الحمد لله رب العالمين، أحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، لا أحصي ثناء عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فهذا هو أول الدروس التي سنعلق فيها إن شاء الله تعالى على كتاب (كلمة الإخلاص) للحافظ عبد الرحمن بن أحمد بن رجب رحمه الله تعالى، وهذا الكتاب شرح فيه المؤلف رحمه الله مسائل تتعلق بكلمة الإخلاص وهي: لا إله إلا الله، بين فيه أو في هذه المسائل جوانب من تحقيق العبادة والإجابة على إشكالات ترد على بعض الأحاديث فالكتاب فيه فائدة كبيرة، وهو من الكتب المفيدة لا سيما وأن مؤلفه الإمام ابن رجب رحمه الله يتميز بالتحرير والتحقيق والعناية الأحاديث وجمع كلام أهل العلم حولها، فهذا الكتاب يكتسب أهمية من جهة موضوعه ومن جهة مؤلفه فموضوعه أصل الدين كلمة الإخلاص التي بها النجاة، ومؤلفه إمام بارع في الرواية والدراية، في الحديث والفقه، ولذلك كان هذا الكتاب درة من الكتب فيما يتعلق بهذه الكلمة المباركة شرحاً وبياناً وتوضيحاً، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزي المؤلف رحمه الله خير الجزاء، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ترجمة للمؤلف موجزة: (هو الإمام الجليل أبو الفرج زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامي البغدادي ثم دمشقي الحنبلي، ولد في بغداد سنة ست وثلاثين وسبعمائة وقيل: سنة ست وسبعمائة، والأول هو الأرجح، ونشأ في دمشق، وفيها تلقى العلم على أكابر علماء الملة أمثال الإمام شمس الدين بن القيم وزين الدين العراقي وكان فقيهاً محدثاً واعظاً مؤرخاً يميل إلى العزلة والإنفراد، كثير العبادة والتهجد، وكان بينه وبين حنابلة زمانه جفوة حتى أنه لم يترجم لكثيرين منهم في ذيل الطبقات ومنهم آل مفلح، وفيهم العلامة إبراهيم بن محمد مؤلف مبدع في شرح المقنع وهو من أعظم كتب الحنابلة في الفقه، كان رحمه الله يفتي بمقالات شيخ الإسلام ابن تيمية، ويرجع إلى مؤلفاته، وفي مؤلفات ابن رجب نزعة صوفية عصمه الله من الانحدار في مزارقها بما آتاه الله من علم غزير ومنهج سلفي).
إذاً ما فائدة أن يقول: فيه نزعة صوفية ثم يقول: عصمه الله؟ إذا كان عصمه الله فلا يحتاج أن ينبه إلى هذه النزعة، يعني: كون الإمام ابن رجب رحمه الله مما كان له عناية بالقلوب ودوائها ومعالجتها وما يصلحها لا يسمى هذا بنزعة صوفية هذا نزعة شرعية دينية؛ لأن الشريعة جاءت لإصلاح القلوب، نعم.
(ومن مؤلفاته القواعد، والاستخراج لأحكام الخراج، وشرح صحيح البخاري ولم يكمله، وشرح الترمذي والتوحيد وفضل علم السلف على الخلف، وذيل طبقات ابن أبي يعلى، وغير ذلك من الكتب المفيدة، وكانت وفاته عليه رحمة الله في دمشق سنة خمس وتسعين وسبعمائة ودفن في مقبرة الباب الصغير).
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في كتابه (تحقيق كلمة الإخلاص): بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين. (خرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل فقال: يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: يا معاذ! قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار. قال: يا رسول الله! ألا أخبر بها الناس فيستبشروا قال: إذاً يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثماً)).
وفي الصحيحين عن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أو أبي سعيد بالشك: ((أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأصابتهم مجاعة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بنطع فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ويجيء الآخر بكف تمر ويجيء الآخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة ثم قال: خذوا في أوعيتكم فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملئوه فأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة)).
وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق. قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق ثلاثاً ثم قال في الرابعة: على رغم أنف أبي ذر. قال: فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر)).
وفي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت أنه قال عند موته: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((
من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرمه الله على النار)).
وفي صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت أنه قال عند موته: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)).
وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة يطول ذكرها).
هذه الأحاديث التي ذكرها المؤلف رحمه الله افتتح بها هذه الرسالة المباركة في بيان معنى كلمة الإخلاص وتحقيق معناها أو في كلمة الإخلاص وتحقيق معناها ذكر المؤلف رحمه الله طائفة من الأحاديث وهي جميعها تدور على بيان فضل هذه الكلمة، فهذه الأحاديث التي ذكرها حديث أنس وحديث عتبان وحديث أبي هريرة وحديث أبي ذر وحديثي عبادة كلها دائرة على بيان فضل هذه الكلمة وما يدركه الإنسان بقولها، ففي الحديث الأول: ((حرمه الله على النار))حديث أنس، وكذلك حديث عتبان: ((إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))، وفي حديث أبي هريرة فيه دخول الجنة لقائل هذه الكلمة: ((أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب على الجنة))، كذلك حديث عبادة الأخير وحديث عبادة الأول فيه التحريم من النار، ولا شك أن التحريم على النار يوجب دخول الجنة، ودخول الجنة يوجب السلامة من النار، فهذه الأحاديث كلها تبين فضيلة هذه الكلمة العظيمة المباركة وهي كلمة: لا إله إلا الله، ولاحظ أنه في بعض الأحاديث يذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الفضل مرتباً على الشهادتين كحديث أنس فإنه قال: ((ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار))، كذلك حديث أبي هريرة وحديث عبادة بن الصامت الأول والثاني، أما بعضها ففيه ترتيب الأجر على قول: لا إله إلا الله فقط كحديث عتبان: ((إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))، فالأحاديث التي فيها الاقتصار على لا إله إلا الله معلوم أنه لا يمكن أن يكون ذلك إلا بإضافة الشهادة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرسالة، فالأحاديث التي فيها الاقتصار على لا إله إلا الله لا تعني: أنه لا حاجة إلى الإقرار للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة لإدراك هذا الفضل؛ لأنه لا يمكن أن يدرك هذا الفضل إلا من أقر بما تضمنه الحديث من أن المخبر به من لا ينطق عن الهوى وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأحاديث التي فيها الاقتصار على لا إله إلا الله تتضمن وتستلزم الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة؛ لأنه هو الذي أخبر صلى الله عليه وسلم بأنه لا إله إلا الله وما من إله إلا الله ودعا الناس إلى عبادة الله وحده، فلا تعارض بين هذه الأحاديث في حصول الفضل بلا إله إلى الله أو بلا إله إلا الله والشهادة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالرسالة.
بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله هذه الطائفة من الأحاديث وهي أحاديث عظيمة جليلة لكن ليس الشأن في الوقوف عندها؛ لأن المؤلف رحمه الله لم يسقها للوقوف عندها على وجه الأفراد إنما أراد معنى ما تضمنته هذه الأحاديث من ترتيب الفضل على قول: لا إله إلا الله، ولهذا قال بعد أن ساق الأحاديث قال: (وفي هذا المعنى)أي: أن من قال: ((لا إله إلا الله دخل الجنة))أو ((أن من قال: لا إله إلا الله حرم على النار))(أحاديث كثيرة يطول ذكرها)، فالمؤلف رحمه الله ليس غرضه في حديث من هذه الأحاديث إنما غرضه في معنى هذه الأحاديث المشترك وهو أن هذه الكلمة من فضائلها السلامة من النار ودخول الجنة، بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله هذا انتقل إلى بيان أقسام الأحاديث التي جاءت في فضل لا إله إلا الله فقال: (وأحاديث هذا الباب)أي: باب فضل قول لا إله إلا الله أو فضل الشهادة لله بالإلهية وللنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة تنقسم إلى نوعين، يقول رحمه الله..
(وأحاديث هذا الباب نوعان
وأحاديث هذا الباب نوعان:
أحدهما: ما فيه: أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة ولم يحجب عنها وهذا ظاهر، فإن النار لا يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص، وقد يدخل الجنة ولا يحجب عنها إذا طهر من ذنوبه بالنار.
وحديث أبي ذر معناه: أن الزنا والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد، وهذا حق لا مرية فيه، ليس فيه أنه لا يعذب عليهما مع التوحيد.
وفي مسند البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من دهره يصيبه قبل ذلك ما أصابه)) ).
هذا هو النوع الأول من أحاديث فضائل هذه الكلمة وهي ما فيه أن من قال هذه الكلمة أو قال الشهادتين دخل الجنة، وهذه الأحاديث يقول المؤلف: (وهذا ظاهر)أي: لا إشكال فيه، ولا معارضة فيه لسائر الأحاديث التي فيها مؤاخذة أصحاب المعاصي بمعاصيهم أو أصحاب الكبائر بذنوبهم، يقول: (وهذا ظاهر فإن النار لا يخلد فيها أحد من أهل التوحيد الخالص)وهذا محل اتفاق وإجماع أن أهل التوحيد الخالص لا يخلدون في النار بل يدخل الجنة، ولا يحجب عنها إذا طهر من ذنوبه بالنار، وقد يعفو الله عنه فيدخله الجنة بلا عقاب قبل، لكن دخول الجنة الإخبار بأن من فضائل لا إله إلا الله أن صاحبها يدخل الجنة لا يعني أو لا يستلزم هذا ألا يمسه عقاب قبل دخوله، ولذلك يقول المؤلف: (وحديث أبي ذر معناه: أن الزنا والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد)لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أبا ذر بأنه ((ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة. قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق))أبو ذر رضي الله عنه ذكر مانعين من موانع دخول الجنة بلا حساب ولا عذاب وهما الزنا والسرقة لما جاء فيهما من الأحاديث الدالة على المؤاخذة بفعلهما بفعل الزنا وبفعل السرقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وإن زنى وإن سرق))أي: أن الزنا والسرقة لا يمنعان دخول الجنة لكن هل هذا يفيد أنه لا يؤاخذ يدخل الجنة بلا مؤاخذة؟ الجواب كما قال المؤلف رحمه الله الذي يفيد حديث أبي ذر: (أن الزنا والسرقة لا يمنعان دخول الجنة مع التوحيد، وهذا حق لا مرية فيه، ليس فيه)أي: ليس في حديث أبي ذر (أنه لا يعذب عليهما مع التوحيد)فقد يعذب ويعاقب كما دل على ذلك حديث عبادة بن الصامت في مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه على ألا يسرقوا ولا يزنوا ثم بعد أن ذكر الأمور قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فمن أصاب من هذه القاذورات شيء فعوقب به في الدنيا فذلك كفارة له، ومن لم يعاقب به في الدنيا فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه))وهذا الحديث في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو دال على أن هذه القاذورات وهذه الكبائر قد يعاقب بها صاحبها في الآخرة إن شاء الله أن يعاقبه عليها، المقصود: أن من قال هذه الكلمة فإنه يؤول وينتهي أمره إلى الجنة أصابه قبل ذلك ما أصابه من العقوبات التي هي بسبب الذنوب، ولذلك ذكر المؤلف رحمه الله ما يشهد لهذا المعنى فقال: (وفي مسند البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من الدهر يصيبه قبل ذلك ما أصابه)) )وهذا الحديث رواه البزار كما ذكر المؤلف رحمه الله من طريق هلال بن يسار عن الأغر المزني عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقد جاء عند الطبراني من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة رضي الله عن وفيه ما أفاده هذا الحديث من ((أن من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من الدهر أصابه قبل ذلك ما أصابه))، وهذا يدل على أنه يؤول صاحب هذه الكلمة الذي قالها صادقاً في قوله إلى الجنة، وليس المقصود بالقول هنا كما سيأتي التنبيه والبيان ليس المقصود قول اللسان الذي هو مجرداً عن الاعتقاد هذا لابد من الاتفاق عليه؛ لأن المنافقين يقولون هذه الكلمة أو لا يقولون؟ يقولونها مع ذلك يقول الله تعالى في المنافقين: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾([1])، هؤلاء قالوها ولم تنفعهم لماذا؟ لوجود مانع وفوات شر لوجود الموانع وفوات الشرور، المقصود: أن النوع الأول من الأحاديث التي فيها الخبر بأن من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة لا يستلزم ماذا يا إخواني؟ لا يستلزم ألا يعاقب قبل دخول الجنة بالنار على ما يكون منه من المعاصي، هذا النوع الأول من النصوص، النوع الثاني هو الذي فيه إشكال وهو: الأحاديث التي فيها تحريم من قال: لا إله إلا الله على النار، فما معنى التحريم؟ هل يعني التحريم ألا يعاقب؟ سيأتي بكلام المؤلف رحمه الله يقول: (الثاني)أي: النوع الثاني من الأحاديث الواردة في فضل لا إله إلا الله.. نعم.
(الثاني ما فيه أنه يحرم على النار وهذا قد حمله بعضهم على الخلود فيها أو على نار يخلد فيها أهلها وهي ما عدا الدرك الأعلى، فأما الدرك الأعلى يدخله خلق كثير من عصاة الموحدين بذنوبهم ثم يخرجون بشفاعة الشافعين وبرحمة أرحم الراحمين.
وفي الصحيحين: ((إن الله تعالى يقول: وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله)).
وقالت طائفة من العلماء: المراد من هذه الأحاديث: أن لا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتض لذلك، ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع وهذا قول الحسن ووهب ابن منبه وهو الأظهر.
وقال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. قال الحسن: نعم العدة لكن ل لا إله إلا الله شروطاً فإياك وقذف المحصنة.
وقيل للحسن: إن ناساً يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة. فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
وقال وهب بن منبه لمن سأله: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك.
وفي هذا الحديث: ((إن مفتاح الجنة لا إله إلا الله)) خرجه الإمام أحمد بإسناد منقطع.
وعن معاذ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألك أهل اليمن عن مفتاح الجنة فقل: شهادة أن لا إله إلا الله)) ويدل على صحة هذا القول: أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب دخول الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص).
طيب النوع الثاني من النصوص الواردة في فضل هذه الكلمة العظيمة: لا إله إلا الله ما فيه أنه يحرم على النار قائلها، والتحريم هو المنع، فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))وما أشبه ذلك من النصوص يدل على أن من قال هذه الكلمة فإنه يمنع من النار أي: تمنعه هذه الكلمة من النار، ومقتضى الإطلاق أن تمنعه من النار مطلقاً يعني: ولو كان معه كبائر ولو كان معه موجبات هذا ما فهمه بعض الناس ولذلك كان في هذا النص إشكال يحتاج إلى جواب، فإن النصوص منها ما أطلق ومنها ما قيد فلابد في هذه الحال من الجمع والنظر إلى مجموع النصوص لاستخلاص النتيجة التي تدل عليها النصوص لا من فرد منها إنما من مجموعها، ولذلك المؤلف رحمه الله شرع مباشرة في ذكر الأجوبة على هذا الإشكال، قارن بين كلامه على النوعين في النوع الأول ماذا قال؟ قال رحمه الله تعالى: (أحدهما ما فيه: أن من أتى بالشهادتين دخل الجنة ولم يحجب عنها وهذا ظاهر)يعني: لا إشكال فيه لا يحتاج إلى جمع بينه وبين النصوص التي فيها المؤاخذة على الذنوب، لكن هنا قال: (الثاني ما فيه أنه يحرم على النار قال: وهذا قد حمله بعضهم على الخلود فيها)فهنا احتاج إلى الجواب ولذلك ذكر طائفة من كلام أهل العلم على هذا النوع من الأحاديث فقال رحمه الله: (وهذا)أي: هذا النوع (قد حمله بعضهم على الخلود فيها)أي: أن التحريم إنما هو التحريم عن الخلود لا التحريم المطلق الذي يقتضي عدم مساس شيء من العذاب أن يمسه شيء من العذاب إنما الذي يمنع منه هو الخلود في النار، قال: (أو على نار يخلد فيها أهلها)إذاً على نار معينة وليست على النار مطلقاً فيكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حرم على النار))الألف واللام هنا للعهد الذهني وهي نار معينة وليست للجنس التي تشمل كل نار يعذب بها الناس في الآخرة.
قال رحمه الله: (وهي ما عدا الدرك الأعلى)بين ما هي النار التي يريدها قال: (وهي ما عدا الدرك الأعلى من النار فإن الدرك الأعلى يدخله خلق كثير من عصاة الموحدين)والنار دركات نعوذ بالله منها ومن دركاتها، وهذه الدركات هي بتفاوت أحوال الناس في أعمالهم حتى الكفار متفاوتون في منازلهم في النار كما يتفاوت أهل الجنة في منازلهم في الجنة مع كون وصف الإيمان يشملهم كلهم وكذلك أهل النار مع أن الشرك والكفر يشملهم جميعاً لكنهم متفاوتون في دركاتهم.
قال رحمه الله: (ثم يخرجون بشفاعة الشافعين وبرحمة أرحم الراحمين)، وذكر نماذج من أحاديث الشفاعة فقال: في الصحيحين كما ذكر المؤلف رحمه الله من حديث ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه وهو من رواية أبي سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري عن أنس بن مالك لما حدثوه بما حدثهم أنس بحديث الشفاعة فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى يقول: وعزتي وجلالي))وفي رواية البخاري: ((وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار ما قال: لا إله إلا الله))، فالله جل وعلا أقسم بأربعة أقسام: ((وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي))وهذا فيه بيان عظيم شأن المقسم عليه؛ لأن الله جل وعلا إذا كرر الأقسام كان ذلك دليلاً على عظمة الخبر المقسم عليه، والخبر المقسم عليه هنا هو عظيم رحمة رب العالمين جل وعلا حيث أنه سبحانه وتعالى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وهذا في بيان فضيلة هذه الكلمة وعظيم منزلتها عند رب العالمين.
إذاً الجواب الأول: أن النار التي تحرم على من قال: لا إله إلا الله هي نار الخلود، وقريب منه أنها نار ما عدا الدرك الأعلى، هذان القولان في الحقيقة هما كالقول الواحد، إذاً النار التي تحرم على من قال: لا إله إلا الله هي نار خاصة وهي النار التي تقتضي الخلود أو نار المشركين والكفار، أما نار العصاة التي هي الدرك الأعلى فإنهم لا يمنعون منها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأحاديث عديدة بعقوبة ذنوب وأخبر أن من أهل لا إله إلا الله من يدخلون النار ثم يدخلون الجنة كما دل على ذلك أحاديث الشفاعة الكثيرة، ومنها هذا الحديث الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وهو أصل أحاديث الشفاعة حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ((إن الله تعالى يقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله))هذا هو الجواب الأول.
إذاً الجواب الأول: أن التحريم ليس على إطلاقه إنما هو تحريم خاص وهي نار تحريم من قال: لا إله إلا الله على أي نار؟ على نار الخلود نار المشركين والكفار وهي ما عدا الدرك الأعلى.
قال رحمه الله: (وقالت طائفة)وهذا الجواب في التفريق بين هذه الأحاديث، قال: (المراد من هذه الأحاديث: أن لا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتض لذلك)هذه الكلمة توجب هذه الفضائل: دخول الجنة والنجاة من النار، (ولكن المقتضي)يعني: المتسبب الذي يترتب عليه الشيء (لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه)يعني: أي سبب لا يمكن أن يعمل وينفذ إلا إذا توافرت شروطه أي: شروط عمله وانتفاء موانعه، إلا إذا توافرت شروطه وانتفت موانعه ولذلك يقول: (إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه)، فمن شروط دخول الجنة قل هذه الكلمة على الصفات التي ذكرها الله ورسوله فإن هذه الكلمة لا تستوجب دخول النار بمجرد قولها بل لابد لها من شروط هذه الكلمة ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أحاديث عديدة المؤلف سيذكر طائفة منها مثلاً: العلم، الله جل وعلا أمر بالعلم بلا إله إلا الله فقال: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾([2])، من شروط الانتفاع بهذه الكلمة: أن يكون قائلها عالماً بها، كذلك من قال: لا إله إلا الله مستيقناً من قلبه كما في الصحيح وفيما تقدم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأني محمداً رسول الله لا يلقى بهما عبد غير شاك فيهما))وهذا بيان أن هذا القول لابد أن يكون عن يقين، فهذه الكلمة لا تنفع إلا بشروطها فلابد من شروطها، وقد جمع بعض أهل العلم شروط هذه الكلمة في سبعة شروط نظمها الشيخ حافظ في منظومته في سلم الوصول قال: وبشروط سبعة قد قيدت وفي نصوص الوحي حقاً وردت فإنه لم ينتفع قائلها بالنطق إلا حيث يستكملها أي: حيث يستكمل هذه الشروط، ثم عد الشروط قال: العلم واليقين والقبول والانقياد فادري ما أقول، والصدق والإخلاص والمحبة وفقك الله لما أحبه، ونظمها آخر في بيت فقال: علم يقين وإخلاص وصدقك مع محبة وانقياد والقبول لها سبعة شروط هذه هي الشروط التي جمعها أهل العلم رحمهم الله في بيان الكلمة التي تنفع دخول الجنة وتمنع دخول النار، إذاً قول المؤلف رحمه الله: ( ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه)لابد من الشروط، من الشروط ما ذكرناه قبل قليل: العلم واليقين والإخلاص وسيأتي الإشارة إليه في كلام المؤلف رحمه الله بعد قليل، (لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه)وانتفاء الموانع أي: ذهاب ما يمنع، فمن الموانع الكبائر، من الموانع الكبائر، فالزنا مانع ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))، وكذلك شرب الخمر مانع، وكذلك الكذب مانع، فالموانع عديدة لابد من التخلص منها حتى يترتب على القول أو على المقتضي نتيجته حتى يترتب على المقتضي نتيجته وتظهر ثمرته وإلا فإنه يتخلف بفوات شرط أو وجود مانع، هذا معنى قوله رحمه الله في الجواب: (ولكن المقتضي لا يعمل عمله إلا باستجماع شروط)هذا واحد (وانتفاء موانعه)هذا اثنين، قال: (فقد يتخلف عنه مقتضاه)أي: لا تتحقق النتيجة أو لا ينتج المسبب لفوات شرط أو انتفاء مانع، يعني نمثل هذا بمثال ظاهر مثلاً الإنسان المريض الذي لا يشبع إذا أكل هذا لو تطعمه طعام الدنيا كله ما شبع لماذا؟ إما لوجود مانع وهي العلة أو فوات شرط وهي الصحة، فمتى يحصل الشبع؟ يحصل الشبع عند الإنسان السوي الذي جرت عادته بأنه إذا أكل شبع فإذا كان يأكل ولا يشبع فإن النتيجة لم تحصل وهي الشبع لوجود مانع أو فوات شرط، أوضح من هذا الولد لو أن الإنسان الصحيح جامع امرأة عقيمة هل يلد أو لا يلد؟ الجماع مقتضي للولادة أو لا؟ الأصل أن الجماع مقتضي للولادة لكن هنا مانع وهو عقم المرأة فلذلك لا تلد، كذلك لو أنه جامع ولم ينزل في رحمها إنما أنزل في خارج الرحم هنا وجود مانع أو انتفى شرط؟ انتفى شرط وهو الإنزال في موضع الولد، فهنا مثال يتبين لنا أنه السبب قد يتخلف لوجود مانع أو لانتفاء شرط أو فوات شرط، فالمقصود: أن هذه الكلمة المباركة لها شروط ولها موانع إذا وجدت شروطها وانتفت موانعها فلابد أن تسند نتيجتها وإلا فإنه قد يؤاخذ الإنسان بنوع من العقوبات بسبب وجود موانع أو فوات بعض الشروط ويتخلف الناتج التام الكامل أو يتأخر الناتج الكامل إلى أن استوفى ما عليه من الحقوق، هذا معنى قوله رحمه الله: (فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع وهذا قول الحسن ووهب ابن منبه وهو الأظهر)استظهره المؤلف رحمه الله وكأنه رجحه على القول السابق وهو أن النار التي يمنعون منها هي نار خاصة، وكلا القولين قريب قيل بالأول أو قيل بالثاني فكلا القولين قريب لكن القول الثاني أقرب إلى حفظ عموم النص ولذلك استظهره المؤلف رحمه الله فإن عموم النص يقتضي التحريم على النار كلها أي ((أن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))الألف واللام هنا للنار المعهودة وهي ما أعده الله تعالى للكفار والعصاة وأصحاب الجرائم التي تستوجب العقوبة بالنار، فحفاظاً لهذا العموم رجح المؤلف رحمه الله الوجه الثاني وساق أقوالاً لأهل العلم في تأكيد هذا المعنى.
إذاً الآن نلخص الجواب الذي ذكره المؤلف على الأحاديث التي فيها التحريم تحريم النار على من قال: لا إله إلا الله يحمل على أحد وجهين مع الأحاديث التي فيها المعاقبة لأهل الكبائر وأن من قال: لا إله إلا الله قد يدخل النار، ما هما الوجهان؟ الوجه الأول: أن التحريم على نار خاصة وهي نار الخلود نار المشركين والكفار.
الثاني: أن هذه الكلمة إنما تنفع إذا توافرت الشروط وانتفت الموانع، فأصحاب الكبائر وجد عندهم ماذا؟ مانع وهو ما اقترفوه من الذنوب الموجبة للمعاقبة، ولذلك تخلف في حقهم الدخول الذي يسلمون فيه من النار، هذان الجوابان يمكن الجمع بهما بين الأحاديث في هذا الباب.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (وقال الحسن للفرزدق وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟)، الحسن البصري وهو من الأئمة العلماء الأجلاء أصحاب التربية والفقه الدقيق رحمه الله، والفرزدق من الشعراء المعروفين ومن فطاحل الشعراء قال له الحسن مذكراً في هذا الموقف وهو يدفن امرأته: ما أعددت لهذا اليوم؟ أي: ليوم تكون فيه أنت المدفون (قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة)أي: ملازمة هذه الكلمة منذ سبعين سنة، (قال الحسن: نعم العدة)أي: هذا خير ما يعد الإنسان لهذا الموقف، (لكن ل لا إله إلا الله شروطاً فإياك وقذف المحصنات)وهذا بيان أنه قد يتخلف نتاج وأجر هذه الكلمة في حق من ارتكب مانعاً من الموانع ولذلك قال: (فإياك وقذف المحصنات)لأن قذف المحصنات من الكبائر التي تحول بين الإنسان وبين دخول الجنة بلا معاقبة إلا أن يتوب منها في الدنيا أو يعفو الله تعالى عنه في الآخرة، أما إذا عاقبه الله تعالى وأجرى عليه عدله فإنه لابد أن يؤاخذه بما كان منه قذف المحصنات.
(وقيل للحسن: إن ناساً يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة. فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
وقال وهب بن منبه لمن سأله: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى)وهذا جواب بإيجاب يعني معنى قوله: بلى يعني: لا إله إلا الله مفتاح الجنة. (ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك)وهذا الأثر علقه البخاري رحمه الله عن وهب بن منبه لبيان أن هذه الكلمة إنما تنفع إذا استكملت شروطها وانتفت موانعها.
قال رحمه الله: (وهذا الحديث: ((إن مفتاح الجنة لا إله إلا الله)) خرجه أحمد بإسناد منقطع)وهو من طريق شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، والحديث فيه آفتان: فيه الانقطاع وفيه أيضاً أنه من رواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين فروايته من حديث عبد الله بن أبي الحسن ومن رواية إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن أبي الحسن عن شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل، ففيه آفتان: إسماعيل بن عياش روى عن غير الشاميين، وفيه الانقطاع الذي ذكره المؤلف رحمه الله وهو رواية شهر عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وهي منقطعة.
ثم قال: (وعن معاذ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألك أهل اليمن عن مفتاح الجنة فقل: لا إله إلا الله)) )وهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ويدل على صحة هذا القول)يعني: هذا المعنى هذا المعنى الذي ذكره المؤلف القول المشار إليه ماذا؟ أي القولين القول الثاني: بأنه لا تنفع هذه الكلمة إلا إذا توافرت شروطها وانتفت موانعها يدل على صحة هذا القول الآن المؤلف يسوق دلائل على هذا من الدلائل: أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب دخول الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص، نعم.
(كما في الصحيحين عن أبي أيوب: ((أن رجلاً قال: يا رسول الله! أخبرني يدخلني الجنة فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم)).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة: ((أن رجلاً قال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. فقال الرجل: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)).
وفي المسند عن بشير بن الخصاصية قال: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه فاشترط علي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن أقيم الصلاة، وأن أؤدي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله، فقلت: يا رسول اللهَ أما اثنين فو الله لا أطيقهما: الجهاد والصدقة فأنهم زعموا أنه من ولى الدبر فقد باء بغضب من الله فأخاف إن حضرت تلك جشمت نفسي وكرهت الموت والصدقة فو الله مالي إلا غنيمة وعشر ذود هن رسل أهلي وحمولتهن، قال: فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حركها ثم قال: فلا جهاد ولا صدقة فبم تدخل الجنة إذاً؟ قلت: يا رسول الله! أبايعك فبايعته عليهن كلهن)).
ففي هذا الحديث: أن الجهاد والصدقة شرط في دخول الجنة مع حصول التوحيد والصلاة والصيام والحج، ونظير هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ففهم عمر وجماعة من الصحابة أن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك فتوقفوا في قتال مانع الزكاة، وفهم الصديق أنه لا يمتنع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم: فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله، وقال: الزكاة حق المال)).
وهذا الذي فهمه الصديق قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً غير واحد من الصحابة منهم ابن عمر وأنس وغيرهما وأنه قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة))، وقد دل على ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾([3]) على أن الأخوة في الدين لا تثبت إلا بأداء الفرائض مع التوحيد، فإن التوبة من الشرك لا تحصل إلا بالتوحيد، فلما قرر أبو بكر هذا للصحابة رجعوا إلى قوله ورأوه صواباً).
طيب المؤلف الآن بعد أن بين أن هناك ما يمنع من دخول الجنة مع قول: لا إله إلا الله وهي كبائر الآثام وعظائم الذنوب وهذا في جانب ماذا؟ جانب وجود الموانع، انتقل إلى بيان أن: قول: لا إله إلا الله مجرداً عن أعمال رتب النبي صلى الله عليه وسلم دخول الجنة عليها، أيضاً مما لا يتحقق به فضل هذه الكلمة، فكما أن هناك موانع تمنع من دخول الجنة مع قول: لا إله إلا الله وهي الكبائر التي لم يتب منها العبد وقد يعاقبه الله تعالى عليها فكذلك هناك أعمال إذا لم يعملها الإنسان فإنه لا يدخل الجنة ولو قال: لا إله إلا الله وهي تكملة الشروط، لأنه ل لا إله إلا الله حتى تثمر دخول الجنة بلا عذاب لابد من توافر الشروط وانتفاء الموانع، إذا انتفت الموانع لم يزن ولم يسرق ولم يرتكب هذه العظائم لكن لم يأت بالشروط وافية كاملة فقال: لا إله إلا الله ولم يصل قال: لا إله إلا الله ولم يقر بالصيام، قال: لا إله إلا الله ولم يقر بالحج فإنه لا تنفعه هذه الكلمة ولو امتنع من الموانع أو لو انتفت في حقه الموانع، فالمؤلف الآن كمل لنا الجانبان اللذان بهما تكمل هذه الكلمة وهو أن تستكمل الشروط وتنتفي الموانع، ولذلك يقول المؤلف رحمه الله: (ويدل على صحة هذا القول: أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب دخول الجنة على الأعمال الصالحة في كثير من النصوص)وذكر نماذج كما في الصحيحين عن أبي أيوب: ((أن رجلاً قال: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً))وهذا معنى لا إله إلا الله ثم لم يقتصر على هذا بل قال: ((وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم))..