المقدم: في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم "وائل الصبحي"، ومن الإخراج الزميل "ياسر زيدان"، ومن الإشراف العام، الأستاذ "علي الثقفي"، سنستمر معكم -بمشيئة الله تَعَالَى- على مدى ساعة إلا قليلًا، فأهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم.
ضيف برنامجنا مستمعينا الكرام هو فضيلة الشيخ الدكتور "خالد المصلح"، أستاذ الفقه بـ"جامعة القصيم"، وعضو "لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم"، فضيلة الشيخ خالد السلام عليكم وأهلًا وسهلًا وحياك الله.
الشيخ خالد: وعليكم السلام ورحمة الله، مرحبًا بك أخي وائل، حيَّا الله الإخوة والأخوات، وأسأل الله تَعَالَى أن يجعله لقاءً نافعًا مباركًا.
المقدم: اللهم آمين، مستمعينا الكرام لمن أراد المشاركة معنا في بداية هذه الحلقة يمكنكم أن تشاركون عبر هاتفي البرنامج على الرقمين: 0126477117
أو عن طريق الهاتف الآخر على الرقم: 0126493028
أيضًا يمكنكم أن تشاركونا بإرسال رسالة نصية حول موضوع الحلقة، أو حتى بإرسال استفساراتكم سيجيب عنها فضيلة الشيخ بمشيئة الله تَعَالَى على الرقم: 0500422121
شيخ خالد، أبدأ معك هذه الحلقة -بمشيئة الله تَعَالَى-، ونحن نتحدث فيها عن موضوع مهم يهم المسلم في دينه وفي حياته، وهو موضوع الصلاة، ونتحدث تحت عنوان: "الصلاة نور".
ابتداء فضيلة الشيخ لو أردنا أن نتحدث عن (منزلة الصلاة في حياة المسلم)، ما هي المنزلة التي أولاها الشرع الحكيم لهذه الصلاة في حياة المسلم؟
الشيخ خالد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، مرحبًا بك أخي وائل، وحيّا الله الإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات، هذا الموضوع الذي سنتحدث عنه في هذه الحلقة موضوع يهم كل أحد من أهل الإسلام صغيرًا كان أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى؛ وذلك لأن لها من المنزلة والمكانة ما يجعلها في الذروة من العبادات والقربات التي ينبغي لكل من رجا سعادة الدنيا والآخرة أن يعتني بها، وأن يوليها اهتمامًا وعناية، هذا فضلا عن كون الصلاة لها تأثير بالغ في حياة الإنسان، في حياته الدنيا، وفي قبره، ويوم بعثه ونشوره، وفي فوزه بالجنة، نسأل الله تَعَالَى أن يبلِّغنا وإياكم فوز الدنيا والآخرة.
الصلاة أيها الإخوة والأخوات فيما يتعلق بمرتبها في شرائع الإسلام هي أول الأركان العملية، بعدها التوحيد والإقرار بالشهادة، فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ ضرب مثلًا للإسلام في البناء، وذلك تقريب لما يقوم به إسلام الإنسان وما يصلح به دينه، فقال صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ»، فمثَّل الإسلام بالبناء، وجعل لهذا البناء قواعد ودعائم وأركان لا يقوم ولا يشيد إلا بتوافرها وتحصيلها، وهي في المنزلة ليست على درجة واحدة، بل هي متفاوتة الدرجات إلا أنها جميعًا دعائم وركائز وأركان يقوم عليها الدين.
قال صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ»صحيح البخاري (8)، ومسلم (16) .
وهذا إفراد الله بالعبادة أن لا يُعبد سواه جَلَّ وَعَلا.
والثاني؛ الذي يندرج تحت هذه الشهادة: إفراد النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- بالاتباع، ذلك أننا لا نعبد إلا الله، ولا نعبده -جَلَّ وَعَلا- إلا بما شرع، إلا بما أتى به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ-؛ هذا معنى شهادة أن لا إله الله، وأن محمدًا رسول الله.
ثم بعد أن فرغ من ذكر هذه القاعدة الكبرى والأصل المتين، والأسِّ الأصيل الذي يبنى عليه الدين، ذكر النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- الأعمال التي يكمل بها دين المرء، فذكر أربعة أعمال، ابتدأها بالصلاة، فقال: «وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وحَجِّ البيتِ»؛ هذه الدعائم العملية، والأركان العملية التي يبنى عليها دين الإسلام، وبه ينتظم صلاح الباطن وصلاح الظاهر.
