قال المؤلف رحمه الله :" القاعدة السادسة والأربعون: ما أمر الله به في كتابه:إما أن يوجه إلى من لم يدخل فيه، فهذا أمر له بالدخول فيه.
وإما أن يوجه لمن دخل فيه، فهذا أمر به ليصحح ما وجد منه، ويسعى في تكميل ما لم يوجد منه([1]).
وهذه القاعدة مطردة في جميع الأوامر القرآنية: أصولها وفروعها.
فقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا﴾،([2]) من القسم الأول.
وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا﴾،([3]) من الثاني والثالث، فإنه أمرهم بما يصحح ويكمل إيمانهم من الأعمال الظاهرة والباطنة، وكمال الإخلاص فيها، ونهاهم عما يفسدها وينقصها.
وكذلك أمره للمؤمنين أن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويصوموا رمضان أمرٌ بتكميل ذلك، والقيام بكل شرط ومكمِّل لذلك العمل، والنهي عن كل مفسد ومنقّص لذلك العمل.
وكذلك أمره لهم بالتوكل والإنابة ونحوها من أعمال القلوب هو أمر بتحقيق ذلك، وإيجاد ما لم يوجد منه.
وبهذه القاعدة نفهم جواب الإيراد الذي يورد على طلب المؤمنين من ربِّهم الهداية إلى الصراط المستقيم، و([4])الله قد هداهم إلىٰ الإسلام!!.
جوابه: ما تضمنته هذه القاعدة.
ولا يقال: هذا تحصيل للحاصل.
فافهم هذا الأصل الجليل النافع، الذي يفتح لك من أبواب العلم كنوزاً، وهو في غاية اليسر والوضوح([5])".
ملخص هذه القاعدة ما ذكره في ترجمتها قال: (ما أمر الله به في كتابه، إما أن يوجه إلى من لم يدخل فيه) كالآيات التي خاطب الله فيها أهل الكتاب، أو التي خاطب فيها الناس عموماً، فإن خطابه للناس عموماً يشمل المسلم والكافر: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ﴾([6]) هـٰذا خطاب لجميع الناس المؤمن والكافر.
فهـٰذا الخطاب العام للمؤمن والكافر أو لمن لم يدخل في الإسلام هو طلب لدخول هٰؤلاء فيما أمروا به، وهـٰذا واضح ولا إشكال فيه.
مثال الثاني أو القسم الثاني هو توجيه الخطاب لمن اتصف به، كالآيات التي وجه فيها الخطاب للمؤمنين وأمرهم فيها مثلاً بالإيمان، أو للمتقين، أو ما أشبه ذلك من الآيات التي هي من لوازم الإيمان أو هي منه، فهل هـٰذا تحصيل حاصل كما أشار الشيخ رحمه الله أو أنها تتضمن أمراً؟ الجواب: تتضمن أمراً زائداً، فهي تفيد أمرين:
الأمر الأول: وجوب الثبات على هـٰذا الوصف: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ﴾([7]) هـٰذا أمر بالثبات على الإيمان.
والثاني: التكميل والزيادة.
أشار الشيخ رحمه الله إلىٰ أمر آخر وهو الطلب -طلب ما هو موجود أصله- كطلب الهداية من الله من أهل الهداية، كل المسلمين يقولون في صلاتهم: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾([8]) ما فائدة هـٰذا الطلب؟ هل هو طلب لموجود فيكون تحصيل حاصل؟ الجواب: لا، هو طلب زيادة موجود وتكميله، ولذلك يستدل بهذه الآية على أن الهداية لا منتهى لها، وفوق كل هداية هداية، ولذلك لا ينقطع الإنسان عن طلب الهداية؛ لأنه لا درجة ينتهي بها المقام ويقول: قد بلغت وانتهى الأمر؛ بل هذه الآية من الأدلة الدالة على أن فوق كل هداية هداية، وفوق كل صلاح صلاحاً، وهـٰذا يوجب للإنسان أن يبذل الجهد في تحقيق ما دعا به وهو الهداية والصلاح، ولذلك قال رحمه الله: (فافهم هذا الأصل الجليل النافع، الذي يفتح لك من أبواب العلم كنوزاً). صحيح يفتح للإنسان كنوزاً؛ لأنه يعلم بذلك أنه ليس هناك حد ينتهي إليه في الصلاح والإيمان دعوة وعملاً، دعوة يعني دعوة الناس في توجيههم وأمرهم، لا تقل خلاص هٰؤلاء حققوا الإيمان ولا حاجة إلىٰ الدعوة ننتهي عن الحديث، بل مُر بالمعروف وذكر بالخير حتى أهل الخير يكن في ذلك خير لك وخير لهم.