{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) }
{ الله يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ}فيه ثلاثة أقوال: تسمية للعقوبة باسم الذنب: كقوله: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله}[ آل عمران: 54 ] وقيل: يملي لهم بدليل قوله: {وَيَمُدُّهُمْ}وقيل يفعل بهم في الآخرة ما يظهر لهم أنه استهزأ بهم كما جاء في سورة الحديد: [ 13 ]{ارجعوا وَرَآءَكُمْ فالتمسوا نُوراً}الآية{وَيَمُدُّهُمْ}يزيدهم، وقيل يملي لهم، وقد ذكروا يعمهون.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)}
{ اشتروا الضلالة}عبارة عن تركهم الهدى مع تمكنهم منه ووقوعهم في الضلالة، فهو مجاز بديع{ا فَمَا رَبِحَتْ تجارتهم}ترشيح للمجاز، لما ذكر الشر ذكر ما يتبعه من الربح والخسران، وإسناد عدم الربح إلى التجارة مجاز أيضاً؛ لأن الرابح أو الخاسر هو التاجر{وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}في هذا الشراء، أو على الإطلاق. وقال الزمخشري: نفى الربح في قوله: فما ربحت، ونفى سلامة رأس المال في قوله: وما كانوا مهتدين.
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)
{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ}إن كان المثل هنا بمعنى حالهم وصفتهم فالكاف للتشبيه وإن كان المثل بمعنى التشبيه فالكاف زائدة{استوقد}أي أوقد، وقيل: طلب الوقود على الأصل في استفعل{فَلَمَّآ أَضَاءَتْ}إن تعدى فما حوله مفعول به، وإن لم يتعدّ فما زائدة أو ظرفية{ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ}أي أذهبه، وهذه الجملة جواب لما محذوف تقديره: طفيت النار، وذهب الله بنورهم: جملة مستأنفة والضمير عائد على المنافقين، فعلى هذا يكون{الذي}على بابه من الإفراد، والأرجح أنه أعيد ضمير الجماعة لأنه لم يقصد بالذي، واحد بعينه إنما المقصود التشبيه بمن استوقد ناراً؛ سواء كان واحداً أو جماعة، ثم أعيد الضمير بالجمع ليطابق المشبه، لأنهم جماعة، فإن قيل: ما وجه تشبيه المنافقين بصاحب النار التي أضاءت ثم أظلمت؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: أحدها: أن منفعتهم في الدنيا بدعوى الإيمان شبيه بالنور، وعذابهم في الآخرة شبيه بالظلمة بعده، والثاني: أن استخفاء كفرهم كالنور، وفضيحتهم كالظلمة، والثالث: أن ذلك فيمن آمن منهم ثم كفر، فإيمانه نور، وكفره بعده ظلمة، ويرجح هذا قوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا}[ المنافقون: 3 ] فإن قيل: لم قال: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ}ولم يقل: أذهب الله نورهم، مشاكلة لقوله: {فَلَمَّآ أَضَاءَتْ}فالجواب: أن إذهاب النور أبلغ لأنه إذهاب للقليل والكثير، بخلاف الضوء فإنه يطلق على الكثير.
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)
{ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}يحتمل أن يراد به المنافقون، والمستوقد المشبه بهم، وهذه الأوصاف مجاز عبارة عن عدم انتفاعهم بسمعهم وأبصارهم وكلامهم، وليس المراد فقد الحواس{فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ}إن أريد به المنافقون: فمعناه لا يرجعون إلى الهدى، وإن أريد به أصحاب النار: فمعناه أنهم متحيرون في الظلمة، لا يرجعون ولا يهتدون.