قوله تعالى: {فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ}. الآية. يدل على أنهما رسولان وهما موسى وهارون وقوله تعالى: {فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، يوهم كون الرسول واحد. والجواب من وجهين:
الأول: أن معنى قوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أي كل واحد منا رسول رب العالمين كقول البرجمي: فإني وقياراً بها لغريب.
وإنما ساغ هذا لظهور المراد من سياق الكلام.
الوجه الثاني: أن أصل الرسول مصدر كالقبول والولوع فاستعمل في الاسم فجاز جمعه وتثنيته نظرا إلى كونه بمعنى الوصف وساغ إفراده مع إرادة المثنى أو الجمع نظرا إلى الأصل من كونه مصدرا ومن إطلاق الرسول على غير المفرد قول الشاعر:
ألكنى إليها وخير الرسول *** أعلمهم بنواحي الخبر
يعني وخير الرسل, وإطلاق الرسول مرادا به المصدر كثير ومنه قوله:
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم *** بقول ولا أرسلتهم برسول
يعني برسالة.
قوله تعالى: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}.
قوله تعالى: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا} يقتضي أن المخاطب اثنان وقوله: {يَا مُوسَى} يقتضي أن المخاطب واحد والجواب من ثلاثة أوجه:
الأول: أن فرعون أراد خطاب موسى وحده والمخاطب أن اشترك معه في الكلام غير مخاطب غلب المخاطب على غيره كما لو خاطبت رجلا اشترك معه آخر في شأن والثاني غائب فإنك تقول للحاضر منهما ما بالكما فعلتما كذا والمخاطب واحد وهذا ظاهر.
الوجه الثاني: أنه خاطبهما معا وخص موسى بالنداء لكونه الأصل في الرسالة.
الثالث: أنه خاطبهما معا وخص موسى بالنداء لمطابقة رؤوس الآي مع ظهور المراد ونظير الآية قوله تعالى: {فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} ويجاب عنه بأن المرأة تبع لزوجها وبأن شقاء الكد والعمل يتولاه الرجال أكثر من النساء, وبأن الخطاب لآدم وحده والمرأة ذكرت فيما خوطب به آدم بدليل قوله: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} فهي ذكرت فيما خوطب به آدم؛ والمخاطب عند الله تعالى.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ}. ظاهر هذه الآية أن آدم ناس للعهد بالنهي عن أكل الشجرة؛ لأن الشيطان قاسمه بالله أنه له ناصح حتى دلاه بغرور وأنساه العهد وعليه فهو معذور لا عاص. وقد جاءت آية أخرى تدل على خلاف ذلك وهي قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}.
والجواب عن هذا من وجهين:
الأول: هو ما قدمنا من عدم العذر بالنسيان لغير هذه الأمة.
الثاني: أن نسي بمعنى ترك, والعرب ربما أطلقت النسيان بمعنى الترك ومنه قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ}. الآية. والعلم عند الله تعالى.
(سورة الأنبياء)
قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}. هذه الآية تدل على أن جميع المعبودات مع عابديها في النار.
وقد أشارت آيات أخر إلى أن بعض المعبودين كعيسى والملائكة ليسوا من أهل النار كقوله تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً} الآية, وقوله تعالى: {ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}. الآية.
والجواب من وجهين:
الأول: أن هذه الآية لم تتناول الملائكة ولا عيسى لتعبيره بما الدالة على غير العاقل، وقد أشار تعالى إلى هذا الجواب بقوله: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}، لأنهم لو أنصفوا لما ادعوا دخول العقلاء في لفظ لا يتناولهم لغة.
الثاني: أن الملائكة وعيسى نص الله على إخراجهم من هذا دفعا للتوهم ولهذه الحجة الباطلة بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} الآية, قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}, عبر في هذه الآية الكريمة بلفظ (إنما) وهي تدل على الحصر عند الجمهور وعليه فهي تدل على حصر الوحي في توحيد الألوهية وقد جاءت آيات أخر تدل على أنه أوصى إليه غير ذلك كقوله: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنّ} الآية, وقوله: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}, وقوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الآية.
والجواب أن حصر الوحي في توحيد الألوهية حصر له في أصله الأعظم الذي يرجع إليه جميع الفروع لأن شرائع كل الأنبياء داخلة في ضمن لا إله إلا الله لأن معناها خلع كل الأنداد سوى الله في جميع أنواع العبادات وإفراد الله بجميع أنواع العبادات فيدخل في ذلك جميع الأوامر والنواهي القولية والفعلية والاعتقادية.