صلاح الباطن: بالتوحيد، وإفراد الله بالعبادة، وأنه لا إله غيره، فيمتلئ القلب محبة لله وتعظيمًا، وقبولًا لما جاء به رسوله -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- وانقياده، ويتم ذلك بامتثال تلك الأركان التي يقوم بها البناء، إقام الصلاة، وإقام الصلاة، هو الإتيان بها قائمًا، وذلك بأن يأتي بها على الوجه الذي أمر الله -عَزَّ وَجَلَّ- في أركانها، في شروطها، في واجباتها، في سائر ما يتعلق بها، وإيتاء الزكاة؛ أي بذل الزكاة، وهي الحق الذي فرضه الله تَعَالَى في مال المسلم.
وهذه الثلاثة: التوحيد مع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، نصَّ الله تَعَالَى عليها في قوله: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾البينة:5 ؛ هذا التوحيد، ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾البينة:5 ؛ أي قد جرَّدوا قلوبهم عن التعلق بغير الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فقلوبهم خالصة لله محبة وتعظيمًا، وعبادة وخضوعًا وذلًّا، وتوكلًا وإنابة، وبعد ذلك ذكر هذين العملين ﴿وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾البينة:5 ، فذكر إقام الصلاة، وذكر إيتاء الزكاة، وهما عنوان صلاح ما بين العبد وربه، وما بين العبد والخلق، فإقام الصلاة هي صلاح وعمارة صلة العبد بربه، نعم الصلاة صلته بالله -عَزَّ وَجَلَّ-، وإيتاء الزكاة هي صلته بالخلق، فإذا أعطى من ماله شيئًا طاعة لله عَزَّ وَجَلَّ، ورغبة فيما عنده، لا يرجو من المعطى جزاء ولا شكورًا، ولا ينتظر مكافئة ولا مقابلًا، فإنه يكون بذلك قد حقق العبادة التي هي دين القيمة، وهو امتثال ما أمر الله تَعَالَى به.
وبعد ذلك يأتي الصوم والزكاة، وهما عبادتان حَولِيَّتان، بخلاف الصلاة فهي عبادة يومية، والزكاة كذلك قد تكون حولية وقد تكون مَوسِميَّة، وذلك في ذكاة الثمار، لقوله تَعَالَى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾الأنعام:141 ؛ هذه الأعمال المباركة يتبين بها بناء الإسلام.
الصلاة من أهم الأعمال، ورأس الواجبات العملية؛ ولذلك كانت في الذروة من الاهتمام الشرعي حيث إن أكثر النصوص الشرعية، أكثر الأدلة في الكتاب والسنة تدور حول الأمر بالصلاة والحث عليها، والتأكيد على إقامتها، وبيان حاجة الإنسان إلى الإتيان بها على الوجه الذي يرضى به الله -عَزَّ وَجَلَّ-.
ثم مما يبين أهمية الصلاة: أنها من أول ما أمر الله تَعَالَى به من الأعمال التعبدية، بعث الله محمدًا -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فكان أول ما أمره به عبادة الله وحده لا شريك له، فجاء الأمر بعبادة الله وحده، وترك كل ما يعبد سواه، ثم عطف على هذا الأمر بإقام الصلاة.
﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾المدثر:1-5 ؛ هذه الآيات الكريمات من أوائل ما نزل على النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ-، وهي دائرة على إفراد الله بالعبادة، وطهارة القلب، وطهارة النفس من التعلق بغير الله، وترك كل ما يعبد سواه، ثم من أوائل ما نزل على النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ في الأوامر: إقام الصلاة، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾المزمل:1-4 ؛ هذه الآيات الكريمات هي أمر للنبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ ولمن آمن به أن يقوم الليل، وقيام الليل بالصلاة، وبالمعهود من قيام الليل من تلاوة القرآن، والركوع والسجود، والقيام لله -عَزَّ وَجَلَّ بذلك-، بهذا أدرك المشركون أهمية الصلاة، وعرفوا أنها من المهمات التي كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- يدعوهم إليها، فيما روى البخاري وغيره من حديث هرقل لما سمع بالنبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ وكان في الشام، طلب مَن يخبره عما جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ ويستجري حاله بعد أن ذاع سيطه -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ-، فطلب ممن عنده أن يحضروا له أناسًا من قريش، فكان قد وافق مجيء أبي سفيان وجماعة من المشركين إلى الشام، فجيء بهم إلى هرقل، وسأل عن أقربهم إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- فكان أبو سفيان هو أقربهم نسبًا للنبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، فقال له: إني سائلك فاصدقني، وجعل من معه من أهل مكة خلف أبي سفيان ليصدقوه على قوله، ويبينوا كذبه إن كذب في إجاباته على أسئلة هرقل.
كان من جملة ما سأل هرقل، سأل أسئلة كثيرة، الذي يهمنا من هذه الأسئلة بخصوص موضوعنا؛ وهو أهمية الصلاة، أن هرقل سأل أبا سفيان، فقال له: ماذا يأمركم؟
يعني بأي شيء يأمركم بعد جملة من الأسئلة، فأجابه أبو سفيان وكان مشركًا لم يؤمن بالنبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، هذا قبل هجرة النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، وهو في أوائل بعثته -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- لما ذاع سيطه وانتشر، قال: ماذا يأمركم؟ فأجابه أبو سفيان بإجابة مختصرة لخَّصت ما كان يدعو إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، والذي فهمه منه أعداؤه، والذين خاصموه من المشركين.
قال: يقول: "اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، واتركوا ما يقول آباؤكم"؛ وهذا هو تحقيق التوحيد؛ يعني يدعوهم إلى "لا إله إلا الله"، فبين أنه يأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، ثم قال: "ويأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصدق، والعفاف، والصلة"صحيح البخاري (7)، ومسلم (1773) ، وبهذا يتبين أن الأمر بالصلاة هو من أوائل ما كان يأمر به النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ الناس، وأدرك ذلك خصومه.
ومما يبين مكانة الصلاة، واستمرار النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- في الأمر بها والحث عليها، بيان فضائلها، والندب إليها، وخطورة إضاعتها، وعقوبة الساهي عنها، وعقوبة تاركها، كان صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ يديم التذكير بالصلاة حتى توفاه الله تَعَالَى كان يوصي أصحابه، حتى في سياق الموت وهو في السكرات صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ كان يقول لأصحابه في مرضه الذي توفي فيه: «الصلاةَ الصلاةَ»مسند أحمد (26483)، وسنن ابن ماجه (625)، وصححه الألباني ؛ وهذا لتأكيد أهميتها، وفي اليوم الذي توفي فيه صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ وهو يوم الإثنين، كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- قد تأخر عن أصحابه في الصلاة لمرضه، وكان يصلي بأصحابه أبو بكر، ففي صباح ذلك اليوم الذي توفي فيه صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، كشف صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ الستر وهو في حجرته صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ في بيته، فنظر إلى أصحابه، وهم يصلون خلف أبي بكر رَضِي اللهُ عَنْهُ، فسُرَّ وابتهج صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَسنن ابن ماجه (1599)، وصححه الألباني ، وكان هذا من آخر ما تفقد به النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ أصحابه، وهو اجتماعهم على الصلاة.
هذا يبين لنا مكانة الصلاة وأهميتها، ويبين منزلتها، وأنها من أعظم شعائر الدين، ومن أهم أركان الإسلام، وهي عماد الدين في حفظه، والحفاظ عليه، وإقامته، ولهذا كان في المنزلة كما وصف النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ في حديث معاذ بن جبل لما سأله، فقال له رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ-: «ألا أُخبِرُك بِرأسِ الأمرِ، وعمودِه، وذِروَةِ سَنامِه؟ قلت: بلَى، يا رسولَ اللهِ»، فجاء الجواب قال صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «رأسُ الأمرِ الإسلام»؛ يعني التوحيد "لا إله إلا الله"؛ هذا رأس الأمر، أن تفرد الله بالعبادة، أن تحقق خلوَّ قلبك من التعلق ومحبة وتعظيم غير الله -عَزَّ وَجَلَّ-، بألا يكون في قلبك حبٌّ وتعظيم عبادي إلا لله وحده لا شريك له -سبحانه وبحمده-، «رأسُ الأمرِ الإسلام، وعمودُه الصَّلاةُ» عموده: أي الذي يُقيمُه، وينتظم به البناء ويصلح، «وذِروةُ سَنامِهِ الجِهادُ فِي سَبيل الله»سنن الترمذي (2616) وقال: هذا حديث حسن صحيح .
والحديث عن مكانة الصلاة وأهميتها في شرائع الدين، ونصوص النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ الواردة عنه في ذلك، لا يتَّسِع لها المجال، هذه إشارات، وحتى تعرف إدراك الصحابة لأهمية الصلاة في صلاح حال الإنسان وقيامه بالأمانة وصلاح معاشه ومعاده، هذا عمر بن الخطاب رَضِي اللهُ عَنْهُ يكتب لأمراء الأمصار: «إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلَاةُ، فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا، حَفِظَ دِينَهُ»موطأ مالك رواية يحيى (6)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (2096) وفي سنده انقطاع ؛ وهذا بيان أن المحافظة على الدين والعناية به الميزان التي توزن به، ويعرف مدى محافظتك على دينك، وإقامتك لما أمرك الله تَعَالَى به من العبادة له وحده لا شريك له هو أن تنظر إلى حالك مع الصلاة.
وقد جاء في قول الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- في كتاب السنة "من أراد أن يعرف قدر الإسلام في قلبه، فلينظر إلى قدر الصلاة في قلبه"؛ وهذا معنى قوله: «فَمَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا، حَفِظَ دِينَهُ».
هذه بعض الكلمات الموجزة فيما يتعلق بمكانة الصلاة ومنزلتها في الدين، وفي إصلاح ما بين العبد وربه، أرجو أن يكون فيها بعض الإيضاح لما نحن في صدده من بيان منزلة الصلاة وأهميتها.
المقدم: بإذن الله، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة -بعده بمشيئة الله تعالى- نكمل حول أيضًا منزلة الصلاة في ديننا الإسلامي، وكيف أن هي الشريعة الوحيدة التي فرضت في السماء السابعة، فرضها الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- على نبينا الأكرم -عليه الصلاة والسلام- في رحلة الإسراء والمعراج، سنكمل الحديث -بمشيئة الله تَعَالَى- بعد فاصل قصير، مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة بعده نكمل الحديث -بمشيئة الله تَعَالَى- فابقوا معنا.
المقدم: حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة لمن أراد المشاركة معنا يمكنكم أن تشاركون عبر هاتفي البرنامج على الرقمين: 0126477117، أو عن طريق الهاتف الآخر على الرقم: 0126493028.
أيضًا يمكنكم أن تشاركون بإرسال رسالة نصية عبر تطبيق الواتساب على الرقم: 0500422121
فضيلة الشيخ خالد أهلًا وسهلًا بك مجددًا.
الشيخ خالد: أهلًا وسهلًا بكم، حياك الله.
المقدم: شيخ خالد نعود إلى ما كنا نتحدث به تحت عنواننا لهذه الحلقة وهو "الصلاة نور"، كنت أريد أن نتحدث حول منزلة الصلاة أيضًا، ومن ثم ننتقل إلى الأثر الذي يجده المسلم في حياته من الصلاة التي يتقرب بها إلى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، الأثر الذي يجده في دينه في دنياه، في حياته العامة، لكن قبل ذلك فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث أيضًا أن الصلاة هي العبادة الوحيدة، وهي الأمر الوحيد الذي فرض في السماء السابعة على نبينا محمد -صلوات ربي وسلامه عليه-، إن دلَّ على شيء إنما يدل على عظم منزلة هذه الصلاة.
الشيخ خالد: أولًا مثل ما أشرت ما يتعلق بمكانة الصلاة، مكانة الصلاة لا يحيط بها بيان، فأكثر النصوص الشرعية دائرة في بيان أهمية الصلاة وعظيم مكانتها، وتأكيد إقامتها، والمحافظ عليها، وما إلى ذلك من المعاني التي تدور على هذا المعنى، ما أشرت إليه من كون الصلاة فرضت على النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- في معراجه -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- عندما عرج به صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ إلى السماء في ذلك الحدث العظيم الجليل الذي ذكره الله تَعَالَى في كتابه في موضعين:
• فالإسراء ذكره في سورة الإسراء: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾الإسراء:1 .
• وفي سورة النجم حيث ذكر العروج به صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، وما رآه عند سدرة المنتهى.
الصلاة فرضها الله تَعَالَى كما ذكرنا، أو شرعها الله تَعَالَى على أهل الإيمان من أوائل بعثة النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا﴾المزمل:1-3 ، واستمر فرض قيام الليل على أهل الإيمان عامًا، ثم خفف الله تَعَالَى ذلك في قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ﴾المزمل:20، إلى آخر الآية، فرخَّص الله تَعَالَى فيما أمر به من قيام الليل لأهل الإسلام، فكانوا يصلون حتى كان قبل هجرة النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنوات، عرج به -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- إلى السماء، وكان من الحوادث الكبرى التي جرت في ذلك المعراج: أن الله تَعَالَى فرض الصلاة على النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- على النحو الذي استقر الأمر به على أمة الإسلام.
كان فرض الصلاة في ابتداء الأمر: أن الله تَعَالَى فرض على الناس خمسين صلاة في اليوم والليلة؛ وهذا عدد كثير من حيث المقارنة بما استقر عليه الفرض، فلما فرض الله تَعَالَى على نبيه -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- هذا العدد، أخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ فرض الله تَعَالَى، ومرَّ بموسى، فلما مرَّ بموسى سأله: «ما فَرَض الله على أمتك؟ فقال: فرض خمسين صلاة، فقال موسى للنبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: فارجع إلى ربك فإن أمتك لا تُطِيق ذلك، فَرَاجعه، فوضَعَ شَطْرَها»؛ يعني صارت خمسًا وعشرين، فراجعه، ثم لم تزل المراجعة حتى استقر الأمر على خمس صلوات في اليوم والليلة؛ وهي خمسون في الميزان، في حساب رب العالمين، وفيما يجريه من الأجر، فهي خمس في العدد خمسون في الميزان، ما يبدل القول عند ربنا جَلَّ وَعَلاصحيح البخاري (349)، وصحيح مسلم (163) .
فهذا الفرض المباشر الذي فرضه الله تَعَالَى على رسوله دون واسطة، هو من خصائص الصلاة، ومما يبين مكانتها، فإن النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- لما عرج به إلى السماء بلغ منزلة لم يبلغها أحد، وجاء إلى مكان سمع فيه صريف الأقلام؛ صوت أقلام الملائكة وهي تكتب ما في اللوح المحفوظ من أقدار الله -عَزَّ وَجَلَّ- وأقضيته، ففي ذلك الموقف أوحى الله تَعَالَى إلى رسوله ما أوحى، وكان منه أن فرض عليه خمسين صلاة في كل يوم وليلة كما تقدم؛ هذا يبين شريف الصلاة، ومنزلتها حيث تولى الله -جَلَّ وَعَلا-فرضها، وحيث فرضها خمسين صلاة في اليوم والليلة، وهذا يبين حاجة الناس إلى الصلاة، الله -عَزَّ وَجَلَّ- من رحمته بعباده، أنه لا يفرض عليهم شيئًا إلا ولهم فيه مصلحة، ولهم فيه حاجة.
ولهذا لما كانت حاجة الناس إلى الصلاة لما فيها من الخيرات، وما فيها من جميل الآثار فإنه فرضها خمسين أول الأمر، ثم جرى التخفيف حتى استقر على خمس صلوات مكتوبات، وهي الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء على النحو المعروف، هذه الصلوات المفروضة من حفِظها حفظ دينه، ومن أضاعها أضاع ما يستقيم به دينه.
ومما يبين شريف مقام الصلاة وأهميتها أنا نحن يوم القيامة كلنا سنرد على الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ﴾الانشقاق:6 ، كلنا سيلقى الله -جَلَّ وَعَلا-، وسيحاسبنا -سُبْحَانَهُ وَبحمده- على أعمالنا، نسأل الله أن يجعله حسابًا يسيرًا، وأن يجعلنا ممن يفوز يوم لقائه -جَلَّ وَعَلا-، أول ما يسأل عنه الإنسان من العمل بعد التوحيد يسأل عن الصلاة، جاء ذلك فيما رواه أبو هريرة -رَضِي اللهُ عَنْهُ- في السنن: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ قال: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ: صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ»سنن أبي داود (864)، وسنن الترمذي (413) وصححه الألباني ، وصلاح الصلاة بالإتيان بالمفروض منها؛ الواجب على الوجه الذي فرض، مقيمًا، هذه الصلوات الخمس في أركانها في شروطها، في واجباتها؛ هذا هو صلاح صلاته، أن تأتي بها على نحو ما فرض الله، أن تقيمها رغبة فيما عند الله، أن تقيمها في أركانها، في شروطها، في واجباتها، إذا فعلت ذلك فأبشر، فإنك قد أصلحت صلاتك، ومن أصلح صلاته فقد أفلح وأنجح؛ وهذا وعد لا يخلف.
وإن فسدت بتركها، أو بنقصها والتفريط فيها، أو بعدم إقامتها في أركانها وشروطها وواجباتها؛ فإنه قد خاب وخسر، وله من الخيبة والخسار بقدر ما يتطرق إلى صلاته من الفساد، فإن فسدت كلها خاب وخسر خسرانًا مطلقًا، وإن فسد بعضها كان له من الخيبة والخسار بقدر ما انتقص من فريضته؛ ولهذا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: « إِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ - عَزَّ وَجَلَّ-: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ»؛ أي هل له نافلة يتنفل بها في الصلاة، «فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ»سنن أبي داود (864)، وسنن الترمذي (413) وصححه الألباني ؛ يعني على هذا النحو، ينظر أولًا في الواجب والفرض، ثم ينظر بعد ذلك في تكميل ما يمكن أن يكون من النقص بالتطوعات، وبالمندوبات من الأعمال.
هذا يبين أهمية الصلاة، فإن النجاح يوم القيامة، والفوز يوم القيامة، إنما هو بقدر ما يحقق الإنسان من إقامته لهذه الصلاة، وقد جاء في المسند، وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن عمر أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- ذكر الصلاة، وقال: «من حافظ عليها كانت له نورًا، وبرهانًا، ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور، ولا نجاة ولا برهان»مسند أحمد (6576)، وقال محققو المسند: إسناده حسن ، فجدير من أن يعتني بالصلاة، وأن تكون أهم ما يهمه ويشغله في أعماله في يومه وليلته، أن يأتي بالصلاة على النحو الذي أمر الله عَزَّ وَجَلَّ، فهي أحب الأعمال إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-.
وقد قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ- لما سئل عن أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها»صحيح البخاري (527)، ومسلم (85) ؛ يعني الصلاة في أول وقتها، لذلك من الضروري أيها الإخوة والأخوات بعد هذه الجملة المختصرة، وهي نبذة حول أهمية الصلاة، ومكانتها ومنزلتها في الشريعة: أن يعتني الإنسان بها، والإخلال بها نذيرُ شرٍّ وشؤم، وخطر على الإنسان في دينه ودنياه، «فالعَهْدُ الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كَفَر»سنن الترمذي (2621)، وابن ماجه (1079)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب ، «وبين الرجل والكفر ترك الصلاة»صحيح مسلم (82) ، وقال الله تَعَالَى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ﴾الماعون:4 ، وقال: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾المدثر:42-43 ، وقال -جَلَّ وَعَلا-: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾مريم:59 .
كل هذه النصوص وما قبلها تبين أنه ينبغي لنا جميعًا أن يكون أهم ما يشغلنا هو أن ننجح في إصلاح صلاتنا، أن تكون صلاتنا صالحة، فإذا كان همك ذلك يسَّر الله تَعَالَى لك إصلاح صلاتك عند ذلك تصلح أمورك في دينك ودنياك.
المقدم: فضيلة الشيخ، يبدو أن أثناء الحديث أشرنا إلى بعض الأمور التي يجدها المسلم من الآثار الطيبة التي يجدها المسلم في حياته بمحافظته على هذه الصلاة، لكن إذا كان هناك إضافة بسيطة قبل أن نذهب إلى الفاصل الثاني فضيلة الشيخ.
الشيخ خالد: نعم أخي الكريم، من آثار الصلاة العظيمة: أنها سكن للنفس، طمأنينة، ولذلك هي مناجاة، وصلة بين العبد وربه، والصلة التي بين العبد وربه -جَلَّ وَعَلا- هي أهم الصلات والعلاقات، متى ما صلحت هذه الصلة، صلحت بقية الصلات؛ لأن صلاح صلتك بالله ينعكس هذا على صلاح كل الصلات الأخرى في حقوق الخلق القريب والبعيد، الخاص والعام، الصلاة صلة بين العبد وربه، ولذلك كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، والسجود يكون في الصلاة، فإذا أردت القرب من الله الذي القرب منه سعادة الدنيا، وفوز الآخرة، فاقترب منه بأن تقول: الله أكبر، صلِّ، قف بين يديه، واسجد له خاضعًا -جَلَّ وَعَلا-، فإنك أقرب ما تكون من ربك وأنت ساجد.
والقرب من الله سعادة وطمأنينة، ونجاح وفوز، وبهجة، ولذة، لا يعدلها شيء، الصلاة مناجاة، والمناجاة معناها محادثة بينك وبين الله -عَزَّ وَجَلَّ-.
أحيانًا تحادث بعض من تحب فتشعر بالسرور لمحادثته، وتتمنى أن يطول حديثك معه، وأن لا تنقطع هذه المحادثة بينك وبينهم، صلاتك محادثة؛ مناجاة بينك وبين الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ولهذا جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ قال: «قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي»؛ وهذا من فضل الله وكرمه وعظيم إحسانه وبره بعبده، يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ-: «يقول الله عَزَّ وَجَلَّ: فإذا قال المصلي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:1] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي يَقُولُ الْعَبْدُ: {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}[الفاتحة:2] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي يَقُولُ الْعَبْدُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:3] يَقُولُ تَعَالَى: مَجَّدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:4] يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، يَقُولُ الْعَبْدُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:5] »؛ أشرف الأدعية، وأعظم المطالب، وأكرم المسائل، هذا السؤال، «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}[الفاتحة:5-7] » إذا قال العبد هذه المسألة، قال الله -عَزَّ وَجَلَّ- بفضله، وكرمه ومنه، وعظيم جوده وإحسانه: «فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي»؛ يعني هذه المسائل أعطيها عبدي من فضلي وكرمه «وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ»صحيح مسلم (395) ، لذلك يشرح الله تَعَالَى صدر العبد إذا أقبل عليه، وتدبر ما يقوله في صلاته، وأقبل عليه بقلبه في قيامه وركوعه، وقراءته وسجوده، وجد من الروح والطمأنينة، ما لا يجده بغيره من العبادات، ولذلك قال الله تَعَالَى في بيان آثار الصلاة، وأن من أعظم آثارها: امتلاء القلب بذكر الله، واللسان بذكر الله، والجوارح بذكر الله الذي به تطمئن القلوب، قال: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾العنكبوت:45 .
فأكبر ما في الصلاة من فوائد: هذه المناجاة التي تمتلئ بها القلوب محبة لله، وتعظيمًا وإقبالًا وإجلالًا له -سبحانه وبحمده-، فيدرك بذلك العبد انشراحًا وبهجة وسرورًا، وطمأنينة، تخف عليه أعباء الحياة، ويخف عليه أثقال ما يلقاه من مصاعبها، وينشرح صدره بطيب المستقبل وجماله، ويجد له ملاذًا وملجأ يلوذ به فيما يأمله، ويعوذ به فيما يخاف، ويحذر فتسكن نفسه وتطمئن.
هذه بعض اللمحات التي ينبغي أن نستحضرها في الصلاة؛ لأن الصلاة في ذهن بعض الناس أنها حق لله واجب تفعله وانتهت القصة، ليس لها تأثير، ولا لها أثر، وقد يظن العبد أنه لا ينتفع من هذا العمل شيء في حين أنه المقصود بالصلاة هو انشراح صدرك، وصلاح حالك هو قربك من ربك، هو إعانتك، ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾البقرة:45 .
المقدم: اللهم اجعلنا منهم، اللهم آمين، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل ثاني في هذه الحلقة بعده -بمشيئة الله تَعَالَى- نكمل الحديث، وأيضًا نستعرض مجموعة من الأسئلة التي وردت من المستمعين الكرام سنستعرضها -بمشيئة الله تَعَالَى-، مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل ثاني بعده نكمل الحديث فابقوا معنا.
حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير "إذاعة نداء الإسلام" من "مكة المكرمة"، ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ "خالد المصلح" أستاذ الفقه بـ"جامعة القصيم"، وعضو "لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم"، فضيلة الشيخ خالد أهلًا وسهلًا بك مجددًا.
الشيخ خالد: حياك الله يا أخي مرحبًا بك.
المقدم: فضيلة الشيخ خالد، وردتنا بعض الأسئلة فيما يتعلق بموضوعنا ونحن نتحدث تحت عنوان: الصلاة نور، هذا الأخ محمد من الرياض يسأل عن الأمور التي تساعد المسلم على الخشوع في صلاته، يقول: إن كثيرًا من الناس يفتقدون الخشوع في صلاتهم، هل هناك أمور معينة تساعد الإنسان على الخشوع في صلاته؟
الشيخ خالد: الخشوع هو أهم صفات الصلاة، وهو روحها؛ ولذلك قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾المؤمنون:1-2 ، فالخشوع من مهمات الأعمال في الصلاة وهو عمل القلب، وهو ثمرة محبة الله وتعظيمه وإجلاله، وإدراك عظيم حقه -جَلَّ وَعَلا-، ومما يساعد على تحقيق الخشوع في الصلاة إحسان التهيؤ لها بإسباغ الوضوء، وبتكميله، وكذلك بالتقدم بالصلاة ركعتين قبل الفريضة؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «بين كل أذانين صلاة»صحيح البخاري (624)، ومسلم (304) ، ومما يساعد على تحقيق الخشوع في الصلاة عندما تقف قبل أن تقول: الله أكبر تحذر أنك واقف بين يدي ربك، وأن الله ينصب لك وجهه -جَلَّ وَعَلا، سبحانه وبحمده-، هذا المعنى استحضره عند صلاتك، وستجد له كبير الأثر في إقامة صلاتك على الوجه الذي يتحقق به لك مرتبة الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
مما يحصل به الخشوع في الصلاة: أن يلتزم الإنسانُ هدي النبي في صلاته «صلوا كما رأيتموني أصلي»صحيح البخاري (631) في قيامه، في موضع بصره، في ركوعه في صفة سجوده، في قراءته، فليحرص على ذلك فإنه مما يدرك به الإنسان الخشوع في صلاته.
عدم الاستسلام للوساوس بدفعها والبعد عنها مما يدفع عن الإنسان ما يشرد به ذهنه، ويذهب عنه الوساوس، إدراكك أن أجرك في صلاتك على قدر حضور قلبك فيها، ومما يعينك على الخشوع؛ ولذلك ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ العبدَ لَيصلِّي الصَّلاةَ ما يُكتُبُ لَهُ منْها إلَّا عُشرُها، تُسعُها، ثمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خمسُها، ربعُها، ثلثُها نصفُها»مسند أحمد (18894)، وسنن أبي داود (796)، وحسنه الألباني ، وذلك في تفاوت حضور القلب في الصلاة والخشوع فيها.
المقدم: هذا أيضًا سائل يقول: يسأل عن أوقات النهي عن الصلاة؟
الشيخ خالد: أوقات النهي عن الصلاة هي أوقات محدودة؛ وهي بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس قدر رمح، يعني بعد شروق الشمس بقريب من اثنتي عشرة دقيقة، من بعد الصلاة إلى ارتفاع الشمس بعد شروقها باثنتي عشرة دقيقة، فينبغي التقويم بوقت الشروق يزيد عليه اثنتي عشرة دقيقة بعدها ينتهي وقت النهي، وقبل الظهر بخمس إلى سبع دقائق؛ هذا وقت النهي الثاني، وقت النهي الثالث: من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهذا النهي إنما هو عن صلاة لا سبب لها، أما ما له سبب من الصلوات كأن يدخل المسجد فيصلي ركعتين، أن يتوضأ فيصلي ركعتين، أن يطوف بالبيت فيصلي ركعتين؛ هذا لا ينهى عنه؛ لأن النهي إنما هو عن صلاة لا سبب لها، أما ما له سبب من صلوات فلا ينهى عنه.
المقدم: جميل، أيضًا فضيلة الشيخ هذا سائل يقول: أنه مسافر، ويذهب ليصلي مع الجماعة في المسجد، كيف يأتي برخصة السفر وهي القصر ويصلي جماعة مع المسجد؟
الشيخ خالد: الرخصة في القصر إذا صلى الإنسان منفردًا، أو صلى مع جماعة مسافرين، أو صلى إمامًا بهم، أما إذا صلى مأمومًا خلف من يتم، فالواجب أن يتم، ولا يكون بذلك قد فوت شيئًا؛ لأنه أتى بواجب، فالقصر سنة، والإتمام في هذه الحال واجب، فلا يكون قد فاته شيء، لكن من مثلًا دخل المسجد في صلاة الظهر وصلى وهو مسافر، وصلى معهم، وأحب أن يصلي العصر؛ لأنه أرفق به؛ فيجوز له الجمع، فيقدم صلاة العصر مباشرة بعد سلامه، ويصلي العصر قصرًا؛ لأنه صلاها منفردًا، أو صلاها إمامًا بجماعة أخرى، فيصليها ركعتين.
المقدم: فضيلة الشيخ قبل أن نختم هذا اللقاء إذا كان لكم كلمة أخيرة أود إضافتها في موضوعنا وهو عن الصلاة نور.
الشيخ خالد: والله يا إخواني ويا أخواتي أنا أقول في ختام هذه الحلقة: من المهم أن نعتني بشأن الصلاة، نعتني بها في أنفسنا كل واحد منا يسأل نفسه: كيف صلاته؟ وينظر في مدى إقامته لها، أيضًا أمرنا الله تَعَالَى بأن نأمر أهلنا بالصلاة، قال: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾طه:132 فلنتفقد أهلينا من أبنائنا وبناتنا وسائر من نحن منهم وهم منا بالتفقد الذي يرغبهم في الصلاة، يبين لهم فضائلها، يبين لهم أهميتها، يحثهم عليها، ولنبادر بهذا منذ الصغر؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ قال: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ»سنن أبي داود (494) وقال الألباني: إسناده حسن صحيح ؛ وهذه فترة مبكرة من أول مراحل التمييز؛ وهذا يبين أهمية الصلاة أنها يؤمر بها الإنسان من أوائل إدراكه، حيث قال: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ»، والسبع هي السن الذي يكتمل فيه غالبًا؛ يعني إمكانية التمييز، والإدراك قد يحصل قبل ذلك، لكن بالسبع يتم القدرة على التمييز وملكة التمييز، فأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع، فلنتفقد، ولنتعاون، ولنصبر؛ لأن الأمر بالصلاة فيه نوع من المشقة؛ لأنها متكررة ودائمة، لكن الله -عَزَّ وَجَلَّ- ندبنا إلى الأمر، وأمرنا بالاصطبار، ووعدنا على ذلك جميل العاقبة، ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾طه:132 .
أسأل الله أن يحسن لي ولكم العاقبة، نجد ونجتهد في المحافظة على الصلاة، والتأكيد على أهميتها وتحبيب أولادنا ذكورًا وإناثًا بالصلاة، ونبين شريف مكانتها، ويمكن للإنسان أن يقرأ مع أولاده في بيته جملة من الأحاديث عن أهمية الصلاة ومكانتها بين فترة وأخرى، هذا أمر يحتاج فيه إلى التذكر والتذكير، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من مقيمي الصلاة، وأن يحفظ علينا ديننا، وأن يتمم لنا الصالحات، وأن يجعلنا من الموفَّقين لما يحب ويرضى في السر والعلن، وأوصي بالاستكثار من النوافل والطاعات فالصلاة خير موضوع[مسند أحمد:ح21546، وحسنه الألباني في صحيح الجامع:ح3870]، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، فلنستكثر منها، ولنسأل الله القبول، والفضل منه جَلَّ وَعَلا، وأسأل الله تعالى أن يحفظ بلادنا، والمسلمين من كل سوء وشر، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يجعل لهم من لدنه سلطانًا نصيرًا، وأن يوفق جميع المسلمين إلى خير الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.