×
العربية english francais русский Deutsch فارسى اندونيسي اردو

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأعضاء الكرام ! اكتمل اليوم نصاب استقبال الفتاوى.

وغدا إن شاء الله تعالى في تمام السادسة صباحا يتم استقبال الفتاوى الجديدة.

ويمكنكم البحث في قسم الفتوى عما تريد الجواب عنه أو الاتصال المباشر

على الشيخ أ.د خالد المصلح على هذا الرقم 00966505147004

من الساعة العاشرة صباحا إلى الواحدة ظهرا 

بارك الله فيكم

إدارة موقع أ.د خالد المصلح

المكتبة المقروءة / دروس / دروس العقيدة / كلمة الإخلاص / الدرس(6) من شرح تحقيق كلمة الإخلاص

مشاركة هذه الفقرة WhatsApp Messenger LinkedIn Facebook Twitter Pinterest AddThis
الدرس(6) من شرح تحقيق كلمة الإخلاص
00:00:01

المؤلف رحمه الله يبين عظيم إنعام الله تعالى على عباده بهذه الكلمة يقول: [ وهذه الآية أول ما عدد الله من النعم في سورة النحل ]التي تسمى سورة النعم فإن الله تعالى ذكر في هذه السورة النعم بألوانها وأنواعها أجلها وأعظمها ما بدأ به السورة المباركة من ذكر إنزال ﴿الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون﴾([1])، ﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون﴾([2])هذا مبدأ السورة، ثم قال في ذكر أول ما من الله به على عباده من النعم: ﴿ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون﴾([3])، يقول: [ ولهذا قال ابن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله ]، صدق رحمه الله هذه الكلمة هي أعظم النعم؛ لأنها النعمة الدائمة الثابتة الباقية التي لا تزول، نعمة المال والولد والجاه والسلطان كل ذلك يزول ﴿ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم﴾([4])الجاه والمال والولد والسلطان وكل ذلك وراء ظهرك تأتي يوم القيامة ليس معك شيء من ذلك بالكلية ما معك إلا ما يكون من العمل الصالح ﴿ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم﴾([5])، فالله جل وعلا أخبر عن انقطاع كل نعيم من نعيم الدنيا وأخبر عن خلو الإنسان منه إلا هذا النعيم الذي هو طاعة الله تعالى وتوحيده فإنه ممتد مع الإنسان يجني ثماره وخيره في الدنيا والآخرة. يقول: [ وأن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا ]في طيب قلوبهم وانشراحها، وبرد فؤادهم من حرارة ما قد يكون في ذلك اليوم، المقصود: أن أهل الجنة يتنعمون بهذه الكلمة كما يتنعم أهل الدنيا بما يتنعمون به من أنواع المتع وأعظمها الماء البارد على الظمأ. قال رحمه الله: [ ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب ]، لأجلها لأجل هذه الكلمة أعدت دار الثواب ودار العقاب، فمن قال: لا إله إلا الله فهو من أهل الجنة وله أعدت، ومن كفر بها فإنه من أهل النار وله أعدت، قال الله تعالى: ﴿أعدت للمتقين﴾([6])في الجنة وقال في النار: ﴿أعدت للكافرين﴾([7])، والمتقون هم الذين لزموا كلمة التقوى وحققوا معناها. قال: [ ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد ]، فالله تعالى أمر الرسل بالجهاد بهذه الكلمة، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متضافرة في بيان ((أنه أمر أن يقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله))وهذا في الصحيحين من حديث أنس ومن حديث جابر ومن حديث ابن عمر وابن مسعود وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم وحديث أبي هريرة: ((أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن يقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله))، وعلى هذا قاتل الناس صلى الله عليه وسلم بعد أن أمر بالقتال حتى استقر الأمر على هذا التوحيد وهذه الكلمة وثبتت. قال: [ فمن قالها عصم ماله ودمه ]نعم من قالها جنا في الدنيا فضلها بأن يعصم ماله ودمه فمن قال هذه الكلمة ولو قالها نفاقا يعصم ماله ودمه ولكنه لا ينتفع بها النفع التام الكامل حتى يقولها صادقا من قلبه، [ ومن أباها فماله ودمه هدر ]ما لم يكن بينه وبين أهل الإسلام أمان فهذا يخرج عن الأصل، وإلا في الأصل أن هذه الكلمة تعصم ما لم يكن هناك ما يوجب العصمة مما أقرته الشريعة وجاءت به. قال رحمه الله: [ وهي مفتاح الجنة ]أي: هذه الكلمة مفتاح الجنة، وتقدم هذا في حديث ذكر المؤلف رحمه الله أنه منقطع وهو حديث شهر عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مفتاح الجنة: لا إله إلا الله))والحديث فيه ضعف لكن المعنى صحيح؛ لأن هذه الكلمة من قالها فتحت له الجنة؛ لأنه قد حقق عبودية الله جل وعلا وما أمر به، ولكن هي مفتاح له أسنان كما تقدم في كلام المؤلف رحمه الله فيما نقله عن الحسن البصري وعن وهب بن منبه وعن غيرهم. ثم قال: [ ومفتاحه دعوة الرسل ]ومفتاح دعوة الرسل أي: هي ما يفتتح به الرسل دعوتهم، دليل ذلك ما تقدم في قوله تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾([8])، فكل الرسل جاءوا قومهم بالدعوة إلى هذه الكلمة، وإلى هذا التوحيد، قال الله تعالى: ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾([9])، قال تعالى: ﴿وإن من أمة إلا خلا فيها نذير﴾([10])وهذا النذير ينذرهم الشرك ويأمرهم بالتوحيد، وإذا قرأت ما قصه الله تعالى عن الرسل كلهم جاءوا أقوامهم أن اتقوا الله وأطيعوه، يأمرون أقوامهم بعبادة الله تعالى وطاعته وتقواه جل وعلا، وهذا ما أشار إليه المؤلف رحمه الله في قوله: [ مفتاح دعوة الرسل ]، أما خاتم النبيين فهو صلى الله عليه وسلم كان يدعو الناس إلى هذه الكلمة كلمة لا إله إلا الله ويقول للناس: ((قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا))كما في المسند. وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي معبد عن ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن قال له: ((إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله))وهذا يبين أن مفتاح دعوة الرسل هو الدعوة إلى هذه الكلمة المباركة. نعم. [ وبها كلم الله موسى كفاحا. وفي مسند البزار وغيره عن عياض الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لا إله إلا الله كلمة حق على الله كريمة ولها من الله مكان وهي كلمة من قالها صادقا أدخله الله بها الجنة، ومن قالها كاذبا حقنت دمه وأحرزت ماله، ولقي الله غدا فحاسبه، وهي مفتاح الجنة كما تقدم)). وهي ثمن الجنة. قاله الحسن: وجاء مرفوعا من وجوه ضعيفة: ((ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة، وهي نجاة من النار)). ((وسمع النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: خرج من النار)) خرجه مسلم ]. يقول رحمه الله: [ وبها كلم الله موسى كفاحا ]، [ بها ]أي: بهذه الكلمة كلم الله تعالى موسى [ كفاحا ]أي: مواجهة، كفاح يطلق بمعنى المواجهة والمقابلة والمقصود: أنه كلمه جل وعلا من غير حجاب وذلك في أول إرساله موسى عليه السلام فإن الله جل وعلا نادى موسى فقال: ﴿يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم﴾([11])، وفي سورة طه قال: ﴿إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري﴾([12])، فهذا من مراد المؤلف رحمه الله في قوله: [ وبها كلم الله موسى كفاحا ]، وموسى تميز عن سائر الرسل بأنه كليم الله وذلك أن الله تعالى ابتدأ الإرسال إليه بالتكليم المباشر لا بواسطة رسول فلذلك يسمى كليم الله؛ لأنه ابتدأ الإرسال إليه والإيحاء إليه بالتكليم مباشرة؛ ولأن له من الكلام مع كلام الله تعالى ما لم يكن لغيره من الرسل قال الله تعالى: ﴿إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا (163) ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك﴾([13])ثم قال: ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾([14])، فذكر الله الإيحاء إلى هؤلاء الرسل جميعا على اختلاف منازلهم ومراتبهم ثم ذكر الإيحاء الخاص الذي تميز به موسى فقال: ﴿وكلم الله موسى تكليما﴾([15])، وكلمه الله جل وعلا بهذه الكلمة العظيمة المباركة. المؤلف رحمه الله ذكر من فضائل هذه الكلمة ما رواه البزار في مسنده من حديث عياض الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن لا إله إلا الله كلمة حق على الله كريمة ولها من الله مكان وهي كلمة من قالها صادقا أدخله الله بها الجنة، ومن قالها كاذبا حقنت دمه وأحرزت ماله، ولقي الله غدا فحاسبه))هذه كأنها استدلال لبعض ما تقدم من الفضائل، هذا الحديث في إسناده اختلاف ولكن المؤلف كما ذكرت يستدل بمثل هذه الأحاديث في باب الفضائل وتجوز لأن الأمر في ذلك سهل كما تقدم في مسألة الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال. قال رحمه الله: [ وهي مفتاح الجنة كما تقدم ]عاد المؤلف رحمه الله هذه الفضيلة لعلها تمهيد لما بعدها وقد تقدم الحديث الوارد في هذا وذكرنا أن الحديث كما ذكر المؤلف رحمه الله حديث منقطع وإن كان المعنى صحيح. نعم. [ وهي ثمن الجنة ]ثمن الجنة أي: العوض الذي جعله الله تعالى في مقابل الفوز بالجنة، والثمن هنا لا يلزم المقابلة التامة والمعاوضة إنما المقصود: أنه لا يدخل الجنة إلا بها وإلا فإن دخول الجنة برحمة الله تعالى كما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((واعلموا أن أحدا منكم لن يدخل الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا))ومعلوم أن من العمل قول: لا إله إلا الله، لكن مقصود المؤلف بالثمن هنا: أنها السبب الذي به يحوز الإنسان هذه الفضيلة ويدرك هذا الأجر العظيم، لكن لا يستقل دون رحمة الله السابقة اللاحقة كما هو معلوم. قال رحمه الله: [ قاله الحسن وجاء مرفوعا ]أي: قال هذا الوصف في هذه الكلمة الحسن، [ وجاء مرفوعا من وجوه ضعيفة ]أي: وصفها بأنها ثمن الجنة ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة، وهذا جاء من طرق عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة))، وفي صحيح الإمام مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله))وهذا يدل على استحباب ختم العمل بها فإن ختم العمل بها فضيلة كبرى يرجى أن يتحقق له ما جاء به الحديث عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)).  ثم قال المؤلف رحمه الله في بيان فضيلة هذه الكلمة قال: [ وهي نجاة من النار ]أي: سلامة، والنجاة هنا تشمل السلامة الدائمة فإن هذه الكلمة نجاة من النار ينجي الله تعالى بها أهلها كما قال المؤلف رحمه الله: [ ((وسمع النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خرج من النار)) ]أي: بهذه الكلمة خرج من النار، وهذا الحديث رواه الإمام مسلم من الحديث الثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا يؤذن فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال النبي صلى الله عليه وسلم: خرجت من النار))، والخروج هنا يصدق عليه الخروج الذي يحصل به النجاة التامة دون أن يمسه من عذاب النار شيء وهذا في حق من كمل حقوق هذه الكلمة، ويشمل من يعذب بالنار عذابا ثم ينجيه الله تعالى كما تقدم فيما رواه البخاري ومسلم في حديث الشفاعة في حديث أنس: ((أن الله تعالى يقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله))وهذا يصدق ما ذكره المؤلف رحمه الله هنا في فضيلة هذه الكلمة [ أنها نجاة من النار ]؛ لأن الله جل وعلا أقسم بأربع صفات من صفاته سبحانه وبحمده على إخراج من قال هذه الكلمة: ((وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله))، ثم قال رحمه الله في تتمة الفضائل.. [ وهي توجب المغفرة. في المسند عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوما: ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال: الحمد لله اللهم بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني بها الجنة وإنك لا تخلف الميعاد. ثم قال: أبشروا فإن الله قد غفر لكم)). وهي أحسن الحسنات. قال أبو ذر: ((قلت: يا رسول الله! كلمني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها عشر أمثالها. قلت: يا رسول الله! لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال: هي أحسن الحسنات، وهي تمحو الذنوب والخطايا)). وفي سنن ابن ماجة عن أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يسبقها عمل)). روي بعض السلف: ((بعد موته في المنام فسئل عن حاله فقال: ما أبقت لا إله إلا الله شيئا)) ]. هذه الفضائل قال المؤلف رحمه الله في أولها: [ وهي توجب المغفرة ]توجب أي: تثبت من الوجوب وهو الثبوت، والمغفرة المقصود بها: التجاوز عن الذنوب والستر فإن المغفرة تتضمن هاتين الفضيلتين، فهذه الكلمة تغفر لصاحبها بستر ذنبه وتجاوز الله تعالى عنه فيستره الله تعالى فلا يفضحه، ويتجاوز عنه فلا يؤاخذه، وذكر لذلك في المسند عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوما ارفعوا أيديكم))الرفع هنا فيما يظهر على صفة الدعاء رفع الداعي هكذا كما يرفع الداعي يديه ((وقولوا: لا إله إلا الله))، ولا إله إلا الله ذكر ودعاء؛ لأنها كلمة يعظم الله تعالى بها، ومن الدعاء ما يكون تعظيما للمدعو دون ذكر السؤال. أأذكر حاجتي أم قد كفاني     حباؤك إن شيمتك الحباء أي: العطاء، وفي بعض روايات هذا البيت: حياؤك إن شيمتك الحياء. فالعبد إذا ذكر الله جل وعلا واشتغل بذكره عن مسألته كان له ما أمل من السؤال وهذا من فضل الله وإحسانه وهو معنى الحديث الذي في إسناده بعض الضعف: ((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته خير ما أعطي السائلين))يعني: من اشتغل بالثناء عليه والمدح وذكر صفة الكمال والتعظيم والتنزيه لرب العالمين واشتغل بهذا عن أن يذكر حاجته فإن الله تعالى يعطيه مسألته بل يعطيه عطاء واسعا، فإن الله جل وعلا يحب المدح؛ لأنه المستحق له سبحانه وبمحمده لا لحاجته فهو الغني الحميد سبحانه وبحمده ليس بحاجة إلى حمدنا ولا ثنائنا ولا عبادتنا إنما نحن الفقراء إليه ﴿يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد﴾([16])، النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بأن يرفعوا أيديهم وأن يقولوا هذه الكلمة: لا إله إلا الله ويكرروا هذه الكلمة لا إله إلا الله لأنه قال: ((فرفعنا أيدينا ساعة))والساعة هنا هي البرهة من الزمن لا يلزم أن تكون على عد ساعات دقائق اليوم لكن المقصود بها مدة من الزمن، ((ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال: الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني بها الجنة وإنك لا تخلف الميعاد. ثم قال: أبشروا فإن الله قد غفر لكم))، وهذا وجه الاستدلال حيث إنه جعل المغفرة عقيب قول هذه الكلمة، أو رتب المغفرة على قول هذه الكلمة من أصحابه رضي الله عنه، وهذا الحديث أخرجه أحمد وغيره لكن في إسناده ضعفا فهو من رواية راشد بن داود عن يعلى بن شداد عن أبيه وراشد فيه كلام للأئمة ينزل به عن درجة القبول لكن كما ذكرت المؤلف رحمه الله تسامح في هذا فيذكر الأحاديث في الفضائل وفضل الله واسع ]. قال رحمه الله: [ وهي أحسن الحسنات ]الحسنات جمع حسنة، والحسنة هي ما يسر المرء في الدنيا أو في الآخرة، فأحسن الحسنات أحسن ما يسر به العبد في الدنيا وفي الآخرة هو قول هذه الكلمة العظيمة المباركة: لا إله إلا الله، فإنها في الدنيا تشرح الصدر، ويدرك بها العبد ألوانا من الفضائل التي تقدمت وستأتي، وفي الآخرة هي مفتاح السعادة ومفتاح الأجر والثواب عند الله تعالى ولذلك كانت أحسن الحسنات وقد ذكر الله تعالى فضل هذه الكلمة وأن فضلها لا ينقطع كما قال تعالى: ﴿مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء (24) تؤتي أكلها كل حين﴾([17])أي: يجني صاحبها ثمارها على امتداد الوقت، ولا ينقطع ثمرها في الدنيا ولا في الآخرة، ومما يدل على أنها أحسن الحسنات: أن الله تعالى أرسل الرسل جميعا بالدعوة إليها، وجعلها مفتاح دعوة الرسل، وجعلها سببا للخروج من النار، فالأدلة على أنها أحسن الحسنات كثيرة المؤلف ذكر حديث أبي ذر والحديث فيه ضعف لجهالة بعض رواته لكنه من حيث المعنى صحيح؛ لأن هذه الكلمة لا تبقي ذنبا لمن قالها صادقا من قلبه، ولذلك من قالها صادقا من قلبه حرمه الله على النار دلت عليه الأحاديث الصحيحة. [ قال أبو ذر: ((قلت: يا رسول الله! كلمني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها عشر أمثالها)) ]وهذا مما جاء به الحديث: ((أتبع السيئة الحسنة تمحها))بل أمر الله تعالى به في قوله: ﴿إن الحسنات يذهبن السيئات﴾([18])، ﴿وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات﴾([19])، فأمر تعالى بالحسنات والطاعات وأخبر بأن الحسنة تذهب السيئة. [ ((قلت: يا رسول الله! لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال: هي أحسن الحسنات)) ]أي: هي أعظم الحسنات في محو الذنوب وإزالتها. [ ((وهي تمحو الذنوب والخطايا)) ]أي: تزيلها وتضمحل معها كل خطيئة مهما عظمت، والذنوب والخطايا شيء واحد فالذنوب والخطايا هذا من باب عطف المترادف، وقد يقال: إن الخطايا هي الذنوب الكبار فيكون هذا من عطف الخاص على العام. [ وفي سنن ابن ماجة عن أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يسبقها عمل)) ]وهذا الحديث فيه ضعف؛ لأنه من رواية زكريا بن منظور عن محمد بن عقبة عن أم هانئ وزكريا ضعيف. [ روي بعض السلف: ((بعد موته في المنام فسئل عن حاله فقال: ما أبقت لا إله إلا الله شيئا)) ]أي: من الذنوب والخطايا، ومثل هذا يقال ويذكر في كلام أهل العلم على وجه الاستئناس وإلا فإن الرؤى والمنامات ليست مصدرا للتشريع ولا لإثبات الفضائل إنما يذكر هذا في كلام أهل العلم على وجه الاستئناس والتنشيط ومثل هذا لا حرج فيه وبعض الناس يشدد في هذا ويقول: هذا مسلك صوفي وليس بسديد، لا شك أن الصوفية يعتمدون المنامات في إثبات الشرائع والفضائل وهذا خطأ، لكن لو أن أحدا استأنس بمثل هذا على صحة أو على خبر جاء في الكتاب والسنة فإنه لا بأس به ومنه ما جرى من ابن عباس رضي الله عنه في الاستئناس برؤيا من رأى من يقول له في المنام وكان متمتعا عمرة متقبلة وحجة متقبلة ففرح بذلك ابن عباس لكونه صدق ما كان يقوله من أن المتعة هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أمر بها أمته، فمثل هذا يذكر على وجه الاستئناس لا على وجه الإنشاء والاستدلال والاستقلال في إثبات الفضائل، فهذه الكلمة فضيلتها ثابتة ومعلومة ولا شك أنها تضمحل معها السيئات والذنوب إذا قالت صدقا وإخلاصا كانت منبعثة من قلب موقن بها ليس فقط قول اللسان المجرد عن عقد القلب كما تقدم فإنه إذا قالها صادقا يتبدد بذلك كل ذنب وخطيئة. المقدم: جزا الله الشيخ خير الجزاء على ما قدم، ونسأله سبحانه أن يتقبل منا صالح الأعمال، وتابعوا معنا شرح كتاب (تحقيق كلمة الإخلاص) للإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى. ([1]) سورة : النحل (2). ([2]) سورة : النحل (1). ([3]) سورة : النحل (2). ([4]) سورة : الأنعام (94). ([5]) سورة : الأنعام (94). ([6]) سورة : آل عمران (133). ([7]) سورة : آل عمران (131). ([8]) سورة : الأنبياء (25). ([9]) سورة : الأنبياء (25). ([10]) سورة : فاطر (24). ([11]) سورة : النمل (9). ([12]) سورة : طه (14). ([13]) سورة : النساء (163- 164). ([14]) سورة : النساء (164). ([15]) سورة : النساء (164). ([16]) سورة : فاطر (15). ([17]) سورة : إبراهيم (24- 25). ([18]) سورة : هود (114). ([19]) سورة : هود (114).

المشاهدات:4305


المؤلف رحمه الله يبين عظيم إنعام الله تعالى على عباده بهذه الكلمة يقول: [ وهذه الآية أول ما عدد الله من النعم في سورة النحل ]التي تسمى سورة النعم فإن الله تعالى ذكر في هذه السورة النعم بألوانها وأنواعها أجلها وأعظمها ما بدأ به السورة المباركة من ذكر إنزال ﴿الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾([1])، ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾([2])هذا مبدأ السورة، ثم قال في ذكر أول ما من الله به على عباده من النعم: ﴿يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ﴾([3])، يقول: [ ولهذا قال ابن عيينة: ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله ]، صدق رحمه الله هذه الكلمة هي أعظم النعم؛ لأنها النعمة الدائمة الثابتة الباقية التي لا تزول، نعمة المال والولد والجاه والسلطان كل ذلك يزول ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾([4])الجاه والمال والولد والسلطان وكل ذلك وراء ظهرك تأتي يوم القيامة ليس معك شيء من ذلك بالكلية ما معك إلا ما يكون من العمل الصالح ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾([5])، فالله جل وعلا أخبر عن انقطاع كل نعيم من نعيم الدنيا وأخبر عن خلو الإنسان منه إلا هذا النعيم الذي هو طاعة الله تعالى وتوحيده فإنه ممتد مع الإنسان يجني ثماره وخيره في الدنيا والآخرة.



يقول: [ وأن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا ]في طيب قلوبهم وانشراحها، وبرد فؤادهم من حرارة ما قد يكون في ذلك اليوم، المقصود: أن أهل الجنة يتنعمون بهذه الكلمة كما يتنعم أهل الدنيا بما يتنعمون به من أنواع المتع وأعظمها الماء البارد على الظمأ.



قال رحمه الله: [ ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب ]، لأجلها لأجل هذه الكلمة أعدت دار الثواب ودار العقاب، فمن قال: لا إله إلا الله فهو من أهل الجنة وله أعدت، ومن كفر بها فإنه من أهل النار وله أعدت، قال الله تعالى: ﴿أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾([6])في الجنة وقال في النار: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾([7])، والمتقون هم الذين لزموا كلمة التقوى وحققوا معناها.



قال: [ ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد ]، فالله تعالى أمر الرسل بالجهاد بهذه الكلمة، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم متضافرة في بيان ((أنه أمر أن يقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله))وهذا في الصحيحين من حديث أنس ومن حديث جابر ومن حديث ابن عمر وابن مسعود وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم وحديث أبي هريرة: ((أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن يقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله))، وعلى هذا قاتل الناس صلى الله عليه وسلم بعد أن أمر بالقتال حتى استقر الأمر على هذا التوحيد وهذه الكلمة وثبتت.



قال: [ فمن قالها عصم ماله ودمه ]نعم من قالها جنا في الدنيا فضلها بأن يعصم ماله ودمه فمن قال هذه الكلمة ولو قالها نفاقاً يعصم ماله ودمه ولكنه لا ينتفع بها النفع التام الكامل حتى يقولها صادقاً من قلبه، [ ومن أباها فماله ودمه هدر ]ما لم يكن بينه وبين أهل الإسلام أمان فهذا يخرج عن الأصل، وإلا في الأصل أن هذه الكلمة تعصم ما لم يكن هناك ما يوجب العصمة مما أقرته الشريعة وجاءت به.



قال رحمه الله: [ وهي مفتاح الجنة ]أي: هذه الكلمة مفتاح الجنة، وتقدم هذا في حديث ذكر المؤلف رحمه الله أنه منقطع وهو حديث شهر عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مفتاح الجنة: لا إله إلا الله))والحديث فيه ضعف لكن المعنى صحيح؛ لأن هذه الكلمة من قالها فتحت له الجنة؛ لأنه قد حقق عبودية الله جل وعلا وما أمر به، ولكن هي مفتاح له أسنان كما تقدم في كلام المؤلف رحمه الله فيما نقله عن الحسن البصري وعن وهب بن منبه وعن غيرهم.



ثم قال: [ ومفتاحه دعوة الرسل ]ومفتاح دعوة الرسل أي: هي ما يفتتح به الرسل دعوتهم، دليل ذلك ما تقدم في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾([8])، فكل الرسل جاءوا قومهم بالدعوة إلى هذه الكلمة، وإلى هذا التوحيد، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾([9])، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ﴾([10])وهذا النذير ينذرهم الشرك ويأمرهم بالتوحيد، وإذا قرأت ما قصه الله تعالى عن الرسل كلهم جاءوا أقوامهم أن اتقوا الله وأطيعوه، يأمرون أقوامهم بعبادة الله تعالى وطاعته وتقواه جل وعلا، وهذا ما أشار إليه المؤلف رحمه الله في قوله: [ مفتاح دعوة الرسل ]، أما خاتم النبيين فهو صلى الله عليه وسلم كان يدعو الناس إلى هذه الكلمة كلمة لا إله إلا الله ويقول للناس: ((قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا))كما في المسند.



وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي معبد عن ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن قال له: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله))وهذا يبين أن مفتاح دعوة الرسل هو الدعوة إلى هذه الكلمة المباركة. نعم.



[ وبها كلم الله موسى كفاحاً.



وفي مسند البزار وغيره عن عياض الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لا إله إلا الله كلمة حق على الله كريمة ولها من الله مكان وهي كلمة من قالها صادقاً أدخله الله بها الجنة، ومن قالها كاذباً حقنت دمه وأحرزت ماله، ولقي الله غداً فحاسبه، وهي مفتاح الجنة كما تقدم)).



وهي ثمن الجنة. قاله الحسن: وجاء مرفوعاً من وجوه ضعيفة: ((ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة، وهي نجاة من النار)).



((وسمع النبي صلى الله عليه وسلم مؤذناً يقول: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: خرج من النار)) خرجه مسلم ].



يقول رحمه الله: [ وبها كلم الله موسى كفاحاً ]، [ بها ]أي: بهذه الكلمة كلم الله تعالى موسى [ كفاحاً ]أي: مواجهة، كفاح يطلق بمعنى المواجهة والمقابلة والمقصود: أنه كلمه جل وعلا من غير حجاب وذلك في أول إرساله موسى عليه السلام فإن الله جل وعلا نادى موسى فقال: ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾([11])، وفي سورة طه قال: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾([12])، فهذا من مراد المؤلف رحمه الله في قوله: [ وبها كلم الله موسى كفاحاً ]، وموسى تميز عن سائر الرسل بأنه كليم الله وذلك أن الله تعالى ابتدأ الإرسال إليه بالتكليم المباشر لا بواسطة رسول فلذلك يسمى كليم الله؛ لأنه ابتدأ الإرسال إليه والإيحاء إليه بالتكليم مباشرة؛ ولأن له من الكلام مع كلام الله تعالى ما لم يكن لغيره من الرسل قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ﴾([13])ثم قال: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾([14])، فذكر الله الإيحاء إلى هؤلاء الرسل جميعاً على اختلاف منازلهم ومراتبهم ثم ذكر الإيحاء الخاص الذي تميز به موسى فقال: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾([15])، وكلمه الله جل وعلا بهذه الكلمة العظيمة المباركة.



المؤلف رحمه الله ذكر من فضائل هذه الكلمة ما رواه البزار في مسنده من حديث عياض الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن لا إله إلا الله كلمة حق على الله كريمة ولها من الله مكان وهي كلمة من قالها صادقاً أدخله الله بها الجنة، ومن قالها كاذباً حقنت دمه وأحرزت ماله، ولقي الله غداً فحاسبه))هذه كأنها استدلال لبعض ما تقدم من الفضائل، هذا الحديث في إسناده اختلاف ولكن المؤلف كما ذكرت يستدل بمثل هذه الأحاديث في باب الفضائل وتجوز لأن الأمر في ذلك سهل كما تقدم في مسألة الاستشهاد بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال.



قال رحمه الله: [ وهي مفتاح الجنة كما تقدم ]عاد المؤلف رحمه الله هذه الفضيلة لعلها تمهيد لما بعدها وقد تقدم الحديث الوارد في هذا وذكرنا أن الحديث كما ذكر المؤلف رحمه الله حديث منقطع وإن كان المعنى صحيح. نعم.



[ وهي ثمن الجنة ]ثمن الجنة أي: العوض الذي جعله الله تعالى في مقابل الفوز بالجنة، والثمن هنا لا يلزم المقابلة التامة والمعاوضة إنما المقصود: أنه لا يدخل الجنة إلا بها وإلا فإن دخول الجنة برحمة الله تعالى كما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((واعلموا أن أحداً منكم لن يدخل الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا))ومعلوم أن من العمل قول: لا إله إلا الله، لكن مقصود المؤلف بالثمن هنا: أنها السبب الذي به يحوز الإنسان هذه الفضيلة ويدرك هذا الأجر العظيم، لكن لا يستقل دون رحمة الله السابقة اللاحقة كما هو معلوم.



قال رحمه الله: [ قاله الحسن وجاء مرفوعاً ]أي: قال هذا الوصف في هذه الكلمة الحسن، [ وجاء مرفوعاً من وجوه ضعيفة ]أي: وصفها بأنها ثمن الجنة ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة، وهذا جاء من طرق عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة))، وفي صحيح الإمام مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لقنوا موتاكم لا إله إلا الله))وهذا يدل على استحباب ختم العمل بها فإن ختم العمل بها فضيلة كبرى يرجى أن يتحقق له ما جاء به الحديث عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)).



 ثم قال المؤلف رحمه الله في بيان فضيلة هذه الكلمة قال: [ وهي نجاة من النار ]أي: سلامة، والنجاة هنا تشمل السلامة الدائمة فإن هذه الكلمة نجاة من النار ينجي الله تعالى بها أهلها كما قال المؤلف رحمه الله: [ ((وسمع النبي صلى الله عليه وسلم مؤذناً يقول: أشهد أن لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خرج من النار)) ]أي: بهذه الكلمة خرج من النار، وهذا الحديث رواه الإمام مسلم من الحديث الثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع مؤذناً يؤذن فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله قال النبي صلى الله عليه وسلم: خرجت من النار))، والخروج هنا يصدق عليه الخروج الذي يحصل به النجاة التامة دون أن يمسه من عذاب النار شيء وهذا في حق من كمل حقوق هذه الكلمة، ويشمل من يعذب بالنار عذاباً ثم ينجيه الله تعالى كما تقدم فيما رواه البخاري ومسلم في حديث الشفاعة في حديث أنس: ((أن الله تعالى يقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله))وهذا يصدق ما ذكره المؤلف رحمه الله هنا في فضيلة هذه الكلمة [ أنها نجاة من النار ]؛ لأن الله جل وعلا أقسم بأربع صفات من صفاته سبحانه وبحمده على إخراج من قال هذه الكلمة: ((وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله))، ثم قال رحمه الله في تتمة الفضائل..



[ وهي توجب المغفرة.



في المسند عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً: ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله فرفعنا أيدينا ساعة ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال: الحمد لله اللهم بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني بها الجنة وإنك لا تخلف الميعاد. ثم قال: أبشروا فإن الله قد غفر لكم)).



وهي أحسن الحسنات.



قال أبو ذر: ((قلت: يا رسول الله! كلمني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها عشر أمثالها. قلت: يا رسول الله! لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال: هي أحسن الحسنات، وهي تمحو الذنوب والخطايا)).



وفي سنن ابن ماجة عن أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا إله إلا الله لا تترك ذنباً ولا يسبقها عمل)).



روي بعض السلف: ((بعد موته في المنام فسئل عن حاله فقال: ما أبقت لا إله إلا الله شيئاً)) ].



هذه الفضائل قال المؤلف رحمه الله في أولها: [ وهي توجب المغفرة ]توجب أي: تثبت من الوجوب وهو الثبوت، والمغفرة المقصود بها: التجاوز عن الذنوب والستر فإن المغفرة تتضمن هاتين الفضيلتين، فهذه الكلمة تغفر لصاحبها بستر ذنبه وتجاوز الله تعالى عنه فيستره الله تعالى فلا يفضحه، ويتجاوز عنه فلا يؤاخذه، وذكر لذلك في المسند عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوماً ارفعوا أيديكم))الرفع هنا فيما يظهر على صفة الدعاء رفع الداعي هكذا كما يرفع الداعي يديه ((وقولوا: لا إله إلا الله))، ولا إله إلا الله ذكر ودعاء؛ لأنها كلمة يعظم الله تعالى بها، ومن الدعاء ما يكون تعظيماً للمدعو دون ذكر السؤال.



أأذكر حاجتي أم قد كفاني     حباؤك إن شيمتك الحباء



أي: العطاء، وفي بعض روايات هذا البيت: حياؤك إن شيمتك الحياء.



فالعبد إذا ذكر الله جل وعلا واشتغل بذكره عن مسألته كان له ما أمل من السؤال وهذا من فضل الله وإحسانه وهو معنى الحديث الذي في إسناده بعض الضعف: ((من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته خير ما أعطي السائلين))يعني: من اشتغل بالثناء عليه والمدح وذكر صفة الكمال والتعظيم والتنزيه لرب العالمين واشتغل بهذا عن أن يذكر حاجته فإن الله تعالى يعطيه مسألته بل يعطيه عطاء واسعاً، فإن الله جل وعلا يحب المدح؛ لأنه المستحق له سبحانه وبمحمده لا لحاجته فهو الغني الحميد سبحانه وبحمده ليس بحاجة إلى حمدنا ولا ثنائنا ولا عبادتنا إنما نحن الفقراء إليه ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾([16])، النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بأن يرفعوا أيديهم وأن يقولوا هذه الكلمة: لا إله إلا الله ويكرروا هذه الكلمة لا إله إلا الله لأنه قال: ((فرفعنا أيدينا ساعة))والساعة هنا هي البرهة من الزمن لا يلزم أن تكون على عد ساعات دقائق اليوم لكن المقصود بها مدة من الزمن، ((ثم وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال: الحمد لله، اللهم بعثتني بهذه الكلمة وأمرتني بها ووعدتني بها الجنة وإنك لا تخلف الميعاد. ثم قال: أبشروا فإن الله قد غفر لكم))، وهذا وجه الاستدلال حيث إنه جعل المغفرة عقيب قول هذه الكلمة، أو رتب المغفرة على قول هذه الكلمة من أصحابه رضي الله عنه، وهذا الحديث أخرجه أحمد وغيره لكن في إسناده ضعفاً فهو من رواية راشد بن داود عن يعلى بن شداد عن أبيه وراشد فيه كلام للأئمة ينزل به عن درجة القبول لكن كما ذكرت المؤلف رحمه الله تسامح في هذا فيذكر الأحاديث في الفضائل وفضل الله واسع ].



قال رحمه الله: [ وهي أحسن الحسنات ]الحسنات جمع حسنة، والحسنة هي ما يسر المرء في الدنيا أو في الآخرة، فأحسن الحسنات أحسن ما يسر به العبد في الدنيا وفي الآخرة هو قول هذه الكلمة العظيمة المباركة: لا إله إلا الله، فإنها في الدنيا تشرح الصدر، ويدرك بها العبد ألواناً من الفضائل التي تقدمت وستأتي، وفي الآخرة هي مفتاح السعادة ومفتاح الأجر والثواب عند الله تعالى ولذلك كانت أحسن الحسنات وقد ذكر الله تعالى فضل هذه الكلمة وأن فضلها لا ينقطع كما قال تعالى: ﴿مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾([17])أي: يجني صاحبها ثمارها على امتداد الوقت، ولا ينقطع ثمرها في الدنيا ولا في الآخرة، ومما يدل على أنها أحسن الحسنات: أن الله تعالى أرسل الرسل جميعاً بالدعوة إليها، وجعلها مفتاح دعوة الرسل، وجعلها سبباً للخروج من النار، فالأدلة على أنها أحسن الحسنات كثيرة المؤلف ذكر حديث أبي ذر والحديث فيه ضعف لجهالة بعض رواته لكنه من حيث المعنى صحيح؛ لأن هذه الكلمة لا تبقي ذنباً لمن قالها صادقاً من قلبه، ولذلك من قالها صادقاً من قلبه حرمه الله على النار دلت عليه الأحاديث الصحيحة.



[ قال أبو ذر: ((قلت: يا رسول الله! كلمني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها عشر أمثالها)) ]وهذا مما جاء به الحديث: ((أتبع السيئة الحسنة تمحها))بل أمر الله تعالى به في قوله: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾([18]﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾([19])، فأمر تعالى بالحسنات والطاعات وأخبر بأن الحسنة تذهب السيئة. [ ((قلت: يا رسول الله! لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال: هي أحسن الحسنات)) ]أي: هي أعظم الحسنات في محو الذنوب وإزالتها. [ ((وهي تمحو الذنوب والخطايا)) ]أي: تزيلها وتضمحل معها كل خطيئة مهما عظمت، والذنوب والخطايا شيء واحد فالذنوب والخطايا هذا من باب عطف المترادف، وقد يقال: إن الخطايا هي الذنوب الكبار فيكون هذا من عطف الخاص على العام.



[ وفي سنن ابن ماجة عن أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا إله إلا الله لا تترك ذنباً ولا يسبقها عمل)) ]وهذا الحديث فيه ضعف؛ لأنه من رواية زكريا بن منظور عن محمد بن عقبة عن أم هانئ وزكريا ضعيف.



[ روي بعض السلف: ((بعد موته في المنام فسئل عن حاله فقال: ما أبقت لا إله إلا الله شيئاً)) ]أي: من الذنوب والخطايا، ومثل هذا يقال ويذكر في كلام أهل العلم على وجه الاستئناس وإلا فإن الرؤى والمنامات ليست مصدراً للتشريع ولا لإثبات الفضائل إنما يذكر هذا في كلام أهل العلم على وجه الاستئناس والتنشيط ومثل هذا لا حرج فيه وبعض الناس يشدد في هذا ويقول: هذا مسلك صوفي وليس بسديد، لا شك أن الصوفية يعتمدون المنامات في إثبات الشرائع والفضائل وهذا خطأ، لكن لو أن أحداً استأنس بمثل هذا على صحة أو على خبر جاء في الكتاب والسنة فإنه لا بأس به ومنه ما جرى من ابن عباس رضي الله عنه في الاستئناس برؤيا من رأى من يقول له في المنام وكان متمتعاً عمرة متقبلة وحجة متقبلة ففرح بذلك ابن عباس لكونه صدق ما كان يقوله من أن المتعة هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أمر بها أمته، فمثل هذا يذكر على وجه الاستئناس لا على وجه الإنشاء والاستدلال والاستقلال في إثبات الفضائل، فهذه الكلمة فضيلتها ثابتة ومعلومة ولا شك أنها تضمحل معها السيئات والذنوب إذا قالت صدقاً وإخلاصاً كانت منبعثة من قلب موقنٍ بها ليس فقط قول اللسان المجرد عن عقد القلب كما تقدم فإنه إذا قالها صادقاً يتبدد بذلك كل ذنب وخطيئة.



المقدم: جزا الله الشيخ خير الجزاء على ما قدم، ونسأله سبحانه أن يتقبل منا صالح الأعمال، وتابعوا معنا شرح كتاب (تحقيق كلمة الإخلاص) للإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى.









([1]) سورة : النحل (2).




([2]) سورة : النحل (1).




([3]) سورة : النحل (2).




([4]) سورة : الأنعام (94).




([5]) سورة : الأنعام (94).




([6]) سورة : آل عمران (133).




([7]) سورة : آل عمران (131).




([8]) سورة : الأنبياء (25).




([9]) سورة : الأنبياء (25).




([10]) سورة : فاطر (24).




([11]) سورة : النمل (9).




([12]) سورة : طه (14).




([13]) سورة : النساء (163- 164).




([14]) سورة : النساء (164).




([15]) سورة : النساء (164).




([16]) سورة : فاطر (15).




([17]) سورة : إبراهيم (24- 25).




([18]) سورة : هود (114).




([19]) سورة : هود (114).

الاكثر مشاهدة

1. خطبة : أهمية الدعاء ( عدد المشاهدات85992 )
3. خطبة: التقوى ( عدد المشاهدات80483 )
4. خطبة: حسن الخلق ( عدد المشاهدات74769 )
6. خطبة: بمناسبة تأخر نزول المطر ( عدد المشاهدات61838 )
7. خطبة: آفات اللسان - الغيبة ( عدد المشاهدات56369 )
9. خطبة: صلاح القلوب ( عدد المشاهدات53357 )
12. خطبة:بر الوالدين ( عدد المشاهدات50922 )
13. فما ظنكم برب العالمين ( عدد المشاهدات50647 )
14. خطبة: حق الجار ( عدد المشاهدات46030 )
15. خطبة : الإسراف والتبذير ( عدد المشاهدات45575 )

التعليقات


×

هل ترغب فعلا بحذف المواد التي تمت زيارتها ؟؟

نعم؛ حذف