×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / كلمة الإخلاص / الدرس(2) من شرح تحقيق كلمة الإخلاص

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(2) من شرح تحقيق كلمة الإخلاص
00:00:01

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال للرجل: ((تعبد الله لا تشرك به شيئا))وهذا معنى لا إله إلا الله، ولم يكتف بذلك بل قال: ((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. فقال الرجل: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا ولا أنقص منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا))، ثم ذكر حديث بشر بن الخصاصية وهو حديث في إسناده بعض الغرابة ولذلك قال عنه ابن كثير رحمه الله لما ذكره في تفسير سورة الأمثال قال: حديث غريب من هذا الوجه، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل من هذا الرجل الامتناع من الصدقة والجهاد بل لما قال ما قال في الجهاد من أنه يخشى أن تغلبه نفسه ويكره الموت، وأن الصدقة ليس عنده من المال ما يستطيع أن يبذل به قبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وهذا فيه الإشارة إلى الامتناع عن مبايعته، قبض اليد يعني أنه ما بايع النبي صلى الله عليه وسلم لم يبايعه النبي صلى الله عليه وسلم وحرك يده كالرافض للبيعة، قال: ((فلا جهاد ولا صدقة فبم تدخل الجنة إذا؟))وهذان عملان، فلما كان جعل النبي صلى الله عليه وسلم تركهما سببا للتأخر عن دخول الجنة، ((قلت: يا رسول الله أبايعك؟! فبايعته عليهن كلهن)). يقول: (ففي هذا الحديث أن الجهاد والصدقة شرط في دخول الجنة مع حصول التوحيد والصلاة والصيام). أيضا استدل المؤلف رحمه الله بفقه أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو أفقه الأمة بمعاني كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ونظير هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)) )وجاء هذا في أحاديث عديدة منها: الحديث الذي سيق فيه هذا القول في مقابل ما كان ذهب إليه أبو بكر من قتال مانع الزكاة، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق سعيد بن المسيب وغيره: أن أبا هريرة قال: ((لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب قال عمر لأبي بكر: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اله وأن محمدا رسول الله فكيف تقاتلهم وقد شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا أقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فو الله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه فقاتلهم رضي الله عنه، يقول عمر: فلما رأيت الله شرح صدر أبي بكر لقتالهم علمت أنه الحق))، فانشرح صدره وزال الإشكال عند الصحابة، وهذا الذي اجتهد فيه أبو بكر رضي الله عنه وكان مصيبا في اجتهاده جاءت به النصوص كما أشار المؤلف رحمه الله، فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يكتف في ترتيب عصمة المال والدم وهو نتاج هذه الكلمة في الدنيا نتاج لا إله إلا الله في الدنيا بأن تعصم الأموال والدماء تعصم الأنفس فلم يرتب أبو بكر على هذه الكلمة نتيجتها في حق قوم قالوها لكنهم تخلفوا في بعض شروطها ففرقوا بين الصلاة والصلاة فامتنعوا من أداء الزكاة، يعني: مقتضى لا إله إلا الله تحريم الدم والمال ما عدا ذلك لم يحرم دماءهم وأموالهم لما أخلوا بشرط من الشروط الواجبة وهي أن يقروا بما فرض الله تعالى عليهم من الزكاة وأن يؤدوا ما فرض الله عليهم من الزكاة، فإذا كانت لا إله إلا الله لم تثمر نتيجتها في الدنيا لفوات بعض شروطها فكذلك في الآخرة فإنها لا تثمر السلامة من النار إلا إذا استوفت جميع شروطها وسلمت من الموانع وانتفت فيها الموانع التي تمنع من ترتيب نتاجها عليها، الجمع بين النصوص التي فيها فضل لا إله إلا الله والنصوص التي فيها المؤاخذة والمعاقبة على بعض السيئات والذنوب، وهذه المسألة مسألة كبرى لماذا؟ لأن كثيرا ممن يسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي يستند إلى هذه النصوص التي فيها أنه: ((من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة))ويغيب عن أن هذه النصوص ليست نصوصا مطلقة بل هي مقيدة بقيود لابد من معرفتها حتى تكتمل النظرة الشرعية والفهم السليم لهذه النصوص النبوية أو النصوص القرآنية. يقول المؤلف رحمه الله: (ففهم عمر وجماعة من الصحابة أن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك فتوقفوا في قتال مانع الزكاة، وفهم الصديق أنه لا يمتنع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل وقال: الزكاة حق المال)) )، وهذا الذي فهمه الصديق قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحا غير واحد من الصحابة منهم ابن عمر كما في حديث محمد بن واقد عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها))، وكذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في الصحيحين من طريق قتادة فيه ما في حديث ابن عمر رضي الله عنه.  يقول: (وقد دل على ذلك)أي: دل على أنه لا تنفع هذه الكلمة إلا إذا توافرت شروطها قول الله تعالى: ﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين﴾([1])، (فإخوانكم في الدين) الفاء هنا للتعقيب والترتيب أي: أنه لا تحصل الإخوة في الدين إلا إذا تحقق الشرط ما هو الشرط؟ الفاء هنا واقعة في جواب الشرط يقول الله تعالى: ﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾([2])ما نتاج هذا الشرط؟ ما جوابه؟ ﴿فإخوانكم في الدين﴾([3])، فإذا تخلف شرط من هذه الشروط أو تخلف جزء من هذا الشرط فإنه لا تتحقق الإخوة في الدين فدل هذا على أي شيء؟ أنه من قال: لا إله إلا الله ولم يأت بشروطها فإنها لا تنفعه. طيب يقول رحمه الله: (كما دل قوله تعالى: ﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين﴾([4]) والتي قبلها: ﴿فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا﴾([5]) يقول: فلما قرر أبو بكر هذا للصحابة رجعوا إلى قوله ورأوه صوابا). نعم.  (فإذا علم أن عقوبة الدنيا لا ترفع عمن أدى الشهادتين مطلقا بل يعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام فكذلك عقوبة الآخرة).  هذا قياس جلي ظاهر وبين حيث قاس عقوبة الآخرة على عقوبة الدنيا، إذا كانت هذه الكلمة لا تعصم صاحبها مع الإخلال بها في الدنيا فإنها لا تنفعه في الآخرة إذا أخل بشروطها وحقوقها، فلابد مع قول: لا إله إلا الله من استكمال الشروط والسعي في نفي الموانع حتى يترتب عليها أجرها وفضلها، المؤلف ذكر ثلاثة أجوبة: الجواب الأول: أن النار هي نار الخلود نار الكفار. الثاني: هذه الكلمة لا تنفع حتى تستكمل شروطها وتنتفي موانعها. الثالث: ما ذكر هنا فقال: (وقد ذهب طائفة..). (وقد ذهب طائفة إلى أن هذه الأحاديث المذكورة أولا وما في معناها كانت قبل نزول الفرائض والحدود منهم الزهري والثوري وغيرهما وهذا بعيد جدا، فان كثيرا منها كان بالمدينة بعد نزول الفرائض والحدود، وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك وهي في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء منهم من يقول في هذه الأحاديث: إنها منسوخة، ومنهم من يقول: هي محكمة ولكن ضم إليها شرائط ويلتفت هذا إلى أن الزيادة على النص هل هي نسخ أم لا؟ والخلاف في ذلك بين الأصوليين مشهور، وقد صرح الثوري وغيره بأنها منسوخة، وأنه نسخها الفرائض والحدود، وقد يكون مرادهم بالنسخ البيان والإيضاح فإن السلف كانوا يطلقون النسخ على مثل ذلك كثيرا ويكون مقصودهم: أن آيات الفرائض والحدود تبين بها توقف دخول الجنة والنجاة من النار على فعل الفرائض واجتناب المحارم فصارت تلك النصوص منسوخة أي: مبينة مفسرة، ونصوص الحدود والفرائض ناسخة أي: مفسرة لمعنى تلك موضحة لها). طيب هذا القول الثالث الذي ذكره المؤلف رحمه الله في الجمع بين الأحاديث التي فيها تحريم النار على من قال: لا إله إلا الله والأحاديث التي تدل على أن ممن يقول: لا إله إلا الله يدخل الجنة بسبب ذنوب ومعاصي، وهو أن بعض أهل العلم قال: إن الأحاديث التي فيها: ((أن من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة))هذا في أول الأمر ثم لما جاءت الأحكام والشرائع نسخت تلك النصوص المتقدمة، وهذا قول الزهري والثوري وغيرهما، يقول: (وهذا بعيد جدا)يعني: هذا الجواب بعيد ولذلك أخره ذكرا لعبده من الصواب، والسبب في بعد هذا: أن كثيرا منها أي: من هذه النصوص التي فيها: ((أن من قال: لا إله إلا الله حرمه الله على النار))كثير منها جاء ذكره في المدينة بعد نزول الشرائع وبعد وجود الخبر عن الزنا والسرقة كما هو في حديث أبي ذر وكما هو في حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه، المقصود: أن كثيرا من الأحاديث ذكرت بعد وجود الموانع وبعد ذكر الشروط ولذلك يستبعد هذا الوجه كما استبعده المؤلف قال: (وهذا بعيد جدا فإن كثيرا منها كان بالمدينة بعد نزول الفرائض والحدود، وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك وفي آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم)كما في حديث عبادة بن الصامت وفي أحاديث عديدة. يقول المؤلف رحمه الله: (وهؤلاء منهم من يقول في هذه الأحاديث: إنها منسوخة)يعني: كيف يجيبون؟ يقولون: هذه الأحاديث نسخت بالأحاديث التي فيها أن من زنى دخل النار، وأن من سرق دخل النار، وأن من قذف المحصنات دخل النار هذه الأحاديث نسخت تلك الأحاديث التي فيها: ((من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة)). ومنهم من يقول: إن تلك النصوص محكمة وهذا إشارة إلى الخلاف: هل الزيادة على النص تعتبر نسخا أو لا؟ الذي عليه المحققون من أهل العلم: أن الزيادة على النص ليست نسخا، وأن النسخ الذي تكلم به مثل سفيان الثوري لا يقصد به النسخ الذي هو رفع حكم سابق ونزول حكم جديد مخالف فعل الحكم السابق وإنما المقصود بالنسخ ما كان يستعمله السلف من أن النسخ هو نوع من الزيادة في النص بتخصيص أو تقييد أو شرط أو مانع فهذا كثير من السلف يسميه نسخا وهو ليس بالنسخ الاصطلاحي الذي يتكلم عنه أهل الأصول، ويأتي بقية البحث إن شاء الله في هذا. طيب هذا الجواب الرابع قال: (وقالت طائفة: تلك النصوص المطلقة قد جاءت مقيدة في أحاديث أخر، ففي بعضها: ((من قال: لا إله إلا الله مخلصا من قلبه)) وفي بعضها: ((مستيقنا)) وفي بعضها: ((يصدق لسانه))، وفي بعضها: ((يقولها حقا من قلبه))، وفي بعضها: ((قد زل بها لسانه واطمأن بها قلبه)) )وهذا القول في الحقيقة قريب أو هو نوع تفصيل للقول الذي تقدم واستظهره المؤلف وهو القول: بأن لهذه الكلمة شروطا وأن هذه الشروط لابد من استيفاءها، فقوله رحمه الله: (وقالت طائف)إنما نص على ما ذكر بعض أهل العلم من الشروط التي لابد من توافرها لنفع هذه الكلمة وأنه إذا لم تكن هذه الكلمة مقيدة بشروطها فإنها لا تنفع، فهذا يرجع في الحقيقة إلى القول المتقدم وهو أن لا إله إلا الله إنما تحرم صاحبها من النار إذا استوفت شروطها وانتفت موانعها، نعم.  (وهذا كله إشارة إلى عمل القلب وتحققه بمعنى الشهادتين، فتحقيقه بقول: لا إله إلا الله أن لا يأله القلب غير الله حبا ورجاء وخوفا وتوكلا واستعانة وخضوعا وإنابة وطلبا، وتحقيقه بأن محمدا رسول الله ألا يعبد الله بغير ما شرعه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاء هذا المعنى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم صريحا أنه قال: ((من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة. قيل: ما إخلاصها يا رسول الله؟! قال: أن تحجزك عما حرم الله عليك)) وهذا يروى من حديث أنس بن مالك وزيد بن أرقم ولكن إسنادهما لا يصح وجاء أيضا من مراسيل الحسن بنحوه. وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله).  المؤلف رحمه الله بعد أن ذكر الجمع بين أحاديث فضائل لا إله إلا الله والأحاديث التي فيها: ((أن ممن يقولها قوما يدخلون النار فيحاسبون على بعض أعمالهم))قال: (وهذا كله إشارة إلى عمل القلب)، أي: كل هذه قيود التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله مخلصا مستيقنا يصدق لسانه كل هذه كلها إشارة إلى عمل القلب وأنه لابد مع قول اللسان من عمل القلب، وأن هذه الكلمة إذا كانت مجردة عن تصديق القلب وعمله فإنها لا تنفع صاحبها بل لابد من اجتماع قول اللسان مع عمل القلب، ولذلك قال المؤلف رحمه الله: (وهذا كله إشارة إلى عمل القلب وتحققه بمعنى الشهادتين)، فلا تنفع إلا بالإتيان بمعنى هذه الكلمة وأن يقوم في قلب العبد معنى هذه الكلمة العظيمة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تفصيل تحقيق هذه الكلمة في قلب العبد قال: (فتحقيقه بقول: لا إله إلا الله أن لا يأله القلب غير الله حبا ورجاء وخوفا وتوكلا واستعانة وخضوعا وإنابة وطلبا)هذا فيما يتعلق بحق الله تعالى ألا يكون في قلبه تأله لغيره جل وعلا، والتأله هو المحبة كما سيأتي تفصيله وبيانه في معنى كلمة الإله، وبين المؤلف رحمه الله بعض معاني التأله قال: (حبا ورجاء وخوفا)وابتدأ بالحب والرجاء والخوف لأنها أصول العمل الذي لا يصح عمل إلا بها وهي التي تحمل الإنسان على بقية الأعمال وبدأ بالحب لأنه الأصل، الحب هو أصل الأعمال كلها وهو العبادة التي تكون في الدنيا وتكون في الآخرة، فإن العبد لا ينفك عن محبة الله تعالى في دنياه كما أنه لا ينقطع حبه لله تعالى بعد موته بل في الجنة يحب المؤمنون الله جل وعلا بخلاف الخوف فإنه ينقطع بحصول الأمن كما قال الله تعالى: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾([6])، فإذا دخلوا الجنة أمنوا من كل خوف، فذكر الحب لأنه الأصل الذي به تكون الأعمال ولذلك قال الله تعالى في أصل عبادته وما وقع من الشرك قال: ﴿ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله﴾([7])، فالمحبة هي الأصل الذي ينطلق منه كل عمل، محبة الرحمن هي عبادة القلب الذي لا ينقطع القلب عنه في الدنيا ولا في الآخرة، ولذلك ذكره رحمه الله: (حبا ورجاء وخوفا)، وقد ذكر هذه المراتب الثلاثة في قول الله تعالى: ﴿أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه﴾([8])، فذكر الله تعالى هذه المقامات الثلاثة في هذه الآية: ﴿أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة﴾([9])بالمحبة ﴿ويرجون رحمته ويخافون عذابه﴾([10]). ثم قال: (وتوكلا واستعانة وخضوعا وإنابة وطلبا)وكل هذه من أعمال القلوب التي بها يصلح قلب العبد ويستقيم. القسم الثاني من الشهادتين: الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة قال: (وتحقيقه بأن محمدا رسول الله ألا يعبد الله بغير ما شرعه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)، وذلك بألا يكون في قلبه اتباع لغيره، فالواجب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم دون من سواه قال الله جل وعلا: ﴿أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله﴾([11])، قال الله جل وعلا: ﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾([12])، قال الله تعالى: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾([13])، وأما السنة ففي الصحيحين من حديث القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وهذا يدل على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم دون من سواه، وأن كل من أحدث في الدين أمرا فإنه مردود عليه والواجب الاتباع لا الابتداع، ثم قال: (وقد جاء هذا المعنى)أي: معنى هاتين الكلمتين (مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم صريحا: ((من قال: لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة. قيل: وما إخلاصها؟ قال: أن تحجزك عما حرم الله عليك)) )أن تمنعك عما حرم الله عليك ومعنى هذا: أنها ليست كلمة مجردة بل هي كلمة يتبعها عمل والعمل هو أن يمنعك عما حرم الله عليك ولا يكون ذلك إلا بمحبة الله تعالى وخوفه ورجائه، ثم ذكر عن أنس وزيد ولكن الحديث ضعيف كما أشار المؤلف قال: (ولكن إسنادهما لا يصح وجاء أيضا من مراسيل الحسن)ومراسيل الحسن معروفة أنها من أوهى وأضعف المراسيل. ثم قال رحمه الله..  (وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله، والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل، فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله ونقصا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك).  طيب، يقول: (وتحقيق هذا المعنى)المشار إليه ما تضمنه حديث أنس وزيد بن أرقم يعني: كيف تكون لا إله إلا الله حاجزة عما حرم الله تعالى وأنها لا تنفع إلا إذا كانت كذلك؟ يقول رحمه الله: (وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله)هذا معنى: أنه لا معبود له إلا الله، لا معبود يعبده ويتقرب إليه ويسعى إلى مرضاته إلا الله جل وعلا، يقول: (والإله)هذا معنى كلمة الإله، (والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه وسؤالا منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله لغير عز وجل).  إذا تبين أن معنى الإله هو الذي يخاف ويحب ويرجى ويدعى ويمتنع عن معصيته هيبة له وإجلاله، فإذا قلت: لا إله إلا الله يعني: لا أمتنع من معصية ولا أصرف عبادة إلا لهذا الإله الذي تألهه القلوب محبة وخوفا ورجاء. (فمن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحا في إخلاصه)، إذا أشرك بأن أحب غير الله تعالى محبة عبادية أو خاف غيره مخافة لا تليق إلا به أو رجا غيره أو توكل على سواه فإنه يكون قد نقص من توحيده وقوله لهذه الكلمة بقدر ما حصل من صرف هذه الكلمة لغيره. يقول رحمه الله: (وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك)، من عبودية المخلوق سواء كان المخلوق ملكا أو كان رسولا أو نبيا أو وليا أو حجرا أو شجرا أو جنا أو إنسا فكل هذا يدخل في قوله رحمه الله: (وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك)يتضح هذا فيما سيذكره المؤلف رحمه الله من الأمثلة التي هي من نواقص التوحيد، تنقص التوحيد ونقص التوحيد إما أن يكون نقصا يحبطه ويذهبه بالكلية وهذا بالشرك الأكبر، وإما أن يكون نقصا يلحق التوحيد فيه وهم وضعف لكن لا يخرجه عن دائرة الإسلام وهو ما يعرف بالشرك الأصغر، نعم.  (ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه والعمل لأجله).  هذا جعله ضابط، وتأمل في كل موضع يوصف الفعل بأنه شرك أو كفر، كل معصية توصف بأنها شرك أو كفر تأمل وجود أحد هذه الأسباب إما أن يكون منشؤه من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه غير الله ورجاء غير الله أو التوكل على غير الله والعمل لأجله، فكل عمل يوصف بأنه شرك أو كفر إذا تأملت وجدت أن سبب هذا الوصف هو وجود أحد هذه الأسباب أن منشأ العمل يعني: سبب هذا العمل وضعف هذا العمل كونه من طاعة غير الله تعالى أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه أو العمل لأجله، وسيذكر المؤلف رحمه الله أمثلة لهذا يقول رحمه الله..  (كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه، وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: مالي إلا الله وأنت، وكذلك ما يقدح في التوحيد وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة، والرقى المكروهة، وإتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون، وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادح في تمام التوحيد وكماله، ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك كقتال المسلم، ومن أتى حائضا أو امرأة في دبرها، ومن شرب الخمرة في المرة الرابعة وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملة بالكلية، ولهذا قال السلف: كفر دون كفر وشرك دون شرك. وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع قال الله تعالى: ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه﴾([14])، قال: هو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه. وقال قتادة: هو الذي كلما هوي شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى. وروي من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف: ((ما تحت ظل سماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع)). وفي حديث أخر: ((لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن أصحابها حتى يؤثروا دنياهم على دينهم، فإذا فعلوا ذلك ردت عليهم ويقال لهم: كذبتم))، ويشهد لذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش)) فدل هذا على أن كل من أحب شيئا وأطاعه وكان غاية قصده ومطلوبه ووالى لأجله وعادى لأجله فهو عبده وكان ذلك الشيء معبوده وإلهه).  طيب، المؤلف رحمه الله ذكر نماذج من الأعمال التي وصفت بأنها شرك أو كفر لبيان أن ذلك إنما وصف لكونه خروجا عن تحقيق كلمة لا إله إلا الله، بدأ ذلك فقال رحمه الله: (ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه أو العمل لأجله كما ورد إطلاق الشرك على الرياء)وذلك في حديث محمود بن لبيب عند الإمام أحمد بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟! قال: الرياء))، فوصف النبي صلى الله عليه وسلم الرياء بأنه شرك؛ لأنه من إرادة غير الله تعالى بالعمل، فإن المرائي لا يريد بعمله الله تعالى بل يريد غيره، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى: ((أنه قال جل وعلا: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه))وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه. يقول: (كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله)نحن في الحقيقة لو ذهبنا نتطلب الأدلة التي تدل على ما ذكر المؤلف رحمه الله لطال المقام لكن نريد أن نبين وجه الارتباط أو تنزيل كلام المؤلف القاعدة التي ذكرها على هذه الأمثلة، الآن لماذا أطلق النبي صلى الله عليه وسلم الشرك على الرياء؟ ما هو السبب؟ من الأسباب التي ذكرها: (منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه والتوكل عليه أو العمل لأجله)أي الأسباب؟ أنه عمل لغير الله تعالى، طيب وعلى الحلف بغير الله ما السبب؟ الحلف بغير الله لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم ورد عنه النهي عنه في أحاديث كثيرة لكن وصفه بالشرك جاء ذلك في ما رواه سعد بن عبيدة أو عبيدة عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))، فلماذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم الحلف بغير الله بالشرك لماذا وصفه؟ من الأسباب التي ذكرها المؤلف: أنه طاعة غير الله، وأنه تعظيم غير الله تعالى، وفيه أيضا خوف غيره؛ لأن إذا قام في قلب العبد تعظيم غير الله تعالى فلابد أن ينعكس عليه شيء من الخوف الذي يحمله على أن يعظمه وألا يحلف به إلا صادقا. قال: (وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه أطلق النبي صلى الله عليه وسلم الشرك على التوكل على غير الله تعالى والاعتماد عليه)، ما في نص واضح في هذا إلا قول الله تعالى: ﴿وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾([15])، فجعل من شرط الإيمان التوكل عليه جل وعلا، فإذا ترك التوكل عليه فإنه ينتفي في حقه وصف الإيمان فيكون مشركا أو كافرا، (وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة مثل: أن يقول: ما شاء الله وشئت)وهذا جاءت به أحاديث عديدة منها حديث حذيفة أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان))، والسبب في هذا هو تسوية غير الله تعالى به كما ذكر المؤلف رحمه الله: (منشؤه من طاعة غير الله وخوفه أو رجائه أو التوكل عليه أو العمل لأجله)هنا يحتمل أنه من رجاء غير الله تعالى لأنه ما سوى بالله غيره إلا راجيا له أو من خوفه من غير الله تعالى، يقول: (وكذا قول: ما لي إلا الله وأنت، وكذا ما يقدح في التوحيد وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة)فإن الطيرة وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك فيما رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك))، وهذا فيه الحكم على الطيرة بأنها شرك.  قال: (والرقى المكروهة)وذلك فيما رواه أيضا أحمد وغيره من حديث ابن مسعود أنه قال: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)).  قال: (وكذلك إتيان الكهان وتصديقهم)من منازعة الله تعالى ما اختص به من أنه لا يعلم الغيب سواه، وفيه أيضا يتضمن هذا الخوف منهم والرجاء لهم فيما يخبرون.  قال: (وكذلك اتباع الهوى)أيضا اتباع الهوى من الشرك وجه ذلك: أن اتباع الهوى أعظم ما يخرج به الإنسان عن الاستقامة قال الله تعالى: ﴿ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله﴾([16])، وقال جل وعلا: ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله﴾([17])فهذا أيضا سبب بلائه وأصله: هو أنه اتخذ إلها من دون الله، فاتباع الهوى يفسد الاعتقاد ويفسد العمل، وجعله المؤلف رحمه الله أصلا قادحا في التوحيد ولذلك قال: (واتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادح في تمام التوحيد وكماله)وهو إما أن يعود عن التوحيد بالنقد كليا كالآية التي ذكرت في قوله تعالى: ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه﴾([18])وإما أن ينقص من توحيده كما قال الله تعالى: ﴿ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله﴾([19])، والضلال يشمل الخروج الضعيف والخروج الكبير عن الطاعة والاستقامة. قال: (ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك كقتال المسلم)كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)).  