×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / التفسير وعلومه / القواعد الحسان / الدرس(35) من شرح القواعد الحسان

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(35) من شرح القواعد الحسان
00:00:01

قال المؤلف رحمه الله :" القاعدة الخامسة والثلاثون: تقديم أعلى المصلحتين وأهون المفسدتين: في القرآن عدة آيات فيها الحث على أعلى المصلحتين وتقديم أهون المفسدتين، ومنع ما كانت مفسدته أرجح من مصلحته).  هذه  أيضا من الفوائد، و هذه  الفائدة منبثقة عن أصل يجب معرفته وإدراكه في  هذه  الشريعة. وهي أنها شريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها،  هذه  المرتبة الأولى المتعلقة بالمصالح: تحصيل وتكثير، المصالح فيها درجتان: تحصيل وتكثير. المرتبة الثانية ما يتعلق بالمفاسد: وجاءت بتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا لم يمكن التعطيل فينتقل إلىٰ الدرجة الثانية وهي التقليل". كلام المؤلف رحمه الله في المصالح والمفاسد هنا هو عند التزاحم، أما إذا كان يمكن تحصيل المصلحتين على وجه الاستقلال فإنه يجب تحصيل المصالح؛ لكن الكلام فيما إذا تزاحمت المصالح، ومعنى التزاحم أنه لا يمكن تحصيل إحدى المصلحتين إلا بتفويت الأخرى، وكذلك في المفاسد تزاحمها أنه لا يمكن تجنب إحدى المفسدتين إلا بارتكاب الأخرى، عند ذلك تأتي  هذه  القاعدة التي ذكرها المؤلف رحمه الله، وهي: (تقديم أعلى المصلحتين) هٰذا في تزاحم المصالح (وارتكاب أهون المفسدتين) هٰذا في المفاسد (ومنع ما كان مفسدته أرجح من مصلحته) هٰذا فيما إذا كانت الموازنة في المصالح والمفاسد. إذا عندنا ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: المصالح والمفاسد إذا اجتمعت فماذا يقدم في التحصيل؟ عندنا مصلحة ومفسدة ماذا نقدم؟ المصلحة.([1]) المرتبة الثانية: تزاحم المصالح ماذا نقدم؟ أعلى المصلحتين. عندنا المرتبة الثالثة: تزاحم المفاسد، يرتكب أهونها. (وهذه قاعدة جليلة. نبه الله عليها في آيات كثيرة. فمن الأول: المفاضلة بين الأعمال وتقديم الأعلى منها كقوله: ﴿لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل﴾ الآية([2]) وكقوله: ﴿أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله﴾ الآية([3]) وكقوله: ﴿لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله﴾ الآية([4])).  هذه  المرتبة الأولى أو هذا مثال للمرتبة الأولى وهي تزاحم المصالح، وهو المفاضلة بين الأعمال الصالحة، لا شك أن الأعمال الصالحة مراتب ودرجات وليست على درجة واحدة في الأجر، ولا في النفع، فما الذي يقدم؟ الذي يقدم منها ما قدمه الله ورسوله، وما لم يرد فيه نص يعلم تقديمه بأدلة أخرى، فالأعمال مفضلة باعتبار الجنس، وباعتبار النوع، وباعتبار الأفراد، ومعرفة هٰذا تحتاج إلىٰ فقه دقيق؛ لأن معرفة مراتب الأعمال من دقائق الفقه، من دقائق الفقه أن يعرف الإنسان مراتب الأعمال أيها يقدم هٰذا أو هٰذا؛ ولكن يؤتى هٰذا الفقه من أنار الله بصيرته بمعرفة ما قدمه الله ورسوله. فنقدم ما نص الله على تقديمه ورسوله، ثم بعد ذلك إذا لم يكن نص فالنظر المبني على نور القرآن وهدي السنة يوصل الإنسان إلى معرفة ما الذي يقدم على غيره من الأعمال. المثال الثاني: (ومن الثاني: قوله تعالى: ﴿وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل﴾([5]) بين تعالى أن ما نقمه الكفار على المسلمين من قتال في الشهر الحرام أنه -وإن كان مفسدة- فما أنتم عليه من الصد عن سبيل الله والكفر بالله([6]) والصد عن المسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبر عند الله([7]) من القتل. وقوله: ﴿ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم﴾ الآيات([8]) فكف الله المؤمنين عن القتال في المسجد الحرام([9]) مع وجود المقتضي من الكفار خوف المفسدة([10]) المترتبة على ذلك: من إصابة المؤمنين والمؤمنات([11]) من معرة الجيش ومضرته. وكذلك جميع ما جرى في صلح الحديبية من هذا الباب: من التزام تلك الشروط التي ظاهرها الضرر على المسلمين، ولكن صارت هي عين المصلحة لهم.([12]) ومن هذا: أمره بكف الأيدي([13]) قبل أن يهاجر الرسول إلى المدينة؛ لأن الأمر بالقتال في ذلك الوقت أعظم ضررا من الصبر والإخلاد إلى السكينة.([14]) ولعل من هذا مفهوم قوله(: ﴿فذكر إن نفعت الذكرى﴾،([15])  يعني فإن ضرت فترك التذكير الموجب للضرر الكثير هو المتعين. والآيات في هذا النوع كثيرة جدا). طيب المثال الأول قوله تعالىٰ: ﴿وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله﴾. ﴿أكبر﴾ يقتضي أن هناك ما هو أصغر من ذلك، وما هو الأصغر من  هذه  الأمور؟ هو ما وقع من مقاتلة الكفار في الأشهر الحرم؛ لأن المشركين عابوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنه وقع منهم قتال في أول شهر من الأشهر الحرم، فقال الله جل وعلا -في الرد على هٰؤلاء، وبيان أن ما هم عليه أعظم جرما مما نسبوه إلىٰ النبي صلى الله عليه وسلم من انتهاك حرمة الشهر الحرام-: ﴿وصد عن سبيل الله وكفر به﴾ أي بالله ﴿والمسجد الحرام﴾ يعني وصد عن المسجد الحرام ﴿وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل﴾. فدل ذلك على أنه إذا تزاحمت المفاسد فإنه يرتكب أهونها. الآن عندنا مفسدة بقاء الشرك والكفر والعتو والظلم من أهل مكة. وعندنا مفسدة ثانية وهي انتهاك الشهر الحرام. أيهما أعظم؟ أن ينتهك الشهر الحرام لإذهاب تلك المفسدة، أو يترك هٰذا الأمر وهو القتال في الشهر الحرام مراعاة لحرمته مع وجود مفسدة أعظم منه؟ الجواب ما قاله الله جل وعلا في قوله: ﴿أكبر عند الله﴾. فدل ذلك على أن ارتكاب أهون المفسدتين بدفع أعلاهما هٰذا هو المتعين وهٰذا هو الواجب، وهٰذا مثال آخر واضح. الثاني قول الله تعالىٰ: ﴿ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم﴾([16]) أي بالقتل، وذلك في غزوة من الغزوات، وهي ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم في السنة السادسة في صلح الحديبية، حيث تاقت نفوس الصحابة إلىٰ مقاتلة الكفار، حيث منعوهم وحالوا بينهم وبين المسجد الحرام، فبين الله عز وجل أن منع القتال وكف أيديهم عن المؤمنين وكف أيدي المؤمنين عن المشركين كان ذلك لمصلحة عظمى، وهي حصول التمايز بين معسكر أهل الكفر وأهل الإيمان، فإن مكة فيها من المؤمنين من لو قاتل المسلمون الكفار في ذلك الوقت لأصابوهم بقتل فتصيبهم معرة، وهو ألم يصيب قلوبهم أو إثم كما قال بعض المفسرين، فمنع الله القتال لأجل  هذه  المصلحة، وللمصالح الأخرى التي ترتبت على ترك القتال في تلك الغزوة من الفتح العظيم بالصلح الذي جرى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين في مكة. نعود إلىٰ ما ساق المؤلف رحمه الله الآيات من أجله، وهو الموازنة بين ترك قتال الكفار وقتالهم مع قتل المؤمنين والمؤمنات الذين لم يتميزوا عنهم، فكانت مصلحة ترك القتال في هٰذا أولى من القتال الذي يترتب عليه قتل من لم يتمكن من الهجرة من أهل الإسلام. المثال الأخير قال: (ولعل من هذا مفهوم قوله: ﴿فذكر إن نفعت الذكرى﴾([17])). فإن الله جل وعلا قيد الأمر بالتذكير هنا بشرط، وهو حصول النفع بالتذكير، فقال: ﴿فذكر إن نفعت الذكرى﴾. فإن كان يترتب على الذكرى مضرة تقدم لنا أنه بالإجماع لا تشرع التذكرة في مثل  هذه  الحال؛ لأننا عندنا مفسدتان: مفسدة ترك التذكير وهو بحد ذاته مفسدة، وهناك مفسدة أخرى وهي أن يحصل التذكير لكن يترتب عليه شر وضرر أكبر من مفسدة ترك التذكير. فهنا أيهما نقدم؟ نقدم مفسدة ترك التذكير؛ لأن المفسدة الأخرى أعظم منها، ولم يجزم المؤلف رحمه الله بدخول  هذه  الآية في هٰذا المثال؛ لأن من العلماء من قال: إن الشرط هنا ليس مرادا؛ بل ذكر مطلقا نفعت الذكرى أو لم تنفع، وقد تقدم لنا الكلام في  هذه  الآية قريبا.([18]) (ومن النوع الثالث: قوله تعالى: ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر﴾.([19]) وهذا كالتعليل العام: أن كل ما كانت مضرته وإثمه أكبر من نفعه، فإن الله من حكمته لا بد أن يمنع منه عباده ويحرمه عليهم([20]). وهذا الأصل العظيم كما أنه ثابت شرعا فإنه هو المعقول بين الناس المفطورين على استحسانه، والعمل به في الأمور الدينية والدنيوية، والله أعلم ) . هٰذا هو القسم الأخير من  هذه  القاعدة، وهو إذا اجتمعت مصلحة ومفسدة فيقدم المصلحة، إذا كانت المفسدة لا تربو عليها؛ لكن إذا كانت المصلحة مغمورة في جانب المفسدة، أو العكس إذا كانت المفسدة مغمورة في جانب المصلحة، فهنا يكون محل نظر؛ لكن الكلام فيما إذا كانت مفسدة ظاهرة ومصلحة خفية، فهنا يقدم اجتناب المفسدة الراجحة ولو ذهب بذلك مصلحة، ومثل بمثال واضح وهو قوله: ﴿يسألونك عن الخمر والميسر﴾([21]) أجاب الله عز وجل عن هٰذا السؤال فقال: ﴿فيهما إثم كبير ومنافع للناس﴾ فيهما مصالح ومفاسد، فهنا ما الذي يقدم؟ ننظر إلىٰ المصلحة والمفسدة، قال الله عز وجل في المفسدة: ﴿إثم كبير﴾ وقال: ﴿ومنافع للناس﴾ جمع ولم يبين لنا أنها أكبر أو تساوي، فعند ذلك يقدم اجتناب المفسدة على تحصيل المصلحة. والأحوال ثلاث في هذا: الحالة الأولى: ما في  هذه  الآية، وهو أن يكون جانب المفسدة أرجح، فهنا تجتنب المفسدة وتهدر تلك المصلحة؛ لأنه لا يمكن اجتناب المفسدة إلا بإهدار  هذه  المصلحة. الحالة الثانية: أن تكون المصلحة رابية؛ زائدة على المفسدة، فهنا تؤتى المصلحة ويغتفر ما في الأمر من مفسدة؛ لكونه منغمرا في جانب المصلحة. الحالة الثالثة: أن تستوي المصلحة والمفسدة، و هذه  محل اجتهاد، يجتهد الإنسان في الأخذ أو الترك. ([1]) انظر الأحوال الثلاث لتزاحم المصلحة مع المفسدة في الصفحة رقم: (7). ([2]) سورة : الحديد (10). ([3]) سورة : التوبة (19). ([4]) سورة : النساء (95). ([5]) سورة : البقرة (217). ([6]) في نسخة: به وبسبيل هداه. ([7]) في نسخة: وفتنتكم المؤمنين بشديد الأذى محاولين إرجاعهم إلى الشرك أكبر من القتال في الشهر الحرام. ([8]) سورة : الفتح (25). ([9]) في نسخة: في صلح الحديبية. ([10]) في نسخة: اتقاء للمفسدة. ([11]) في نسخة: المستضعفين الذين حبسهم المشركون بمكة عن الهجرة بأنواع من الأذى أو القتل، ما يكون سببا في لحوق المعرة بجيش المؤمنين. ([12]) في نسخة: ولكن تبين لهم بعد أنها عين المصلحة لهم والفتح المبين. ([13]) في نسخة: عن القتال. ([14]) في نسخة: مع متابعة تبليغ الرسالة وإقامة الحجة والجهاد الكبير بالقرآن. ([15]) سورة : الأعلى (9). ([16]) سورة : الفتح (25). ([17]) سورة : الأعلى (9). ([18]) انظر القاعدة السادسة والعشرين. ([19]) سورة : البقرة (219). ([20]) في نسخة: فإن رحمة الله وحكمته لا بد أن تقتضي المنع منه وتحريمه على عباده. ([21]) سورة : البقرة (219).

المشاهدات:4773


قال المؤلف رحمه الله :" القاعدة الخامسة والثلاثون: تقديم أعلى المصلحتين وأهون المفسدتين:



في القرآن عدة آيات فيها الحث على أعلى المصلحتين وتقديم أهون المفسدتين، ومنع ما كانت مفسدته أرجح من مصلحته).



 هذه  أيضاً من الفوائد، و هذه  الفائدة منبثقة عن أصلٍ يجب معرفته وإدراكه في  هذه  الشريعة.



وهي أنها شريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها،  هذه  المرتبة الأولى المتعلقة بالمصالح: تحصيل وتكثير، المصالح فيها درجتان: تحصيل وتكثير.



المرتبة الثانية ما يتعلق بالمفاسد: وجاءت بتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا لم يمكن التعطيل فينتقل إلىٰ الدرجة الثانية وهي التقليل".



كلام المؤلف رحمه الله في المصالح والمفاسد هنا هو عند التزاحم، أما إذا كان يمكن تحصيل المصلحتين على وجه الاستقلال فإنه يجب تحصيل المصالح؛ لكن الكلام فيما إذا تزاحمت المصالح، ومعنى التزاحم أنه لا يمكن تحصيل إحدى المصلحتين إلا بتفويت الأخرى، وكذلك في المفاسد تزاحمها أنه لا يمكن تجنب إحدى المفسدتين إلا بارتكاب الأخرى، عند ذلك تأتي  هذه  القاعدة التي ذكرها المؤلف رحمه الله، وهي: (تقديم أعلى المصلحتين) هـٰذا في تزاحم المصالح (وارتكاب أهون المفسدتين) هـٰذا في المفاسد (ومنع ما كان مفسدته أرجح من مصلحته) هـٰذا فيما إذا كانت الموازنة في المصالح والمفاسد.



إذاً عندنا ثلاث مراتب:



المرتبة الأولى: المصالح والمفاسد إذا اجتمعت فماذا يقدم في التحصيل؟ عندنا مصلحة ومفسدة ماذا نقدم؟ المصلحة.([1])



المرتبة الثانية: تزاحم المصالح ماذا نقدم؟ أعلى المصلحتين.



عندنا المرتبة الثالثة: تزاحم المفاسد، يرتكب أهونها.



(وهذه قاعدة جليلة. نبه الله عليها في آيات كثيرة.



فمن الأول: المفاضلة بين الأعمال وتقديم الأعلى منها كقوله: ﴿لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَن أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ﴾ الآية([2]) وكقوله: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآية([3]) وكقوله: ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الآية([4])).



 هذه  المرتبة الأولى أو هذا مثال للمرتبة الأولى وهي تزاحم المصالح، وهو المفاضلة بين الأعمال الصالحة، لا شك أن الأعمال الصالحة مراتب ودرجات وليست على درجة واحدة في الأجر، ولا في النفع، فما الذي يقدم؟ الذي يقدم منها ما قدمه الله ورسوله، وما لم يرد فيه نص يُعلم تقديمه بأدلة أخرى، فالأعمال مفضّلة باعتبار الجنس، وباعتبار النوع، وباعتبار الأفراد، ومعرفة هـٰذا تحتاج إلىٰ فقه دقيق؛ لأن معرفة مراتب الأعمال من دقائق الفقه، من دقائق الفقه أن يعرف الإنسان مراتب الأعمال أيها يقدم هـٰذا أو هـٰذا؛ ولكن يؤتى هـٰذا الفقه من أنار الله بصيرته بمعرفة ما قدمه الله ورسوله.



فنقدم ما نص الله على تقديمه ورسوله، ثم بعد ذلك إذا لم يكن نص فالنظر المبني على نور القرآن وهدي السنة يوصل الإنسان إلى معرفة ما الذي يقدم على غيره من الأعمال.



المثال الثاني:



(ومن الثاني: قوله تعالى: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾([5]) بيّن تعالى أن ما نقمه الكفار على المسلمين من قتال في الشهر الحرام أنه -وإن كان مفسدة- فما أنتم عليه من الصّد عن سبيل الله والكفر بالله([6]) والصد عن المسجد الحرام، وإخراج أهله منه أكبرُ عند الله([7]) من القتل.



وقوله: ﴿وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ﴾ الآيات([8]) فكف الله المؤمنين عن القتال في المسجد الحرام([9]) مع وجود المقتضي من الكفار خوف المفسدة([10]) المترتبة على ذلك: من إصابة المؤمنين والمؤمنات([11]) من معرة الجيش ومضرته.



وكذلك جميع ما جرى في صلح الحديبية من هذا الباب: من التزام تلك الشروط التي ظاهرها الضرر على المسلمين، ولكن صارت هي عين المصلحة لهم.([12])



ومن هذا: أمره بكف الأيدي([13]) قبل أن يهاجر الرّسول إلى المدينة؛ لأن الأمر بالقتال في ذلك الوقت أعظم ضرراً من الصّبر والإخلاد إلى السّكينة.([14])



ولعل من هذا مفهوم قوله(: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾،([15])  يعني فإن ضرت فترك التذكير الموجب للضرر الكثير هو المتعيِّن. والآيات في هذا النوع كثيرة جدّاً).



طيب المثال الأول قوله تعالىٰ: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾. ﴿أَكْبَرُ﴾ يقتضي أن هناك ما هو أصغر من ذلك، وما هو الأصغر من  هذه  الأمور؟ هو ما وقع من مقاتلة الكفار في الأشهر الحرم؛ لأن المشركين عابوا على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه أنه وقع منهم قتال في أول شهر من الأشهر الحرم، فقال الله جل وعلا -في الرد على هٰؤلاء، وبيان أن ما هم عليه أعظم جرماً مما نسبوه إلىٰ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من انتهاك حرمة الشهر الحرام-: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ﴾ أي بالله ﴿وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ يعني وصد عن المسجد الحرام ﴿وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾. فدلّ ذلك على أنه إذا تزاحمت المفاسد فإنه يُرتكب أهونها.



الآن عندنا مفسدة بقاء الشرك والكفر والعتو والظلم من أهل مكة.



وعندنا مفسدة ثانية وهي انتهاك الشهر الحرام.



أيهما أعظم؟ أن يُنتهك الشهر الحرام لإذهاب تلك المفسدة، أو يترك هـٰذا الأمر وهو القتال في الشهر الحرام مراعاة لحرمته مع وجود مفسدة أعظم منه؟



الجواب ما قاله الله جل وعلا في قوله: ﴿أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾. فدل ذلك على أن ارتكاب أهون المفسدتين بدفع أعلاهما هـٰذا هو المتعين وهـٰذا هو الواجب، وهـٰذا مثال آخر واضح.



الثاني قول الله تعالىٰ: ﴿وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ﴾([16]) أي بالقتل، وذلك في غزوة من الغزوات، وهي ما كان من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنة السادسة في صلح الحديبية، حيث تاقت نفوس الصحابة إلىٰ مقاتلة الكفار، حيث منعوهم وحالوا بينهم وبين المسجد الحرام، فبين الله عز وجل أن منع القتال وكف أيديهم عن المؤمنين وكف أيدي المؤمنين عن المشركين كان ذلك لمصلحة عظمى، وهي حصول التمايز بين معسكر أهل الكفر وأهل الإيمان، فإن مكة فيها من المؤمنين من لو قاتل المسلمون الكفار في ذلك الوقت لأصابوهم بقتل فتصيبهم معرة، وهو ألم يصيب قلوبهم أو إثم كما قال بعض المفسرين، فمنع الله القتال لأجل  هذه  المصلحة، وللمصالح الأخرى التي ترتبت على ترك القتال في تلك الغزوة من الفتح العظيم بالصلح الذي جرى بين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمشركين في مكة.



نعود إلىٰ ما ساق المؤلف رحمه الله الآيات من أجله، وهو الموازنة بين ترك قتال الكفار وقتالهم مع قتل المؤمنين والمؤمنات الذين لم يتميزوا عنهم، فكانت مصلحة ترك القتال في هـٰذا أولى من القتال الذي يترتّب عليه قتل من لم يتمكن من الهجرة من أهل الإسلام.



المثال الأخير قال: (ولعل من هذا مفهوم قوله: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾([17])). فإن الله جل وعلا قيّد الأمر بالتذكير هنا بشرط، وهو حصول النفع بالتذكير، فقال: ﴿فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى﴾. فإن كان يترتب على الذِّكرى مضرة تقدم لنا أنه بالإجماع لا تشرع التذكرة في مثل  هذه  الحال؛ لأننا عندنا مفسدتان: مفسدة ترك التذكير وهو بحد ذاته مفسدة، وهناك مفسدة أخرى وهي أن يحصل التذكير لكن يترتب عليه شر وضرر أكبر من مفسدة ترك التذكير.



فهنا أيهما نقدم؟ نقدم مفسدة ترك التذكير؛ لأن المفسدة الأخرى أعظم منها، ولم يجزم المؤلف رحمه الله بدخول  هذه  الآية في هـٰذا المثال؛ لأن من العلماء من قال: إن الشرط هنا ليس مراداً؛ بل ذكر مطلقاً نفعت الذكرى أو لم تنفع، وقد تقدم لنا الكلام في  هذه  الآية قريباً.([18])



(ومن النوع الثالث: قوله تعالى: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَر﴾.([19])



وهذا كالتعليل العام: أنّ كل ما كانت مضرته وإثمه أكبر من نفعه، فإن الله من حكمته لا بد أن يمنع منه عباده ويحرمه عليهم([20]).



وهذا الأصل العظيم كما أنه ثابت شرعاً فإنّه هو المعقول بين الناس المفطورين على استحسانه، والعمل به في الأمور الدينية والدنيوية، والله أعلم ) .



هـٰذا هو القسم الأخير من  هذه  القاعدة، وهو إذا اجتمعت مصلحة ومفسدة فيقدم المصلحة، إذا كانت المفسدة لا تربو عليها؛ لكن إذا كانت المصلحة مغمورة في جانب المفسدة، أو العكس إذا كانت المفسدة مغمورة في جانب المصلحة، فهنا يكون محل نظر؛ لكن الكلام فيما إذا كانت مفسدة ظاهرة ومصلحة خفية، فهنا يقدم اجتناب المفسدة الراجحة ولو ذهب بذلك مصلحة، ومثَّل بمثال واضح وهو قوله: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾([21]) أجاب الله عز وجل عن هـٰذا السؤال فقال: ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ فيهما مصالح ومفاسد، فهنا ما الذي يقدم؟ ننظر إلىٰ المصلحة والمفسدة، قال الله عز وجل في المفسدة: ﴿إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ وقال: ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ جمع ولم يبين لنا أنها أكبر أو تساوي، فعند ذلك يقدّم اجتناب المفسدة على تحصيل المصلحة.



والأحوال ثلاث في هذا:



الحالة الأولى: ما في  هذه  الآية، وهو أن يكون جانب المفسدة أرجح، فهنا تجتنب المفسدة وتهدر تلك المصلحة؛ لأنه لا يمكن اجتناب المفسدة إلا بإهدار  هذه  المصلحة.



الحالة الثانية: أن تكون المصلحة رابية؛ زائدة على المفسدة، فهنا تؤتى المصلحة ويغتفر ما في الأمر من مفسدة؛ لكونه منغمراً في جانب المصلحة.



الحالة الثالثة: أن تستوي المصلحة والمفسدة، و هذه  محل اجتهاد، يجتهد الإنسان في الأخذ أو الترك.









([1]) انظر الأحوال الثلاث لتزاحم المصلحة مع المفسدة في الصفحة رقم: (7).




([2]) سورة : الحديد (10).




([3]) سورة : التوبة (19).




([4]) سورة : النساء (95).




([5]) سورة : البقرة (217).




([6]) في نسخة: به وبسبيل هداه.




([7]) في نسخة: وفتنتكم المؤمنين بشديد الأذى محاولين إرجاعهم إلى الشرك أكبرُ من القتال في الشهر الحرام.




([8]) سورة : الفتح (25).




([9]) في نسخة: في صلح الحديبية.




([10]) في نسخة: اتقاء للمفسدة.




([11]) في نسخة: المستضعفين الذين حبسهم المشركون بمكة عن الهجرة بأنواع من الأذى أو القتل، ما يكون سبباً في لحوق المعرة بجيش المؤمنين.




([12]) في نسخة: ولكن تبين لهم بعد أنها عين المصلحة لهم والفتح المبين.




([13]) في نسخة: عن القتال.




([14]) في نسخة: مع متابعة تبليغ الرسالة وإقامة الحجة والجهاد الكبير بالقرآن.




([15]) سورة : الأعلى (9).




([16]) سورة : الفتح (25).




([17]) سورة : الأعلى (9).




([18]) انظر القاعدة السادسة والعشرين.




([19]) سورة : البقرة (219).




([20]) في نسخة: فإن رحمة الله وحكمته لا بد أن تقتضي المنع منه وتحريمه على عباده.




([21]) سورة : البقرة (219).

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80483 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74769 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61838 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53356 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50922 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50647 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46029 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45575 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف