×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / كشف الشبهات / الدرس(7) من التعليق على كشف الشبهات

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(7) من التعليق على كشف الشبهات
00:00:01

فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع والمشفع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: ﴿قل لله الشفاعة جميعا﴾([1])ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل: ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه﴾([2])، ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل: ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾([3])، وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: ﴿ومن يبتغ غير الأسلام دينا فلن يقبل منه﴾([4])، فإذا كانت الشفاعة كلها لله ولا تكون إلا بعد إذنه ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد بين لك أن الشفاعة كلها لله، وأطلبها منه، وأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال ذلك. ثم قال رحمه الله: فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟ هذه هي الشبهة الخامسة وهي رجوع إلى موضوع الشفاعة وقد ذكرنا لكم أن الشفاعة هي أعظم ما يعتمد عليه المشركون في تسويغ الشرك والوقوع فيه والشفاعة في اللغة: من الشفع وهو الزوج. وفي الاصطلاح: هي التوسط لجلب نفع أو دفع ضر عن الغير لأجله أي لأجل ذلك الغير. والشفاعة يثبتها أهل السنة والجماعة للنبي  صلى الله عليه وسلم  وللملائكة وللصالحين وللأنبياء وأعلى الخلق نصيبا في الشفاعة هة نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم  فإن أهل السنة والجماعة يثبتون له  صلى الله عليه وسلم  شفاعات لا يشرك فيها غيره وشفاعات يشرك فيها غيره. والشفاعات التي يشارك فيها النبي  صلى الله عليه وسلم  له فيها النصيب الأعلى الأوفى وهذا من أكبر الرد على هذا المبطل إذ أنه شغب على الموحدين بقوله: أتنكر شفاعة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وتبرأ منها؟ فالجواب: أن الموحدين لا ينكرون شفاعة النبي  صلى الله عليه وسلم  بل يثبتون له أكمل الشفاعات و يثبتون له  صلى الله عليه وسلم  شفاعات يشرك فيها غيره وشفاعات لا يشرك فيها غيره. والشفاعات التي يشارك فيها النبي  صلى الله عليه وسلم  له فيها النصيب الأعلى الأوفى. وأجاب الشيخ فقال رحمه الله: فقل لا أنكرها ولا أتبرأ منها بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو شفاعته: إذا فيه إبطال لشبهته، الآن نأتي للرد على ما اعتمد عليه في وقوع الشرك، بعد أن قررنا أن الشفاعة ثابتة للنبي  صلى الله عليه وسلم  نرد عليه من جهة تعلقه بهذه الشفاعة وأن إثبات الشفاعة للنبي  صلى الله عليه وسلم  لا يسوغ التوسل به ولا صرف أنواع العبادة له  صلى الله عليه وسلم . ثم قال رحمه الله: لكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: ﴿قل لله الشفاعة جميعا﴾([5]): وهذا فيه إثبات الشفاعة لله سبحانه وتعالى وأنها ملكه وأنها له دون غيره وهذا يبين لك أن الشفاعة محض فضل من الله سبحانه وتعالى على الشافع والمشفع فيه لا كما يفهمها المشركون من أنها حق للشافع ولذلك قال تعالى: ﴿قل لله الشفاعة جميعا﴾فإذا كانت الشفاعة له سبحانه وتعالى وهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه فيأذن للشفيع ويأمره أن يشفع في المشفوع فيه علمنا بذلك أنه لا وجه لسؤالها من الشفيع بل الواجب أن تطلب من الله سبحانه وتعالى وتسأل منه سبحانه وتعالى. ولذلك قال رحمه الله في بيان معنى أنها له سبحانه وتعالى: ولا تكون إلا من بعد إذن الله، فهي لا تكون إلا من بعد إذنه وأمره كما قال الله تعالى: ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه﴾([6])فنفى الله سبحانه وتعالى أن يشفع عنده أحد إلا بإذنه وهذا أحد شرطي الشفاعة، إذن الله سبحانه وتعالى والثاني ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال الله تعالى: ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾([7])وهذا فيه الشرط الثاني من شروط الشفاعة وهو رضى الله سبحانه وتعالى عن الشافع والمشفع فيه. ثم قال رحمه الله: وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه﴾([8])وأظهر من هذه الآية في الدليل على أن الشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد ما رويفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سأل النبي  صلى الله عليه وسلم  فقال: ((يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال  صلى الله عليه وسلم : أسعد الناس بشفاعتي: من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه))([9])فيكون أسعد الناس وأحظهم بشفاعة النبي  صلى الله عليه وسلم  هم أهل التوحيد. ثم قال رحمه الله: فإذا كانت الشفاعة كلها لله ولا تكون إلا بعد إذنه ولا يشفع النبي  صلى الله عليه وسلم  في أحد حتى يأذن الله فيه ولا يأذن إلا لأهل التوحيد تبين لك أن الشفاعة كلها لله: فبالتالي إذا كانت الشفاعة كلها لله تعالى فهل يسوغ طلبها من غيره؟ لا. ثم قال رحمه الله: وأطلبها منه وأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته اللهم شفعه في وأمثال هذا وفي هذا غاية التوحيد والإقبال على الله تعالى والإخلاص فإن بيده الخير ولا يسأل إلا منه. فإن قال: النبي  صلى الله عليه وسلم  أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله، فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال: ﴿فلا تدعو مع الله أحدا﴾([10]). فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك، فأطعه في قوله ﴿فلا تدعوا مع الله أحدا﴾ وأيضا فإن الشفاعة أعطيها غير النبي  صلى الله عليه وسلم ، فصح أن الملائكة يشفعون والأفراد يشفعون والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت لا، بطل قولك أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله. ثم قال رحمه الله: فإن قال: النبي  صلى الله عليه وسلم  أعطى الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله: الشبهة هي أنه زعم أن إعطاء الله سبحانه وتعالى لنبيه  صلى الله عليه وسلم  الشفاعة يسوغ طلب الشفاعة منه  صلى الله عليه وسلم  كطلب أي شيء فالنبي  صلى الله عليه وسلم  لما كان حيا كان يطلبه الصحابة المال والمال قد أعطاه الله إياه وكذلك الشفاعة أعطاه الله إياها وأنا أطلبها منه. والجواب على هذه الشبهة ما قاله الشيخ رحمه الله: فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا: أعطاه الشفاعة ولا شك كما ثبت ذلك في الأحاديث الكثيرة ونهاك عن هذا أي نهاك عن سؤال الشفاعة من غيره فقال تعالى: ﴿فلا تدعو مع الله أحدا﴾وهذا يشمل النبي  صلى الله عليه وسلم  ويشمل غيره. فدعاء غير الله تعالى وطلب الشفاعة منه نهى الله سبحانه وتعالى عنه في هذه الآية ﴿فلا تدعو مع الله أحدا﴾وأحدا نكره في سياق النهي فتعم كل أحد والدعاء الذي نهى عنه الله في هذه الآية هو دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة، قال ابن تيمية رحمه الله: " كل دعاء ذكره الله سبحانه وتعالى عن المشركين لأوثانهم فإن المراد به دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة". فقد نهى الله سبحانه وتعالى هنا عن الدعاء الذي كان يفعله الجاهليون وهو دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة فلا يجوز طلب الحوائج من غير الله سبحانه وتعالى ولا يجوز صرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى وأيضا فإن الشفاعة أعطيها غير النبي  صلى الله عليه وسلم . هذا الوجه الثاني في الجواب على هذه الشبهة. ثم قال رحمه الله: فصح أن الملائكة يشفعون والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه: فسؤال الشفاعة من النبي  صلى الله عليه وسلم  لأنه أعطيها سبيل لسؤال الملائكة وسبيل لسؤال الصالحين الذين أعطوا الشفاعة وبالتالي يقع العبد فيما وقع فيه المشركون الأوائل الذين عبدوا الملائكة والجن والصالحين بدعوى: ﴿ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى﴾([11])وبدعوى يقولون ﴿هؤلاء شفعاؤنا عند الله﴾([12])وقد تقدم بطلان هذا، فدل عدم جواز سؤال الشفاعة من الملائكة مع أنهم أعطوها ومن الصالحين مع أنهم أعطوها أنه لا يجوز سؤال الشفاعة من النبي  صلى الله عليه وسلم  مع إثباتنا أنه  صلى الله عليه وسلم  قد أعطيها. ثم قال: وإن قلت: لا. بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله. فيقر لنا بأنه لا تطلب الشفاعة من النبي  صلى الله عليه وسلم  مع إثباتها له وأنه قد أعطيها. وهناك وجه أشار إليه شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب على هذه الشبهة في القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة: ذكر رحمه الله أن الله سبحانه وتعالى أخبر أن الملائكة يشفعون ويدعون للمؤمنين﴿الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم﴾([13])إلى الآيات التي تليها ففي جميعها دعاء للذين تابوا والدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم، فإثبات دعاء الملائكة من هذه الآية لم يجعل سؤال الدعاء منهم مشروعا فلم ينقل عن النبي  صلى الله عليه وسلم  ولا عن الصحابة ولا عن القرون المفضلة أنهم سألوا الملائكة الدعاء فدل ذلك على عدم جواز مشروعية سؤال الدعاء أو الشفاعة ممن أعطيها بل لا يسأل إلا الله سبحانه وتعالى. وبهذا تسقط هذه الشبهة. وننتقل إلى الشبهة التي بعدها. . فإن قال: أنا لا أشرك بالله شيئا حاشا وكلا ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك، فقل له: إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا وتقر أن الله لا يغفره، فما الذي حرمه الله وذكر أنه لا يغفره، فإن كان لا يدري، فقل له: كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه؟ أم كيف يحرم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه، أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟؟ الشبهة السابعة تبتدئ بقوله: فإن قال أنا لا أشرك بالله شيئا حاشا وكلا ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك، قبل قليل ماذا قال؟ الالتجاء إلى الصالحين ليس عبادة وأثبتنا له أنها عبادة والقاعدة أن صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله فهو شرك الآن عاد وقال: ليس بشرك فقل له: إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا وتقر أن الله لا يغفره فما هذا الأمر الذي عظمه الله وذكر أنه لا يغفر فإنه لا يدري. وحقيقة أنه لا يدري إذا كان يقول: إن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك فإنه لا يدري ما الشرك الذي حرمه الله سبحانه وتعالى وذكر أنه لا يغفره فقل له: كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه؟ أم كيف يحرم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟! لا والله لا يحرم الله شيئا علينا إلا بعد أن يبينه ويوضحه إما في كتابه أو في سنة نبيه  صلى الله عليه وسلم  وأعظم ما حرمه الله سبحانه وتعالى على الناس هو الشرك به ولذلك جاء الكتاب كله في تقرير التوحيد كما قال ابن القيم رحمه الله: فآيات الكتاب إما أن تكون بيانا للتوحيد أو ونهيا عن ضده أو بيانا لحقوقه أو بيانا لجزاء من حققه أو لبيان عقوبة من خالفه، فالقرآن كله في بيان التوحيد الذي ضده الشرك. والضد يظهر حسنه الضد وبضدها تتميز الأشياء. فالله سبحانه وتعالى بين التوحيد والشرك في كتابه أعظم بيان والشرك الذي حرمه الله سبحانه وتعالى هو تسوية غيره به في الربوبية أو في الألوهية أو في الأسماء والصفات والشرك الذي نتكلم عليه هنا هو شرك الإلهية الذي هو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، وقد تقدم معنا قبل قليل أن الدعاء عبادة فأجر القاعدة: صرف العبادة إلى غير الله يؤدي إلى الشرك وهذا صرف الدعاء لغير الله فهو واقع في الشرك. ولذلك لم يفصل الشيخ رحمه الله في الجواب على هذه الشبهة لأنه قد تكلم عليها فيما مضى أي في الشبهة التي ذكر فيها المشبه أن الدعاء ليس عبادة. ثم انتقل إلى شبهة أخرى فقال: كلام المؤلف. . . فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فقل: ما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن، كما في قوله تعالى: ﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض﴾([14]). وإن قال هو من قصد خشبة أو حجرا أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون، إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع عنا ببركته ويعطينا ببركته. فقل صدقت، وهذا فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها، فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام، وهو المطلوب ويقال له أيضا قولك: "الشرك عبادة الأصنام"، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في هذا؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحدا من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب. هذه الشبهة هي قريبة من الشبهة التي تقدمت في الشبه الكبار وهي التفريق بين عبادة الأصنام وعبادة غيرها فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام، فقل: وما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن. إذا مفهوم العبادة التي ذكرها الشيخ رحمه الله هنا أن تلك الأخشاب تخلق وترزق وتدبر ليس سليما وليس مستقيما إذ إنهم لا يعتقدون ذلك، فالله سبحانه وتعالى أخبر عنهم أنهم كانوا يقولون عندما يسألون: ﴿قل من يرزقكم من السماء والأرض﴾([15])الآيات ﴿فسيقولون الله﴾([16])فكانوا يقرون لله سبحانه وتعالى بتوحيد الربوبية. وإن قال هو من قصد خشبة أو حجرا أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون، إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع عنا ببركته ويعطينا ببركته. فقل صدقت، وهذا فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها، فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام، وهو المطلوب ويقال له أيضا قولك: "الشرك عبادة الأصنام"، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في هذا؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحدا من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب. وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله، فقل له: وما الشرك بالله؛ فسره لي؟ فإن قال: هو عبادة الأصنام، فقل: وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي؟ فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله وحده. فقل: ما معنى عبادة الله وحده فسرها لي؟ فإن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب، وإن لم يعرفه فكيف يدعي شيئا وهو لا يعرفه؟ وإن فسر ذلك بغير معناه بينت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعبادة الأوثان، وأنه يفعلونه في هذا الزمان بعينه، وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرونها علينا ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا: (أجعل الآلهة إلها واحدا، إن هذا لشيء عجاب). فهذه هي ثامن الشبة التي ذكرها الشيخ رحمه الله وهي قول المشبه الشرك عبادة الأصنام. . . ثم قال رحمه الله: وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله. فقل: وما الشرك بالله فسره لي؟ فإن قال: هو عبادة الأصنام. فقل وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي؟ فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله وحده. فقل: ما معنى عبادة الله وحده فسرها لي؟ فإن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب: والذي بينه القرآن في تفسير العبادة هو أنها: كل ما أمر الله سبحانه وتعالى به وأمر به رسوله  صلى الله عليه وسلم  وألا تصرف إلا لله سبحانه وتعالى وحده دون غيره. فهذا الذي يدل عليه القرآن في معنى العبادة. وان لم يعرف فكيف يدعي شيئا وهو لا يعرفه؟ وإن فسر ذلك معناه بينت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعبادة الأوثان الذي يفعلونه في هذا الزمان بعينه وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرونها علينا ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا: ﴿أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب﴾([17]): والمشركون الأوائل وورثتهم من مشركي الأزمان المتأخرة يستهتزئون بكل من دعا إلى التوحيد ويسخرون منه بل ويصيحون بأعلى أصواتهم قائلين: ﴿أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب﴾وما ذلك إلا أنه كبر عليهم أن يتوجهوا بالعبادة لله وحده سبحانه وتعالى وإلا فلازم إقرارهم بأن الله هو الرزاق وأنه لا يرزق غيره وأنه لا يملك غيره ولا يدبر غيره ألا تصرف العبادة إلا له سبحانه وتعالى دون غيره. فإن قال: إنهم لا يكفرون بدعاء الملائكة والأنبياء، وإنما يكفرون لما قالوا: الملائكة بنات الله؛ فإنا لم نقل: عبد القادر ابن الله ولا غيره. فالجواب: أن نسبة الولد إلى الله كفر مستقل؛ قال الله تعالى: ﴿قل هو الله أحد  *  الله الصمد﴾([18])، والأحد الذي لا نظير له، والصمد المقصود في الحوائج، فمن جحد هذا؛ فقد كفر، ولو لم يجحد السورة. وقال تعالى: ﴿ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله﴾([19])، ففرق بين النوعين، وجعل كلا منهما كفرا مستقلا. وقال تعالى: ﴿وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم﴾([20])، ففرق بين كفرين. والدليل على هذا أيضا أن الذين كفروا بدعاء اللات، مع كونه رجلا صالحا؛ لم يجعلوه ابن الله، والذين كفروا بعبادة الجن لم يجعلوهم كذلك، وكذلك أيضا العلماء في جميع المذاهب الأربعة؛ يذكرون في باب حكم المرتد أن المسلم إذا زعم أن لله ولدا؛ فهو مرتد، ويفرقون بين النوعين، وهذا في غاية الوضوح. وإن قال: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾([21]). فقل: هذا هو الحق، ولكن لا يعبدون، ونحن لم نذكر إلا عبادتهم مع الله، وشركهم معه، وإلا؛ فالواجب عليك حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين. ثم قال رحمه الله: فإن قال: إنهم لا يكفرون بدعاء الملائكة والأنبياء وإنما يكفرون لما قالوا: الملائكة بنات الله فإنا لم نقل: عبدالقادر ابن الله ولا غيره. وهذه الشبهة هي التاسعة وهي شبهة زائدة وهي قولهم إن المشركون إنما كفروا بنسبة الولد إلى الله سبحانه وتعالى ولم يكفروا بالتوجه إلى الصالحين وإلى الملائكة وإلى غيرهم ممن زعموهم يقربونهم عند الله. فالجواب عن هذه الشبهة ما ذكره الشيخ رحمه الله: إن نسبة الولد إلى الله كفر مستقل قال الله تعالى: ﴿قل هو الله أحد  *  الله الصمد﴾([22])والأحد: الذي لا نظير له. والصمد: المقصود في الحوائجفمن جحد هذا فقد كفر ووجه الدلالة في نفي الولد عن الله سبحانه وتعالى في هذه السورة في قوله تعالى: ﴿لم يلد ولم يولد﴾([23])وكذلك في قوله: ﴿أحد﴾ فهو لا يحتاج إلى ولد , وفي قوله: ﴿الصمد﴾ الذي تصمد إليه الخلائق، والنص في نفي الولد عنه سبحانه وتعالى في قوله تعالى: ﴿لم يلد ولم يولد﴾. فمن جحد هذا فقد كفر ولو لم يجحد السورة وقال تعالى: ﴿ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله﴾([24])ففرق بين النوعين وجعل كلا منهما كفرا مستقلا. وقال تعالى: ﴿وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم﴾([25])جعل سبحانه وتعالى الكفر الذي وقع فيه المشركون أنهم جعلوا لله شركاء الجن واخترعوا له واختلقوا بنين وبنات بغير علم. ثم قال رحمه الله: ففرق بين الكفرين بين الكفر بنسبة الولد إلى الله سبحانه وتعالى وبين الكفر بإشراك غيره معه في العبادة. والدليل على هذا أيضا أن الذين كفروا بدعاء اللات مع كونه رجلا صالحا لم يجعلوه ابن الله والذين كفروا بعبادة الجن لم يجعلوهم كذلك. إذا استدل الشيخ رحمه الله على إبطال هذه الشبهة بأن هذا القول كفر مستقل ولو لم يضف إليه الشرك بالله سبحانه وتعالى واستدل لهذا بقوله تعالى: ﴿وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم﴾ فذكر نوعي الكفر في هذه الآية واستدل بواقع المشركين فإن من المشركين من كان يعبد غير الله ولا يدعيه ولدا لله سبحانه وتعالى كما كانوا يعبدون اللات ولم يقولوا: إنه ابن الله وكما كانوا يعبدون الجن ولم يقولوا: إنهم أبناء الله أو أولاد الله. يقول: وكذلك أيضا: يعني في الاستدلال على أن نسبة الولد لله تعالى كفر مستقل العلماء في جميع المذاهب الأربعة يذكرون في باب حكم المرتد أن المسلم إذا زعم أن لله ولدا فهو مرتد ولو لم يشرك معه ذلك الولد ولو لم يشرك معه غيره في العبادة ويفرقون بين النوعين وهذا في غاية الوضوح. ثم قال رحمه الله: وإن قال في الاستدلال على شبهته: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾([26])هذا يستدل به على جواز دعائهم وسؤالهم وطلب الشفاعة منهم وهذه هي الشبهة العاشرة فقل: هذا هو الحق ولكن لا يعبدون هذا حق ما ذكرته من أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون حق نثبته من وروده في كتاب الله سبحانه وتعالى ولكن هذا لا يسوغ عبادتهم ولا صرف العبادة لهم من دون الله سبحانه وتعالى ونحن لم نذكر إلا عبادتهم مع الله يعني لما أنكرنا عبادة الأولياء لم ننكر فضلهم ولا منزلتهم ولا مكانهم ولا ما أعده الله سبحانه وتعالى لهم إنما أنكرنا صرف العبادة لهم دون الله ولكن لا يعبدون، ونحن لم نذكر إلا عبادتهم مع الله، وشركهم معه، وإلا؛ فالواجب عليك حبهم واتباعهم والإقرار بكراماتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين. ([1]) الزمر: 44. ([2]) البقرة: 255. ([3]) الانبياء: 28. ([4]) آل عمران: 85. ([5]) الزمر: 44 ([6]) البقرة: 255 ([7]) الأنبياء: 28 ([8]) آل عمران: 85 ([9]) أخرجه البخاري في كتاب العلم من حديث أبي هريرة برقم 97. ([10]) الجن: 18 ([11]) الزمر: 3. ([12]) يونس: 18. ([13]) غافر: 7. ([14]) يونس: 31. ([15]) يونس: 31. ([16]) يونس: 31. ([17]) ص: 5 ([18]) الإخلاص: 1-2. ([19]) المؤمنون: 91. ([20]) الأنعام: 100 ([21]) يونس: 64 ([22]) الإخلاص: 1، 2 ([23]) الإخلاص: 3 ([24]) المؤمنون: 91. ([25]) الأنعام: 100. ([26]) يونس: 62.

المشاهدات:4271


فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها فقل: لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع والمشفع وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاًً﴾([1])ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾([2])، ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾([3])، وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾([4])، فإذا كانت الشفاعة كلها لله ولا تكون إلا بعد إذنه ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحدٍ حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد بين لك أن الشفاعة كلها لله، وأطلبها منه، وأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال ذلك.



ثم قال رحمه الله: فإن قال: أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟ هذه هي الشبهة الخامسة وهي رجوع إلى موضوع الشفاعة وقد ذكرنا لكم أن الشفاعة هي أعظم ما يعتمد عليه المشركون في تسويغ الشرك والوقوع فيه والشفاعة في اللغة: من الشفع وهو الزوج. وفي الاصطلاح: هي التوسط لجلب نفع أو دفع ضر عن الغير لأجله أي لأجل ذلك الغير. والشفاعة يثبتها أهل السُنّة والجماعة للنبي  صلى الله عليه وسلم  وللملائكة وللصالحين وللأنبياء وأعلى الخلق نصيباً في الشفاعة هة نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم  فإن أهل السُنّة والجماعة يثبتون له  صلى الله عليه وسلم  شفاعات لا يشرك فيها غيره وشفاعات يشرك فيها غيره. والشفاعات التي يشارك فيها النبي  صلى الله عليه وسلم  له فيها النصيب الأعلى الأوفى وهذا من أكبر الرد على هذا المبطل إذ أنه شغّب على الموحدين بقوله: أتنكر شفاعة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  وتبرأ منها؟ فالجواب: أن الموحدين لا ينكرون شفاعة النبي  صلى الله عليه وسلم  بل يثبتون له أكمل الشفاعات و يثبتون له  صلى الله عليه وسلم  شفاعات يشرك فيها غيره وشفاعات لا يشرك فيها غيره. والشفاعات التي يشارك فيها النبي  صلى الله عليه وسلم  له فيها النصيب الأعلى الأوفى.



وأجاب الشيخ فقال رحمه الله: فقل لا أنكرها ولا أتبرأ منها بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو شفاعته: إذاً فيه إبطال لشبهته، الآن نأتي للرد على ما اعتمد عليه في وقوع الشرك، بعد أن قررنا أن الشفاعة ثابتة للنبي  صلى الله عليه وسلم  نرد عليه من جهة تعلقه بهذه الشفاعة وأن إثبات الشفاعة للنبي  صلى الله عليه وسلم  لا يسوغ التوسل به ولا صرف أنواع العبادة له  صلى الله عليه وسلم .



ثم قال رحمه الله: لكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً([5]): وهذا فيه إثبات الشفاعة لله سبحانه وتعالى وأنها ملكه وأنها له دون غيره وهذا يُبيّن لك أن الشفاعة محض فضل من الله سبحانه وتعالى على الشافع والمشفع فيه لا كما يفهمها المشركون من أنها حق للشافع ولذلك قال تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاًفإذا كانت الشفاعة له سبحانه وتعالى وهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه فيأذن للشفيع ويأمره أن يشفع في المشفوع فيه علمنا بذلك أنه لا وجه لسؤالها من الشفيع بل الواجب أن تطلب من الله سبحانه وتعالى وتُسأل منه سبحانه وتعالى. ولذلك قال رحمه الله في بيان معنى أنها له سبحانه وتعالى: ولا تكون إلا من بعد إذن الله، فهي لا تكون إلا من بعد إذنه وأمره كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ([6])فنفى الله سبحانه وتعالى أن يشفع عنده أحد إلا بإذنه وهذا أحد شرطي الشفاعة، إذن الله سبحانه وتعالى والثاني ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال الله تعالى: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى([7])وهذا فيه الشرط الثاني من شروط الشفاعة وهو رضى الله سبحانه وتعالى عن الشافع والمشفع فيه.



ثم قال رحمه الله: وهو لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ([8])وأظهر من هذه الآية في الدليل على أن الشفاعة لا تكون إلا لأهل التوحيد ما رويفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سأل النبي  صلى الله عليه وسلم  فقال: ((يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ فقال  صلى الله عليه وسلم : أسعد الناس بشفاعتي: من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه))([9])فيكون أسعد الناس وأحظهم بشفاعة النبي  صلى الله عليه وسلم  هم أهل التوحيد.



ثم قال رحمه الله: فإذا كانت الشفاعة كلها لله ولا تكون إلا بعد إذنه ولا يشفع النبي  صلى الله عليه وسلم  في أحد حتى يأذن الله فيه ولا يأذن إلا لأهل التوحيد تبين لك أن الشفاعة كلها لله: فبالتالي إذا كانت الشفاعة كلها لله تعالى فهل يسوغ طلبها من غيره؟ لا.



ثم قال رحمه الله: وأطلبها منه وأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته اللهم شفِّعه فيَّ وأمثال هذا وفي هذا غاية التوحيد والإقبال على الله تعالى والإخلاص فإن بيده الخير ولا يُسأل إلا منه.



فإن قال: النبي  صلى الله عليه وسلم  أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله، فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال: ﴿فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً﴾([10]). فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك، فأطعه في قوله ﴿فلا تدعوا مع الله أحداً﴾ وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي  صلى الله عليه وسلم ، فصح أن الملائكة يشفعون والأفراد يشفعون والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه، وإن قلت لا، بطل قولك أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله.



ثم قال رحمه الله: فإن قال: النبي  صلى الله عليه وسلم  أعطى الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله: الشبهة هي أنه زعم أن إعطاء الله سبحانه وتعالى لنبيه  صلى الله عليه وسلم  الشفاعة يُسوغ طلب الشفاعة منه  صلى الله عليه وسلم  كطلب أي شيء فالنبي  صلى الله عليه وسلم  لما كان حياً كان يطلبه الصحابة المال والمال قد أعطاه الله إياه وكذلك الشفاعة أعطاه الله إياها وأنا أطلبها منه.



والجواب على هذه الشبهة ما قاله الشيخ رحمه الله: فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا: أعطاه الشفاعة ولا شك كما ثبت ذلك في الأحاديث الكثيرة ونهاك عن هذا أي نهاك عن سؤال الشفاعة من غيره فقال تعالى: ﴿فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداًوهذا يشمل النبي  صلى الله عليه وسلم  ويشمل غيره. فدعاء غير الله تعالى وطلب الشفاعة منه نهى الله سبحانه وتعالى عنه في هذه الآية ﴿فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداًوأحداً نكره في سياق النهي فتعم كل أحد والدعاء الذي نهى عنه الله في هذه الآية هو دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة، قال ابن تيمية رحمه الله: " كل دعاء ذكره الله سبحانه وتعالى عن المشركين لأوثانهم فإن المراد به دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة". فقد نهى الله سبحانه وتعالى هنا عن الدعاء الذي كان يفعله الجاهليون وهو دعاء العبادة المتضمن لدعاء المسألة فلا يجوز طلب الحوائج من غير الله سبحانه وتعالى ولا يجوز صرف العبادة لغيره سبحانه وتعالى وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي  صلى الله عليه وسلم . هذا الوجه الثاني في الجواب على هذه الشبهة.



ثم قال رحمه الله: فصح أن الملائكة يشفعون والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتابه: فسؤال الشفاعة من النبي  صلى الله عليه وسلم  لأنه أعطيها سبيل لسؤال الملائكة وسبيل لسؤال الصالحين الذين أعطوا الشفاعة وبالتالي يقع العبد فيما وقع فيه المشركون الأوائل الذين عبدوا الملائكة والجن والصالحين بدعوى: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى([11])وبدعوى يقولون ﴿هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ([12])وقد تقدم بطلان هذا، فدل عدم جواز سؤال الشفاعة من الملائكة مع أنهم أعطوها ومن الصالحين مع أنهم أعطوها أنه لا يجوز سؤال الشفاعة من النبي  صلى الله عليه وسلم  مع إثباتنا أنه  صلى الله عليه وسلم  قد أعطيها.



ثم قال: وإن قلت: لا. بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله. فيقر لنا بأنه لا تطلب الشفاعة من النبي  صلى الله عليه وسلم  مع إثباتها له وأنه قد أعطيها. وهناك وجه أشار إليه شيخ الإسلام رحمه الله في الجواب على هذه الشبهة في القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة: ذكر رحمه الله أن الله سبحانه وتعالى أخبر أن الملائكة يشفعون ويدعون للمؤمنين﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ([13])إلى الآيات التي تليها ففي جميعها دعاء للذين تابوا والدعاء للمؤمنين والاستغفار لهم، فإثبات دعاء الملائكة من هذه الآية لم يجعل سؤال الدعاء منهم مشروعاً فلم ينقل عن النبي  صلى الله عليه وسلم  ولا عن الصحابة ولا عن القرون المفضلة أنهم سألوا الملائكة الدعاء فدل ذلك على عدم جواز مشروعية سؤال الدعاء أو الشفاعة ممن أعطيها بل لا يُسأل إلا الله سبحانه وتعالى. وبهذا تسقط هذه الشبهة. وننتقل إلى الشبهة التي بعدها. .



فإن قال: أنا لا أشرك بالله شيئاً حاشا وكلا ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك، فقل له: إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا وتقر أن الله لا يغفره، فما الذي حرمه الله وذكر أنه لا يغفره، فإن كان لا يدري، فقل له: كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه؟ أم كيف يحرم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه، أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟؟



الشبهة السابعة تبتدئ بقوله: فإن قال أنا لا أشرك بالله شيئاً حاشا وكلا ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك، قبل قليل ماذا قال؟ الالتجاء إلى الصالحين ليس عبادة وأثبتنا له أنها عبادة والقاعدة أن صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله فهو شرك الآن عاد وقال: ليس بشرك فقل له: إذا كنت تُقر أن الله حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا وتُقر أن الله لا يغفره فما هذا الأمر الذي عظمه الله وذكر أنه لا يغفر فإنه لا يدري. وحقيقةً أنه لا يدري إذا كان يقول: إن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك فإنه لا يدري ما الشرك الذي حرمه الله سبحانه وتعالى وذكر أنه لا يغفره فقل له: كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه؟ أم كيف يُحرِّم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه أتظن أن الله يُحرِّمه ولا يبينه لنا؟! لا والله لا يُحرِّم الله شيئاً علينا إلا بعد أن يُبينه ويوضحه إما في كتابه أو في سُنّة نبيه  صلى الله عليه وسلم  وأعظم ما حرمه الله سبحانه وتعالى على الناس هو الشرك به ولذلك جاء الكتاب كله في تقرير التوحيد كما قال ابن القيم رحمه الله: فآيات الكتاب إما أن تكون بياناً للتوحيد أو ونهياً عن ضده أو بياناً لحقوقه أو بياناً لجزاء من حققه أو لبيان عقوبة من خالفه، فالقرآن كله في بيان التوحيد الذي ضده الشرك. والضد يظهر حسنه الضد وبضدها تتميز الأشياء.



فالله سبحانه وتعالى بين التوحيد والشرك في كتابه أعظم بيان والشرك الذي حرمه الله سبحانه وتعالى هو تسوية غيره به في الربوبية أو في الألوهية أو في الأسماء والصفات والشرك الذي نتكلم عليه هنا هو شرك الإلهية الذي هو صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، وقد تقدم معنا قبل قليل أن الدعاء عبادة فأجر القاعدة: صرف العبادة إلى غير الله يؤدي إلى الشرك وهذا صرف الدعاء لغير الله فهو واقع في الشرك. ولذلك لم يفصّل الشيخ رحمه الله في الجواب على هذه الشبهة لأنه قد تكلم عليها فيما مضى أي في الشبهة التي ذكر فيها المشبه أن الدعاء ليس عبادة. ثم انتقل إلى شبهة أخرى فقال: كلام المؤلف. . .



فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فقل: ما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾([14]).



وإن قال هو من قصد خشبة أو حجراً أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون، إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع عنا ببركته ويعطينا ببركته.



فقل صدقت، وهذا فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها، فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام، وهو المطلوب ويقال له أيضاً قولك: "الشرك عبادة الأصنام"، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في هذا؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحداً من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب.



هذه الشبهة هي قريبة من الشبهة التي تقدمت في الشبه الكبار وهي التفريق بين عبادة الأصنام وعبادة غيرها فإن قال: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام، فقل: وما معنى عبادة الأصنام؟ أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها؟ فهذا يكذبه القرآن. إذاً مفهوم العبادة التي ذكرها الشيخ رحمه الله هنا أن تلك الأخشاب تخلق وترزق وتدبر ليس سليماً وليس مستقيماً إذ إنهم لا يعتقدون ذلك، فالله سبحانه وتعالى أخبر عنهم أنهم كانوا يقولون عندما يُسألون: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ([15])الآيات ﴿فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ([16])فكانوا يقرون لله سبحانه وتعالى بتوحيد الربوبية.



وإن قال هو من قصد خشبة أو حجراً أو بنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون، إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع عنا ببركته ويعطينا ببركته.



فقل صدقت، وهذا فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور وغيرها، فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام، وهو المطلوب ويقال له أيضاً قولك: "الشرك عبادة الأصنام"، هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في هذا؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين فلا بد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحداً من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب.



وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله، فقل له: وما الشرك بالله؛ فسره لي؟ فإن قال: هو عبادة الأصنام، فقل: وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي؟ فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله وحده. فقل: ما معنى عبادة الله وحده فسرها لي؟ فإن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب، وإن لم يعرفه فكيف يدعي شيئاً وهو لا يعرفه؟ وإن فسر ذلك بغير معناه بينت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعبادة الأوثان، وأنه يفعلونه في هذا الزمان بعينه، وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرونها علينا ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً، إن هذا لشيء عجاب).



فهذه هي ثامن الشبة التي ذكرها الشيخ رحمه الله وهي قول المشبه الشرك عبادة الأصنام. . .



ثم قال رحمه الله: وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله. فقل: وما الشرك بالله فسره لي؟ فإن قال: هو عبادة الأصنام. فقل وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي؟ فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله وحده. فقل: ما معنى عبادة الله وحده فسرها لي؟ فإن فسرها بما بيَّنه القرآن فهو المطلوب: والذي بيَّنه القرآن في تفسير العبادة هو أنها: كل ما أمر الله سبحانه وتعالى به وأمر به رسوله  صلى الله عليه وسلم  وألا تُصرف إلا لله سبحانه وتعالى وحده دون غيره. فهذا الذي يدل عليه القرآن في معنى العبادة. وان لم يعرف فكيف يدّعي شيئاً وهو لا يعرفه؟ وإن فسر ذلك معناه بيّنت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعبادة الأوثان الذي يفعلونه في هذا الزمان بعينه وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرونها علينا ويصيحون كما صاح إخوانهم حيث قالوا: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ([17]): والمشركون الأوائل وورثتهم من مشركي الأزمان المتأخرة يستهتزئون بكل من دعا إلى التوحيد ويسخرون منه بل ويصيحون بأعلى أصواتهم قائلين: ﴿أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌوما ذلك إلا أنه كبر عليهم أن يتوجهوا بالعبادة لله وحده سبحانه وتعالى وإلا فلازم إقرارهم بأن الله هو الرزاق وأنه لا يرزق غيره وأنه لا يملك غيره ولا يدبر غيره ألا تصرف العبادة إلا له سبحانه وتعالى دون غيره.



فإن قال: إنهم لا يكفرون بدعاء الملائكة والأنبياء، وإنما يكفرون لما قالوا: الملائكة بنات الله؛ فإنا لم نقل: عبد القادر ابن الله ولا غيره. فالجواب: أن نسبة الولد إلى الله كفر مستقل؛ قال الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  *  اللَّهُ الصَّمَدُ﴾([18])، والأحد الذي لا نظير له، والصمد المقصود في الحوائج، فمن جحد هذا؛ فقد كفر، ولو لم يجحد السورة. وقال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾([19])، ففرق بين النوعين، وجعل كلا منهما كفراً مستقلاً. وقال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾([20])، ففرق بين كفرين. والدليل على هذا أيضاً أن الذين كفروا بدعاء اللات، مع كونه رجلاً صالحاً؛ لم يجعلوه ابن الله، والذين كفروا بعبادة الجن لم يجعلوهم كذلك، وكذلك أيضاً العلماء في جميع المذاهب الأربعة؛ يذكرون في باب حكم المرتد أن المسلم إذا زعم أن لله ولداً؛ فهو مرتد، ويفرقون بين النوعين، وهذا في غاية الوضوح.



وإن قال: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([21]). فقل: هذا هو الحق، ولكن لا يُعبدُون، ونحن لم نذكر إلا عبادتهم مع الله، وشركهم معه، وإلا؛ فالواجب عليك حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين.



ثم قال رحمه الله: فإن قال: إنهم لا يكفرون بدعاء الملائكة والأنبياء وإنما يكفرون لمّا قالوا: الملائكة بنات الله فإنا لم نقل: عبدالقادر ابن الله ولا غيره. وهذه الشبهة هي التاسعة وهي شبهة زائدة وهي قولهم إن المشركون إنما كفروا بنسبة الولد إلى الله سبحانه وتعالى ولم يكفروا بالتوجه إلى الصالحين وإلى الملائكة وإلى غيرهم ممن زعموهم يقربونهم عند الله. فالجواب عن هذه الشبهة ما ذكره الشيخ رحمه الله: إن نسبة الولد إلى الله كفر مستقل قال الله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  *  اللَّهُ الصَّمَدُ﴾([22])والأحد: الذي لا نظير له. والصمد: المقصود في الحوائجفمن جحد هذا فقد كفر ووجه الدلالة في نفي الولد عن الله سبحانه وتعالى في هذه السورة في قوله تعالى: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾([23])وكذلك في قوله: ﴿أَحَدٌ﴾ فهو لا يحتاج إلى ولد , وفي قوله: ﴿الصَّمَدُ﴾ الذي تصمد إليه الخلائق، والنص في نفي الولد عنه سبحانه وتعالى في قوله تعالى: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾. فمن جحد هذا فقد كفر ولو لم يجحد السورة وقال تعالى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾([24])ففرّق بين النوعين وجعل كلاَّ منهما كفراً مستقلاً. وقال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾([25])جعل سبحانه وتعالى الكفر الذي وقع فيه المشركون أنهم جعلوا لله شركاء الجن واخترعوا له واختلقوا بنين وبنات بغير علم. ثم قال رحمه الله: ففرّق بين الكفرين بين الكفر بنسبة الولد إلى الله سبحانه وتعالى وبين الكفر بإشراك غيره معه في العبادة. والدليل على هذا أيضاً أن الذين كفروا بدعاء اللات مع كونه رجلاً صالحاً لم يجعلوه ابن الله والذين كفروا بعبادة الجن لم يجعلوهم كذلك. إذاً استدل الشيخ رحمه الله على إبطال هذه الشبهة بأن هذا القول كفر مستقل ولو لم يضف إليه الشرك بالله سبحانه وتعالى واستدل لهذا بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ فذكر نوعي الكفر في هذه الآية واستدل بواقع المشركين فإن من المشركين من كان يعبد غير الله ولا يدّعيه ولداً لله سبحانه وتعالى كما كانوا يعبدون اللات ولم يقولوا: إنه ابن الله وكما كانوا يعبدون الجن ولم يقولوا: إنهم أبناء الله أو أولاد الله. يقول: وكذلك أيضاً: يعني في الاستدلال على أن نسبة الولد لله تعالى كفر مستقل العلماء في جميع المذاهب الأربعة يذكرون في باب حكم المرتد أن المسلم إذا زعم أن لله ولداً فهو مرتد ولو لم يشرك معه ذلك الولد ولو لم يشرك معه غيره في العبادة ويفرِّقون بين النوعين وهذا في غاية الوضوح.



ثم قال رحمه الله: وإن قال في الاستدلال على شبهته: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([26])هذا يستدل به على جواز دعائهم وسؤالهم وطلب الشفاعة منهم وهذه هي الشبهة العاشرة فقل: هذا هو الحق ولكن لا يُعبدون هذا حق ما ذكرته من أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون حق نثبته من وروده في كتاب الله سبحانه وتعالى ولكن هذا لا يسوغ عبادتهم ولا صرف العبادة لهم من دون الله سبحانه وتعالى ونحن لم نذكر إلا عبادتهم مع الله يعني لما أنكرنا عبادة الأولياء لم ننكر فضلهم ولا منزلتهم ولا مكانهم ولا ما أعده الله سبحانه وتعالى لهم إنما أنكرنا صرف العبادة لهم دون الله ولكن لا يُعبدُون، ونحن لم نذكر إلا عبادتهم مع الله، وشركهم معه، وإلا؛ فالواجب عليك حبهم واتباعهم والإقرار بكراماتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين.









([1]) الزمر: 44.




([2]) البقرة: 255.




([3]) الانبياء: 28.




([4]) آل عمران: 85.




([5]) الزمر: 44




([6]) البقرة: 255




([7]) الأنبياء: 28




([8]) آل عمران: 85




([9]) أخرجه البخاري في كتاب العلم من حديث أبي هريرة برقم 97.




([10]) الجـن: 18




([11]) الزمر: 3.




([12]) يونس: 18.




([13]) غافر: 7.




([14]) يونس: 31.




([15]) يونس: 31.




([16]) يونس: 31.




([17]) صّ: 5




([18]) الإخلاص: 1-2.




([19]) المؤمنون: 91.




([20]) الأنعام: 100




([21]) يونس: 64




([22]) الإخلاص: 1، 2




([23]) الإخلاص: 3




([24]) المؤمنون: 91.




([25]) الأنعام: 100.




([26]) يونس: 62.

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80483 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74769 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61838 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53356 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50922 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50647 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46029 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45575 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف