×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة(129) الدين حسن الخلق

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:2349

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحييكم تحية طيبة في بداية هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير إذاعة "نداء الإسلام" من مكة المكرمة، في هذه الحلقة التي نستمر معكم فيها على مدى ساعة إلا قليلًا بمشيئة الله تعالى.

 في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل الصبحي، ومن الإخراج الزميل ياسر زيدان، ومن الإشراف العام الأستاذ علي الثقفي، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بكم.
ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم. فضيلة الشيخ خالد السلام عليكم وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، حياكم الله أخي الكريم وائل، وحيا الله الإخوة والأخوات وفريق العمل، أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد، وأن يكون لقاء نافعًا ومباركًا.
المقدم: اللهم آمين.

 مستمعينا الكرام أنتم أيضًا يمكنكم أن تشاركونا في هذه الحلقة، لمن أراد المشاركة معنا يمكنكم أن تشاركونا بكتابه رسالة نصية عبر الواتس آب على الرقم: 0500422121، أو من خلال المكالمات الهاتفية على الرقمين: 0126477117، أو عن طريق الهاتف الآخر على الرقم: 0126493028
بمشيئة الله تعالى سيكون حديثنا في هذه الحلقة حول "حسن الخلق".

 ابتداء فضيلة الشيخ عندما نتحدث عن حسن الخلق نقول: إن ديننا الإسلامي هو دين الأخلاق، وعظم شأن الأخلاق، وجعل منزلتها ومكانتها عالية لذلك دعا ديننا الإسلامي المسلمين إلى التحلي بها وتنميتها في نفوسهم، وفي نفوس أبنائهم أيضًا، ونالت العناية الفائقة الكبرى، ونالت المنزلة العالية الرفيعة في كتاب الله عز وجل، وفي سنة نبيه -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-، وكل فضيلة، وكل خلق حسن جمٍّ تجد أن ديننا الإسلامي يندبنا إليه ويحثنا عليه.
ابتداء فضيلة الشيخ نريد أن نتحدث عن العناية التي أولاها ديننا الإسلامي لحسن الخلق.
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: تحية طيبة لك أخي وائل ولجميع الإخوة والأخوات، والمستمعين والمستمعات، أسأل الله تعالى التوفيق والسداد، وأن يرزقنا محاسن الأخلاق، وأن يهدينا لفاضلها فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا هو.
محاسن الأخلاق، وحسن الخلق، وطيب الأخلاق، ومكارمها، كل هذه الكلمات كلمات دائرة على معنى واحد وهو أن يكون الإنسان على حال من الاستقامة فيما يصدر عنه قولاً وفعلاً بحيث يجتمع فيه ثلاث صفات:
-
الصفة الأولى: أن يكفَّ الأذى عن الناس أو عن غيره؛ لأن الأخلاق يمكن أن تكون مع الناس، ويمكن أن تكون مع غيرهم لأنه حسب الأخلاق التي جاءت الشريعة بالندب إليها لا تختص فقط بالتعامل مع الإنس بل التعامل مع كل شيء، فحسن الخلق يكون في التعامل مع البشر، يكون في التعامل مع الحيوان، يكون في التعامل مع البيئة، يكون في التعامل مع النفس، في تعامل الإنسان مع نفسه، كل ذلك مما يندرج في حسن الخلق، وما يتصل بمكارم الأخلاق.
المقدم: إذًا هو فضيلة الشيخ ليس فقط في تعامل الناس المباشر مع بعضهم البعض؛ لأن مفهوم حسن الخلق عادة مع الناس يُفهم أنه يكون في تعاملهم المباشر مع بعضهم البعض، مثل ما ذكرت قبل قليل أن المعنى أكبر وأوسع من هذا؟
الشيخ: لا، المعنى بالتأكيد حسن الخلق يكون دائرة تشمل كل ما يصدر عن الإنسان، أي أنه يستوعب كل ما يكون من تصرفات الإنسان سواء أن مع بني جنسه أو مع مَن حوله مِن خلق الله عز وجل، ولذلك عندما نفهم حسن الخلق بهذا المفهوم الواسع يتبين لنا أن حسن الخلق لا يتعلق بالعلاقة بين البشر بل علاقة الإنسان بربه إذا اتسمت بحسن الخلق كان هذا فلاحًا ونجاحًا، وإذا اتسمت بسوء الخلق كان ذلك فشلاً وفسادًا. وبالتالي محاسن الأخلاق ليست مقصورة على جانب من جوانب تعامل الإنسان، أو على جزئية مما يصدر عنه فيما يتعلق بتعامله مع الناس.
النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه في المسند من حديث أبي هريرة أنه قال: «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» سنن الترمذي (1954) وقال: هذا حديث صحيح ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ربط حسن الخلق شكر الناس على إحسانهم هو من محاسن الأخلاق، فمن لا يقوم بهذا العمل الذي هو من محاسن الأخلاق يختلُّ عنده التعامل في شكر المحسن المتفضل من الناس سينعكس هذا أو سيكون هذا هو تعامله في شكره مع الله عز وجل، فإن من لا يشكر الناس لا يشكر الله عز وجل.
وهذا يبين ارتباط محاسن الخلاق في كل تعاملات الإنسان مع بني جنسه، مع غيره حتى في تعامله مع خالقه وربه -جل في علاه-.

 الأخلاق التي نتحدث عنها كما ذكرت ليست مقصورة في جانب، ولا محصورة في نموذج بل هي واسعة تشمل عدة خصال، وجملة من أوجه التعامل يمكن أن تجتمع في ثلاثة أمور: حسن الخلق، بذل المعروف، بذل الخير للناس ولمن تتعامل معه من سائر ما يكون حولك من الناس وغيرهم، كف الأذى أي أن تحجب عنهم أذاك فلا يصلهم منك شرٌّ أو أذية بأي صورة من الأذى، سواء كانت الأذية قولية أو الأذية عملية أو الأذية ظاهرة أو الأذية مستترة، الأذية في حال الحياة بل حتى الأذية بعد الموت.
فكفُّ الأذى مطلوب وهو من محاسن الأخلاق، وهو الركيزة الثانية التي يقوم عليها حسن الخلق.
الركيزة الثالثة التي يقوم عليها حسن الخلق: احتمال الأذى؛ فإن الإنسان في تعامله مع البشر لا يخلو من أن يصل إليه شيء مما يكره، فالإنسان بطبيعته مجبول على التقصير، كما قال الله تعالى في وصف الإنسان: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا الأحزاب:72، وعن هذين الخصلتين، وعن هذين الوصفين يصدر كلُّ نقص في تعامل الإنسان مع غيره.

 الظلم والجهل، وضدهما: العدل والعلم، فبالعدل والعلم تكمل سجايا الإنسان وخصاله.

 فمعاملة الإنسان مع غيره لابد أن يكون فيها نوع من الأذى الذي لا يمكن تجاوزه إلا بتحمله، فإن الإنسان لو وقف مع كل مؤذٍ لينتصف لنفسه، ويأخذ حقه، أو يقابل الأذى بمثله فإنه سيعثر في طريق سيره، وسيعجز عن مواصلة ما ينفعه، بل سيشتغل بما لا فائدة منه.
ولهذا كان من ركائز، وأساسيات، وقواعد تحقيق محاسن الأخلاق أن يربي الإنسان نفسه على احتمال الأذى، وقد جمع الله تعالى ذلك في قوله: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ الأعراف:199 ، ﴿خُذِ الْعَفْوَ﴾ فلا تحمِّل الناس ما لا يطيقون، ولا تطلب منه ما يعثر عليهم، ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ وهو شامل لكل ما يكون من محاسن القول والعمل مما تطيب به النفوس وتصلح، والأمر فرع عن العمل فإنه لا يأمر بالشيء إلا من عمل به فهو مضمن أن يعمل بالعرف كما يأمر به، وأمر بالعرف أي غيرك وابتدئ ذلك بنفسك وامتثل ثم غيرك حتى يتحقق لك الخير ولمن حولك يتحقق الخير.
﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾وذلك باحتمال ما يكون منهم من نقص، ما يكون منهم من قصور، ولاحظ أنه فيما يتعلق بالتعامل مع الناس وما يكون منهم من قصور جاء توجيهان في حين التوجيه المتعلق بتقديم الخير كان واحدًا؛ وذلك لأن الأذى الذي يلقاه الإنسان أكثر مما يتعلق بما يصدر عنه، ولهذا أكد الله تعالى فيما يتعلق بكبح ما يمكن أن يكون حاملاً لقصور الإنسان عن محاسن الأخلاق في مبدأ الآية أو في مبدأ التوجيه وفي ختمه: خذ العفو فلا تكلف الناس ما لا يطيقون، وأمر بالعرف فابذل لهم كل خير وكف عنهم كل شر، وأعرض عن الجاهلين وهم من لا يعلم أو من عمل بخلاف مقتضى علمه من الأذية والاعتداء وهو احتمال الأذى.
وبهذا تتبين كل الركائز التي إذا تحققت في الإنسان تحقق له حسن الخلق، حسن الخلق يدور على هذه المعاني الثلاثة:

 أن تبذل الخير للناس، أن تكف عنهم أذاك، أن تحتمل ما يكون منهم من أذى، وهذا معنى بذل الجميل وكف القبيح، وبه يكمل للإنسان طيب الخلق، وكريم الشمائل، وصالح الأخلاق، فيتحلى بالفضائل ويتخلى من الرذائل، هذا المفهوم العام لحسن الخلق الذي نتحدث عنه.
وما أشرتَ إليه أخي وائل فيما يتعلق بعناية الشريعة بمحاسن الخلاق يظهر جليًّا في مواضع عديدة، فالله تعالى أرسل الرسل -صلوات الله وسلامه عليهم- ليكمل للناس محاسن الأخلاق، ويكمل لهم ما يكون من حسن الخلق، فجاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- مزكيًا للناس، مزكيًا أي مطيبًا لأخلاقهم، مكملاً لسجاياتهم، حريصًا على الارتقاء بهم إلى أعلى ما يمكن أن يكون من درجات الكمال البشري، فكان كما قال الله تعالى في محكم كتابه في عدة مواضع: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾، ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ الجمعة:2 ، والتزكية التي جاء بها رسولنا صلى الله عليه وسلم جاءت الإشارة إليها في مواطن عديدة، قال الله تعالى ممتنًّا على هذه الأمة: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ البقرة:151 ، فهذه الآية الكريمة يذكر الله تعالى فيها امتنانه على هذه الأمة ببعثة هذا الرسول الكريم الذي كان من مهامه وأعماله صلى الله عليه وسلم التزكية.
وقد قال في سياق الامتنان: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ آل عمران:164، والتزكية المذكورة في هذه الآية هي التطييب للأخلاق، هي التكميل لفضائل السلوك، هي التحلي بالفضائل والمكارم، والتخلي عن الرذائل، هذا هو المقصود بقوله تعالى: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾، والتزكية هنا ليست فقط تزكية ظاهر بل تزكية ظاهر وباطن، زكاء القلب بطيبة وصلاحه، وزكاء الأخلاق بكمالها وتمامها.
إذًا الله تعالى يمتن على العباد ببعثة الرسول لأجل هذه المهمة العظمى وهي مهمة التزكية، ومهمة التحلية بالفضائل والتخلية من الرذائل، والتكميل للناس بمحاسن الأخلاق.

 وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما جاء في المسند من حديث أبي هريرة وهو حديث إسناده جيد، قال صلى الله عليه وسلم: «إنما بُعثتُ لأُتَمِّمَ صالحَ الأخلاقِ» مسند أحمد (8952) وقال محققو المسند: صحيح ، لخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم غاية الرسالة ومقصودها بهذه الجملة: «إنما بُعثتُ لأُتَمِّمَ صالحَ الأخلاقِ«.
بهذا يظهر عظيم منزلة الأخلاق في هذه الشريعة المطهرة، وما امتن الله تعالى به على الناس من هذا الشرع المطهر الذي تكمل به سجاياهم، وتصلح به أخلاقهم، ويطيب به معاشهم؛ لأن محاسن الأخلاق من أعظم أسباب الانشراح، والبهجة، والسرور، ولذلك أعظم المنتفعين بحسن الخلق هم أصحاب الخلق الحسن، تجد عندهم من الانشراح، من السرور، من الاطمئنان، من البهجة، من السعادة ما لا تجده عند غيرهم وذلك بفضل الله -عز وجل-، وما امتن عليهم من محاسن الأخلاق.
إضافة إلى هذا أن ما يجدونه من اللذة والبهجة والسرور والسعادة في الدنيا، يكون لهم من طيب الأجر في الآخرة ما سيتبين -إن شاء الله- في أثناء حديثنا فيما أعده الله تعالى من الفضائل والأجور لمن حسنت أخلاقهم.
المقدم: مستمعينا الكرام أنتم أيضًا يمكنكم أن تشاركونا عبر هاتفي البرنامج على الرقمين: 0126477117، أو عن طريق الهاتف الآخر على الرقم: 0126493028.

 اسمح لي فضيلة الشيخ أن نأخذ بعض المشاركات من الإخوة الكرام، معنا على الهاتف معنا الأخ محمد مسعود على الهاتف، أهلاً وسهلاً يا أخ محمد.
المتصل: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أهلاً وسهلاً يا محمد حياك الله.
المتصل: جزاكم الله خيرًا يعني الموضوع مرة ممتاز، فأقول: أول شيء الله -سبحانه وتعالى- قال: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ الإسراء:53 ، وأيضًا قال -سبحانه وتعالى-: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الزمر:18، وقال أيضًا: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فصلت:34 ، وجاء في الحديث الشريف قول النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحسنةَ تَمْحُهَا»، بعدها -سبحان الله- ذكر أحسن الحسنات، قال: «وخالِقِ الناسَ بخُلُقٍ حسنٍ»، وأخيرًا ذكرت من الحديث: «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» سنن الترمذي (1987) وقال: هذا حديث حسن صحيح ، لأنه ما قال: من لم يشكر الله لا يشكر الناس، يعني هو شكر الناس أيضًا من شكر الله لكن اللافت أو القيمة هنا أنه قدَّر شكر الناس على شكر الله يعني حتى شكر الناس هو من شكر الله، ولكنه لأهميته قدمهن وقال: «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ«.
المقدم: شكرًا جزيلاً، شكرًا جزيلاً يا أخ محمد.

طيب معنا على الهاتف أيضًا الأخ عبد الكريم الهاشمي، أهلاً وسهلاً يا عبد الكريم، حياك الله.
المتصل: حياك الله حبيبي، وأحيي فضيلة الشيخ، مرحبًا بكم وتشرفنا والله في هذا اللقاء، وهذه الكلمات الطيبة التي ألقاها فضيلة الشيخ، والحبايب المستمعين نقول لهم: حسن الخلق لازم جميعنا نتعامل بهذا الخلق من خلق نبينا الحبيب ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، البسمة في وجه رفيقك، لصديقك، حتى الموظف لما يبتسم أمام المواطن حتى لو ما قضى له حاجته بسمته كفاية له، والعامل في المنزل، والعاملة في المنزل لما تدخل عليها ترى بها حاجة بسمة في وجهها والخلق والكلمة الطيبة فضيلة، لك الأجر فيها، وفي آل بيتك، وفي أصحابك، وفي أصدقائك، في كل شيء، هذه التي تولد المحبة، وتغرس الود بين الناس الخلق هذا، والحمد لله نسأل الله أن الله يرزقنا وإياكم حسن الخلق والأدب والتواضع وأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الله يحفظ بلادنا، وأَمننا وأماننا، ويحفظ جنودنا ويحفظ مليكنا وولي عهده ويعزهم، ورفعهم فوق الدنيا والآخرة في الحياة الدنيا والآخرة.
المقدم: آمين، شكرًا جزيلاً يا أخ عبد الكريم شكرًا جزيلاً، طيب فضيلة الشيخ نعود مجددًا للحديث ما أدري إذا كان تُعلِّق على الإخوة الكرام ولا ننتقل للحديث عن أحاديث المصطفى صلوات بي وسلامه عليه؟
الشيخ: لا نتحدث فيما يتعلق بالأخلاق، فيما يتعلق بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ»، ليس فيه تقديم شكر الناس على شكر الله، فشكر الله -عز وجل- وحقه مقدم على كل أحد إنما بيان أن مِن شكر الله تعالى أن يشكر الإنسان الناس، فمن قصَّر في شكر الناس فإنه قصر في حق الله، هذا معنى الحديث وليس في ذلك تقديم شكر الله على شكر الناس بل حقه مقدم على كل أحد -سبحانه وبحمده-.
الأخلاق أيها الإخوة والأخوات لها شأن عظيم في كل المجتمعات البشرية فإنه لا يستقيم مجتمع، ولا يطيب له اجتماع والتئام إلا بتفعيل محاسن الأخلاق فبقدر ما تنتشر محاسن الأخلاق بينهم، وتسود فضائل الشيم والسجايا والخصال بينهم يرتقي المجتمع. والذي ميز هذه الشريعة أن حسن الخلق جاء شاملاً لكل مناحي حياة الإنسان في جميع معاملاته وتصرفاته، ليس فقط مقصورًا على قريب أو مُوافِق في جنس، أو موافِق في دين، أو موافِق في لسان، أو موافق في لون بل عام لكل أحد.
ولهذا جاء الخطاب في أوائل الأوامر القرآنية: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا البقرة:83 ، فالله تعالى لم يأمر في القول الحسن بل الأحسن وهو الأعلى من القول، لم يأمر بذلك في حق فئة من الناس أو مجموعة بل للناس على اختلاف ألوانهم، وعلى اختلاف ألسنتهم، وعلى اختلاف أجناسهم، بل على اختلاف أديانهم، فالقول الحسن مطلوب في خطاب كل أحد وهو الأصل ألا يكون هناك استثناءات، هذه الاستثناءات لها أحوالها وأحكامها، لكن الأصل هو أن يكون قول الإنسان حسنًا مع كل أحد ليفوز بذلك في تحقيق حسن الخلق، والتأكيد على القول الحسن في معاملة الناس؛ لأن القول لا يعجز عنه الإنسان بخلاف الفعل فإن الفعل قد يقصر عنه الإنسان، وقد يعجز عنه، وقد يشحُّ به لكن من شح بالقول الحسن فهو عن الشح في سائر خصال الفضل ومكارم الأخلاق من باب أولى.
ولهذا كانت التحية وهي السلام من حق المسلم على المسلم، ورد التحية على كل من حيا كان حقًّا لعدم العجز عن ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ» صحيح البخاري (6023)، ومسلم (1016) ، فالكلام والقول لا يعجز عنه إلا عاجز، فإذا كان الإنسان يعجز عن تطييب قوله وعن أن يقول حسنًا فثق تمامًا أن عجزه عن الفعل الحسن أرجح وأقرب وأكثر وقوعًا من عجزه عن القول؛ لأن القول لا يكلف الإنسان شيئًا، هي كلمات تصدر إذا عجز عن أن يصدرها على وجه حسن فعجزه عن غيره من باب أولى.
الأخلاق لها ميزة أو مكانة في الأمم البشرية، والشريعة جاءت ببيان منزلتها وكبير أثرها في دفع البلاء عن المجتمعات، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ هود:117 ، فوجود الصلاح والإصلاح ومفتاحه إعطاء الحقوق، وصلاح المعاملة بين الخلق هو مما يدفع الله تعالى به عن الناس أسباب الهلاك، يقابله الفساد في الأرض، وأذى الخلق كما قال الله تعالى في حق قوم قالوا: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ البقرة:205، فهذه الخصال الرديئة في خصال الناس هي مما يجلب لهم التعاسة والشقاء، ويدفع عنهم الطمأنينة والانشراح، والاستقامة في مجتمعاتهم.
وإذا تأملت فيما جاءت به النصوص منزلة حسن الخلق أدركت أنه حتى قبل الإسلام لمحاسن الأخلاق منزلة كبيرة، فهذا ما جاء عن خديجة -رضي الله تعالى عنها-فيما نقل عنها في الصحيح أنها لما جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان قد أصابه الفزع فيما جاءه في غار حراء من الوحي،وذلك لكونه أمرًا غريبًا مفاجئًا له -صلى الله عليه وسلم- لم يعهد، جاءت بكلمات قالت للنبي صلى الله عليه وسلم تسكِّن من روعه، ومن الفزع الذي نزل به قالت: «كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا» لماذا؟ انظر إلى الدلائل التي جعلتها موجباتٍ لدفع الخزي عنه صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يصيبه ما يكره، وأن ما جاءه لن يناله به سوء أو شر « فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ» محاسن أخلاق، «وتصدُق الْحَدِيثَ» حسن الخلق، «وَتَحْمِلُ الكَلَّ» أي الفقير والضعيف والعاجز، «وتُكسب المعدوم» من لا شيء عنده، «وَتُقْرِي الضَّيْفَ» وهو النازل على وجه عارض تكرمه وتعطيه حقه، «وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبَ الحق» صحيح البخاري (3)، ومسلم (160) .
تأمل هذه الخصال تجد أنها أصول الإحسان في معاملة الخلق، القريب والبعيد، الطارئ والدائم، تصل الرحم: هذه علاقة دائمة، تصدق الحديث: هذا قول سديد، تحمل الكل: العاجز بإيصاله إلى مكانه أو قضاء حاجته، تكسب المعدوم: أي تعطي الفقير ما يسد حاجته، تقري الضيف: وهو قد يكون غنيًّا لكنه ضيف نزل فتكرمه وتعطيه حقه، وتعين على نوائب الحق: يعني ما يأتي من المصائب، وهذا إحسان متنوِّع للفقير، والقريب، والعاجز، والضيف الطارئ، وفي حال المصائب والنوازل، وصدق الحديث مع كل من تحدث.
فجعلت هذه الخصال موجبةً لدفع الخزي، وهي خصال كريمة قبل أن يُبعث صلى الله عليه وسلم، وقبل أن يتنزل عليه الوحي جَبَلَه الله وهيأ له هذه الأخلاق الفاضلة الكريمة -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فكان هذا موجبًا لدفع الخزي عنه صلى الله عليه وسلم، وموجبًا للمدح والثناء عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

 وبالتالي يتبين من هذا عظيم أثر حسن الخلق في تحقيق المقاصد، والوصول إلى سعادة الدنيا وفوز الآخرة.
بهذا يتبين أن المجتمعات لا يمكن أن تستقيم ولا تصلح إلا بمحاسن الأخلاق، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في بيان المعنى الجامع الذي جاء به: «إنما بُعثتُ لأُتَمِّمَ صالحَ الأخلاقِ»، وجعل جملة من الخصال الكريمة، والأعمال الطيبة، والسجايا الفاضلة من أجزاء النبوة: الهدي الصالح، والسمت الصالح، والهدي الصالح يعني العمل الصالح، والسمت الصالح يعني المظهر الطيب، التؤدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة، كل هذا يبين لنا عظيم منزلة حسن الخلق في أصل التشريع، وأن التشريع جاء لرفع الناس إلى مقامات سامية من محاسن الأخلاق يطيب بها معاشهم، وتصلح لها معاملاتهم، تصلح بها دنياهم، وينالون بها رضا ربهم -جل في علاه-، والسبق في الآخرة، ولهذا جاءت أحاديث عديدة في بيان ما يكون من الأجور المرتبة على محاسن الأخلاق.
المقدم: جميل، اسمح لي فضيلة الشيخ قبل أن نكمل الحديث في الأجور والثمرات المترتبة لحسن الخلق، سنة نبينا المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه- فيها الكثير من المواقف التي تبين حسن خلق النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو الذي قال عنه الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ القلم:4 ، نذكر يعني ندب النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحث أصحابه -رضوان الله تعالى عليهم- على التحلي بهذه الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة عندما جاء عكرمة ابن أبي جهل رضي الله عنه مسلمًا، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «سيدخُل عليكُم عِكرمة بن أبي جهل الآن مُسلمًا، فَإيَّاكُم أن تذكُروا أباه أمامه بِسُوء» هذا كان خلق النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أبي جهل وهو الذي كان يؤذي النبي -عليه الصلاة والسلام-، كان يحث أصحابه -صلوات ربي وسلامه عليه- على التحلي بحسن الخلق حتى مع هذا الذي آذاه صلى الله عليه وسلم.
أيضًا لو أردنا أن نتحدث عن سلسلة من الأحاديث، ومجموعة من الأحاديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- التي يحث فيها على حسن الخلق في قوله: «إِنَّ الُمؤْمِنَ لَيُدْركُ بِحُسنِ خُلُقِه درَجةَ الصائمِ القَائمِ» سنن أبي داود (4798) وصححه الألباني ، هذه كلها فيها تعليم للصحابة -رضوان الله عليهم- ولأمته من بعده على التحلي بحسن الخلق.
الشيخ: صحيح، بالتأكيد والأحاديث الواردة في بيان أهمية حسن الخلق وعظيم الأجر المرتب عليه كثيرة، وأصل ذلك ما تحلى به صلى الله عليه وسلم، وعمل به، فكان صلى الله عليه وسلم على أكمل ما يكون من محاسن الأخلاق كما ذكر تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ القلم:4 ، وجاء في الأحاديث النبوية ما يدل على رفيع حسن الخلق منزلة ومكانة، ففي حديث النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن البر وعن الإثم، فقال: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ» صحيح مسلم (2553) ، وهذا يبين أنه كلما ازددت من حسن خلق فُزت بخصال البر، والبر هو الطريق الذي يوصل إلى الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ» صحيح البخاري (6094)، ومسلم (2607) ، ومعنى هذا أن من فاز بحسن الخلق في معاملة الخلق، في معاملة من له حق من الخلق عمومًا من الإنس وغيرهم كان ذلك من موجبات علوِّ قدمه، ورفعة منزلته عند ربه -جل وعلا-، وتحقيق أعلى درجات الديانة.
ولهذا ابن القيم قال كلمة -رحمه الله- هي في غاية الوضوح في بيان عظيم المنزلة التي يحصِّلها مَن حَسُن خلقه، قال: من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين[مدارج السالكين2/294]، هذه الكلمة المختصرة تبين لك أثر محاسن الأخلاق في تحقيق رضا الله -عز وجل-، في تحقيق الديانة، وأن حسن الخلق ليس أمرًا هامشيًّا، أو تكميليًّا، أو مسنونًا، أو مندوبًا زائدًا بل هو أساس في تحقيق الديانة، وهو أصيل في استقامة الإنسان في فوزه في الدنيا وفي الآخرة، من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين.
لكن من المهم أن نرجع إلى أول الحديث الذي تكلمنا عنه في مفهوم الخلق، وأن الخلق المندوب إليه في الشريعة ليس مقصورًا على تعامل الإنسان مع الإنسان فقط بل مع الإنسان، مع الخالق -جل في علاه-، مع سائر الخلق المحيطين به، كل هؤلاء بحاجة إلى أن يتعامل الإنسان معهم بمحاسن الأخلاق ليفوز بهذه النتيجة التي ذكرها ابن القيم رحمه الله"من زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين".

 ولهذا يبلغ صاحب الأخلاق الحسنة منزلة الصائم القائم، أي يبلغ درجة الصائم القائم، وهذه درجة رفيعة عالية لا يحصلها بمجرد أخلاق عارضة، أخلاق آنية، أخلاق كسبيَّة لمصلحة أو لمنفعة؛ لأن بعض الناس يستعمل الكلمات الطيبة، والوجه الطلق، والمعاملة الحسنة لتحقيق مآرب قريبة إذا انتهت انتهى كل شيء، فقد يبشُّ في وجه الإنسان ويحسن معاملته لأن له عنده حاجةً سواء كانت حاجته في وظيفة، أو حاجة في علاقة وظيفية، أو حاجة في علاقة مالية أو ما إلى ذلك، ثم إذا انتهت هذه العلاقة انقطعت هذه المظاهر الطيبة في المعاملة، وعاد إما تهميشًا أو إهمالاً أو عدم قيام بحق هذا إن لم يزد بعض الناس إلى أن يكون ثمة أذى واعتداء.
«إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم القائم»[سبق]، هكذا قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في بيان أنه بقدر ما يحقق الإنسان من الأخلاق بقدر ما تفتح له من الأجور، وبقدر ما يطيب له من العمل، وهذا يبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر: «إنَّ مِن خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلَاقًا» صحيح البخاري (3559)، ومسلم (2321) ، يعني وسام الخيرية إذا أردت أن تسبق وتكون خيرًا من غيرك فكن على خلق أحسن من خلقه، وبقدر ما يحقق الإنسان محاسن الأخلاق يفوز بكمال الإيمان، فجاء عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَكْمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَاناً أَحسَنُهُم خُلُقاً، وخيارُكُم خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهمْ» سنن الترمذي (1162) وقال: حديث حسن صحيح  وهذا تنبيه إلى أن حسن الخلق ليس في حق العلاقات العارضة من زميل في مهنة، أو مراجع، أو شخص لقيته في الطريق، أو بسمة عابرة، لا، هذا كله من حسن الخلق لكن أولى الناس بحسن الخلق هم من لك بهم علاقة ممتدة، علاقة دائمة، علاقة تمرُّ بها ظروف مختلفة؛ لأن الإنسان قد يحكم نفسه في الظروف الطارئة بحسن الخلق لكن عندما يكون هناك دوام تنكشف المعادن، وقد يهمل الإنسان تفعيل واستحضار معاني الأخلاق الحسنة، فيتعامل بجفاء، يتعامل برداء مع من حوله لكون العلاقة دائمة ومستمرة.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «وخيارُكُم خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهمْ»؛ لأن النساء فيهن من الضعف، وفيهن من الحاجة إلى حسن التعامل ما لا يفطن له إلا الأخيار الذين يحسنون في التعامل مع النساء سواء كن زوجات، أو أمهات، أو كن بنات، أو كن أخوات، أو قريبات، كل هؤلاء حقهم أن يكونوا كما قال صلى الله عليه وسلم: «وخيارُكُم خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهمْ»، بل حتى في تعامل الإنسان مع من تحت يده من عمالة أو من خدم أو من إذا كان صاحب مسئولية من مرؤوسين ينبغي أن يكون على حال من الطيب في التعامل والرفق بالناس ما يترجم محاسن الأخلاق، وقد قال أنس في صفة معاملة النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خدَمْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- عَشرَ سِنينَ» شف المدة الطويلة هذه عشر سنين، ليست شهرًا ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين، وهو صغير جاءه وعمره قريبًا من عشر سنوات، يعني صغير في سنِّ من يُتوقَّع منه في العادة القصور والتقصير بحكم صغر السن، يقول:  «خدَمْتُ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- عَشرَ سِنينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ» ولا مرة ما قال لي قط: أف، وهي كلمة تأفف، أف هذه التي يعني هي فقط للتأفف وإظهار الضجر وعدم القبول، ما صدرت منه في حق هذا الخادم، في حق أنس -رضي الله تعالى عنه- طيلة عشر سنوات، فيا ليت هذا الصوت يصل أو هذا الخبر يصل لأولئك الذين لا يخاطبون من يخدمهم إلا بالسباب والشتائم، وقد يصل إلى التحقير والتلعين وما إلى ذلك من كلمات نابية، ويترجم ذلك أنه أو يبرر لنفسه ذلك بأنه يقصر، وأنه يعني ما يقوم بما عليه، وأني أنا أدفع له راتبًا ولا يؤدي المهام التي عليه. يا أخي هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخدمه أنس وهو صغير وهو مظنة التقصير ما قال له خلال هذه العشر سنوات «وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ»، ثم قال: «وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟» صحيح مسلم (2309)  وهذه ترجمة لقول الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ الأعراف:199 ، وهذا لا يعني ألا يقوم الإنسان من يحتاج إلى تقويم، ويوجِّه من يحتاج إلى توجيه بل النبي صلى الله عليه وسلم ترجم ذلك في معاملته صلى الله عليه وسلم للصغار في بيته حتى من لا يميز كان يعلم -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويحملهم على الفضائل في المعاملة في مواطن عديدة.
 
ففي حديث سلمة -رضي الله تعالى عنه- وهو ابن زوجته أم سلمة يقول في حديث عمر بن أبي سلمة وهو ابن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عمر قال: «كُنْتُ غُلَامًا في حِجْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ» يعني في الأكل يأكل من قريب ومن بعيد، «فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وكُلْ بيَمِينِكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ» صحيح البخاري (5376)، ومسلم (2022)  هذا الحديث حديث عمر بن أبي سلمة وهو صغير تضمن توجيهًا نبويًّا لمحاسن الأخلاق، فيفهم به أن تركَه تأنيبَ أنس بن مالك ليس تركًا للتوجيه إلى ما ينبغي لكن فرق بين التوجيه والتقويم وبين العيب والتثريب والعنف في التوجيه، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يستعمل ذلك بل كان يستعمل اللطف حتى مع من لا يميز.
ففي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وهو في الصحيحين أن الحسن بن علي صهر النبي صلى الله عليه وسلم، «أَخَذَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، تَمْرَةً مِن تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا في فِيهِ» الحسن صغير أخذ تمرة من تمر الصدقة، فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يضغط بيده على خده، الحسن يقول له: «كِخْ كِخْ لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قالَ: أما شَعَرْتَ أنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ» صحيح البخاري (1491)، ومسلم (1069) ، فأخرجها من فمه.

 هذا الحديث أيضًا يبين أنه محاسن الأخلاق لا تقتضي عدم التوجيه لكن ينبغي أن يكون التوجيه برفق، التوجيه برحمة، التوجيه بشفقة لتحقيق المقصود وليس ما جاء في حديث أنس رضي الله تعالى عنه معنى ذلك أن يهمل الإنسان تربية من يحتاج إلى تربية، وتوجيه من يحتاج إلى توجيه «خدَمْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشرَ سِنينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟» سبق ، بل كان إذا عاتب أنسًا أهلُ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوه؛ فلو قضي شيء لكان«[مكارم الأخلاق للخرائطي:ح71]
المقدم: جميل شكر الله لك، وكتب الله أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، أشكرك كثيرًا على إثرائك لهذه الحلقة وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقنا جميعًا محاسن الأخلاق إنه جواد كريم، شكرًا جزيلاً فضيلة الشيخ.
الشيخ: آمين، بارك الله فيك، وأسأل الله أن يرزقنا وإياكم محاسن الأخلاق، وأن يصرف عنا سيئها، وأن يوفق ولاتنا إلى ما يحب ويرضى، وأن يسددهم في الأقوال والأعمال، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء وشر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الاكثر مشاهدة

3. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات91501 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات87240 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف