×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / التفسير وعلومه / القواعد الحسان / الدرس(28) من شرح القواعد الحسان

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(28) من شرح القواعد الحسان
00:00:01

قال المؤلف رحمه الله :" القاعدة الثامنة والعشرون: في ذكر الأوصاف الجامعة التي وصف الله بها المؤمن. لما كان الإيمان أصل كل الخير كله والفلاح، وبفقده يفقد كل خير ديني ودنيوي وأخروي، أكثر الله من ذكره في القرآن جدا: أمرا به، ونهيا عن ضده، وترغيبا فيه، وبيانا لأوصاف أهله، وما لهم من الجزاء الدنيوي والأخروي. فأما إذا كان المقام مقام خطاب للمؤمنين بالأمر والنهي، أو مقام إثبات الأحكام الدنيوية بوصف الإيمان، فإنها تتناول كل مؤمن، سواء كان متمما لواجبات الإيمان وأحكامه، أو ناقصا في شيء منها" . وهٰذا هو العام في جميع الأوامر التي صدر الأمر فيها بوصف الإيمان، فإنها عامة لكل من اتصف بهذا الوصف، فقول الله تعالىٰ: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين (119)﴾([1]). هٰذا أمر لكل من اتصف بالإيمان، ولا يلزم أن يكون قد كمل أوصاف الإيمان وبلغ منها الغاية حتى يدخل في هٰذا الخطاب، بل كل من اتصف بالإيمان ولو بشيء قليل منه فهو مأمور بهذا الأمر. فالخطاب بوصف الإيمان أو بالإيمان نوعان: خطاب يدخل فيه كل أحد من أهل الإسلام، وهو ما كان أمرا أو نهيا، طلبا أو منعا، فإن الخطاب فيه لكل مسلم، لكل مؤمن، ولو لم يكمل أوصاف الإيمان، وهٰذا -كما ذكرنا لكم- كل الأوامر المصدرة بوصف الإيمان مثال لهذا النوع، واضح. القسم الثاني من الخطاب بالإيمان: (وأما إذا كان المقام مقام مدح وثناء وبيان الجزاء الكامل للمؤمن: فإنما المراد بذلك المؤمن حقا الجامع لمعاني الإيمان. وهذا هو المراد بيانه هنا) . المدح والثناء والوعد بالجزاء على وصف الإيمان هو لمن كان قد حقق الإيمان، فأتى من الإيمان بالوصف الواجب، أما من قصر بارتكاب محرم أو بترك واجب فإنه لا يدخل في  هذه  المواضع التي فيها الثناء والمدح لأهل الإيمان. ويذكر الشيخ رحمه الله لذلك نماذج وأمثلة. إذا  يتلخص لنا الآن أن الخطاب بالإيمان على نوعين: يذكر الإيمان ويراد به مطلق الإيمان؛ يعني أدنى ما يكون من وصف الإيمان، وهٰذا في أي نوع من أنواع الخطاب؟ خطاب الأمر والنهي والحث والمنع. النوع الثاني من الخطاب: خطاب الثناء والمدح، وهٰذا يراد به الإيمان المطلق، يعني الإيمان الكامل المكمل لواجباته. فعندنا أمران: عندنا إيمان مطلق. وعندنا مطلق إيمان. مطلق الإيمان يعني أدنى ما يكون من وصف الإيمان، والإيمان المطلق يعني الإيمان التام الكامل. (فنقول: وصف الله المؤمن في كتابه باعترافه وتصديقه بجميع عقائد الدين، وبإرادة ما يحبه الله ويرضاه، وبالعمل بما يحبه الله ويرضاه، وبترك جميع المعاصي، وبالمبادرة بالتوبة مما صدر منه منها، وبأن إيمانهم أثر في أخلاقهم وأقوالهم وأفعالهم الآثار الطيبة. فوصف المؤمنين بالإيمان بالأصول الجامعة: وهو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وأنهم يؤمنون بكل ما أتت به الرسل كلهم، ويؤمنون بالغيب، ووصفهم بالسمع والطاعة، والانقياد ظاهرا وباطنا، ووصفهم بأنهم: ﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا﴾.([2]) ووصفهم بأن جلودهم تقشعر، وعيونهم تفيض من الدمع، وقلوبهم تلين وتطمئن لآيات الله وذكره، وبأنهم يخشون ربهم بالغيب والشهادة، وأنهم يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. ووصفهم بالخشوع في أحوالهم عموما وفي الصلاة خصوصا، وأنهم عن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، وأنهم بشهاداتهم قائمون، ولأماناتهم وعهدهم راعون. ووصفهم باليقين الكامل الذي لا ريب فيه، وبالجهاد بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. ووصفهم بالإخلاص لربهم في كل ما يأتون ويذرون. ووصفهم بمحبة المؤمنين، والدعاء لإخوانهم من المؤمنين السابقين واللاحقين، وأنهم مجتهدون في إزالة الغل من قلوبهم على المؤمنين، وبأنهم يتولون الله ورسوله وعباده المؤمنين، ويتبرؤون من موالاة جميع أعداء الدين، وبأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويطيعون الله ورسوله في كل أحوالهم. فجمع الله لهم بين العقائد الحقة واليقين الكامل، والإنابة التامة التي آثارها الانقياد لفعل المأمورات وترك المنهيات، والوقوف على الحدود الشرعيات. فهذه الأوصاف الجليلة هي وصف المؤمن المطلق الذي سلم من العقاب، واستحق الثواب، ونال كل خير رتب على الإيمان. فإن الله رتب على الإيمان في كتابه من الفوائد والثمرات ما لا يقل عن مائة فائدة، كل واحدة منها خير من الدنيا وما فيها) . قبل أن يشرع فيما رتب الله عز وجل على الإيمان من الفوائد، الواجب على المؤمن في هٰذا الحصر الذي ذكره المؤلف رحمه الله أن يتفقد المؤمن  هذه  الأوصاف التي ذكرها الله جل وعلا في كتابه في نفسه، وأن ينظر إليها، هل هو متصف بها؟ هل هو مكمل لها؟ هل هناك نقص فيه في بعضها، فيكمله بالتوبة والاستغفار والاستعتاب وتلافي ما مضى وكان، هٰذا هو الواجب على المؤمن؛ لأنه ما رتب على فوائد الإيمان إنما يكون بتكميل ما مضى من العقائد الحقة، ومن اليقين الكامل، ومن الإنابة التامة التي تقتضي فعل المأمور وترك المنهي، العقائد الحقة في الله جل وعلا، وفيما يجب اعتقاده، اليقين التام الكامل وهو التصديق بذلك تصديقا يسكن إليه القلب ويطمئن. الإنابة التامة هي ثمرة العقائد الحقة واليقين التام؛ لأن من صح عقده واستقام قلبه استقامت جوارحه: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))([3]). ولذلك يجب على المسلم أن يتفقد نفسه عند  هذه  الأوصاف. ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت الله يقول: ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ فأرعها سمعك، فهو خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه.  وأما أن يستعرض الإنسان  هذه  الأوصاف الجميلة التي بها سعادة الدنيا والآخرة، ثم لا يتفقد نفسه عندها، فهٰذا من الخسران، ومن النقص الذي يجب على المؤمن أن يتلافاه وأن يحذر منه. والذي يشحذ همته إلىٰ النظر في  هذه  الصفات ما يذكره الشيخ رحمه الله مما رتبه الله عز وجل على تلك الصفات الجميلة والأفعال الكريمة التي تقدم ذكرها؛ فقال: (فإن الله رتب على الإيمان في كتابه من الفوائد والثمرات ما لا يقل عن مائة فائدة، كل واحدة منها خير من الدنيا وما فيها. رتب على الإيمان: نيل رضاه الذي هو أكبر من كل شيء، ورتب عليه دخول الجنة والنجاة من النار، والسلامة من عذاب القبر ومن صعوبات القيامة وتعثر أحوالها، والبشرى الكاملة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والثبات في الدنيا على الإيمان والطاعات وعند الموت وفي القبر على الإيمان والتوحيد والجواب النافع السديد، ورتب عليه الحياة الطيبة في الدنيا والرزق الحسن، وتيسير العبد لليسرى وتجنيبه للعسرى، وطمأنينة القلوب وراحة النفوس والقناعة التامة، وصلاح الأحوال، وصلاح الذرية، وجعلهم قرة عين للمؤمن، والصبر عند المحن والمصائب. وحمل الله عنهم الأثقال، ومدافعة الله عنهم جميع الشرور، والنصر على الأعداء، ورفع المؤاخذة عن الناسي والجاهل والمخطئ منهم، وأن الله لم يضع عليهم الآصار بل أزالها، ولم يحملهم ما لا طاقة لهم به، ومغفرة الذنوب بإيمانهم والتوفيق للتوبة. فالإيمان أكبر وسيلة للقرب من الله والقرب من رحمته، ونيل ثوابه، وأكبر وسيلة لمغفرة الذنوب، وإزالة الشدائد أو تخفيفها. وثمرات الإيمان على وجه التفصيل كثيرة، وبالجملة خيرات الدنيا والآخرة مترتبة على الإيمان، كما أن الشرور مترتبة على فقده، والله أعلم). قوله رحمه الله: (وأكبر وسيلة لمعرفة الذنوب وإزالة الشدائد أو تخفيفها). وهٰذا لا إشكال فيه، ابن القيم رحمه الله يقول: إذا سلط عليك فأكثر من الاستغفار، فإن ما سلط عليك بذنبك. والناس إذا سلط عليهم إنما يشتغلون بمن سلطه الله عليهم من كلام أو وقيعة أو قدح أو ذم، ويغفلون عن أن هٰذا التسليط عليهم إنما هو بسبب ذنوبهم وما عندهم من قصور، كما قال الله عز وجل: ﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾([4]). وهٰذا يشمل كل إصابة، فالواجب على المؤمن إذا أصيب ونزلت به الكرب والشدائد أن يكثر من الاستغفار والتوبة، فإن ذلك من أسباب رفعها. والمهم أن  هذه  الثمار الجليلة والفوائد العظيمة للإيمان لا تحصل إلا بهذا الوصف, فكلما تحقق الإنسان بوصف الإيمان ازدادت فيه  هذه  الأوصاف؛ لأنه من القواعد التي تقدمت معنا: أن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما، قوة وضعفا، فبقدر ما معك من الإيمان بقدر ما تقوى  هذه  الثمار، نسأل الله من فضله. ([1]) سورة : التوبة (119). ([2]) سورة : الأنفال (2-4). ([3]) البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، حديث رقم (52).      مسلم: كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، حديث رقم (1599). ([4]) سورة : النساء (79).

المشاهدات:3342


قال المؤلف رحمه الله :" القاعدة الثامنة والعشرون: في ذكر الأوصاف الجامعة التي وصف الله بها المؤمن.



لما كان الإيمان أصل كل الخير كله والفلاح، وبفقده يُفقد كل خير ديني ودنيوي وأُخروي، أكثر الله من ذكره في القرآن جداًّ: أمراً به، ونهياً عن ضده، وترغيباً فيه، وبياناً لأوصاف أهله، وما لهم من الجزاء الدنيوي والأخروي.



فأما إذا كان المقام مقامَ خطاب للمؤمنين بالأمر والنهي، أو مقامَ إثبات الأحكام الدنيوية بوصف الإيمان، فإنّها تتناول كل مؤمن، سواءً كان متمماً لواجبات الإيمان وأحكامه، أو ناقصاً في شيءٍ منها" .



وهـٰذا هو العام في جميع الأوامر التي صُدِّر الأمر فيها بوصف الإيمان، فإنها عامة لكل من اتصف بهذا الوصف، فقول الله تعالىٰ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾([1]). هـٰذا أمر لكل من اتصف بالإيمان، ولا يلزم أن يكون قد كمّل أوصاف الإيمان وبلغ منها الغاية حتى يدخل في هـٰذا الخطاب، بل كل من اتصف بالإيمان ولو بشيء قليل منه فهو مأمور بهذا الأمر.



فالخطاب بوصف الإيمان أو بالإيمان نوعان:



خطاب يدخل فيه كل أحد من أهل الإسلام، وهو ما كان أمراً أو نهياً، طلباً أو منعاً، فإن الخطاب فيه لكل مسلم، لكل مؤمن، ولو لم يكمل أوصاف الإيمان، وهـٰذا -كما ذكرنا لكم- كل الأوامر المصدرة بوصف الإيمان مثال لهذا النوع، واضح.



القسم الثاني من الخطاب بالإيمان:



(وأما إذا كان المقام مقام مدح وثناء وبيان الجزاء الكامل للمؤمن: فإنما المراد بذلك المؤمن حقاًّ الجامع لمعاني الإيمان.



وهذا هو المراد بيانه هنا) .



المدح والثناء والوعد بالجزاء على وصف الإيمان هو لمن كان قد حقق الإيمان، فأتى من الإيمان بالوصف الواجب، أما من قصر بارتكاب محرّم أو بترك واجب فإنه لا يدخل في  هذه  المواضع التي فيها الثناء والمدح لأهل الإيمان.



ويذكر الشيخ رحمه الله لذلك نماذج وأمثلة.



إذاً  يتلخص لنا الآن أن الخطاب بالإيمان على نوعين:



يُذكر الإيمان ويراد به مطلق الإيمان؛ يعني أدنى ما يكون من وصف الإيمان، وهـٰذا في أي نوع من أنواع الخطاب؟ خطاب الأمر والنهي والحث والمنع.



النوع الثاني من الخطاب: خطاب الثناء والمدح، وهـٰذا يُراد به الإيمان المطلق، يعني الإيمان الكامل المكمل لواجباته.



فعندنا أمران:



عندنا إيمان مطلق.



وعندنا مطلق إيمان.



مطلق الإيمان يعني أدنى ما يكون من وصف الإيمان، والإيمان المطلق يعني الإيمان التام الكامل.



(فنقول:



وصف الله المؤمن في كتابه باعترافه وتصديقه بجميع عقائد الدين، وبإرادة ما يحبه الله ويرضاه، وبالعمل بما يحبه الله ويرضاه، وبترك جميع المعاصي، وبالمبادرة بالتوبة مما صدر منه منها، وبأنّ إيمانهم أثر في أخلاقهم وأقوالهم وأفعالهم الآثار الطيبة.



فوصف المؤمنين بالإيمان بالأصول الجامعة: وهو الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وأنهم يُؤمنون بكل ما أتت به الرسل كلهم، ويُؤمنون بالغيب، ووصفهم بالسّمع والطاعة، والانقياد ظاهراً وباطناً، ووصفهم بأنهم: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً﴾.([2])



ووصفهم بأن جلودهم تقشعر، وعيونهم تفيض من الدّمع، وقلوبهم تلين وتطمئن لآيات الله وذكره، وبأنهم يخشون ربهم بالغيب والشهادة، وأنهم يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون.



ووصفهم بالخشوع في أحوالهم عموماً وفي الصلاة خصوصاً، وأنهم عن اللغو معرضون، وللزّكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، وأنهم بشهاداتهم قائمون، ولأماناتهم وعهدهم راعون.



ووصفهم باليقين الكامل الذي لا ريب فيه، وبالجهاد بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله.



ووصفهم بالإخلاص لربهم في كل ما يأتون ويذرون.



ووصفهم بمحبة المؤمنين، والدعاء لإخوانهم من المؤمنين السابقين واللاحقين، وأنهم مجتهدون في إزالة الغِلّ من قلوبهم على المؤمنين، وبأنهم يتولون الله ورسوله وعباده المؤمنين، ويتبرؤون من موالاة جميع أعداء الدين، وبأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويطيعون الله ورسوله في كل أحوالهم.



فجمع الله لهم بين العقائد الحقّة واليقين الكامل، والإنابة التامة التي آثارها الانقياد لفعل المأمورات وترك المنهيات، والوقوف على الحدود الشرعيات.



فهذه الأوصاف الجليلة هي وصف المؤمن المطلق الذي سلم من العقاب، واستحق الثواب، ونال كل خير رُتِّب على الإيمان.



فإن الله رتّب على الإيمان في كتابه من الفوائد والثمرات ما لا يقل عن مائة فائدة، كل واحدة منها خير من الدنيا وما فيها) .



قبل أن يشرع فيما رتّب الله عز وجل على الإيمان من الفوائد، الواجب على المؤمن في هـٰذا الحصر الذي ذكره المؤلف رحمه الله أن يتفقد المؤمن  هذه  الأوصاف التي ذكرها الله جل وعلا في كتابه في نفسه، وأن ينظر إليها، هل هو متصف بها؟ هل هو مكمل لها؟ هل هناك نقص فيه في بعضها، فيكمله بالتوبة والاستغفار والاستعتاب وتلافي ما مضى وكان، هـٰذا هو الواجب على المؤمن؛ لأنه ما رُتِّب على فوائد الإيمان إنما يكون بتكميل ما مضى من العقائد الحقة، ومن اليقين الكامل، ومن الإنابة التامة التي تقتضي فعل المأمور وترك المنهي، العقائد الحقة في الله جل وعلا، وفيما يجب اعتقاده، اليقين التام الكامل وهو التصديق بذلك تصديقاً يسكن إليه القلب ويطمئن.



الإنابة التامة هي ثمرة العقائد الحقة واليقين التام؛ لأن من صح عقده واستقام قلبه استقامت جوارحه: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))([3]). ولذلك يجب على المسلم أن يتفقد نفسه عند  هذه  الأوصاف.



ولذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: إذا سمعت الله يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فأرعها سمعك، فهو خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه.



 وأما أن يستعرض الإنسان  هذه  الأوصاف الجميلة التي بها سعادة الدنيا والآخرة، ثم لا يتفقد نفسه عندها، فهـٰذا من الخسران، ومن النقص الذي يجب على المؤمن أن يتلافاه وأن يحذر منه.



والذي يشحذ همته إلىٰ النظر في  هذه  الصفات ما يذكره الشيخ رحمه الله مما رتبه الله عز وجل على تلك الصفات الجميلة والأفعال الكريمة التي تقدم ذكرها؛ فقال:



(فإن الله رتّب على الإيمان في كتابه من الفوائد والثمرات ما لا يقل عن مائة فائدة، كل واحدة منها خير من الدنيا وما فيها.



رتب على الإيمان: نيل رضاه الذي هو أكبر من كل شيء، ورتب عليه دخول الجنة والنجاة من النار، والسلامة من عذاب القبر ومن صعوبات القيامة وتعثر أحوالها، والبشرى الكاملة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، والثبات في الدنيا على الإيمان والطاعات وعند الموت وفي القبر على الإيمان والتوحيد والجواب النافع السديد، ورتب عليه الحياة الطيبة في الدنيا والرزق الحسن، وتيسير العبدَ لليسرى وتجنيبه للعسرى، وطمأنينة القلوب وراحة النفوس والقناعة التامة، وصلاح الأحوال، وصلاح الذرية، وجعلهم قرة عين للمؤمن، والصبر عند المحن والمصائب.



وحمْل الله عنهم الأثقالَ، ومدافعة الله عنهم جميع الشرور، والنصر على الأعداء، ورفع المؤاخذة عن الناسي والجاهل والمخطئ منهم، وأن الله لم يضع عليهم الآصار بل أزالها، ولم يحملهم ما لا طاقة لهم به، ومغفرة الذنوب بإيمانهم والتوفيق للتوبة.



فالإيمان أكبر وسيلة للقرب من الله والقرب من رحمته، ونيل ثوابه، وأكبر وسيلة لمغفرة الذّنوب، وإزالة الشدائد أو تخفيفها.



وثمرات الإيمان على وجه التفصيل كثيرة، وبالجملة خيرات الدّنيا والآخرة مترتِّبة على الإيمان، كما أن الشرور مترتبة على فقده، والله أعلم).



قوله رحمه الله: (وأكبر وسيلة لمعرفة الذنوب وإزالة الشدائد أو تخفيفها). وهـٰذا لا إشكال فيه، ابن القيم رحمه الله يقول: إذا سُلِّطَ عليك فأكثر من الاستغفار، فإن ما سلط عليك بذنبك.



والناس إذا سُلط عليهم إنما يشتغلون بمن سلطه الله عليهم من كلام أو وقيعة أو قدح أو ذم، ويغفلون عن أن هـٰذا التسليط عليهم إنما هو بسبب ذنوبهم وما عندهم من قصور، كما قال الله عز وجل: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ﴾([4]). وهـٰذا يشمل كل إصابة، فالواجب على المؤمن إذا أصيب ونزلت به الكرب والشدائد أن يكثر من الاستغفار والتوبة، فإن ذلك من أسباب رفعها.



والمهم أن  هذه  الثمار الجليلة والفوائد العظيمة للإيمان لا تُحصَّل إلا بهذا الوصف, فكلما تحقق الإنسان بوصف الإيمان ازدادت فيه  هذه  الأوصاف؛ لأنه من القواعد التي تقدمت معنا: أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، قوةً وضعفاً، فبقدر ما معك من الإيمان بقدر ما تقوى  هذه  الثمار، نسأل الله من فضله.









([1]) سورة : التوبة (119).




([2]) سورة : الأنفال (2-4).




([3]) البخاري: كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، حديث رقم (52).



     مسلم: كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، حديث رقم (1599).




([4]) سورة : النساء (79).

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86259 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80696 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74966 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62206 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56499 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53477 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات51186 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50934 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46185 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45730 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف