×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / كلمة الإخلاص / الدرس(5) من شرح تحقيق كلمة الإخلاص

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(5) من شرح تحقيق كلمة الإخلاص
00:00:01

[ فصل في فضائل لا إله إلا الله: وكلمة التوحيد لها فضائل عظيمة لا يمكن هاهنا استقصاؤها فلنذكر بعض ما ورد فيها، هي كلمة التقوى كما قال عمر رضي الله عنه من الصحابة، وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ودعوة الحق وبراءة من الشرك ونجاة هذا الأمر، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾([1])، ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب كما قال تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾([2])، وقال تعالى: ﴿ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون﴾([3])، وما عدد الله على عباده من النعم في سورة آية النعم التي تسمى النحل ولهذا قال ابن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، وإن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا، ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، وهي مفتاح الجنة، ومفتاح دعوة الرسل، وبها كلم الله موسى كفاحا ]. المؤلف رحمه الله في هذا الفصل ذكر فضائل هذه الكلمة بعد أن فرغ من تقرير معنى هذه الكلمة وأنها كلمة حقيقتها تكميل المحبة لله جل وعلا، وتكميل الذل له سبحانه وبحمده كما تقدم في القسم الأول من الكتاب، والمؤلف رحمه الله بنا هذا الكتاب على قسمين: القسم الأول: بيان ما ورد من أعظم فضائل هذه الكلمة، وبماذا تتحقق هذه الفضائل؟ أن هذه الفضائل لا تتحقق بمجرد القول الفارغ عن العمل إنما تكون بالقول الذي يصدقه القلب، ويصدقه العمل وبه يكمل للإنسان فضل هذه الكلمة، ثم بعد ذلك في القسم الثاني من الكتاب ذكر المؤلف رحمه الله فضائل هذه الكلمة من حيث ما يترتب لقائلها لكن كما ذكرنا: أن هذه ليست بمجرد القول الذي يكون باللسان والقلب عنه غائب إنما للقول الذي يكون مطابقا للعقل فيكون قول اللسان موافقا لعقد القلب به تتم هذه الفضائل، وللإنسان من الفضائل بقدر ما يحقق، الناس يتفاوتون في إدراك هذه الفضائل ليسوا على درجة واحدة ولا على منزلة واحدة إنما هم متفاوتون تفاوتا كبيرا وهذا التفاوت مبني على تحقيقهم وصدقهم في هذه الكلمة. يقول رحمه الله: [ وكلمة التوحيد ]وهي لا إله إلا الله [ لها فضائل عظيمة لا يمكن هاهنا استقصاؤها ]إذا المؤلف الآن اعتذر في أول ذكره للفوائد عن الاستقصاء، الاستقصاء المقصود به: طلب الأقصى، استقصيت الشيء يعني: طلبت أقصاه ومنتهاه، فمقصود المؤلف: أنه لا يمكن أن نحيط بجميع فوائده، ولا يمكن أن نأتي بالقاصي والداني من فضائله إنما نشير إلى جمل وأصول الفضائل التي تترتب لهذه الكلمة والتي دلت النصوص عليها. [ فلنذكر بعض ما ورد فيها ]ففهم من هذا أن المؤلف رحمه الله يذكر من الفضائل ما جاء به نص سواء كان ذلك في الكتاب أو في السنة ولكن قوله: [ ما ورد فيها ]يوحي بأن المؤلف رحمه الله لم يشترط في ذكر فضائل هذه الكلمة الصحة؛ لأن الوارد معلوم إذا كان من الكتاب فكله صحيح أو ضعيف؟ ما يتطرق إليه ضعف صحيح؛ لأنه قطعي الثبوت، وأما إذا كان من السنة فينقسم إلى صحيح وضعيف، والمؤلف لم يشترط الصحة ولذلك سيذكر شيئا من الفضائل التي وردت في هذه الكلمة وإن كانت أحاديثها ضعيفة وهذا بناء على القاعدة التي ذكرها النووي رحمه الله الاتفاق عليها وهي: جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. وهذه القاعدة حكى النووي رحمه الله وغيره الإجماع عليها وهي صحة الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال على أن هذا الإجماع فيه نظر كما تقدم التنبيه إليه في أول شرح الأربعين النووية، فإن من العلماء من لا يجيز الاحتجاج بالحديث الضعيف حتى في فضائل الأعمال، ولكن الذي عليه الجماهير أنه يحتج بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ويشترط لهذا ألا يكون الضعف شديدا، وأن يكون ما ورد فيه الفضل دلت عموم الأدلة على فضله ومنزلته، وألا يعتقد العامل ثبوت هذا الأجر وهذا الفضل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن الحديث ضعيف وإذا كان ضعيفا فإنه لا يثبت به الفضل، هذه الشروط الثلاثة التي ذكرها أهل العلم رحمهم الله في العمل بالحديث الضعيف، على كل المقصود: أنه لا نستغرب ذكر بعض الضعيف؛ لأن المؤلف رحمه الله لم ماذا؟ لم يشترط الصحة بل قال: [ فلنذكر بعض ما ورد فيها ]من صحيح وضعيف. يقول رحمه الله: [ فهي كلمة التقوى كما قال عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة ]هل جاء هذا في القرآن؟ هل جاء هذا في القرآن وصف هذه الكلمة بالتقوى هل جاء أو لا؟ مداخلة: نعم.. نعم. جاء أي نعم، في سورة الفتح، وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها، ذكر جماعة من أهل التفسير أن كلمة التقوى التي ألزم الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إياها هي قول: لا إله إلا الله فألزمهم إياها قولا وألزمهم إياها عملا، وكانوا أحق بها وأهلها، أي: أحق بالتزامها والأخذ بها وهم أهلها لأنهم الذين قالوها وعظموها والتزموا شرائعها، فقوله رحمه الله: [ كما قال عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة ]هذا إضافة إلى ما ذكره أهل العلم في تفسير قوله تعالى: ﴿وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها﴾([4]). [ وهي كلمة الإخلاص ]كلمة الإخلاص وهذا مأخوذ من معنى هذه الكلمة؛ لأن هذه الكلمة بناؤها على الإخلاص؛ لأنها جاءت بالنفي والإثبات بنفي الإلهية عن عما سوى الله جل وعلا وإثباتها له وحده لا شريك له، ولذلك لا إله إلا الله بناء هذه الكلمة على نفي وإثبات النفي في قول: لا إله والإثبات في قول: إلا الله، ولذلك كانت كلمة الإخلاص لأن الكلمة التي بها يحصل للعبد الإخلاص لله تعالى في هذا الأصل العظيم الذي به سعادة الدنيا ونجاة الآخرة وهو الألوهية إفراد الله تعالى بالألوهية وأنه لا إله إلا هو سبحانه وبحمده، في القرآن فيه وصف لهذه الكلمة بالإخلاص لم يأت في القرآن وصف هذه الكلمة بالإخلاص لكن هذا مستفاد من معناها، المعاني لا شك ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾([5])نعم، ﴿قل الله أعبد مخلصا له ديني﴾([6])، ﴿وأمرت أن أكون من المسلمين﴾([7])وما إلى ذلك من الآيات التي فيها الإفراد إفراد العبادة له جل وعلا وإخلاصها وفيها إخلاصها له سبحانه وبحمده. [ وشهادة الحق ودعوة الحق ]كل هذه أوصاف لهذه الكلمة، قد لا يكون أتت بها نصوص خاصة في وصف هذه الكلمة بذلك لكن هي شهادة الحق من شهد بها فقد شهد بالحق ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط﴾([8])فهذه الشهادة شهادة حق؛ لأن الله شهد بها ملائكته وشهد بها رسله، نعم. [ فصل في فضائل لا إله إلا الله. وكلمة التوحيد لها فضائل عظيمة لا يمكن هاهنا استقصاؤها فلنذكر بعض ما ورد فيها، فهي كلمة التقوى كما قال عمر رضي الله عنه من الصحابة، وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ودعوة الحق وبراءة من الشرك ونجاة هذا الأمر، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾([9]) ]. تقدم الكلام على أول هذا الفصل وذكرنا أن المؤلف رحمه الله جمع في هذا الفصل فضائل لا إله إلا الله حسب ما تيسر، وكنا قد ذكرنا أن المؤلف رحمه الله ذكر فضائل على وجه ورودها ولم يشترط لذلك صحة، ولذلك يستدل في بعض الفضائل التي يذكرها بأحاديث ضعيفة، ويستدل لبعضها بآثار عن الصحابة رضي الله عنهم كما في كلمة التقوى، وهذا يبين لنا أن مراده بما ورد يعني ما ورد من كلام الله أو كلام رسوله أو كلام الصحابة رضي الله عنهم، وأول هذه الفضائل: أن هذه الكلمة هي كلمة التقوى، وقدم بذكر التقوى في فضائل هذه الكلمة؛ لأن التقوى هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين، هي الوصية الجامعة التي أوصى الله تعالى بها الخلق جميعا قال الله تعالى: ﴿ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله﴾([10])، وهذه الكلمة كلمة لا إله إلا الله هي كلمة التقوى؛ لأنها الكلمة التي من حققها فإنه مشتغل بما يحب الله تعالى منته عما ينهى الله جل وعلا، ولذلك كانت كلمة التقوى لأن التقوى عنها صادرة، فمن حقق لا إله إلا الله امتثل الأمر وترك النهي رغبة ورهبة محبة وخوفا وطمعا، وقد ذكرنا أن الله جل وعلا سمى هذه الكلمة بالتقوى في قوله تعالى: ﴿وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها﴾([11]). وذكر المؤلف رحمه الله أن هذا الوارد عن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة في وصف هذه الكلمة المباركة بأنها كلمة التقوى، وقد يقول المبتدئ: كيف يصف جملة بأنها كلمة؟ لأن الكلمة في اصطلاح النحويين ما يقابل الجملة أو هي أحد أفراد الجملة فالكلام يقسمونه إلى حروف وكلمات وجمل، لكن المقصود بالكلمة هنا ما ذكره ابن مالك رحمه الله في قوله: وكلمة بها الكلام قد يؤم. الكلمة هنا المقصود بها: الجملة لا مفرد الكلمات الاصطلاحية. ثم قال رحمه الله في فضائلها: أنها كلمة الإخلاص. طيب الذي يفهم من كلمة التقوى أن من حققها حقق التقوى، ويفهم من قوله: [ وهي كلمة الإخلاص ]أن من حققها حقق الإخلاص لله جل وعلا، وذلك أن هذه الكلمة مدارها على إفراد الله جل وعلا بالعبودية لا إله إلا الله وهذا فيه إخلاص المحبة والتعظيم له جل وعلا وإخلاص سائر العبادة لله جل وعلا كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾([12])، ﴿إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعوا وإليه مآب﴾([13])، والآيات في هذا كثيرة، فهي كلمة الإخلاص لأن بها يتحقق للعبد الخلوص من الشرك، ويتحقق بها للعبد إفراد الله تعالى بالعبادة. [ وشهادة الحق ]شهادة من باب إضافة الشيء الموصوف إلى صفته أو من باب إضافة المصدر إلى فاعله، يصلح هذا ويصلح هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته؛ لأنها الشهادة المطابقة للواقع؛ لأن الحق هو ما وافق الواقع وطابقه، فهو الشيء الثابت المستقر الذي لا ميل فيه ولا كلم، وهذه الشهادة لا شك أنها كذلك فإنها مطابقة للواقع؛ لأنه لا إله حق إلا الله جل وعلا، هذا من باب إذا قلنا: إن هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته، ويمكن أن يكون هذا من باب إضافة المصدر إلى فاعله فتكون هذه الشهادة هي شهادة الله تعالى، الشهادة التي شهد الله بها كما ذكرنا ذلك في الدرس السابق في قول الله تعالى: ﴿شهد الله﴾([14])وهو الحق جل وعلا ﴿فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال﴾([15])، ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم﴾([16])، فهذه الشهادة هي شهادة الله جل وعلا وهو الحق المبين سبحانه وبحمده. قال: [ ودعوة الحق ]أيضا يمكن أن تكون بمعنى من باب إضافة الموصوف إلى صفته أو من باب إضافة المصدر إلى فاعله كالتي قبلها فإن الله تعالى دعا إلى هذه الكلمة قال الله تعالى: ﴿يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾([17])، وعبادته هي إفراده بالعبادة جل وعلا، ولذلك أرسل الرسل جل وعلا ليدعوا الناس إلى عبادته وحده لا شريك له، فهي دعوته ﴿والله يدعوا إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾([18])، ودار السلام هي الجنة السالمة من كل آفة ولا يدخلها إلا أهل هذه الكلمة المباركة، فالله يدعو إلى هذه الكلمة، ويمكن أن يكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته؛ لأن هذه الدعوة أصدق الدعوات وأحقها وهي أثبتها لأنها الدعوة إلى أعظم حق وهو حق الله جل وعلا؛ لأن حق الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا كما ذلك في حديث معاذ في الصحيحين لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا)).  ثم قال: [ وبراءة من الشرك ونجاة هذا الأمر ]، براءة من الشرك البراءة هي تمام التخلي من الشيء ومنه قول إبراهيم لأبيه: ﴿إنني براء مما تعبدون﴾([19])، (إنني براء) أي: متخلي تمام التخلي عما تعبدون، فقوله: [ وبراءة من الشرك ]هذه الكلمة هي الطريق الذي يتبرأ به الإنسان من الشرك؛ لأنها مبنية على النفي والإثبات النفي الإلهية عن غير الله تعالى، وإثباتها له وحده لا شريك له، لذلك كانت هذه الكلمة براءة من الشرك، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم سورة الكافرون بهذا الوصف بأنها براءة من الشرك وإن كان الحديث الوارد فيها ضعيفا لكن جرى في كلام العلماء وصف تلك السورة بالبراءة من الشرك لما فيها من تمام الخلوص من كل ما يعبد من دون الله ﴿قل يا أيها الكافرون (1) لا أعبد ما تعبدون (2) ولا أنتم عابدون ما أعبد (3) ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5) لكم دينكم ولي دين(6)﴾([20]). [ ونجاة هذا الأمر ]أي: النجاة في هذا الشأن وهو شأن العبودية، والأمر المقصود به هنا الشأن يطلق على الشأن الكبير العظيم، [ ونجاة هذا الأمر ]أي: النجاة في هذا الشأن العظيم وهو ما يتعلق بالعبودية أن يحقق الإنسان هذه الكلمة لا إله إلا الله، فمن حققها نجا، ومن أخل بها فاته من النجا بقدر ما فاته من تحقيق هذه الكلمة. ثم قال المؤلف رحمه الله في بيان فضيلة هذه الكلمة قال: [ ولأجلها خلق الخلق ]لأجلها أي: لأجل هذه الكلمة خلق الخلق السموات والأرض وما فيهما، فخلق الله تعالى الخلق لهذه الكلمة [ كما قال جل وعلا: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾([21])]، وجه الدلالة في الآية قوله جل وعلا: ﴿إلا ليعبدون﴾([22])ولا يمكن لأحد أن يتحقق عبادة الله تعالى إلا بالإقرار بأنه لا إله إلا الله، لا يمكن لأحد أن يتحقق عبادة الله تعالى إلا بالإقرار بأنه لا إله إلا الله يقولها بلسانه ويعتقدها بقلبه ويعمل بمقتضاها، ولذلك قوله: ﴿إلا ليعبدون﴾([23])أي: إلا ليوحدون والتوحيد هو تمام العبودية لله جل وعلا لإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، الآية تقول: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾([24])المؤلف يقول: [ ولأجلها خلق الخلق ]أو خلق الخلق، وهل الخلق فقط هم الجن والإنس؟ الجواب: لا، الجن والإنس بعض الخلق وهذا ما يسميه أهل العلم بأن الدعوى أعم من الدليل يعني: الدليل يدل على بعض المدعى بعض ما يدعيه المستدل لكن نتأمل هل هذا منطبق على كلام المؤلف؟ من جهة الآية نعم ﴿وما خلقت الجن والإنس﴾([25])الجن والإنس هم بعض الخلق وليسوا كل الخلق، لكن بالنظر إلى مجموع الأدلة يتبين صواب ما قاله المؤلف رحمه الله فإنه ذكر رحمه الله أن الله تعالى خلق الخلق لأجلها والآية تقول: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾([26])فكيف؟ الجواب: نقول: قال الله تعالى: ﴿وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه﴾([27])، فأخبر الله تعالى في هذه الآية بأنه سخر ما في السموات وما في الأرض لبني آدم وإذا كان بنوا آدم لم يخلقوا إلا لعبادة الله فهم وما سخر لهم كله لتحقيق هذا الغرض فكان ما ذكره المؤلف رحمه الله على وجهه؛ لأن كل ما في السموات وما في الأرض هو مسخر لبني آدم، وبنوا آدم مخلوقون لماذا؟ للعبادة، فإذا ابن آدم إذا كان الأصل الذي خلق له ما في السموات وما في الأرض المقصود منه العبادة فلا شك أن هذه المخلوقات المسخرة لهذا المخلوق خلقت لتحقيق هذه العبادة، فيستقيم بهذا ما ذكره المؤلف رحمه الله في قوله: [ ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى: ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾([28]) ]. ثم قال رحمه الله: [ ولأجلها أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب كما قال تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾([29])، وقال تعالى: ﴿ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون﴾([30])، وما عدد الله على عباده من النعم في سورة آية التي تسمى النحل، ولهذا قال ابن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، وإن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا، ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، وهي مفتاح الجنة، ومفتاح دعوة الرسل ]. طيب المؤلف رحمه الله ذكر طائفة من فضائل هذه الكلمة التي نسأل الله أن يختم لنا بها، وأن يعيننا على تحقيق معناها، يقول رحمه الله: [ ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ]لأجل هذه الكلمة أرسلت الرسل من لدن نوح عليه السلام إلى آخرهم فكلهم دعوا إلى هذه الكلمة العظيمة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء كما ضرب الله تعالى مثلها في كتابه الحكيم: ﴿مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء (24) تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها﴾([31])، فأرسل الله تعالى جميع الرسل بهذه الكلمة، وأنزلت الكتب؛ لأن الرسل معهم كتب ما من رسول إلا وآتاه الله تعالى كتابا، وهذه الكتب تضمنت دعوتهم وهم إنما أرسلوا لهذه الكلمة دعوة وبيانا وتوضيحا وتحقيقا، والكتب تضمنت دعوتهم فكانت هي مضمون الكتب التي أنزلت على الرسل كما قال تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾([32])، وهذه دعوة الرسل جميعا، فالله جل وعلا نفى أن يكون قد أرسل قبل النبي صلى الله عليه وسلم رسولا إلا وقد أوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون، بهذه الكلمة (فاعبدون) بمعنى هذه الكلمة التي أوحاها الله تعالى وأرسلها على رسله، وقال تعالى: ﴿ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده﴾([33])والروح هنا هو ما جاءت به الملائكة من الهدى والحق الذي تحيى به القلوب وتحيى به الأنفس، ﴿ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون﴾([34])، فهذا الذي جاءت الرسل جميعها بالدعوة إلى لا إله إلا الله، وهذه المؤلف رحمه الله يبين عظيم إنعام الله تعالى على عباده بهذه الكلمة يقول: [ وهذه الآية أول ما عدد الله من النعم في سورة النحل التي تسمى سورة النعم ]. ˜ ([1]) سورة : الذاريات (56). ([2]) سورة : الأنبياء (25). ([3]) سورة : النحل (2). ([4]) سورة : الفتح (26). ([5]) سورة : البينة (5). ([6]) سورة : الزمر (14). ([7]) سورة : يونس (72). ([8]) سورة : آل عمران (18). ([9]) سورة : الذاريات (56). ([10]) سورة : النساء (131). ([11]) سورة : الفتح (26). ([12]) سورة : البينة (5). ([13]) سورة : الرعد (2). ([14]) سورة : آل عمران (18). ([15]) سورة : يونس (32). ([16]) سورة : آل عمران (18). ([17]) سورة : البقرة (21). ([18]) سورة : يونس (25). ([19]) سورة : الزخرف (26). ([20]) سورة : الكافرون (1- 9). ([21]) سورة : الذاريات (56). ([22]) سورة : الذاريات (56). ([23]) سورة : الذاريات (56). ([24]) سورة : الذاريات (56). ([25]) سورة : الذاريات (56). ([26]) سورة : الذاريات (56). ([27]) سورة : الجاثية (13). ([28]) سورة : الذاريات (56). ([29]) سورة : الأنبياء (25). ([30]) سورة : النحل (2). ([31]) سورة : إبراهيم (24- 25). ([32]) سورة : الأنبياء (25). ([33]) سورة : النحل (2). ([34]) سورة : النحل (2).

المشاهدات:4490


[ فصل في فضائل لا إله إلا الله:



وكلمة التوحيد لها فضائل عظيمة لا يمكن هاهنا استقصاؤها فلنذكر بعض ما ورد فيها، هي كلمة التقوى كما قال عمر رضي الله عنه من الصحابة، وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ودعوة الحق وبراءة من الشرك ونجاة هذا الأمر، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([1])، ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾([2])، وقال تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾([3])، وما عدد الله على عباده من النعم في سورة آية النعم التي تسمى النحل ولهذا قال ابن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، وإن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا، ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، وهي مفتاح الجنة، ومفتاح دعوة الرسل، وبها كلم الله موسى كفاحاً ].



المؤلف رحمه الله في هذا الفصل ذكر فضائل هذه الكلمة بعد أن فرغ من تقرير معنى هذه الكلمة وأنها كلمة حقيقتها تكميل المحبة لله جل وعلا، وتكميل الذل له سبحانه وبحمده كما تقدم في القسم الأول من الكتاب، والمؤلف رحمه الله بنا هذا الكتاب على قسمين: القسم الأول: بيان ما ورد من أعظم فضائل هذه الكلمة، وبماذا تتحقق هذه الفضائل؟ أن هذه الفضائل لا تتحقق بمجرد القول الفارغ عن العمل إنما تكون بالقول الذي يصدقه القلب، ويصدقه العمل وبه يكمل للإنسان فضل هذه الكلمة، ثم بعد ذلك في القسم الثاني من الكتاب ذكر المؤلف رحمه الله فضائل هذه الكلمة من حيث ما يترتب لقائلها لكن كما ذكرنا: أن هذه ليست بمجرد القول الذي يكون باللسان والقلب عنه غائب إنما للقول الذي يكون مطابقاً للعقل فيكون قول اللسان موافقاً لعقد القلب به تتم هذه الفضائل، وللإنسان من الفضائل بقدر ما يحقق، الناس يتفاوتون في إدراك هذه الفضائل ليسوا على درجة واحدة ولا على منزلة واحدة إنما هم متفاوتون تفاوتاً كبيراً وهذا التفاوت مبني على تحقيقهم وصدقهم في هذه الكلمة.



يقول رحمه الله: [ وكلمة التوحيد ]وهي لا إله إلا الله [ لها فضائل عظيمة لا يمكن هاهنا استقصاؤها ]إذاً المؤلف الآن اعتذر في أول ذكره للفوائد عن الاستقصاء، الاستقصاء المقصود به: طلب الأقصى، استقصيت الشيء يعني: طلبت أقصاه ومنتهاه، فمقصود المؤلف: أنه لا يمكن أن نحيط بجميع فوائده، ولا يمكن أن نأتي بالقاصي والداني من فضائله إنما نشير إلى جمل وأصول الفضائل التي تترتب لهذه الكلمة والتي دلت النصوص عليها. [ فلنذكر بعض ما ورد فيها ]ففهم من هذا أن المؤلف رحمه الله يذكر من الفضائل ما جاء به نص سواء كان ذلك في الكتاب أو في السنة ولكن قوله: [ ما ورد فيها ]يوحي بأن المؤلف رحمه الله لم يشترط في ذكر فضائل هذه الكلمة الصحة؛ لأن الوارد معلوم إذا كان من الكتاب فكله صحيح أو ضعيف؟ ما يتطرق إليه ضعف صحيح؛ لأنه قطعي الثبوت، وأما إذا كان من السنة فينقسم إلى صحيح وضعيف، والمؤلف لم يشترط الصحة ولذلك سيذكر شيئاً من الفضائل التي وردت في هذه الكلمة وإن كانت أحاديثها ضعيفة وهذا بناء على القاعدة التي ذكرها النووي رحمه الله الاتفاق عليها وهي: جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. وهذه القاعدة حكى النووي رحمه الله وغيره الإجماع عليها وهي صحة الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال على أن هذا الإجماع فيه نظر كما تقدم التنبيه إليه في أول شرح الأربعين النووية، فإن من العلماء من لا يجيز الاحتجاج بالحديث الضعيف حتى في فضائل الأعمال، ولكن الذي عليه الجماهير أنه يحتج بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ويشترط لهذا ألا يكون الضعف شديداً، وأن يكون ما ورد فيه الفضل دلت عموم الأدلة على فضله ومنزلته، وألا يعتقد العامل ثبوت هذا الأجر وهذا الفضل عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن الحديث ضعيف وإذا كان ضعيفاً فإنه لا يثبت به الفضل، هذه الشروط الثلاثة التي ذكرها أهل العلم رحمهم الله في العمل بالحديث الضعيف، على كل المقصود: أنه لا نستغرب ذكر بعض الضعيف؛ لأن المؤلف رحمه الله لم ماذا؟ لم يشترط الصحة بل قال: [ فلنذكر بعض ما ورد فيها ]من صحيح وضعيف.



يقول رحمه الله: [ فهي كلمة التقوى كما قال عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة ]هل جاء هذا في القرآن؟ هل جاء هذا في القرآن وصف هذه الكلمة بالتقوى هل جاء أو لا؟



مداخلة: نعم.. نعم.



جاء أي نعم، في سورة الفتح، وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها، ذكر جماعة من أهل التفسير أن كلمة التقوى التي ألزم الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إياها هي قول: لا إله إلا الله فألزمهم إياها قولاً وألزمهم إياها عملاً، وكانوا أحق بها وأهلها، أي: أحق بالتزامها والأخذ بها وهم أهلها لأنهم الذين قالوها وعظموها والتزموا شرائعها، فقوله رحمه الله: [ كما قال عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة ]هذا إضافة إلى ما ذكره أهل العلم في تفسير قوله تعالى: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾([4]).



[ وهي كلمة الإخلاص ]كلمة الإخلاص وهذا مأخوذ من معنى هذه الكلمة؛ لأن هذه الكلمة بناؤها على الإخلاص؛ لأنها جاءت بالنفي والإثبات بنفي الإلهية عن عما سوى الله جل وعلا وإثباتها له وحده لا شريك له، ولذلك لا إله إلا الله بناء هذه الكلمة على نفي وإثبات النفي في قول: لا إله والإثبات في قول: إلا الله، ولذلك كانت كلمة الإخلاص لأن الكلمة التي بها يحصل للعبد الإخلاص لله تعالى في هذا الأصل العظيم الذي به سعادة الدنيا ونجاة الآخرة وهو الألوهية إفراد الله تعالى بالألوهية وأنه لا إله إلا هو سبحانه وبحمده، في القرآن فيه وصف لهذه الكلمة بالإخلاص لم يأت في القرآن وصف هذه الكلمة بالإخلاص لكن هذا مستفاد من معناها، المعاني لا شك ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾([5])نعم، ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي﴾([6]﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾([7])وما إلى ذلك من الآيات التي فيها الإفراد إفراد العبادة له جل وعلا وإخلاصها وفيها إخلاصها له سبحانه وبحمده.



[ وشهادة الحق ودعوة الحق ]كل هذه أوصاف لهذه الكلمة، قد لا يكون أتت بها نصوص خاصة في وصف هذه الكلمة بذلك لكن هي شهادة الحق من شهد بها فقد شهد بالحق ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾([8])فهذه الشهادة شهادة حق؛ لأن الله شهد بها ملائكته وشهد بها رسله، نعم.



[ فصل في فضائل لا إله إلا الله. وكلمة التوحيد لها فضائل عظيمة لا يمكن هاهنا استقصاؤها فلنذكر بعض ما ورد فيها، فهي كلمة التقوى كما قال عمر رضي الله عنه من الصحابة، وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ودعوة الحق وبراءة من الشرك ونجاة هذا الأمر، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([9]) ].



تقدم الكلام على أول هذا الفصل وذكرنا أن المؤلف رحمه الله جمع في هذا الفصل فضائل لا إله إلا الله حسب ما تيسر، وكنا قد ذكرنا أن المؤلف رحمه الله ذكر فضائل على وجه ورودها ولم يشترط لذلك صحة، ولذلك يستدل في بعض الفضائل التي يذكرها بأحاديث ضعيفة، ويستدل لبعضها بآثار عن الصحابة رضي الله عنهم كما في كلمة التقوى، وهذا يبين لنا أن مراده بما ورد يعني ما ورد من كلام الله أو كلام رسوله أو كلام الصحابة رضي الله عنهم، وأول هذه الفضائل: أن هذه الكلمة هي كلمة التقوى، وقدم بذكر التقوى في فضائل هذه الكلمة؛ لأن التقوى هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين، هي الوصية الجامعة التي أوصى الله تعالى بها الخلق جميعاً قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾([10])، وهذه الكلمة كلمة لا إله إلا الله هي كلمة التقوى؛ لأنها الكلمة التي من حققها فإنه مشتغل بما يحب الله تعالى منته عما ينهى الله جل وعلا، ولذلك كانت كلمة التقوى لأن التقوى عنها صادرة، فمن حقق لا إله إلا الله امتثل الأمر وترك النهي رغبة ورهبة محبة وخوفاً وطمعاً، وقد ذكرنا أن الله جل وعلا سمى هذه الكلمة بالتقوى في قوله تعالى: ﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا﴾([11]).



وذكر المؤلف رحمه الله أن هذا الوارد عن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة في وصف هذه الكلمة المباركة بأنها كلمة التقوى، وقد يقول المبتدئ: كيف يصف جملة بأنها كلمة؟ لأن الكلمة في اصطلاح النحويين ما يقابل الجملة أو هي أحد أفراد الجملة فالكلام يقسمونه إلى حروف وكلمات وجمل، لكن المقصود بالكلمة هنا ما ذكره ابن مالك رحمه الله في قوله: وكلمة بها الكلام قد يؤم. الكلمة هنا المقصود بها: الجملة لا مفرد الكلمات الاصطلاحية.



ثم قال رحمه الله في فضائلها: أنها كلمة الإخلاص. طيب الذي يفهم من كلمة التقوى أن من حققها حقق التقوى، ويفهم من قوله: [ وهي كلمة الإخلاص ]أن من حققها حقق الإخلاص لله جل وعلا، وذلك أن هذه الكلمة مدارها على إفراد الله جل وعلا بالعبودية لا إله إلا الله وهذا فيه إخلاص المحبة والتعظيم له جل وعلا وإخلاص سائر العبادة لله جل وعلا كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾([12]﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ﴾([13])، والآيات في هذا كثيرة، فهي كلمة الإخلاص لأن بها يتحقق للعبد الخلوص من الشرك، ويتحقق بها للعبد إفراد الله تعالى بالعبادة.



[ وشهادة الحق ]شهادة من باب إضافة الشيء الموصوف إلى صفته أو من باب إضافة المصدر إلى فاعله، يصلح هذا ويصلح هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته؛ لأنها الشهادة المطابقة للواقع؛ لأن الحق هو ما وافق الواقع وطابقه، فهو الشيء الثابت المستقر الذي لا ميل فيه ولا كلم، وهذه الشهادة لا شك أنها كذلك فإنها مطابقة للواقع؛ لأنه لا إله حق إلا الله جل وعلا، هذا من باب إذا قلنا: إن هذا من باب إضافة الموصوف إلى صفته، ويمكن أن يكون هذا من باب إضافة المصدر إلى فاعله فتكون هذه الشهادة هي شهادة الله تعالى، الشهادة التي شهد الله بها كما ذكرنا ذلك في الدرس السابق في قول الله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ﴾([14])وهو الحق جل وعلا ﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ﴾([15]﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾([16])، فهذه الشهادة هي شهادة الله جل وعلا وهو الحق المبين سبحانه وبحمده.



قال: [ ودعوة الحق ]أيضاً يمكن أن تكون بمعنى من باب إضافة الموصوف إلى صفته أو من باب إضافة المصدر إلى فاعله كالتي قبلها فإن الله تعالى دعا إلى هذه الكلمة قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾([17])، وعبادته هي إفراده بالعبادة جل وعلا، ولذلك أرسل الرسل جل وعلا ليدعوا الناس إلى عبادته وحده لا شريك له، فهي دعوته ﴿وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾([18])، ودار السلام هي الجنة السالمة من كل آفة ولا يدخلها إلا أهل هذه الكلمة المباركة، فالله يدعو إلى هذه الكلمة، ويمكن أن يكون من باب إضافة الموصوف إلى صفته؛ لأن هذه الدعوة أصدق الدعوات وأحقها وهي أثبتها لأنها الدعوة إلى أعظم حق وهو حق الله جل وعلا؛ لأن حق الله أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً كما ذلك في حديث معاذ في الصحيحين لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟ قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً)).



 ثم قال: [ وبراءة من الشرك ونجاة هذا الأمر ]، براءة من الشرك البراءة هي تمام التخلي من الشيء ومنه قول إبراهيم لأبيه: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾([19])، (إنني براء) أي: متخلي تمام التخلي عما تعبدون، فقوله: [ وبراءة من الشرك ]هذه الكلمة هي الطريق الذي يتبرأ به الإنسان من الشرك؛ لأنها مبنية على النفي والإثبات النفي الإلهية عن غير الله تعالى، وإثباتها له وحده لا شريك له، لذلك كانت هذه الكلمة براءة من الشرك، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم سورة الكافرون بهذا الوصف بأنها براءة من الشرك وإن كان الحديث الوارد فيها ضعيفاً لكن جرى في كلام العلماء وصف تلك السورة بالبراءة من الشرك لما فيها من تمام الخلوص من كل ما يعبد من دون الله ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدتُّمْ (4) وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ(6)﴾([20]).



[ ونجاة هذا الأمر ]أي: النجاة في هذا الشأن وهو شأن العبودية، والأمر المقصود به هنا الشأن يطلق على الشأن الكبير العظيم، [ ونجاة هذا الأمر ]أي: النجاة في هذا الشأن العظيم وهو ما يتعلق بالعبودية أن يحقق الإنسان هذه الكلمة لا إله إلا الله، فمن حققها نجا، ومن أخل بها فاته من النجا بقدر ما فاته من تحقيق هذه الكلمة.



ثم قال المؤلف رحمه الله في بيان فضيلة هذه الكلمة قال: [ ولأجلها خلق الخلق ]لأجلها أي: لأجل هذه الكلمة خلق الخلق السموات والأرض وما فيهما، فخلق الله تعالى الخلق لهذه الكلمة [ كما قال جل وعلا: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([21])]، وجه الدلالة في الآية قوله جل وعلا: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([22])ولا يمكن لأحد أن يتحقق عبادة الله تعالى إلا بالإقرار بأنه لا إله إلا الله، لا يمكن لأحد أن يتحقق عبادة الله تعالى إلا بالإقرار بأنه لا إله إلا الله يقولها بلسانه ويعتقدها بقلبه ويعمل بمقتضاها، ولذلك قوله: ﴿إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([23])أي: إلا ليوحدون والتوحيد هو تمام العبودية لله جل وعلا لإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة، الآية تقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([24])المؤلف يقول: [ ولأجلها خلق الخلق ]أو خلق الخلق، وهل الخلق فقط هم الجن والإنس؟ الجواب: لا، الجن والإنس بعض الخلق وهذا ما يسميه أهل العلم بأن الدعوى أعم من الدليل يعني: الدليل يدل على بعض المدعى بعض ما يدعيه المستدل لكن نتأمل هل هذا منطبق على كلام المؤلف؟ من جهة الآية نعم ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ﴾([25])الجن والإنس هم بعض الخلق وليسوا كل الخلق، لكن بالنظر إلى مجموع الأدلة يتبين صواب ما قاله المؤلف رحمه الله فإنه ذكر رحمه الله أن الله تعالى خلق الخلق لأجلها والآية تقول: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([26])فكيف؟ الجواب: نقول: قال الله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾([27])، فأخبر الله تعالى في هذه الآية بأنه سخر ما في السموات وما في الأرض لبني آدم وإذا كان بنوا آدم لم يخلقوا إلا لعبادة الله فهم وما سخر لهم كله لتحقيق هذا الغرض فكان ما ذكره المؤلف رحمه الله على وجهه؛ لأن كل ما في السموات وما في الأرض هو مسخر لبني آدم، وبنوا آدم مخلوقون لماذا؟ للعبادة، فإذاً ابن آدم إذا كان الأصل الذي خلق له ما في السموات وما في الأرض المقصود منه العبادة فلا شك أن هذه المخلوقات المسخرة لهذا المخلوق خلقت لتحقيق هذه العبادة، فيستقيم بهذا ما ذكره المؤلف رحمه الله في قوله: [ ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([28]) ].



ثم قال رحمه الله: [ ولأجلها أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾([29])، وقال تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾([30])، وما عدد الله على عباده من النعم في سورة آية التي تسمى النحل، ولهذا قال ابن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، وإن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا، ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، وهي مفتاح الجنة، ومفتاح دعوة الرسل ].



طيب المؤلف رحمه الله ذكر طائفة من فضائل هذه الكلمة التي نسأل الله أن يختم لنا بها، وأن يعيننا على تحقيق معناها، يقول رحمه الله: [ ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ]لأجل هذه الكلمة أرسلت الرسل من لدن نوح عليه السلام إلى آخرهم فكلهم دعوا إلى هذه الكلمة العظيمة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء كما ضرب الله تعالى مثلها في كتابه الحكيم: ﴿مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾([31])، فأرسل الله تعالى جميع الرسل بهذه الكلمة، وأنزلت الكتب؛ لأن الرسل معهم كتب ما من رسول إلا وآتاه الله تعالى كتاباً، وهذه الكتب تضمنت دعوتهم وهم إنما أرسلوا لهذه الكلمة دعوة وبياناً وتوضيحاً وتحقيقاً، والكتب تضمنت دعوتهم فكانت هي مضمون الكتب التي أنزلت على الرسل كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾([32])، وهذه دعوة الرسل جميعاً، فالله جل وعلا نفى أن يكون قد أرسل قبل النبي صلى الله عليه وسلم رسولاً إلا وقد أوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون، بهذه الكلمة (فاعبدون) بمعنى هذه الكلمة التي أوحاها الله تعالى وأرسلها على رسله، وقال تعالى: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾([33])والروح هنا هو ما جاءت به الملائكة من الهدى والحق الذي تحيى به القلوب وتحيى به الأنفس، ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾([34])، فهذا الذي جاءت الرسل جميعها بالدعوة إلى لا إله إلا الله، وهذه المؤلف رحمه الله يبين عظيم إنعام الله تعالى على عباده بهذه الكلمة يقول: [ وهذه الآية أول ما عدد الله من النعم في سورة النحل التي تسمى سورة النعم ].



˜







([1]) سورة : الذاريات (56).




([2]) سورة : الأنبياء (25).




([3]) سورة : النحل (2).




([4]) سورة : الفتح (26).




([5]) سورة : البينة (5).




([6]) سورة : الزمر (14).




([7]) سورة : يونس (72).




([8]) سورة : آل عمران (18).




([9]) سورة : الذاريات (56).




([10]) سورة : النساء (131).




([11]) سورة : الفتح (26).




([12]) سورة : البينة (5).




([13]) سورة : الرعد (2).




([14]) سورة : آل عمران (18).




([15]) سورة : يونس (32).




([16]) سورة : آل عمران (18).




([17]) سورة : البقرة (21).




([18]) سورة : يونس (25).




([19]) سورة : الزخرف (26).




([20]) سورة : الكافرون (1- 9).




([21]) سورة : الذاريات (56).




([22]) سورة : الذاريات (56).




([23]) سورة : الذاريات (56).




([24]) سورة : الذاريات (56).




([25]) سورة : الذاريات (56).




([26]) سورة : الذاريات (56).




([27]) سورة : الجاثية (13).




([28]) سورة : الذاريات (56).




([29]) سورة : الأنبياء (25).




([30]) سورة : النحل (2).




([31]) سورة : إبراهيم (24- 25).




([32]) سورة : الأنبياء (25).




([33]) سورة : النحل (2).




([34]) سورة : النحل (2).

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80483 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74769 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61838 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53356 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50922 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50647 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46029 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45575 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف