×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / التفسير وعلومه / القواعد الحسان / الدرس(54) من شرح القواعد الحسان

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(54) من شرح القواعد الحسان
00:00:01

قال المؤلف رحمه الله:"القاعدة الرابعة والخمسون: كثيرا ما ينفي الله الشيء لانتفاء([1]) فائدته وثمرته المقصودة منه، وإن كانت صورته موجودة".  هذه  القاعدة قاعدة مفيدة ومهمة في القرآن وفي غيره من النصوص، كأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله سبحانه وتعالى ينفي الشيء، ونفي الشيء: تارة يرد لنفي وجوده وحقيقته. وتارة يرد لنفي مقصوده ومنفعته. وتارة يرد لنفي كماله وبيان نقصه. وتارة يرد ويراد به أن ذلك ليس مقصودا، ولا ينفع صاحبه، وليس هو من غرض الشارع.  هذه  أربعة أسباب يرد لأجلها النفي. وقد يرد النفي لغير  هذه  الأمور، والذي يحدد المقصود من النفي هو السياق، فالقرائن اللفظية والقرائن الحالية هي التي تدل أي المرادات وأي المقاصد هو المراد بالنفي. إذا النفي يرد ويراد به نفي الوجود والحقيقة، ونفي المقصود والمنفعة، ونفي الكمال الذي هو دال على النقص في العمل، ويرد ويراد به عدم الانتفاع وأنه ليس مقصودا للشارع. طيب نأخذ أمثلة على  هذه  الأمور: النفي لنفي الحقيقة والوجود: مثل كلمة (لا إلٰه إلا الله)، فإنها نفي لحقيقة وجود إلٰه مستحق للعبادة غير الله سبحانه وتعالى. النفي لأجل انتفاء المقصود وعدم حصول المنفعة في ذلك: مثل نفي السمع والبصر والعقل عن الكفار، كما سيأتي في كلام المؤلف رحمه الله في  هذه  القاعدة، منه أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة بغير طهور))،([2]) فالنفي هنا لنفي المنفعة وإن كانت الصورة موجودة.  يرد النفي ويراد به نفي الكمال وثبوت النقص للفعل وإن كان موجودا: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)).([3]) يرد أيضا ويراد به نفي المنفعة، وأنه ليس مقصودا للشارع، مثل: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة)).([4]) أيضا: ((ليس الشديد بالصرعة))،([5]) أيضا قول الله تعالىٰ: ﴿ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله﴾([6]) الآية، فهنا بين أنه ليس المقصود استقبال الجهات، أيضا منه قول الله تعالىٰ: ﴿لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم﴾([7]) هٰذا النفي لبيان أنه ليس المقصود وليس الغرض من الفعل ما نفي.  هذه  قاعدة مهمة مفيدة لطالب العلم في القرآن، وفي الحديث، وفي الفقه؛ ليستفيد منها في علوم كثيرة. نقرأ ما ذكره المؤلف رحمه الله، الآن يبحث عن النوع الثاني أو يتكلم عن النوع الثاني مما ذكرنا، وهو أنه كثيرا ما ينفي الله الشيء لانتفاء فائدته وثمرته المقصودة منه، وإن كانت صورته موجودة. (وذلك أن الله خلق الإنسان وركب فيه القوى، من السمع والبصر والفؤاد وغيرها؛ ليعرف بها ربه ويقوم بحقه، فهذا المقصود منها، وبوجود ما خلقت له تكمل ويكمل صاحبها. وبفقد ذلك يكون وجودها أضر على الإنسان من فقدها([8])، فإنها حجة الله على عباده، ونعمته التي توجد بها مصالح الدين والدنيا، فإما أن تكون نعمة تامة إذا اقترن بها مقصودها، أو تكون محنة وحجة على صاحبها إذا استعملها في غير ما خلقت له. ولهذا كثيرا ما ينفي الله تعالى هذه الأمور الثلاثة عن أصناف الكفار([9]) والمنافقين، كقوله: ﴿صم بكم عمي فهم لا يعقلون﴾،([10]) ﴿وأكثرهم لا يعقلون﴾، ﴿وأكثرهم لا يعلمون﴾. وقال تعالىٰ: ﴿ لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها﴾،([11]) فأخبر أن صورها موجودة ولكن([12]) فوائدها مفقودة، وقال تعالىٰ: ﴿فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾.([13]) وقال تعالىٰ: ﴿إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين﴾.([14]) والآيات في هٰذا المعنى كثيرة جدا. وقال تعالىٰ: ﴿إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا (150) أولئك هم الكافرون حقا﴾،([15]) فأثبت لهم الكفر من كل وجه؛ فلم يكن دعواهم الإيمان ببعض ما يقولون: آمنا به من الكتب والرسل بموجب لهم الدخول في([16]) الإيمان؛ لأن إيمانهم به مفقودة فائدته([17])، حيث كذبوهم في([18]) رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وغيره من الرسل الذين لم يؤمنوا بهم([19])، وحيث أنكروا من براهين الإيمان ما هو أعظم من الطريق الذي أثبتوا به رسالة من ادعوا الإيمان به). النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الرسل آيات، فآياته أعظم الآيات، فما جاء رسول بآية إلا وقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم بنظيرها ومثيلها وما هو أعظم منها، وأعظم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقدم القرآن العظيم. فمن كذب رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كذب رسالة رسوله الذي يؤمن به؛ لأن رسوله الذي يؤمن به بشر برسوله صلى الله عليه وسلم وأخبر به، هٰذا من وجه. ومن وجه آخر: أن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات أعظم في الدلالة على نبوته من آيات ذلك الرسول الذي صدق به، فتكذيبه لهذه الآيات البينات الواضحات الظاهرات الساطعات التي لا تقبل النقاش يدل على أنه لم يؤمن برسوله؛ لأن آيات الرسول الذي يؤمن به دون آيات خاتمهم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. ولذلك كل من كذب برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فإنه مكذب بكل رسول، وهٰذا هو الذي أشار إليه قوله تعالىٰ: ﴿إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض﴾ أي ببعض الرسل ﴿ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا﴾ أي طريقالم يشرعه الله ﴿أولئك هم الكافرون حقا﴾،([20]) سبحان الله، فأثبت الكفر بجميع معانيه لهؤلاء، ولذلك قال الشيخ رحمه الله: (فأثبت لهم الكفر من كل وجه). كان يكفي أن يقول: ﴿أولئك هم الكافرون﴾؛ لكن قال: ﴿حقا﴾ أي ثابتا صحيحا واضحا ظاهرا؛ لأن الحق هو الثابت الذي لا يقبل المعارضة. نعم. (وكذلك قوله تعالى: ﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين﴾([21])،([22]) لما كان الإيمان النافع هو الذي يتفق عليه القلب واللسان وهو المثمر لكل خير، وكان المنافقون يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، نفى عنهم الإيمان؛ لانتفاء فائدته وثمرته. ويشبه هذا:ترتيب الباري كثيرا من الواجبات والفروض على الإيمان، كقوله: ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾،([23]) ﴿وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾([24]) ). هناك فرق بين الآيتين: ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾، ﴿وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾؟ لا فرق بينهما في أن من لوازم الإيمان التوكل على الله عز وجل؛ لكن الأولى جاءت بذكر الوصف في الحكم مما يدل على أن ذلك الوصف مؤثر في ثبوت الحكم، فمن لم يثبت توكله فإنه لا إيمان له، ولذلك قال: ﴿وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾،([25]) فدل ذلك على أن الإيمان يزداد ويثبت للشخص بحصول التوكل منه، وأما الثاني -الآية الثانية- فقال: ﴿وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾،([26]) فقوله: ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ جملة شرطية، وجواب الشرط فيها فهم مما تقدمها وهو قوله: ﴿وعلى الله فتوكلوا﴾ وإنما قدم ذلك لبيان انفراده سبحانه وتعالى بالتوكل، وتقدير الشرط ﴿إن كنتم مؤمنين﴾ فتوكلوا عليه أو فعليه فتوكلوا. (وقال تعالىٰ: ﴿واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه﴾ إلى قوله: ﴿إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان﴾، ([27]) وقوله: ﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون (2) الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (3) أولئك هم المؤمنون حقا﴾،([28]) وذلك أن الإيمان ([29])الواجب يقتضي (صدق العقيدة) وأداء الفرائض والواجبات، ويقتضي اجتناب الشرك والمحرمات، فما لم يحصل ذلك فهو إلىٰ الآن([30]) لم يتم ولم يتحقق، فإذا وجدت  هذه  الأمور تحقق؛ ولهذا قال: ﴿أولئك هم المؤمنون حقا﴾. وكذلك لما كان العلم الشرعي يقتضي العمل به، والانقياد لكتب الله ورسله، قال تعالىٰ عن أهل الكتاب المنحرفين: ﴿ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون﴾.([31]) ونظير ذلك: قول موسى عليه السلام،  لما قال له بنو إسرائيل: ﴿أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين﴾.([32])   فكما أن فقد العلم جهل ففقد العمل به جهل قبيح([33])). ولذلك يجب على المؤمن أن يتحرى تحقيق المقصود من أمر الله ورسوله، وأن لا يشتغل بصورة العمل عن لبه وحقيقته، ولذلك أثنى أهل العلم قديما وحديثا على من اعتنى بالمقاصد، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: العلم الحقيقي هو إدراك مقاصد كلام الله وكلام رسوله. فإن من الناس من لا يتنبه لذلك لا في الأقوال ولا في الأعمال، ويغفل عنها غفلة عظيمة، ويهتم فقط بالرسوم والصور، لا شك أن الرسوم والصور لها أثر؛ لكن أهم من هٰذا وأولى بالاعتناء تصحيح الباطن والمقصد.   ([1]) في نسخة: لعدم. ([2]) سنن أبي داوود: كتاب الطهارة، باب فرض الوضوء، حديث رقم (59). قال الشيخ الألباني: صحيح. ([3]) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم (560). ([4]) البخاري: كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، حديث رقم (1903). ([5]) البخاري: كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، حديث رقم (6114).     مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب، حديث رقم (2609). ([6]) سورة : البقرة (177). ([7]) سورة : الحج (37). ([8]) في نسخة: عدمها. ([9]) في نسخة: الكافرين. ([10]) سورة : البقرة (171). ([11]) سورة : الأعراف (179). ([12]) في نسخة: وأن. ([13]) سورة : الحج (46). ([14]) سورة : النمل (80). ([15]) سورة : النساء (150-151). ([16]) في نسخة: حقيقة. ([17]) في نسخة: ثمرة إيمانهم مفقودة. ([18]) في نسخة: صحة. ([19]) في نسخة: ممن كفروا به. ([20]) سورة : النساء (150-151). ([21]) سورة : البقرة (8). ([22]) في نسخة: لما كان الإيمان النافع هو الذي يغرس في قلب سليم من الجهل والشكوك والشبهات والتقاليد ويسقى بعصارة تدبر آيات الله الكونية والقرآنية فيثمر في القلب والجوارح أطيب الثمرات من العبادة والطاعة. ([23]) سورة : آل عمران (122). ([24]) سورة : المائدة (23). ([25]) سورة : آل عمران (122). ([26]) سورة : المائدة (23). ([27]) سورة : الأنفال (41). ([28]) سورة : الأنفال (2-4). ([29]) في نسخة: الصادق. ([30]) في نسخة: بعد. ([31]) سورة : البقرة (101). ([32]) سورة : البقرة (67). ([33]) في نسخة: بها المكبلين بسلاسل وأغلال التقليد الأعمى للآباء والسادة والرؤساء، المنسلخين من آيات الله، وإن تسموا بأسماء إسلامية ولبسوا ثيابا وألقابا علمية، فهم المعنيون في كلام الله بوصف الكفار والمنافقين. كقوله: ﴿وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون (170) ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون (171)﴾[البقرة:170-171]. وقال في سورة الأعراف: ﴿وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم﴾[الأعراف:172]. وهذه آيات ربوبيته واضحة ناطقة فيكم، وفي تكوينكم في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم،  وإخراجكم منها بشرا سويا،  وتسخير ما في السماوات والأرض جميعا لكم،  ثم ساقت الآيات في عاقبة غفلة الإنسان عن تلك الآيات. وبين سبب هذه الغفلة بقوله:﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها﴾[الأعراف:175] أي ألقاها وخلعها كارها لها:﴿ولو شئنا لرفعناه بها ﴾[الأعراف:176]، فما أعطيناها له إلا ليتفكر بها في خلق الله وحكمته فيرتفع على درجات الكمال، ولكنه أخلد إلى الأرض البهيمية ورضي بالتقليد الأعمى الذي هو من خصائص الأنعام، ثم ختمها بسوء عاقبة هذا المنسلخ المقلد بقوله: ﴿لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون﴾[الأعراف:179]. فأخبر أن صور الحواس الحيوانية موجودة ولكن فوائدها الإنسانية مفقودة؛ ولذلك قال:﴿لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾[الحج:46]. وقال: ﴿إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين (80) وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (81)﴾[النمل:80-81]. والآيات في هذا المعنى كثيرة جدا.  

المشاهدات:6575


قال المؤلف رحمه الله:"القاعدة الرابعة والخمسون: كثيراً ما ينفي الله الشيء لانتفاء([1]) فائدته وثمرته المقصودة منه، وإن كانت صورته موجودة".



 هذه  القاعدة قاعدة مفيدة ومهمة في القرآن وفي غيره من النصوص، كأحاديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ينفي الشيء، ونفي الشيء:



تارة يرد لنفي وجوده وحقيقته.



وتارة يرد لنفي مقصوده ومنفعته.



وتارة يرد لنفي كماله وبيان نقصه.



وتارة يرد ويراد به أن ذلك ليس مقصوداً، ولا ينفع صاحبه، وليس هو من غرض الشارع.



 هذه  أربعة أسباب يرد لأجلها النفي.



وقد يرد النفي لغير  هذه  الأمور، والذي يحدد المقصود من النفي هو السياق، فالقرائن اللفظية والقرائن الحالية هي التي تدل أي المرادات وأي المقاصد هو المراد بالنفي.



إذاً النفي يرد ويراد به نفي الوجود والحقيقة، ونفي المقصود والمنفعة، ونفي الكمال الذي هو دال على النقص في العمل، ويرد ويراد به عدم الانتفاع وأنه ليس مقصوداً للشارع.



طيب نأخذ أمثلة على  هذه  الأمور:



النفي لنفي الحقيقة والوجود: مثل كلمة (لا إلـٰه إلا الله)، فإنها نفي لحقيقة وجود إلـٰه مستحق للعبادة غير الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.



النفي لأجل انتفاء المقصود وعدم حصول المنفعة في ذلك: مثل نفي السمع والبصر والعقل عن الكفار، كما سيأتي في كلام المؤلف رحمه الله في  هذه  القاعدة، منه أيضاً قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا صلاة بغير طهور))،([2]) فالنفي هنا لنفي المنفعة وإن كانت الصورة موجودة.



 يرد النفي ويراد به نفي الكمال وثبوت النقص للفعل وإن كان موجوداً: ((لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان)).([3])



يرد أيضاً ويراد به نفي المنفعة، وأنه ليس مقصوداً للشارع، مثل: ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة)).([4]) أيضاً: ((ليس الشّديد بالصُّرعة))،([5]) أيضاً قول الله تعالىٰ: ﴿لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ﴾([6]) الآية، فهنا بين أنه ليس المقصود استقبال الجهات، أيضاً منه قول الله تعالىٰ: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾([7]) هـٰذا النفي لبيان أنه ليس المقصود وليس الغرض من الفعل ما نُفِي.



 هذه  قاعدة مهمة مفيدة لطالب العلم في القرآن، وفي الحديث، وفي الفقه؛ ليستفيد منها في علوم كثيرة.



نقرأ ما ذكره المؤلف رحمه الله، الآن يبحث عن النوع الثاني أو يتكلم عن النوع الثاني مما ذكرنا، وهو أنه كثيراً ما ينفي الله الشيء لانتفاء فائدته وثمرته المقصودة منه، وإن كانت صورته موجودة.



(وذلك أن الله خلق الإنسان وركب فيه القوى، من السمع والبصر والفؤاد وغيرها؛ ليعرف بها ربه ويقوم بحقه، فهذا المقصود منها، وبوجود ما خلقت له تكمل ويكمل صاحبها.



وبفقد ذلك يكون وجودها أضر على الإنسان من فقدها([8])، فإنها حجة الله على عباده، ونعمته التي توجد بها مصالح الدين والدنيا، فإما أن تكون نعمة تامة إذا اقترن بها مقصودها، أو تكون محنة وحجة على صاحبها إذا استعملها في غير ما خلقت له. ولهذا كثيراً ما ينفي الله تعالى هذه الأمور الثلاثة عن أصناف الكفار([9]) والمنافقين، كقوله: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾،([10]) ﴿وأكثرهم لا يعقلون﴾، ﴿وأكثرهم لا يعلمون﴾. وقال تعالىٰ: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾،([11]) فأخبر أن صورها موجودة ولكن([12]) فوائدها مفقودة، وقال تعالىٰ: ﴿فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.([13]) وقال تعالىٰ: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾.([14]) والآيات في هـٰذا المعنى كثيرة جدّاً. وقال تعالىٰ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُولَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾،([15]) فأثبت لهم الكفر من كل وجه؛ فلم يكن دعواهم الإيمانَ ببعض ما يقولون: آمنا به من الكتب والرسل بموجب لهم الدخول في([16]) الإيمان؛ لأن إيمانهم به مفقودة فائدته([17])، حيث كذبوهم في([18]) رسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغيره من الرسل الذين لم يؤمنوا بهم([19])، وحيث أنكروا من براهين الإيمان ما هو أعظم من الطريق الذي أثبتوا به رسالة من ادعوا الإيمان به).



النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم الرسل آيات، فآياته أعظم الآيات، فما جاء رسول بآية إلا وقد جاء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنظيرها ومثيلها وما هو أعظم منها، وأعظم ما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما تقدم القرآن العظيم.



فمن كذب رسالة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كذب رسالة رسوله الذي يؤمن به؛ لأن رسوله الذي يؤمن به بشّر برسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبر به، هـٰذا من وجه.



ومن وجه آخر: أن الذي جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الآيات أعظم في الدلالة على نبوته من آيات ذلك الرسول الذي صدق به، فتكذيبه لهذه الآيات البينات الواضحات الظاهرات الساطعات التي لا تقبل النقاش يدل على أنه لم يؤمن برسوله؛ لأن آيات الرسول الذي يؤمن به دون آيات خاتمهم محمد بن عبد الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.



ولذلك كل من كذب برسالة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنه مكذب بكل رسول، وهـٰذا هو الذي أشار إليه قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ﴾ أي ببعض الرسل ﴿وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً﴾ أي طريقاًلم يشرعه الله ﴿أُولَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾،([20]) سبحان الله، فأثبت الكفر بجميع معانيه لهؤلاء، ولذلك قال الشيخ رحمه الله: (فأثبت لهم الكفر من كل وجه).



كان يكفي أن يقول: ﴿أُولَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾؛ لكن قال: ﴿حَقًّا﴾ أي ثابتاً صحيحاً واضحاً ظاهراً؛ لأن الحق هو الثابت الذي لا يقبل المعارضة. نعم.



(وكذلك قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾([21])،([22]) لما كان الإيمان النافع هو الذي يتفق عليه القلب واللسان وهو المثمر لكل خير، وكان المنافقون يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، نفى عنهم الإيمان؛ لانتفاء فائدته وثمرته.



ويشبه هذا:ترتيبَ الباري كثيراً من الواجبات والفروض على الإيمان، كقوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾،([23]) ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾([24]) ).



هناك فرق بين الآيتين: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾، ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؟ لا فرق بينهما في أن من لوازم الإيمان التوكل على الله عز وجل؛ لكن الأولى جاءت بذكر الوصف في الحكم مما يدل على أن ذلك الوصف مؤثر في ثبوت الحكم، فمن لم يثبت توكله فإنه لا إيمان له، ولذلك قال: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾،([25]) فدل ذلك على أن الإيمان يزداد ويثبت للشخص بحصول التوكل منه، وأما الثاني -الآية الثانية- فقال: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾،([26]) فقوله: ﴿إِن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ جملة شرطية، وجواب الشرط فيها فهم مما تقدمها وهو قوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا﴾ وإنما قدم ذلك لبيان انفراده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالتوكل، وتقدير الشرط ﴿إِن كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ فتوكلوا عليه أو فعليه فتوكلوا.



(وقال تعالىٰ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ إلى قوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾، ([27]) وقوله: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾،([28]) وذلك أن الإيمان ([29])الواجب يقتضي (صدق العقيدة) وأداء الفرائض والواجبات، ويقتضي اجتناب الشرك والمحرمات، فما لم يحصل ذلك فهو إلىٰ الآن([30]) لم يتم ولم يتحقق، فإذا وجدت  هذه  الأمور تحقق؛ ولهذا قال: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً﴾.



وكذلك لما كان العلم الشرعي يقتضي العمل به، والانقياد لكتب الله ورسله، قال تعالىٰ عن أهل الكتاب المنحرفين: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾.([31])



ونظير ذلك: قول موسى عليه السلام،  لما قال له بنو إسرائيل: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.([32])



  فكما أنّ فقد العلم جهل ففقد العمل به جهل قبيح([33])).



ولذلك يجب على المؤمن أن يتحرّى تحقيق المقصود من أمر الله ورسوله، وأن لا يشتغل بصورة العمل عن لبه وحقيقته، ولذلك أثنى أهل العلم قديماً وحديثاً على من اعتنى بالمقاصد، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: العلم الحقيقي هو إدراك مقاصد كلام الله وكلام رسوله. فإن من الناس من لا يتنبه لذلك لا في الأقوال ولا في الأعمال، ويغفل عنها غفلة عظيمة، ويهتم فقط بالرسوم والصور، لا شك أن الرسوم والصور لها أثر؛ لكن أهم من هـٰذا وأولى بالاعتناء تصحيح الباطن والمقصد.




 






([1]) في نسخة: لعدم.




([2]) سنن أبي داوود: كتاب الطهارة، باب فرض الوضوء، حديث رقم (59). قال الشيخ الألباني: صحيح.




([3]) مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، حديث رقم (560).




([4]) البخاري: كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، حديث رقم (1903).




([5]) البخاري: كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب، حديث رقم (6114).



    مسلم: كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شيء يذهب الغضب، حديث رقم (2609).




([6]) سورة : البقرة (177).




([7]) سورة : الحج (37).




([8]) في نسخة: عدمها.




([9]) في نسخة: الكافرين.




([10]) سورة : البقرة (171).




([11]) سورة : الأعراف (179).




([12]) في نسخة: وأن.




([13]) سورة : الحج (46).




([14]) سورة : النمل (80).




([15]) سورة : النساء (150-151).




([16]) في نسخة: حقيقة.




([17]) في نسخة: ثمرة إيمانهم مفقودة.




([18]) في نسخة: صحة.




([19]) في نسخة: ممن كفروا به.




([20]) سورة : النساء (150-151).




([21]) سورة : البقرة (8).




([22]) في نسخة: لما كان الإيمان النافع هو الذي يُغرس في قلب سليم من الجهل والشكوك والشبهات والتقاليد ويُسقى بعصارة تدبر آيات الله الكونية والقرآنية فيثمر في القلب والجوارح أطيب الثمرات من العبادة والطاعة.




([23]) سورة : آل عمران (122).




([24]) سورة : المائدة (23).




([25]) سورة : آل عمران (122).




([26]) سورة : المائدة (23).




([27]) سورة : الأنفال (41).




([28]) سورة : الأنفال (2-4).




([29]) في نسخة: الصادق.




([30]) في نسخة: بعد.




([31]) سورة : البقرة (101).




([32]) سورة : البقرة (67).




([33]) في نسخة: بها المكبلين بسلاسل وأغلال التقليد الأعمى للآباء والسادة والرؤساء، المنسلخين من آيات الله، وإن تسموا بأسماء إسلامية ولبسوا ثياباً وألقاباً علمية، فهم المعنيون في كلام الله بوصف الكفار والمنافقين.



كقوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ (170) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (171)﴾[البقرة:170-171]. وقال في سورة الأعراف: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾[الأعراف:172].



وهذه آيات ربوبيته واضحة ناطقة فيكم، وفي تكوينكم في أصلاب آبائكم وأرحام أمهاتكم،  وإخراجكم منها بشراً سويّاً،  وتسخير ما في السماوات والأرض جميعاً لكم،  ثم ساقت الآيات في عاقبة غفلة الإنسان عن تلك الآيات.



وبين سبب هذه الغفلة بقوله:﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا﴾[الأعراف:175] أيْ ألقاها وخلعها كارهاً لها:﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ﴾[الأعراف:176]، فما أعطيناها له إلا ليتفكر بها في خلق الله وحكمته فيرتفع على درجات الكمال، ولكنه أخلد إلى الأرض البهيمية ورضي بالتقليد الأعمى الذي هو من خصائص الأنعام، ثم ختمها بسوء عاقبة هذا المنسلخ المقلد بقوله: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾[الأعراف:179].



فأخبر أن صور الحواس الحيوانية موجودة ولكن فوائدها الإنسانية مفقودة؛ ولذلك قال:﴿لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾[الحج:46].



وقال: ﴿إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ (81)﴾[النمل:80-81].



والآيات في هذا المعنى كثيرة جدّاً.



 

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86258 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80696 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74966 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات62206 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56499 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53477 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات51186 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50934 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46184 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45730 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف