×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

/ / الدرس(5) من شرح المنظومة الفقهية للسعدي

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(5) من شرح المنظومة الفقهية للسعدي
00:00:01

بسم الله الرحمٰن الرحيم ومتلف مؤذيه ليس يضمن*** بعد الدفاع بالتي هي أحسن و(أل) تفيد الكل في العموم*** في الجمع والإفراد كالعليم والنكرات في سياق النفي*** تعطي العموم أو سياق النهي كذاك (من) و(ما) تفيدان معا*** كل العموم يا أخي فاسمعا ومثله المفرد إذ يضاف*** فافهم هديت الرشد ما يضاف ولا يتم الحكم حتى تجتمع*** كل الشروط والموانع ترتفع ومن أتى بما عليه من عمل*** قد استحق ما له على العمل وكل حكم دائر مع علته*** وهي التي قد أوجبت لشرعته وكل شرط لازم للعاقد*** في البيع والنكاح والمقاصد إلا شروطا حللت محرما*** أو عكسه فباطلات فاعلما بسم الله الرحمٰن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته بإحسان إلىٰ يوم الدين. أما بعد: فآخر ما قرأنا قول الناظم رحمه الله: وإن أتى التحريم في نفس العمل*** أو شرطه فذو فساد وخلل ثم قال رحمه الله: ومتلف مؤذيه ليس يضمن*** بعد الدفاع بالتي هي أحسن هذا من القواعد في الإتلافات. الإتلاف: هو نوع إعدام. يقول المؤلف رحمه الله: (ومتلف مؤذيه) أي من أتلف شيئا آذاه (ليس يضمن) يعني لا ضمان عليه، وما الذي أسقط الضمان؟ الاعتداء من المؤذي، فمتلف المؤذي لا ضمان عليه، خلافا للأصل في أن من أتلف شيئا فإنه يضمنه . المسقط لهذا الأصل هو أن من آذى واعتدى فقد سقط حقه باعتدائه وأذاه؛ لكن متى يكون هذا؟ يكون إذا دفع المعتدى عليه المعتدي بالتي هي أحسن. فلا يبدأ بالأشد قبل الأخف؛ فإن كان يمكن دفعه بالأخف ودفعه بالأشد فإنه ضامن. مثال ذلك: شخص اعتدى عليه صيد وهو محرم، فدفعه بالقتل، هل يضمن هذا الصيد بالجزاء كسائر الصيود في الحرم؟ الجواب: لا يضمن. لماذا لا يضمن؟ لاعتداء هٰذا الصيد. ثم ننظر في هذا الاعتداء، هل يمكن دفعه بما دون القتل؟ فإن كان يمكن دفعه بما دون القتل فيكون المتلف ضامنا. وإن كان لا يمكن دفعه بما دون القتل، فهنا يسقط الضمان. وهذا في كل متلف وفي كل مؤذ، يعني سواء أكان المؤذي آدميا أو حيوانا، فكل مؤذ يدفع بالتي هي أحسن؛ يدفع بالأخف فالأخف، فإن لم يمكن اندفاعه إلا بالأشد فإنه ينتقل إليه ولا ضمان عليه. ولذلك فلو أن شخصا صال عليك -اعتدى عليك- ودفعته بالقتل، هل تكون ضامنا؟ ما الجواب: لا بد من التفصيل، ننظر: هل هذا الاعتداء يمكن دفعه بما دون القتل، فإن كان يمكن دفعه بما دون القتل: كأن تهدده بالقتل، أو تضربه ضربة تمنع اعتداءه ولا تلحق به القتل، ففي هذه الحال يكون القاتل الذي اعتدي عليه ظالما ومعتديا فيضمن؛ لأنه يمكن اندفاع هٰذه الصيالة وهٰذا الاعتداء بما دون القتل، فتنبه لهذا؛ أنه لا بد مما ذكر المؤلف رحمه الله في إسقاط الضمان وهو أن يكون المعتدى عليه قد تدرج في الدفع. لكن في الحقيقة عند تطبيق هذه القاعدة يحصل نوع عسر في هل يمكن دفعه أو لا. لكن نحن نتكلم فيما يتعلق بما بين الإنسان وربه، أما ما يتعلق بالحكم في المحكمة أو عند القاضي فهذا أمر يرجع إلى نظر القاضي. لكن الإنسان فيما بينه وبين الله عز وجل هل يكون آثما أو لا. شخص اعتدى عليك، وجدته في بيتك ليلا، لا يوجد موجب لمجيئه، فلم يبق إلا أن يكون سارقا أو صاحب فساد. فشخص لما رأى هذا الذي في بيته ليلا أو نهارا، في وقت لا يأتي في مثله بادره بالقتل. هل يكون معتديا؟ ننظر: هل يمكن دفعه بما دون القتل؟ قد يقول قائل: نعم يمكن دفعه؛ لكن إذا كان هذا الرجل مسلحا وشديد البأس، وتعلم أنك مهما فعلت لم تتمكن من دفع شره فبادرته بالقتل، هل يكون هذا مسقطا للضمان؟ الجواب: نعم، هذا فيما بينك وبين الله عز وجل يكون مسقطا للضمان. أما في مجلس الحكم وعند القضاء فهناك نظر آخر؛ لأنه لو كان كل من ادعى هذا الأمر وأنه لا يمكن دفعه إلا بالقتل لتهوك الناس بالدماء وولغوا في هٰذا الأمر. المهم نحن علينا بالقاعدة من حيث هي، أما من حيث التطبيق فقد يقترن بالقاعدة أو بالقضية ما يجعل القاعدة غير منطبقة. نرجع ونقول: إن الضمان يسقط إذا كان الإنسان قد اعتدى أو قد قتل أو أتلف لدفع الأذى. هٰذا واضح؟ يسقط كل شيء، كل ما يترتب على القتل. إذا دفع الإنسان الأذى عنه بشيء. • عندنا دفع الأذى الصادر من شخص. • وعندنا دفع الأذى الواقع على الشخص بشيء. عندنا مسألتان: المسألة الأولى هي التي تكلمنا عليها، وهي دفع الأذى الصادر عن الشخص، إما بإتلاف كلي أو بإتلاف جزئي، فقلنا: لا ضمان. لكن لو أن شخصا دفع الأذى عنه بإتلاف شيء. مثال ذلك: عدا عليك سبع، صال عليك سبع، وأنت في مكان فيه حيوان لغيرك، فيه شاة لغيرك، فلما عدا عليك السبع أردت أن تتخلص منه فدفعت الشاة –شاة جارك- للسبع، فاشتغل بها السبع عنك فنجوت، هل تضمن شاة جارك؟ تضمن؛ لأنك الآن لم تدفع الأذى الأشد، لأن الشاة لم يصدر منها الأذى إنما دفعت بها الأذى، فما دفعت به الأذى لا يسقط به الضمان. وأمثلة هذا كثيرة، هذا مثال يتضح به الفرق بين دفع الأذى من الشيء ودفع الأذى بالشيء، فدفع الأذى من الشيء لا ضمان فيه، وأما دفع الأذى فإنه يكون به الإنسان ضامنا. ثم قال رحمه الله بعد أن فرغ من هذه القاعدة: و(أل) تفيد الكل في العموم*** في الجمع والإفراد كالعليم هذا أول بيت ذكره المؤلف رحمه الله من القواعد الأصولية. كل ما مضى هو من القواعد الفقهية، وهذا أول بيت ذكره رحمه الله وضمنه قاعدة أصولية. فما الفرق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية؟ تبين لنا من خلال ما تقدم أن القواعد الفقهية يفهم منها الحكم على الفعل، أو يؤخذ منها الحكم على الفعل أليس كذلك؟ (اليقين لا يزول بالشك) يستفاد منه حكم. (الأمور بمقاصدها) يستفاد منها الحكم. (العادة محكمة) يستفاد منها حكم يتعلق بفعل المكلف. أما القواعد الأصولية فإنه لا يستفاد منها أحكام تتعلق بفعل المكلف. هذا الفرق الأول بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية. الآن قول المؤلف: و(أل) تفيد الكل في العموم*** في الجمع والإفراد كالعليم هل نستطيع أن نستفيد منها حكما؟ هل نأخذ من هٰذا حكما؟ ما نأخذ، بخلاف ما لو قلنا: (الأمور بمقاصدها) أخذنا منها حكما أو لا؟ نأخذ منها حكما يتعلق بالمكلف. هذا فرق. فرق آخر بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية: أن القواعد الفقهية يستفاد منها الحكم والأسرار في الشريعة، بخلاف القواعد الأصولية فإن القواعد الأصولية لا يستفاد منها ولا يستنبط منها الحكم والأسرار في الشريعة. هذا فارق آخر بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية. وقد فصل العلماء في التفريق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، لكن هذان الفرقان يكفيان. ونضيف فرقا ثالثا للمناسبة، وهو: أن القواعد الأصولية الغالب فيها أنها ترجع إلىٰ أمور لغوية، كما سيتبين من القواعد التي ذكرها المؤلف رحمه الله في النظم. يقول رحمه الله: (و(أل) تفيد الكل في العموم) (أل) يعني الألف واللام الداخلة على أسماء الأجناس أو الأوصاف، وقولنا: (الأوصاف) نريد به ماذا؟ نريد به اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، وما أشبه ذلك، ف(أل) الداخلة على أسماء الأجناس وعلى الأوصاف (تفيد الكل في العموم) أي تفيد العموم فيما دخلت عليه، ولذلك قال: (في الجمع والإفراد كالعليم) يعني سواء كان الاسم الذي دخلت عليه جمعا أو مفردا فإنها تفيد العموم في الموضعين. واعلم أن العموم المستفاد من (أل) نوعان: • فإن (أل) ترد ويراد بها استغراق أفراد الجنس. • وترد ويراد بها استغراق خصائص الأفراد. والفارق بين الاثنين: أن ما كان لاستغراق الأفراد يصح أن تضع مكان (أل): (كل)، يعني لو نزعت الألف واللام ووضعت مكانها (كل) استقام المعنى وصلح الكلام. فمثلا قول الله جل وعلا: ﴿إن الإنسان لفي خسر (2)﴾( ) في سورة العصر، الآن الألف واللام دخلت على اسم جنس، أليس كذلك؟ ماذا يفيد هٰذا المعنى؟ هل هو استغراق خصائص الأفراد أو استغراق أفراد الجنس؟ يفيد استغراق أفراد الجنس. وحتى يتبين لك ذلك أبدل بالألف واللام (كل)، وانظر هل يستقيم المعنى أو لا يستقيم: إن كل إنسان لفي خسر. يصح المعنى؟ يصح المعنى، فعلم بذلك أن الألف واللام هنا لاستغراق أفراد الجنس. أما استغراق خصائص الأفراد فذلك في مثل أسماء الله عز وجل، مثل المؤلف هنا بقوله: (كالعليم) فإن هٰذا يفيد إثبات العلم بجميع أفراده له سبحانه وتعالى، فعلم الله سبحانه وتعالى علم سابق لوقوع الأشياء، فهو علم بما كان، وعلم بما يكون، وعلم بما سيكون، وعلم بما لم يكن لو كان كيف كان يكون. فهو علم يتعلق بالممكنات وبالواجبات وبالممتنعات، ولذلك كانت هذه الصفة من أوسع الأوصاف، فإن علم الله عز وجل يتعلق بكل شيء. وأدلة هٰذا كثيرة في كتاب الله عز وجل. فإذا قلنا بوصف الله جل وعلا العليم فإننا نثبت له كل خصائص هذا الاسم بجميع المعاني التي تندرج تحت هذا الاسم، وهذا مثال لاستغراق (أل) وإفادتها العموم. والمؤلف رحمه الله أطال في ذكر الأمثلة والاستشهاد بذلك، ونبه إلىٰ أهمية اعتبار هٰذا في أسماء الله عز وجل وصفاته؛ لأن به يحصل تمام الإيمان بالأسماء والصفات، فمن أدرك ما تفيده (أل) الداخلة على أسماء الله عز وجل أفاده ذلك علما راسخا بالرب جل وعلا. ولذلك المؤلف رحمه الله يقول في شرحه: ولو لم يكن في هذه القاعدة إلا هذا الموضع الشريف لكفى به شرفا وعظمة. لماذا؟ لدلالته على ما يتعلق بالرب جل وعلا، وهو أعظم معلوم، فإن أعظم العلوم ما كان متعلقا بالله جل وعلا؛ لأنه أصل العلوم، وعنه تنبثق كل المعارف. ثم قال رحمه الله في ذكر صيغة أخرى من صيغ العموم - الصيغة الأولى هي دخول الألف واللام التي تفيد الاستغراق بنوعيه- والصيغة الثانية التي ذكرها رحمه الله في قوله: والنكرات في سياق النفي*** تعطي العموم أو سياق النهي ونحن فاتنا أن نذكر أن العلماء رحمهم الله استقرؤوا اللغة واستخلصوا أن العموم في اللغة له صيغ محددة: القسم الأول: وهو إما عموم لفظي، وذلك بذكر ما يدل على العموم لفظا، مثل قولك: جاء الطلاب عامة، هذا يفيد العموم أو لا يفيد العموم ؟ يفيد العموم؛ لكن إفادته العموم هل هو بصيغة محددة أو بلفظ العموم؟ بلفظ العموم. القسم الثاني من أقسام العموم: هو ما كان العموم مستفادا من صيغته: إما بذاتها أو بما يقترن بها، (أل) تفيد العموم وهي من صيغ العموم، كذلك النكرات؛ لكن ليس كل نكرة تفيد العموم، النكرة إذا جاءت في سياق معين أفادت العموم. نقرأ كلام المؤلف يقول رحمه الله: (والنكرات في سياق النفي). أولا (النكرات) جمع نكرة، وما هي النكرة؟ النكرة هو ما شاع في جنس موجود أو مقدر من دون تحديد، فيكون اللفظ صادقا على واحد فأكثر دون تعيين. مثال ذلك: تقول: جاء رجل. (رجل) هذا جنس أليس كذلك؟ يصدق على جنس من الرجال، هل يراد به شخص معين؟ هل تفهم من السياق أن شخصا معينا جاء؟ لا، تفهم أن واحدا من هذا الجنس؛ لكن من غير تعيين قد جاء، هذا هو النكرة، ويقابله في كلام العرب المعرفة. يقول رحمه الله: (والنكرات في سياق النفي) يعني إذا جاءت في كلام مسوق للنفي فإنها تفيد العموم. مثال ذلك: تقول: لا رجل في الدار. الآن طبق القاعدة: (لا) نافية أليس كذلك؟، و(رجل) نكرة في سياق النفي فأفادت العموم، أفادت عموم النفي، ما فيه رجل في الدار، لا يوجد في الدار من يصدق عليه هٰذا الوصف. ومن ذلك قولك: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، (حول) نكرة، و(قوة) نكرة في سياق النفي، فتفيد أنه لا تحول من حال إلى حال ولا قوة على هذا التحول إلا بالله عز وجل، هذا معنى قولنا: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فأنت تنفي التحول من حال إلى حال، وتنفي القوة على ذلك إلا بعون من الله جل وعلا، ومدد وقدرة، واضح يا إخوان. كذلك (لا إلٰه إلا الله) هذه الكلمة التي هي مفتاح الجنة فيها نفي وفيها نكرة في سياق النفي: (لا إلٰه) أي لا معبود بحق إلا الله جل وعلا، ف(إلٰه) نكرة في سياق النفي فتعم كل مألوه وكل معبود. وأجر هذه قاعدة تجدها مفيدة في كثير من المواضع. إذا هذا أول ما ذكر من النكرات في سياق النفي. الثاني: قال: (أو سياق النهي)؛ يعني النكرة الواردة في سياق النهي، كذلك تفيد العموم. فإذا قلت: لا تعط طالبا كتابا. هذا نهي أو نفي؟ نهي، فلو أنك أعطيت واحدا منهم كتابا. هل تكون امتثلت؟ ما امتثلت، طيب أعطيت واحدا كتاب التوحيد، هل تكون امتثلت؟ ما امتثلت؛ لأن قوله: (لا تعط طالبا) هذا يصدق على كل طالب، و(كتابا) يصدق على كل كتاب، فأنت منهي عن إعطاء أي طالب أي كتاب، هذا معنى قوله رحمه الله: والنكرات في سياق النفي*** تعطي العموم ... يعني تفيد العموم في المعنى" أو سياق النهي" مثال آخر من أمثلة النهي قول الله تعالىٰ: ﴿فلا تدعوا مع الله أحدا (18)﴾،( ) هذا مثال للنهي، فقوله: ﴿أحدا﴾ يصدق على كل أحد: ملك، نبي، ولي، شجر، حجر، كل ذلك مما نهي عن صرف العبادة له. واعلم أن الدعاء المنهي عنه هو دعاء المسألة ودعاء العبادة. وهذا اجعله قاعدة عندك: كل ما نهى الله عنه في الكتاب من دعاء غيره فإنه نهي عن دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة، وأظنكم على علم بالفرق بين دعاء العبادة ودعاء المسألة. الصلاة دعاء عبادة، طلب العلم عبادة. ((تبسمك في وجه أخيك صدقة))( ) قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو دعاء مسألة أو دعاء عبادة؟ كيف يكون دعاء عبادة؟ هٰذا من جهة العبادة، لكن أريد كيف يصدق عليه أنه دعاء؟ الصلاة كيف يصدق عليها أنها دعاء؟ أنت لماذا تصلي؟ لمجرد الأمر أو للأمر والرغبة في الأجر؟ للأمر والرغبة في الأجر، كل من صلى وكل من تعبد إنما يتعبد يطلب من الله الأجر، والطلب هو الدعاء. وهذا معنى دعاء العبادة؛ لأن كل من تعبد فهو يسأل شيئا يسأل الجنة ويستعيذ بالله من النار. نرجع إلىٰ ما نحن فيه، قال رحمه الله: كذاك (من) و(ما) تفيدان معا*** كل العموم يا أخي فاسمعا هٰذا أيضا من صيغ العموم. قوله: (كذاك (من)) يحتمل أن (من) هنا الشرطية ويحتمل أن (من) هنا الموصولة، وكلتاهما تفيد العموم، فإن (من) الشرطية و(من) الموصولة تفيدان العموم، وهذا في كل أدوات الشرط وفي كل الأسماء الموصولة، فإنها من صيغ العموم. وأدلة هذا كثيرة في الكتاب والسنة، فقوله تعالى: ﴿ومن أصدق من الله قيلا (122)﴾،( ) ﴿من جاء بالحسنة فله خير منها﴾،( ) الآيات في هذا كثيرة، وإذا أعملها الإنسان وجد صحة هذه القاعدة، ﴿ولله ما في السمٰوات وما في الأرض﴾( ) يصدق على كل ما في السماوات وما في الأرض. ثم قال رحمه الله: ومثله المفرد إذ يضاف*** فافهم هديت الرشد ما يضاف (ومثله) يعني في إفادة العموم، مثل ما تقدم من الصيغ، فالضمير في قوله: (ومثله) يعود إلىٰ ما تقدم من الصيغ. (المفرد) والمراد بالمفرد: ما يقابل الجمع، وهو ما دل على الوحدة، (إذ يضاف) أي في حال إضافته. والمثال الظاهر المتكرر في كلام أهل العلم قول الله تعالىٰ: ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾،( ) وجه التفريد؟ أين المفرد ﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾؟ ﴿نعمة الله﴾ إلى ماذا أضيف؟ إلى الله، فأفاد ماذا؟ أفاد العموم، أي: وإن تعدوا كل نعمة لله عز وجل لا تحصوها، فنحن لا نحصي نعم الله علينا لا في الأجناس ولا في الأنواع ولا في الأفراد. قوله تعالىٰ: ﴿وأما بنعمة ربك فحدث (11)﴾.( ) هل هذا فقط في نعمة المال؟ في أي أنواع النعم؟ يصدق كل نعمة يتحدث بها الإنسان؟ المفرد (نعمة) وهي مضافة إلىٰ (ربك) فيصدق على كل نعمة، كل نعمة يتحدث بها الإنسان إذا كان ذلك لا مفسدة فيه، فيصدق على جميع النعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية، كل ذلك داخل في قوله تعالى: ﴿وأما بنعمة ربك فحدث (11)﴾. وهٰذا العموم المستفاد من الإضافة ليس خاصا بالمفرد؛ بل حتى الجمع فإنه إذا أضيف أفاد العموم، ولكن ذكر المؤلف رحمه الله المفرد لاشتهار ذلك فيه، وإلا فإن الجمع أيضا إذا أضيف أفاد العموم. مثال الجمع المضاف من القرآن: ﴿يوصيكم الله في أولادكم﴾( ). (أولاد) جمع مضاف فيشمل كل ولد. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)).( ) جعل بعض العلماء هذا النص عاما في الأولاد سواء كانوا الأولاد من الصلب أو الأولاد من الذرية، يعني فأدخلوا ولد الولد، فجعلوا من الواجب على الجد أن يعدل في ولد ولده. ومن ذلك أيضا قوله تعالىٰ: ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾( ). فهذا يشمل كل آلاء الله عز وجل؛ لأنه جمع أضيف، والأمثلة والشواهد على هذا كثيرة. وبهذا البيت يكون قد انتهى وفرغ من ذكر صيغ العموم، وهي من المواضع المهمة في أصول الفقه؛ يعني من أهم وأبرز مباحث أصول الفقه مسألة دلالات الألفاظ والعموم. قال رحمه الله: ولا يتم الحكم حتى تجتمع*** كل الشروط والموانع ترتفع. (ولا يتم الحكم) الحكم هنا يشمل كل حكم، من أين أخذنا الشمول؟ يقول: (ولا يتم الحكم حتى تجتمع) قلنا: هذا يشمل كل حكم. من أين أخذنا العموم؟ من الألف واللام. هذا من ثمرات القاعدة المتقدمة. (لا يتم الحكم) يعني في جميع الأحكام، سواء كانت الأحكام في أصول الدين أو في فروعه، في العقائد أو في الفقهيات، لا يتم الحكم؛ أي لا يثبت ولا يستقر حتى تجتمع كل الشروط والموانع ترتفع. فعرفنا أن الحكم على شيء معين لا بد فيه من أمرين: الأمر الأول: توافر الشروط، وتوافر الشروط يعني اكتمالها. الأمر الثاني: انتفاء الموانع؛ أي الموانع التي تمنع ثبوت الحكم. فمثلا: في الميراث إذا توفي شخص عن أولاده، إذا أردنا أن نثبت حكم الميراث لهؤلاء، إذا أردنا أن نورثهم، ماذا ننظر؟ ننظر إلى الشروط، هل شروط الإرث موجودة؟ إذا كانت موجودة. هل قام مانع يمنع التوريث من قتل أو غيره مما يمنع من الإرث؟ فإذا لم يكن هناك موانع وتوافرت الشروط أثبتنا الحكم وورثناهم. هذا في الفقهيات. وفي العقائد أيضا نحتاج إلى النظر إلى توافر الشروط وانتفاء الموانع. فمثلا قول أهل العلم: من قال: إن الله في كل مكان. فهو كافر. هذا ما عليه أهل السنة والجماعة، أن الذي يعتقد أن الله ليس في السماء وأنه في كل مكان فهو كافر. هذا من الجمل التي تجدونها في كلام أئمة السلف، وأهل العلم قديما وحديثا. هل يعني هذا أن كل شخص علمنا عنه أنه يقول: إن الله في كل مكان فهو كافر؟ الجواب: لا، لا بد من توفر الشروط في هذا المعين، وانتفاء الموانع في هذا المعين، حتى يحكم عليه بالكفر. ولذلك ينبغي التفريق بين الحكم العام المطلق وبين الحكم الخاص المقيد المعين، ففرق بين الحكم المطلق وبين الحكم على المعين، وهذه من المسائل الكبار التي يحتاجها الإنسان في أصول الدين ومسائل الاعتقاد ويحتاجها أيضا في الفروع والفقهيات على حد سواء، فلا تثبت الحكم في مسألة من المسائل أو في شخص من الأشخاص حتى تنظر إلى الشروط والموانع. فإذا كانت الشروط قد توافرت والموانع قد انتفت، فأثبت الحكم، وإلا فلا تثبته؛ أي لا تثبته بالنسبة للمعين أو للقضية المعينة. ثم قال رحمه الله: ومن أتى بما عليه من عمل*** قد استحق ما له على العمل. (ومن أتى بما عليه من عمل) (من) من ألفاظ العموم، من صيغ العموم، (من أتى بما عليه من عمل) يعني بما طلب منه من العمل، و(العمل) هنا يشمل عمل الدنيا وعمل الآخرة، (قد استحق ما له على العمل)، يعني استحق الذي رتب له على هذا العمل، وذلك في عمل الدنيا وعمل الآخرة، ولا فرق. وهذه القاعدة صحيحة. فإذا أخل بما عليه من العمل أو قصر، فإن كان الإخلال كليا ذهب ما له من الأجر أو ما رتب على هذا العمل، وإن كان الخلل جزئيا نقص بقدر ذلك. أما في حق المخلوق فإنه إذا لم يأت بما له من العمل فإنه لا يستحق الأجر؛ لأن الأجرة مرتبة على العمل تاما كاملا. وأما في حق الله عز وجل فإن الله عز وجل لا يضيع عمل عامل؛ بل يعطي الكثير على القليل، ويجزي على العمل اليسير العطاء الجزيل، لا يضيع عند الله جل وعلا شيء. وما ذكر في المطبوع من تعليق على هذه القاعدة ليس مطابقا؛ لأن الكلام في شرح هذا البيت عن بيت آخر، عن مسائل الضمان. ولذلك في الطبعة الجديدة إن شاء الله تعالى –ستخرج طبعة جديدة محققة- جرى التنبيه على هٰذا الخطأ من الطابع، وأيضا أثبت شرح هٰذا البيت من كلام الشيخ رحمه الله. ثم قال: وكل حكم دائر مع علته*** وهي التي قد أوجبت لشرعته (كل حكم) أي من الأحكام الشرعية (دائر مع علته) أي إنه مرتبط بعلته، فإذا ثبتت العلة ثبت الحكم، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم. واعلم أن العلة إما أن تكون منصوصة وإما أن تكون مستنبطة. فإذا كانت العلة منصوصة فالأمر واضح. وإن كانت مستنبطة فمن قال بها أثبت الحكم بثبوتها، ومن لم يقل بها لم يربط الحكم بهذه العلة، لكن في العلل المنصوصة أو العلل المستنبطة عندما يقول بها فإنه يجعل الحكم مرتبطا بالعلة، فإذا ثبتت العلة ثبت الحكم. واعلم أن العلة تؤثر في الحكم من حيث ثبوته وجودا وعدما، ومن حيث قوته وضعفه. فالحكم مرتبط بالعلة: وجودا وعدما، وقوة وضعفا. وهذه المسألة مهمة؛ الأخيرة ارتباط الحكم بالعلة قوة وضعفا يغفل عنها كثير من الناس. فمثلا العلة في تحريم الغرر ما هي؟ هي ما يترتب على هذا العقد من المخاطرة التي يكون الإنسان فيها إما غانما وإما غارما، وما يترتب على ذلك من الحسرة والتنافر بين المسلمين. نضرب مثالا أدق من هٰذا وأوضح: نهي النبي صلى الله عليه وسلم الرجل عن أن يبيع على بيع أخيه، ما علته؟ ما علة هذا النهي؟ ما يقوم بسببه من العداوة والبغضاء بين المسلمين. طيب هذا الحكم يثبت بثبوت العلة، فكل ما كان سببا للعداوة والبغضاء بين المؤمنين فإنه يحرم، فالسوم على سوم أخيك يحرم، وقد جاء به النص. التأجير على تأجير أخيك، هل فيه نص؟ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤجر الرجل على إجارة أخيه؟ ما فيه نص؛ لكن العلة موجودة أو ليست موجودة؟ إذا كانت موجودة فالحكم ثابت، فالحكم يثبت في كل ما وجدت فيه العلة، هذا من حيث الحكم وجودا وعدما. وارتباطه بعلته قوة وضعفا؟ مثال ذلك: لو أن رجلا باع على بيع أبيه؟ التحريم أشد أو ليس أشد؟ أشد، ما وجه الشدة؟ أن حق الأب والتنافر الذي يحصل أعظم من التنافر بين المسلم والمسلم الأجنبي، فهنا يكون التحريم أغلظ، وهذا معنى قولنا: (الحكم يدور مع علته قوة وضعفا). فكلما كانت العلة موجودة بشكل أكبر كان الحكم أثبت. وهذا في هذه المسألة وفي غيرها. مثلا: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف)).( ) هذا حكم أو ليس حكما؟ حكم، ما الذي علق عليه النبي صلى الله عليه وسلم الخيرية في هذا الحديث؟ ((المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف))؟ ما هو الوصف المؤثر؟ قوة الإيمان؛ فكلما كان الإنسان متصفا بالإيمان أكثر من غيره كانت خيريته أكثر. طيب قول الله تعالىٰ: ﴿إن المتقين في جنات ونعيم (17)﴾( ). هذا حكم أخروي يصدق على كل من اتصف بالتقوى، لكن هل المتصفون بالتقوى على درجة واحدة؟ مختلفون في درجة التقوى، فكلما كان الإنسان أقوى وأعظم تقوى كان نصيبه من التنعيم في الجنات وحصول النعيم أعظم. وهٰذه اتركها معك على طول الخط في مسائل الأحكام الشرعية الدنيوية الفقهية والأصولية والأحكام الأخروية ، فكلما اتصف الإنسان وقوي به الوصف الذي رتب عليه الحكم كان ذلك دالا على ثبوت الحكم في حقه أكثر من غيره. فإن الحكم يرتبط بعلته أو يدور مع علته وجودا وعدما وهذا معروف ومتكرر، ويبقى الجزء الثاني من القاعدة وهو الذي يغفل عنه كثير من الناس ما هو؟ قوة وضعفا؛ وهذا يدور أيضا مع علته قوة وضعفا. ثم قال رحمه الله: (وهي التي قد أوجبت لشرعته) هذا تعريف العلة، يعني أن العلة هي التي أوجبت تشريع هٰذا الحكم، فالعلة التي أوجبت تشريع هٰذا الحكم هي التي يرتبط بها الحكم. ثم قال المؤلف رحمه الله: وكل شرط لازم للعاقد*** في البيع والنكاح والمقاصد إلا شروطا حللت محرما*** أو عكسه فباطلات فاعلما هٰذا سقط من النسخة عندي، يقول: ويفعل البعض من المأمور*** إن شق فعل سائر المأمور (ويفعل البعض من المأمور) هذا دليله قول الله تعالىٰ: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾( ). إنسان عجز عن جميع ما أمر به، فما الواجب عليه؟ الواجب عليه أن يفعل ما يستطيع: ﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾. فإذا كان الإنسان مثلا في الطهارة لا يستطيع أن يغسل جميع بدنه، فما الواجب عليه؟ يغسل الذي يستطيع ويتيمم عن الباقي، فإن لم يستطع التيمم؟ لم يستطع المسح ولا التيمم ماذا يفعل؟ يسقط عنه، وهذه القاعدة سبق ما يفهم منها فيما تقدم من الأبيات. قال رحمه الله: وكل ما نشأ عن المأذون*** فذاك أمر ليس بالمضمون الشرح الذي عندكم في الكتاب في قوله: ومن أتى بما عليه من عمل*** قد استحق ما له على العمل. الشرح الذي على هٰذا البيت هو لهذا البيت: وكل ما نشأ عن المأذون*** فذاك أمر ليس بالمضمون هذا تابع لقاعدة الضمان، كل شيء ينشأ ويترتب على الإذن فإنه لا ضمان فيه. الآن، القصاص: إذا جنى شخص على غيره فقطع يده، ما الذي يجب في هٰذا القطع؟ القصاص، جاء الرجل المجني عليه وقال: نطالب بالقصاص. فأنفذ القاضي طلبه وقطعت يد الجاني، ثم ترك هذه الجناية حتى مات هذا الجاني، الآن التلف تعدى موضع الجناية أو لا؟ تعدى موضع الجناية، فهل المجني عليه يضمن؟ هل القاضي يضمن هذه السراية وهٰذا الامتداد للجناية؟ لا يضمن؛ لماذا؟ لأن هذا التلف ترتب على أمر مأذون فيه، ومن الذي أذن فيه؟ الشارع، فما ترتب على المأذون فليس بمضمون. وهذا في كثير من الأمور. مثلا شخص منكم استعار من صاحبه سيارة ليصل بها إلى المسجد النبوي، رجل عاقل قيادته سليمة حصل له حادث في الطريق بدون فعله، يعني بدون تعد ولا تفريط، الآن هل يضمن هذا السائق المستعير للسيارة ما جرى من تلف على السيارة؟ الجواب: لا يضمن، وما سبب ذلك؟ السبب أن تصرفه بالسيارة هل هو مأذون أو ليس مأذونا فيه؟ تصرف مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون. الآن دع عنك السيارة، الآن أخذت قلم الأخ وكتبت كتابة معتادة فانكسرت الريشة من جراء الكتابة، هل أضمن؟ لا ضمان، لماذا؟ لأنه أذن لي في استعماله ولم أتعد ولم أفرط، فإذا كان لا تعدي ولا تفريط فلا ضمان، إذا كان قد أذن لي في استعماله. وبهذا نعلم أن قول المؤلف رحمه الله: وكل ما نشأ عن المأذون*** فذاك أمر ليس بالمضمون أنه لا فرق في الإذن، فإنه قد يكون الإذن من الشارع، وقد يكون الإذن من المالك، فسواء كان الإذن من الشارع أو الإذن من المالك فإنه لا ضمان على من تلفت العين في يده؛ لأنه تلف ترتب على مأذون، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون. لكن المهم لي في التعليق أن تنبهوا على الخطأ الحاصل في النسخة فإن قوله: أشياء توجب الضمان لو استقلت كانت تلك.... وما جاء بعد ذلك من شرح، هي كلها شرح لقوله: وكل ما نشأ عن المأذون*** فذاك أمر ليس بالمضمون وأما البيت الذي ذكره: ومن أتى بما عليه من عمل*** قد استحق ما له على العمل فإنه لم يكمل الطابع شرحه. أما البيت: وكل ما نشأ عن المأذون*** فذاك أمر ليس بالمضمون البيت 37 هذا الشرح ليس له، وإن شاء الله تعالىٰ ستخرج نسخة مقابلة على خط المؤلف رحمه الله قريبا بإذن الله. نقف على هٰذا ونأخذ بعض الأسئلة. السؤال: أحسن الله إليكم يا شيخ، هل المفرد المضاف يفيد العموم مطلقا أم لا يفيده إلا إذا أضيف إلىٰ معرفة؟ الجواب: الأصل في الإضافة أن تكون إلى معرفة؛ لأنه بها يحصل التعريف، وقد يضاف إلىٰ نكرة لكنه قليل، والقاعدة مطلقة: إذا أضيف المفرد أفاد العموم سواء أضيف إلىٰ نكرة أو أضيف إلىٰ معرفة. السؤال: ما الفرق بين قاعدة: (الحكم يدور مع علته وجودا وعدما أو قوة وضعفا) وبين القياس؟ الجواب: هي من مسائل القياس، العلة كلها من مباحث القياس، فلا فرق؛ لكنها قاعدة تذكر في القواعد الفقهية والقياس يذكر في كتب أصول الفقه. السؤال: هل النية واجبة في الوسائل كما هي واجبة في المقاصد؟ الجواب: ما فهمت السؤال، هل النية واجبة في الوسائل كما هي واجبة في المقاصد، ما ذا يريد بقوله: (واجبة)، عمله لا بد له من نية، أما المشي فما أتصور أن أحدا يخرج من داره وإلا وهو ناو الصلاة، كل من خرج من البيت إلىٰ المسجد فهو يريد الصلاة، من التكليف بالمحال أن تطلب من الشخص أن يعمل بلا نية، لا بد من نية، هل هي واجبة؟ لا، ليست واجبة بمعنى أن إنسانا خرج من بيته يريد أن يشتري أغراضا، ثم مر بمسجد وهم يصلون فدخل وصلى معهم، هٰذا لا حاجة أن ينوي عند خروجه من البيت أنه ذاهب إلىٰ المسجد. إن كنت تسأل على هٰذا فهٰذا لا حاجة إليه. أما الوضوء فذكرنا لكم أنه لا بد له من نية لأنه عبادة، وإن كان وسيلة لعبادة؛ لكنه عبادة حث عليها الشارع ورغب فيها. السؤال: هل قول الناظم رحمه الله: وإن أتى التحريم في نفس العمل *** أو شرطه فذو فساد وخلل هل يشير به إلىٰ قاعدة أصولية أو فقهية؟ الجواب: لا إلىٰ قاعدة أصولية. السؤال: هٰذا يسأل عن الفرق بين (لا) النافية و(لا) الناهية. مع ذكر أمثلة. الجواب: هٰذا في النحو؛ ولكن على كل حال (لا) النافية هي التي تنفي وجود الشيء، لا أحد في البيت، هٰذا نفي. وأما الناهية فهي التي تنهى عن إيجاد الفعل، تقول: لا تأت بالليل. تنهاه أو تنفي المجيء؟ أنت تنهى عن المجيء لا تنفي. السؤال: وهٰذا يسأل: كيف نجمع بين قولك: إن من استأذن في سلعة وأتلف بعضها بدون تفريط لم يضمن،وبين قول الشيخ: لكن مع الإتلاف يثبت البدل. الجواب: هٰذا أخي بارك الله فيك في الخطأ والنسيان، إذا لم يكن إذن من المالك، والكلام فيما إذا كان للإنسان إذن... راجع الشرح ولا تعارض بين الأمرين. المسألتان مختلفتان. وهٰذا سؤال عبر الإنترنت من الكويت يقول السائل: بالنسبة لتحريم اللحوم هل هو مختص بالنوع أو ذكر الله أو بطريقة الذبح عند عدم المعرفة بالأمور السابقة ؟ الجواب: قول الناظم رحمه الله: (والأصل في اللحوم التحريم) ليس المراد به جنس اللحوم، إنما المراد به فيما إذا شك الإنسان في شرط الإباحة، فالأصل التحريم، هٰذا مراد المؤلف رحمه الله. وكذلك في قوله: (الأصل في الأبضاع التحريم) المراد إذا شك في سبب الإباحة، وأما إذا لم يشك في سبب الإباحة فإنه لا تحريم، ولا تتعارض هاتان القاعدتان مع ما قررناه من أن الأصل في الأشياء الإباحة، فقوله رحمه الله في الأبضاع وفي اللحوم: إن الأصل فيها التحريم فإن ذلك فيما إذا شك الإنسان في سبب الإباحة أو في شرط الإباحة. أما إذا لم يشك فالأصل في الأجناس الإباحة. وأظن نبهت على هٰذا في أثناء الشرح، أليس كذلك يا إخوان؟ على كل حال نبهنا والأشرطة تنطق بالحق، راجعوها وستجدون ذلك إن شاء الله. السؤال: يسأل عن قول الناظم: (والنكرات في سياق النفي تعطي العموم) ما سبب الكسر؟ الجواب: لعل الكسر هنا للروي، وإلا فالأصل (والنكرات في سياق النفي) لأنه لا سبب للكسر، يعني لا سبب للنصب ولا للجر. فإما أن تكون للروي هذا إذا كان المؤلف رحمه الله هكذا شكلها، وأنا لا أستحضر الأصل المخطوط هل هو بالكسر أو أنه لم يشكله رحمه الله لكن (والنكرات في سياق النفي) ماشي. فلعلنا نراجع الأصل وإذا ثبت أن المؤلف رحمه الله كتبها بهذا الشكل فيكون استحسنها لفظا، ومن المعلوم أن الشعر يجوز فيه ما لا يجوز في النثر من مخالفات، فإنه يستقيم لو قلت: (والنكرات في سياق النفي تعطي العموم أو سياق النهي). لعل هٰذا الكسر من الطابع. السؤال: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قول: ((بلى وأنا على ذلك من الشاهدين))( ) في آخر سورة التين ؟ الجواب: هٰذا ورد في حديث إلا أنه ضعيف؛ ولكن الفقهاء رحمهم الله وهم ممن يتوسع في هٰذه الأمور يرون أنه لا بأس وأنه يستحب للإنسان أن يقول ذلك. ومما ورد عن الإمام أحمد أنه كان يستحب في هٰذا الموضع أن يقول: سبحانك فبلى. فلو قال هٰذا أو قال غيره مما هو جواب للسؤال؛ لأن قوله: ﴿أليس الله بأحكم الحاكمين (8)﴾،( ) هٰذا سؤال يحتاج إلىٰ جواب. فإذا قاله الإنسان فالأمر في هٰذا واسع. والقاعدة عند الفقهاء رحمهم الله: أنه إذا كان الحديث ليس بشديد الضعف فإنه يفيد الاستحباب إن كان أمرا، ويفيد الكراهة إن كان نهيا. وهٰذه قاعدة جرى عليها فقهاء الحنابلة. وأيضا مستعملة؛ لكن صرح بها ابن مفلح رحمه الله في نكته على المحرر. المنهي عنه في الصلاة خطاب الآدميين، أما خطاب الله فلم ينه عنه، وهو هنا يخاطب الله. لكن في الفرض مسألة إجابة الآيات أو الاستعاذة أو السؤال بآيات السؤال والاستعاذة من آيات الوعيد لم ترد، إنما وردت في النفل. وقال بعض الفقهاء: إن ما ثبت في النفل يثبت في الفرض ولا فرق. لكن الصحيح في مثل هٰذا نقول: يجوز في الفرض لثبوته في النفل؛ لكن إنما ورد استحبابه وسنيته في النفل؛ لأن النفل مبني على التطويل بخلاف الفرض. السؤال: يسأل عن الحديث الذي ورد فيه أن الصلاة في حرم مكة بألف صلاة، فهل هٰذا الفضل في الحرم في المسجد الحرام، دون مساجد مكة أم لا؟ الجواب: هٰذا فيه قولان لأهل العلم: جمهور العلماء على أن الفضل في مضاعفة الصلاة في مكة ليس خاصا بمسجد الكعبة، إنما هو عام في كل الحرم، هٰذا الذي عليه جمهور أهل العلم. واختار جماعة -وهو قول في مذهب الحنابلة- أن الفضل خاص بمسجد الكعبة، وهو اختيار شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله، فإنه كان يرى أن الفضل خاص بمسجد الكعبة لحديث: ((صلاة في مسجد الكعبة)) وهو في صحيح مسلم( )، فقيد الفضل بالصلاة في مسجد الكعبة، فالمضاعفة تكون لمن صلى في مسجد الكعبة، وأما الصلاة في غير مسجد الكعبة من الحرم فهي أفضل من الصلاة في غير الحرم؛ لكنها لا تبلغ في المضاعفة والفضل ما يبلغه الصلاة في مسجد الكعبة. السؤال: ما هو الأفضل في صلاة السنة قبل الظهر الأربع الركعات هل تصلى مجتمعة أم مثنى مثنى؟ الجواب: التنفل في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صلاة الليل: ((صلاة الليل مثنى مثنى))( ) وفي رواية في السنن: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى))،( ) وهٰذه الرواية صححها شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله. فالأفضل في كل النوافل أن تكون مثنى مثنى في الليل والنهار. السؤال: رجل نوى أن يصلي أربع ركعات متصلة بتسليمة واحدة، وأثناء الصلاة هل يجوز أن يغير النية من الأربع إلىٰ الاثنتين لأمر طارئ مثلا، وهل يصح العكس؟ الجواب: الظاهر أنه لا بأس؛ لأنه يرجع إلىٰ الأفضل وهو صلاة الليل والنهار مثنى مثنى. السؤال: يسأل عن الفرق بين الفاسد والباطل عند الحنفية. الجواب: ما أدري، أما عند الحنابلة فلا يفرقون بين الفاسد والباطل إلا في النكاح والحج، فالفاسد في الحج هو الذي يجب فيه المضي، وأما الباطل فإنه الذي لا يجب فيه المضي. وكذلك النكاح الفاسد ما اختلف فيه من النكاح، وأما الباطل فالذي أجمع العلماء على بطلانه. أما الفرق بينهما عند الحنفية فلا علم لي. لكن أعلم الفرق بين الفرض والواجب، فإذا كان الفرق نظير الفرق بين الفرض والواجب فهم يجعلون الفرض ما ثبت بالكتاب والواجب ما ثبت في السنة، فإن كانوا يفرقون أيضا هٰذا التفريق، يراجع أحد الكتب الأصولية في مذهب الحنفية ويصل إلىٰ الجواب إن شاء الله تعالى. السؤال: هل يقدح في مروءة الرجل تركه سنن الفطرة ؟ الجواب: نعم يقدح في مروءته؛ لأن سنن الفطرة منها ما هو واجب؛ فينبغي على الإنسان أن لا يفرط فيها. السؤال: هٰذا يسأل عن اللحوم المستوردة هل يجوز أكلها؟ الجواب: نعم يجوز أكلها ولا حرج في ذلك؛ لأن ما يصل إلىٰ بلادنا إنما يدخل عبر جهات تراقب هٰذه الأمور، فإذا قدم لك شيء من ذلك فكل ولا حرج عليك. وهذا ما يفتي به شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله. وأما ما يقال من أنهم لا يذبحون على الطريقة الشرعية أو ما أشبه ذلك مما يقال. فنقول: الأمر ليس إلينا، إلىٰ الجهات المختصة التي أوكل إليها مراقبة هٰذه الأمور من قبل ولي الأمر وهي تتحرى، فما دخل فلا حرج كل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: إن أقواما يأتوننا باللحم لا ندري عنها. قال: ((سموا أنتم وكلوا)). ( ) لكن لو أن شخصا أراد أن يتورع وأن يحتاط هٰذا أمر يرجع إليه، لكن الكلام في التحليل والتحريم، التحليل والتحريم لا يقبل عليه الإنسان إلا على بصيرة وعلى وضوح تام. أما على أقاويل الله أعلم بها لأن كثيرا ممن يشاهد اللحم الفلاني لا يذبح على الطريقة الشرعية، يكون ناتجا عن المنافسة بين الشركات في رواج هٰذا النوع من الطعام، فتروج وتنشر صورا بأنه لم يذبح. والله أعلم. على كل حال بالنسبة لما يدخل إلىٰ بلادنا فهو موكل إلىٰ جهة تتحرى وتقوم بما يلزم، وأما نحن فما وجدناه في أسواقنا في أسواق المسلمين فإننا نسمي الله عليه ونأكل ولا حرج. سؤال عن طريق الإنترنت يقول: متى يباح أخذ الرخصة في الجمع والقصر في الصلاة والإفطار؟ الجواب: في السفر، القصر لا يجوز إلا في السفر، وأما الرخصة في الإفطار والجمع فهٰذه لا تتعلق إلا بالسفر، فإن المريض له أن يفطر والمريض له أن يجمع ولو كان في بيته. والله تعالىٰ أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.  

المشاهدات:6567

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

ومتلف مؤذيه ليس يضمن*** بعد الدفاع بالتي هيْ أحسن
و(أل) تفيد الكل في العموم*** في الجمع والإفراد كالعليم
والنكرات في سياق النفي*** تعطي العموم أو سياق النهي
كذاك (مَن) و(ما) تفيدان معا*** كل العموم يا أخيّ فاسمعا
ومثله المفرد إذ يضـاف*** فافهم هديت الرشد ما يضاف
ولا يتم الحكم حتى تجتمع*** كل الشروط والموانعْ ترتفع
ومن أتى بما عليه من عمل*** قد استحق ما له على العمل
وكل حكم دائر معْ علتهْ*** وهي التي قد أوجبت لشرعتهْ
وكل شرط لازم للعاقـد*** في البيع والنكاح والمقاصد
إلا شروطاً حللت محرمـا*** أو عكسه فباطلات فاعلما
بسم الله الرحمـٰن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأصلّي وأسلم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته بإحسان إلىٰ يوم الدين.
أما بعد:
فآخر ما قرأنا قول الناظم رحمه الله:
وإن أتى التحريم في نفس العمل*** أو شرطه فذو فساد وخلل
ثم قال رحمه الله:
ومتلف مؤذيه ليس يضمن*** بعد الدفاع بالتي هيْ أحسن
هذا من القواعد في الإتلافات.
الإتلاف: هو نوع إعدام.
يقول المؤلف رحمه الله: (ومتلف مؤذيه) أي من أتلف شيئاً آذاه (ليس يضمن) يعني لا ضمان عليه، وما الذي أسقط الضمان؟ الاعتداء من المؤذي، فمتلف المؤذي لا ضمان عليه، خلافاً للأصل في أن من أتلف شيئاً فإنه يضمنه .
المسقط لهذا الأصل هو أن من آذى واعتدى فقد سقط حقه باعتدائه وأذاه؛ لكن متى يكون هذا؟
يكون إذا دفع المعتدى عليه المعتدي بالتي هي أحسن. فلا يبدأ بالأشد قبل الأخف؛ فإن كان يمكن دفعه بالأخف ودفعه بالأشد فإنه ضامن.
مثال ذلك: شخص اعتدى عليه صيد وهو محرم، فدفعه بالقتل، هل يضمن هذا الصيد بالجزاء كسائر الصيود في الحرم؟ الجواب: لا يضمن. لماذا لا يضمن؟ لاعتداء هـٰذا الصيد.
ثم ننظر في هذا الاعتداء، هل يمكن دفعه بما دون القتل؟
فإن كان يمكن دفعه بما دون القتل فيكون المتلف ضامناً.
وإن كان لا يمكن دفعه بما دون القتل، فهنا يسقط الضمان.
وهذا في كل متلِف وفي كل مؤذٍ، يعني سواء أكان المؤذي آدميّاً أو حيواناً، فكل مؤذ يُدفع بالتي هي أحسن؛ يُدفع بالأخف فالأخف، فإن لم يمكن اندفاعه إلا بالأشد فإنه ينتقل إليه ولا ضمان عليه.
ولذلك فلو أن شخصاً صال عليك -اعتدى عليك- ودفعته بالقتل، هل تكون ضامناً؟ ما الجواب: لا بد من التفصيل، ننظر: هل هذا الاعتداء يمكن دفعه بما دون القتل، فإن كان يمكن دفعه بما دون القتل: كأن تهدده بالقتل، أو تضربه ضربة تمنع اعتداءه ولا تلحق به القتل، ففي هذه الحال يكون القاتل الذي اعْتُدِيَ عليه ظالماً ومعتدياً فيضمن؛ لأنه يمكن اندفاع هـٰذه الصيالة وهـٰذا الاعتداء بما دون القتل، فتنبه لهذا؛ أنه لا بد مما ذكر المؤلف رحمه الله في إسقاط الضمان وهو أن يكون المعتدى عليه قد تدرج في الدفع.
لكن في الحقيقة عند تطبيق هذه القاعدة يحصل نوع عسر في هل يمكن دفعه أو لا.
لكن نحن نتكلم فيما يتعلق بما بين الإنسان وربه، أما ما يتعلق بالحكم في المحكمة أو عند القاضي فهذا أمر يرجع إلى نظر القاضي.
لكن الإنسان فيما بينه وبين الله عز وجل هل يكون آثماً أو لا.
شخص اعتدى عليك، وجدته في بيتك ليلاً، لا يوجد موجب لمجيئه، فلم يبقَ إلا أن يكون سارقاً أو صاحب فساد.
فشخص لما رأى هذا الذي في بيته ليلاً أو نهاراً، في وقت لا يأتي في مثله بادره بالقتل.
هل يكون معتدياً؟ ننظر: هل يمكن دفعه بما دون القتل؟
قد يقول قائل: نعم يمكن دفعه؛ لكن إذا كان هذا الرجل مسلحاً وشديد البأس، وتعلم أنك مهما فعلت لم تتمكن من دفع شره فبادرته بالقتل، هل يكون هذا مسقطاً للضمان؟ الجواب: نعم، هذا فيما بينك وبين الله عز وجل يكون مسقطاً للضمان.
أما في مجلس الحكم وعند القضاء فهناك نظر آخر؛ لأنه لو كان كل من ادعى هذا الأمر وأنه لا يمكن دفعه إلا بالقتل لتهوك الناس بالدماء وولغوا في هـٰذا الأمر.
المهم نحن علينا بالقاعدة من حيث هي، أما من حيث التطبيق فقد يقترن بالقاعدة أو بالقضية ما يجعل القاعدة غير منطبقة.
نرجع ونقول: إن الضمان يسقط إذا كان الإنسان قد اعتدى أو قد قتل أو أتلف لدفع الأذى. هـٰذا واضح؟
يسقط كل شيء، كل ما يترتب على القتل.
إذا دفع الإنسان الأذى عنه بشيء.
• عندنا دفع الأذى الصادر من شخص.
• وعندنا دفع الأذى الواقع على الشخص بشيء.
عندنا مسألتان: المسألة الأولى هي التي تكلمنا عليها، وهي دفع الأذى الصادر عن الشخص، إما بإتلاف كلي أو بإتلاف جزئي، فقلنا: لا ضمان.
لكن لو أن شخصاً دفع الأذى عنه بإتلاف شيء.
مثال ذلك: عدا عليك سبع، صال عليك سبع، وأنت في مكان فيه حيوان لغيرك، فيه شاة لغيرك، فلما عدا عليك السبع أردت أن تتخلص منه فدفعت الشاة –شاة جارك- للسبع، فاشتغل بها السبع عنك فنجوت، هل تضمن شاة جارك؟ تضمن؛ لأنك الآن لم تدفع الأذى الأشد، لأن الشاة لم يصدر منها الأذى إنما دفعت بها الأذى، فما دفعت به الأذى لا يسقط به الضمان.
وأمثلة هذا كثيرة، هذا مثال يتّضح به الفرق بين دفع الأذى من الشيء ودفع الأذى بالشيء، فدفع الأذى من الشيء لا ضمان فيه، وأما دفع الأذى فإنه يكون به الإنسان ضامناً.
ثم قال رحمه الله بعد أن فرغ من هذه القاعدة:
و(أل) تفيد الكل في العموم*** في الجمع والإفراد كالعليم
هذا أول بيت ذكره المؤلف رحمه الله من القواعد الأصولية.
كل ما مضى هو من القواعد الفقهية، وهذا أول بيت ذكره رحمه الله وضمنه قاعدة أصولية.
فما الفرق بين القاعدة الأصولية والقاعدة الفقهية؟
تبين لنا من خلال ما تقدم أن القواعد الفقهية يفهم منها الحكم على الفعل، أو يؤخذ منها الحكم على الفعل أليس كذلك؟
(اليقين لا يزول بالشك) يستفاد منه حكم.
(الأمور بمقاصدها) يستفاد منها الحكم.
(العادة محكّمة) يستفاد منها حكم يتعلق بفعل المكلف.
أما القواعد الأصولية فإنه لا يستفاد منها أحكام تتعلق بفعل المكلف.
هذا الفرق الأول بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية.
الآن قول المؤلف:
و(أل) تفيد الكل في العموم*** في الجمع والإفراد كالعليم
هل نستطيع أن نستفيد منها حكماً؟ هل نأخذ من هـٰذا حكماً؟ ما نأخذ، بخلاف ما لو قلنا: (الأمور بمقاصدها) أخذنا منها حكماً أو لا؟ نأخذ منها حكماً يتعلق بالمكلف. هذا فرق.
فرق آخر بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية: أن القواعد الفقهية يستفاد منها الحكم والأسرار في الشريعة، بخلاف القواعد الأصولية فإن القواعد الأصولية لا يستفاد منها ولا يستنبط منها الحكم والأسرار في الشريعة. هذا فارق آخر بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية.
وقد فصل العلماء في التفريق بين القواعد الأصولية والقواعد الفقهية، لكنْ هذان الفرقان يكفيان.
ونضيف فرقاً ثالثاً للمناسبة، وهو: أن القواعد الأصولية الغالب فيها أنها ترجع إلىٰ أمور لغوية، كما سيتبين من القواعد التي ذكرها المؤلف رحمه الله في النظم.
يقول رحمه الله: (و(أل) تفيد الكل في العموم) (أل) يعني الألف واللام الداخلة على أسماء الأجناس أو الأوصاف، وقولنا: (الأوصاف) نريد به ماذا؟ نريد به اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، وما أشبه ذلك، فـ(أل) الداخلة على أسماء الأجناس وعلى الأوصاف (تفيد الكل في العموم) أي تفيد العموم فيما دخلت عليه، ولذلك قال: (في الجمع والإفراد كالعليم) يعني سواء كان الاسم الذي دخلت عليه جمعاً أو مفرداً فإنها تفيد العموم في الموضعين.
واعلم أن العموم المستفاد من (أل) نوعان:
• فإن (أل) ترد ويراد بها استغراق أفراد الجنس.
• وترد ويراد بها استغراق خصائص الأفراد.
والفارق بين الاثنين: أن ما كان لاستغراق الأفراد يصح أن تضع مكان (أل): (كل)، يعني لو نزعت الألف واللام ووضعت مكانها (كل) استقام المعنى وصَلَح الكلام.
فمثلاً قول الله جل وعلا: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾( ) في سورة العصر، الآن الألف واللام دخلت على اسم جنس، أليس كذلك؟ ماذا يفيد هـٰذا المعنى؟ هل هو استغراق خصائص الأفراد أو استغراق أفراد الجنس؟ يفيد استغراق أفراد الجنس.
وحتى يتبين لك ذلك أبدِل بالألف واللام (كل)، وانظر هل يستقيم المعنى أو لا يستقيم: إن كل إنسان لفي خسر. يصح المعنى؟ يصح المعنى، فعلم بذلك أن الألف واللام هنا لاستغراق أفراد الجنس.
أما استغراق خصائص الأفراد فذلك في مثل أسماء الله عز وجل، مثل المؤلف هنا بقوله: (كالعليم) فإن هـٰذا يفيد إثبات العلم بجميع أفراده له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فعلم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى علم سابق لوقوع الأشياء، فهو علم بما كان، وعلم بما يكون، وعلم بما سيكون، وعلم بما لم يكن لو كان كيف كان يكون. فهو علم يتعلق بالممكنات وبالواجبات وبالممتنعات، ولذلك كانت هذه الصفة من أوسع الأوصاف، فإن علم الله عز وجل يتعلق بكل شيء. وأدلة هـٰذا كثيرة في كتاب الله عز وجل.
فإذا قلنا بوصف الله جل وعلا العليم فإننا نثبت له كل خصائص هذا الاسم بجميع المعاني التي تندرج تحت هذا الاسم، وهذا مثال لاستغراق (أل) وإفادتها العموم.
والمؤلف رحمه الله أطال في ذكر الأمثلة والاستشهاد بذلك، ونبه إلىٰ أهمية اعتبار هـٰذا في أسماء الله عز وجل وصفاته؛ لأن به يحصل تمام الإيمان بالأسماء والصفات، فمن أدرك ما تفيده (أل) الداخلة على أسماء الله عز وجل أفاده ذلك علماً راسخاً بالرب جل وعلا.
ولذلك المؤلف رحمه الله يقول في شرحه: ولو لم يكن في هذه القاعدة إلا هذا الموضع الشريف لكفى به شرفاً وعظمة.
لماذا؟ لدلالته على ما يتعلق بالرب جل وعلا، وهو أعظم معلوم، فإن أعظم العلوم ما كان متعلقاً بالله جل وعلا؛ لأنه أصل العلوم، وعنه تنبثق كل المعارف.
ثم قال رحمه الله في ذكر صيغة أخرى من صيغ العموم - الصيغة الأولى هي دخول الألف واللام التي تفيد الاستغراق بنوعيه- والصيغة الثانية التي ذكرها رحمه الله في قوله:
والنكرات في سياق النفي*** تعطي العموم أو سياق النهي
ونحن فاتنا أن نذكر أن العلماء رحمهم الله استقرؤوا اللغة واستخلصوا أن العموم في اللغة له صيغ محددة:
القسم الأول: وهو إما عموم لفظي، وذلك بذكر ما يدل على العموم لفظاً، مثل قولك: جاء الطلاب عامة، هذا يفيد العموم أو لا يفيد العموم ؟ يفيد العموم؛ لكن إفادته العموم هل هو بصيغة محددة أو بلفظ العموم؟ بلفظ العموم.
القسم الثاني من أقسام العموم: هو ما كان العموم مستفاداً من صيغته: إما بذاتها أو بما يقترن بها، (أل) تفيد العموم وهي من صيغ العموم، كذلك النكرات؛ لكن ليس كل نكرة تفيد العموم، النكرة إذا جاءت في سياق معين أفادت العموم.
نقرأ كلام المؤلف يقول رحمه الله: (والنكرات في سياق النفي).
أولاً (النكرات) جمع نكرة، وما هي النكرة؟ النكرة هو ما شاع في جنسٍ موجود أو مقدّر من دون تحديد، فيكون اللفظ صادقاً على واحد فأكثر دون تعيين.
مثال ذلك: تقول: جاء رجل. (رجل) هذا جنس أليس كذلك؟ يصدق على جنس من الرجال، هل يراد به شخص معين؟ هل تفهم من السياق أن شخصاً معيناً جاء؟ لا، تفهم أنّ واحداً من هذا الجنس؛ لكن من غير تعيين قد جاء، هذا هو النكرة، ويقابله في كلام العرب المعرفة.
يقول رحمه الله: (والنكرات في سياق النفي) يعني إذا جاءت في كلام مسوق للنفي فإنها تفيد العموم.
مثال ذلك: تقول: لا رجل في الدار. الآن طبق القاعدة: (لا) نافية أليس كذلك؟، و(رجل) نكرة في سياق النفي فأفادت العموم، أفادت عموم النفي، ما فيه رجل في الدار، لا يوجد في الدار من يصدق عليه هـٰذا الوصف.
ومن ذلك قولك: (لا حول ولا قوة إلا بالله)، (حول) نكرة، و(قوة) نكرة في سياق النفي، فتفيد أنه لا تحول من حال إلى حال ولا قوة على هذا التحول إلا بالله عز وجل، هذا معنى قولنا: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فأنت تنفي التحول من حال إلى حال، وتنفي القوة على ذلك إلا بعون من الله جل وعلا، ومدد وقدرة، واضح يا إخوان.
كذلك (لا إلـٰه إلا الله) هذه الكلمة التي هي مفتاح الجنة فيها نفي وفيها نكرة في سياق النفي: (لا إلـٰه) أي لا معبود بحق إلا الله جل وعلا، فـ(إلـٰه) نكرة في سياق النفي فتعم كل مألوه وكل معبود.
وأجر هذه قاعدة تجدها مفيدة في كثير من المواضع.
إذاً هذا أول ما ذكر من النكرات في سياق النفي.
الثاني: قال: (أو سياق النهي)؛ يعني النكرة الواردة في سياق النهي، كذلك تفيد العموم.
فإذا قلت: لا تعطِ طالباً كتاباً. هذا نهي أو نفي؟ نهي، فلو أنك أعطيت واحداً منهم كتاباً. هل تكون امتثلت؟ ما امتثلت، طيب أعطيت واحداً كتاب التوحيد، هل تكون امتثلت؟ ما امتثلت؛ لأن قوله: (لا تعطِ طالباً) هذا يصدق على كل طالب، و(كتاباً) يصدق على كل كتاب، فأنت منهي عن إعطاء أي طالب أي كتاب، هذا معنى قوله رحمه الله:
والنكرات في سياق النفي*** تعطي العموم ...
يعني تفيد العموم في المعنى" أو سياق النهي"

مثال آخر من أمثلة النهي قول الله تعالىٰ: ﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)﴾،( ) هذا مثال للنهي، فقوله: ﴿أَحَدًا﴾ يصدق على كل أحد: ملك، نبي، ولي، شجر، حجر، كل ذلك مما نُهي عن صرف العبادة له.
واعلم أن الدعاء المنهي عنه هو دعاء المسألة ودعاء العبادة. وهذا اجعله قاعدة عندك: كل ما نهى الله عنه في الكتاب من دعاء غيره فإنه نهي عن دعاء العبادة المتضمّن لدعاء المسألة، وأظنكم على علم بالفرق بين دعاء العبادة ودعاء المسألة.
الصلاة دعاء عبادة، طلب العلم عبادة. ((تبسمك في وجه أخيك صدقة))( ) قاله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هو دعاء مسألة أو دعاء عبادة؟ كيف يكون دعاء عبادة؟ هـٰذا من جهة العبادة، لكن أريد كيف يصدق عليه أنه دعاء؟ الصلاة كيف يصدق عليها أنها دعاء؟ أنت لماذا تصلي؟ لمجرد الأمر أو للأمر والرغبة في الأجر؟ للأمر والرغبة في الأجر، كل من صلى وكل من تعبد إنما يتعبد يطلب من الله الأجر، والطلب هو الدعاء. وهذا معنى دعاء العبادة؛ لأن كل من تعبد فهو يسأل شيئاً يسأل الجنة ويستعيذ بالله من النار.
نرجع إلىٰ ما نحن فيه، قال رحمه الله:
كذاك (من) و(ما) تفيدان معا*** كل العموم يا أخيّ فاسمعا
هـٰذا أيضاً من صيغ العموم.
قوله: (كذاك (مَن)) يحتمل أن (من) هنا الشرطية ويحتمل أن (من) هنا الموصولة، وكلتاهما تفيد العموم، فإن (مَن) الشرطية و(مَن) الموصولة تفيدان العموم، وهذا في كل أدوات الشرط وفي كل الأسماء الموصولة، فإنها من صيغ العموم.
وأدلة هذا كثيرة في الكتاب والسنة، فقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً (122)﴾،( ) ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾،( ) الآيات في هذا كثيرة، وإذا أعملها الإنسان وجد صحة هذه القاعدة، ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَٰوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾( ) يصدق على كل ما في السماوات وما في الأرض.
ثم قال رحمه الله:
ومثله المفرد إذ يضـاف*** فافهم هديت الرشد ما يضاف
(ومثله) يعني في إفادة العموم، مثل ما تقدم من الصيغ، فالضمير في قوله: (ومثله) يعود إلىٰ ما تقدم من الصيغ.
(المفردُ) والمراد بالمفرد: ما يقابل الجمع، وهو ما دل على الوَحدة، (إذ يضـاف) أي في حال إضافته.
والمثال الظاهر المتكرر في كلام أهل العلم قول الله تعالىٰ: ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾،( ) وجه التفريد؟ أين المفرد ﴿وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾؟ ﴿نِعْمَةَ اللّهِ﴾ إلى ماذا أضيف؟ إلى الله، فأفاد ماذا؟ أفاد العموم، أي: وإن تعدوا كل نعمة لله عز وجل لا تحصوها، فنحن لا نحصي نعم الله علينا لا في الأجناس ولا في الأنواع ولا في الأفراد.
قوله تعالىٰ: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)﴾.( ) هل هذا فقط في نعمة المال؟ في أي أنواع النعم؟ يصدق كل نعمة يتحدث بها الإنسان؟ المفرد (نعمة) وهي مضافة إلىٰ (ربك) فيصدق على كل نعمة، كل نعمة يتحدث بها الإنسان إذا كان ذلك لا مفسدة فيه، فيصدق على جميع النعم الظاهرة والباطنة الدينية والدنيوية، كل ذلك داخل في قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)﴾.
وهـٰذا العموم المستفاد من الإضافة ليس خاصّاً بالمفرد؛ بل حتى الجمع فإنه إذا أضيف أفاد العموم، ولكن ذكر المؤلف رحمه الله المفرد لاشتهار ذلك فيه، وإلا فإن الجمع أيضاً إذا أضيف أفاد العموم.
مثال الجمع المضاف من القرآن: ﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ﴾( ). (أولاد) جمع مضاف فيشمل كل ولد.
ومنه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)).( ) جعل بعض العلماء هذا النص عامّاً في الأولاد سواء كانوا الأولاد من الصلب أو الأولاد من الذرية، يعني فأدخلوا ولد الولد، فجعلوا من الواجب على الجد أن يعدل في ولد ولده.
ومن ذلك أيضاً قوله تعالىٰ: ﴿فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾( ). فهذا يشمل كل آلاء الله عز وجل؛ لأنه جمع أضيف، والأمثلة والشواهد على هذا كثيرة.
وبهذا البيت يكون قد انتهى وفرغ من ذكر صيغ العموم، وهي من المواضع المهمة في أصول الفقه؛ يعني من أهم وأبرز مباحث أصول الفقه مسألة دلالات الألفاظ والعموم.
قال رحمه الله:
ولا يتم الحكم حتى تجتمع*** كل الشروط والموانعْ ترتفع.
(ولا يتم الحكم) الحكم هنا يشمل كل حكم، من أين أخذنا الشمول؟ يقول: (ولا يتم الحكم حتى تجتمع) قلنا: هذا يشمل كل حكم. من أين أخذنا العموم؟ من الألف واللام.
هذا من ثمرات القاعدة المتقدمة.
(لا يتم الحكم) يعني في جميع الأحكام، سواء كانت الأحكام في أصول الدين أو في فروعه، في العقائد أو في الفقهيات، لا يتم الحكم؛ أي لا يثبت ولا يستقر حتى تجتمع كل الشروط والموانع ترتفع.
فعرفنا أن الحكم على شيء معين لا بد فيه من أمرين:
الأمر الأول: توافر الشروط، وتوافر الشروط يعني اكتمالها.
الأمر الثاني: انتفاء الموانع؛ أي الموانع التي تمنع ثبوت الحكم.
فمثلاً: في الميراث إذا توفي شخص عن أولاده، إذا أردنا أن نثبت حكم الميراث لهؤلاء، إذا أردنا أن نورثهم، ماذا ننظر؟ ننظر إلى الشروط، هل شروط الإرث موجودة؟ إذا كانت موجودة. هل قام مانع يمنع التوريث من قتل أو غيره مما يمنع من الإرث؟
فإذا لم يكن هناك موانع وتوافرت الشروط أثبتنا الحكم وورثناهم.
هذا في الفقهيات.
وفي العقائد أيضاً نحتاج إلى النظر إلى توافر الشروط وانتفاء الموانع.
فمثلاً قول أهل العلم: من قال: إن الله في كل مكان. فهو كافر. هذا ما عليه أهل السنة والجماعة، أن الذي يعتقد أن الله ليس في السماء وأنه في كل مكان فهو كافر.
هذا من الجمل التي تجدونها في كلام أئمة السلف، وأهل العلم قديماً وحديثاً.
هل يعني هذا أن كل شخص علمنا عنه أنه يقول: إن الله في كل مكان فهو كافر؟
الجواب: لا، لا بد من توفّر الشروط في هذا المعين، وانتفاء الموانع في هذا المعين، حتى يُحكم عليه بالكفر.
ولذلك ينبغي التفريق بين الحكم العام المطلق وبين الحكم الخاص المقيد المعين، ففرق بين الحكم المطلق وبين الحكم على المعين، وهذه من المسائل الكبار التي يحتاجها الإنسان في أصول الدين ومسائل الاعتقاد ويحتاجها أيضاً في الفروع والفقهيات على حدٍّ سواء، فلا تثبت الحكم في مسألة من المسائل أو في شخص من الأشخاص حتى تنظر إلى الشروط والموانع.
فإذا كانت الشروط قد توافرت والموانع قد انتفت، فأثبت الحكم، وإلا فلا تثبته؛ أي لا تثبته بالنسبة للمعين أو للقضية المعينة.
ثم قال رحمه الله:
ومن أتى بما عليه من عمل*** قد استحق ما له على العمل.
(ومن أتى بما عليه من عمل) (من) من ألفاظ العموم، من صيغ العموم، (من أتى بما عليه من عمل) يعني بما طلب منه من العمل، و(العمل) هنا يشمل عمل الدنيا وعمل الآخرة، (قد استحق ما له على العمل)، يعني استحق الذي رتِّب له على هذا العمل، وذلك في عمل الدنيا وعمل الآخرة، ولا فرق.
وهذه القاعدة صحيحة.
فإذا أخل بما عليه من العمل أو قصر، فإن كان الإخلال كليّاً ذهب ما له من الأجر أو ما رتب على هذا العمل، وإن كان الخلل جزئيّاً نقص بقدر ذلك.
أما في حق المخلوق فإنه إذا لم يأتِ بما له من العمل فإنه لا يستحق الأجر؛ لأنّ الأجرة مرتبة على العمل تامّاً كاملاً.
وأما في حق الله عز وجل فإن الله عز وجل لا يضيع عمل عامل؛ بل يعطي الكثير على القليل، ويجزي على العمل اليسير العطاء الجزيل، لا يضيع عند الله جل وعلا شيء.
وما ذكر في المطبوع من تعليق على هذه القاعدة ليس مطابقاً؛ لأن الكلام في شرح هذا البيت عن بيت آخر، عن مسائل الضمان.
ولذلك في الطبعة الجديدة إن شاء الله تعالى –ستخرج طبعة جديدة محققة- جرى التنبيه على هـٰذا الخطأ من الطابع، وأيضاً أثبت شرح هـٰذا البيت من كلام الشيخ رحمه الله.
ثم قال:
وكل حكم دائر معْ علته*** وهْي التي قد أوجبت لشرعته
(كل حكم) أي من الأحكام الشرعية (دائر مع علته) أي إنه مرتبط بعلته، فإذا ثبتت العلة ثبت الحكم، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم.
واعلم أن العلة إما أن تكون منصوصة وإما أن تكون مستنبطة.
فإذا كانت العلة منصوصة فالأمر واضح.
وإن كانت مستنبطة فمن قال بها أثبت الحكم بثبوتها، ومن لم يقل بها لم يربط الحكم بهذه العلة، لكن في العلل المنصوصة أو العلل المستنبطة عندما يقول بها فإنه يجعل الحكم مرتبطاً بالعلة، فإذا ثبتت العلة ثبت الحكم.
واعلم أن العلة تؤثر في الحكم من حيث ثبوته وجودًا وعدمًا، ومن حيث قوته وضعفه.
فالحكم مرتبط بالعلة: وجودًا وعدمًا، وقوةً وضعفاً.
وهذه المسألة مهمة؛ الأخيرة ارتباط الحكم بالعلة قوةً وضعفاً يغفل عنها كثير من الناس.
فمثلاً العلة في تحريم الغرر ما هي؟ هي ما يترتب على هذا العقد من المخاطرة التي يكون الإنسان فيها إما غانماً وإما غارماً، وما يترتب على ذلك من الحسرة والتنافر بين المسلمين.
نضرب مثالاً أدق من هـٰذا وأوضح: نهي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرجل عن أن يبيع على بيع أخيه، ما علته؟
ما علة هذا النهي؟ ما يقوم بسببه من العداوة والبغضاء بين المسلمين.
طيب هذا الحكم يثبت بثبوت العلة، فكل ما كان سبباً للعداوة والبغضاء بين المؤمنين فإنه يحرم، فالسوم على سوم أخيك يحرم، وقد جاء به النص.
التأجير على تأجير أخيك، هل فيه نص؟ نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يؤجر الرجل على إجارة أخيه؟ ما فيه نص؛ لكن العلة موجودة أو ليست موجودة؟ إذا كانت موجودة فالحكم ثابت، فالحكم يثبت في كل ما وجدت فيه العلة، هذا من حيث الحكم وجوداً وعدماً.
وارتباطه بعلته قوةً وضعفاً؟
مثال ذلك: لو أن رجلاً باع على بيع أبيه؟ التحريم أشد أو ليس أشد؟ أشد، ما وجه الشدة؟ أن حق الأب والتنافر الذي يحصل أعظم من التنافر بين المسلم والمسلم الأجنبي، فهنا يكون التحريم أغلظ، وهذا معنى قولنا: (الحكم يدور مع علته قوةً وضعفاً). فكلّما كانت العلة موجودة بشكل أكبر كان الحكم أثبت.
وهذا في هذه المسألة وفي غيرها.
مثلاً: قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف)).( ) هذا حكم أو ليس حكماً؟ حكم، ما الذي علّق عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخيرية في هذا الحديث؟ ((المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف))؟ ما هو الوصف المؤثر؟ قوة الإيمان؛ فكلما كان الإنسان متصفاً بالإيمان أكثر من غيره كانت خيريته أكثر.
طيب قول الله تعالىٰ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)﴾( ). هذا حكم أخروي يصدق على كل من اتصف بالتقوى، لكن هل المتصفون بالتقوى على درجة واحدة؟ مختلفون في درجة التقوى، فكلما كان الإنسان أقوى وأعظم تقوى كان نصيبه من التنعيم في الجنات وحصول النعيم أعظم.
وهـٰذه اتركها معك على طول الخط في مسائل الأحكام الشرعية الدنيوية الفقهية والأصولية والأحكام الأخروية ، فكلما اتصف الإنسان وقوي به الوصف الذي رُتِّبَ عليه الحكم كان ذلك دالاًّ على ثبوت الحكم في حقه أكثر من غيره.
فإن الحكم يرتبط بعلته أو يدور مع علته وجوداً وعدماً وهذا معروف ومتكرر، ويبقى الجزء الثاني من القاعدة وهو الذي يغفل عنه كثير من الناس ما هو؟ قوةً وضعفًا؛ وهذا يدور أيضاً مع علته قوةً وضعفًا.
ثم قال رحمه الله: (وهي التي قد أوجبت لشرعته) هذا تعريف العلة، يعني أن العلة هي التي أوجبت تشريع هـٰذا الحكم، فالعلة التي أوجبت تشريع هـٰذا الحكم هي التي يرتبط بها الحكم.
ثم قال المؤلف رحمه الله:
وكل شرط لازم للعاقـد*** في البيع والنكاح والمقاصد
إلا شروطاً حللت محرمـا*** أو عكسه فباطلات فاعلما
هـٰذا سقط من النسخة عندي، يقول:
ويفعل البعض من المأمورِ*** إن شق فعلُ سائر المأمور
(ويفعل البعض من المأمور) هذا دليله قول الله تعالىٰ: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾( ).
إنسان عجز عن جميع ما أمر به، فما الواجب عليه؟ الواجب عليه أن يفعل ما يستطيع: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾. فإذا كان الإنسان مثلاً في الطهارة لا يستطيع أن يغسل جميع بدنه، فما الواجب عليه؟ يغسل الذي يستطيع ويتيمم عن الباقي، فإن لم يستطع التيمم؟ لم يستطع المسح ولا التيمم ماذا يفعل؟ يسقط عنه، وهذه القاعدة سبق ما يُفهم منها فيما تقدم من الأبيات.
قال رحمه الله:
وكل ما نشأ عن المأذونِ*** فذاك أمر ليس بالمضمونِ
الشرح الذي عندكم في الكتاب في قوله:
ومن أتى بما عليه من عمل*** قد استحق ما له على العمل.
الشرح الذي على هـٰذا البيت هو لهذا البيت:
وكل ما نشأ عن المأذونِ*** فذاك أمر ليس بالمضمونِ
هذا تابع لقاعدة الضمان، كل شيء ينشأ ويترتب على الإذن فإنه لا ضمان فيه.
الآن، القصاص: إذا جنى شخص على غيره فقطع يده، ما الذي يجب في هـٰذا القطع؟ القصاص، جاء الرجل المجني عليه وقال: نطالب بالقصاص. فأنفذ القاضي طلبه وقطعت يد الجاني، ثم ترك هذه الجناية حتى مات هذا الجاني، الآن التلف تعدى موضع الجناية أو لا؟ تعدّى موضع الجناية، فهل المجني عليه يضمن؟ هل القاضي يضمن هذه السراية وهـٰذا الامتداد للجناية؟ لا يضمن؛ لماذا؟ لأن هذا التلف ترتّب على أمر مأذون فيه، ومن الذي أذن فيه؟ الشارع، فما ترتّب على المأذون فليس بمضمون.
وهذا في كثير من الأمور.
مثلاً شخص منكم استعار من صاحبه سيارة ليصل بها إلى المسجد النبوي، رجل عاقل قيادته سليمة حصل له حادث في الطريق بدون فعله، يعني بدون تعدٍّ ولا تفريط، الآن هل يضمن هذا السائق المستعير للسيارة ما جرى من تلف على السيارة؟ الجواب: لا يضمن، وما سبب ذلك؟
السبب أن تصرفه بالسيارة هل هو مأذون أو ليس مأذوناً فيه؟ تصرف مأذون فيه، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون.
الآن دع عنك السيارة، الآن أخذت قلم الأخ وكتبت كتابة معتادة فانكَسرت الريشة من جراء الكتابة، هل أضمن؟ لا ضمان، لماذا؟ لأنه أذن لي في استعماله ولم أتعدَّ ولم أُفرِّط، فإذا كان لا تعدي ولا تفريط فلا ضمان، إذا كان قد أذن لي في استعماله.
وبهذا نعلم أن قول المؤلف رحمه الله:
وكل ما نشأ عن المأذونِ*** فذاك أمر ليس بالمضمونِ
أنه لا فرق في الإذن، فإنه قد يكون الإذن من الشارع، وقد يكون الإذن من المالك، فسواء كان الإذن من الشارع أو الإذن من المالك فإنه لا ضمان على من تلفت العين في يده؛ لأنه تلفٌ ترتّب على مأذون، وما ترتب على المأذون فليس بمضمون.
لكن المهم لي في التعليق أن تنبهوا على الخطأ الحاصل في النسخة فإنّ قوله: أشياء توجب الضمان لو استقلت كانت تلك.... وما جاء بعد ذلك من شرح، هي كلها شرح لقوله:
وكل ما نشأ عن المأذونِ*** فذاك أمر ليس بالمضمونِ
وأما البيت الذي ذكره:
ومن أتى بما عليه من عمل*** قد استحق ما له على العمل
فإنه لم يكمل الطابع شرحه.
أما البيت:
وكل ما نشأ عن المأذونِ*** فذاك أمر ليس بالمضمونِ
البيت 37 هذا الشرح ليس له، وإن شاء الله تعالىٰ ستخرج نسخة مقابلة على خط المؤلف رحمه الله قريباً بإذن الله. نقف على هـٰذا ونأخذ بعض الأسئلة.
السؤال: أحسن الله إليكم يا شيخ، هل المفرد المضاف يفيد العموم مطلقاً أم لا يفيده إلا إذا أضيف إلىٰ معرفة؟
الجواب: الأصل في الإضافة أن تكون إلى معرفة؛ لأنه بها يحصل التعريف، وقد يضاف إلىٰ نكرة لكنه قليل، والقاعدة مطلقة: إذا أضيف المفرد أفاد العموم سواء أضيف إلىٰ نكرة أو أضيف إلىٰ معرفة.
السؤال: ما الفرق بين قاعدة: (الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً أو قوة وضعفاً) وبين القياس؟
الجواب: هي من مسائل القياس، العلة كلها من مباحث القياس، فلا فرق؛ لكنها قاعدة تذكر في القواعد الفقهية والقياس يذكر في كتب أصول الفقه.
السؤال: هل النية واجبة في الوسائل كما هي واجبة في المقاصد؟
الجواب: ما فهمت السؤال، هل النية واجبة في الوسائل كما هي واجبة في المقاصد، ما ذا يريد بقوله: (واجبة)، عمله لا بد له من نية، أما المشي فما أتصور أن أحداً يخرج من داره وإلا وهو ناوٍ الصلاة، كل من خرج من البيت إلىٰ المسجد فهو يريد الصلاة، من التكليف بالمحال أن تطلب من الشخص أن يعمل بلا نية، لا بد من نية، هل هي واجبة؟ لا، ليست واجبة بمعنى أن إنساناً خرج من بيته يريد أن يشتري أغراضاً، ثم مر بمسجد وهم يصلون فدخل وصلى معهم، هـٰذا لا حاجة أن ينوي عند خروجه من البيت أنه ذاهب إلىٰ المسجد. إن كنت تسأل على هـٰذا فهـٰذا لا حاجة إليه.
أما الوضوء فذكرنا لكم أنه لا بد له من نية لأنه عبادة، وإن كان وسيلة لعبادة؛ لكنه عبادة حث عليها الشارع ورغب فيها.
السؤال: هل قول الناظم رحمه الله:
وإن أتى التحريم في نفس العمل *** أو شرطه فذو فساد وخلل
هل يشير به إلىٰ قاعدة أصولية أو فقهية؟
الجواب: لا إلىٰ قاعدة أصولية.
السؤال: هـٰذا يسأل عن الفرق بين (لا) النافية و(لا) الناهية. مع ذكر أمثلة.
الجواب: هـٰذا في النحو؛ ولكن على كل حال (لا) النافية هي التي تنفي وجود الشيء، لا أحد في البيت، هـٰذا نفي.
وأما الناهية فهي التي تنهى عن إيجاد الفعل، تقول: لا تأتِ بالليل. تنهاه أو تنفي المجيء؟ أنت تنهى عن المجيء لا تنفي.
السؤال: وهـٰذا يسأل: كيف نجمع بين قولك: إن من استأذن في سلعة وأتلف بعضها بدون تفريط لم يضمن،وبين قول الشيخ:
لكن مع الإتلاف يثبت البدل.

الجواب: هـٰذا أخي بارك الله فيك في الخطأ والنسيان، إذا لم يكن إذن من المالك، والكلام فيما إذا كان للإنسان إذن... راجع الشرح ولا تعارض بين الأمرين. المسألتان مختلفتان.
وهـٰذا سؤال عبر الإنترنت من الكويت يقول السائل: بالنسبة لتحريم اللحوم هل هو مختص بالنوع أو ذكر الله أو بطريقة الذبح عند عدم المعرفة بالأمور السابقة ؟
الجواب: قول الناظم رحمه الله: (والأصل في اللحوم التحريم) ليس المراد به جنس اللحوم، إنما المراد به فيما إذا شك الإنسان في شرط الإباحة، فالأصل التحريم، هـٰذا مراد المؤلف رحمه الله.
وكذلك في قوله: (الأصل في الأبضاع التحريم) المراد إذا شك في سبب الإباحة، وأما إذا لم يشك في سبب الإباحة فإنه لا تحريم، ولا تتعارض هـاتان القاعدتان مع ما قررناه من أن الأصل في الأشياء الإباحة، فقوله رحمه الله في الأبضاع وفي اللحوم: إن الأصل فيها التحريم فإن ذلك فيما إذا شك الإنسان في سبب الإباحة أو في شرط الإباحة.
أما إذا لم يشك فالأصل في الأجناس الإباحة.
وأظن نبهت على هـٰذا في أثناء الشرح، أليس كذلك يا إخوان؟ على كل حال نبهنا والأشرطة تنطق بالحق، راجعوها وستجدون ذلك إن شاء الله.
السؤال: يسأل عن قول الناظم: (والنكراتِ في سياق النفي تعطي العموم) ما سبب الكسر؟
الجواب: لعل الكسر هنا للروي، وإلا فالأصل (والنكراتُ في سياق النفي) لأنه لا سبب للكسر، يعني لا سبب للنصب ولا للجر.
فإما أن تكون للروي هذا إذا كان المؤلف رحمه الله هكذا شكلها، وأنا لا أستحضر الأصل المخطوط هل هو بالكسر أو أنه لم يشكله رحمه الله لكن (والنكراتُ في سياق النفي) ماشي.
فلعلنا نراجع الأصل وإذا ثبت أن المؤلف رحمه الله كتبها بهذا الشكل فيكون استحسنها لفظاً، ومن المعلوم أن الشعر يجوز فيه ما لا يجوز في النثر من مخالفات، فإنه يستقيم لو قلت: (والنكراتُ في سياق النفي تعطي العموم أو سياق النهي).
لعل هـٰذا الكسر من الطابع.
السؤال: هل ورد عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول: ((بلى وأنا على ذلك من الشاهدين))( ) في آخر سورة التين ؟
الجواب: هـٰذا ورد في حديث إلا أنه ضعيف؛ ولكن الفقهاء رحمهم الله وهم ممن يتوسع في هـٰذه الأمور يرون أنه لا بأس وأنه يستحب للإنسان أن يقول ذلك.
ومما ورد عن الإمام أحمد أنه كان يستحب في هـٰذا الموضع أن يقول: سبحانك فبلى.
فلو قال هـٰذا أو قال غيره مما هو جواب للسؤال؛ لأن قوله: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)﴾،( ) هـٰذا سؤال يحتاج إلىٰ جواب.
فإذا قاله الإنسان فالأمر في هـٰذا واسع.
والقاعدة عند الفقهاء رحمهم الله: أنه إذا كان الحديث ليس بشديد الضعف فإنه يفيد الاستحباب إن كان أمراً، ويفيد الكراهة إن كان نهياً. وهـٰذه قاعدة جرى عليها فقهاء الحنابلة. وأيضاً مستعملة؛ لكن صرح بها ابن مفلح رحمه الله في نكته على المحرر.
المنهي عنه في الصلاة خطاب الآدميين، أما خطاب الله فلم ينه عنه، وهو هنا يخاطب الله.
لكن في الفرض مسألة إجابة الآيات أو الاستعاذة أو السؤال بآيات السؤال والاستعاذة من آيات الوعيد لم ترد، إنما وردت في النفل.
وقال بعض الفقهاء: إن ما ثبت في النفل يثبت في الفرض ولا فرق.
لكن الصحيح في مثل هـٰذا نقول: يجوز في الفرض لثبوته في النفل؛ لكن إنما ورد استحبابه وسنيته في النفل؛ لأن النفل مبني على التطويل بخلاف الفرض.
السؤال: يسأل عن الحديث الذي ورد فيه أن الصلاة في حرم مكة بألف صلاة، فهل هـٰذا الفضل في الحرم في المسجد الحرام، دون مساجد مكة أم لا؟
الجواب: هـٰذا فيه قولان لأهل العلم:
جمهور العلماء على أن الفضل في مضاعفة الصلاة في مكة ليس خاصّاً بمسجد الكعبة، إنما هو عام في كل الحرم، هـٰذا الذي عليه جمهور أهل العلم.
واختار جماعة -وهو قول في مذهب الحنابلة- أن الفضل خاص بمسجد الكعبة، وهو اختيار شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله، فإنه كان يرى أن الفضل خاص بمسجد الكعبة لحديث: ((صلاة في مسجد الكعبة)) وهو في صحيح مسلم( )، فقيد الفضل بالصلاة في مسجد الكعبة، فالمضاعفة تكون لمن صلى في مسجد الكعبة، وأما الصلاة في غير مسجد الكعبة من الحرم فهي أفضل من الصلاة في غير الحرم؛ لكنها لا تبلغ في المضاعفة والفضل ما يبلغه الصلاة في مسجد الكعبة.
السؤال: ما هو الأفضل في صلاة السنة قبل الظهر الأربع الركعات هل تصلى مجتمعة أم مثنى مثنى؟
الجواب: التنفل في صلاة الليل والنهار مثنى مثنى؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل عن صلاة الليل: ((صلاة الليل مثنى مثنى))( ) وفي رواية في السنن: ((صلاة الليل والنهار مثنى مثنى))،( ) وهـٰذه الرواية صححها شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله.
فالأفضل في كل النوافل أن تكون مثنى مثنى في الليل والنهار.
السؤال: رجل نوى أن يصلي أربع ركعات متصلة بتسليمة واحدة، وأثناء الصلاة هل يجوز أن يغير النية من الأربع إلىٰ الاثنتين لأمر طارئ مثلاً، وهل يصح العكس؟
الجواب: الظاهر أنه لا بأس؛ لأنه يرجع إلىٰ الأفضل وهو صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
السؤال: يسأل عن الفرق بين الفاسد والباطل عند الحنفية.
الجواب: ما أدري، أما عند الحنابلة فلا يفرقون بين الفاسد والباطل إلا في النكاح والحج، فالفاسد في الحج هو الذي يجب فيه المضي، وأما الباطل فإنه الذي لا يجب فيه المضي.
وكذلك النكاح الفاسد ما اختلف فيه من النكاح، وأما الباطل فالذي أجمع العلماء على بطلانه.
أما الفرق بينهما عند الحنفية فلا علم لي.
لكن أعلم الفرق بين الفرض والواجب، فإذا كان الفرق نظير الفرق بين الفرض والواجب فهم يجعلون الفرض ما ثبت بالكتاب والواجب ما ثبت في السنة، فإن كانوا يفرقون أيضاً هـٰذا التفريق، يراجع أحد الكتب الأصولية في مذهب الحنفية ويصل إلىٰ الجواب إن شاء الله تعالى.
السؤال: هل يقدح في مروءة الرجل تركه سنن الفطرة ؟
الجواب: نعم يقدح في مروءته؛ لأن سنن الفطرة منها ما هو واجب؛ فينبغي على الإنسان أن لا يفرط فيها.
السؤال: هـٰذا يسأل عن اللحوم المستوردة هل يجوز أكلها؟
الجواب: نعم يجوز أكلها ولا حرج في ذلك؛ لأن ما يصل إلىٰ بلادنا إنما يدخل عبر جهات تراقب هـٰذه الأمور، فإذا قدم لك شيء من ذلك فكل ولا حرج عليك.
وهذا ما يفتي به شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله.
وأما ما يقال من أنهم لا يذبحون على الطريقة الشرعية أو ما أشبه ذلك مما يقال.
فنقول: الأمر ليس إلينا، إلىٰ الجهات المختصة التي أوكل إليها مراقبة هـٰذه الأمور من قبل ولي الأمر وهي تتحرى، فما دخل فلا حرج كُل، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة: إن أقواماً يأتوننا باللحم لا ندري عنها. قال: ((سموا أنتم وكلوا)). ( )
لكن لو أن شخصاً أراد أن يتورع وأن يحتاط هـٰذا أمر يرجع إليه، لكن الكلام في التحليل والتحريم، التحليل والتحريم لا يقبل عليه الإنسان إلا على بصيرة وعلى وضوح تام.
أما على أقاويل الله أعلم بها لأن كثيراً ممن يشاهد اللحم الفلاني لا يذبح على الطريقة الشرعية، يكون ناتجاً عن المنافسة بين الشركات في رواج هـٰذا النوع من الطعام، فتروج وتنشر صوراً بأنه لم يذبح. والله أعلم.
على كل حال بالنسبة لما يدخل إلىٰ بلادنا فهو موكل إلىٰ جهة تتحرى وتقوم بما يلزم، وأما نحن فما وجدناه في أسواقنا في أسواق المسلمين فإننا نسمي الله عليه ونأكل ولا حرج.
سؤال عن طريق الإنترنت يقول: متى يباح أخذ الرخصة في الجمع والقصر في الصلاة والإفطار؟
الجواب: في السفر، القصر لا يجوز إلا في السفر، وأما الرخصة في الإفطار والجمع فهـٰذه لا تتعلق إلا بالسفر، فإن المريض له أن يفطر والمريض له أن يجمع ولو كان في بيته.
والله تعالىٰ أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
 

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات83605 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78547 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات72922 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60794 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات55187 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52350 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49622 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات48428 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44963 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44275 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف