قال المؤلف رحمه الله :"القاعدة الحادية والستون: معرفة الأوقات وضبطها حثّ الله عليه، حيث يترتب عليه حكم عام أو حكم خاص، وذلك أن الله رتب كثيراً من الأحكام العامة والخاصة على مُدد وأزمنة تتوقف الأحكام عملاً وتنفيذاً على ضبط تلك المدة وإحصائها([1]).، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِوَالْحَجِّ ﴾([2]).
وقوله: ﴿مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾، يدخل فيه مواقيت الصلوات والصيام والزكاة،([3]) وخص بالذكر الحج لكثرة ما يترتب عليه من الأوقات العامة والخاصة. وكذلك مواقيت للعِدد والديون والإجارات وغيرها.
وقال تعالىٰ لما ذكر العدة: ﴿وَأَحْصُوا العِدَّةَ﴾،([4]) وقوله في الصيام: ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾([5])،([6]) وقال تعالىٰ: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً﴾،([7]) وقال تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً﴾.([8]) وذلك لمعرفة كمال قدرة الله في إفاقتهم، فلو استمروا على نومهم لم يحصل الاطلاع على شيء من ذلك من قصتهم، فمتى ترتب على ضبط الحساب وإحصاء المدة مصلحة في الدين أو في الدنيا، كان مما حث وأرشد إليه القرآن. ويقارب هـٰذا([9]) قوله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍوَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾،([10]) إلىٰ آخر الآيات، وقوله: ﴿وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَوَالْحِسَابَ﴾([11]) ونحوها من الآيات".
هذه القاعدة فيها فائدة في الحقيقة وليست قاعدة، إنما هي فائدة من الفوائد المستنبطة من آيات الكتاب، وهي العناية بالأوقات وضبطها فيما يترتب عليه حكم عام كالصيام والحج والأشهر الحرم، وما أشبه ذلك من المسائل العامة.
أو يترتب عليه حكم خاص كالعدد والصلوات، وإن كانت الصلاة من الأمور العامة.
ثم ذكر الشيخ رحمه الله في نهاية المطاف في هذه الفائدة قاعدة قال: (فمتى ترتب على ضبط الحساب وإحصاء المدة مصلحة في الدين أو في الدنيا كان مما حث وأرشد عليه القرآن). وأما من حيث القواعد فما لا تتم المصلحة إلا به فهو مندوب ومشروع: إما مشروعية استحباب أو مشروعية وجوب، يختلف باختلاف الأمر، والزمن لا شك أن الله جل وعلا لفت الأنظار إليه في آيات عديدة، ومن ذلك إقساماته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالزمان أو بأجزاء من الزمان.
فمن إقسامه بالزمن قوله تعالىٰ: ﴿وَالْعَصْرِ﴾([12])، ومن إقسامه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بأجزاء من الزمن قوله تعالىٰ: ﴿وَالضُّحَى (1)﴾،([13]) ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)﴾([14]). كل هـٰذا لفت للأنظار إلى الاهتمام والاعتناء بهذه الآيات العظيمة، والحرص على المحافظة على هذه الليالي والأيام التي هي مزرعة الإنسان.
والأمر بالحساب أو الحث عليه لا يعارض قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وأشار بيديه ثلاثين وفي المرة الثانية أشار تسعاً وعشرين))([15]). فلا يعارض هـٰذا؛ لأن قوله: ((إنا أمة أمية)) أي لا نتكلف الحساب، بل الهلال الذي ترتبط به أحكام الصيام وغيرها من الأحكام الشرعية إنما يثبت بالرؤية لا بحساب الحاسبين؛ لأن الحساب يدخل عليه الغلط بخلاف الرؤية.
ومن العلماء من يقول: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب))، هـٰذا باعتبار ما كان، لكن رفع الله عن هذه الأمة الأمية، فكانت من أعلم الأمم. نعم.