قال: (ومن أتى حائضا أو امرأة في دبرها)وهذا لا يكون إلا عن شدة الشهوة فقد وصفه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه كفر ولذلك قال: ((من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد))وهذا الحديث لا يصح من حيث الإسناد لكن المؤلف رحمه الله ذكره على وجه الاستشهاد به والاستئناس في جملة ما تقدم.  (ومن شرب الخمرة في المرة الرابعة)هذا لا يوصف بأنه شرك ليس في حديث فيما يظهر أنه شرك لكن لعل المؤلف نظر إليه من جهة استباحة دمه فقد جاء حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل من شرب الخمر في الرابعة ((فإذا جاء به فاجلدوه، ثم إذا جاء به فاجلدوه، ثم إذا جاء به فاجلدوه، ثم إذا جاء به الرابعة فاقتلوه))، وهذا لعله مراد المؤلف رحمه الله. قال: (وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملة بالكلية)يعني: هذه الذنوب هي نقص في التوحيد ولذلك يطلق على كل معصية أنها كفر لماذا؟ كل معصية توصف بأنها كفر لأنها في الجملة طاعة لغير الله تعالى؛ لأنها في الجملة اتباع للهوى؛ لأنها في الجملة خروج عما تقتضيه العبودية من تمام الانقياد والتسليم لله تعالى، فهذا كله يدل على أي شيء يدل على أن المعاصي يطلق عليها كفر وشرك إذا كان مبعثهما اتباع الهوى وتقديم طاعة غير الله تعالى على طاعته ولو كان ذلك طاعة ما يحب الإنسان. (ولهذا قال السلف: كفر دون كفر وشرك دون شرك). يقول: (وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع قال الله تعالى: ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه﴾([20]))هذا في أي شيء: في بعض الأمر وإلا في كل شيء؟ هل هذا يطلق على المسلم؟ لماذا لا يطلق على المسلم؟ لأن الأوصاف المذكورة في الآية لا يمكن أن تنطبق على غير الكافر، ما يمكن أن تنطبق على المسلم ﴿أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله﴾([21])هذا لا يكون إلا في وصف الكافر، ولذلك جاء عن جماعة من العلماء أن هذه الآية لا تكون إلا في الكافر الذي إذا اشتهى شيئا ركبه قال الحسن: (هو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه. وقال قتادة: هو الذي كلما هوى شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى). فأخذ المسلم ببعض صفاتها لا يكون ذلك مصيرا له على هذه الصفة فإن هذه الصفة على كمالها لا تكون إلا لمن كفر بالله تعالى، وهذا معنى ما ذكره الشاعر: وعبادة الأهواء في تطويحها بالدين      فوق عبادة الأصنام يعني: أشد وأعلى من عبادة الأصنام لما يترتب عليها من فساد الدين والدنيا، وأنها تعود على الإنسان بالخروج عن الملة والاستقامة. ثم قال: (وروي من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف: ((ما تحت ظل سماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع)) ). وهذا الحديث كما ذكر المؤلف رحمه الله ضعيف فيه الحسن بن دينار وهو متروك، وفيه قصيب بن جحدر وهو أيضا قد كذبه شعبة وقطان وابن معين. يقول رحمه الله: (وفي حديث أخر: ((لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن أصحابها حتى يؤثروا دنياهم على دينهم، فإذا فعلوا ذلك ردت عليهم ويقال لهم: كذبتم)) )وهذا الحديث لا يصح ليس له إسناد صحيح فهو ضعيف لكن المؤلف رحمه الله استشهد له أو استأنس له بما ثبت في الصحيح من حديث أبي الحصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش))هذا الحديث يدل على أن من أحب شيئا محبة تحجزه عن طاعة الله تعالى وتحمله على معصيته فقد جعله إلها. قال رحمه الله: (فدل هذا على أن كل من أحب شيئا وأطاعه وكان غاية مقصوده)يعني: منتهى ما يقصده ويطلبه (ووالى لأجله وعادى لأجله فهو عبده وكان ذلك)الشيء معبوده وإلهه، يوصف المؤلف هذا المعنى ويبينه فيقول..  (ويدل عليه أيضا أن الله تعالى سمي طاعة الشيطان في معصيته عبادة للشيطان كما قال تعالى: ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان﴾([22])، وقال تعالى حاكيا عن خليله إبراهيم عليه السلام لأبيه: ﴿يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا﴾([23])، فمن لم يتحقق بعبودية الرحمن وطاعته فإنه يعبد الشيطان بطاعته له ولم يخلص من عبادة الشيطان إلا من أخلص عبودية الرحمن وهم الذين قال فيهم: ﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾([24])، فهم الذين حققوا قول: لا إله إلا الله، وأخلصوا في قولها، وصدقوا قولهم بفعلهم، فلم يلتفتوا إلى غير الله محبة ورجاء وخشية وطاعة وتوكلا، وهم الذين صدقوا في قول: لا إله إلا الله، وهم عباد الله حقا فأما من قال: لا إله إلا الله بلسانه ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذب فعله قوله، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى، ﴿ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله﴾([25])، ﴿ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله﴾([26]). فيا هذا! كن عبدا الله لا عبدا للهوى فإن الهوى يهوي بصاحبه في النار، ﴿أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار﴾([27]).  تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، والله لا ينجو غدا من عذاب الله إلا من حقق عبودية الله وحده ولم يلتفت إلى شيء من الأغيار، من علم أن إلهه فرد فليفرده بالعبودية ولا يشرك بعبادة ربه أحدا. كان بعض العارفين يتكلموا على أصحابه على رأس جبل فقال في كلامه: لا ينال أحد مراده حتى ينفرد فردا بفرد، فانزعج واضطرب حتى رأى أصحابه أن الصخور قد تدكدكت وبقي على ذلك ساعة فلما أفاق فكأنه نشر من قبره).  المقطع الذي قرأه في بيان معنى تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة واضح، ثم قال: (ويدل عليه أيضا)يدل على أن كل من جعل شيئا من المخلوقات غاية مقصوده ومنتهى مراده وطلبه فإنه قد اتخذه إلها ويوصف بأنه عبد له يقول: (ويدل عليه أيضا أن الله تعالى سمى طاعة الشيطان في معصيته عبادة للشيطان كما قال تعالى: ﴿ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان﴾([28]))، وغالب من يعبد غير الله تعالى لا يعبد الشيطان باسمه إنما يعبد آلهة أحبها وصرف إليها العبادة رجا منها النفع ودفع الضر ومع هذا فإنه في الحقيقة ما عبد إلا الشيطان لأنه هو الذي أمر بذلك وزينه. قال: (وقال تعالى حاكيا عن خليله إبراهيم عليه السلام: ﴿يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا﴾([29])).  يقول رحمه الله المؤلف: (فمن لم يتحقق بعبودية الرحمن)أي: لم يحقق ويلتزم عبودية الله تعالى (وطاعته فإنه يعبد الشيطان بطاعته له)، إذا عبودية الشيطان هنا لا يلزم أن تكون عبودية مباشرة إنما تكون عبودية بالطاعة، فلما أطاع الشيطان في عبادة غير الله تعالى كان في الحقيقة عبدا لمن؟ كان عبدا للشيطان. قال: (ولم يخلص من عبادة الشيطان إلا من أخلص عبودية الرحمن وهم الذين قال فيهم: ﴿إن عبادي ليس لك عليهم سلطان﴾([30])، فهم الذين حققوا قول: لا إله إلا الله)قولا ولفظا (وأخلصوا في قولها، وصدقوا قولهم بفعلهم، فلم يلتفتوا إلى غير الله محبة ورجاء وخشية..)إلى آخر ما ذكر المؤلف رحمه الله، بعد هذا البيان المتقدم وعظ المؤلف موعظة فقال: (فيا هذا! كن عبدا الله لا عبدا للهوى). لماذا ذكر الهوى؟ لأن البحث كله في أن الهوى يخرج الإنسان عن حقيقة العبودية إما خروجا وإما خروجا جزئيا على حسب ما يحصل من اتباع الهوى، ثم قال رحمه الله: (فإن الهوى يهوي بصاحبه في النار ﴿أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار﴾([31])). ثم عاد وذكر تعاسة من عبد الدرهم والدينار وغيرهما من المعبودات الذي يعبد النساء، والذي يعبد الجاه، والذي يعبد المنصب، والذي يعبد الأولاد، والذي يعبد الأراضي.. الناس في محابهم على أوجه مختلفة وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مثال: ((تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة))هذه أنواع من المال لا على وجه الحصر إنما هي على وجه التمثيل، فمن عبد غيرها وتعلق بها كتعلق هؤلاء بما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يوصف بأنه عبدا لها. قال رحمه الله: (والله لا ينجو غدا من عذاب الله إلا من حقق عبودية الله وحده)والنجا هنا النجا التام الكامل، لا ينجو أحد نجاء كاملا إلا إذا حقق العبودية لله تعالى وحده، أما إذا خلط فإنه يفوته من النجا بقدر ما حصل معه من تخليط.  قال: (ولم يلتفت إلى شيء من الأغيار)يعني: غير الله تعالى مما تحبه النفس وتهواه وتقدمه على أمر الله ورسوله، (من علم أن إلهه فرد فليفرده بالعبادة ولا يشرك بعبادة ربه أحدا). ثم ذكر هذه القصة التي هي عن بعض العارفين والعارفون من كانوا على طريق التعبد

المشاهدات:4744


وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال للرجل: ((تعبد الله لا تشرك به شيئاً))وهذا معنى لا إله إلا الله، ولم يكتف بذلك بل قال: ((وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. فقال الرجل: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً ولا أنقص منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا))، ثم ذكر حديث بشر بن الخصاصية وهو حديث في إسناده بعض الغرابة ولذلك قال عنه ابن كثير رحمه الله لما ذكره في تفسير سورة الأمثال قال: حديث غريب من هذا الوجه، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل من هذا الرجل الامتناع من الصدقة والجهاد بل لما قال ما قال في الجهاد من أنه يخشى أن تغلبه نفسه ويكره الموت، وأن الصدقة ليس عنده من المال ما يستطيع أن يبذل به قبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وهذا فيه الإشارة إلى الامتناع عن مبايعته، قبض اليد يعني أنه ما بايع النبي صلى الله عليه وسلم لم يبايعه النبي صلى الله عليه وسلم وحرك يده كالرافض للبيعة، قال: ((فلا جهاد ولا صدقة فبم تدخل الجنة إذاً؟))وهذان عملان، فلما كان جعل النبي صلى الله عليه وسلم تركهما سبباً للتأخر عن دخول الجنة، ((قلت: يا رسول الله أبايعك؟! فبايعته عليهن كلهن)). يقول: (ففي هذا الحديث أن الجهاد والصدقة شرط في دخول الجنة مع حصول التوحيد والصلاة والصيام). أيضاً استدل المؤلف رحمه الله بفقه أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو أفقه الأمة بمعاني كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ونظير هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)) )وجاء هذا في أحاديث عديدة منها: الحديث الذي سيق فيه هذا القول في مقابل ما كان ذهب إليه أبو بكر من قتال مانع الزكاة، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه من طريق سعيد بن المسيب وغيره: أن أبا هريرة قال: ((لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد من العرب قال عمر لأبي بكر: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اله وأن محمداً رسول الله فكيف تقاتلهم وقد شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا أقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فو الله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه فقاتلهم رضي الله عنه، يقول عمر: فلما رأيت الله شرح صدر أبي بكر لقتالهم علمت أنه الحق))، فانشرح صدره وزال الإشكال عند الصحابة، وهذا الذي اجتهد فيه أبو بكر رضي الله عنه وكان مصيباً في اجتهاده جاءت به النصوص كما أشار المؤلف رحمه الله، فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يكتف في ترتيب عصمة المال والدم وهو نتاج هذه الكلمة في الدنيا نتاج لا إله إلا الله في الدنيا بأن تعصم الأموال والدماء تعصم الأنفس فلم يرتب أبو بكر على هذه الكلمة نتيجتها في حق قوم قالوها لكنهم تخلفوا في بعض شروطها ففرقوا بين الصلاة والصلاة فامتنعوا من أداء الزكاة، يعني: مقتضى لا إله إلا الله تحريم الدم والمال ما عدا ذلك لم يحرم دماءهم وأموالهم لما أخلوا بشرط من الشروط الواجبة وهي أن يقروا بما فرض الله تعالى عليهم من الزكاة وأن يؤدوا ما فرض الله عليهم من الزكاة، فإذا كانت لا إله إلا الله لم تثمر نتيجتها في الدنيا لفوات بعض شروطها فكذلك في الآخرة فإنها لا تثمر السلامة من النار إلا إذا استوفت جميع شروطها وسلمت من الموانع وانتفت فيها الموانع التي تمنع من ترتيب نتاجها عليها، الجمع بين النصوص التي فيها فضل لا إله إلا الله والنصوص التي فيها المؤاخذة والمعاقبة على بعض السيئات والذنوب، وهذه المسألة مسألة كبرى لماذا؟ لأن كثيراً ممن يسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي يستند إلى هذه النصوص التي فيها أنه: ((من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة))ويغيب عن أن هذه النصوص ليست نصوصاً مطلقة بل هي مقيدة بقيود لابد من معرفتها حتى تكتمل النظرة الشرعية والفهم السليم لهذه النصوص النبوية أو النصوص القرآنية.



يقول المؤلف رحمه الله: (ففهم عمر وجماعة من الصحابة أن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا بمجرد ذلك فتوقفوا في قتال مانع الزكاة، وفهم الصديق أنه لا يمتنع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل وقال: الزكاة حق المال)) )، وهذا الذي فهمه الصديق قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً غير واحد من الصحابة منهم ابن عمر كما في حديث محمد بن واقد عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها))، وكذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في الصحيحين من طريق قتادة فيه ما في حديث ابن عمر رضي الله عنه.



 يقول: (وقد دل على ذلك)أي: دل على أنه لا تنفع هذه الكلمة إلا إذا توافرت شروطها قول الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾([1])، (فإخوانكم في الدين) الفاء هنا للتعقيب والترتيب أي: أنه لا تحصل الإخوة في الدين إلا إذا تحقق الشرط ما هو الشرط؟ الفاء هنا واقعة في جواب الشرط يقول الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾([2])ما نتاج هذا الشرط؟ ما جوابه؟ ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾([3])، فإذا تخلف شرط من هذه الشروط أو تخلف جزء من هذا الشرط فإنه لا تتحقق الإخوة في الدين فدل هذا على أي شيء؟ أنه من قال: لا إله إلا الله ولم يأت بشروطها فإنها لا تنفعه.



طيب يقول رحمه الله: (كما دل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾([4]) والتي قبلها: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا﴾([5]) يقول: فلما قرر أبو بكر هذا للصحابة رجعوا إلى قوله ورأوه صواباً). نعم.



 (فإذا علم أن عقوبة الدنيا لا ترفع عمن أدى الشهادتين مطلقاً بل يعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام فكذلك عقوبة الآخرة).



 هذا قياس جلي ظاهر وبين حيث قاس عقوبة الآخرة على عقوبة الدنيا، إذا كانت هذه الكلمة لا تعصم صاحبها مع الإخلال بها في الدنيا فإنها لا تنفعه في الآخرة إذا أخل بشروطها وحقوقها، فلابد مع قول: لا إله إلا الله من استكمال الشروط والسعي في نفي الموانع حتى يترتب عليها أجرها وفضلها، المؤلف ذكر ثلاثة أجوبة:



الجواب الأول: أن النار هي نار الخلود نار الكفار.



الثاني: هذه الكلمة لا تنفع حتى تستكمل شروطها وتنتفي موانعها.



الثالث: ما ذكر هنا فقال: (وقد ذهب طائفة..).



(وقد ذهب طائفة إلى أن هذه الأحاديث المذكورة أولاً وما في معناها كانت قبل نزول الفرائض والحدود منهم الزهري والثوري وغيرهما وهذا بعيد جداً، فان كثيراً منها كان بالمدينة بعد نزول الفرائض والحدود، وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك وهي في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء منهم من يقول في هذه الأحاديث: إنها منسوخة، ومنهم من يقول: هي محكمة ولكن ضم إليها شرائط ويلتفت هذا إلى أن الزيادة على النص هل هي نسخ أم لا؟ والخلاف في ذلك بين الأصوليين مشهور، وقد صرح الثوري وغيره بأنها منسوخة، وأنه نسخها الفرائض والحدود، وقد يكون مرادهم بالنسخ البيان والإيضاح فإن السلف كانوا يطلقون النسخ على مثل ذلك كثيراً ويكون مقصودهم: أن آيات الفرائض والحدود تبين بها توقف دخول الجنة والنجاة من النار على فعل الفرائض واجتناب المحارم فصارت تلك النصوص منسوخة أي: مبينة مفسرة، ونصوص الحدود والفرائض ناسخة أي: مفسرة لمعنى تلك موضحة لها).



طيب هذا القول الثالث الذي ذكره المؤلف رحمه الله في الجمع بين الأحاديث التي فيها تحريم النار على من قال: لا إله إلا الله والأحاديث التي تدل على أن ممن يقول: لا إله إلا الله يدخل الجنة بسبب ذنوب ومعاصي، وهو أن بعض أهل العلم قال: إن الأحاديث التي فيها: ((أن من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة))هذا في أول الأمر ثم لما جاءت الأحكام والشرائع نسخت تلك النصوص المتقدمة، وهذا قول الزهري والثوري وغيرهما، يقول: (وهذا بعيد جداً)يعني: هذا الجواب بعيد ولذلك أخره ذكراً لعبده من الصواب، والسبب في بعد هذا: أن كثيراً منها أي: من هذه النصوص التي فيها: ((أن من قال: لا إله إلا الله حرمه الله على النار))كثير منها جاء ذكره في المدينة بعد نزول الشرائع وبعد وجود الخبر عن الزنا والسرقة كما هو في حديث أبي ذر وكما هو في حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه، المقصود: أن كثيراً من الأحاديث ذكرت بعد وجود الموانع وبعد ذكر الشروط ولذلك يستبعد هذا الوجه كما استبعده المؤلف قال: (وهذا بعيد جداً فإن كثيراً منها كان بالمدينة بعد نزول الفرائض والحدود، وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك وفي آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم)كما في حديث عبادة بن الصامت وفي أحاديث عديدة.



يقول المؤلف رحمه الله: (وهؤلاء منهم من يقول في هذه الأحاديث: إنها منسوخة)يعني: كيف يجيبون؟ يقولون: هذه الأحاديث نسخت بالأحاديث التي فيها أن من زنى دخل النار، وأن من سرق دخل النار، وأن من قذف المحصنات دخل النار هذه الأحاديث نسخت تلك الأحاديث التي فيها: ((من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة)). ومنهم من يقول: إن تلك النصوص محكمة وهذا إشارة إلى الخلاف: هل الزيادة على النص تعتبر نسخاً أو لا؟ الذي عليه المحققون من أهل العلم: أن الزيادة على النص ليست نسخاً، وأن النسخ الذي تكلم به مثل سفيان الثوري لا يقصد به النسخ الذي هو رفع حكم سابق ونزول حكم جديد مخالف فعل الحكم السابق وإنما المقصود بالنسخ ما كان يستعمله السلف من أن النسخ هو نوع من الزيادة في النص بتخصيص أو تقييد أو شرط أو مانع فهذا كثير من السلف يسميه نسخاً وهو ليس بالنسخ الاصطلاحي الذي يتكلم عنه أهل الأصول، ويأتي بقية البحث إن شاء الله في هذا.



طيب هذا الجواب الرابع قال: (وقالت طائفة: تلك النصوص المطلقة قد جاءت مقيدة في أحاديث أخر، ففي بعضها: ((من قال: لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه)) وفي بعضها: ((مستيقناً)) وفي بعضها: ((يصدق لسانه))، وفي بعضها: ((يقولها حقاً من قلبه))، وفي بعضها: ((قد زل بها لسانه واطمأن بها قلبه)) )وهذا القول في الحقيقة قريب أو هو نوع تفصيل للقول الذي تقدم واستظهره المؤلف وهو القول: بأن لهذه الكلمة شروطاً وأن هذه الشروط لابد من استيفاءها، فقوله رحمه الله: (وقالت طائف)إنما نص على ما ذكر بعض أهل العلم من الشروط التي لابد من توافرها لنفع هذه الكلمة وأنه إذا لم تكن هذه الكلمة مقيدة بشروطها فإنها لا تنفع، فهذا يرجع في الحقيقة إلى القول المتقدم وهو أن لا إله إلا الله إنما تحرم صاحبها من النار إذا استوفت شروطها وانتفت موانعها، نعم.



 (وهذا كله إشارة إلى عمل القلب وتحققه بمعنى الشهادتين، فتحقيقه بقول: لا إله إلا الله أن لا يأله القلب غير الله حباً ورجاء وخوفاً وتوكلاً واستعانة وخضوعاً وإنابة وطلباً، وتحقيقه بأن محمداً رسول الله ألا يعبد الله بغير ما شرعه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاء هذا المعنى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً أنه قال: ((من قال: لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة. قيل: ما إخلاصها يا رسول الله؟! قال: أن تحجزك عما حرم الله عليك)) وهذا يروى من حديث أنس بن مالك وزيد بن أرقم ولكن إسنادهما لا يصح وجاء أيضاً من مراسيل الحسن بنحوه.



وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله).



 المؤلف رحمه الله بعد أن ذكر الجمع بين أحاديث فضائل لا إله إلا الله والأحاديث التي فيها: ((أن ممن يقولها قوماً يدخلون النار فيحاسبون على بعض أعمالهم))قال: (وهذا كله إشارة إلى عمل القلب)، أي: كل هذه قيود التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا الله مخلصاً مستيقناً يصدق لسانه كل هذه كلها إشارة إلى عمل القلب وأنه لابد مع قول اللسان من عمل القلب، وأن هذه الكلمة إذا كانت مجردة عن تصديق القلب وعمله فإنها لا تنفع صاحبها بل لابد من اجتماع قول اللسان مع عمل القلب، ولذلك قال المؤلف رحمه الله: (وهذا كله إشارة إلى عمل القلب وتحققه بمعنى الشهادتين)، فلا تنفع إلا بالإتيان بمعنى هذه الكلمة وأن يقوم في قلب العبد معنى هذه الكلمة العظيمة، ثم ذكر المؤلف رحمه الله تفصيل تحقيق هذه الكلمة في قلب العبد قال: (فتحقيقه بقول: لا إله إلا الله أن لا يأله القلب غير الله حباً ورجاء وخوفاً وتوكلاً واستعانة وخضوعاً وإنابة وطلباً)هذا فيما يتعلق بحق الله تعالى ألا يكون في قلبه تأله لغيره جل وعلا، والتأله هو المحبة كما سيأتي تفصيله وبيانه في معنى كلمة الإله، وبين المؤلف رحمه الله بعض معاني التأله قال: (حباً ورجاء وخوفاً)وابتدأ بالحب والرجاء والخوف لأنها أصول العمل الذي لا يصح عمل إلا بها وهي التي تحمل الإنسان على بقية الأعمال وبدأ بالحب لأنه الأصل، الحب هو أصل الأعمال كلها وهو العبادة التي تكون في الدنيا وتكون في الآخرة، فإن العبد لا ينفك عن محبة الله تعالى في دنياه كما أنه لا ينقطع حبه لله تعالى بعد موته بل في الجنة يحب المؤمنون الله جل وعلا بخلاف الخوف فإنه ينقطع بحصول الأمن كما قال الله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([6])، فإذا دخلوا الجنة أمنوا من كل خوف، فذكر الحب لأنه الأصل الذي به تكون الأعمال ولذلك قال الله تعالى في أصل عبادته وما وقع من الشرك قال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾([7])، فالمحبة هي الأصل الذي ينطلق منه كل عمل، محبة الرحمن هي عبادة القلب الذي لا ينقطع القلب عنه في الدنيا ولا في الآخرة، ولذلك ذكره رحمه الله: (حباً ورجاء وخوفاً)، وقد ذكر هذه المراتب الثلاثة في قول الله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾([8])، فذكر الله تعالى هذه المقامات الثلاثة في هذه الآية: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾([9])بالمحبة ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾([10]). ثم قال: (وتوكلاً واستعانة وخضوعاً وإنابة وطلباً)وكل هذه من أعمال القلوب التي بها يصلح قلب العبد ويستقيم.



القسم الثاني من الشهادتين: الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة قال: (وتحقيقه بأن محمداً رسول الله ألا يعبد الله بغير ما شرعه الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)، وذلك بألا يكون في قلبه اتباع لغيره، فالواجب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم دون من سواه قال الله جل وعلا: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾([11])، قال الله جل وعلا: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾([12])، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾([13])، وأما السنة ففي الصحيحين من حديث القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وهذا يدل على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم دون من سواه، وأن كل من أحدث في الدين أمراً فإنه مردود عليه والواجب الاتباع لا الابتداع، ثم قال: (وقد جاء هذا المعنى)أي: معنى هاتين الكلمتين (مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم صريحاً: ((من قال: لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة. قيل: وما إخلاصها؟ قال: أن تحجزك عما حرم الله عليك)) )أن تمنعك عما حرم الله عليك ومعنى هذا: أنها ليست كلمة مجردة بل هي كلمة يتبعها عمل والعمل هو أن يمنعك عما حرم الله عليك ولا يكون ذلك إلا بمحبة الله تعالى وخوفه ورجائه، ثم ذكر عن أنس وزيد ولكن الحديث ضعيف كما أشار المؤلف قال: (ولكن إسنادهما لا يصح وجاء أيضاً من مراسيل الحسن)ومراسيل الحسن معروفة أنها من أوهى وأضعف المراسيل.



ثم قال رحمه الله..



 (وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله، والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالاً ومحبة وخوفاً ورجاء وتوكلاً عليه وسؤالاً منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل، فمن أشرك مخلوقاً في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحاً في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله ونقصاً في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك).



 طيب، يقول: (وتحقيق هذا المعنى)المشار إليه ما تضمنه حديث أنس وزيد بن أرقم يعني: كيف تكون لا إله إلا الله حاجزة عما حرم الله تعالى وأنها لا تنفع إلا إذا كانت كذلك؟ يقول رحمه الله: (وتحقيق هذا المعنى وإيضاحه أن قول العبد: لا إله إلا الله يقتضي أن لا إله له غير الله)هذا معنى: أنه لا معبود له إلا الله، لا معبود يعبده ويتقرب إليه ويسعى إلى مرضاته إلا الله جل وعلا، يقول: (والإله)هذا معنى كلمة الإله، (والإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالاً ومحبة وخوفاً ورجاء وتوكلاً عليه وسؤالاً منه ودعاء له، ولا يصلح ذلك كله لغير عز وجل).



 إذاً تبين أن معنى الإله هو الذي يخاف ويحب ويرجى ويدعى ويمتنع عن معصيته هيبة له وإجلاله، فإذا قلت: لا إله إلا الله يعني: لا أمتنع من معصية ولا أصرف عبادة إلا لهذا الإله الذي تألهه القلوب محبة وخوفاً ورجاء.



(فمن أشرك مخلوقاً في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحاً في إخلاصه)، إذا أشرك بأن أحب غير الله تعالى محبة عبادية أو خاف غيره مخافة لا تليق إلا به أو رجا غيره أو توكل على سواه فإنه يكون قد نقص من توحيده وقوله لهذه الكلمة بقدر ما حصل من صرف هذه الكلمة لغيره.



يقول رحمه الله: (وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك)، من عبودية المخلوق سواء كان المخلوق ملكاً أو كان رسولاً أو نبياً أو ولياً أو حجراً أو شجراً أو جناً أو إنساً فكل هذا يدخل في قوله رحمه الله: (وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك)يتضح هذا فيما سيذكره المؤلف رحمه الله من الأمثلة التي هي من نواقص التوحيد، تنقص التوحيد ونقص التوحيد إما أن يكون نقصاً يحبطه ويذهبه بالكلية وهذا بالشرك الأكبر، وإما أن يكون نقصاً يلحق التوحيد فيه وهم وضعف لكن لا يخرجه عن دائرة الإسلام وهو ما يعرف بالشرك الأصغر، نعم.



 (ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه والعمل لأجله).



 هذا جعله ضابط، وتأمل في كل موضع يوصف الفعل بأنه شرك أو كفر، كل معصية توصف بأنها شرك أو كفر تأمل وجود أحد هذه الأسباب إما أن يكون منشؤه من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه غير الله ورجاء غير الله أو التوكل على غير الله والعمل لأجله، فكل عمل يوصف بأنه شرك أو كفر إذا تأملت وجدت أن سبب هذا الوصف هو وجود أحد هذه الأسباب أن منشأ العمل يعني: سبب هذا العمل وضعف هذا العمل كونه من طاعة غير الله تعالى أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه أو العمل لأجله، وسيذكر المؤلف رحمه الله أمثلة لهذا يقول رحمه الله..



 (كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه، وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: مالي إلا الله وأنت، وكذلك ما يقدح في التوحيد وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة، والرقى المكروهة، وإتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون، وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادح في تمام التوحيد وكماله، ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك كقتال المسلم، ومن أتى حائضاً أو امرأة في دبرها، ومن شرب الخمرة في المرة الرابعة وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملة بالكلية، ولهذا قال السلف: كفر دون كفر وشرك دون شرك.



وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾([14])، قال: هو الذي لا يهوى شيئاً إلا ركبه. وقال قتادة: هو الذي كلما هوي شيئاً ركبه وكلما اشتهى شيئاً أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى.



وروي من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف: ((ما تحت ظل سماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع)).



وفي حديث أخر: ((لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن أصحابها حتى يؤثروا دنياهم على دينهم، فإذا فعلوا ذلك ردت عليهم ويقال لهم: كذبتم))، ويشهد لذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش)) فدل هذا على أن كل من أحب شيئاً وأطاعه وكان غاية قصده ومطلوبه ووالى لأجله وعادى لأجله فهو عبده وكان ذلك الشيء معبوده وإلهه).



 طيب، المؤلف رحمه الله ذكر نماذج من الأعمال التي وصفت بأنها شرك أو كفر لبيان أن ذلك إنما وصف لكونه خروجاً عن تحقيق كلمة لا إله إلا الله، بدأ ذلك فقال رحمه الله: (ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه أو العمل لأجله كما ورد إطلاق الشرك على الرياء)وذلك في حديث محمود بن لبيب عند الإمام أحمد بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟! قال: الرياء))، فوصف النبي صلى الله عليه وسلم الرياء بأنه شرك؛ لأنه من إرادة غير الله تعالى بالعمل، فإن المرائي لا يريد بعمله الله تعالى بل يريد غيره، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى: ((أنه قال جل وعلا: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه))وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه.



يقول: (كما ورد إطلاق الشرك على الرياء، وعلى الحلف بغير الله، وعلى التوكل على غير الله)نحن في الحقيقة لو ذهبنا نتطلب الأدلة التي تدل على ما ذكر المؤلف رحمه الله لطال المقام لكن نريد أن نبين وجه الارتباط أو تنزيل كلام المؤلف القاعدة التي ذكرها على هذه الأمثلة، الآن لماذا أطلق النبي صلى الله عليه وسلم الشرك على الرياء؟ ما هو السبب؟ من الأسباب التي ذكرها: (منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه والتوكل عليه أو العمل لأجله)أي الأسباب؟ أنه عمل لغير الله تعالى، طيب وعلى الحلف بغير الله ما السبب؟ الحلف بغير الله لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم ورد عنه النهي عنه في أحاديث كثيرة لكن وصفه بالشرك جاء ذلك في ما رواه سعد بن عبيدة أو عبيدة عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))، فلماذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم الحلف بغير الله بالشرك لماذا وصفه؟ من الأسباب التي ذكرها المؤلف: أنه طاعة غير الله، وأنه تعظيم غير الله تعالى، وفيه أيضاً خوف غيره؛ لأن إذا قام في قلب العبد تعظيم غير الله تعالى فلابد أن ينعكس عليه شيء من الخوف الذي يحمله على أن يعظمه وألا يحلف به إلا صادقاً. قال: (وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه أطلق النبي صلى الله عليه وسلم الشرك على التوكل على غير الله تعالى والاعتماد عليه)، ما في نص واضح في هذا إلا قول الله تعالى: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾([15])، فجعل من شرط الإيمان التوكل عليه جل وعلا، فإذا ترك التوكل عليه فإنه ينتفي في حقه وصف الإيمان فيكون مشركاً أو كافراً، (وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة مثل: أن يقول: ما شاء الله وشئت)وهذا جاءت به أحاديث عديدة منها حديث حذيفة أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان))، والسبب في هذا هو تسوية غير الله تعالى به كما ذكر المؤلف رحمه الله: (منشؤه من طاعة غير الله وخوفه أو رجائه أو التوكل عليه أو العمل لأجله)هنا يحتمل أنه من رجاء غير الله تعالى لأنه ما سوى بالله غيره إلا راجياً له أو من خوفه من غير الله تعالى، يقول: (وكذا قول: ما لي إلا الله وأنت، وكذا ما يقدح في التوحيد وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة)فإن الطيرة وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك فيما رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عبد الله بن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك))، وهذا فيه الحكم على الطيرة بأنها شرك.



 قال: (والرقى المكروهة)وذلك فيما رواه أيضاً أحمد وغيره من حديث ابن مسعود أنه قال: ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)).



 قال: (وكذلك إتيان الكهان وتصديقهم)من منازعة الله تعالى ما اختص به من أنه لا يعلم الغيب سواه، وفيه أيضاً يتضمن هذا الخوف منهم والرجاء لهم فيما يخبرون.



 قال: (وكذلك اتباع الهوى)أيضاً اتباع الهوى من الشرك وجه ذلك: أن اتباع الهوى أعظم ما يخرج به الإنسان عن الاستقامة قال الله تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾([16])، وقال جل وعلا: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾([17])فهذا أيضاً سبب بلائه وأصله: هو أنه اتخذ إلهاً من دون الله، فاتباع الهوى يفسد الاعتقاد ويفسد العمل، وجعله المؤلف رحمه الله أصلاً قادحاً في التوحيد ولذلك قال: (واتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه قادح في تمام التوحيد وكماله)وهو إما أن يعود عن التوحيد بالنقد كلياً كالآية التي ذكرت في قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾([18])وإما أن ينقص من توحيده كما قال الله تعالى: ﴿وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾([19])، والضلال يشمل الخروج الضعيف والخروج الكبير عن الطاعة والاستقامة.



قال: (ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك كقتال المسلم)كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)).



 قال: (ومن أتى حائضاً أو امرأة في دبرها)وهذا لا يكون إلا عن شدة الشهوة فقد وصفه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه كفر ولذلك قال: ((من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد))وهذا الحديث لا يصح من حيث الإسناد لكن المؤلف رحمه الله ذكره على وجه الاستشهاد به والاستئناس في جملة ما تقدم.



 (ومن شرب الخمرة في المرة الرابعة)هذا لا يوصف بأنه شرك ليس في حديث فيما يظهر أنه شرك لكن لعل المؤلف نظر إليه من جهة استباحة دمه فقد جاء حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل من شرب الخمر في الرابعة ((فإذا جاء به فاجلدوه، ثم إذا جاء به فاجلدوه، ثم إذا جاء به فاجلدوه، ثم إذا جاء به الرابعة فاقتلوه))، وهذا لعله مراد المؤلف رحمه الله.



قال: (وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملة بالكلية)يعني: هذه الذنوب هي نقص في التوحيد ولذلك يطلق على كل معصية أنها كفر لماذا؟ كل معصية توصف بأنها كفر لأنها في الجملة طاعة لغير الله تعالى؛ لأنها في الجملة اتباع للهوى؛ لأنها في الجملة خروج عما تقتضيه العبودية من تمام الانقياد والتسليم لله تعالى، فهذا كله يدل على أي شيء يدل على أن المعاصي يطلق عليها كفر وشرك إذا كان مبعثهما اتباع الهوى وتقديم طاعة غير الله تعالى على طاعته ولو كان ذلك طاعة ما يحب الإنسان. (ولهذا قال السلف: كفر دون كفر وشرك دون شرك).



يقول: (وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾([20]))هذا في أي شيء: في بعض الأمر وإلا في كل شيء؟ هل هذا يطلق على المسلم؟ لماذا لا يطلق على المسلم؟ لأن الأوصاف المذكورة في الآية لا يمكن أن تنطبق على غير الكافر، ما يمكن أن تنطبق على المسلم ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ﴾([21])هذا لا يكون إلا في وصف الكافر، ولذلك جاء عن جماعة من العلماء أن هذه الآية لا تكون إلا في الكافر الذي إذا اشتهى شيئاً ركبه قال الحسن: (هو الذي لا يهوى شيئاً إلا ركبه. وقال قتادة: هو الذي كلما هوى شيئاً ركبه وكلما اشتهى شيئاً أتاه، لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى). فأخذ المسلم ببعض صفاتها لا يكون ذلك مصيراً له على هذه الصفة فإن هذه الصفة على كمالها لا تكون إلا لمن كفر بالله تعالى، وهذا معنى ما ذكره الشاعر:



وعبادة الأهواء في تطويحها بالدين      فوق عبادة الأصنام



يعني: أشد وأعلى من عبادة الأصنام لما يترتب عليها من فساد الدين والدنيا، وأنها تعود على الإنسان بالخروج عن الملة والاستقامة.



ثم قال: (وروي من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف: ((ما تحت ظل سماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع)) ). وهذا الحديث كما ذكر المؤلف رحمه الله ضعيف فيه الحسن بن دينار وهو متروك، وفيه قصيب بن جحدر وهو أيضاً قد كذبه شعبة وقطان وابن معين.



يقول رحمه الله: (وفي حديث أخر: ((لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن أصحابها حتى يؤثروا دنياهم على دينهم، فإذا فعلوا ذلك ردت عليهم ويقال لهم: كذبتم)) )وهذا الحديث لا يصح ليس له إسناد صحيح فهو ضعيف لكن المؤلف رحمه الله استشهد له أو استأنس له بما ثبت في الصحيح من حديث أبي الحصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش))هذا الحديث يدل على أن من أحب شيئاً محبة تحجزه عن طاعة الله تعالى وتحمله على معصيته فقد جعله إلهاً. قال رحمه الله: (فدل هذا على أن كل من أحب شيئاً وأطاعه وكان غاية مقصوده)يعني: منتهى ما يقصده ويطلبه (ووالى لأجله وعادى لأجله فهو عبده وكان ذلك)الشيء معبوده وإلهه، يوصف المؤلف هذا المعنى ويبينه فيقول..



 (ويدل عليه أيضاً أن الله تعالى سمي طاعة الشيطان في معصيته عبادة للشيطان كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾([22])، وقال تعالى حاكياً عن خليله إبراهيم عليه السلام لأبيه: ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾([23])، فمن لم يتحقق بعبودية الرحمن وطاعته فإنه يعبد الشيطان بطاعته له ولم يخلص من عبادة الشيطان إلا من أخلص عبودية الرحمن وهم الذين قال فيهم: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾([24])، فهم الذين حققوا قول: لا إله إلا الله، وأخلصوا في قولها، وصدقوا قولهم بفعلهم، فلم يلتفتوا إلى غير الله محبة ورجاء وخشية وطاعة وتوكلاً، وهم الذين صدقوا في قول: لا إله إلا الله، وهم عباد الله حقاً فأما من قال: لا إله إلا الله بلسانه ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذب فعله قوله، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى، ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ﴾([25])، ﴿وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾([26]).



فيا هذا! كن عبداً الله لا عبداً للهوى فإن الهوى يهوي بصاحبه في النار، ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾([27]).



 تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، والله لا ينجو غداً من عذاب الله إلا من حقق عبودية الله وحده ولم يلتفت إلى شيء من الأغيار، من علم أن إلهه فرد فليفرده بالعبودية ولا يشرك بعبادة ربه أحداً.



كان بعض العارفين يتكلموا على أصحابه على رأس جبل فقال في كلامه: لا ينال أحد مراده حتى ينفرد فرداً بفرد، فانزعج واضطرب حتى رأى أصحابه أن الصخور قد تدكدكت وبقي على ذلك ساعة فلما أفاق فكأنه نشر من قبره).



 المقطع الذي قرأه في بيان معنى تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة واضح، ثم قال: (ويدل عليه أيضاً)يدل على أن كل من جعل شيئاً من المخلوقات غاية مقصوده ومنتهى مراده وطلبه فإنه قد اتخذه إلهاً ويوصف بأنه عبد له يقول: (ويدل عليه أيضاً أن الله تعالى سمى طاعة الشيطان في معصيته عبادة للشيطان كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾([28]))، وغالب من يعبد غير الله تعالى لا يعبد الشيطان باسمه إنما يعبد آلهة أحبها وصرف إليها العبادة رجا منها النفع ودفع الضر ومع هذا فإنه في الحقيقة ما عبد إلا الشيطان لأنه هو الذي أمر بذلك وزينه. قال: (وقال تعالى حاكياً عن خليله إبراهيم عليه السلام: ﴿يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا﴾([29])).



 يقول رحمه الله المؤلف: (فمن لم يتحقق بعبودية الرحمن)أي: لم يحقق ويلتزم عبودية الله تعالى (وطاعته فإنه يعبد الشيطان بطاعته له)، إذاً عبودية الشيطان هنا لا يلزم أن تكون عبودية مباشرة إنما تكون عبودية بالطاعة، فلما أطاع الشيطان في عبادة غير الله تعالى كان في الحقيقة عبداً لمن؟ كان عبداً للشيطان.



قال: (ولم يخلص من عبادة الشيطان إلا من أخلص عبودية الرحمن وهم الذين قال فيهم: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾([30])، فهم الذين حققوا قول: لا إله إلا الله)قولاً ولفظاً (وأخلصوا في قولها، وصدقوا قولهم بفعلهم، فلم يلتفتوا إلى غير الله محبة ورجاء وخشية..)إلى آخر ما ذكر المؤلف رحمه الله، بعد هذا البيان المتقدم وعظ المؤلف موعظة فقال: (فيا هذا! كن عبداً الله لا عبداً للهوى). لماذا ذكر الهوى؟ لأن البحث كله في أن الهوى يخرج الإنسان عن حقيقة العبودية إما خروجاً وإما خروجاً جزئياً على حسب ما يحصل من اتباع الهوى، ثم قال رحمه الله: (فإن الهوى يهوي بصاحبه في النار ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾([31])). ثم عاد وذكر تعاسة من عبد الدرهم والدينار وغيرهما من المعبودات الذي يعبد النساء، والذي يعبد الجاه، والذي يعبد المنصب، والذي يعبد الأولاد، والذي يعبد الأراضي.. الناس في محابهم على أوجه مختلفة وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو مثال: ((تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد القطيفة، تعس عبد الخميصة))هذه أنواع من المال لا على وجه الحصر إنما هي على وجه التمثيل، فمن عبد غيرها وتعلق بها كتعلق هؤلاء بما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يوصف بأنه عبداً لها.



قال رحمه الله: (والله لا ينجو غداً من عذاب الله إلا من حقق عبودية الله وحده)والنجا هنا النجا التام الكامل، لا ينجو أحد نجاء كاملاً إلا إذا حقق العبودية لله تعالى وحده، أما إذا خلط فإنه يفوته من النجا بقدر ما حصل معه من تخليط.



 قال: (ولم يلتفت إلى شيء من الأغيار)يعني: غير الله تعالى مما تحبه النفس وتهواه وتقدمه على أمر الله ورسوله، (من علم أن إلهه فرد فليفرده بالعبادة ولا يشرك بعبادة ربه أحداً). ثم ذكر هذه القصة التي هي عن بعض العارفين والعارفون من كانوا على طريق التعبد

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات83619 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات78551 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات72930 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات60794 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات55188 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات52350 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات49623 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات48431 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات44964 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات44276 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف