
•    
المقدم: السؤال الآخر فضيلة الشيخ؛ يسأل عن دين عليه من 2011؛ يقول: اختلفت قيمة هذا الدَّين، فماذا يعمل؟ وكيف يرد هذا الدين لصاحبه؟
•    الشيخ: الأصل في ردِّ الديون أن تكون بمثل ما أُخذت، هذا هو الأصل، وعندما يطرأ تغير في قيمة العملة تغيرًا يلحقها بالكساد أو تغيرًا بسبب كوارث وحوادث وحروب، فهذه حالات استثنائية تُعالَج، إما من طريق القضاء وإما من طريق المصالحة.
أما الأصل فالأصل أن الإنسان إذا أخذ من أحد من الناس مالًا ولو طالت مدته أن يرده مثلما أخذه.
وبالتالي هذا التغير الذي حصل من 2011 إلى 2018 الأصل فيه أن يرد نفس ما أخذ، حتى لو اختلفت قيمته، إلا أن يكون هناك تغير كارثي.
•    
المقدم: يقول بأن سعر الخروف اختلف من 2011 إلى الآن بزيادة كبيرة.
•    
الشيخ: على كل حال، أسعار السلع بكل صورها تختلف من وقت لوقت ومن زمن لزمن، فالجواب هو ما تقدم من أن الأصل هو ردُّ نفس الثمن ونفس القدر الذي ثبت في الذمة، هذا هو الأصل، غير هذا فلا يمكن أن يَبِتَّ فيه الإنسان بنفسه؛ إما أن يراجع قاضيًا؛ أي: لابد من معالجة قضائية أو تصالحية، يتصالح الطرفان، في حال كون التغير كارثيًّا.
•    
المقدم: جميل، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نأخذ الأخ: عبد العزيز الشريف.
عبد العزيز أهلًا وسهلًا.
•    
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
•    
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
•    
المتصل: حياكم الله يا أستاذ/ وائل؛ كيف حالك؟
•    المقدم: الحمد لله رب العالمين.
•    
المتصل: أحييك وأحيي فضيلة الشيخ. بارك الله فيكم جميعًا.
•    
المقدم: حياك الله، تفضل.
•    
المتصل: الأثر الذي يُذكر عن عمر أنه قال: «لا يدخل الأعاجم أسواقنا حتى يتفقهوا في الدِّين«.[عقد الجواهر الثمينة:2/39]
هل معناه أن الجاهل الذي لا يعرف البيع والشراء ممنوع من السوق بأمر من ولي الأمر؟
الأمر الثاني - بارك الله فيك - يقول الله عز وجل: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء: 36]، هل للبائعين الذين نجدهم في الأسواق أن يتكلموا في الأحكام الشرعية مثلًا، أو أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام، مع أنهم ما عندهم علم ولا فقه؟ فما هو توجيهكم بارك الله فيكم؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
•    
المقدم: فضيلة الشيخ، نجيب عن الأخ عبد العزيز بشكل سريع لو تكرمت.
•    
الشيخ: فيما يتعلق بموضوع الترتيبات التي كان قد رتَّبها عمر -رضي الله تعالى عنه-، هي من المسائل التي تحتفُّ بها أحوال، وهي قضايا أعيان تحتاج إلى معرفة بطريقة معالجتها.
فالذي يظهر لي - والله تعالى أعلم - أن هذا من الترتيبات المصلحية التي يُرجع فيها إلى ما يحقق المصلحة وفق ما يراه ولي الأمر.
فمثلًا وزارة التجارة قد ترى المصلحة في توطين الوظائف في الأسواق، أو تأنيث الأسواق النسائية أو المستلزمات النسائية على سبيل المثال، أو ما أشبه ذلك من الترتيبات المصلحية التي تراها الجهات ذات الاختصاص، فهذا مما يندرج فيما يحقق المصلحة العامة.
•    
المقدم: جميل، فضيلة الشيخ، هذا سؤال آخر متعلق بالمعاملات المالية، ويبدو أن الإخوة المستمعين الكرام لديهم العديد من الاستفسارات فيما يتعلق بالمعاملات المالية.
هذا سائل في الواتس آب يقول: أرجو إفادتي؛ هل مبلغ القسط المؤجل للبنك بغرض عقار يدخل في مال الزكاة؟ أو يخصم المبلغ من المال باعتباره دينًا مؤجلًا لحين حلول القسط قبل إخراج الزكاة؟
•    الشيخ: لم يتضح لي السؤال.
•    
المقدم: هو يسأل عن مبلغ القسط المؤجل للبنك بغرض عقار معين، هل يدخل في مال الزكاة أو لا؟
الشيخ: فيما يتعلق بالديون في تأثيرها على الزكاة، يحسب الإنسان قدر المال الذي عنده في يوم زكاته، ويحسب ما عليه من استحقاقات مالية، ويخصم ما عليه من الاستحقاقات وهي الديون سواء كانت ديونًا خاصة أو ديونًا لجهات عامة أو جهات حكومية، ويخرج الزكاة مما بقي.
المقدم: بمعنى أنه يخصمها.
•    
الشيخ: أي نعم، فمثلًا لو كان الرصيد عنده مائة ألف مثلًا، وعليه دين أقساط أو دين مؤجل بعشرين ألفًا مثلًا، يخصم العشرين ألفًا من المائة ويزكي ثمانين.
•    
المقدم: جميل، الأخ محمد عواد من حائل، أهلًا وسهلًا يا أخ محمد.
•    
المتصل: بعض الناس يأخذ سلعة مثلًا بعشرة آلاف ريال ويبيعها بعشرين ألف ريال، فهل هذا جائز؟ وبكم أبيع سلعة ثمنها عشرة آلاف بالآجل؟ هل الزيادة تحدد بالربع مثلًا أو بماذا؟
•    المقدم: جميل، تسمع الجواب يا أخ محمد إن شاء الله.
فضيلة الشيخ هو يسأل عن البيع المؤجل ويبدو أن لديه إشكالية معينة في قضية البيع المؤجل.
هل هناك اشتراطات معينة للبيع المؤجل؟
•    الشيخ: البيع المؤجل هو البيع بالتقسيط، أو من صوره البيع بالتقسيط.
البيع المؤجل يشترط فيه أن يكون على وضوح عند التعاقد، وألا يكون فيه غرامات إذا تأجل؛ لأن بعض أصحاب البيوع المؤجلة يأتي ويقول: هذه السيارة أو هذا العقار بمائة وخمسين ألفًا مثلًا، ثم يقول: شريطة أنه إذا تأجلت أو إذا تأخرت فإنه سيزيد عليك بكذا وكذا..
هذا لا يصلح؛ لأن هذا أشبه بما لو باع بثمنين، وهذا غرر، ويدخل في «النهي عن بيعتين في بيعة«.[حديث الترمذي(1231)من حديث أبي هريرة، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ»، وقال الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]
لكن يجب أن يبرم العقد على ثمن واحد، ويكون متفقًا عليه، ومعلومًا بين الطرفين.
•    
المقدم: جميل، فضيلة الشيخ نعود إلى ما كنا نتحدث عنه عن بعض الأسباب التي تجعل المعاملات محرمةً.
وتحدثنا ابتداءً عن السبب الأول وهو الظلم، وتحدثنا عن أن من صور الظلم الربا والميسر والغش وغيرها من هذه الصور.
نريد أن نتحدث أيضًا عن أسباب أخرى تجعل المعاملات المالية  محرمةً.
•    
الشيخ: من الأسباب التي تشيع في كثير من الصور: الغَرَر في المعاملات، وهذا قد نهى عنه النبي - صلى لله عليه وسلم - كما في صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بَيْعِ الغرر«[صحيح مسلم:ح1513/4].
وبيع الغرر هو اسمٌ لكل معاملة يكون الداخل فيها إما يجهل حقيقة السلعة، أو يجهل قدرها، أو يجهل الثمن.
فعدم العلم بالسلعة، عدم العلم بالثمن، عدم العلم بالأجل، إذا كان البيع مؤجلًا؛ كل ذلك مما يندرج في الغرر، والسبب في النهي عن الغرر أنه نوع من العقود التي يكون الإنسان فيها داخلًا في ظلمة وجهالة، ولا يدري أيدرك مطلوبه أو لا، أيخرج رابحًا أم خاسرًا.
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغرر، والغرر صوره كثيرة في معاملات الناس؛ قد تخفى وقد تبين، لكن ينبغي للإنسان أن لا يدخل في معاملة فيها غرر، إلا ما كان من الغرر مما يعفى عنه، ومما لا يمكن التحرز منه.
ثمة ضوابط للغرر المأذون فيه، لكن الأصل في الغرر هو ما نهت عنه الشريعة في نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الغرر، وذكر صورًا من بيع الغرر كبيع الحصاة، فالغرر يدخل في الثمن، يدخل في المبيع بأن لا يعلم صفاته، أو يخفى عليه ما يحتاج إلى العلم به، الغرر في الشروط بأن يكون فيها ما هو مجهول ولا يعلم، وما أشبه هذا؛ كله مما ينبغي تجنبه في المعاملات المالية.
•    
المقدم: جميل، فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث عن نقطة أخرى، وهي في الرد على الفكرة "الميكافيلية" القائمة على أن يستخدم الإنسان أية وسيلة للوصول لغايته.
نريد أن نتحدث عن الوسائل التي توصل إلى الأموال والمعاملات المالية؛ هل تأخذ الوسائل أحكام المقاصد أو لا؟
•    الشيخ: بالتأكيد الوسائل تأخذ أحكام المقاصد؛ ولهذا الشريعة لعنت في الربا خمسة، وليس واحدًا أو اثنين.
خمسة: الأطراف المباشرة: آكلَ الربا ومُوكِلَه، لكن لعن أيضًا كاتبَه وشاهديه، مع أن الكاتب والشاهد قد لا تعود عليهما مصلحة في هذه المعاقدة الربوية، لكن لما كانا وسيلة لإتمام هذا العقد وتوثيقه دخلا في التحريم.
وبالتالي مثل هذا الحديث يبين أن المعاملات الشرعية بل القاعدة الشرعية أن الوسائل لها أحكام المقاصد، والله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
وبالتالي كل ما أفضى إلى المحرم فإنه محرم، وكل ما أدى إلى واجب فإنه يُطلب ويُرغَّب فيه؛ إما أن يكون على وجه الوجوب العيني، أو على وجه الوجوب الكفائي، أو ما يناسبه من صفة الطلب بناءً على القاعدة: الوسائل لها أحكام المقاصد.
إذا سمحت لي في موضوع مهم.
•    
المقدم: تفضل.
•    
الشيخ: أحيانًا يدخل الإنسان في معاملة بناءً على أن الأصل الإباحة أو بناءً على أنه لا يوجد مشكلة وأنه لا يعرف شيئًا يمنعه منها أو يفضي إلى اعتقاده أنها محرمة، أو أحيانًا يُفتَى بفتوى من شخص فيتبين له أن ما أُفتي به ليس مطابقًا لمعاملته وأن المعاملة حرام، فماذا يصنع الآن فيما جرى في هذه المعاملات؟
الجواب: كل المعاملات التي يدخلها الإنسان معتقدًا أنها حلال ثم تبين له أنها محرمة فلا إثم عليه،  هذا هو الأمر الأول.
-
الأمر الأول: أنه لا إثم عليه.
-
الأمر الثاني: أن ما حصل من كسب ونتج عن هذه المعاملة لا وزر عليه فيها أيضًا.
ذلك أن الله تعالى عفا عما سلف، {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّه} [البقرة: 275]، ويكون له ما مضى من كسب.
هذا ما يتصل بهذه القضية؛ لأنه كثيرًا من الأحيان، يدخل الإنسان في أنواع من المعاملات، ثم يأتي يسأل يقول: كيف أصنع؟ وماذا أعمل والمعاملة على هذا النحو، وما أشبه هذا؟
الجواب: هو هذا؛ أن كل معاملة يدخلها الإنسان وهو يعتقد إباحتها فإنه لا حرج عليه فيها من جهة ما مضى، ويجب عليه أن يعالجها في المستقبل؛ إما بطلب التخلص من العقد إذا كان هذا ممكنًا فيما يمكن التخلص منه، وإما أن يمضي فيه بما يخلصه؛ فمثلًا اشترى سيارة بطريق محرم فلا يلزمه أن يبيعها، انتهت المعاملة، وحصل التقابض وتملَّك الشيء، فلا حرج عليه في هذه الحال.
فالمقصود أن القاعدة أن الشارع من رحمته بعباده أنه لا يرتِّب الأحكام إلا بعد العلم؛ فمَن جَهِلَ معاملةً من المعاملات ودخل فيها بصورة لا يعلمها، فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
لكن إن كان لها تبعات مستمرة، إن تمكن من الانفكاك منها فهذا هو المطلوب.
•    
المقدم: جميل، الحقيقة أنا أشكرك فضيلة الشيخ خالد المصلح (أستاذ الفقه في جامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء في منطقة القصيم)، في نهاية هذه الحلقة على إثرائك لهذه الحلقة، وتحدثنا فيها عن قواعد شرعية في المعاملات المالية.
شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ.
•    
الشيخ: بارك الله فيكم، وأسأل الله أن يرزقني وإياكم حلالًا طيبًا، ويغنيَنا بحلاله عن حرامه، ويحفظنا ويحفظ ولاتنا وبلادنا من كل سوء وشر، وينصر جنودنا المرابطين، ويوفق القائمين على الحج، وأن يقر أعيننا بكل ما تنشرح به صدورنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
والسلام علىكم ورحمة الله وبركاته.
•    
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات93793 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89654 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف