×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

مرئيات المصلح / برامج المصلح / الدين والحياة / الحلقة (130) التفكر في آثار رحمة الله تعالى

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis

المشاهدات:3629

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات نحييكم تحية طيبة عبر أثير إذاعة "نداء لإسلام" من مكة المكرمة، في بداية هذه الحلقة من برنامج "الدين والحياة"، والتي نستمر معكم فيها حتى الثالثة بمشيئة الله تعالى.

 في بداية هذه الحلقة تقبلوا تحياتي محدثكم وائل الصبحي، ومن الإخراج زميلي ياسر زيدان، ومن الإشراف العام الأستاذ علي الثقفي، أهلًا وسهلًا ومرحبًا بكم.

ضيف حلقات برنامج "الدين والحياة" هو فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه في جامعة القصيم، وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم.

 فضيلة الشيخ خالد أهلا وسهلا، وحياك الله معنا في بداية هذه الحلقة أهلًا وسهلًا.

الشيخ:- مرحبا بك حياك الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مرحبا بك أخي وائل، وأهلا وسهلا بالإخوة والأخوات المستمعين والمستمعات.

المقدم:- حياكم الله مستمعينا الكرام لمن أراد المشاركة معنا في هذه الحلقة من برنامج الدين والحياة، يمكنكم أن تشاركونا عبر هاتفي البرنامج على الرقمين 0126477117 أو عن طريق الهاتف الآخر على الرقم 0126493028 أيضًا يمكنكم أن تشاركونا برسالة نصية عبر تطبيق الواتس أب سنقرؤها -بمشيئة الله تعالى- على الرقم 0500422121

 سيكون حديثنا -بمشيئة الله تعالى- في هذه الحلقة مستمعينا الكرام حول "سعة رحمة الله تبارك وتعالى، والنظر في آثار رحمة الله جل وعلا".

فضيلة الشيخ سيكون حديثنا -بمشيئة الله تعالى- حول هذا الموضوع، ونبدأ بالقول -فضيلة الشيخ-: أن هذه الرحمة رحمة الله –تبارك وتعالى- رحم الله بها عباده من الملائكة والإنس والجن والحيوان، ورحم بها كل المخلوقات، ولا يوجد شيء في الوجود إلا ولرحمة الله –تبارك وتعالى- أثرٌ عليه، وهذه الرحمة يتفضل الله –تبارك وتعالى- بها على عباده، وهي شاهد على سعة رحمة الله –تبارك وتعالى-، فبرحمته -جل في علاه- أوجد الخلق كلهم من العدم، وربَّاهم بالنعم، ودبرهم أحسن تدبير، وصرَّفهم أجمل تصريف، ورَزَقهم وأحياهم وأوجدهم في هذه الحياة.

نريد فضيلة الشيخ أن نتحدث ابتداء عن هذه الرحمة التي هي صفة من صفات الله –تبارك وتعالى-، نريد أن نتحدث كيف تفضل الله –تبارك وتعالى- بها علينا نحن المسلمين؟ أن تفضل علينا ورحمنا وهدانا لدين الإسلام.

الشيخ:- الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..

فقبل ما نخوض فيما ذكرت أخي الكريم ما يتعلق ببيان عظيم رحمة الله تعالى بعباده، أحب أن أنبِّه إلى أن طَرْق مثل هذه الموضوعات المتعلقة بالنظر فيما أخبر الله تعالى به في كتابه عن نفسه من جليل صفاته لاسيما تلك الصفات التي كرَّر الله تعالى ذكرها في محكم التنزيل، من المهمات الكبرى التي ينبغي أن يعتني بها كلُّ من أراد سعادة الدنيا والآخرة، أن يتعرَّف على الله –عز وجل- من خلال ما ذكر في كتابه من أسمائه وصفاته وجميل أفعاله وبديع صنعه -جل في علاه-، فإن الله تعالى بثَّ في كتابه من التعريف به ما يأسر القلوب، ما يجذبها إليه، ما يعرِّفها به حتى تذلَّ وتقرَّ بعظمته وكماله، وتنجذب إليه محبة ورقًّا وتعبدًا له –سبحانه وبحمده-.

ولهذا أكثر الله في كتابه من ذكر أسمائه وصفاته وذكر أفعاله، فمن المهم لكل مؤمن يرجو سعادة الدنيا وفوز الآخرة أن يعتني بما ذكر الله تعالى في كتابه من الآيات التي تضمنت أسماءه وتضمنت صفاته وتضمنت أفعاله -جل في علاه-، ولتعرف شرف هذا العلم وعظيم منزلته انظر إلى نصين نبويين كريمين: 

النص الأول:- لما سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- أبيَّ بن كعب «أتَدْرِي أيُّ آيَةٍ مِن كِتابِ اللهِ معكَ أعْظَمُ؟ قالَ: قُلتُ: {اللَّهُ لا إلَهَ إلّا هو الحَيُّ القَيُّومُ} البقرة:٢٥٥، قالَ: فَضَرَبَ في صَدْرِي، وقالَ: واللَّهِ لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنْذِرِ»صحيح مسلم (810)، أقرَّ النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- أبا المنذر أبيَّ بن كعب أن أعظم آية في القرآن هي آية الكرسي.

 إذا تأملت آية الكرسي ما الذي فيها؟ الذي فيها هو بيان عظيم ما لله من الصفات ابتداء بتوحيده وختمًا بعلوِّه وعظمته -جل في علاه-، وما بين ذلك مما ذكر كله دال على عظيم قدرته -جل في علاه-، وما له من الكمالات الموجبة لعظيم محبَّته، ولكمال الذل له –سبحانه وبحمده-، وبهذين تتحقق العبودية لله –عز وجل-.

كذلك النص الآخر الذي بيَّن أهمية العناية بما ذكر الله تعالى من أسمائه وصفاته وأفعاله وبديع صنعه في كتابه الحكيم وفي القرآن العظيم أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه مرة: احشدوا أقرأ عليكم القرآن، فاجتمعوا فقرأ عليهم النبي –صلى الله عليه وسلم- سورة الإخلاص، ثم انصرف –صلى الله عليه وسلم-، كررها عليهم ثلاثًا، فقال الصحابة: يعني عجبوا أنه دعاهم ليقرأ عليهم، يُسمِعُهم القرآن كاملًا وأعاد عليهم سورة الإخلاص، قرأها عليهم ثلاثًا ثم انصرف، فلما خرج قال لهم –صلى الله عليه وسلم-: «قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ تعدلُ ثلثَ القرآنِ«.[صحيح مسلم:ح812/261]

ما الذي بلغ هذه السورة هذه المنزلة؟ 

الذي بلغ هذه السورة هذه المنزلة أنها سورة خالصة في بيان صفة الله –عز وجل-، ولهذا في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- الصحابي الذي بعثه النبي –صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه في سريَّة وفي مُهمة من المهمات كان يقرأ على أصحابه بما شاء الله بعد الفاتحة من آيات الكتاب الحكيم، ثم يختم يقول: هو الله أحد في كل ركعة، فعجب هؤلاء الصحابة من صنيعه؛ لأنهم لم يعهدوا هذا من فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما رجعوا أخبروا النبي –صلى الله عليه وسلم- من فعله أنه كان لما يقرأ ما شاء الله له أن يقرأ ختم بسورة الإخلاص، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- لأصحابه لما أخبره بذلك: سلوه لما صنع ذلك أي ما الذي جعله يفعل هذا أنه يختم كل ركعة بقراءة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ* اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌالإخلاص: 1- 4  فلما سألوه قال لهم جوابا مختصرًا قال لهم: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها

كلمات موجزات أجاب بها عما استغربه هؤلاء الصحابة من فعله حيث كان يختم في كل ركعة بـ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾، إنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرا بها، فلما أخبروا النبي –صلى الله عليه وسلم- بجوابه فقال: «أخبروه أن الله يحبُّه»صحيح البخاري (7375)، ومسلم (813)  أخبروه أن الله -جل في علاه- يحبه لما أحب صفاته وما أخبر به عن نفسه من كمالاته أحبه الله جل في علاه، وهذا يبين لنا هذين الحديثين الكريمين الشريفين يبيِّنان لنا عظيم ما أخبر الله تعالى به في قرآنه من صفاته.

فهو أعلى وأشرف العلوم، وأعظم ما أخبر الله تعالى في كتابه الخبر عن نفسه، فذاك موجب للإيمان، موجب لمحبة الرحمن، موجب لتعظيمه، موجب لكل عمل صالح ظاهر أو مستتر في القلب أو في الجوارح؛ ولهذا أقول: من المهم لنا أيها الإخوة والأخوات أن نولي هذا الموضوع أهمية في كل ما أخبر الله تعالى به عن نفسه من الأسماء والصفات، فما أخبر الله تعالى بها إلا ليتدبَّرها الناس ليعرفوا من يعبدون، والإله الذي له يصلون وله يزكون وله يصومون، وله يحجون وله يفعلون كل طاعة في سرٍّ أو إعلان.

لاشك أن إدراك المؤمن عظمة الرب الذي يعبده، وكمال الإله الذي يتوجه إليه، لاشك أن هذا ينعكس على قلبه صلاحًا، وإذا صلح القلب كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ»صحيح البخاري (52)، ومسلم (1599)  ما نتحدث عنه في هذه الحلقة في صفة من صفات الله –عز وجل- وهي صفة الرحمن.

الرحمة صفة عظيمة من صفات الله -عز وجل-، وقد قررها الله تعالى في كتابه في كثير من المواضع، بل أكثر صفة تردد ذكرها في القرآن بعد الإلهية صفة الرحمة، وجه ذلك أن القرآن العظيم في كل سورة مفتَتَح بآية، هي مفتاح كل سورة إلا سورة براءة وهي بسم الله الرحمن الرحيم فإنها آية في أول كل سورة ليست منها لكن تفتح بها السور، ولذلك لا تخلو سورة من ذكر هذه الصفة العظيمة ليس في موضع واحد بل تجد في بعض السور يتكرر هذا في مواضع عديدة، في أكثر من موضع يذكر الله تعالى صفة الرحمة إما بالنص أو بمقتضيات هذه الصفة الكريمة من صفات الله –عز وجل-.

ولعظيم قدر هذه الصفة العظيمة من صفات الله –عز وجل- جعل لها اسمين وليس اسما واحدًا، وهذا مما تميز به هذه الصفة دلالة على عظمتها وسعتها، وكبير اتصاف الله تعالى بها وعظيم حاجة الناس إليها، فهو –سبحانه وتعالى- الرحمن الرحيم، هو الله الذي لا إله هو سبحانه وبحمده، وكذلك قال: الرحمن الرحيم وفي البسملة بسم الله الرحمن الرحيم، وفي مواضع عديدة يذكر الله تعالى هذين الاسمين مقترنين مع أنهما اسمان مشتقان من صفة الرحمة،وهي صفة واحدة لله –عز وجل-.

هذا يدل على عظيم قدر هذه الصفة في أسماء الله –عز وجل-، وأنها في منزلة سامية عالية من الصفات التي اتصف بها الرحمن -جل في علاه-.

صفة الرحمة لا يستغني عنها أحد من الخلق، ولذلك أخبر الله تعالى عن واسع رحمته –سبحانه وتعالى- هي من أوسع الصفات تعلقًا بما تتعلق به الصفات من شأن الخلق، لذلك أخبر الله تعالى في محكم كتابه بسعة رحمته وقرنها بعلمه حتى تعرف سعة الرحمة تعلم أن علم الله –عز وجل- وسع كل شيء؟ فهو –سبحانه وتعالى- العالم بما كان، فما كان من حوادث الزمان في ماضي الأيام، فالله تعالى به عليم، وهو عليم بالحاضر لا يخفى عليه شيء مما عليه الناس، هو شهيد مطلع عليم بأحوالهم الظاهرة والباطنة، وهو –جل وعلا- العالم بما سيكون فهو العالم بما يكون في مستقبل الأيام أحاط بكل شيء علمًا، عنده علم الساعة﴿عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ فَلَا يُظۡهِرُ عَلَىٰ غَيۡبِهِۦٓ أَحَدًا [الجن:26]، فهو –سبحانه وتعالى- الذي وسع كل شيء علمًا، ولا يقتصر تعلم علم الله بالسابق والحاضر والمستقبل، بل علم الله تعالى يتعلق حتى بما لم يوجد، يعني الأشياء التي لم توجد يعلم الله ماذا يترتب على وجودها؟ كما قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَاالأنبياء: 22، وهذا معنى كلام العلماء ويعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، يعني يعلم الشيء الذي ما وقع لو وقع كيف كان يكون، فهو العالم بكل شيء -سبحانه وبحمده- فعلمه من أوسع الصفات تعلقًا، ليس ثمة صفة في تعلق أوسع من العلم، قال الله تعالى: في صفة العلم ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًاغافر: 7  فعلمه هو فعل لكل شيء على النحو الذي ذكرت الماضي والحاضر والمستقبل والممكن والواجب والمستحيل لو كان كيف كان يكون، فكذلك رحمته –سبحانه وتعالى- وسعت كل شيء.

فقد قرن الله سعة علمه بسعة رحمته، وقدم الرحمة على العلم لعظيم حاجة الناس إلى هدي الرحمن، وسعت رحمته كل شيء كما وسعت نعمته كل شيء، فبلغت رحمته حيث بلغ علمه –سبحانه وتعالى-.

 اتصافه بالكمالات من رحمته، خلقه الخلق من رحمته، إنزاله الكتب من رحمته، إرساله الرسل من رحمته، ما قضاه وبينه للعباد من شرائع دينه من رحمته، خلق الخلق من رحمته، ما يتعلق بأنواع المدد الذي يسكبه على عباده من رحمته، أسبغ عليهم النعم الظاهرة والباطنة برحمته، دبر لهم أنواع التدبير وصرفهم بأنواع التصريف من رحمته، ملأ –سبحانه وبحمده- الدنيا والآخرة من رحمته، لذلك لا تطيب الأمور إلا برحمته، ولا تتيسر الأشياء إلا برحمته، ولا تحصل المقاصد إلا برحمته، ولا تُنال المطالب إلا برحمته، فرحمته وسعت كل شيء.

وما لم يحط به البيان من بيان عظيم رحمته أجلُّ وأعظم مما تكلمنا به، فهو سبحانه ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء وعمَّت كل مخلوق، كما قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍالأعراف: 156، وعندما نتكلم عن كل شيء فإننا نتكلم عن كل ما شاءه الله مما هو في الكون إلا أن هذه الرحمة الواسعة العظيمة التي جاء وصفها على هذا النحو من السعة والعظمة نصيب أهل الإيمان والإحسان منها أعظم من غيرهم، الناس متفاوتون فيما ينالونه من رحمة الله، أعلى الناس نصيبًا من رحمة الله وأحراهم بإدراك رحمة الله هم المحسنون نسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم، لذلك قال الله تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَالأعراف: 56  تأمل كيف قال:﴿قَرِيبٌ﴾، والقريب يُدرَك بيُسْرٍ وسهولة ولا عناء في تحصيله، فبقدر ما يكون معك يا أخي ويا أختي من الإحسان بقدر ما يكون معك من رحمة الرحمن -جل في علاه-.

ولذلك زد في الإحسان بمفهومه العام الذي يشمل كل صلاح في القلب، وكل صلاح في الجوارح والعمل، الإحسان الذي يتعلق بعلاقتك بالله وصلتك به –سبحانه وتعالى-، وأداء حقوقه والإحسان متعلق بالخلق في إيصال كل برٍّ إليهم ودفع كل شرٍّ عنهم، إذا حققت هذا فأبشر فإن رحمة الله قريب من المحسنين.

المقدم:- فضيلة الشيخ اسمح لي أقف وقفة قصيرة وبسيطة قبل أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة.

 الله –تبارك وتعالى- في الآية ذكر ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَالأعراف: 156  هذه الرحمة التي هي رحمة ربنا –جل وعلا- التي وسعت كل شيء بمعنى هذه الآية اللي هي مقتصرة فقط على المؤمنين، أم أن رحمة الله –تبارك وتعالى- تسع كل شيء حتى الكافر، وحتى الذي لا يؤمن وحتى العاصي؟

الشيخ:- تكلمت قبل قليل عن سعة رحمة الله –عز وجل- وأنها وسعت كل خلقه، فلا يخرج عنها أحد من خلقه، ولذلك الله تعالى يقول: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍالأعراف: 156، أخبر بسعة رحمته لكل أحد من الخلق، لكنه برحمته بين مثل ما ذكرت قبل قليل نصيب الناس من الرحمة متفاوت ليسوا على درجة واحدة، فأهل الإيمان ليسوا على درجة واحدة فيما ينالونه من رحمة الله، كما أن المؤمن غير الكافر فيما يناله من رحمة الله، لكن لا يخلو أحد لا مسلم ولا كافر ولا إنسان ولا حيوان ولا جماد من رحمة الله تعالى، فقد وسعت كل شيء.

قوله: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِالأعراف: 156- 157  إلى آخر ما ذكر الله تعالى هو بيان الإحسان الذي يدرك به الإنسان تلك الرحمة على وجه الكمال، هذه الآية لم يقل فسأخص بها هؤلاء حتى يقال: إنه لا ينالها غيرهم، إنما هؤلاء هم أعلى الخلق نصيبًا من رحمة الله في الدنيا والآخرة، في العاجل والآجل، ولذلك قوله: ﴿فَسَأَكْتُبُهَاالأعراف: 156  ليس أساس إنما بيان أن هؤلاء نصيبهم من رحمة الله التي وسعت كل شيء أعلى من نصيب غيرهم، كما قالت الآية الأخرى ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَالأعراف: 56  لا يخلو أحد من الخلق المسلم والكافر والبر والفاجر من رحمة الله التي وسعت كل شيء –سبحانه وبحمده-.

البهائم يا أخي البهائم يتراحمون فيما بينهم كما أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- فالله تعالى خلق مائة رحمة -جل في علاه-، وأنزل رحمة واحدة من واسع هذه الرحمات التي أخبر بها في كتابه هذه الرحمة الواحدة هي التي يتراحم بها الإنس والجن والحيوان حتى إن الحيوان ترفع الدابة رجلها عن ابنها ألا تضره، وهذا من رحمة الله تعالى، فرحمة الله وسعت كل شيء اللهم إنا نسألك من رحمتك ومن فضلك يا ذا الجلال والإكرام.

المقدم:- اللهم آمين، اسمح لي فضيلة الشيخ أن نذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة بعده نكمل الحديث -بمشيئة الله تعالى- حول التفكر في آثار رحمة الله وحول سعة رحمة الله –جل وعلا-.

مستمعينا الكرام سنذهب إلى فاصل أول في هذه الحلقة، بعده نكمل الحديث لمن أراد المشاركة معنا حول هذا الموضوع أو استفساراتكم يمكنكم أن تشاركونا على هاتفي البرنامج على الرقمين؛ 0126477117 وعن طريق الهاتف الآخر على الرقم 0126493028 سنذهب إلى فاصل أول بعده نكمل الحديث فابقوا معنا.

حياكم الله مستمعينا الكرام مجددًا في هذه الحلقة المباشرة من برنامج "الدين والحياة" عبر أثير "نداء الإسلام" من مكة المكرمة ضيفنا الكريم فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم فضيلة الشيخ خالد أهلًا وسهلًا بك مجددًا.

الشيخ:- مرحبا حياك الله.

المقدم:- اسمح فضيلة الشيخ أن نأخذ بعض المشاركات من الإخوة الكرام بعدها نكمل الحديث -بمشيئة الله تعالى-، معنا على الهاتف الأخ عبد العزيز الشريف حياك الله يا عبد العزيز أهلا وسهلا.

المتصل:- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم:- عليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلا وسهلا.

المتصل:- حياكم الله يا أستاذ وائل وجزاكم الله عنا كل خير نحييك ونحيي فضيلة الشيخ وبارك الله فيكم جميعًا.

المقدم:- حياك الله.

المتصل:- هل رحمة الله –سبحانه وتعالى- خاصة فقط في الخير مثلا والصحة والأمن أم أن البلاء الذي يصيب المؤمن من هم ومرض وغيرها من الأشياء، هل هي هذه داخلة في رحمة الله –سبحانه وتعالى- أم أن الرحمة فقط مقتصرة على الخير؟

الأمر الثاني -بارك الله فيك-: اعتماد الناس أو بعض الناس على رحمة الله –سبحانه وتعالى- فتجد من يقترف الذنوب والسيئات والمعاصي ورحمة الله واسعة أو صلي تكون رحمة الله واسعة فما توجيهكم لمثل هؤلاء؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته شكرا للأخ عبد العزيز الشريف طيب معنا الأخ أبو محمد حياك الله يا أبو محمد أهلًا وسهلًا.

المتصل:- سلام عليكم.

المقدم:- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلًا وسهلًا حياك الله.

المتصل:- شيخ بالله كيف نستجلب رحمة الله في أنفسنا ونحن يعني نتعامل مع بعضنا بموجب الرحمة؟ يعني نشوف حتى أولادنا ما يصلوا، جيراننا ما يصلوا ولا واحد منا يفكر فيهم ولا يرحم عليهم فكيف هذه الرحمة تأتي في حياتنا ونحن ما نرحم بعض؟ جزاك الله خير.

المقدم:- آمين وإياك شكرًا يا أبو محمد شكرًا جزيلًا.

فضيلة الشيخ نعلق على ما ذكره الإخوة الكرام، وبعده نكمل الحديث بمشيئة الله.

 عبد العزيز الشريف يقول: هل رحمة الله –تبارك وتعالى- خاصة بالخير أم أن البلاء الذي يصيب الإنسان من فقر ومرض وغيرها يكون داخلًا في رحمة الله أيضًا؟

الشيخ:- أخي الكريم إدراك حقيقة الدنيا يجيب على هذا السؤال، الدنيا ليست دار قرار، الدنيا دار امتحان واختبار يختبر الله تعالى فيها عباده بألوان من الاختبارات، ومن رحمته -جل في علاه- أنه جعلها على نحو من القصر يدرك الناس بها النعيم السرمدي إذا نجحوا في هذا الاختبار، الله تعالى يذكر عن الدنيا بأنها متاع وأنها متاع قليل، والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول في بيان قصر الدنيا وسرعة تقضيها «مالي وللدنيا، ما أنا والدنيا، إنما مَثَلِي ومثلُ الدنيا كراكبِ استظلّ تحتَ شجرةٍ ثم راحَ وتركَها»سنن الترمذي (2377)، وقال: هذا حديث حسن صحيح .

الدنيا قصيرة فمهما كان فيها من المكدِّرات، مهما كان فيها من المكروهات فإنها لا تعدل شيئًا إذا نظر الإنسان إلى ما يدركه في الآخرة إذا حقق ما أمره الله تعالى في هذه الدنيا، أنا أضرب مثلًا أفادني به أحد من ابتلاه الله تعالى ببلاء ممتد قال: كنت أضجر مما أصابني من البلاء وأقول: أنا لماذا كذا ولماذا غيري كذا؟ كل من في هذه الدنيا مبتلى بنوع من البلاء،

  كلُّ مَن لاقيتُ يشكو دَهرَه*** ليتَ شِعري هذه الدنيا لمن؟

 ما في أحد سالم، لكن الناس يختلفون في صور البلاء وفي أنواعه.

المقصود أن هذا الرجل يقول: مللت من البلاء، ثم تأملت في حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- في قِصَر الدنيا: «مالي وللدنيا، ما أنا والدنيا؟ إنما مَثَلِي ومثلُ الدنيا كراكبِ استظلَّ تحتَ شجرةٍ ثم راحَ وتركَها» كم مدة هذا الاستظلال في اليوم؟ ساعة، ساعتين العادة يستظل الإنسان تحت ظل شجرة ليرتاح ثم يسير ساعة، ساعتين في يوم كامل لا تعدل شيئًا، هي قليل بالنسبة للكثير الذي في بقية اليوم، الدنيا قصيرة فما فيها من بلاء يشبه ما يبذله الإنسان من متاعب ليدرك بهذه المتاعب ما يحب، فمثلا الطالب يجد في دراسته أيًّا كانت دراسته، ولاسيما في أيام الاختبارات ليفوز بعد هذا التعب بالنجاح، هذا النجاح هل هو مقيد بلحظة؟ 

الجواب:- لا، هذا النجاح ممتد وآثاره مستمرة، فينتقل إلى سنة تالية، ثم تالية، ثم هذا النجاح المتراكم يفتح له أبواب الوظائف، فما كان من كدٍّ وتعب فتح له أنواعًا من الراحة بعد ذلك، أنواعًا من المشتهيات والمحبوبات، وممكن يقول: أنا ليه ما آخذ الراحة هذه بدون هذه المقدمات؟ هذا خروج عن القاعدة فيما بنى عليه تعالى هذه الحياة الدنيا من أنه لا تنال الراحة إلا بالتعب.

فلا يصل الإنسان إلى ما يشتهي ويحب، إلا على جسر من التعب والمشقة والعناء،

 لولا المشقة ساد الناس كلهم***الجود يفقر والإقدام قتال فيحتاج الإنسان إلى أن يدرك حقيقة الدنيا وأن هذه الدنيا مليئة بالعقبات، مليئة بالمصائب، مليئة بالمشاق، فإذا أحسن في التعامل معها، كان ذلك فاتحًا له إلى أبواب الرحمة، والله تعالى قد ذكر في كتابه عند ذكر المصيبة أن العبد بصبره وامتثاله ما أمر الله تعالى به يدرك خيرًا عظيمًا، قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْالبقرة: 155  انتبه البلاء ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾البقرة: 155  كانت هذه البلايا بأنواعها موجبة للبشارة وبشر الصابرين وهم الذين فازوا في اجتياز هذا الاختبار ما أوصافهم؟ ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَالبقرة: 156- 157 .

إذًا لا تخلو محنة من منحة، ولا بلية من رحمة، ولذلك قال النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «الأنبياء»في بيان أشد الناس بلاء، قال: «الأنبياءُ، ثم الصالحون، ثم الأَمْثَل فالأَمْثَل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإذا كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقَّة خُفِّف عنه»هذا من رحمته«وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشى على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة»سنن الترمذي (2398) وقال: هذا حديث حسن صحيح .

لاشك أن المؤلمات مكروهات، يعني المرض مكروه، الفقر مكروه، المصيبة عندما تنزل به مكروهة بالتأكيد، وتتعرض من خلال هذه المصائب إلى أن يفيض الله عليك من رحمته، ويكشف عنك الضرَّ، لكن لا يعني هذا أن تلك المصائب خالية من رحمة، هي موجبة لأنواع من الرحمة، هي سبب لنيل أنواع من الرحمات، أيوب -عليه السلام- ابتلاه الله بمرض عظيم وامتد مرضه كما وصف حاله في قوله: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَالأنبياء: 83 .

في بلائك وفي رفع ما نزل بكمن بلاء، فإن رحمة الله تحصل بسبب هذا البلاء من تفريج الكرب ما تُسرُّ به النفوس ويدرك به الخير العظيم.

إذًا خلاصة هذه القضية أنه ما فيه بلاء إلا وتقترن به رحمة، فالله تعالى يرحم العبد بالمرض، يرحمه بالفقر، يرحمه بالمصيبة، قال الله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُواالروم: 41  وقال تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَالسجدة: 21 .

إذًا ما في شيء يجريه الله تعالى على عبده، إلا ويتلمس فيه المؤمن رحمة الرحمن -جل في علاه-، وقد ينتقل من رحمة إلى رحمة، وينتقل من عطاء إلى عطاء، وينتقل من حال إلى حال، سيكون حالك مفتاحًا لخيرات عظيمة وعطايا جزيلة، نسأل الله تعالى أن يفيض علي وعليكم من رحمته، نسأله السلامة والعافية من البلاء، وإذا ابتلينا أن نكون من أهل البشارة بالصبر والرحمة منه -جل في علاه-.

المقدم:- اللهم آمين، طيب فضيلة الشيخ الأخ أبو محمد سأل عن كيف نستجلب رحمة الله –تبارك وتعالى-؟ لكن اسمح لي أن نؤخر هذا السؤال إلى المحور الأخير، وأريد أن أسألك كيف يكون التفكر في آثار رحمة الله –تبارك وتعالى-، الله –تبارك وتعالى- ذكر في الآية ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالروم: 50، وجاءت هذه الآية بعد ذكر مجموعة من النعم والأفاضل التي يتفضل الله –تبارك وتعالى- على عباده من بسط الرزق، ومن الخلق لله –تبارك وتعالى- في الآية الكريمة ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَالروم: 40، وذكر الله –تبارك وتعالى- بعد جملة من الآيات إرسالَ الرياح، والله –تبارك وتعالى- يجري الفلك بأمره في البحر ولتبتغوا من فضله كل هذه الأفضال وكل هذه النعم ذكر الله –تبارك وتعالى- بعدها ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَاالروم: 50، كيف يكون التفكر والنظر في آثار رحمة الله، هذه الرحمة التي تكون بها كل النعم التي تأتي للإنسان.

الشيخ:- الحقيقة أخي الكريم يعني هذه القضية كيف ندرك رحمة الله؟ كيف نحصِّل رحمة الله؟ يعني جديرة بأن نفرد لها حلقة مكتملة ولعلها تكون الحلقة القادمة -إن شاء الله- نتكلم عن كيف يدرك الإنسان رحمته؟ لأن الموضوع يتشعب، نحن كنا نتحدث عن الرحمة وعن النظر إلى آثار رحمة الله، ولهذا اسمح لي أن نؤخر الجواب عن هذا الموضوع إلى الحلقة القادمة، لكن نتحدث فيما بقي من حلقتنا عن النظر إلى رحمة الله، يعني الله –جل وعلا- مثل ما تفضلت أخي وائل ذكر -جل في علاه- ألطافه وما منَّ به على عباده، ثم قال: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالروم: 50، هذه الآية الكريمة جاءت في سياق ذكر المطر؛ لأن الرحمة في هذه الآية المقصود بها ما أنزله من المطر الذي تحيي به الأرض، وقد ذكر الله –جل وعلا- في هذه السورة من إنزال الأمطار ما يكون موجبًا للتأمل في رحمة الله –عز وجل- فيما ينزله من الأمطار.

يقول –جل وعلا- في آيات عديدة من كتابه –سبحانه وبحمده- ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَالأعراف: 57  النظر إلى رحمة الله عباده، ومن تأمل ذلك في نعم الله عليه لن يخطئ مشاهد رحمة الله وآثار رحمة الله في كل ما يبصره من هذا الكون الفسيح، النبي –صلى الله عليه وسلم- يذكِّر برحمة الله فيما يكون من الأحوال التي تحيط بالناس حتى في دقائق الأمور، يخبر –صلى الله عليه وسلم- فيقول: «جعل الله الرحمة مائة جزء، فأَمْسَك عنده تسعة وتسعين جزءًا، وأنزل في الأرض جزءًا واحدًا» كل ما نشاهده من رحمة الله ومن آثار رحمة الله هي جزء من مائة جزء.

يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق» ثم ذكر سورة يرى الإنسان فيها أثر رحمة الله «حتى تَرفَعَ الفرسُ حافرَها عن ولدِها خشيةَ أن تُصيبَه»صحيح البخاري (6000)، ومسلم (2752) ، هذا من النظر إلى رحمة الله لكن مَن يدرك هذا؟ يدرك هذا مَن فتح الله عليه قلبه ليشهد رحمة الله في كل ما خلق، وفي كل ما أحدث، وفي كل ما شرع حتى فيما قد يظن أنه مكروه، يكون فيه من آثار الرحمة ما يُبصِره أولوا البصائر، أولوا الألباب، أولوا العقول، أولوا الفكر، أصحاب النظر.

هؤلاء يتبين لهم من آثار رحمة الله ما لا يتبين لغيرهم، لكن فيما يتعلق بالمطر على سبيل المثال، وهو المقصود بالآية الله –عز وجل- أمرنا بالنظر إلى رحمته، لكن ما الذي ننظره في رحمة الله تعالى بالمطر؟

لاشك أن الناظر إلى آثار المطر مما يدركه العباد من الاستبشار بنزوله والفرح به هو من آثار رحمة الله، فالله تعالى أخبر أنه يرسل الرياح بُشرًا بين يدي رحمته، يسمى المطر رحمة حتى إذا أَقَلَّ السحاب قال: ﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ﴾، ثم تأتي الآثار ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِالأعراف: 57  وفي آية أخرى يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُق: 9- 11  كل هذا من آثار رحمة الله، فإذا نظرت إلى آثار الأمطار من إخضرار الأرض وطيب النبات وحياة الحيوان وانتعاش الإنسان واستبشاره هذا كله من آثار رحمة الله التي أرادها الله تعالى بالنظر إليها، وترى أثر رحمة الله في تحول الحال من جدب وفاقة إلى مطر وعطاء بفضل الله ورحمته واستبشاره فيشكر العباد ربَّهم فيقولون: مُطِرنا بفضل الله ورحمته.

عندما يتذكر الإنسان أن هذا الماء النازل هو مادة الحياة، إن الله تعالى جعل منه كل شيء حي لولا نزول هذا الماء ما عاش البشر، ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَالواقعة: 68  نشربه، سواء نشربه من الصنابير، أو من الينابيع، أو من الأنهار أو حتى من قوارير الصحة، ومن المياه المعلبة هذا الماء الذي تشربه من الذي أنزله؟ أصل نزوله من السماء ﴿أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾مالحًا ﴿فَلَوْلا تَشْكُرُونَالواقعة: 69- 70   

وينشر الله بنزول الأمطار من الرحمة ما وصفه الله تعالى بالغيث فقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُالشورى: 28، هذا الماء الذي ينزل من السماء يحصل به النبات وتحيى به الأحياء التي على الأرض كما قال تعالى: ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍالحج: 5، كل هذا من آثار رحمة الله التي يبصرها الناس، لكن ثمة آثار لهذه الرحمة تخفى على كثير من الناس فلا يدركونها ويتأملون فيها، من ذلك التفكر في حال الدنيا، مَن يتفكر منا في الدنيا وقصرها في هذا المطر الذي ينزل؟ القرآن لفت الأنظار إلى ما في هذا من رحمة يقول تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِالكهف: 45  أي ربا ونبت وأظهر وأينع واخضرَّ وأخذ منه الناس ما يأخذون ثم هي فترة من الزمن يقول: ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾،والله تعالى في آية أخرى يذكِّر بهذا المعنى فيقول: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِالحديد: 20، هذا المعنى يغيب عن كثير من الناس عندما ينظرون آثار المطر وما يحدثه في الأرض من زينة لا ينبغي أن تغفل عن أن هذه الزينة قصيرة، سرعان ما تتحول إلى اصفرار واضمحلال وتساقط أوراق، فتراه حطاما هكذا هي الدنيا.

كذلك مما يُنظر فيه إلى آثار رحمة الله بهذا المطر كل الآيات التي ذكر الله تعالى فيها إنزال المطر وإنبات الأرض به يذكِّر بالميعاد بالمبعث بعد الموت، هذه الأرض التي كنا نراها قبلُ خالية من النبات جدباء تسفها الرياح ويعلوها الغبار حتى نزل المطر، فنبتت وعاشت وحييت بعد أن كانت ميتة كذلك يحيي الله الموتى.

ولذلك يقول: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌفصلت: 39  تذكير بالآخرة وربطٌ للمؤمن بما يكون في عاقبة أمره، إن الذي أحياها لمحيي الموتى، ثمة موت بعد حياة، بعده يجري على الناس الحساب إنه على كل شيء قدير، وقال: ﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَالزخرف: 11  تأملوا هذا في كل الآيات التي ذكر الله تعالى فيها إنزال الأمطار يذكر بالآخرة ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌالتغابن: 7  جل في علاه.

إن من آثار رحمة الله التي يشهد الإنسان تذكر البعث، فيكون هذا موجبًا لصلاح العمل وعدم الاغترار بالدنيا، والاستعداد ليوم الميعاد، والقيام بحق الله –عز وجل- فيما أمر تعالى من حقوقه ومن حقوق خلقه، هذه بعض آثار رحمة الله التي دعانا الله –عز وجل- إلى النظر إليها في قوله تعالى: ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَىالروم: 50 

المقدم: شكر الله لك، وكتب أجرك فضيلة الشيخ الدكتور خالد المصلح أستاذ الفقه بجامعة القصيم وعضو لجنة الإفتاء بمنطقة القصيم، شكرًا جزيلًا فضيلة الشيخ على إثرائك للحلقة.

الشيخ: الله يحفظك شكرًا لكم جميعًا، وأسأل الله أن يثبتنا على طاعته، وأن يسدل علينا إحسانه وفضله، وأن يجعلنا من أوفى الناس نصيبًا بفضله ورحمته، وأن يحفظ بلادنا، وأن يوفق ولاتنا، وأن يحفظ ولي أمرنا بحفظه، وأن ينصر بلادنا على من عادها  وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الاكثر مشاهدة

4. لبس الحذاء أثناء العمرة ( عدد المشاهدات94001 )
6. كيف تعرف نتيجة الاستخارة؟ ( عدد المشاهدات89900 )

مواد تم زيارتها

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف