المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في هذه الحلقة التي نستمر معكم فيها على مدى ساعة إلا قليلًا بمشيئة الله تعالى.
في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل الصبحي، ومن الإخراج ياسر زيدان، ومن الإشراف العام الأستاذ علي الثقفي، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بكم.
ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم.
فضيلة الشيخ خالد السلام عليكم وأهلاً وسهلاً بك معنا في بداية هذه الحلقة.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً بك حياكم الله، وأهلاً وسهلاً بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.
المقدم: حياك الله، مستمعينا الكرام لمن أراد المشاركة معنا في هذه الحلقة يمكنكم أن تشاركونا عبر هاتفي البرنامج على الرقمين: 0126477117، أو عن طريق الهاتف الآخر على الرقم:0126493028
بمشيئة الله تعالى مستمعينا الكرام سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول موضوع المطر آداب وأحكام، فضيلة الشيخ سيكون -بمشيئة الله- حديثنا حول هذا الموضوع، ومن المعلوم أن من أجل النعم وأعظمها التي يتفضل الله تبارك وتعالى بها على عباده هي نعمة المطر؛ فبالمطر تكون الحياة، وتكون حياة الناس، والبهائم، وبه تحيا الأرض بعد موتها، وبها تستقيم حياة الناس في معاشهم وأرزاقهم.
سنعرض في هذه الحلقة -بمشيئة الله تعالى- فضيلة الشيخ إلى جملة من النقاط المواضيع المتعلقة بـآداب المطر، وبعض الأحكام المتعلقة به، لكن ابتداء فضيلة الشيخ اسمح لي أن نقسم الحلقة إلى جزأين، نتحدث في الجزء الأول عن بعض الآداب المتعلقة بالمطر، وفي الجزء الآخر سنتحدث عن بعض الأحكام أيضًا المتعلقة بالمطر، وبالأحكام الشرعية المتعلقة به.
الشيخ: حياكم الله، إن شاء الله تعالى.
المقدم: فضيلة الشيخ نريد أن نبدأ ابتداء بالحديث حول هذه النعمة التي يتفضل الله تبارك وتعالى بها على عباده، وذكرها الله تبارك وتعالى في جملة من المواضع في كتابه الكريم، وهي نعمة يتفضل الله تبارك وتعالى بها على عباده ينزل الغيث، وتحيا الأرض، ويحيا الناس، وتستقيم حياتهم، وتستقيم معاشاتهم أيضًا.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة لك أخي وائل ولجميع الإخوة والأخوات، والمستمعين والمستمعات.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد...
نزول الأمطار من أسباب حياة الأرض، ولذلك ذكر الله تعالى في جملة من آياته، وامتنَّ به على عباده في مواضع عديدة من الكتاب الحكيم، وأنه من رحمته -جل في علاه-، يقول الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ الشورى:28، سمى الله تعالى النازل من السماء من الماء غيثًا؛ وذلك أن به يغاث الناس، ويدركون مصالح ومقاصد كثيرة، فيحصل بالنازل من السماء أمران كما ذكر في الآية:
- كشف الشدة والكربة؛ لأن الغيث لا يكون إلا في حالات الشدة، والكربة، والضيق.
- والأمر الثاني يحصل به وصول الإحسان والخير، وعموم السرور والحياة التي بها يطيب معاش الناس.
بهذا وذاك في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ الشورى:28 ، فالأول إغاثة يحصل بها تفريج الكربات، والثاني وينشر رحمته إحسان وفضل وزيادة عطاء سبحانه وبحمده ﴿وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ﴾ الشورى:28 كل ذلك بفضله جل وعلا.
وقد سمى الله تعالى المطر رحمة في مواضع عديدة، قال الله تعالى في ذكر آياته وآلائه ﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ الفرقان:48 ، فسماه رحمة ووصفه بأنه طهور، تطهر به الأرض، تطهر به الأنفس، تطهر به القلوب، وتطهر به أحوال الناس، وهذا ليس مقصورًا على بني آدم بل يشمل الأرض وما عليها من خلق الله -عز وجل-، قال تعالى: ﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾، والحياة في البلدة بكامل ما فيها، ﴿وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا﴾ الفرقان:49 وهذا يبين عظيم الخير الحاصل بنزول الأمطار، وأنه نعمة من الله تعالى تشمل عباده، وتكون سببًا للخير العميم، كما قال تعالى: ﴿وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ الشورى:28، يذيب الله تعالى به عن الناس القطر، يذيب به عنهم الضعف، يذيب به عنهم المواد، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ الأعراف:57، ويقول: ﴿وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ النمل:63، فذاك رحمته جل في علاه.
هذا بيان الجانب الأكبر فيما ينزله الله تعالى من السماء وهو ما يدرك به الناس الخير، وما يدركون به ما يؤملون، وقد يصحب نزول الأمطار ما يكون سببًا للهلاك أو التلف فإما أن يكون هذا على وجه التذكير للعباد والعقوبة لهم على سيء أعمالهم، وهذا من رحمة الله أيضًا ولا يخرج عن كونه رحمة؛ لأنه يذكر الناس بالمراجعة والأوبة، وكما قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ السجدة:21، وكما قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ الروم:41، فهذا من رحمة الله تعالى، ولهذا قال الله تعالى في محكم كتابه عمن عذبهم بالأمطار قال: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ الأحقاف:24 .
فكما أن المطر يكون رحمة بإعطاء الناس ما يؤملون، وما يرجون من الحياة، والخير، والبر، والكفاية في أرزاقهم، والحياة في أبدانهم، فكذلك يكون فيه ما يعظ الناس ويذكِّرهم بحاجتهم إلى الأوبة والرجعة والتوبة إلى الله -عز وجل-، واستعتابه -جل في علاه-. والمؤمن في كلا الحالين وفي كل الأحوال يرقب فضل الله، ويتعرض لبره وإحسانه سبحانه وبحمده.
المطر ذكر الله تعالى تكوينه ونزوله وما يكون من أحوال العباد بعد نزوله ما يبين عظيم الرحمة به، وعظيم الفضل من الله تعالى يقول: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا﴾ الروم:48 أي متراكمًا في تجميعه وتكثيفه، ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ﴾ الروم:48 ترى المطر وحبات المطر تتساقط من خلاله، ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾ الروم:48-49 .
ثم يذكر الله بما ينتج عن هذا النزول من الخير العظيم، والفضل الكبير ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ الروم:50 بعد هذا يلفت الله تعالى الأنظار إلى ما هو أهم من هذا النزول، وما هو أهم من هذا النعيم الذي أدركوه وهو الاعتبار بهذا النعيم العاجل لإدراك النعيم الآجل في الآخرة ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ الروم:50، فالذي أحيى هذه الأرض بعد جدبها، وقحطها، واغبرارها، وانقطاع النبات عنها، وموتها هو القادر على إحياء الخلق بعد موتهم للبعث والنشور، والجزاء والإحسان.
ففي هذا المطر من الآيات والعبر ما يستوقف كل ذي بصر، ويستدعي التفكر في عظيم قدرة الله -عز وجل-، وعظيم ما ينعم به على عباده سبحانه وبحمده.
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى سحابًا خرج ودخل حتى إذا أمطرت استبشر وتهلل وجهه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وذلك استذكارًا بما يحمل السحاب مما قد يخافه الناس من مؤاخذة الله تعالى لهم على ما يكون من تقصيرهم، فإذا نزلت الرحمة فرح وسُرَّ بذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
المقدم: عليه الصلاة والسلام، فضيلة الشيخ كنا نتحدث عن بعض آداب وأحكام المطر، وتحدثنا ابتداء عن أن هذا المطر هو نعمة وهِبَةٌ من الله تبارك وتعالى، نريد أن نتحدث عن هدي- النبي عليه الصلاة والسلام- في طلب الغيث والمطر من الله تبارك وتعالى، أيضًا نريد أن نتحدث بعدها حول جملة من الأدعية والآداب التي يستحب فعلها أو قولها حال نزول المطر.
الشيخ: المطر يأتي به الله -عز وجل- فلا يقدر أحد من الخلق أن يأتي بالمطر مهما أوتي من الأسباب والقدرات، قال الله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ﴾إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ لقمان:34 في سياق ذكر ما يكون من مفاتح الغيب التي اختص بها: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ لقمان:34، فالمطر لا يأتي به إلا الله، ولذلك لا يُسأل المطر من غيره -جل في علاه-، ولهذا شُرع سؤال الله -عز وجل- إنزال المطر عند قحط السماء وجدب الأرض، وقد جاء ذلك في سنة النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في أحاديث عديدة واردة عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وهي من الشعائر التي دلَّت عليها السنة، فالاستسقاء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء المستقلِّ، وبالدعاء في خطبة الجمعة، وبالصلاة المقرونة بالدعاء.
فثمة للاستسقاء وطلب الغيث منه -سبحانه وبحمده- صور عديدة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى بأصحابه فاستسقى وحول رداءه حيث استقبل القبلة، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم استقبل القبلة ودعا، جاء ذلك عنه صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد صحيح البخاري (1028)، ومسلم (894) ، وفي حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يخطب الجمعة فدخل رجل وهو صلى الله عليه وسلم في خطبته، فوجَّه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله هَلَكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يُغِيثَنَا"، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وسأل الله تعالى من فضله، سأل الله تعالى إنزال المطر فلم ينزل صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا وقد أمطرت السماء وجاء ما يؤمله الناس من الغيث، ذاك فضل الله -عز وجل- على الناس، عن أنس -رضي الله تعالى عنه- كان يخبر أنه لما جاء هذا الرجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله تعالى بنزول الغيث لم تكن السماء فيها سحاب أو ما هو مظنة نزول المطر من تهيؤ الأجواء أو نحو ذلك صحيح البخاري (933)، ومسلم (897) .
فالمطر يأتي به الله -عز وجل- متى شاء، ومن وسائل تحصيله دعاؤه -جل وعلا-، وسؤاله -سبحانه وبحمده- بالإلحاح عليه أن ينزل الغيث، والله كريم منان يعطي عباده من فضله ما يسد حاجتهم ويغنيهم سبحانه وبحمده.
فسؤال المطر مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يأتي به إلا الله -جل في علاه-، ولهذا لما سأل هذا الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله بإنزال المطر في خطبة الجمعة لم يردَّه بل بادر صلى الله عليه وسلم بدعاء ربه -جل في علاه- أن ينزل الغيث، وأن يسقي الناس بفضل الله تعالى ومنته سبحانه وبحمده.
فالمطر لا يُسأل إلا من الله، كما لا يحمد عليه إلا هو -سبحانه وبحمده-، ولهذا لا يضاف المطر إلى غيره -جل في علاه-، بل لا يضاف إلا إليه.
جاء في الصحيح من حديث زيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه على إثر سماء كانت من الليل، فبعد أن انفتل من صلاته قال لأصحابه: يقول الله تعالى: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ»، ينبه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى ما بلغهم من فضل الله -عز وجل- في هذه المناسبة وهي نزول المطر، «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَكَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» صحيح البخاري (846)، ومسلم (71) .
هذا الحديث الشريف على وَجَازته يبين أن من حق الله -عز وجل- على عباده إذا تفضل عليهم بالسقيا وبنزول المطر ألا ينسبوا هذا الفضل إلى غيره، وألا يشكروا سواه؛ فإن ذلك من كفر النعمة الذي ذكره الله تعالى في قوله: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ الواقعة:82 ، أي تجعلون شكر ما منَّ به عليكم، وتفضل به عليكم من الأرزاق أنكم تكذبون وذلك بإضافتكم النعم إلى غيره -جل في علاه-، فهو سبحانه المتفضل، وسبحانه المعطي الذي لا يُسأل الفضل إلا منه.
ولذلك ذكر الإمام البخاري -رحمه الله- هذا الحديث حديث زيد بن خالد الجهني في باب عنون له بقوله: باب قول الله تعالى: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ الواقعة:82) صحيح البخاري (2/33) أي تجعلون شكر نعم الله أنكم تضيفونها إلى غيره.
فكان من الآداب والسنن المشروعة للمؤمن أن يقول بلسانه عند نزول المطر: «مُطِرنا»، أي نزل علينا المطر «بفضل الله ورحمته»أي بسبب فضل الله الذي تفضل، وبرحمته التي رحم بها عباده.
أما الذين يضيفون الأمطار إلى المواسم، يضيفون الأمطار إلى النجوم، وإلى الكواكب فهؤلاء لم يشكروا النعمة بل كفروها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما انصرف من الصلاة: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ» فأضاف النعمة إلى خالقها، إلى المتفضل به«فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ» الذي يضيف إليه بعض الناس هذه الأمطار، وهذه الأرزاق التي تنزل عليه.
«وَأَمَّا مَنْ قَالَ : مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ» سبق، وهذا لا يعني أن ينكر الإنسان أن الأمطار لها مواسم لكن قد تأتي هذه المواسم ولا تأتي الأمطار، وقد تنزل الأمطار في غير مواسمها فالغيث يأتي به الله -جل وعلا -كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ لقمان:34 فهو -سبحانه وتعالى- الذي ينزل الغيث متى شاء، وكيفما شاء، وعلى من شاء، ويكون رحمة، ويكون عذابًا، ويكون مباركًا، ولا يحصل به بركة كما قال أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-:" ليس السَّنة أن لا تُمطروا، ولكن السنة أن تمطروا ولا تنبت الأرض".[صحيح مسلم:ح2904/44]
فقد تنزل الأمطار ولا يحصل بها مقصود الناس من الحياة التي يؤمنون بها طيب معاشهم، وإدراك مصالحهم، فلذلك ينبغي أن يعلق المؤمن قلبه بالله -عز وجل- في كل ما يسوقه إليه من النعمة، وفي كل ما يجريه عليه من الفضائل، فليس ثمة عطاء إلا من قبله -سبحانه وبحمده-، وهو المتفضل على عباده بإنزال الغيث لا فضل لأحد في ذلك سواه.
المقدم: فضيلة الشيخ أيضًا هل هناك دعاء معين أو قول معين يقال عند سماع الرعد أثناء نزول الأمطار؟
الشيخ: الرعود التي تصحب الأمطار لم يأت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرٌ خاص، إنما جاء عن عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنه- أنه كان إذا سمع الرعد قال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته" أخرجه البخاري في الأدب المفرد (560) وصححه الألباني، وهذا إذا ذكره الإنسان عند سماع الرعد فله فيه أثر عن هذا الصحابي رضي الله عنه أنه كان إذا سمع الرعد قال: سبحان من سبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، عن هذا الصحابي الجليل.
أما ما يتعلق بالبرق ولَمَعانِه فليس ثمة دعاء ثابت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في البرق، ولا في رؤيته ولذلك إذا سبح الله تعظيمًا لقدرته، وأنه الذي بقدرته يجري هذا فلا بأس على أنه جاء عن ابن عباس بسند فيه ضعف شديد أن من قال حين يرى البرق:"سبحان الله وبحمده، لم تُصِبه صاعقة"، لكن هذا لا يثبت عنه صلى الله عليه وسلم، ولا يشرع قوله لأنه وارد من طريق ليس بالقوي بل هو ضعيف ضعفًا شديدًا سنن سعيد بن منصور (1165) وقال سعد الحميد: سنده ضعيف جدا .
وحتى على القول بالعمل بالحديث الضعيف لا يستقيم هذا لأن هذا ضعفه شديد، وهو أيضًا من قول ابن عباس -رضي الله تعالى عنه-، وليس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
الخلاصة: أنه يسن، أنه لا بأس أن يقول الإنسان عند سماع الرعد ما جاء عن عبد الله بن الزبير: سبحان من سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته البخاري في الأدب المفرد (560) وصححه الألباني ، وأما عند لمعان البرق فلم يثبت في ذلك شيء، وإذا دعا أو سبح أو حمد الله فذاك عمل صالح لكنه ليس من السنة بل هو في الجملة من ذكر الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ الرعد:13 سبحانه وبحمده.
المقدم: اسمح لي فضيلة الشيخ أن نأخذ هذه المشاركة من الأخ عبد العزيز الشريف، أهلاً وسهلاً عبد العزيز حياك الله.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: أهلاً وسهلاً عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المتصل: حياكم الله أستاذ وائل كيف حالك؟ عساك طيبًا؟
المقدم: أهلاً وسهلاً حياك الله، بخير والحمد لله.
المتصل: نحييك ونحيي فضيلة الشيخ، وبارك الله فيكم جميعًا. سؤالي بارك الله فيك: هناك كثير من الناس للأسف إلا من رحم الله يعني تحذيرات الدفاع المدني، تحذيرات الأرصاد وحماية البيئة بأن الجو سيكون كذا وكذا لكن بعضهم يغامر ويخرج خاصة في الأوقات التي فيها رعد وبرق، تجد من يخرج ومن يغامر بحجة أن هذه تحذيرات لا أساس لها، فما يقول الشيخ لمثل هؤلاء الذين يعرضون أنفسهم للخطر؟ أيضًا ناهيك عمن يشتغل بالجوال أو بقيادة السيارة أثناء تلك العواصف من برق ورعد، وأيضًا يعرض نفسه والآخرين للخطر.
السؤال الثاني بارك الله فيك: من أحكام المطر ونزوله قضية الجَمْع.
المقدم: الجمع بين الصلوات.
المتصل: يَجمع، وهناك من لا يجمع فيصير هناك شوشرة في المدينة التي ينزل فيها المطر، فما هو ضابط الجمع في نزول المطر؟ وهل إذا جمع مسجد وترك مسجد آخر هل يلام هذا المسجد الذي لم يجمع؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
يبدو فضيلة الشيخ أن الأخ عبد العزيز استعجلنا في طرح بعض النقاط، نبدأ من السؤال الأخير للأخ عبد العزيز، وهو يتعلق بأحكام المطر والجمع بين الصلوات، نريد أن نتحدث هل هناك أحكام خاصة بوقت نزول المطر؟ نريد أن نتحدث بشكل أكثر إسهابًا فضيلة الشيخ عن الجمع بين الصلوات بسبب المطر؟
الشيخ: طيب يا أخي الكريم وائل هما قضيتان طرحهما الأخ، وكما ذكرت يعني من المخطَّط أن نتحدث عنهما لكن قبل ذلك نستكمل بعض الآداب باختصار ثم نجيب على هاتين القضيتين ببيان ما يتعلق بهما من أحكام.
من الآداب التي تتعلق بالمطر أن يذكر المؤمن الله -عز وجل- بالأذكار الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ذكرنا من الثابت عنه أن يقول: «مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ»، مُطرنا: أي نزل علينا المطر، وهذا ثابت عنه صلى الله عليه وسلم.
أيضًا الدعاء بأن يجعل الله تعالى هذا النازل من الأمطار مباركًا بأن يقول: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا»، وهذا مما ثبت عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عند نزول المطر أنه يدعو بهذا الدعاء: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» صحيح البخاري (1032) ، ومعنى صيبًا يعني مطرًا، فالصيب هو المطر، كما قال الله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ البقرة:19 أو كمطر من السماء، هذا معنى الآية فـ«اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا»، أي: مطرًا نافعًا ينفع الله تعالى به العباد والبلاد، وينفع به الإنسان والحيوان والنبات وسائر ما على الأرض.
من الآداب المقترنة بالأمطار ونزولها: الدعاء وتحري الدعاء عند نزول المطر، فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما جاء في مستدرك الحاكم أنه قال صلى الله عليه وسلم: «ثِنتانِ ما تُرَدّانِ: الدُّعاءُ عند النِّداءِ» يعني عند الآذان، «ووقت المَطَرِ» سنن أبي داود (2540)، وقال الألباني: صحيح دون زيادة: (ووقت المطر) ، وهذا من مواطن رحمة الله التي يرجى فيها إجابة الدعاء.
من الآداب التي تشرع عند نزول المطر لاسيما في أول نزوله أن يتعرض الإنسان لهذه الرحمة فإن هذا المطر النازل هو في الحقيقة رحمة من الله -عز وجل-، وثبت عنه -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أنه كان إذا نزل المطر حَسَر صلى الله عليه وسلم عن ثوبه حتى يصيبه المطر، جاء ذلك في صحيح الإمام مسلم من حديث أنس قال: «أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، قَالَ : فَحَسَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» أي كشف«ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ» سواء كان الكشف من أعلى البدن أو من أسفل البدن، كل ذلك مما يتحقق به السنة «فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لِمَ صَنَعْتَ هَذَا؟ قَالَ: لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى» صحيح مسلم (898)، أي أنه حديث عهد بأمر الله تعالى الذي هو خلقه -سبحانه وبحمده- لهذا المطر النازل، فقوله صلى الله عليه وسلم: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ»أي أن الله تعالى خلقه وكوَّنه وقت نزوله فكان قريب العهد بأمر الله تعالى فتبرك بنزول هذا المطر، وذلك بأن جعل منه ما يصيب بدنه صلى الله عليه وسلم.
ومن العلماء من قال: هذا في كل نزول، وهذا الذي يظهر والله تعالى أعلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل بعلة في كل مطرة وليس في أول المطر حيث قال: «لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ تَعَالَى»، وهذا في كل مطر ينزل أنه قريب العهد بخلق الله تعالى فيتبرك به، بخلاف من قال: أنه فقط في أول نزول المطر في أول موسمه، هذه من الآداب.
من الفقهاء ذكروا إخراج الثياب، وإخراج المتاع ليصيبه المطر بركة بالمطر النازل الحديث عهد بربه لكن لا، ليس ثمة دليل على هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك فيما يصيب بدنه مباشرة، ولم ينقل عنه أنه ندب إلى إخراج المتاع ونحو ذلك مما ذكره بعض أهل الفقه رحمهم الله.
هذه جملة من الآداب التي تستحب ويندب إليها عند نزول المطر، وأهم ذلك وما قدمناه من صحة الاعتقاد بأنه ما من قطرة تنزل من السماء إلا بأمر الله، ما من قطرة في بَرٍّ أو بحر، في قريب أو بعيد تنزل من السماء إلا الذي أذن بنزولها هو الله رب السموات والأرض ولهذا تعلق القلوب به -سبحانه وبحمده-، فلا يسأل الغيث إلا منه، ولا يُحمد عليه إلا الله الذي أذن بنزوله -سبحانه وبحمده-، باقي الآداب كلها من السنن الثابتة عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ننتقل إلى موضوع الجَمْع، وكذلك القضية الأخرى وهي مسألة التعرض للأخطار وقت نزول الأمطار.
فيما يتصل بالقضية الأولى الجمع بين الصلاتين ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في المدينة صلى الله عليه وسلم جمعًا من غير خوف ولا مطر، جاء ذلك فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، فلما سُئل ابن عباس: لماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ يعني الموجِب للجمع هو الخوف أو المطر في حال الإقامة، ونحوهما من الآداب البرق مثلاً، فقال -رضي الله تعالى عنه- في الجواب: أراد أن لا يحرج أُمَّته، يعني الذي حمله صلى الله عليه وسلم على هذا الفعل هو التوسيع على الأمة عند وجود الحرج، هذا معنى قوله -رضي الله تعالى عنه- في جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- حال الإقامة قال: "أراد أن لا يحرج أمته" صحيح مسلم (705) ، يعني الموجِب للجمع هو دفع الحرج عن الأمة بما يمكن أن يكون من الحرج النازل بالناس بسبب الأمطار، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا من غير خوف ولا مطر، كل ذلك تأكيدًا لسعة هذه الشريعة.
فإذا نزل المطر فإنه يسوغ عند ذلك أن يجمع الناس؛ لأن الحديث الذي أخبر به ابن عباس يدل على أن من مسوِّغات الجمع حال الإقامة الخوف، ومن مسوغات الجمع حال الإقامة نزول المطر، ونزول المطر المقصود به المطر الذي تحصل به مشقة وليس المقصود به المطر الذي لا يلحق الناس فيه مشقة أو عسر، فالمطر الذي فيه مشقة يجوز أن يجمع فيه الناس بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما إما في وقت الظهر تقديمًا وإما في وقت العصر تأخيرًا، كأن يكون المطر مثلاً نزل قبل الصلاة ويشق على الناس مثلاً أن يصلوا الظهر لشدة الأمطار فيؤخرون إلى العصر أو أنه نزل وهم يصلون الظهر فأرادوا أن يدركوا فضل الجماعة لعدم إمكانية رجوعهم إلى صلاة العصر فيصلون الظهر والعصر، إذًا الضابط الجامع لإباحة الجمع بين الصلاتين حال نزول المطر هو أن يكون المطر تلحق به مشقة.
الفقهاء -رحمهم الله- ذكروا في أوصاف المطر الذي يجيز الجمع أوصافًا، منهم من قال:أن يكون مطرًا يبلُّ الثياب، ومنهم من قال غير ذلك من الأقوال التي مدارها على ضبط قدر المشقة، فمنهم من حدد ذلك ببل الثياب، ومنهم من زاد فقال: أن تجري الأمطار فتكون غزيرة بحيث لا يتمكن الإنسان من الوصول إلى المسجد، والذي يظهر -والله تعالى أعلم- أن ذلك كله اجتهاد للوصول إلى الوصف المؤثر الذي يبيح الجمع وهو حصول المشقة.
وبالتالي المشقة نسبيَّة وليست على حال واحدة، يعني من الجهات والمدن والأحياء ما يكون فيه التصريف جيدًا، ولا تجتمع مياه، والطرق مُيسَّرة، فهذه ليست كالأحياء أو الجهات أو المدن التي الأمور فيها على خلاف هذا من وجود مستنقعات، من وجود وَحْلٍ، من حصول مشقة ولو لم تكن شديدة، من مشقة وحرج على الناس للخروج للصلاة.
إذًا الموضوع اجتهادي، وإذا كان كذلك فإذا رأت الجماعة الإمام ومن معه أن يجمعوا لأجل المطر، لأجل تقدير أن ثمة مشقةً في عدم الجمع فالأمر في ذلك يسير، وفيما إذا كان معهم من لا يرى أن هذا المطر كمسوغ للجمع، وأنه ليس مما تحصل به المشقة المبيحة للجمع فله أن يصلي معهم نافلة، وإن شاء أن يخرج فالأمر إليه، يعني الأمر في ذلك واسع ليدرك الصلاة مثلاً في وقتها في مسجد آخر، ولكن أنا الذي أقترحه أن المسألة إذا كانت نسبية لأن بعض الناس قد يجمع مع عدم وجود المشقة، مع توقع المطر قد يجمع، يتوقع المطر ويجمع، هذا غير صحيح؛ لأنه لم يوجد المطر، العذر المبيح ففي هذه الحال لا يصلح.
إذا لم يكن على هذه الصورة يعني بمعنى هناك مطر لكن اختلفوا في تقدير المشقة به، فهنا لو وافقهم وصلى معهم بنية النفل كان ذلك أسمح لخواطرهم، وأجمع للكلمة، والخلاف شرٌّ، لكن إن كان المسألة فيها ما يقع فيه بعض الأئمة وبعض المساجد من الناتج عن جهل أو تسرع بالجمع في غير موضعه فينَبِّههم، فإن تنبهوا وإلا يترك الصلاة معهم ويذهب في سبيله وليس عليه أكثر من هذا في هذه الحال، فإن كان ثمة استهتار في الجمع يرجع إلى الجهات المختصة من الإدارات المشرفة على المساجد في وزارة الشئون الإسلامية، ولن يتوانوا في معالجة الأمر بما يصلح الحال إن شاء الله تعالى.
خلاصة الأمر: أنه لا ينبغي أن يكون هذا مَبْعثًا للفرقة والنزاع والشقاق، فالأمر في هذا واسع؛ لأن الأمر في تحقيق مناط العذر هل هو موجود أو لا.
المقدم: الحمد لله، فضيلة الشيخ في دقيقتين لو تكرمت التوجيه لمن يذهب للأودية، والشعاب، ومجاري السيول ويلقي بنفسه وماله أيضًا للتهلكة والهلاك ولا يلقي باله للتحذيرات التي تصله، التوجيه في هذا فضيلة الشيخ؟
الشيخ: هو يا أخي الكريم هذه المسألة يعني الحقيقة تتكرر في مناسبات عديدة، ثمة من يستهتر ولا يقدر للأمر قدره وحقه فيعرض نفسه ومن معه وغيره لمواطن الهلاك والعطب، وهذا مما نهى الله تعالى عنه في كتابه، قال الله تعالى: ﴿وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ البقرة:195 .
ونهى الله تعالى المؤمن عن قتل نفسه، ونهى عن إضاعة المال بإتلافه وتعريضه للهلكة، كل ذلك مما جاءت به النصوص في كتاب الله وفي سنة رسوله، ولكن هذه النصوص قد تغيب عن بعض من يغامر أو يريد أن يلفت الأنظار أو لا يقدر الأمر قدره، أو يغريه أحيانًا بعض السفهاء الذين يحيطون به فيشجعونه على قطع وادي بسيارته على سبيل المثال في وقت جريان السيول، أو ما أشبه ذلك مما يعرضه وماله وغيره للعطب والهلاك والتلف، ولا شك أن هذا محرَّم وهو من إلقاء النفس والمال في مواطن الهلاك، ويؤاخذ به الإنسان، ويجري عليه به إثم، ومن شجعه أو حفَّزه فإنه شريك في الإثم.
والجهات المختصة يعني لا تفتأ تحذر وتنبه وتكرر ذلك في المواسم التي تحتاج فيها إلى تنبيه، وأخذ ذلك في عين الاعتبار مما يجب على المؤمن حفاظًا على نفسه، وماله، وطاعة لولاة الأمر الذي أمرنا الله تعالى بطاعتهم.
أحيانًا قد يكون الأمر على وجه الإحسان يعني لا يقصد بذلك لا مغامرة ولا مخاطرة لكن يريد أن يحسن بإنقاذ غريق، بإخراج سيارة مثلاً علقت، ولكن هذه الأمور ينبغي أن يراعى فيها أسباب السلامة، وأن يتولى الأمر من يحسنه لا أن يغامر الإنسان بنفسه فيزيد الهالكين، ويزيد المتورطين، ويزيد الغارقين أو ما أشبه ذلك مما يمكن أن يلحق هذه الظروف من الأضرار.
فأؤكد على ضرورة الأخذ بأسباب السلامة، والبعد عن مواطن الخطر، واليقين بأن الأخطار قد تكون فوق حجم ما يتصوره بعض الأغرار الذين لا يقدرون المسئولية، ولا يقدرون الموقف حقَّ قدره فينتج عنه هلاكهم أو هلاك أموالهم، أو تعريض غيرهم للهلاك، نسأل الله الهداية للجميع وأن يجعل ما نزل على بلادنا وعى بلاد المسلمين خيرًا وبركة، وأن يتابع فضله وإحسانه.
المقدم: اللهم آمين، شكرًا جزيلاً فضيلة الشيخ شكر الله لك، وكتب الله أجرك، الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، شكرًا جزيلاً فضيلة الشيخ.
الشيخ: شكرًا لك، وأسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يحفظ بلادنا، وأن يوفقنا إلى ما فيه الخير، وأن يوفق ولاة أمرنا إلى ما فيه الخير للعباد والبلاد، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.