×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / التفسير وعلومه / القواعد الحسان / الدرس(52) من شرح القواعد الحسان

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(52) من شرح القواعد الحسان
00:00:01

 قال المؤلف رحمه الله :" القاعدة الثانية والخمسون: إذا وضح الحق وبان، لم يبق للمعارضة العلمية، ولا العملية محل. وهذه قاعدة شرعية عقلية فطرية، قد وردت في القرآن وأرشد إليها في مواضع كثيرة. وذلك أنه من المعلوم أن محل المعارضات وموضع الاستشكالات وموضع التوقفات ووقت المشاورات، إذا كان الشيء فيه اشتباه أو احتمالات، فترد عليه هذه الأمور). يعني المعارضات والتوقفات والمشاورات إنما ترد على ما فيه اشتباه واحتمال، أما ما لا اشتباه فيه ولا احتمال فإنه لا يرد عليه  هذه  الواردات؛ لأن ما وضح وبان ليس محلا للمشاورة، وليس محلا للتوقف، وليس محلا للإشكال، ولذلك كان من المثل المشهور المعروف: توضيح الواضحات يصيرها مشكلات. من المشكلات توضيح الواضحات. إذا كان الشيء فيه اشتباه أو احتمالات، فترد عليه هذه الأمور؛ لأنها الطريق إلى البيان والتوضيح. فأما إذا كان الشيء لا يحتمل إلا معنى واحدا واضحا، وقد تعينت المصلحة، فالمجادلة والمعارضة من باب العبث، والمعارض هنا لا يلتفت لاعتراضاته([1])؛ لأنه يشبه المكابر المنكر للمحسوسات. قال تعالى: ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾،([2]) يعني: وإذا تبين هذا من هذا لم يبق للإكراه محل؛ لأن الإكراه إنما يكون على أمر فيه مصلحة خفية، فأما أمر قد اتضح أن مصالح([3]) الدارين مربوطة به ومتعلقة به،  فأي داع للإكراه فيه وأي  موجب له؟". واضح التمثيل؟ قوله تعالىٰ: ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي﴾ متى ارتفع الإكراه في الدين؟ لما تبين الرشد من الغي ارتفع الإكراه، فلا حاجة للإكراه، ما حاجة أنك تحمل أحدا على التزام الصراط المستقيم بعد وضوحه واستنارة سبيله، إنما يكون الإكراه فيما تخفى مصلحته من الأمور، أما ما ظهرت مصلحته وعلمت عاقبته فإنه لا وجه للإكراه عليه. (ونظير هذا قوله تعالى: ﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾([4]). أي هذا الحق الذي قامت البراهين الواضحة على حقيته، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. كقوله: ﴿ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة﴾([5])). و هذه  الآيات الثلاث المتقدمة: ﴿لا إكراه في الدين﴾، وقوله: ﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾، وقوله: ﴿ليهلك من هلك عن بينة﴾. كل  هذه  تبين اتضاح الأمر وأنه لا إكراه فيه؛ ولكن أيضا تتضمن التهديد لكل من خالف الحق، فهي لا تجعل المسألة على وجه الاختيار التام؛ بل هي مضمنة التهديد لكل من خالف هٰذا، فإذا تبين الرشد من الغي فلا حاجة للإكراه؛ لكن يبقى أنه لو خالف الرشد فإنه قد خالف على بصيرة، وهٰذا يوجب شدة العقوبة. كذلك في قوله تعالىٰ: ﴿وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾ هٰذا ليس تخييرا إنما المراد بالأمر هنا-أو وكله إلىٰ المشيئة- هوالتهديد؛ لأن الأمر قد اتضح وبان، فلا يحتمل الإكراه أو لا يحتمل أكثر مما جاءت به النصوص من توضيح الحق وإزهاق الباطل، كذلك: ﴿ليهلك من هلك عن بينة﴾. المهم أنها مضمنة مع ما ذكره المؤلف معنى التهديد لكل من خالف الحق. (وقال تعالى: ﴿وشاورهم في الأمر﴾،([6]) أي: في الأمور التي تحتاج إلى مشاورة، ويطلب فيها وجه المصلحة، فأما أمر قد تعينت مصلحته، وظهر وجوبه فقال فيه: ﴿فإذا عزمت فتوكل على الله﴾([7])). الشيخ رحمه الله حمل الآية على معنيين، أو جعل الآية في أمرين: (وقال تعالى: ﴿وشاورهم في الأمر﴾) هٰذا أمر لرسوله صلى الله عليه وسلم، أمره الله جل وعلا أن يشاورهم في الأمر الذي يهمهم جميعا ويحتاج فيه الرجوع إليهم مما يتعلق بهم، وهٰذا فيما لم تتضح مصلحته اتضاحا تاما، ولا يلزم عدم اتضاح المصلحة بالنسبة للمشاور؛ بل حتى بالنظر إلىٰ المشاورين، يعني إلى من أمر بمشاورته، فقد يشاورهم ليتضح الحق لهم ويتبين، وإن كان هو قد توجه إلىٰ أمر من الأمور، فإنه يدخل في قوله: ﴿وشاورهم في الأمر﴾، ثم إذا اتضح الأمر واستبان وجه المصلحة فيه فإنه لا وجه عند ذلك للمشاورة؛ لأن الأمر قد اتضح، وإنما المشاورات تكون في المشتبهات والمشكلات، وعند ذلك الواجب العمل والإقدام؛ ولذلك قال: ﴿فإذا عزمت فتوكل على الله﴾. فقرن العزيمة التي تكون للإنسان بما عنده من قدرات بأمر يتعلق بالله عز وجل، وهو أن يسند قلبه إليه؛ لأنه لا يكفي العزم دون توكل؛ لأن العزم هو في مقدورك وما يكون من عملك، لكن ما يكون مما يتعلق بالله هو أن تسند الأمر إليه في تحقيق مطلوبك، وبهذا يحصل السبب ويحصل كمال التوكل على الله عز وجل: ﴿فإذا عزمت فتوكل على الله﴾. (وقد كشف الله هذا المعنى غاية الكشف، في قوله: ﴿يجادلونك في الحق بعد ما تبين﴾،([8]) أي فكل من حاول في الحق بعد ما تبين علمه، أو طريق عمله، فإنه غالط شرعا وعقلا).  هذه  الآية نزلت في سورة الأنفال، وقيل: إنها في المشركين الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كفار قريش، وإنهم كانوا يجادلونه في الحق وفي الدين والإسلام ووجوب إفراد العبادة لله بعدما تبين. وهٰذا قول بعض المفسرين. والقول الثاني: أنها في المؤمنين، ويدل لهذا القول أن السياق كله في الكلام عما كان من أهل الإيمان الذين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة، ووجه ذلك أن طائفة من المؤمنين لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة يريد العير قال: ((إما أن تظفروا بالعير، وإما أن تظفروا بقريش التي تخرج لحماية العير)). فوعدهم الله سبحانه وتعالىٰ إحدى الطائفتين، وأخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فلما فاتتهم العير وانحازت إلىٰ البحر، ما بقي الآن إلا قريش، عند ذلك جادل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: إن المراد بالآية العير، وأما هٰؤلاء فلا، ولم نخرج لقتالهم، فقال لهم الله جل علا معاتبا هٰؤلاء مخاطبا رسوله: ﴿يجادلونك في الحق بعد ما تبين﴾ وهو أنه لا بد من مقاتلة هٰؤلاء ﴿كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون (6)﴾([9]) ثم بينت الآية حيث قال تعالىٰ: ﴿وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين﴾([10]). فهٰذا وجه المجادلة: أنهم جادلوا في أمر قد تبين، العير لا سبيل إلى تحصيلها، لم يبق الآن إلا خيار واحد وهو المحاربة، فما فيه سبيل أنكم تجادلون وتناقشون بعدما تبين الحق، وهٰذا المعنى أصح من حمل الآية على المشركين؛ لأن الكلام كله فيما كان من أهل الإيمان في تلك الغزوة. نعم. (وقال تعالى: ﴿وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم﴾،([11]) فلامهم على عدم التزام الأكل مما ذكر اسم الله عليه، وذكر السبب لهذا اللوم؛ وهو أنه تعالىٰ فصل لعباده كل ما حرم عليهم، فما لم يذكر تحريمه فإنه حلال واضح ليس للتوقف عنه محل. ولما ذكر تعالى الآيات الدالة على وجوب الإيمان، وبخ ولام المتوقفين عنه بعد البيان، فقال: ﴿فما لهم لا يؤمنون (21) وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون﴾.([12]) ولما بين جلالة([13]) القرآن وأنه أعلى الكلام، وأصدقه وأنفعه([14])، قال تعالى: ﴿فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون﴾.([15]) ولما ذكر عظيم نعمه الظاهرة والباطنة، قال تعالىٰ: ﴿فبأي آلاء ربك تتمارى﴾،([16]) ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾،([17]) وقال تعالىٰ: ﴿فماذا بعد الحق إلا الضلال﴾.([18]) وكذلك في آيات كثيرة يأمره بمجادلة المكذبين ويجادلهم بالتي هي أحسن، حتى إذا وصل معهم إلى حالة وضوح الحق التام وإزالة الشبه كلها انتقل من مجادلتهم إلى الوعيد لهم بعقوبات الدنيا والآخرة، والآيات في هذا المعنى الجليل كثيرة جدا). ([1]) في نسخة: إلىٰ اعتراضاته. ([2]) سورة : البقرة (256). ([3]) في نسخة: وسعادة. ([4]) سورة : الكهف (26). ([5]) سورة : الأنفال (42). ([6]) سورة : آل عمران (159). ([7]) سورة : آل عمران (159). ([8]) سورة : الأنفال (6). ([9]) سورة : الأنفال (6). ([10]) سورة : الأنفال (7). ([11]) سورة : الأنعام (119). ([12]) سوة : الانشقاق ( 21-22). ([13]) في نسخة: جلال. ([14]) في نسخة: وأوضحه بيانا وأصدقه وأنفعه ثمرة. ([15]) سورة : الجاثية (6). ([16]) سورة : النجم (55). ([17]) سورة : الرحمٰن (13). ([18]) سورة : يونس (32).

المشاهدات:3222


 قال المؤلف رحمه الله :" القاعدة الثانية والخمسون: إذا وضح الحق وبان، لم يبق للمعارضة العلمية، ولا العملية محل.



وهذه قاعدة شرعية عقلية فطرية، قد وردت في القرآن وأرشد إليها في مواضع كثيرة.



وذلك أنه من المعلوم أن محل المعارضات وموضع الاستشكالات وموضع التوقفات ووقت المشاورات، إذا كان الشيء فيه اشتباه أو احتمالات، فترد عليه هذه الأمور).



يعني المعارضات والتوقفات والمشاورات إنما ترد على ما فيه اشتباه واحتمال، أما ما لا اشتباه فيه ولا احتمال فإنه لا يرد عليه  هذه  الواردات؛ لأن ما وضح وبان ليس محلاًّ للمشاورة، وليس محلاًّ للتوقف، وليس محلاًّ للإشكال، ولذلك كان من المثل المشهور المعروف: توضيح الواضحات يصيرها مشكلات. من المشكلات توضيح الواضحات.



إذا كان الشيء فيه اشتباه أو احتمالات، فترد عليه هذه الأمور؛ لأنها الطريق إلى البيان والتوضيح.



فأما إذا كان الشيء لا يحتمل إلا معنى واحداً واضحاً، وقد تعينت المصلحة، فالمجادلة والمعارضة من باب العبث، والمعارِضُ هنا لا يُلتفت لاعتراضاته([1])؛ لأنه يشبه المكابر المنكر للمحسوسات.



قال تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾،([2]) يعني: وإذا تبين هذا من هذا لم يبق للإكراه محل؛ لأن الإكراه إنما يكون على أمر فيه مصلحة خفية، فأما أمر قد اتضح أن مصالح([3]) الدارين مربوطة به ومتعلقة به،  فأي داع للإكراه فيه وأي  موجب له؟".



واضح التمثيل؟ قوله تعالىٰ: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ متى ارتفع الإكراه في الدين؟ لما تبين الرشد من الغي ارتفع الإكراه، فلا حاجة للإكراه، ما حاجة أنك تحمل أحداً على التزام الصراط المستقيم بعد وضوحه واستنارة سبيله، إنما يكون الإكراه فيما تخفى مصلحته من الأمور، أما ما ظهرت مصلحته وعُلمت عاقبته فإنه لا وجه للإكراه عليه.



(ونظير هذا قوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾([4]). أيْ هذا الحق الذي قامت البراهين الواضحة على حقِّيَّته، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.



كقوله: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾([5])).



و هذه  الآيات الثلاث المتقدمة: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، وقوله: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾، وقوله: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾. كل  هذه  تبين اتضاح الأمر وأنه لا إكراه فيه؛ ولكن أيضاً تتضمن التهديد لكل من خالف الحق، فهي لا تجعل المسألة على وجه الاختيار التام؛ بل هي مضمنة التهديد لكل من خالف هـٰذا، فإذا تبين الرشد من الغي فلا حاجة للإكراه؛ لكن يبقى أنه لو خالف الرشد فإنه قد خالف على بصيرة، وهـٰذا يوجب شدة العقوبة.



كذلك في قوله تعالىٰ: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ هـٰذا ليس تخييرا إنما المراد بالأمر هنا-أو وكله إلىٰ المشيئة- هوالتهديد؛ لأن الأمر قد اتضح وبان، فلا يحتمل الإكراه أو لا يحتمل أكثر مما جاءت به النصوص من توضيح الحق وإزهاق الباطل، كذلك: ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾.



المهم أنها مضمّنة مع ما ذكره المؤلف معنى التهديد لكل من خالف الحق.



(وقال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾،([6]) أيْ: في الأمور التي تحتاج إلى مشاورة، ويُطلب فيها وجه المصلحة، فأما أمر قد تعينت مصلحته، وظهر وجوبه فقال فيه: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾([7])).



الشيخ رحمه الله حمل الآية على معنيين، أو جعل الآية في أمرين: (وقال تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾) هـٰذا أمر لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمره الله جل وعلا أن يشاورهم في الأمر الذي يهمهم جميعاً ويحتاج فيه الرجوع إليهم مما يتعلق بهم، وهـٰذا فيما لم تتضح مصلحته اتضاحاً تامّاً، ولا يلزم عدم اتضاح المصلحة بالنسبة للمشاوِر؛ بل حتى بالنظر إلىٰ المشاوَرين، يعني إلى من أمر بمشاورته، فقد يشاورهم ليتضح الحق لهم ويتبين، وإن كان هو قد توجه إلىٰ أمر من الأمور، فإنه يدخل في قوله: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾، ثم إذا اتضح الأمر واستبان وجه المصلحة فيه فإنه لا وجه عند ذلك للمشاورة؛ لأن الأمر قد اتضح، وإنما المشاورات تكون في المشتبهات والمشكلات، وعند ذلك الواجب العمل والإقدام؛ ولذلك قال: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾. فقرن العزيمة التي تكون للإنسان بما عنده من قدرات بأمر يتعلق بالله عز وجل، وهو أن يسند قلبه إليه؛ لأنه لا يكفي العزم دون توكل؛ لأن العزم هو في مقدورك وما يكون من عملك، لكن ما يكون مما يتعلق بالله هو أن تسند الأمر إليه في تحقيق مطلوبك، وبهذا يحصل السبب ويحصل كمال التوكل على الله عز وجل: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾.



(وقد كشف الله هذا المعنى غاية الكشف، في قوله: ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ﴾،([8]) أيْ فكل من حاول في الحق بعد ما تبين علمه، أو طريق عمله، فإنه غالط شرعاً وعقلاً).



 هذه  الآية نزلت في سورة الأنفال، وقيل: إنها في المشركين الذين كذَّبوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كفار قريش، وإنهم كانوا يجادلونه في الحق وفي الدين والإسلام ووجوب إفراد العبادة لله بعدما تبين. وهـٰذا قول بعض المفسرين.



والقول الثاني: أنها في المؤمنين، ويدل لهذا القول أن السياق كله في الكلام عما كان من أهل الإيمان الذين مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تلك الغزوة، ووجه ذلك أن طائفة من المؤمنين لما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة يريد العير قال: ((إما أن تظفروا بالعير، وإما أن تظفروا بقريش التي تخرج لحماية العير)). فوعدهم الله سبحانه وتعالىٰ إحدى الطائفتين، وأخبرهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فلما فاتتهم العير وانحازت إلىٰ البحر، ما بقي الآن إلا قريش، عند ذلك جادل بعض الصحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: إن المراد بالآية العير، وأما هٰؤلاء فلا، ولم نخرج لقتالهم، فقال لهم الله جل علا معاتباً هٰؤلاء مخاطباً رسوله: ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ﴾ وهو أنه لا بد من مقاتلة هٰؤلاء ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ (6)﴾([9]) ثم بينت الآية حيث قال تعالىٰ: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ﴾([10]). فهـٰذا وجه المجادلة: أنهم جادلوا في أمر قد تبين، العير لا سبيل إلى تحصيلها، لم يبق الآن إلا خيار واحد وهو المحاربة، فما فيه سبيل أنكم تجادلون وتناقشون بعدما تبين الحق، وهـٰذا المعنى أصح من حمل الآية على المشركين؛ لأن الكلام كله فيما كان من أهل الإيمان في تلك الغزوة. نعم.



(وقال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾،([11]) فلامَهُم على عدم التزام الأكل مما ذكر اسم الله عليه، وذكر السبب لهذا اللوم؛ وهو أنه تعالىٰ فصّل لعباده كل ما حرم عليهم، فما لم يذكر تحريمه فإنه حلال واضح ليس للتوقف عنه محل.



ولما ذكر تعالى الآيات الدالة على وجوب الإيمان، وَبَّخَ ولام المتوقفين عنه بعد البيان، فقال: ﴿فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (21) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ﴾.([12])



ولما بيّن جلالة([13]) القرآن وأنه أعلى الكلام، وأصدقه وأنفعه([14])، قال تعالى: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾.([15])



ولما ذكر عظيم نعمه الظاهرة والباطنة، قال تعالىٰ: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى﴾،([16]) ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾،([17]) وقال تعالىٰ: ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ﴾.([18])



وكذلك في آيات كثيرة يأمره بمجادلة المكذبين ويجادلهم بالتي هي أحسن، حتى إذا وصل معهم إلى حالة وضوح الحق التام وإزالة الشبه كلها انتقل من مجادلتهم إلى الوعيد لهم بعقوبات الدنيا والآخرة، والآيات في هذا المعنى الجليل كثيرة جدّاً).









([1]) في نسخة: إلىٰ اعتراضاته.




([2]) سورة : البقرة (256).




([3]) في نسخة: وسعادة.




([4]) سورة : الكهف (26).




([5]) سورة : الأنفال (42).




([6]) سورة : آل عمران (159).




([7]) سورة : آل عمران (159).




([8]) سورة : الأنفال (6).




([9]) سورة : الأنفال (6).




([10]) سورة : الأنفال (7).




([11]) سورة : الأنعام (119).




([12]) سوة : الانشقاق ( 21-22).




([13]) في نسخة: جلال.




([14]) في نسخة: وأوضحه بياناً وأصدقه وأنفعه ثمرة.




([15]) سورة : الجاثية (6).




([16]) سورة : النجم (55).




([17]) سورة : الرحمـٰن (13).




([18]) سورة : يونس (32).

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80483 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74769 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61838 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53356 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50922 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50647 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46029 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45575 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف