وَقَوله مَاض فيَّ حكمك عدل فِي قضاؤك تضمّن هَذَا الْكَلَام أَمريْن أَحدهمَا مضاء حكمه فِي عَبده وَالثَّانِي يتضمّن حَمده وعدله وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهَذَا معنى قَول نبيّه هود {مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} ثمَّ قَالَ {إِنَّ رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم} أَي مَعَ كَونه مَالِكًا قاهراً متصرّفا فِي عباده نواصيهم بِيَدِهِ فَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم وَهُوَ الْعدْل الَّذِي يتصرّف بِهِ فيهم فَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم فِي قَوْله وَفعله وقضائه وَقدره وَأمره وَنَهْيه وثوابه وعقابه فخبره كُله صدق وقضاؤه كلّه عدل وَأمره كُله مصلحَة وَالَّذِي نهى عَنهُ كُله ومفسدة وثوابه لمن يسْتَحق الثَّوَاب بفضله وَرَحمته وعقابه لمن يسْتَحق الْعقَاب بعدله وحكمته وَفرق بَين الحكم وَالْقَضَاء وَجعل المضاء للْحكم وَالْعدْل لقَضَاء فَإِن حكمه سُبْحَانَهُ يتَنَاوَل حكمه الديني الشَّرْعِيّ وَحكمه الكوني القدري والنوعان نافذان فِي العَبْد ان ماضيان فِيهِ وَهُوَ مقهور تَحت الْحكمَيْنِ قد مضيا فِيهِ ونفذا فِيهِ شَاءَ أم أَبى لَكِن الحكم الكوني لَا يُمكنهُ مُخَالفَته وَأما الديني الشَّرْعِيّ فقد ييخالِفهُ وَلما كَانَ الْقَضَاء هُوَ الْإِتْمَام والإكمال وَذَلِكَ إِنَّمَا يكون بعد مضيه ونفوذه قَالَ عدل فيَّ قضاؤك أَي الحكم الَّذِي أكملته وأتممته ونفّذته فِي عَبدك عدل مِنْك فِيهِ وَأما الحكم فَهُوَ مَا يحكم بِهِ سُبْحَانَهُ وَقد يَشَاء تنفيذه وَقد لَا ينفذهُ فَإِن كَانَ حكما دينيا فَهُوَ مَاض فِي العَبْد وَإِن كَانَ كونيا فَإِن نفذه سُبْحَانَهُ مضى فِيهِ وَإِن لم ينفّذه انْدفع عَنهُ فَهُوَ سُبْحَانَهُ يقْضِي مَا يقْضِي بِهِ وَغَيره قد يقْضِي بِقَضَاء وَيقدر أَمر وَلَا يَسْتَطِيع تنفيذه وَهُوَ سُبْحَانَهُ يقْضِي ويمضي فَلهُ الْقَضَاء والإمضاء وَقَوله عدل فيَّ قضاؤك يتَضَمَّن جَمِيع أقضيته فِي عَبده من كل الْوُجُوه من صِحَة وسقم وغنى وفقر ولذّة وألم وحياة وَمَوْت وعقوبة وَتجَاوز وَغير ذَلِك قَالَ تَعَالَى وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَة فِيمَا كسبت أَيْدِيكُم وَقَالَ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْأِنْسَانَ كفور} فَكل مَا يقْضى على العَبْد فَهُوَ عدل فِيهِ.