الطالب: كما قال ـ سبحانه ـ:﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾[النساء: 66-68].
الشيخ: الشاهد في هذه الآية ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾[النساء: 66] في الخيرية كان خيرًا لهم وأشد تثبيتًا في الخيرية التي ذكرها قبل، ثم قال: ﴿وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾[النساء: 67-68] وهذا فيه أن عمل الطاعة من أسباب الهداية هي الصراط المستقيم تثبيتًا وزيادة ؛ لأنه ذكر الفضل وذكر التثبيت الفضل في قوله: ﴿لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾[النساء: 66] في التثبيت واستقرار القدم ثم بعد أن ذكر الأجر في الآخرة قال: ﴿وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾[النساء: 68] فالعمل الصالح يفيد الإنسان زيادة في العلم زيادة في الهدى ثباتًا على الحق والخير.
الطالب: وقال:﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾[محمد: 17] وقال: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾[الحديد: 28]، وقال: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾[المائدة: 16]. فإذا ترك العمل بعلمه عاقبه الله بأن أضله عن الهدى الذي يعرفه، كما قال: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾[الصف: 5]، وقال: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾[الأنعام: 110]، وقال: ﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾[البقرة: 10].وفي الحديث الذي رواه الترمذي وصححه عن أبي هريرة، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن العبد إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، فإن زاد يزيد فيها حتى يعلو قلبه، فذلك الران الذي قال الله:﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾[المطففين: 14]."سنن الترمذي (3334).
الشيخ: انظر إلى قول الشيخ –رحمه الله-: فإذا ترك العمل بعلمه عاقبه الله بأن أضله عن الهدى الذي يعرفه، فكيف بالهدى الذي لا يعرفه إذا ضل عما يعرف ويدرك وسبق له به علم، فكيف شأنه وحاله فيما لم يدركه ولم يعلمه؟ من باب أولى أن ضلاله وبعده عنه أكبر، وأنه لا يصيبه ولا يحصله، فإذا كان يفقد ما هدي إليه سابقًا، فهو لن يصل إلى ما لم يدركه علمه ولم يحط به.
الطالب: فهذه الأمور تتبين بها أجناس ظلم العبد نفسه، لكن كل إنسان بحسبه وبحسب درجته، فما من صباح يصبح إلا ولله على عبده حقوق لنفسه ولخلقه عليه أن يفعلها، وحدود عليه أن يحفظها، ومحارم عليه أن يجتنبها، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم محارم فلا تنتهكوها"سنن الدارقطني (4/115)
فإن أجناس الأعمال ثلاثة: مأمور به، فالواجب منه هو الفرائض؛ ومنهي عنه وهو المحارم؛ ومباح له حد ينتهي إليه، فتعديه تعد لحدود الله، بل قد يكون الزائد على بعض الواجبات والمستحبات تعد لحدود الله، وذلك هو الإسراف، كما قال المؤمنون قبلنا: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا﴾[آل عمران: 147]. والذنوب تتناول جنس الذنوب، وأما الإسراف فهو تعدي الحدود، كما قال ـ تعالى ـ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[المائدة: 2]. فالإثم جنس المنهي عنه، والعدوان تعدي الحد في المأذون فيه، والبر جنس المأمور به، والتقوى حفظ الحدود، بل يفعل المأمور به، ويترك المنهي عنه، ويفعل المباح من غير تعدي الحدود في ذلك.
الشيخ: يقول –رحمه الله-: فإن أجناس الأعمال ثلاثة؛ مأمور به، ومنهي عنه، ومباح بقي المستحب والمكروه لم يذكرهما ؛ لأن المستحب تابع للمأمور به والمكروه تابع للمنهي عنه ؛ لأنها من وسائل تحصيل المستحب المأمورات ومن وسائل البعد عن المنهيات.
فمن وسائل تحصيل المأمورات الاشتغال بالمستحبات، ومن وسائل الانتهاء عن المنهيات الابتعاد عن المكروهات ولذلك أجمل الشيخ –رحمه الله-المأمور والمنهي ولم يفصل.
ثم قال –رحمه الله-: كما قال ـ تعالى ـ: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[المائدة: 2] فأمر الله –جل وعلا-بالتعاون على أمرين ونهى عن التعاون على أمرين؛ أما الأمران اللذان أمر الله بالتعاون عليهما البر والبر مأخوذ من البر وهو السعة ومنه قول الناس تسمية الناس البر لأنه واسع ومنه بر الوالدين ؛ لأنه توسيع عليهما، فالبر هو السعة والانشراح والانفساح وهو يشمل ما أمر الله –جل وعلا-به، فالبر هو كل ما أمر الله به سواء أمر إيجاب أو أمر استحباب.
والتقوى هو ما نهى الله –جل وعلا-عنه ولذلك قال حفظ الحدود أي بترك ما نهى الله عنه فقوله: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[المائدة: 2] أي على فعل المأمور وترك المحذور ﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾[المائدة: 2] قال الإثم جنس المنهي فهو كل ما نهى الله عنه ورسوله ويشمل هذا المنهي عنه على وجه الإلزام والمنهي عنه على وجه الحث لا على وجه الإلزام يعني المكروهات، فكلها تدخل في الإثم، فالإعانة على المكروه تدخل في قوله ـ تعالى ـ: ﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ﴾[المائدة: 2] قال: والعدوان تعدي الحد في المأذون فيه سواء كان عدوانًا في حق النفس أو عدوانًا في حق الغير، ولكن الغالب أن يكون في حق الغير لكن هنا المراد به ما يشمل حق النفس أو حق الغير.
ثم قال: بل يفعل المأمور به ويترك المنهي عنه هذا الواجب ويفعل المباح من غير تعدي الحدود في ذلك وبهذا تتم أقسام الأعمال المأمور به والمنهي عنه والمباح.
يقول: بماذا يعتبر الشرك الأصغر والشرك الأكبر هل هو بما يقر في القلب من صرف العبادة لغير الله أم هما حسب جنس العبادات المصروفة لغير الله؟
العبادة إذا صرفت لغير الله –عز وجل-فإنها شرك أكبر، وأما إذا كانت من وسائل العبادات وأما إذا كانت من الوسائل التي تفضي إلى الشرك الأكبر وليست عبادة، فإنه يكون من الشرك الأصغر، هذا الضابط العام الشرك الأكبر هو صرف العبادة لغير الله، والشرك الأصغر هو كل وسيلة تفضي وتؤدي إلى الشرك الأكبر.
نعم هم مغضوب عليهم، وقول السلف وما ورد من الآثار في أن اليهود هم المغضوب عليهم والنصارى هم الضالون هذا باعتبار الغالب، ولكن لا ينفي أن يكون النصارى مغضوب عليهم، بل قال شيخ الإسلام –رحمه الله-إن النصارى بعد بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم-مغضوب عليهم ؛ لأنهم يعلمون يقينًا أن النبي –صلى الله عليه وسلم-على حق وأنه رسول فهذا مما لم يجري فيه ضلال في كتبهم ؛ لأنه من البشارة التي بشر بها عيسى عليه السلام، ومع ذلك لم يتبعوا هذا وما يتعلق بدلائل نبوة النبي –صلى الله عليه وسلم-في التوراة والإنجيل هي مما حفظ مما لم يجري عليه تعديل لأنه به قامت الحجة عليهم والله –عز وجل-ذكر عن أهل الكتاب لاسيما اليهود أنهم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ولا يكون كذلك إلا إذا جودوا صفاته وقد جودوها بما في كتبهم من وصف النبي –صلى الله عليه وسلم-.
الخلاصة أن النصارى من المغضوب عليهم بعد بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم-وهم قبل ذلك ضالون في غالب حالهم ما فهمت كيف ربط هذا بمسألة العذر بالجهل ؛ لكن الفطرة قد يقوم عارضها من علماء سوء يزينون الباطل ويجعلون الحق باطلًا، فالفطرة ليست كافية في إقامة الحجة ولذلك لم يكتفي الله –عز وجل-بها بل بعث رسلًا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولو كانت كافية في إقامة الحجة لما بعث الله –عز وجل-الرسل، فهي ليست كافية.
الطالب:بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-تعالى: في كتابه "شرح حديث أبي بكر رضي الله عنه" اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا".
قال –رحمه الله-: فصل
إذا تبين هذا الأصل فقول السائل: "ما مفهوم قول الصديق: "ظلمت نفسي ظلما كثيرا"، والدعاء بين يدي الله لا يحتمل المجاز، والصديق من أئمة السابقين، والرسول أمره بذلك يتضمن شبهة في هذا الدعاء، ومثار الشبهة أن يقال: الصديق أجل قدراً من أن تكون له ذنوب تكون ظلمًا كثيرا، فإن ذلك ينافي مرتبة الصديقية.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد.
فهذا الفصل ابتدأ الشيخ –رحمه الله-بتقرير الشبهة التي ورد السؤال عنها وعن جوابها وكأن الجواب يبتدأ الآن، والواقع أن الجواب ابتدأ من الكلام السابق الذي قرأناه، وإنما كان الجواب في السابق من طريق الجواب المجمل، وأما هنا فهو الجواب عن الإشكال المعين، وهذا مسلك جيد يفيد طالب العلم فيما يرد عليه من إشكالات، وهو أنه يجيب عليها جوابًا مجملًا يصلح لها ولغيرها يعني يصلح لهذه الشبهة المعينة، ويصلح لغيرها من نظائرها، فالجواب المتقدم هو جواب عن جميع الأحاديث التي فيها استغفار النبي –صلى الله عليه وسلم-كيف يستغفر وهو –صلى الله عليه وسلم-المعصوم من ربه، فما تقدم هو جواب مجمل، وأما هذا الفصل فهو جواب مفصل خاص بنص معين، وقد سلك هذا الطريق في الجواب على الشبه والإشكالات الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله-في كتاب كشف الشبهات، فإنه قدم أولًا بالجواب المجمل الذي يجيب على مجمل ما احتج به القبوريون، ثم بعد ذلك أتى بالجواب المفصل عن الشبه الواردة أعيانًا في كلام المخالفين، وهذا مسلك جيد ينفع طالب العلم، وهو يفيدك فائدة مهمة في طلب العلم، وهو وجوب الاعتناء بالقواعد والتأصيل وعدم الاشتغال بالفروض والتفاصيل ؛لأن كثيرًا من طلبة العلم يغرقون في تحصيل وفهم وإدراك أفراد المسائل وجزئياتها ويغفلون عن ضبط هذه الجزيئات بكليات وقواعد وضوابط تجيب على ما يرد عليهم من إشكالات قد لا تكون واردة في الجزيئات التي حفظوها وأدركوها وفهموها، وكثيرا ما كان شيخنا –رحمه الله-يركز على هذا الأمر وهو ضروري ومهم لطالب العلم أن يعتني في أبواب العلم كلها على اختلافها وتنوعها أن يعتني بالضوابط لا بإدراك أفراد المسائل لأن أفراد المسائل لا نهاية لها، ثم إنها لا نهاية لها في الكتب الموجودة ثم إنها من حيث التجدد كثيرة، فإذا ضبط الطالب أصول العلم وقواعده التي يبنى عليها أراحه كثيرًا ومكنه من علم كثير وفتح له بابًا عظيمًا في جواب الإشكالات نرجع إلى الجواب المفصل لخص الشيخ –رحمه الله-الشبهة التي أثارها السائل في حديث أبي بكر «اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كبيرا» وفي رواية "كثيرًا" يقول: ومسار الشبهة أن يقال الصديق ـ رضي الله عنه ـ أجل قدرًا من أن يكون له ذنوب تكون له ظلمًا كثيرًا، فإن ذلك ينافي مرتبة الصديقية.
الجواب على هذه الشبهة ما تعريف الشبهة يا عبد الله؟ ما هي الشبهة؟ زين اشتباه وما هو الاشتباه؟ من الاختلاط والالتباس طيب إحنا ذكرنا لها تعريفًا جيدًا شبهة عارض يطرأ على القلب يحول دونه ودون إدراك الأمور على حقائقها، وهذا التعريف ذكره ابن القيم –رحمه الله-في مفتاح دار السعادة، وهو أجود ما وقفت عليه للتعريف بالشبهة ؛ لأن في الحقيقة الشبهة عارض يطرأ على القلب ؛ لأن القلب هو محل الفهم والعقل يحول دون معرفة الأمور وإدراكها على حقائقها، وهذا العارض دفعه بالعلم النافع ؛ لأنه به تزول الشبه.