×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

نموذج طلب الفتوى

لم تنقل الارقام بشكل صحيح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / كلمة الإخلاص / الدرس(4) من شرح تحقيق كلمة الإخلاص

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(4) من شرح تحقيق كلمة الإخلاص
00:00:01

(ناقش المرائي عن الدرهم الزائف اسم الملك ليروج)يعني: كالذي يزور الدراهم برسم الأختام الحكومية عليها لتروج لكن حقيقة هذا التزوير لا ينطلي على أهل البصر ولذلك قال: (والبهرج)أي: التزوير والتزييف (لا يجوز إلا)أي: لا يمضي ولا يقبل (إلا على غير ناقد)يعني: على غير بصير، أما أهل البصر فإنهم يميزون بين الصادق من الكاذب إذا اشتبكت كما قال المؤلف رحمه الله في بيان الصدق: (وفي الأحباب مخصوص بوجد        وآخر يدعي معه اشتراكا إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكا ممن تباكى فأما من بكى فيذوب وجدا   وينطبق بالهوى من قد تشاكا) تعني من تسعر بهم النار من أهل التشويك والتخليط الذين لم يأتوا بقلوب سليمة هم أهل المعاصي نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم، نعم.  (وبعد أهل الرياء يدخل النار أصحاب الشهوة وعبيد الهوى الذين أطاعوا هواهم وعصوا مولاهم، فأما عبيد الله حقا فيقال لهم: ﴿يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي(29)﴾([1]). جهنم تنطفئ بنور إيمان الموحدين). وهذا الصنف الثاني من أهل التخليط وهم الذين لم يكن لهم توبة من معاصيهم وذنوبهم فأسرفوا على أنفسهم بأنواع من الشهوات فأوقعهم ذلك في المؤاخذة والعقوبة، والله تعالى إنما يطهر عباده بالنار ليطيب من خلط فيكون أهل الشهوة وأصحاب المعصية هم الصنف الثاني من أهل التوحيد الذين يعاقبون بالنار، فأما عبيد الله حقا الذين تابوا وأخلصوا وإذا أخطئوا أنابوا ورجعوا فهؤلاء يقال لهم: ﴿يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي(29)﴾([2])، ليس عليهم مؤاخذة ولا يحتاجون إلى تطهير. نعم.  قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فأما عبيد الله حقا الذين تابوا وأخلصوا وإذا أخطئوا أنابوا ورجعوا فهؤلاء يقال لهم: ﴿يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي(29)﴾([3]).  جهنم تنطفئ بنور إيمان الموحدين، وفي الحديث: ((تقول النار للمؤمن: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي)). وفي المسند عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجا من بردهم)). هذه ميراث ورثة المحبون من حال الخليل عليه السلام). ثم ذكر (فأما عبيد الله حقا)نسأل الله أن نكون منهم فيقال لهم هذه البشارة العظيمة وهذا يقال عند قبض أرواحهم: : ﴿يا أيتها النفس المطمئنة (27) ارجعي إلى ربك راضية مرضية (28) فادخلي في عبادي (29) وادخلي جنتي(30)﴾([4]). ذكر المؤلف رحمه الله: (أن جهنم تنطفئ بنور إيمان الموحدين)ولا غرابة في هذا فإن الله جل وعلا يعطي المؤمنين نورا يوم القيامة ﴿نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم﴾([5])، وهذا النور نور عظيم وهو على قدر ما يكون مع الإنسان من الإيمان والعمل الصالح في هذه الدنيا، فبقدر ما مع العبد في هذه الدنيا من العمل الصالح الصادق ومن الإيمان الراسخ واليقين الثابت يكون له من النور الذي تنطفئ له الأنوار، ويكون له من النور الذي يتقي به شر ما يكون يوم القيامة، ((وقد ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النار فأشح بوجهه -كما في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم-  ثم ذكر النار فأشح بوجهه ثم ذكر النار فأشح بوجهه ثم قال صلى الله عليه وسلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة))، وهذا يدل أن العمل الصالح وأن تقوى الله جل وعلا من أعظم أسباب الوقاية من النار، فإن العمل الصالح ولو كان قليلا إذا كان هذا هو المستطاع وهذا هو المقدور للإنسان فإنه ينفعه يوم القيامة ويقيه النار ولذلك قال: ((ولو بشق تمرة))وشق التمرة ماذا يكون من حيث كفاية المحتاج الجائع هل يغنيه؟ الجواب: لا يغنيه ومع هذا يحصل به من الوقاية من عذاب الله تعالى والوقاية من النار ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))، ومثل هذا ينشط النفوس على العمل، ويرغبها في الاستزادة بالعمل الصالح، وألا يستقر الإنسان عملا صالحا مع التوحيد والإخلاص والصدق والإيمان الجازم، فإنه إذا صدق العبد مع الله تعالى فالله جل وعلا يعطي على القليل الكثير، النية الصالحة لو تجردت عن العمل إذا كان الإنسان لا يستطيع العمل كتب له بها من الثواب والأجر ما لا يدركه العامل إذا لم يكن مخلصا، يجب يا إخواني أن نبصر أن هذه الأنوار التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بل ذكرها الله جل وعلا للمؤمنين وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الإيمان إنما تكون بقدر ما يكون من العمل الصالح، فينبغي المسابقة والاستكثار من أسباب هذه الأنوار حتى يعمل الإنسان في ذلك اليوم الذي لا مأمن له فيه إلا برحمة الله تعالى وما كان من عمل صالح صادق يبتغي به وجه الله جل وعلا. ثم قال: (وفي الحديث: ((تقول النار للمؤمن: جز)) )أي: مر (( (يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهيبي)) )هذا الحديث لا يصح فيه انقطاع بين خالد بن دريك وراويه يعلى ابن منية لكن النار لا شك أنها تتكلم وتبحث عن أهلها يوم القيامة كما جاءت بذلك النصوص، وهذا الخبر الله أعلم به من حيث الوقوع لكن من حيث السند الحديث ضعيف، يقول: (وفي المسند عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها)) )والمقصود بالدخول هنا: الورود الذي قال الله تعالى فيها: ﴿وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71) ثم ننجي الذين اتقوا(72)﴾([6])نسأل الله أن نكون منهم، ﴿ونذر الظالمين فيها جثيا﴾([7])، والظالمون هنا هم كل أهل الظلم نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل العدل وأن يقينا الظلم دقيقه وجليله، الظلم أعلاها الشرك بالله تعالى، ويدخل فيه ظلم المعاصي وظلم السيئات لكن هؤلاء بقاؤهم دون بقاء غيرهم كما تقدم فإن بقاءهم إذا شاء الله أن يعاقبهم بذنوبهم ولم يتوبوا منها بقدر ما جنته أيديهم وحصل من الإساءة والتقصير. ثم قال رحمه الله.. وهذا الحديث مثل السابق حديث فيه ضعف من حيث جهالة بعض رواته وهو الراوي عن جابر فإنه من طريق أبي سمية عن جابر وأبو سمية مجهول لكن المعنى دل عليه قول الله تعالى: ﴿وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71) ثم ننجي الذين اتقوا(72)﴾([8])اللهم اجعلنا منهم ﴿ونذر الظالمين فيها جثيا﴾([9]). قال رحمه الله: (حتى إن للنار ضجيجا من بردهم)هذا في قوله: (فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم). (حتى إن للنار ضجيجا من بردهم)هذا يحتاج إلى خبر ليس هنا كما يدل على هذا (هذا ميراث)أي: كون النار تنقلب عن هيئتها التي خلقها الله تعالى أو صفتها التي خلقها الله تعالى من كونها تحرق (هذا ميراث ورثه المحبون من حال الخليل عليه السلام)حيث جعل الله تعالى النار عليه بردا وسلاما، نعم.  (نار المحبة في قلوب المحبين تخاف منها نار جهنم. قال الجنيد: قالت النار: يا رب لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء أشد مني؟ قال: أسلط عليك ناري الكبرى. قالت: وهل نار أعظم مني وأشد؟ قال: نعم نار محبتي أسكنتها قلوب أوليائي المؤمنين .. قفا قليلا بها علي فلا .. أقل من نظرة أزودها ..  ففي فؤاد المحب نار جوى .. أحر نار الجحيم أبردها.. فلولا دموع المحبين تطفئ بعض حرارة الوجد لاحترقوا كمدا .. دعوه يطفئ بالدموع حرارة .. على كبد حرى دعوه دعوه.. سلوا عاذليه يعذروه هنيهة .. فبالعذل دون الشوق قد قتلوه.. كان بعض العارفين يقول: أليس عجبا أن أكون بين أظهركم وفي قلبي من الاشتياق إلى ربي مثل الشعل التي لا تنطفئ .. ولم أر مثل نار الحب نارا .. تزيد ببعد موقدها اتقادا.. ما للعارفين شغل بغير مولاهم ولا هم في غيره. وفي الحديث: ((من أصبح وهمه غير الله فليس من الله)) قال بعضهم: من أخبرك أن وليه له هم في غيره فلا تصدقه. وكان داود الطائي يقول: همك عطل علي الهموم وحالف بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك أوبق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات. فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب .. مالي شغل سواه مالي شغل .. ما يصرف عن هواه قلبي عذل .. ما أصنع إن جفا وخاب الأمل .. مني بدل ومنه مالي بدل..). هذه نقول يعني: هي التي جعلت بعض من علق على هذه الرسالة المباركة: بأن الشيخ رحمه الله ينقل عن الصوفية ولكن هذا الكلام في الحقيقة بعضه مفيد ونافع وهو من الكلام الذي فيه دلالة على عظيم ما يقوم بقلوب أولياء الله تعالى من المحبة والإجلال والتعظيم لله عز وجل والانجذاب إليه، ومثل هذا الكلام لا يلزم أن يكون صاحبه استشهد به أو نقل أن يكون مقرا لكل ما نقل عمن نقل عنه؛ لأن حق ضالة المؤمن أن وجدها فهو أحق بها، فإذا وجد كلاما يشهد واستأنس به في دعم ما يريد أو استشهاد لما يريد تقريره من المعاني الصحيحة ولو كان صاحب ذلك القول عنده مؤاخذات أو عنده شيء من النقص والقصور في قول آخر وفي مسألة أخرى فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلد أن تعدى معايب والأمر كما قال مالك رحمه الله كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القول يعني: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا الكلام فيه نفع وفيه خير وفيه دلالة على ما قام بقلوب أولئك القوم من محبة الله تعالى فيستشهد به على ما أراد المؤلف من أن من كمل المحبة اشتغل بالله تعالى عما سواه، فإنه من كملت محبته لله جل وعلا لم يبق في قلبه منازعة لمحبة غيره سبحانه وتعالى أو نزع إلى الميل إلى سواه بل كان خالصا لله جل وعلا ومن كان خالصا لله تعالى خلصه الله من كل سيئة وسوء. ثم ذكر المؤلف رحمه الله بعض الأحاديث التي لا تخلو من ضعف منها هذا الحديث الذي قال: (وفي الحديث: ((ومن أصبح وهمه غير الله فليس من الله)) )أي: من أصبح وقلبه متعلق بغير الله تعالى فليس من الله جل وعلا، وهذا قول لا يصح من حيث السند فإن الإسناد ضعيف لكن المؤلف يحتج بمثل هذه الأحاديث التي معانيها صحيحة فإن معنى ما ذكره المؤلف: (( (من أصبح همه غير الله فليس من الله)) )المعنى صحيح وذلك أن القلب إذا اشتغل بغير الله تعالى انشغل عنه، والقلب وعاء وظرف يسير لا يقبل المزاحمة، ولذلك إذا ملأه الإنسان بشيء اشتغل عن غيره، فإذا ملأ العبد قلبه بمحبة الله تعالى وتعظيمه والإقبال عليه لم يبق لمحبة وتعظيم والإقبال على سواه مكان، فإذا أدخل فيه شيئا غير الله جل وعلا كان ذلك صارفا له عن الله ونقص في محبته ونقص في تعظيمه ونقص في خوفه ويلحقه من النقص في دينه وعمله بقدر ما حصل من النقص في قلبه، قد تقدم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))، فالقلب ملك الجوارح كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، فإذا استقام استقامت الجنود وإذا فسد فسدت الجنود، فينبغي للمؤمن أن يكمل قلبه بتمام تخليصه لله جل وعلا، وألا يكون فيه لسواه محل وهذا يحتاج إلى كما ذكرنا في الدرس السابق يحتاج إلى دوام مراقبة، ودوام عناية ونظر في هذا القلب وألا يغفل عنه الإنسان، الإنسان إذا غفل عنه قلبه لحظة لا يدري هل هذا الحصن الذي الشيطان قاعد له بالمرصاد قد تنفذ شبهة أو تنفذ شهوة فتفسد عليه قلبه، نسأل الله أن يحفظ قلوبنا وأن يصلحها، وأن يكملها بطاعته ومحبته، نعم.  (إخواني إذا فهمتم هذا المعنى فهمتم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((من شهد أن لا إله إلا الله صادقا من قلبه حرمه الله على النار))، فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله ومتى بقي في القلب أثر سوى الله فمن قلة الصدق في قولها . من صدق في قول: لا إله إلا الله لم يحب سواه، ولم يرج سواه، ولم يخش أحدا إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه، ومع هذا فلا تظنوا أن المحب مطالب بالعصمة وإنما هو مطالب كلما زل أن يتلافى تلك الوصمة). المؤلف رحمه الله بعد أن قال الكلام المتقدم عمن نقل بين مقصوده من هذا النقل وأن مقصوده: بيان نموذج لما ينبغي أن يكون عليه المؤمن من تكميل محبة الله تعالى بغض النظر عن صحة هذا الكلام وصحة الجهر به والبوح به وما إلى ذلك مما قد يورد على الكلام المتقدم، إنما الشأن في فهم ما الذي يجب أن يكون عليه قلب المؤمن من كمال المحبة لله تعالى والصدق في العبودية له سبحانه وتعالى، ((من شهد أن لا إله إلا الله صادقا من قلبه حرمه الله على النار))، صادق والصدق هو مطابقة الأمر الواقع، فهذه الكلمة إذا لم تكن مطابقة للقلب تماما فإنها لا تنفع بل يدخل فيها من النقص بقدر ما يدخل من مخالفة الواقع والناس في هذا متفاوتون فمنهم من يكذب قلبه قوله وهؤلاء هم المنافقون الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار﴾([10])، ومنهم من هو دون ذلك فعنده إيمان لكنه لم يصدق هذه الكلمة تمام التصديق، ومنهم من يبلغ أعلى الدرجات بمطابقة قوله لقلبه فيفوز بهذا الفضل العظيم والأجر الكبير من التحريم على النار، نسأل الله أن يحرمنا وإياكم على النار. يقول رحمه الله تعالى: (فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله جل وعلا، ومتى بقي في القلب أثر سوى الله فمن قلة الصدق في قولها). ولذلك ينبغي أن يتعاهد الإنسان قلبه، والمعاهدة ليست من سنة إلى سنة أو من عام إلى عام المعاهدة هي دوام النظر في هذا القلب، وقلبك يحتاج إلى نظر صباح ومساء ولذلك شرعت هذه الصلوات يا إخوان، هذه الصلوات الخمس المفرقة على الأوقات هي لإصلاح القلب قال الله تعالى: ﴿إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر﴾([11])ما فيها من ذكر الله الذي تطيب به القلوب وتطمئن وتصلح وتستقيم أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر، ينبغي أن يكون لنا في كل ورد وفي كل صلاة وفي كل موقف نظرة إلى هذا القلب ما حاله؟ ما صلاحه؟ ما نقصه؟ ما زيادته؟ وبهذا يكمل العبد العبودية لله جل وعلا فيكون عبدا لله اختيارا كما أنه عبد لله جل وعلا قهرا لا يخرج عن قدره وقضائه جل وعلا، وهذا يحتاج إلى دوام ملاحظة ودوام عناية وأن ينفذ الإنسان ببصره من يومه الذي يعيش إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت لمن؟ أعدت للمتقين، لم تعد للاهيين والمتوانين في سيرهم إلى الله تعالى إنما المتقون الذين يصلون الطاعة بالطاعة والإحسان بالإحسان، ويبذلون طاقتهم في التقرب إلى الله تعالى بأنواع القرب هكذا يكون الإنسان مكملا للتوحيد، مكملا للعبودية الحقيقية لله جل وعلا، ليس فقط بأن يعرف أن هذا شرك وهذا توحيد هذا قد يحسنه صغار المسلمين يعني في أن السجود للصنم شرك لكن نحن نريد أن نعرف مع أن السجود للصنم شرك أن السجود لله إذا كان مكملا بكمال الذل لله تعالى والخضوع له والتعظيم له هذا هو التوحيد الكامل الذي نحتاجه، ليس سجودا نسجد لله وقلوبنا في الأسواق، وقلوبنا في بيوتنا أو في أشغالنا إنما يكون سجود حقيقي للقلب قبل البدن، أسأل الله أن يعيينا وإياكم على الطاعة والإحسان. يقول رحمه الله: (من صدق في قول: لا إله إلا الله لم يحب سواه، ولم يرج سواه، ولم يخش أحدا إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه، ومع هذا فلا تظنوا أن المحب مطالب بالعصمة)يعني: لا يعني إنه ما يقع خطأ  كل ابن آدم خطاء كما في جامع الترمذي من حديث قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل ابن آدم خطاء))ما في أحد سالما من الخطأ ولكن الناس يتفاوتون فيما بعد الخطأ ((وخير الخطائين التوابون))، فيجب على المؤمن أن يعلم أنه لابد من خطأ والشأن ليس في ألا يقع الخطأ الشأن في أن تتوقى الخطأ ما استطعت فإذا وقعت فالشأن أن تعالج ذلك بالتوبة والإنابة ولذلك قال: (وإنما هو مطالب كلما زل أن يتلافى تلك الوصمة)أي: ذلك الخطأ بالتوبة والاستغفار والندم والانكسار والأوبة والتضرع لله جل وعلا أن يغفر، وأن يعفو، وأن يصفح عما كان من زلل.  (قال زيد بن أسلم: ((إن الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك)). قال الشعبي: إذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب. وتفسير هذا الكلام: أن الله عز وجل له عناية بمن يحبه فكلما زلق ذلك العبد في هوة الهوى أخذ بيده إلى نجوة النجاة ييسر له التوبة وينبهه على قبح الزلة، فيفزع إلى الاعتذار ويبتليه بمصائب مكفرة لما جنى. وفي بعض الآثار يقول الله تعالى: ((أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب)). وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الحمى تذهب الخطايا كما يذهب الكير الخبث)). وفي المسند وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن مغفل: ((أن رجلا لقي امرأة كانت بغيا في الجاهلية فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها فقالت: مه فإن الله قد أذهب الشرك وجاء بالإسلام فتركها وولى، فجعل يلتفت خلفه ينظر إليها حتى أصاب الحائط وجهه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر فقال: أنت عبد أراد الله بك خيرا، ثم قال: إن الله إذا أراد بعبده شرا أمسك ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة)). يا قوم قلوبكم على أصل الطهارة وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب فرشوا عليها قليلا من دموع العيون وقد طهرت، اعزموا على فطام النفوس عن رضاع الهوى، فالحمية رأس الدواء متى طالبتكم بمألوفاتها فقولوا مقالة تلك المرأة لذلك الرجل الذي دمي وجهه: ((أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام)) والإسلام يقتضي الاستسلام والانقياد للطاعة). قول المؤلف رحمه الله في هذا الكلام الماتع النفيس يقول: (قال زيد بن أسلم: ((إن الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول: اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك)) )، وهذه منزلة كبرى ومنحة جليلة من رب العالمين لا تكون لقوم غافلين ولا لقوم عن ربهم لاهين بل هي لقوم ذكروا الله جل وعلا فذكرهم ((وأنا عند ظن عبدي بي إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في الملأ ذكرته في ملأ خير منه))كما في الصحيحين من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة . روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة صدق هذا الحديث: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت ذنبا فاغفره لي، قال الله جل وعلا: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنوب ويأخذ بالذنب اغفروا لعبدي))هذا ما فاته أن عاد وقارف شيئا من السيئات إما بترك واجب وإما بفعل محرم فعاد ((قال: رب أذنبت ذنبا فاغفره لي فقال الله تعالى: علم عبدي أن له ربا يأخذ بالذنب –يعني يعاقب عليه ويغفر الذنب- اغفروا لعبدي))ثم ما فاته أن وقع في سيئة هي الأولى أو غيرها ((فقال: رب أذنبت ذنبا فاغفره لي فقال الله جل وعلا في الثالثة الأخيرة: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اغفروا لعبدي ولعبدي ما سأل))الله أكبر، ((اغفروا لعبدي ولعبدي ما سأل))ما دام على هذه الحال كلما أساء وقصر أبى ورجع إلى الله جل وعلا واستغفره واستعتبه ورفع يديه منكسرا إلى ربه ((رب أذنبت ذنبا فاغفره لي))يتضرع إلى الله جل وعلا ويسأله المغفرة ويستمطره الرحمة وهكذا يدخل العبد على الله جل وعلا، فما من باب أعظم من باب الذل والانكسار، فإن العبد إذا أنكسر وذل وخضع حقق العبودية العبودية إنما تكون بكمال الخضوع والذل لله جل وعلا. يقول رحمه الله: (وقال الشعبي: إذا أحب الله عبدا لم يضره ذنب)نعم لم يضره ذنب؛ لأنه لابد إما أن يستغفره منه ويعود إلى الله تعالى، وإما أن يسهل الله له من أسباب المغفرة والتوبة والرحمة ما يكفر الله تعالى به من خطاياه. يقول: (وتفسير هذا الكلام: أن الله عز وجل له عناية بمن يحبه فكلما زلق ذلك العبد في هوة الهوى أخذ بيده إلى نجوة النجاة يسر له التوبة وينبهه على قبح الزلة، فيفزع إلى الاعتذار ويبتليه بمصائب مكفرة لما جنى). ثم ذكر هذا الأثر الذي هو فيما يظهر يشبه أخبار بني إسرائيل: (( (أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي)) )﴿قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا﴾([12])سبحان الله وبحمده الذي تتلاشى في جنب مغفرته وعفوه ورحمته الذنوب، إذا صدق العبد في التوبة والرجوع إلى الله تعالى فلا يخشى شيئا بل الله تعالى لو كانت أمثال الجبال سيئات وخطايا يقلبها الله تعالى حسنات ويكفرها ويحطها عن العبد، (يسر له التوبة وينبهه على قبح الزلة فيفزع الاعتذار ويبتليه بالمصائب مكفرة). يقول: (( (إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب)) )، ومن المصائب ما يصاب به الإنسان من ألوان المنغصات التي تخرج به عن حال الاستقامة ﴿ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات﴾([13])كل هذا للتطهير ﴿وبشر الصابرين (155) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة(157)﴾([14])، فالله جل وعلا لا ينفك عباده منه بخير وإحسان ومن وعطاء ((الحمى تذهب الخطايا كما يذهب الكير الخبث))، فالمرء إذا أصيب بمرض أو نزل به نقص فإنما يكون ذلك تطهيرا له وتكفير إذا احتسب، وليعلم أن الله تعالى سيأجره ويخلف عليه خيرا ومن عظيم منة الله على العبد أنه يكتب له عمله صحيحا مقيما إذا كان لم يمنعه من العمل إلا ما نزل به من المرض أو السقم. ثم ذكر ما رواه عبد الله بن مغفل في قصة الرجل وهذا الحديث وإن كان في إسناده بعض الضعف فإنه من رواية الحسن البصري عن عبد الله وقد عنعن وحسن رحمه الله من أهل التدليس جاء من طريق آخر يعظم هذا عن سعد بن سنان عن عبد الله بن مغفل: (( (أن رجلا لقي امرأة كانت بغيا في الجاهلية فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها فقالت: مه)) )ومه هذه كلمة تقال للكف عن الفعل أي: كف عن هذا (( (فإن الله قد أذهب الشرك وجاء بالإسلام)) )، ومعنى (جاء بالإسلام) أي: جاء بهذا الدين العظيم الذي يحمل العبد على الكف عن المعاصي والسيئات، وليس الإسلام فقط هو القول الذي يتجرد عن العمل الصادق الصالح، (( (فتركها وولى، فجعل يلتفت خلفه ينظر إليها حتى أصاب الحائط وجهه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم)) )يعني: بما جرى منه، (( (فقال: أنت عبد أراد الله بك خيرا)) )(أراد به خيرا) حيث يسر له من يذكره ويكفه عن المضي في غيه ومعصيته، و (أراد به خيرا) أيضا في المعنى الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم (( (ثم قال: إن الله إذا أراد بعبده شرا أمسك ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة)) )، أي: أنه عاقبه به في الدنيا وذلك بما أصابه من الحائط، وهنا مسألة مهمة يا إخواني وهي: أنه ينبغي لنا أن نربط بين ذنوبنا ومعاصينا وبين ما يحدث لنا من البلايا والنوازل، كثير منا لا يربط بين ما يقع من تقصير وما يقع من قصور في أمر دنياه سواء بالمصيبة في المال أو في النفس أو في الأهل في سائر أنواع المصائب التي تنزل على الإنسان، السلف رحمهم الله كانوا يقرنون بين المعاصي والمصائب قرنا عجيبا حتى إن أحدهم يقول: إني لا أعرف معصيتي في عثرت دابة وخلق امرأتي. وهذا من دقة بصرهم ونظرهم، وأسماء بنت أبي بكر كان يصيبها رأسها تقول: ورأساه وما يعفو الله تعالى عنه أعظم. فتقرن بين ما نزل بها من ألم رأسها رضي الله عنها وبين ما كان من سيئاتها وقصورها على أن القوم في غاية الاحتراس والخشية والخوف ليسوا كحالنا في أنواع الإسراف وألوان الخطايا والذنوب لكن هم رحمهم الله عرفوا قدر ربهم وقدر حقه جل وعلا فكانت الدقائق عندهم كبائر كما ذكر ذلك أنس: كنا نعمل أعمالا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نراها من كبائر الذنوب هي في أعينكم أدق من الشعر. وهو يخاطب التابعين رحمهم الله. المراد: أنه ينبغي للعبد أن يقرن بين ما ينزل به من مصاب وما ينزل وما يقع منه من خطأ وهذه مهمة، يا إخواني كثير منا يعني إذا وقع في مشكلة أو تعكس عليه أمر يتوجه باللوم إلى الخلق وينسى أنه ما من بلاء ولا شر إلا بسبب الذنوب والمعاصي، لولا ذنوبك ما سلط الله عليك أحد، ولذلك ابن القيم رحمه الله يقول في مسألة التخلص من تسلط المتسلطين يقول: إذا تسلط عليك أحد أو صال عليك صائل فاعلم أنه بذنبك فأكثر من الاستغفار، فإن الاستغفار سبب لمغفرة الذنوب، وإذا غفرت الذنوب ذهب السبب الموجب للعقوبة، وقد قال الله تعالى: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير﴾([15])، والأصل فيما يصيب الإنسان أنه بسبب ذنبه، الأصل فيما يصيب الإنسان أنه بسبب قصوره وذنبه لا أنه رفعة في الدرجات هذا يعني إذا كمل الإنسان الطاعات واحتسب ما نزل به كان ذلك رفعة في درجاته، لكن في غالب ما يصيب الناس يدخل في قول الله تعالى: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير﴾([16])أي: أنه جل وعلا يتجاوز ولو آخذ لهلكنا، نسأل الله أن يعاملنا بعفوه، نعم.  (يا قوم قلوبكم على أصل الطهارة وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب فرشوا عليها قليلا من دموع العيون وقد طهرت، اعزموا على فطام النفوس على رضاع الهوى، فالحمية رأس الدواء متى طالبتكم بمألوفاتها فقولوا مقالة تلك المرأة لذلك الرجل الذي دمي وجهه: ((أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام))، والإسلام يقتضي الاستسلام والانقياد للطاعة. ذكروها مدحة ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا﴾([17])، عرفوها اطلاع من هو أقرب إليها من حبل الوريد لعلها تستحي من قربه ونظره، ﴿ألم يعلم بأن الله يرى﴾([18])، ﴿إن ربك لبالمرصاد﴾([19]). راود رجل امرأة في فلاة ليلا فأبت فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب قالت: فأين مكوكبها؟ أكره رجل امرأة على نفسها وأمرها بغلق الأبواب فقال لها: هل بقي باب لم يغلق قالت: نعم، الباب الذي بيننا وبين الله تعالى فلم يتعرض لها. رأى بعض العارفين رجلا يكلم امرأة فقال: إن الله يراكما سترنا الله وإياكما. سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك إليه. قال المحاسبي: المراقبة علم القلب بقرب الرب كلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ونظره. ((وصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يستحي من الله كما يستحي من رجل صالح من عشيرته لا يفارقه)) قال بعضهم: استح من الله على قدر قربه منك، وخف الله على قدر قدرته عليك، كان بعضهم يقول لي منذ أربعين سنة: ما خطوت لغير الله، ولا نظرت إلى شيء أستحسنه حياء من الله عز وجل ... كأن رقيبا منك يرعى خواطري ... وآخر يرعى ناظري ولساني ... فما أبصرت عيناي بعدك منظرا ... لغيرك إلا قلت قد رمقاني ... ولا بدرت من في بعدك لفظة ... لغيرك إلا قلت قد سمعاني ... ولا خطرت من ذكر غيرك خطرة ... على القلب إلا عرجا بعناني). هذه الموعظة من المؤلف رحمه الله موعظة بليغة في وقاية النفوس من داعي الهوى الذي يهوي بها في دركات الشر ويوقعها في غضب الرب جل وعلا.  يقول رحمه الله: (يا قوم! قلوبكم على أصل الطهارة)يعني: أن الأصل في القلوب أنها طاهرة نقية سالمة من أوضار الشرك والكفر والمعصية، (وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب فرشوا عليها قليلا من دموع العيون وقد طهرت)، والمقصود: لا الدموع التي قد تسكب من العين إنما المقصود حقيقة ذلك وهو الندم على ما كان من السيئات والخطايا أن يصدق الإنسان في ندمه وتحسره على ما كان من تقصير في حق الله جل وعلا، ولا شك أنه من كمال ذلك أن يحصل ما ذكر المؤلف رحمه الله من دموع العيون لكن ليس بالضرورة إنما المقصود: أن يندم الإنسان ويتحسر على ما كان من تقصير في حق ربه جل وعلا بترك أمره أو ارتكاب نهيه. (اعزموا على فطام النفوس عن رضاع الهوى فالحمية رأس الداء)يعني: كون الإنسان يقي نفسه وقوع المعصية بالبعد عنها لا شك أن هذا أكمل له من أن يقع فيها ويتلطخ بأوضارها ثم يطلب تطهير ذلك بالتوبة، إذا حصل أن يحتمي الإنسان من السيئة في أول أمره فذلك هو المطلوب، ثم إذا وقع وغلبته نفسه أو هواه أو الشيطان أو ضعف فأخطأ فعليه أن يستعتب وأن يرجع إلى الله تعالى، لكن في الأصل ينبغي أن يجاهد في أن يحجم وأن يحمي نفسه من مواقعة أنواع السيئات. (اعزموا على فطام النفوس عن رضاع الهوى فالحمية رأس الداء)، إذا أول ما يعينك على فطام نفسك أن تعلم أن الحمية رأس الداء الوقاية خير من العلاج، كونك تقي نفسك المعاصي وغضب الله جل وعلا بطاعتك هذا خير من أن تتلطخ بأسباب المؤاخذة والذنب ثم تقول: أتوب واستغفر. (متى طالبتكم بمألوفاتها فقولوا مقالة تلك المرأة لذلك الرجل الذي دمي وجهه)بسبب همه بالمعصية (( (أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام)) )، تذكر هذه المنة والمنحة التي من الله تعالى بها عليك وهي أن جعلك من عباده المسلمين، هذه المنحة العظيمة التي قال تعالى: ﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام﴾([20])تذكر هذه المنحة والمنة التي اصطفاك الله وحباك بها ينبغي لك أن تحقق شكرها بالتزامها ولذلك يقول المؤلف رحمه الله: (اذكر ما قالت هذه المرأة: ((أذهب الله الشرك)) )وما يتعلق به من المعاصي والسيئات (( (وجاء بالإسلام)) والإسلام يقتضي الاستسلام والانقياد للطاعة). هذا مذكر يقول: (ذكروها مدحة ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون (30) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة(31)﴾([21]))، هذا فضل ومنة من الله تعالى لا تتحقق إلا لمن ذكر الله جل وعلا، قالوا بألسنتهم وبقلوبهم ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة﴾([22])هم جمعوا بين سلامة اعتقاد القلب وقول اللسان وسلامة الاعتقاد بالعمل استقاموا والاستقامة هي أن يلزم الإنسان الجاد أن يسدد ويقارب ما استطاع، أن يكون على أمر الله وأمر رسوله طاقته وجهده، وأن يجاهد في سلوك سبيله. (عرفوها اطلاع من هو أقرب إليها من حبل الوريد)أي: عرفوا هذه النفس من هو أقرب إليها من حبل الوريد وهو اطلاع الرب جل وعلا والملائكة الذين أرصدهم الله تعالى يكتبون عليك ما يكون من العلم قبل ذلك علم الله الذي قال: ﴿ألم يعلم بأن الله يرى﴾([23])، يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم ﴿إذ يبيتون ما لا يرضى من القول﴾([24])، استحضر هذه الآيات وتذكرها فإنها تعينك على الانزجار والانكفاف عن المعاصي والسيئات، ثم اذكر أن هناك من هو مرصد بك قائم على رصد عملك لا يخفى عنه شيء من عملك دقيقا كان أو جليلا قال الله تعالى: ﴿إن كل نفس لما عليها حافظ﴾([25])، كل نفس عليها من يحفظ أعمالها، ﴿كراما كاتبين (11) يعلمون ما تفعلون(12)﴾([26])، فينبغي للإنسان أن يجل هؤلاء أن يكتبوا عليه شيئا ويشهدون عليه بشيء يسؤه يوم القيامة، وقد قال الله جل وعلا في كتابه: ﴿إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون﴾([27])، (نستنسخ) وهذا يدل على تمام العناية في الرسم والكتاب، استنساخ كما أنك تستنسخ الكتاب فتحرص ألا يفوتك حرف ولا نقطة من نقط الحروف فكذلك هؤلاء يستنسخون علي وعليك كل ما يكون منا، فاحرص أن يكون المنسوخ شيئا تبيض به وجهك فإنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وهذا الكتاب يوم القيامة لم يكون فيمن أنعمت بل هو في أضعف نقطة في بدنك ﴿وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه﴾([28])، (طائره) هو سجل عملك (في عنقه) أضعف ما يكون من مواطنك، ولذلك أنت الآن إذا ربط دابة تربطها من عنقها لأنها إذا ربطها من عنقها انقادت لك بخلاف ما لو ربطها من قدمها أو من يدها تتأثر في سيرها بخلاف العنق وهذا هو السر في كون الكتاب يكون في العنق لأنه لا ينفك منه الإنسان، ذكر شواهد الاستحفاظ رؤية الله تعالى وشهادته وعلمه بما يكون من العبد وكل هذه الشواهد لا شك أنها تحي في قلب المؤمن تعظيم الله تعالى وإجلاله أن يقع في معصية، وشتان بين من يكون واقع في المعصية وهو يرقب الله جل وعلا ويخشى مؤاخذته وبين من هو فرح نهل يريد أن يستكثر من هذه المعصية ويبلغ بها أوجاء لذته لا شك أن هناك فرق بين العاصين أنفسهم فكيف بين من ينزجر عن المعصية خشية الله تعالى لا شك أن هذا أعلى درجة وأكمل منزلة عند رب العالمين، والكلمات التي ذكرها كلمات مباركة نافعة والخلاصة ما ذكره المحاسبي: (المراقبة علم القلب بقرب الرب)هذه هي المراقبة أن تعلم أن الله تعالى قريب منك يرقب عملك ويرى ما يكون منك فاحرص ألا يرى منك ربك إلا ما يحب، وألا يرى منك جل وعلا ما يكره. (كلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ونظره)وهذا صحيح، وهذه معادلة لا تنخرق (كلما قويت المعرفة بالله)يعني: العلم به بأسمائه وصفاته ما له من الكمالات ما له من الجلال والعظمة سبحانه وبحمده، إذا كمل علمك بالله جل وعلا فإنه يقوى حياؤك أن يراك فيما لا يحب، أو يراك تأخرت فيما ندبك إليه (قوي الحياء من قربه ونظره). ثم ذكر وصية النبي صلى الل&

المشاهدات:3832


(ناقش المرائي عن الدرهم الزائف اسم الملك ليروج)يعني: كالذي يزور الدراهم برسم الأختام الحكومية عليها لتروج لكن حقيقة هذا التزوير لا ينطلي على أهل البصر ولذلك قال: (والبهرج)أي: التزوير والتزييف (لا يجوز إلا)أي: لا يمضي ولا يقبل (إلا على غير ناقد)يعني: على غير بصير، أما أهل البصر فإنهم يميزون بين الصادق من الكاذب إذا اشتبكت كما قال المؤلف رحمه الله في بيان الصدق:



(وفي الأحباب مخصوص بوجد        وآخر يدعي معه اشتراكا



إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكا ممن تباكى



فأما من بكى فيذوب وجداً   وينطبق بالهوى من قد تشاكا)



تعني من تسعر بهم النار من أهل التشويك والتخليط الذين لم يأتوا بقلوب سليمة هم أهل المعاصي نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم، نعم.



 (وبعد أهل الرياء يدخل النار أصحاب الشهوة وعبيد الهوى الذين أطاعوا هواهم وعصوا مولاهم، فأما عبيد الله حقاً فيقال لهم: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29)﴾([1]).



جهنم تنطفئ بنور إيمان الموحدين).



وهذا الصنف الثاني من أهل التخليط وهم الذين لم يكن لهم توبة من معاصيهم وذنوبهم فأسرفوا على أنفسهم بأنواع من الشهوات فأوقعهم ذلك في المؤاخذة والعقوبة، والله تعالى إنما يطهر عباده بالنار ليطيب من خلط فيكون أهل الشهوة وأصحاب المعصية هم الصنف الثاني من أهل التوحيد الذين يعاقبون بالنار، فأما عبيد الله حقاً الذين تابوا وأخلصوا وإذا أخطئوا أنابوا ورجعوا فهؤلاء يقال لهم: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29)﴾([2])، ليس عليهم مؤاخذة ولا يحتاجون إلى تطهير. نعم.



 قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فأما عبيد الله حقاً الذين تابوا وأخلصوا وإذا أخطئوا أنابوا ورجعوا فهؤلاء يقال لهم: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي(29)﴾([3]).



 جهنم تنطفئ بنور إيمان الموحدين، وفي الحديث: ((تقول النار للمؤمن: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي)).



وفي المسند عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجاً من بردهم)).



هذه ميراث ورثة المحبون من حال الخليل عليه السلام).



ثم ذكر (فأما عبيد الله حقاً)نسأل الله أن نكون منهم فيقال لهم هذه البشارة العظيمة وهذا يقال عند قبض أرواحهم: : ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي(30)﴾([4]).



ذكر المؤلف رحمه الله: (أن جهنم تنطفئ بنور إيمان الموحدين)ولا غرابة في هذا فإن الله جل وعلا يعطي المؤمنين نوراً يوم القيامة ﴿نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾([5])، وهذا النور نور عظيم وهو على قدر ما يكون مع الإنسان من الإيمان والعمل الصالح في هذه الدنيا، فبقدر ما مع العبد في هذه الدنيا من العمل الصالح الصادق ومن الإيمان الراسخ واليقين الثابت يكون له من النور الذي تنطفئ له الأنوار، ويكون له من النور الذي يتقي به شر ما يكون يوم القيامة، ((وقد ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النار فأشح بوجهه -كما في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم-  ثم ذكر النار فأشح بوجهه ثم ذكر النار فأشح بوجهه ثم قال صلى الله عليه وسلم: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة))، وهذا يدل أن العمل الصالح وأن تقوى الله جل وعلا من أعظم أسباب الوقاية من النار، فإن العمل الصالح ولو كان قليلاً إذا كان هذا هو المستطاع وهذا هو المقدور للإنسان فإنه ينفعه يوم القيامة ويقيه النار ولذلك قال: ((ولو بشق تمرة))وشق التمرة ماذا يكون من حيث كفاية المحتاج الجائع هل يغنيه؟ الجواب: لا يغنيه ومع هذا يحصل به من الوقاية من عذاب الله تعالى والوقاية من النار ما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة))، ومثل هذا ينشط النفوس على العمل، ويرغبها في الاستزادة بالعمل الصالح، وألا يستقر الإنسان عملاً صالحاً مع التوحيد والإخلاص والصدق والإيمان الجازم، فإنه إذا صدق العبد مع الله تعالى فالله جل وعلا يعطي على القليل الكثير، النية الصالحة لو تجردت عن العمل إذا كان الإنسان لا يستطيع العمل كتب له بها من الثواب والأجر ما لا يدركه العامل إذا لم يكن مخلصاً، يجب يا إخواني أن نبصر أن هذه الأنوار التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بل ذكرها الله جل وعلا للمؤمنين وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الإيمان إنما تكون بقدر ما يكون من العمل الصالح، فينبغي المسابقة والاستكثار من أسباب هذه الأنوار حتى يعمل الإنسان في ذلك اليوم الذي لا مأمن له فيه إلا برحمة الله تعالى وما كان من عمل صالح صادق يبتغي به وجه الله جل وعلا.



ثم قال: (وفي الحديث: ((تقول النار للمؤمن: جز)) )أي: مر (( (يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهيبي)) )هذا الحديث لا يصح فيه انقطاع بين خالد بن دريك وراويه يعلى ابن منية لكن النار لا شك أنها تتكلم وتبحث عن أهلها يوم القيامة كما جاءت بذلك النصوص، وهذا الخبر الله أعلم به من حيث الوقوع لكن من حيث السند الحديث ضعيف، يقول: (وفي المسند عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها)) )والمقصود بالدخول هنا: الورود الذي قال الله تعالى فيها: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا(72)﴾([6])نسأل الله أن نكون منهم، ﴿وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾([7])، والظالمون هنا هم كل أهل الظلم نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل العدل وأن يقينا الظلم دقيقه وجليله، الظلم أعلاها الشرك بالله تعالى، ويدخل فيه ظلم المعاصي وظلم السيئات لكن هؤلاء بقاؤهم دون بقاء غيرهم كما تقدم فإن بقاءهم إذا شاء الله أن يعاقبهم بذنوبهم ولم يتوبوا منها بقدر ما جنته أيديهم وحصل من الإساءة والتقصير.



ثم قال رحمه الله.. وهذا الحديث مثل السابق حديث فيه ضعف من حيث جهالة بعض رواته وهو الراوي عن جابر فإنه من طريق أبي سمية عن جابر وأبو سمية مجهول لكن المعنى دل عليه قول الله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا(72)﴾([8])اللهم اجعلنا منهم ﴿وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾([9]).



قال رحمه الله: (حتى إن للنار ضجيجاً من بردهم)هذا في قوله: (فتكون على المؤمنين برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم). (حتى إن للنار ضجيجاً من بردهم)هذا يحتاج إلى خبر ليس هنا كما يدل على هذا (هذا ميراث)أي: كون النار تنقلب عن هيئتها التي خلقها الله تعالى أو صفتها التي خلقها الله تعالى من كونها تحرق (هذا ميراث ورثه المحبون من حال الخليل عليه السلام)حيث جعل الله تعالى النار عليه برداً وسلاماً، نعم.



 (نار المحبة في قلوب المحبين تخاف منها نار جهنم.



قال الجنيد: قالت النار: يا رب لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء أشد مني؟ قال: أسلط عليك ناري الكبرى. قالت: وهل نار أعظم مني وأشد؟ قال: نعم نار محبتي أسكنتها قلوب أوليائي المؤمنين ..



قفا قليلاً بها علي فلا ..



أقل من نظرة أزودها ..



 ففي فؤاد المحب نار جوى ..



أحر نار الجحيم أبردها..



فلولا دموع المحبين تطفئ بعض حرارة الوجد لاحترقوا كمدا ..



دعوه يطفئ بالدموع حرارة ..



على كبد حرى دعوه دعوه..



سلوا عاذليه يعذروه هنيهة ..



فبالعذل دون الشوق قد قتلوه..



كان بعض العارفين يقول: أليس عجبا أن أكون بين أظهركم وفي قلبي من الاشتياق إلى ربي مثل الشعل التي لا تنطفئ ..



ولم أر مثل نار الحب ناراً ..



تزيد ببعد موقدها اتقادا..



ما للعارفين شغل بغير مولاهم ولا هم في غيره. وفي الحديث: ((من أصبح وهمه غير الله فليس من الله)) قال بعضهم: من أخبرك أن وليه له هم في غيره فلا تصدقه. وكان داود الطائي يقول: همك عطل علي الهموم وحالف بيني وبين السهاد، وشوقي إلى النظر إليك أوبق مني اللذات وحال بيني وبين الشهوات.



فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب ..



مالي شغل سواه مالي شغل ..



ما يصرف عن هواه قلبي عذل ..



ما أصنع إن جفا وخاب الأمل ..



مني بدل ومنه مالي بدل..).



هذه نقول يعني: هي التي جعلت بعض من علق على هذه الرسالة المباركة: بأن الشيخ رحمه الله ينقل عن الصوفية ولكن هذا الكلام في الحقيقة بعضه مفيد ونافع وهو من الكلام الذي فيه دلالة على عظيم ما يقوم بقلوب أولياء الله تعالى من المحبة والإجلال والتعظيم لله عز وجل والانجذاب إليه، ومثل هذا الكلام لا يلزم أن يكون صاحبه استشهد به أو نقل أن يكون مقراً لكل ما نقل عمن نقل عنه؛ لأن حق ضالة المؤمن أن وجدها فهو أحق بها، فإذا وجد كلاماً يشهد واستأنس به في دعم ما يريد أو استشهاد لما يريد تقريره من المعاني الصحيحة ولو كان صاحب ذلك القول عنده مؤاخذات أو عنده شيء من النقص والقصور في قول آخر وفي مسألة أخرى فمن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلد أن تعدى معايب والأمر كما قال مالك رحمه الله كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القول يعني: رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهذا الكلام فيه نفع وفيه خير وفيه دلالة على ما قام بقلوب أولئك القوم من محبة الله تعالى فيستشهد به على ما أراد المؤلف من أن من كمل المحبة اشتغل بالله تعالى عما سواه، فإنه من كملت محبته لله جل وعلا لم يبق في قلبه منازعة لمحبة غيره سبحانه وتعالى أو نزع إلى الميل إلى سواه بل كان خالصاً لله جل وعلا ومن كان خالصاً لله تعالى خلصه الله من كل سيئة وسوء.



ثم ذكر المؤلف رحمه الله بعض الأحاديث التي لا تخلو من ضعف منها هذا الحديث الذي قال: (وفي الحديث: ((ومن أصبح وهمه غير الله فليس من الله)) )أي: من أصبح وقلبه متعلق بغير الله تعالى فليس من الله جل وعلا، وهذا قول لا يصح من حيث السند فإن الإسناد ضعيف لكن المؤلف يحتج بمثل هذه الأحاديث التي معانيها صحيحة فإن معنى ما ذكره المؤلف: (( (من أصبح همه غير الله فليس من الله)) )المعنى صحيح وذلك أن القلب إذا اشتغل بغير الله تعالى انشغل عنه، والقلب وعاء وظرف يسير لا يقبل المزاحمة، ولذلك إذا ملأه الإنسان بشيء اشتغل عن غيره، فإذا ملأ العبد قلبه بمحبة الله تعالى وتعظيمه والإقبال عليه لم يبق لمحبة وتعظيم والإقبال على سواه مكان، فإذا أدخل فيه شيئاً غير الله جل وعلا كان ذلك صارفاً له عن الله ونقص في محبته ونقص في تعظيمه ونقص في خوفه ويلحقه من النقص في دينه وعمله بقدر ما حصل من النقص في قلبه، قد تقدم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))، فالقلب ملك الجوارح كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه، فإذا استقام استقامت الجنود وإذا فسد فسدت الجنود، فينبغي للمؤمن أن يكمل قلبه بتمام تخليصه لله جل وعلا، وألا يكون فيه لسواه محل وهذا يحتاج إلى كما ذكرنا في الدرس السابق يحتاج إلى دوام مراقبة، ودوام عناية ونظر في هذا القلب وألا يغفل عنه الإنسان، الإنسان إذا غفل عنه قلبه لحظة لا يدري هل هذا الحصن الذي الشيطان قاعد له بالمرصاد قد تنفذ شبهة أو تنفذ شهوة فتفسد عليه قلبه، نسأل الله أن يحفظ قلوبنا وأن يصلحها، وأن يكملها بطاعته ومحبته، نعم.



 (إخواني إذا فهمتم هذا المعنى فهمتم معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً من قلبه حرمه الله على النار))، فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله ومتى بقي في القلب أثر سوى الله فمن قلة الصدق في قولها .



من صدق في قول: لا إله إلا الله لم يحب سواه، ولم يرج سواه، ولم يخش أحداً إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه، ومع هذا فلا تظنوا أن المحب مطالب بالعصمة وإنما هو مطالب كلما زل أن يتلافى تلك الوصمة).



المؤلف رحمه الله بعد أن قال الكلام المتقدم عمن نقل بين مقصوده من هذا النقل وأن مقصوده: بيان نموذج لما ينبغي أن يكون عليه المؤمن من تكميل محبة الله تعالى بغض النظر عن صحة هذا الكلام وصحة الجهر به والبوح به وما إلى ذلك مما قد يورد على الكلام المتقدم، إنما الشأن في فهم ما الذي يجب أن يكون عليه قلب المؤمن من كمال المحبة لله تعالى والصدق في العبودية له سبحانه وتعالى، ((من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً من قلبه حرمه الله على النار))، صادق والصدق هو مطابقة الأمر الواقع، فهذه الكلمة إذا لم تكن مطابقة للقلب تماماً فإنها لا تنفع بل يدخل فيها من النقص بقدر ما يدخل من مخالفة الواقع والناس في هذا متفاوتون فمنهم من يكذب قلبه قوله وهؤلاء هم المنافقون الذين قال الله تعالى فيهم: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾([10])، ومنهم من هو دون ذلك فعنده إيمان لكنه لم يصدق هذه الكلمة تمام التصديق، ومنهم من يبلغ أعلى الدرجات بمطابقة قوله لقلبه فيفوز بهذا الفضل العظيم والأجر الكبير من التحريم على النار، نسأل الله أن يحرمنا وإياكم على النار.



يقول رحمه الله تعالى: (فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله جل وعلا، ومتى بقي في القلب أثر سوى الله فمن قلة الصدق في قولها). ولذلك ينبغي أن يتعاهد الإنسان قلبه، والمعاهدة ليست من سنة إلى سنة أو من عام إلى عام المعاهدة هي دوام النظر في هذا القلب، وقلبك يحتاج إلى نظر صباح ومساء ولذلك شرعت هذه الصلوات يا إخوان، هذه الصلوات الخمس المفرقة على الأوقات هي لإصلاح القلب قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾([11])ما فيها من ذكر الله الذي تطيب به القلوب وتطمئن وتصلح وتستقيم أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر، ينبغي أن يكون لنا في كل ورد وفي كل صلاة وفي كل موقف نظرة إلى هذا القلب ما حاله؟ ما صلاحه؟ ما نقصه؟ ما زيادته؟ وبهذا يكمل العبد العبودية لله جل وعلا فيكون عبداً لله اختياراً كما أنه عبد لله جل وعلا قهراً لا يخرج عن قدره وقضائه جل وعلا، وهذا يحتاج إلى دوام ملاحظة ودوام عناية وأن ينفذ الإنسان ببصره من يومه الذي يعيش إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت لمن؟ أعدت للمتقين، لم تعد للاهيين والمتوانين في سيرهم إلى الله تعالى إنما المتقون الذين يصلون الطاعة بالطاعة والإحسان بالإحسان، ويبذلون طاقتهم في التقرب إلى الله تعالى بأنواع القرب هكذا يكون الإنسان مكملاً للتوحيد، مكملاً للعبودية الحقيقية لله جل وعلا، ليس فقط بأن يعرف أن هذا شرك وهذا توحيد هذا قد يحسنه صغار المسلمين يعني في أن السجود للصنم شرك لكن نحن نريد أن نعرف مع أن السجود للصنم شرك أن السجود لله إذا كان مكملاً بكمال الذل لله تعالى والخضوع له والتعظيم له هذا هو التوحيد الكامل الذي نحتاجه، ليس سجوداً نسجد لله وقلوبنا في الأسواق، وقلوبنا في بيوتنا أو في أشغالنا إنما يكون سجود حقيقي للقلب قبل البدن، أسأل الله أن يعيينا وإياكم على الطاعة والإحسان.



يقول رحمه الله: (من صدق في قول: لا إله إلا الله لم يحب سواه، ولم يرج سواه، ولم يخش أحداً إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه، ومع هذا فلا تظنوا أن المحب مطالب بالعصمة)يعني: لا يعني إنه ما يقع خطأ  كل ابن آدم خطاء كما في جامع الترمذي من حديث قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل ابن آدم خطاء))ما في أحد سالماً من الخطأ ولكن الناس يتفاوتون فيما بعد الخطأ ((وخير الخطائين التوابون))، فيجب على المؤمن أن يعلم أنه لابد من خطأ والشأن ليس في ألا يقع الخطأ الشأن في أن تتوقى الخطأ ما استطعت فإذا وقعت فالشأن أن تعالج ذلك بالتوبة والإنابة ولذلك قال: (وإنما هو مطالب كلما زل أن يتلافى تلك الوصمة)أي: ذلك الخطأ بالتوبة والاستغفار والندم والانكسار والأوبة والتضرع لله جل وعلا أن يغفر، وأن يعفو، وأن يصفح عما كان من زلل.



 (قال زيد بن أسلم: ((إن الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك)).



قال الشعبي: إذا أحب الله عبداً لم يضره ذنب.



وتفسير هذا الكلام: أن الله عز وجل له عناية بمن يحبه فكلما زلق ذلك العبد في هوة الهوى أخذ بيده إلى نجوة النجاة ييسر له التوبة وينبهه على قبح الزلة، فيفزع إلى الاعتذار ويبتليه بمصائب مكفرة لما جنى.



وفي بعض الآثار يقول الله تعالى: ((أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب)).



وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الحمى تذهب الخطايا كما يذهب الكير الخبث)).



وفي المسند وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن مغفل: ((أن رجلاً لقي امرأة كانت بغياً في الجاهلية فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها فقالت: مه فإن الله قد أذهب الشرك وجاء بالإسلام فتركها وولى، فجعل يلتفت خلفه ينظر إليها حتى أصاب الحائط وجهه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر فقال: أنت عبد أراد الله بك خيراً، ثم قال: إن الله إذا أراد بعبده شراً أمسك ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة)).



يا قوم قلوبكم على أصل الطهارة وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب فرشوا عليها قليلاً من دموع العيون وقد طهرت، اعزموا على فطام النفوس عن رضاع الهوى، فالحمية رأس الدواء متى طالبتكم بمألوفاتها فقولوا مقالة تلك المرأة لذلك الرجل الذي دمي وجهه: ((أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام)) والإسلام يقتضي الاستسلام والانقياد للطاعة).



قول المؤلف رحمه الله في هذا الكلام الماتع النفيس يقول: (قال زيد بن أسلم: ((إن الله ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول: اذهب فاعمل ما شئت فقد غفرت لك)) )، وهذه منزلة كبرى ومنحة جليلة من رب العالمين لا تكون لقوم غافلين ولا لقوم عن ربهم لاهين بل هي لقوم ذكروا الله جل وعلا فذكرهم ((وأنا عند ظن عبدي بي إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإذا ذكرني في الملأ ذكرته في ملأ خير منه))كما في الصحيحين من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة .



روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة صدق هذا الحديث: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن رجل أذنب ذنباً فقال: رب أذنبت ذنباً فاغفره لي، قال الله جل وعلا: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنوب ويأخذ بالذنب اغفروا لعبدي))هذا ما فاته أن عاد وقارف شيئاً من السيئات إما بترك واجب وإما بفعل محرم فعاد ((قال: رب أذنبت ذنباً فاغفره لي فقال الله تعالى: علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب –يعني يعاقب عليه ويغفر الذنب- اغفروا لعبدي))ثم ما فاته أن وقع في سيئة هي الأولى أو غيرها ((فقال: رب أذنبت ذنباً فاغفره لي فقال الله جل وعلا في الثالثة الأخيرة: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب اغفروا لعبدي ولعبدي ما سأل))الله أكبر، ((اغفروا لعبدي ولعبدي ما سأل))ما دام على هذه الحال كلما أساء وقصر أبى ورجع إلى الله جل وعلا واستغفره واستعتبه ورفع يديه منكسراً إلى ربه ((رب أذنبت ذنباً فاغفره لي))يتضرع إلى الله جل وعلا ويسأله المغفرة ويستمطره الرحمة وهكذا يدخل العبد على الله جل وعلا، فما من باب أعظم من باب الذل والانكسار، فإن العبد إذا أنكسر وذل وخضع حقق العبودية العبودية إنما تكون بكمال الخضوع والذل لله جل وعلا.



يقول رحمه الله: (وقال الشعبي: إذا أحب الله عبداً لم يضره ذنب)نعم لم يضره ذنب؛ لأنه لابد إما أن يستغفره منه ويعود إلى الله تعالى، وإما أن يسهل الله له من أسباب المغفرة والتوبة والرحمة ما يكفر الله تعالى به من خطاياه.



يقول: (وتفسير هذا الكلام: أن الله عز وجل له عناية بمن يحبه فكلما زلق ذلك العبد في هوة الهوى أخذ بيده إلى نجوة النجاة يسر له التوبة وينبهه على قبح الزلة، فيفزع إلى الاعتذار ويبتليه بمصائب مكفرة لما جنى). ثم ذكر هذا الأثر الذي هو فيما يظهر يشبه أخبار بني إسرائيل: (( (أهل ذكري أهل مجالستي، وأهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي)) )﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾([12])سبحان الله وبحمده الذي تتلاشى في جنب مغفرته وعفوه ورحمته الذنوب، إذا صدق العبد في التوبة والرجوع إلى الله تعالى فلا يخشى شيئاً بل الله تعالى لو كانت أمثال الجبال سيئات وخطايا يقلبها الله تعالى حسنات ويكفرها ويحطها عن العبد، (يسر له التوبة وينبهه على قبح الزلة فيفزع الاعتذار ويبتليه بالمصائب مكفرة).



يقول: (( (إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب)) )، ومن المصائب ما يصاب به الإنسان من ألوان المنغصات التي تخرج به عن حال الاستقامة ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ﴾([13])كل هذا للتطهير ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ(157)﴾([14])، فالله جل وعلا لا ينفك عباده منه بخير وإحسان ومنٍ وعطاء ((الحمى تذهب الخطايا كما يذهب الكير الخبث))، فالمرء إذا أصيب بمرض أو نزل به نقص فإنما يكون ذلك تطهيراً له وتكفير إذا احتسب، وليعلم أن الله تعالى سيأجره ويخلف عليه خيراً ومن عظيم منة الله على العبد أنه يكتب له عمله صحيحاً مقيماً إذا كان لم يمنعه من العمل إلا ما نزل به من المرض أو السقم.



ثم ذكر ما رواه عبد الله بن مغفل في قصة الرجل وهذا الحديث وإن كان في إسناده بعض الضعف فإنه من رواية الحسن البصري عن عبد الله وقد عنعن وحسن رحمه الله من أهل التدليس جاء من طريق آخر يعظم هذا عن سعد بن سنان عن عبد الله بن مغفل: (( (أن رجلاً لقي امرأة كانت بغياً في الجاهلية فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها فقالت: مه)) )ومه هذه كلمة تقال للكف عن الفعل أي: كف عن هذا (( (فإن الله قد أذهب الشرك وجاء بالإسلام)) )، ومعنى (جاء بالإسلام) أي: جاء بهذا الدين العظيم الذي يحمل العبد على الكف عن المعاصي والسيئات، وليس الإسلام فقط هو القول الذي يتجرد عن العمل الصادق الصالح، (( (فتركها وولى، فجعل يلتفت خلفه ينظر إليها حتى أصاب الحائط وجهه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم)) )يعني: بما جرى منه، (( (فقال: أنت عبد أراد الله بك خيراً)) )(أراد به خيراً) حيث يسر له من يذكره ويكفه عن المضي في غيه ومعصيته، و (أراد به خيراً) أيضاً في المعنى الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم (( (ثم قال: إن الله إذا أراد بعبده شراً أمسك ذنبه حتى يوافى به يوم القيامة)) )، أي: أنه عاقبه به في الدنيا وذلك بما أصابه من الحائط، وهنا مسألة مهمة يا إخواني وهي: أنه ينبغي لنا أن نربط بين ذنوبنا ومعاصينا وبين ما يحدث لنا من البلايا والنوازل، كثير منا لا يربط بين ما يقع من تقصير وما يقع من قصور في أمر دنياه سواء بالمصيبة في المال أو في النفس أو في الأهل في سائر أنواع المصائب التي تنزل على الإنسان، السلف رحمهم الله كانوا يقرنون بين المعاصي والمصائب قرناً عجيباً حتى إن أحدهم يقول: إني لا أعرف معصيتي في عثرت دابة وخلق امرأتي. وهذا من دقة بصرهم ونظرهم، وأسماء بنت أبي بكر كان يصيبها رأسها تقول: ورأساه وما يعفو الله تعالى عنه أعظم. فتقرن بين ما نزل بها من ألم رأسها رضي الله عنها وبين ما كان من سيئاتها وقصورها على أن القوم في غاية الاحتراس والخشية والخوف ليسوا كحالنا في أنواع الإسراف وألوان الخطايا والذنوب لكن هم رحمهم الله عرفوا قدر ربهم وقدر حقه جل وعلا فكانت الدقائق عندهم كبائر كما ذكر ذلك أنس: كنا نعمل أعمالاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نراها من كبائر الذنوب هي في أعينكم أدق من الشعر. وهو يخاطب التابعين رحمهم الله.



المراد: أنه ينبغي للعبد أن يقرن بين ما ينزل به من مصاب وما ينزل وما يقع منه من خطأ وهذه مهمة، يا إخواني كثير منا يعني إذا وقع في مشكلة أو تعكس عليه أمر يتوجه باللوم إلى الخلق وينسى أنه ما من بلاء ولا شر إلا بسبب الذنوب والمعاصي، لولا ذنوبك ما سلط الله عليك أحد، ولذلك ابن القيم رحمه الله يقول في مسألة التخلص من تسلط المتسلطين يقول: إذا تسلط عليك أحد أو صال عليك صائل فاعلم أنه بذنبك فأكثر من الاستغفار، فإن الاستغفار سبب لمغفرة الذنوب، وإذا غفرت الذنوب ذهب السبب الموجب للعقوبة، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾([15])، والأصل فيما يصيب الإنسان أنه بسبب ذنبه، الأصل فيما يصيب الإنسان أنه بسبب قصوره وذنبه لا أنه رفعة في الدرجات هذا يعني إذا كمل الإنسان الطاعات واحتسب ما نزل به كان ذلك رفعة في درجاته، لكن في غالب ما يصيب الناس يدخل في قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ﴾([16])أي: أنه جل وعلا يتجاوز ولو آخذ لهلكنا، نسأل الله أن يعاملنا بعفوه، نعم.



 (يا قوم قلوبكم على أصل الطهارة وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب فرشوا عليها قليلاً من دموع العيون وقد طهرت، اعزموا على فطام النفوس على رضاع الهوى، فالحمية رأس الدواء متى طالبتكم بمألوفاتها فقولوا مقالة تلك المرأة لذلك الرجل الذي دمي وجهه: ((أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام))، والإسلام يقتضي الاستسلام والانقياد للطاعة.



ذكروها مدحة ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾([17])، عرفوها اطلاع من هو أقرب إليها من حبل الوريد لعلها تستحي من قربه ونظره، ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾([18])، ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾([19]).



راود رجل امرأة في فلاة ليلاً فأبت فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب قالت: فأين مكوكبها؟



أكره رجل امرأة على نفسها وأمرها بغلق الأبواب فقال لها: هل بقي باب لم يغلق قالت: نعم، الباب الذي بيننا وبين الله تعالى فلم يتعرض لها.



رأى بعض العارفين رجلاً يكلم امرأة فقال: إن الله يراكما سترنا الله وإياكما.



سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك إليه. قال المحاسبي: المراقبة علم القلب بقرب الرب كلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ونظره.



((وصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أن يستحي من الله كما يستحي من رجل صالح من عشيرته لا يفارقه)) قال بعضهم: استح من الله على قدر قربه منك، وخف الله على قدر قدرته عليك، كان بعضهم يقول لي منذ أربعين سنة: ما خطوت لغير الله، ولا نظرت إلى شيء أستحسنه حياء من الله عز وجل ... كأن رقيباً منك يرعى خواطري ... وآخر يرعى ناظري ولساني ... فما أبصرت عيناي بعدك منظراً ... لغيرك إلا قلت قد رمقاني ... ولا بدرت من في بعدك لفظة ... لغيرك إلا قلت قد سمعاني ... ولا خطرت من ذكر غيرك خطرة ... على القلب إلا عرجا بعناني).



هذه الموعظة من المؤلف رحمه الله موعظة بليغة في وقاية النفوس من داعي الهوى الذي يهوي بها في دركات الشر ويوقعها في غضب الرب جل وعلا.



 يقول رحمه الله: (يا قوم! قلوبكم على أصل الطهارة)يعني: أن الأصل في القلوب أنها طاهرة نقية سالمة من أوضار الشرك والكفر والمعصية، (وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب فرشوا عليها قليلاً من دموع العيون وقد طهرت)، والمقصود: لا الدموع التي قد تسكب من العين إنما المقصود حقيقة ذلك وهو الندم على ما كان من السيئات والخطايا أن يصدق الإنسان في ندمه وتحسره على ما كان من تقصير في حق الله جل وعلا، ولا شك أنه من كمال ذلك أن يحصل ما ذكر المؤلف رحمه الله من دموع العيون لكن ليس بالضرورة إنما المقصود: أن يندم الإنسان ويتحسر على ما كان من تقصير في حق ربه جل وعلا بترك أمره أو ارتكاب نهيه.



(اعزموا على فطام النفوس عن رضاع الهوى فالحمية رأس الداء)يعني: كون الإنسان يقي نفسه وقوع المعصية بالبعد عنها لا شك أن هذا أكمل له من أن يقع فيها ويتلطخ بأوضارها ثم يطلب تطهير ذلك بالتوبة، إذا حصل أن يحتمي الإنسان من السيئة في أول أمره فذلك هو المطلوب، ثم إذا وقع وغلبته نفسه أو هواه أو الشيطان أو ضعف فأخطأ فعليه أن يستعتب وأن يرجع إلى الله تعالى، لكن في الأصل ينبغي أن يجاهد في أن يحجم وأن يحمي نفسه من مواقعة أنواع السيئات. (اعزموا على فطام النفوس عن رضاع الهوى فالحمية رأس الداء)، إذاً أول ما يعينك على فطام نفسك أن تعلم أن الحمية رأس الداء الوقاية خير من العلاج، كونك تقي نفسك المعاصي وغضب الله جل وعلا بطاعتك هذا خير من أن تتلطخ بأسباب المؤاخذة والذنب ثم تقول: أتوب واستغفر.



(متى طالبتكم بمألوفاتها فقولوا مقالة تلك المرأة لذلك الرجل الذي دمي وجهه)بسبب همه بالمعصية (( (أذهب الله الشرك وجاء بالإسلام)) )، تذكر هذه المنة والمنحة التي منَّ الله تعالى بها عليك وهي أن جعلك من عباده المسلمين، هذه المنحة العظيمة التي قال تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾([20])تذكر هذه المنحة والمنة التي اصطفاك الله وحباك بها ينبغي لك أن تحقق شكرها بالتزامها ولذلك يقول المؤلف رحمه الله: (اذكر ما قالت هذه المرأة: ((أذهب الله الشرك)) )وما يتعلق به من المعاصي والسيئات (( (وجاء بالإسلام)) والإسلام يقتضي الاستسلام والانقياد للطاعة). هذا مذكر يقول: (ذكروها مدحة ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ(31)﴾([21]))، هذا فضل ومنة من الله تعالى لا تتحقق إلا لمن ذكر الله جل وعلا، قالوا بألسنتهم وبقلوبهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ﴾([22])هم جمعوا بين سلامة اعتقاد القلب وقول اللسان وسلامة الاعتقاد بالعمل استقاموا والاستقامة هي أن يلزم الإنسان الجاد أن يسدد ويقارب ما استطاع، أن يكون على أمر الله وأمر رسوله طاقته وجهده، وأن يجاهد في سلوك سبيله.



(عرفوها اطلاع من هو أقرب إليها من حبل الوريد)أي: عرفوا هذه النفس من هو أقرب إليها من حبل الوريد وهو اطلاع الرب جل وعلا والملائكة الذين أرصدهم الله تعالى يكتبون عليك ما يكون من العلم قبل ذلك علم الله الذي قال: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾([23])، يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم ﴿إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ﴾([24])، استحضر هذه الآيات وتذكرها فإنها تعينك على الانزجار والانكفاف عن المعاصي والسيئات، ثم اذكر أن هناك من هو مرصد بك قائم على رصد عملك لا يخفى عنه شيء من عملك دقيقاً كان أو جليلاً قال الله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾([25])، كل نفس عليها من يحفظ أعمالها، ﴿كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ(12)﴾([26])، فينبغي للإنسان أن يجل هؤلاء أن يكتبوا عليه شيئاً ويشهدون عليه بشيء يسؤه يوم القيامة، وقد قال الله جل وعلا في كتابه: ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾([27])، (نستنسخ) وهذا يدل على تمام العناية في الرسم والكتاب، استنساخ كما أنك تستنسخ الكتاب فتحرص ألا يفوتك حرف ولا نقطة من نقط الحروف فكذلك هؤلاء يستنسخون علي وعليك كل ما يكون منا، فاحرص أن يكون المنسوخ شيئاً تبيض به وجهك فإنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وهذا الكتاب يوم القيامة لم يكون فيمن أنعمت بل هو في أضعف نقطة في بدنك ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾([28])، (طائره) هو سجل عملك (في عنقه) أضعف ما يكون من مواطنك، ولذلك أنت الآن إذا ربط دابة تربطها من عنقها لأنها إذا ربطها من عنقها انقادت لك بخلاف ما لو ربطها من قدمها أو من يدها تتأثر في سيرها بخلاف العنق وهذا هو السر في كون الكتاب يكون في العنق لأنه لا ينفك منه الإنسان، ذكر شواهد الاستحفاظ رؤية الله تعالى وشهادته وعلمه بما يكون من العبد وكل هذه الشواهد لا شك أنها تحي في قلب المؤمن تعظيم الله تعالى وإجلاله أن يقع في معصية، وشتان بين من يكون واقع في المعصية وهو يرقب الله جل وعلا ويخشى مؤاخذته وبين من هو فرح نهل يريد أن يستكثر من هذه المعصية ويبلغ بها أوجاء لذته لا شك أن هناك فرق بين العاصين أنفسهم فكيف بين من ينزجر عن المعصية خشية الله تعالى لا شك أن هذا أعلى درجة وأكمل منزلة عند رب العالمين، والكلمات التي ذكرها كلمات مباركة نافعة والخلاصة ما ذكره المحاسبي: (المراقبة علم القلب بقرب الرب)هذه هي المراقبة أن تعلم أن الله تعالى قريب منك يرقب عملك ويرى ما يكون منك فاحرص ألا يرى منك ربك إلا ما يحب، وألا يرى منك جل وعلا ما يكره. (كلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ونظره)وهذا صحيح، وهذه معادلة لا تنخرق (كلما قويت المعرفة بالله)يعني: العلم به بأسمائه وصفاته ما له من الكمالات ما له من الجلال والعظمة سبحانه وبحمده، إذا كمل علمك بالله جل وعلا فإنه يقوى حياؤك أن يراك فيما لا يحب، أو يراك تأخرت فيما ندبك إليه (قوي الحياء من قربه ونظره).



ثم ذكر وصية النبي صلى الل&

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات86018 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80495 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74780 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61869 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56378 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53365 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50929 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50662 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46036 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45588 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف