إِنَّ الحَمْدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعيِنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتوُبُ إِلَيْهِ، وَنَعوُذُ بِاللهِ مِنْ شروُرِ أَنْفُسِنا وَسَيِّئاتِ أَعْمالِنا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَليًا مُرْشِدًا, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ، صَفِيُّهُ وَخليِلُهُ، خِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، أَمينُهُ عَلَىَ وَحْيِهِ، صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اتَّبَعَ سُنَّتَهُ وَاقْتَفَىَ أَثَرَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ, أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقوُا اللهَ أَيُّها المؤْمِنوُنَ، اتَّقوُا اللهَ تَعالَىَ وَراقِبوُهُ سُبْحانَهُ، وَأَطيعوُا أَمْرَهُ، وَاحْذَروُا مَعْصِيَتَهُ؛ فَإِنَّكُمْ عَمَّا قريِبٍ مُلاقوهُ، وَاتَّقوُا اللهَ وَاعَلَموُا أَنَّكُمْ مُلاقوُهُ وَبَشِّرِ المؤْمِنينَ.
عِبادَ اللهِ, حُبُّ الأَوْطانِ فِطْرَةٌ جَبَلَ اللهُ عَلَيْها النُّفوسَ وَرَكَزَها في الطَّبائِعِ، وَأَسْكَنها شَغَفَ القُلوُبِ، فَقَرَنَ اللهُ تَعالى حُبَّ الأَوْطانِ بِحُبِّ الأَرْواحِ، فَقالَ جَلَّ في عُلاهُ: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾النساء:66. فَحُبُّ الأَوْطانِ شعورٌ جِبِلِّيٌ فِطْرِيٌّ يَخْفِقُ في قَلْبِ كُلِّ إِنْسانٍ تِجاهَ وَطَنِهِ وَمُرَبَّاهُ، وَمَوْضِعَ نَشْأَتِهِ وَمَنْزِلَهِ، وَقَدْ يَزيِدُ هَذا الشُّعوُرُ في قُلوُبِ النَّاسِ لأَسْبابٍ: إِمَّا لجمالِ طَبيعَةٍ في المكانِ، أَوْ لِرَغَدِ عَيْشٍ فيهِ، أَوْ شُيوُعِ أَمْنٍ أْوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَسْبابِ.
وَقَدْ حَباكُمُ اللهُ أَهْلَ هَذِهِ البِلادِ السُّعوُدِيِّةِ وَطَنًا لا كَسائِرِ الأَوْطانِ، فَوَطَّنَكُمْ ـ يَرْعاكُمُ اللهُ ـ مَهْبِطَ الوَحْيِ، وَمَأْرِزَ الإيمانِ، وَأَرْضَ الحَرَمَيْنِ، وَقِبْلَةَ المسلمينَ، وَطَنَكُمْ يَرْعاكُمُ اللهُ جمَعَ َاللهُ لَكُمْ فيِهِ صَفاءَ العَقيدةِ، وَنَقاءَ التَّوْحيدِ، وَتَحْكيمَ الشَّريِعَةِ، وَظُهوُرَ السُّنَّةِ كُلُّ ذَلكَ بِبَرَكَةِ ما أَجْراهُ اللهُ مِنْ دَعْوَةِ الإِمامَيْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُعوُدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ في القَرْنِ الثَّاني عَشَرَ الهِجْرِي، وَقَدْ تَجَدَّدَ ذَلِكَ وَنَما وَرَبا بِما مَنَّ اللهُ عَلَىَ أَهْلِ هَذِهِ البِلادِ مِنْ تَوْحيدِها عَلَىَ يَدِ الملِكِ المؤَسِّسِ الإِمامِ عَبْدِ العزيزِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ آلَ سَعوُدٍ رَحِمَهُ اللهُ.
فَقامَتْ هَذهِ الدَّوْلَةُ المباركَةُ عَلَىَ أَصْلٍ مَتينٍ مِنْ سَلامَةِ العقيدَةِ، وَصِحَّةِ العَمَلِ، وَتَحْكيمِ الشَّريِعَةِ وَالسُّنَّةِ في وَسَطِيَّةٍ وَاعْتِدالٍ لا غُلُوَّ وَلا جَفاءَ، لا إِفْراطَ ولا تَفْريِطَ, وَعَلَىَ هَذا الصِّراطِ القويمِ جَرَىَ ملوُكُ هذهِ البِلادِ وَعُلَماؤُها، وَجَرَىَ عَلَيْها شَعْبُها إِلَى يَوْمِنا هَذا؛ فَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ, وَأَعْظَمَ اللهُ لِوُلاةِ الأَمْرِ في هَذِهِ البِلادِ وَلِعُلمائِها الأَجْرَ, وَأَسْكَنَهُمُ الفِرْدَوْسَ مِنَ الَجنَّةِ.
وَطَنُكُمْ ـ يَرْعاكُمُ اللهُ ـ امْتَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فيِهِ بِالائْتِلافِ وَالاجْتِماعِ، فَلا أَحْزابَ مُفَرِقَّةً، وَلا جماعاتٍ مُشَتَّتَةً، وَلا عَصَبِيَّاتٍ مُمَزَّقَةً فَأَنْتُمْ بِفَضْلِ اللهِ في انْسِجامٍ وَالتِئامٍ وَوَحْدَةٍ وَتَوْحيِدٍ وَاجْتِماعِ كَلِمَةٍ تَحْتَ رَايَةٍ جامِعَةٍ، وَبَيْعَةٍ شَرْعِيَّةٍ راسِخَةٍ، فللهِ الحَمْدُ وَالمنَّةُ.
وَطَنُكُمْ يَرْعاكُمْ اللهُ وَارِفُ الأَمْنِ، راسِخُ الأَمانِ، سابِغُ النِّعَمِ، راغِدُ العَيْشِ، وافِرُ الصِّحَّةِ، سَلَّمَكُمُ اللهُ فيِهِ مِنْ ظُهوُرِ الأَسْقامِ وَشُيُوعِ الأَوْبِئَةِ وَالأَمْراضِ وَالفُرْقَةِ والاخْتِلافِ، وَالشُّروُرِ وَالفِتَنِ فَللهِ الحَمْدُ وَالِمنَّةُ.
وَطَنُكُمْ يَرْعاكُمُ اللهُ ماجِدٌ ماضيِهِ، جميلٌ حاضِرُهُ، وَاعِدٌ مُسْتَقْبَلُهُ بِرُؤْيَةٍ تَبْني الإِنْسانَ وَتُطَوِّرُ العُمْرانَ وَتُسابِقُ إِلَىَ السُّمُوِّ عَلَىَ سائِرِ البُلْدانِ، فَللهِ الحَمْدُ وَالمنَّةُ.
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, نِعَمُ اللهِ عَلَيْنا في هَذِهِ البِلادِ السُّعوُدِيَّةِ كَثيرَةٌ وَفيرَةٌ، فَمَهْما عَدَدْنا مِنَ النِّعِمِ فَنِعَمُ اللهِ تَتْرَىَ، فَنِعَمُهُ لا يُحْصيِها العادُّوُنَ ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾إبراهيم:34. عبد الله, الشكر قيد النعم، ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾إبراهيم:7، فَإِنَّ شَكَرْتَ النِّعَمَ قَرَّتْ وَنَمَتْ، قالَ عُمُرُ بْنُ عَبْدِ العزيزِ: "قَيِّدُوا النِّعَمَ بِالشُّكْرِ"أَخْرَجُهُ ابْنُ أَبي الدُّنْيا في الشُّكْرِ ح(27), وَاعْلموُا ـ يَرْعاكُمُ اللهُ ـ أَنَّ شُكْرَ ما أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْكُمْ بِهِ في هَذِهِ البِلادِ في وَطَنِكُمْ السُّعوُدِيَّةِ يَكوُنُ بِالمقالِ وَبِالفِعالِ.
أَلا وَإِنَّ مِنْ شُكْرِ اللهِ بِالمقالِ الَّذي تَشْكروُنَ بِهِ اللهَ عَلَى ما أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ في وَطَنِكُمْ: اللَّهَجَ بَحَمْدِ اللهِ وَالثَّناءَ عَلَيْهِ آناءَ الَّليْلِ وَالنَّهارِ، فَإِنَّ اللهَ يَرْضَىَ عَنِ العَبْدِ يَأْكُلُ الأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْها، وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْها، وَأَنْتُمْ في بِلادِكُمْ تَتَقَلَّبوُنَ وَللهِ الحَمْدُ في نِعَمٍ عَظيمَةٍ كَثيرَةٍ فاحْمَدوُا اللهَ عَلَيْها وَسلوُهُ المزيِدَ مِنْها؛ شُكْرُ القليِلِ يُوجِبُ العطاءَ الجزيلَ الكَثيرَ.
ومِنْ شُكْرَ اللهِ بِالمقالِ الَّذي تَشْكروُنَ بِهِ اللهَ عَلَىَ ما أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ في وَطَنِكُمْ السُّعوُدِيَّةِ: تَعْدادُ النِّعَمِ؛ كَما قالَ اللهُ تَعالَىَ: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾الضُّحَىَ:11، تَحَدَّثوُا أَيُّها المؤْمِنوُنَ بِنِعَمِ اللهِ عَلَيْكُمْ في هذهِ البِلادِ، تَذَكَّروُا نِعَمَ اللهِ تَعالَىَ عَلَيْكُمْ وَقوُلوُها بِأَلْسِنَتِكُمْ ذَكِّروا أَنْفُسَكُمْ وَأَوْلادَكُمْ وَأَهْليِكُمْ وَالنَّاسَ أَجْمعينَ بِنِعَمِ اللهِ تَعالَىَ تَذَكُّرًا لِنِعَمَهِ، ثَناءً عَلَيْهِ، إِظْهارًا لِعَظيمِ فَضْلِ اللهِ تَعالَىَ عَلَيْكُمْ، اعْتِرافًا بِواسِعِ عَطائِهِ، وَجَزيِلِ إِحْسانِهِ، وَتَذكيرًا لِلغافليِنَ عَنْ هذِهِ النِّعَمِ، وَإِبْطالاً لِدَعاوَىَ الجاحِديِنَ لهذِهِ النِّعَمِ، وَإِرْغامًا لِلحاسديِنَ الَّذيِنَ يَحْسدوُنَ النَّاسَ عَلَىَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَللهِ الحَمْدُ وَالمنَّةِ.
وَمَنْ شَكَرَ اللهَ بِالمقالِ الَّذي تَشْكروُنَ بِهِ اللهَ عَلَىَ ما أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ في وَطَنِكُمْ هَذا: شُكْرٌ مِنْ أَحْسَنَ إِلَيْكُمْ مِنْ بَني الإِنْسانِ، «لا ﻳَﺸْﻜُﺮُ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻣَﻦْ ﻟَﺎ ﻳَﺸْﻜُﺮُ ﺍﻟﻨَّﺎﺱَ»أَحْمَدُ(7938)بإِسْنادٍ صَحيحٍ, كَما قالَ رَسوُلُ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاشْكروُا وُلاةَ أَمْرِكُمْ عَلَى ما يَبْذلوُنَهُ مِنْ جَهْدٍ وَوَقْتٍ، وَعَمَلٍ دائبٍ مُسْتَمِرٍّ في خِدْمَةِ وَطَنِكُمْ وَالذَّبِّ عَنْهُ، وَالعَمَلِ عَلَى اسْتِقْرارِهِ وَأَمْنِهِ وَرُقِيِّهِ، وَاشْكروُا جَيْشَكُمْ وَرِجالَ أَمْنِكُمْ الَّذينَ يَحْموُنَ بِلادَكُمْ، وَيَحْرسوُنَ أَمْنَكُمْ، وَيُؤَمِّنوُنَ معاشَكُمْ وَاشْكروُا كُلَّ المخْلصينَ العامِلينَ في خِدْمَةِ بِلادِكُمْ بِلادِ الحرَميْنِ، فَلِكُلِّ هَؤلاءِ مِنَّا الشُّكْرُ الجزيلُ، وَالعِرْفانِ بِالجميلِ، وَالدُّعاءِ لَهُمْ بِخَيْرٍ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرِنا إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، الَّلهُمَّ ادْفَعْ عَنْ بِلادَنا كُلَّ سوُءٍ وَشَرٍّ، اجْمَعْ كَلِمَتَنا عَلَىَ الحَقَّ وَالهُدَىَ، أدِمْ عَلَيْنا نِعَمَكَ وَارْزُقْنا شُكْرَها وَزِدْها يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، وآخِرُ دَعْوانا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، فَاسْتَغْفروُهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفوُرُ الرَّحيمُ.
* * *
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العالمينَ، المحْموُدِ بِآلائِهِ، الممْدوُحِ عَلَىَ نَعْمائِهِ، المشْكوُرِ بجزيلِ عَطائِهِ، والمثيبِ عَلَىَ ثَنائِهِ وَمَدَحَهُ؛ فَلا يَسْتَحِقُّ المدْحَ الصَّادِقَ سِواهُ، وَلا يَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ الخالِصَ إِلاَّ إِيَّاهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شريِكَ لَهُ، لَيْسَ لَنا إِلَهَ سِواهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسوُلُهُ وَمُصْطفاهُ وَعَلَىَ آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنِ اتَّبَعَهُ بِإِحْسانٍ إِلَىَ يَوْمِ الدِّيِنِ وَمَنْ وَالاهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
فاتَّقوُا اللهَ عِبادَ اللهِ؛ فَتَقْواهُ تَفْتَحُ بَركاتِ السِّماءِ وَالأَرْضِ، تَقْواهُ جَلَّ وَعَلا تُسْتَجْلَبُ بِها الخَيراتُ، وَتُسْتَدْفَعُ بِها البَلِيَّاتُ، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا 2 وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾الطلاق:2-3. أَيُّها المؤْمِنوُنَ, اشْكروُا اللهَ عَلَىَ نِعَمِهِ؛ فَقَدْ حبَاكُمْ في وَطَنِكُمْ هذا بِخَيْراتٍ دِيِنِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ، فاحْمدوُهُ عَلَيْها بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ؛ فَإِنَّ حَمْدَهُ يُتِمُّ النِّعَمَ، وَاشْكروُهُ جَلَّ وَعَلا؛ فَإِنَّ شُكْرَهُ يُوجِبُ المزيدَ.
أَيُّها المؤِمِنوُنَ, أَبْلَغُ مِنْ شُكْرِ المقالِ شُكْرُ الفِعالِ، قالَ اللهُ تَعالَى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾سبأ:13، ألا وَإِنَّ مِنْ شُكْرِ الفِعالِ الَّذي تَشْكروُنَ بِهِ اللهَ تَعالَىَ عَلَىَ ما أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ في وَطَنِكُمُ السُّعوُدِيَّةِ مِنْ خَيْراتٍ وَعطايا وَهِباتِ، الاسْتِقامَةُ للهِ تَعالَىَ في الأَقْوالِ وَالأَفْعالِ، في السِّرِّ وَالعَلَنِ فاسْتَقيموُا إِلَيْهِ واسْتَغْفروُهُ، فاسْتَقيموُا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفروُهُ، فاسْتَقيموُا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفروُهُ، وَأَبْشِروُا بِالمزيدِ ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾الجن:16.
أَلا وَإِنَّ مِنْ شُكْرِ الفِعالِ الَّذي تَشْكروُنَ بِهِ اللهَ عَلَى ما أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ في وَطَنِكُمْ هَذا: السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ في المعْروُفِ لمَنْ وَلاَّهُ اللهُ أَمْرَكُمْ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ ما تُصانُ بِهِ البُلْدانُ، وَتُحْفَظُ بِهِ المكْتَسَباتُ، وَيَظْهَرُ بِهِ الأَمْنُ، وَيَتَحَقَّقُ بِهِ عَلَى الأَعْداءِ النَّصْرُ، وَلهذا أَكَّدَهُ رَسوُلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أَحاديِثَ كَثيِرَةٍ، وَأَمَرَ بِهِ أَصْحابَهُ، وَبايَعَهُمْ عَلَيْهِ، وَعَهِدَهُمْ بِهِ عَلَىَ المَرْءِ المسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعةُ فيما أَحَبَّ وَكَرِهَ إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنَّ أَمَرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلا سَمْعَ وَلا طاعَةَ.
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنْ شُكْرِ الفِعالِ الَّذي تَشْكروُنَ بِهِ اللهَ عَلَىَ ما أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ في وَطَنَكُمْ هذا: المحافَظَةَ عَلَىَ الاجْتِماعِ، وَنَبْذَ كُلِّ أَسْبابِ الفُرْقَةِ وَالاخْتِلافِ، «عَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الجَنَّةِ فَلْيَلْزَمُ الجَمَاعَةَ» كَما قالَ رَسوُلُ اللهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَالتِّرْمِذِيُّ(2165), وَقالَ: حَسَنٌ صَحيحٌ ، وَاحْذروُا كُلَّ الدَّعَواتِ المُفرِّقَةِ، وَالشِّعاراتِ المضَلِّلَةِ، وَاعْتَصِموُا بِحَبْلِ اللهِ جَميعًا وَلا تَفَرَّقوُا، فالجَماعَةُ سَعادَةٌ، وَالفُرْقَةُ شَقاءٌ وَعَذابٌ.
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنْ شُكْرِ الفِعالِ الَّذي تَشْكروُنَ بِهِ اللهَ عَلَىَ ما أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ في وَطَنِكُمْ هذا: السَّعْيَ في عِزِّهِ وَرُقِيِّهِ، وَبَذْلَ الجُهْدِ في خِدْمَتِهِ وَالمحافَظَةَ عَلَىَ مَرافِقِهِ وَموارِدِهِ الاقْتِصادِيَّةِ، وَالحِرْصَ عَلَى مُكْتَسباتِهِ وَعوامِلِ بِنائِه وَرَخائِه، هذا وَاجِبُنا جَميعًا كُلّاً مِنَّا في مَوْقِعِهِ، «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»البخاري(5200), ومسلم(1829).
أَيُّها المؤْمِنوُنَ, إِنَّ مِنْ شُكْرِ الفِعالِ الَّذي تَشْكروُنَ بِهِ اللهَ عَلَى ما أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ في وَطَنِكُمْ هذا: صِيانَةَ هذا البَلَدِ وَالدِّفاعَ عَنْهُ، وَالذَّبَّ عَنْهُ بِالمسْتَطاعِ، وَالنُّصْحِ لَهُ، وَالحَرْصَ عَلَىَ سَلامَتِهِ، وَالحَذَرَ مِنْ كُلِّ ما يُؤَدِّي إِلَىَ نَقْصِهِ، وَذاكَ بِبَذْلِ كُلِّ جُهْدٍ مَمْكِنٍ في ذَبِّ عُدْوانِ المعْتَديِنَ، وَإِفْسادِ المفْسِديِنَ، وَجَمْعِ الكَلِمَةِ عَلَىَ وُلاةِ الأَمْرِ، وَالبُعْدِ عَنِ الفُرْقَةِ وَالخِلافِ، هَذا بَعْضُ ما سَمَحَ بِهِ المقامُ مِنْ ذِكْرِ ما يَجِبُ عَلَيْنا شُكْرًا للهِ تَعالَىَ عَلَىَ ما أَنْعَمَ عَلَيْنا مِنْ نِعَمٍ كَثيرَةٍ وَفيرَةٍ في هَذا الوَطَنِ المبارَكِ، فَللهِ الحَمْدُ كَثيرًا، وَلَهُ الشُّكْرُ جَزيلاً، لا نُحْصِي ثَناءً عَلَيْهِ هُوَ كَما أَثْنَىَ عَلَىَ نَفْسِهِ.
فَجِدُّوا عِبادَ اللهِ في طاعَةِ اللهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ، وَلُزوُمِ التَّقْوَىَ في أَنْفُسِكُمْ وَأَهْليِكُمْ وَمِنْ تَحْتِ أَيْديِكُمْ، وَابْذُلوُا ما تَسْتَطيعوُنَ في أَداءِ الأَمانَةِ الَّتي حَمَلْتُموُها سَواءٌ أَنْ كانَتْ أَمانَةً في حَقِّ اللهِ، أَوْ أَمانَةً في حَقِّ الخَلْقِ، وَمِنْ ذَلِكَ الأَمانَةُ الَّتي حُمِّلْتُموُها في أَعْمالِكُمْ وَوظائِفِكُمْ وَسائِرِ ما حُمِّلْتموُهُ مِنَ الأَمانَةِ، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا 2 وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾الطلاق:2-3.
الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْراهيِمَ وَعَلَىَ آلِ إِبْراهيمَ إِنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، الَّلهُمَّ آمِنَّا في أَوْطانِنا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنا وَوُلاةَ أُموُرِنا، وَاجْعَلْ وِلايَتَنا فيِمَنْ خافَكَ وَاتَّقاكَ وَاتَّبَعَ رِضاكَ يا رَبَّ العالمينَ، الَّلهُمَّ اجْمَعْ كَلِمَتَنا عَلَى الحَقِّ وَالهُدَىَ، الَّلهُمَّ مَنْ أَرادَ بِنا شرًا أَوْ سوُءً فَرُدَّ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ وَاكْفِنا شَرَّهُ بِقُوَّتِكَ وَعِزَّتِكَ يا عزيزُ يا حكيمُ.
رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنكوُنَنَّ مِنَ الخاسِرينَ، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أَمْرِنا إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، خُذْ بِنواصيِهِمْ إلِىَ البِرِّ وَالتَّقْوَىَ، سَدِّدْهُمْ في الأَقوالِ وَالأَعْمالِ، أَيِّدْهُمْ بِروُحٍ مِنْكَ وَنَصْرٍ وَعِزٍّ وَتَمْكينٍ يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ. الَّلهُمَّ وَانْصُرْ جُنودَنا المقاتلينَ، واحْفَظْ رِجالَ أَمْنِنا القائمينَ عَلَى حِراسَةِ أَمْنِنا يا ذا الجَلالِ وَالِإكْرامِ.
الَّلهُمَّ وانْشُرِ الأَمْنَ وَالرَّخاءَ وَالخَيْرَ وَالبِرَّ وَالأَمْنَ وَالإيمانِ وَالسَّلامَةَ وَالإِسْلام في ربوُعِ بِلادِنا وَفي سائِرِ بِلادِ المسْلِمينَ يا رَبَّ العالمينَ.
الَّلهُمَّ وَفِّقْ بِلادَ المسْلِمينَ إِلَىَ ما تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، اجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَىَ الحَقِّ وَالهُدَىَ، الَّلهُمَّ عُمَّهُمْ بِالخَيْرِ وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلوُبِهِمْ يا ذا الجَلالِ وَالإِكْرامِ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرادَنا وَأَرادَ المسْلِمينَ بِشَرٍّ فَرُدَّ كَيْدَهُ في نَحْرِهِ، وَاكْفِ المسْلِمينَ شَرَّهُ, اللهُ أَكْبَرُ مِمَّا نَخافُ وَنَحْذَرُ، الَّلهُ أَعَزُّ مِنْ جميعِ خَلْقِهِ، الَّلهُمَّ إِنَّا نَعوُذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِناصِيتِهِ، اللَّهُمَّ احْفَظْنا مِنْ بَيْنِ أَيْديِنا وَمِنْ خَلْفِنا وَعَنْ أَيمانِنا وَعَنْ شَمائِلِنا وَمِنْ فَوْقِنا، وَنَعوُذُ بِكَ أَنْ نُغْتالَ مِنْ تَحْتِنا يا ذا الجلال والإِكْرامِ.
رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عذابَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنا وَللِمُؤْمنينَ وَالمؤْمِناتِ، الأَحْياءِ مِنْهُمْ وَالأَمْواتِ، الَّلُهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ جَميعًا وَعُمَّهُمْ بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمينَ.
الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَىَ مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ، أَكْثِروُا مِنَ الصَّلاةِ عَلَيْهِ في يَوْمِكُمْ هَذا؛ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْروُضَةٌ عَلَيْهِ، الَّلهُمَّ صَلِّ عَلَىَ مُحَمِّدٍ وَعَلَىَ آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَىَ إِبْراهيمَ وَعَلَىَ آلِ إِبْراهيمَ إِنَّكَ حميدٌ مَجيدٌ.