(سورة فصلت)
قوله تعالى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْض} إلى قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} تقدم وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} في الكلام على قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} الآية.
قوله تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}.
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن من منافاة هذه الحال وصاحبها لأنها جمع مذكور عاقل وصاحبها ضمير تثنية لغير عاقل ولو طابقت صاحبها في التثنية حسب ما يسبق إلى الذهن لقال: أتينا طائعتين.
والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما - وهو الأظهر عندي - أن جمعه للسموات والأرض لأن السموات سبع والأرضين كذلك بدليل قوله {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} فالتثنية لفظية تحتها أربعة عشر فردا، وأما إتيان الجمع على صيغة جمع العقلاء فلأن العادة في اللغة العربية أنه إذا وصف غير العاقل بصفة تختص بالعاقل أجرى عليه حكمه ومنه قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} لما كان السجود في الظاهر من خواص العقلاء أجرى حكمهم على الشمس والقمر والكواكب لوصفها به، ونظيره، قوله تعالى: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ}.
فأجرى على الأصنام حكم العقلاء لتنزيل الكفار لها منزلتهم، ومن هذا المعنى قول قيس بن الملوح:
أسرب القطا هل من يعير جناحه
… البيت.
فإنه لما طلب الإعارة من القطا وهي من خواص العقلاء أجرى على القطا اللفظ المختص بالعقلاء لذلك، ووجه تذكير الجمع أن السموات والأرض تأنيثها غير حقيقي.
الوجه الثاني: أن المعنى قالتا أتينا بمن فينا طائعين فيكون فيه تغليب العاقل على غيره والأول أظهر عندي والعلم عند الله تعالى.
(سورة الشورى)
قوله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ} الآية، هذه الآية الكريمة تدل على أن الكفار يوم القيامة ينظرون بعيون خفية ضعيفة النظر وقد جاءت آية أخرى يتوهم منها خلاف ذلك وهي قوله تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.
والجواب هو ما ذكره صاحب الإتقان من أن المراد بحدة البصر العلم وقوة المعرفة، قال قطرب: فبصرك أي علمك ومعرفتك بها قوية من قولهم بصر بكذا أي علم وليس المراد رؤية العين، قال الفارسي ويدل على ذلك قوله {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ}.
وقال بعض العلماء: فبصرك اليوم حديد أي تدرك به ما عميت عنه في دار الدنيا ويدل لهذا قوله تعالى: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا} الآية، وقوله: {وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا}الآية، وقوله: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
ودلالة القرآن على هذا الوجه الأخير ظاهرة فلعله هو الأرجح وإن اقتصر صاحب الإتقان على الأول.
(سورة الزخرف)
قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} كلامهم هذا حق لأن كفرهم بمشيئة الله الكونية وقد صرح الله بأنهم كاذبون حيث قال: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ}.
وقد قدمنا الجواب واضحا في سورة الأنعام في الكلام على قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْء} الآية.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} هذا العطف مع التنكير في هذه الآية يتوهم الجاهل منه تعدد الآلهة مع أن الآيات القرآنية مصرحة بأنه واحد كقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} وقوله: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ} الآية.
والجواب- أن معنى الآية أنه تعالى هو معبود أهل السموات والأرض فقوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} أي معبود وحده في السماء كما أنه المعبود بالحق في الأرض سبحانه وتعالى.