فصل (في طلب العلم وما يبدأ به منه وما هو فريضة منه، وفضل أهله). قال الميموني: سألت أبا عبد الله أيهما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث قال: لا بالقرآن قلت: أعلمه كله قال: إلا أن يعسر فتعلمه منه. ثم قال لي: إذا قرأ أولاً تعود القراءة ثم لزمها وعلى هذا أتباع الإمام أحمد إلى زمننا هذا. وسيأتي قريبا قول ابن المبارك إن العلم يقدم على نفل القرآن وهذا متعين إذا كان مكلفا لأنه فرض فيقدم على النفل وكلام أحمد والله أعلم إنما هو في الصغير كما هو ظاهر السياق والذي سأل ابن المبارك كان رجلا فلا تعارض، وأما الصغير فيقدم حفظ القرآن لما ذكره أحمد من المعنى. ولأنه عبادة يمكن إدراكها والفراغ منها في الصغر غالبا، والعلم عبادة العمر لا يفرغ منه فيجمع بينهما حسب الإمكان، وهذا واضح وقد يحتمل أن يكون العلم أولى لمسيس الحاجة إليه لصعوبته وقلة من يعتني به بخلاف القرآن ولهذا يقصر في العلم من يجب عليه طلبه ولا يقصر في حفظ القرآن حتى يشتغل بحفظه من يجب عليه الاشتغال في العلم كما هو معلوم في العرف والعادة. وقال ابن هانئ: لأحمد ما معنى لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار قال: " هذا يرجى لمن القرآن في قلبه أن لا تمسه النار " في إهاب يعني في قلب رجل وقال: أيضا في جلد وقال إسماعيل الشالنجي عن أبي عبد الله قال: والذي يجب على الإنسان من تعليم القرآن والعلم ما لا بد له منه في صلاته وإقامة عينه، وأقل ما يجب على الرجل من تعلم القرآن فاتحة الكتاب وسورتان كذا وجدته، ولعله وسورة، وإلا فلا أدري ما وجهه؟ مع أنه إنما يجب حفظه ما بلغ أن يجزئه في صلاته وهو الفاتحة خاصة في الأشهر عن أحمد والمسألة معروفة في الفقه. وقد قال ابن حزم في الإجماع قبل السبق والرمي: اتفقوا أن حفظ شيء من القرآن واجب ولم يتفقوا على ما هية ذلك الشيء ولا كميته بما يمكن ضبط إجماع فيه إلا أنهم اتفقوا على أنه من حفظ أم القرآن ببسم الله الرحمن الرحيم وسورة أخرى معها فقد أدى فرض الحفظ، وأنه لا يلزمه أكثر من ذلك. واتفقوا على استحباب حفظ جميعه وأن ضبط جميعه واجب على الكفاية لا متعين. وروى الخلال عنه أنه سئل عن رجل حفظ القرآن وهو يكتب الحديث يختلف إلى مسجد يقرأ ويقرئ ويفوته الحديث أن يطلبه فإن طلب الحديث فاته المسجد وإن قصد المسجد فاته الحديث فما تأمره قال: بذا وبذا فأعدت عليه القول مرارا كل ذلك يجيبني جوابا واحدا بذا وبذا. وسأل رجل ابن المبارك يا أبا عبد الرحمن في أي شيء أجعل فضل يومي في تعلم القرآن أو في تعلم العلم؟ فقال هل تحسن من القرآن ما تقوم به صلاتك: قال نعم قال: عليك بالعلم. وقال أحمد في رواية أحمد بن الحسين وقيل له طلب العلم فريضة قال نعم لأمر دينك وما تحتاج إليه من أن ينبغي أن تعلمه وقال في رواية أبي الحارث: يجب عليه أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه ولا يفرط في ذلك قلت: فكل العلم يقوم به دينه قال: الفرض الذي يجب عليه في نفسه لا بد له من طلبه)). الآداب الشرعية (2/33-34).