العبرةُ في تعاقُبِ الليلِ والنهارِ
الخطبة الأولى :
الحمد لله منشئِ الأيامِ والشهور، ومفني الأعوامِ والدهورِ، المتفرِّدِ بتقديرِ الأقدارِ، وتصريفِ الأمورِ، يعلمُ خائنةَ الأعينِ، وما تخفي الصدورُ.
أحمدُه سبحانَه، فهو الغفورُ الشكورُ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
أما بعد.
فاتقوا اللهَ أيها الناسُ، وتوبوا إليه وأطيعوه، واحذروا أن تُقْدِموا عليه بقلوبٍ عاطلةٍ، وأعمالٍ باطلةٍ، وظهورٍ للأوزارِ حاملةٍ.
أيها المؤمنون عباد الله .
تصرَّمت الأعوامُ، عاماً بعدَ عامٍ، وتعاقبت الليالي والأيامُ: ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ سورة النور: (44).
عباد الله.
تبصَّرُوا واعتبروا، تأمَّلوا وتفكَّروا في أعمارِكم وأعمالِكم، وحوادثِ زمانِكم.
أما تشاهدون أيها الناسُ مواقعَ المنايا بينَكم، وحلولَ الآفاتِ والرزايا بكم أو بغيرِكم؟!
أما تنظرون كيف فاز المتقون، وخسر المبطلون؟!
إن في ذلك لعبرةً لأولي الأبصارِ.
أيها المؤمنون.
إن عامَكُم هذا قد آذنَ بصرمٍ وارتحالٍ، فيا ليتَ شعري !! على أيِّ شيءٍ تُطوى صحائفُ الأعمالِ؟
أَعَلى أعمالٍ صالحةٍ، وتوبةٍ صادقةٍ نصوحٍ، تُمحى بها الأوزارُ والآثامُ؟
أم على فسقٍ وعصيانٍ؟
فالتوبةَ التوبةَ أيها المؤمنون، فإنما الأعمالُ بالخواتيمِ، فاتقوا اللهَ عبادَ الله،ِ واستدركوا ما بقي لكم من أيامِ العمرِ بالأعمالِ الصالحاتِ، التي تؤنسُكم في قبورِكم، وتَبْيَضُ بها يومَ القيامةِ وجوهُكم.
أيها المؤمنون .
إنكم تغدُون وتروحون إلى أجلٍ قريبٍ، قد غُيِّب عنْكم علمُه، فإن استطعتم ألا يُمضيَ هذا الأجلُ، إلا وأنتم في برٍّ وإحسانٍ، وطاعةٍ وإيمانٍ، فافعلوا ذلك لعلكم تفلحون.
أيها المؤمنون.
إنَّ في تَعاقُبِ الليلِ والنهارِ واختلافِهِما عبرةً وآيةً، لمنْ أرادَ أن يذَّكَّر، أو أرادَ شكوراً، فتدبَّرُوا وانظروا، فأنت يا عبدَ اللهِ بين عُمُرٍ قد مضى، لا تدري ما اللهٌ صانعٌ فِيه، وبين عُمُرٍ قد بقِي، ما تدري ماذا قُضِيَ عليك فيه؟
فالجأ إلى ربِّك ومولاك، واسألْه أن يغفرَ لك، ويعفوَ عنك، وأن يجعلَ ما أقبلْتَ عليه من عُمُرِك خيراً مما أدبرت عنه.
فاستبقوا الخيراتِ أيها المؤمنون ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ سورة آل عمران (133).
وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم : «اغتنم خمساً قبل خمس: شبابَك قبل هرمِك، وصحتَك قبل سقمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شغلِك، وحياتَك قبل موتِك» تقدم تخريجه .