لأنها أول الواجبات وهي آخر المندوبات حيث إن الله تعالى ندب إلى تذكير الميت هذه الكلمة حتى يختم له بها ووعده على ذلك كما في حديث معاذ الأجر العظيم والثواب الكبير: ((من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)). ثم قال رحمه الله..
(وهي أفضل ما قاله النبيون كما ورد ذلك في دعاء يوم عرفة. وهي أفضل الذكر كما في حديث جابر المرفوع: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله)).
وعن ابن عباس قال: ((أحب كلمة إلى الله تعالى لا إله إلا الله، لا يقبل الله عملاً إلا بها)) ).
طيب يقول رحمه الله: (وهي أفضل ما قاله النبيون)أفضل ما قاله النبيون ولا ريب أنها أفضل ما قاله النبيون؛ لأنها دعوتهم قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾([1])، فهي دعوة الرسل التي تواطئوا عليها واجتمعوا عليها، واتفقت كلمتهم فيها، فهي أعظم ما قالوه، وأجل ما دعوا إليه، وهي الكلمة التي أوصى بها نوح ابنه وجعلها إبراهيم عليه السلام في عقبه كما قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾([2])، فهي الكلمة التي ورثها الأنبياء أقوامهم وأوصوا بها أممهم، فهي أفضل ما قالوه وقد جاء ذلك فيما رواه أحمد وغيره من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))، وهذا الحديث حديث دعاء بتقييده في عرفة: ((أفضل ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله))حديث من جهة الإسناد فيه بعض الضعف ولكنه من جهة المعنى: خير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله هذا أمثل من التقييد بيوم عرفة، يعني الحديث جاء على وجهين: جاء ((خير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير))، وفي بعض الروايات: ((أفضل الدعاء دعاء عرفة وهو أفضل ما قلت أنا والنبيون قبلي –يعني في يوم عرفة- لا إله إلا الله وحده لا شريك له))، ويمكن أن يقول على وجه الإطلاق، وعلى كل حال ليس الأحاديث الواردة في ذلك فيها بعض الضعف وقد صححها جماعة من العلماء والذي يظهر أنه لا يثبت في ذلك خصوص يوم عرفة حديث وإن الأحاديث الواردة في ذلك فيها ضعف، وهي دعاء؛ لأنها تستجلب بها الرحمات، وتستنزل بها المنن والمنح والعطايا من رب الأرض والسموات، ولذلك لا يستغرب أن يقتصر عليها الداعي فإن الداعي إذا اقتصر على لا إله إلا الله فإنه سائل الله جل وعلا ومتعرض لرحمته وفضله وإحسانه وعطائه ومنحه سبحانه وبحمده، فهي دعاء وهي ذكر كما تقدم في قول موسى عليه السلام لله عز وجل: ((علمني دعاء أدعوك وأذكرك به)).
يقول رحمه الله: (وهي أفضل الذكر كما في حديث جابر المرفوع: ((أفضل الذكر: لا إله إلا الله))، أفضل الذكر من حيث المعنى وأفضل الذكر من حيث الثواب والأجر، فمن حيث المعنى لأنه يحقق أعظم المعاني وهو إفراد الله جل وعلا بالعبودية، وكذلك من حيث العطاء والأجر فإن أجر هذه الكلمة لا يعدله شيء كما تقدم طائفة من الأحاديث في فضل هذه الكلمة وعظيم أجرها وسعة عطاء الله تعالى لقائلها صدقاً وإيماناً، فهذا الحديث حديث من حيث المعنى صحيح وإن كان إسناده لا يخلو من بعض الضعف ففي رواته طلحة بن خراش وقد تكلم فيه جماعة من أهل العلم وهو الراوي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه راوي الحديث، ولكن المعنى مستقيم واضح وبين وتشهد له النصوص الكثيرة: ((أن أفضل الذكر لا إله إلا الله)).
(وعن ابن عباس قال: ((أحب كلمة إلى الله: لا إله إلا الله لا يقبل الله عملاً إلا بها)) )وهذا صحيح أحب الكلام إلى الله تعالى هذه الكلمة التي أمر الله تعالى بها الأولين والآخرين، وبعث الرسل جميعاً لتقريرها والدعوة إليها، بل خلق الجن والإنس لتحقيقها كما قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([3])، فهي دلائل أنها أحب كلمة إلى الله تعالى كثيرة ولعل هذا من استنباط ابن عباس رضي الله عنه فإن هذا يمكن أن يدخله الرأي وليس مما لا يقال: إلا بالأثر لكن مجموع الأدلة الواردة في فضائل هذه الكلمة وحقوقها ومنزلتها تبين أنها أحب الكلام إلى الله جل وعلا.
وقوله: (( (لا يقبل الله بها عملاً)) )هذا صحيح؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يقبل عملاً إلا إذا كان خالصاً وهذا معنى لا إله إلا الله، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾([4])، وقال جل وعلا: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾([5])، وقال الله جل وعلا: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾([6])، وقال سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾([7])، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾([8])، كل هذه الأدلة وغيرها كثير دال على أنه لابد في العمل من أن يكون مصاحباً بالتوحيد والإخلاص لله جل وعلا، فالعمل الخالي من التوحيد لا ينفع صاحبه، ولا ترتفع به درجته، ولا يدرك به القبول من رب العالمين، فدلائل قول ابن عباس رضي الله عنه كثيرة، وهذه الكلمة ذكر؛ لأنها مما يذكر به الله جل وعلا وهي أيضاً دعاء كما تقدم في الفضيلة السابقة وغيرها، نعم.
(وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفاً، وتعدل عتق الرقاب، وتكون حرزاً من الشيطان.
وكما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك)).
وفيهما أيضاً عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل)).
وفي الترمذي عن ابن عمر مرفوعاً: ((من قالها إذا دخل السوق وزاد فيها: يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع الله له ألف ألف درجة)). وفي رواية: ((ويبنى له بيت في الجنة)).
ومن فضائلها: أنها أمان من وحشة القبر وهول الحشر كما في المسند وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله قد قاموا ينفضون التراب عن رءوسهم ويقولون: وقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور)).
وفي حديث مرسل: ((من قال: لا إله إلا الله الملك الحق المبين كل يوم مائة مرة كانت له أماناً من الفقر وأنسا من وحشة القبر واستجلب الغنى واستقرع باب الجنة)) ).
هذه الفضائل يقول فيها المؤلف رحمه الله: (وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفاً)، أفضل الأعمال الأعمال هنا يشمل ما يكون بالقلب والجوارح واللسان، ومقصوده: أفضل الأعمال التي يجتمع فيها القول والعقد فإن لا إله إلا الله أفضل الأعمال هي أول المطلوبات وآخر المطلوبات وفضلها ثابت بين في الأحاديث الكثيرة.
(وأكثرها تضعيفاً)أي: أكثرها مضاعفة للأجور وتكراراً في الثواب ورفعة في الدرجات.
قال: (وتعدل عتق الرقاب)تعدل أي: تقوم مقام عدل الرقاب، والرقاب وعتقها من الأعمال الفاضلة الشريفة التي ندب إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجاء الحث عليها في أحاديث عديدة، هذه الكلمة على وجازتها ويسرها تعدل عتق الرقاب أي: تقابل وتقوم مقام عتق الرقاب والرقاب هنا هي كل ما يندب عتقه من رقاب الأرقاء (وتكون حرزاً من الشيطان)، حرزاً أي: حصناً وحماية وحفظاً من الشيطان، والشيطان هنا اسم جنس يصدق على الشيطان الأكبر وعلى جنوده من أتباعه وذريته فإنه مما يحرز الإنسان بها نفسه من الشيطان، والشيطان عدو مبين عدو مرسل قاعد على الصراط يدعو إلى الشر ويحث على الفساد ويصد عن سبيل الله تعالى، يحتاج الإنسان إلى أن يحرز نفسه منه وهذه الكلمة مما يحرز الإنسان بها نفسه من كيد الشيطان.
يقول: (وكما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة)) )وهذا يصدق على قولها في أول اليوم وفي آخره، واليوم ابتداؤه من طلوع الفجر وينتهي بغروب الشمس، ويدل هذا أن وقت قول هذه الكلمة من أول الوقت من أول اليوم من طلوع الفجر يبتدئ قول هذه الكلمة، وكلما بادر الإنسان إلى قولها كلما حصل الحرز المذكور في قوله: ((وكانت حرزاً له من الشيطان))، والإنسان محتاج إلى التحرز من الشيطان، فإذا بادر إلى قولها من أول النهار حفظ من كيد الشيطان من أول نهاره. ((في يوم مائة مرة))هذا من حيث العدد (مائة مرة) أي: يكررها بأن يقولها مائة مرة ((كانت له عدل عشر رقاب، وكتب مائة حسنة، ومحي عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر مما ذلك))أي: عمل أكثر من هذا العمل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن يقول: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة))، انظر إلى الفضائل المذكورة في هذا ((كانت له عدل عشر رقاب))أي: كما لو أعتق عشر رقاب في الأجر والمثوبة، وبهذا يتبين أن كل عشر تهليلات عدل رقبة، ((وكتب له مائة حسنة، ومحي عنه مائة سيئة))قد يقول القائل: الحسنة هنا قليل مقابل عظيم هذا القول لكن نقول: الحسنات متفاوتة، الحسنات ليست على درجة واحدة إنما هي متفاوتة تفاوتاً عظيماً، فحسنة لا إله إلا الله ليست كسائر الحسنات بل هي في العظم والكبر والثقل في الميزان أعظم من غيرها من الحسنات، فلا يستقل المؤمن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وكتب له مائة حسنة))بأنها يسيرة بل هي من الحسنات العظيمة ((ومحي عنه مائة سيئة))ثم قال: ((وكانت له حرزاً من الشيطان))أي: حفظاً وصيانة من الشيطان وكيده ووسوسته وتسلطه وأذاه، والشيطان له على الإنسان تسلط وأذى متنوع ليس على صورة واحدة ولا على نوع واحد، فلذلك ينبغي للمؤمن أن يحرص على مثل هذا الذكر، وقد جاء في بعض الأحاديث أنه يقولها أيضاً في المساء لكن الذي في الصحيحين أنه يقولها في الصباح وأنها حرز إلى المساء وهذا يشعر بأنه يحتاج إلى حرز في المساء ويشهد برواية: ((ومن قالها في ليلة كانت له حرزاً من الشيطان حتى يصبح)).
قال: ((ولم يأت أحداً بأفضل مما جاء به))يعني: من العمل ((إلا أحد عمل أكثر من ذلك العمل))يعني: قال مثل هذا القول وزاد عليه، نعم.
ثم قال: (وفيهما عن أبي الأنصاري رضي الله عنه: ((من قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل)) )من قالها عشر مرات أي: من قال: لا إله إلا الله سواء كان ذلك في صباح أو في مساء أو في قيام أو في قعود في صلاة أو في غيرها ((كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل))أي: من أولاد إسماعيل عليه السلام، وهذا فيه أن هذه الكلمة فيها هذا الأجر، وقد يقول القائل: كيف والحديث هناك يقول: ((من قالها مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب))وهنا العشر ((كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل))؟
الجواب على الاختلاف: أن الأجور ليست من باب القياس، الأجور لا يدخلها القياس إنما هي مما يوقف فيه على النص هذا أولاً، فلا نقول: إذا كانت المائة تعدل عشر فكيف تعدل عشر مرات أربعة رقاب؟ مقتضى هذا أن تكون المائة تعدل كم؟ تعدل أربعين في كل عشرة أربعة وفي مائة أربعون والذي ورد أنها عشر رقاب فنقول: هذا من الأجر الذي لا يدخله القياس ولكن يمكن أن يقال: إن هذا في الفرق بين تلك الكلمة وفي الفرق بين القائلين فمن القائلين من يكون مستحضراً معناها فيبلغ هذا العدد في العشر ومنهم من يقصر في التدبر والتأمل لمعناها فلا ينال إلا في العشر رقبة واحدة، ولكن الأولى في الجواب أن يقال: تلك الفضائل لا يجري فيها باب القياس بل يكون ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في العشر خاص بها وما ذكره في المائة خاص بها وفضل الله واسع.
وأما الحديث الأخير الذي ذكره رحمه الله في الفضائل في هذه الفضيلة وهو ما يتعلق بقول هذه الكلمة عند دخول السوق وهذا الدعاء مشهور بدعاء السوق وقد طال الكلام فيه من حيث ثبوته فمن أهل العلم من يثبته ومنهم من يضعفه، والذي عليه المحققون أن هذا الحديث لا يصح لاضطرابه وضعفه، ولكن لو أن الإنسان قاله على وجه ذكر الله تعالى فإنه يدخل في ما تكلم عنه العلماء من الاحتجاج بالضعيف في فضائل الأعمال.
(ومن فضائلها)أي: هذه الكلمة قول: لا إله إلا الله (أمان من وحشة القبر وهول الحشر)أمان أي: سبب لحصول الأمن، والأمن ضد الخوف، والمقصود: أن قائلها الصادق في قولها موعود بألا يخاف قال الله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([9])، وقال جل وعلا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾([10])فالآيات الدالة على تأمين محقق وقائل هذه الكلمة كثيرة جداً والنصوص في ذلك متواترة منها ما ذكرنا وما ذكره المؤلف رحمه الله في هذا الحديث هو من جملة ما دلت عليه النصوص، فالمعنى ليس بغريب ولكن الحديث من حيث الإسناد حديث فيه ضعف فهو من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر و عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف في الرواية، ولذلك ضعف الأئمة هذا الحديث والفضل المذكور ثابت بغيره، فإن الله جل وعلا ذكر تنزل الملائكة على المؤمن في سياق موته، وذكر أن أولياء الله تعالى (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، وذكر جل وعلا حال المتقين أن لهم مفازاً وأنهم لا يخافون في المحشر ولا في يوم القيامة، وهذا يحقق ما ذكره المؤلف رحمه الله من الأمان من وحشة القبر وهول الحشر، والقبر الموحش فيه هو ما يوقع فيه من العذاب وما يكون فيه من البلاء، فإن أهل القبور في نعيم أو في عذاب، وأهل لا إله إلا الله سالمون من العذاب إذا كانوا صادقين في قولها محققين لحقوقها، والحديث الآخر الحديث المرسل: ((من قال: لا إله إلا الله الملك الحق المبين كل يوم مائة مرة كانت له أماناً من الفقر وأنساً من وحشة القبر واستجلبت له الغنى واستقرعت له باب الجنة))هذا الحديث لا يصح فهو حديث ضعيف الإسناد وعلى أنه مرسل فهو أيضاً ضعيف مع إرساله، ويكفي في الفضائل ما تقدم من الأحاديث، نعم.
(وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من القبور.
قال النضر بن عربي: بلغني أن الناس إذا قاموا من قبورهم كان شعارهم لا إله إلا الله.
وقد خرج الطبراني حديثاً مرفوعاً: ((إن شعار هذه الأمة على الصراط: لا إله إلا أنت)).
ومن فضائلها: أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء. كما في حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أتى بالشهادتين بعد الوضوء، وقد خرجه مسلم.
وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء)).
وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة منامه الطويل وفيه قال: ((ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فأغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله فتحت له الأبواب وأدخلته الجنة)) ).
يقول رحمه الله: (من فضائلها: أنها شعار المؤمنين إذا قاموا من قبورهم)شعار الشعار هو العلامة، والعلامة قد تكون علامة تميزهم في منظرهم وقد تكون علامة تميزهم في قولهم وكلامهم، ومن ذلك قول أصحاب السير: كان شعار الصحابة في بعض غزواتهم: منصور أمت أمت، فالمقصود بالشعار هو ما يكون علامة يعرف بها القول سواء كان ذلك في أقوالهم أو كان ذلك في منظرهم وحالهم، فشعار المؤمنين أي: في أقوالهم وإلا من حيث الصورة فإن الناس في صورتهم يحشرون حفاة عراة غرلا، والذي يميز هذه الأمة عن غيرها مواضع الوضوء والتمييز بلا إله إلا الله إنما هو في القول والكلام.
(قال النضر بن عربي: بلغني أن الناس إذا قاموا من قبورهم كان شعارهم لا إله إلا الله.
وقد خرج الطبراني حديثاً مرفوعاً: ((أن شعار هذه الأمة على الصراط: لا إله إلا أنت)) )، وما بلغ النضر الله أعلم به ليس هناك ما يدل له من النصوص، وأما ما ذكره من حديث الطبراني في أن قول الناس على الصراط: لا إله إلا الله فهو حديث فيه ضعف والذي جاء في الصحيح: ((أن أحداً لا يتكلم على الصراط إلا الأنبياء وأن قولهم على الصراط: اللهم سلم سلم))، وليس فيه أنهم كانوا يقولون: لا إله إلا الله أو أن الناس يتكلمون في هذا المقام.
(ومن فضائلها: أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)وهذا جاء في عدة أحاديث وهو يبين لنا عظيم فضل التوحيد فإن التوحيد من فضائله: أن قائله يدخل الجنة من أي الأبواب شاء بخلاف سائر العمل فإن سائر العمل يكون له أبواب خاصة يدعى منها أهلها فمن الناس من يدعى من باب الصلاة، ومنهم من يدعى من باب الصيام، ومنهم من يدعى من باب الجهاد كما جاء في الصحيحين، وأما التوحيد فإنه يدعى من أي الأبواب شاء، ويدخل من أي الأبواب شاء كما في حديث عمر: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له فيمن أتى بالشهادتين بعد الوضوء))وقد خرجه مسلم وهو في الحديث الذي فيه إصباغ الوضوء وأنه ((من أصبغ الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء))فله خيار الدخول من الأبواب شاء بخلاف سائر العمل فإنه أهل الصلاة يدخلون من بابها، وأهل الصيام يدخلون من بابها.
يقول: (وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه أن الجنة حق والنار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء))، وهذا فيه ما في الحديث السابق من فضيلة هذه الكلمة وأنه يدخل من أي أبواب الجنة شاء، ولقائل يقول: إن هذا الفضل ليس فقط لهذه الكلمة نقول: هذه الكلمة هي الأصل الذي أثبت له هذا الفضل، وما عداه من سائر العقائد المذكورة في هذا الحديث هي تابعة للشهادة لله بالإلهية فإنه لو أتى بتلك العقائد دون أن يشهد لله تعالى بالإلهية لم تنفعه ولم يدرك هذا الفضل وهذا الأجر العظيم والثواب الكبير من رب العالمين).
يقول رحمه الله: (وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة منامه الطويل وفيه قال: ((ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة فأغلقت الأبواب دونه فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله فتحت له الأبواب وأدخلته الجنة)) )وهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو حديث إسناده ضعيف ولكن يغني في تحقق هذا الفضل وتأثير هذه الكلمة في فتح أبواب الجنة الثمانية ما في حديث عمر في صحيح الإمام مسلم وما في حديث عبادة في الصحيحين، نعم.
(ومن فضائلها: أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لابد أن يخرجوا منها.
وفي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله)).
وأخرج الطبراني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أناساً من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم فيقول لهم أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قول: لا إله إلا الله؟ فيغضب الله لهم فيخرجهم من النار فيدخلون الجنة)) ومن كان في سخطه محسناً فكيف يكون إذا ما رضي لا يسوي بين من وحده وإن قصر في حقوق توحيد وبين من أشرك به.
قال بعض السلف: كان إبراهيم عليه السلام يقول: ((اللهم لا تشرك من كان يشرك شيئاً بمن كان لا يشرك بك)).
كان بعض السلف يقول في دعائه: اللهم إنك قلت عن أهل النار: إنهم أقسموا بالله جهد إيمانهم لا يبعث الله من يموت، ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت، اللهم لا تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة.
كان أبو سليمان يقول: إن طالبني ببخلي طالبته بجوده، وإن طالبني بذنوبي طالبته بعفوه، وإن أدخلني النار أخبرت أهل النار أني أحبه.
ما أطيب وصله وما أعذبه وما أثقل هجره وما أصعبه
وفي السخط وفي الرضا ما أهيبه القلب يحبه وإن عذبه
وكان بعض العارفين يبكي طول ليله ويقول: إن تعذبني فإني لك محب، وإن ترحمني فإني لك محب. العارفون يخافون من الحجاب أكثر مما يخافون من العذاب.
قال ذو النون: خوف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لجي. كان بعضهم يقول: إلهي وسيدي ومولاي لو أنك عذبتني بعذابك كله كان ما فاتني من قربك أعظم عندي من العذاب.
قيل لبعضهم: لو طردك ما كنت تفعل؟ فقال:
إذا أنا لم أجد من الحب وصلاً رمت في النار منزلاً ومقيلا
ثم أزعجت أهلها بندائي بكرة في عرصاتها وأصيلا
معشر المشركين نوحوا على من يدعي أنه يحب الجليلا
لم يكن في الذي ادعاه محقاً فجزاه به العذاب الطويلا
إخواني اجتهدوا اليوم في تحقيق التوحيد فإنه لا يوصل إلى الله سواه، واحرصوا على القيام به بحقوقه فإنه لا ينجي من عذاب الله إلا إياه، ما نطق الناطقون إذ نطقوا أحسن من لا إله إلا هو ... تبارك الله ذو الجلال ومن ... أشهد أن لا إله إلا هو ... من لذنوبي ومن يمحصها ... غيرك يا من لا إله إلا هو ... جنان خلد لمن يوحده ... أشهد أن لا إله إلا هو ... نيرانه لا تحرق من ... يشهد أن لا إله إلا هو ... أقولها مخلصاً بلا بخل ... أشهد أن لا إله إلا هو).
لا إله إلا الله، هذه الفضيلة هي آخر ما ذكره المؤلف رحمه الله في هذا الكتاب النافع من الفضائل يقول رحمه الله: (من فضائلها: أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم)أي: بسبب ما يكون من تقصير، (في حقوقها)أي: في حقوق هذه الكلمة العظيمة فإنهم لابد أن يخرجوا منها، قضاء الله تعالى الذي لا راد له ولا معقب لحكمه جل وعلا أن أهل لا إله إلا الله في الجنة وذلك في أهلها الذين أتوا بمعناها وصدقوا بمقتضاها، وإن كان عندهم تقصير أو خطأ أو ضعف أو قصور أو إخلال بشيء من واجباتها وحقوقها لكنهم أتوا بأصلها الذي من أتى به نال السعادة وفاز بها.
وفي الصحيحين عن أنس دليل ما ذكر المؤلف من أن أهلها يخرجون من النار (في الصحيحين عن أنس قال: ((يقول الله عز وجل)) )الحديث حديث إلهي (( (وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله)) )وهذا قسم من رب العالمين والله لا يخلف الميعاد بلا قسم فكيف وقد أكد هذا الخبر بالقسم؟ وهذا فيه: أن أهلها موعودون بالخروج من النار من قال: لا إله إلا الله لكن ذلك في حق من قالها معتقداً معناها.
يقول رحمه الله: (وأخرج الطبراني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن ناساً من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم فيقول لهم عبدة اللات والعزى: ما أغنى عنكم قول: لا إله إلا الله؟ فيغضب الله لهم فيخرجهم من النار فيدخلون الجنة)) )وهذا الحديث صححه بعضهم، وعلى كل حال الحديث فيه فضيلة أهل هذه الكلمة الله أعلم بثبوت مضمونه فإن أهل النار في شغل عن أن يقول مثل هذا فهم في عذاب وبلاء مبين، الله أعلم بمضمون هذا الحديث الحديث صححه بعضهم وإن كان إسناده ضعيفاً صححه بعضهم بشواهده لكن في معناه ما يبقي في النفس شيئاً فإن أهل النار يسعون إلى الفكاك منها ولذلك هم يخاطبون الملائكة ساعة ويرجون خطاب الله ساعة والافتكاك منها فليسوا في مقام لهم مكنة وشغل بغيرهم أن يناظروهم أو يجادلوهم في شيء من أعمالهم.
يقول: (ومن كان في سخطه محسن فكيف يكون إذا ما رضي؟)فالله جل وعلا إذا كان في سخطه وفي غضبه على أهل الإساءة والتقصير لا يغيب إحسانه سبحانه وبحمده بل سبقت رحمته غضبه جل وعلا فكيف في حال رضاه وحال محبته لا شك أن إحسانه متضاعف سبحانه وبحمده. (لا يسوي بين من وحده وإن قصر في حقوق توحيد وبين من أشرك به)ثم ذكر المؤلف رحمه الله طائفة من كلام بعض السلف وكلام بعض العباد فيما يتعلق بدخول النار وأنه لو دخل النار لقال كذا، يقول: (قال بعض السلف: كان إبراهيم عليه السلام يقول: ((اللهم لا تشرك من كان يشرك بك شيئاً بمن كان لا يشرك بك شيئاً)) )يعني لا تشرك أي: لا تجمع بينهم في العذاب ولا تجمع بينهم في المآب والمصير.
(كان بعض السلف يقول في دعائه: اللهم إنك قلت عن أهل النار: إنهم أقسموا بالله جهد إيمانهم لا يبعث الله من يموت، ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت)وهذا فيه الإقرار بربوبية الله جل وعلا، وأنه يبعثهم ليجازيهم على أعمالهم. (اللهم لا تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة).
وذكر ما قاله أبو سليمان وهو من الزهاد أبو سليمان الداراني من العباد المعروفين وقوله رحمه الله من حسن الرجاء والظن بالله تعالى وليس من باب الاغترار بالعمل والإدلال بما يكون إنما هو من التوسل إلى الله تعالى بصفاته، وما ذكره عن المحبين المؤلف إنما ساق ذلك لبيان أن من عذب بالنار ولم يكن صادقاً في توحيده فإنه لا يمكن أن يكون في النار على وجه الدوام إلا من كان كاذباً في دعواه، ثم ذكر الخلاصة التي يريد أن ينبه إليها هو الاجتهاد في تحقيق معنى هذه الكلمة ولذلك قال: (إخواني اجتهدوا اليوم في تحقيق التوحيد فإنه لا ينجي من عذاب الله إلا إياه)إلا التوحيد، (وما نطق الناطقون إذ نطقوا أحسن من لا إله إلا الله)أي: أحسن وأجود من هذه الكلمة، ثم ذكر الأبيات التي فيها إجمال شيء من فضائل هذه الكلمة، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهلها وأن يختم لنا بها، وأن يرزقنا وإياكم العمل على تحقيقها والاجتهاد فيها إنه ولي ذلك والقادر عليه، وبهذا يكون قد انتهى ما أردنا من تعليق على هذا الكتاب النافع الماتع، نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما فيه، وأن يغفر لمؤلفه ويرحمه، وأن يجمعنا وإياه في جنات عدنٍ في مقعد صدق عند مليك مقتدر.