بسم الله الرحمن الرحيم
قال رحمه الله تعالى: (لا تَبْلُغُهُ الأَوْهَامُ، وَلا تُدْرِكُهُ الأَفْهَامُ، وَلا يُشْبِهُ الأَنَامَ.
حَيٌّ لا يَمُوتُ، قَيُّومٌلا يَنَامُ. خَالِقٌ بِلا حَاجَةٍ، رَازِقٌ بِلا مَؤونَةٍ([1])، مُمِيتٌ بِلا مَخَافَةٍ، بَاعِثٌ بِلا مَشَقَّةٍ.
مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًاقَبْلَ خَلْقِهِ، لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًالَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ، وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا.
لَيْسَ بَعْدَ خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ "الْخَالِقِ"، وَلا بِإِحْدَاثِ الْبَرِيَّةِ اسْتَفَادَ اسْمَ "الْبَارِي".
لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلا مَرْبُوبَ، وَمَعْنَى الْخَالِقِ وَلا مَخْلُوقَ.
وَكَمَا أَنَّهُ مُحْيِي الْمَوْتَى بَعْدَمَا أَحْيَا اسْتَحَقَّ هٰذا الاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ، كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْخَالِقِ قَبْلَ إِنْشَائِهِمْ.
ذَلِكَبِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ فَقِيرٌ، وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيرٌ، لا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ).
التعليق:
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فقد وقفنا على قول المؤلف رحمه الله: (وَلا يُشْبِهُ الأَنَامَ) أليس كذلك؟ طيب.
قوله رحمه الله: (وَلا يُشْبِهُ الأَنَامَ). هٰذا فيه ما تقدم في قوله: (لا شَيْءَ مِثْلُهُ)، وقد تقدم الكلام على نفي المثلية لله سبحانه وتعالى، وأنه جل وعلا (ليس كمثله شيء)، دلّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع والعقل.
فإن الله سبحانه وتعالى لا مثيل له في ذاته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، ولا مثيل له في أفعاله، ولا مثيل له فيما يجب له.
فقول المؤلف رحمه الله هنا:(لا يُشْبِهُ الأَنَامَ)، تكرار لما تقدم، وهٰذا من المواضع التي كرر فيها المؤلف رحمه الله القول، وسيأتي أيضاً مزيد تكرار -أو تكرير- لهٰذا الأمر.
وقوله: (الأَنَامَ) المراد بهم الناس، الخلق، لا يشبه الأنام، فهو سبحانه وتعالى ليس بينه وبين خلقه مشابهة، والمنفي هنا هو المشابهة.
وإذا نظرنا إلى نصوص الكتاب والسنة لم نجد فيهما ما يدل على نفي المشابهة، إنما الذي في الكتاب والسنة هو نفي المثلية: {ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ([2]). ولذلك ذهب جماعة من المحققين من أهل العلم إلى أن الذي يُنفى عن الله عز وجل هو المثل لا الشبيه، وذلك أنه جل وعلا أخبرنا بصفات عن نفسه، وهٰذه الصفات نحن نعقل معناها ولا ندرك كيفيتها، وإنما نعقل معناها ونفهم معناها؛ لما أدركناه في المشاهدة مما هو شبيه لها.
والمشابهة ليست في ذات الصفة أو في الصفة التي اتصف بها الله جل وعلا؛ بل هي في أصل الصفة.
فمثلاً العلم ندرك معناه، فالعلم ضد الجهل، وصف الله جل وعلا نفسه بالعلم، ونحن ندرك أن العلم الذي يتصف به المخلوق هو ضد الجهل، فبين العلم الموصوف به الرب جل وعلا والعلم الموصوف به العبد مشابهة من حيث أصل المعنى، وهو عدم الجهل، ولكن هل علم الله عز وجل كعلم المخلوق؟ لا، لا إشكال أن علم الله جل وعلا ليس كمثله شيء، كسائر صفاته سبحانه وتعالى.
فثبوت أصل المشابهة لا يعارض نفي المثلية، وإنما ذكر المؤلف رحمه الله وغيره من أهل السنة نفي المشابهة؛ لأن نفي المشابهة في اصطلاح المتكلمين يوازي ويعني نفي المماثلة، فعندهم: (لا يُشْبِهُ الأَنَامَ) أو ليس له شبيه مرادهم بذلك أنه ليس له مثيل، مع أن بعضهم يستعمل هٰذا في نفي كل الصفات، فيقول: (لا يُشْبِهُ الأَنَامَ)، معنى هٰذا أن ما أخبر به عن نفسه سبحانه وتعالى من الأوصاف لا نعقله، فيستعملون هٰذا لنفي الصفات المتقررة التي يثبتها أهل السنة والجماعة.
والصحيح في النفي: أن ننفي المماثلة، أما المشابهة فإنه إذا نفيناها بالكلية، فيلزم على ذلك ألا نعقل ما أخبر الله به عن نفسه:
فلا نعقل معنى العلم؛ لأنه ما فيه مشابهة.
لا نعقل معنى الحلم؛ لأنه ما فيه مشابهة.
لا نعقل معنى البصر، السمع، الكلام، وما إلى ذلك مما وصف الله سبحانه وتعالى به نفسه.
إذا كان المنفي هو أدنى مشابهة فإنه يتعذر علينا فهم ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه.
ولذلك تحرير القول في نفي المشابهة أن نقول: {ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ([3]). وأما المشابهة فلا بد منها بين كل شيئين، لا بد منها، ولكن المشابهة لا تستلزم إثبات النقص لله عز وجل أو إثبات الصفة للمخلوق كصفة الخالق، أو جعل صفة الخالق كصفة المخلوق.
ولذلك الأحسن في النفي أن نقول: {ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} .
وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما كتب عقيدة الواسطية وتحرى فيها ألا يكون فيها إلا ما جاء النص عليه في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لما أراد نفي المماثلة لم يستعمل نفي المشابهة، بل استعمل النص القرآني فقال: {ليْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، وقال أيضاً في النفي: مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ، وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلٍ. ولم يقل: تشبيه. فلم يذكر المشابهة؛ لأن المشابهة لفظٌ مجملٌ قد يتوصل به إلى نفي أصل الصفات التي يثبتها أهل السنة والجماعة.
والمراد أن الله جل وعلا لما كان الغاية في الكمال فإنه جل وعلا لا مثيل له ولا نظير ولا سمي ولا كفء، لا في ذاته، ولا في أسمائه، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولا فيما يجب له سبحانه وتعالى.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (حَيٌّ لا يَمُوتُ). وهٰذا دليله قول الله عز وجل: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} ([4]). وهو معنى قول المؤلف رحمه الله: (قَدِيمٌ بِلا ابْتِدَاءٍ، دَائِمٌ بِلا انْتِهَاءٍ). فإنّ حياته جل وعلا لا مبدأ لها ولا منتهى لها، بل هو الحي القيوم جل وعلا، فهو حيٌ حياة كاملة، ولذلك أكد المؤلف رحمه الله هٰذا المعنى بقوله: (لا يَمُوتُ). وقد تأسّى في ذلك أو استفاد ذلك من كتاب الله عز وجل في قوله: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} . مع أن إثبات الحياة يكفي فيه قوله تعالى: {الْحَيِّ} ، لكن قال: {لا يَمُوتُ} لأجل أي شيء؟ لأجل أن ينفي كل نقص عن هٰذه الحياة، فإن حياته سبحانه وتعالى لا يتطرق إليها نقصٌ بوجه من الوجوه، بل هي الحياة التامة الكاملة الدائمة الباقية التي لا انتهاء لها ولا نقص، وهٰذه فائدة النفي في قوله: {الَّذِي لا يَمُوتُ} ،فإن وصف الله عز وجل بالنفي هنا في قوله: {الَّذِي لا يَمُوتُ} مقصوده أي شيء؟ مقصوده إثبات كمال الصفة، وهي صفة الحياة.
نظير هٰذا قول الله جل وعلا في أعظم آية من كتابه: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ، ثم أكد كمال الحياة وكمال القيومية بقوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} ([5])، فذلك لكمال حياته وقيوميته سبحانه وتعالى.
ثم قال المؤلف رحمه الله: (قَيُّومٌ لا يَنَامُ). (قَيُّومٌ) هٰذا من أسمائه ومن صفاته جل وعلا، فمن أسمائه القيوم ومن أوصافه القيومية.
ومعنى القيوم أنه جل وعلا قائمٌ بنفسه، فلا حاجة به إلى خلقه، وهو جل وعلا مقيم لخلقه، فكل أحد محتاج إليه، فهو الصمد الذي لا تستغني عنه الخلائق، وليس بهم كفاية ولا غنى عنه سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} ([6]). فمعنى القيوم أنه القائم بنفسه فلا حاجة به إلى غيره، وأنه جل وعلا المقيم لغيره، فكل أحد قيامه بإقامة الله عز وجل، السماوات والأرض إنما تقوم بإقامة الله عز وجل، كما قال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} ([7]). يعني: لا يمسكهما أحد من بعده إن أزال الله جل وعلا ورفع إمساكه لهما.
والقيومية عنها يصدر كل فعل لله جل وعلا.
ولذلك كان اسم (الحي) واسم (القيوم) يرجع إليهما جميع معاني أسماء الله عز وجل وصفاته:
فالحياة تستلزم كل وصف كمال من أوصاف الذات.
والقيومية تستلزم كل وصف كمالٍ من أوصاف الفعل.
ولذلك قيل:إن الاسم الأعظم هو الحي القيوم، وهٰذا من أسباب كون آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله عز وجل؛ لكونها احتوت على هذين الاسمين اللذين إليهما ترجع أوصاف الكمال وأسماء الله الحسنى.
قال ابن القيم رحمه الله:
ما للممات عليه من سلطان |
|
وله الحياة كمالها فلأجل ذا |
ما للمنام عليه من غشيان
|
|
وكذلك القيوم من أوصافه |
ثبتت له-ثم قال:- ومدارها الوصفان
|
|
وكذاك أوصاف الكمال جميعها جميعهاثبتت ثبتت |
أي وجميع هٰذه الأوصاف صفات الكمال ترجع إلى هذين المعنيين أنه الحي القيوم جل وعلا.
وهٰذا هو السر في كون هذين الاسمين الاسم الأعظم لله عز وجل، بل قال شيخ الإسلام رحمه الله: إن اسم الحي وصفة الحياة التي أثبتها الله لنفسه يدل بالتلازم -أو بالالتزام- على جميع أسماء الله عز وجل وصفاته.
فناسب أن يبدأ المؤلف رحمه الله ذكر الصفات بهذين الاسمين العظيمين، اللذين يرجع إليهما كل اسم من أسماء الله الحسنى وكل وصفٍ من أوصافه جل وعلا العُلا.
قال: (قَيُّومٌ لا يَنَامُ)، ثم قال: (خَالِقٌ بِلا حَاجَةٍ). أثبت صفة الخلْق لله جل وعلا، ونفى في هٰذه الصفة أن يكون الخلْق عن حاجة؛ لأن من يخلق ومن يصنع قد يكون سبب خلقه وصناعته حاجته إلى ما يخلق، فإذا احتاج إلى شيء خلقه.
كما أن الإنسان إذا احتاج إلى قلم صنعه، وإذا احتاج إلى بيت بناه وعمره، وإذا احتاج إلى مركب سوّاه وركبه، وهلم جرًّا.
إلاّ أن الله جل وعلا (خَالِقٌ بِلا حَاجَةٍ)، وهٰذا قد أشار الله جل وعلا إليه في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ} . فذكر الخلق والغاية منه،ثم نفى أن يكون هٰذا الخلق للحاجة: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} ([8]). فخلْقه ناشئ عن قوته وكمال غناه وشدة قوته جل وعلا، لا عن حاجته إلى خلقه.
والخلْق من صفات الله عز وجل العظيمة، وهي تعني الإبداع والإيجاد والتكوين، معنى الخالق: المبدع الموجد المكوّن سبحانه وتعالى.
ثم قال: (رَازِقٌ بِلا مَؤُونَةٍ) أي إنه جل وعلا يرزق عباده، ورزقه جل وعلا لا يُكرثه ولا يُكْلِفه ولا يُتعبه ولا يشق عليه، بل رزقه للواحد كرزقه للخلق، ليس فيه كلفة، ويدل لذلك قوله جل وعلا لما ذكر ملك الله عز وجل للسماوات والأرض: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} ثم قال: {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} ([9]). أي لا يُكرثه ولا يثقله ولا يتعبه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما؛ لأن الحفظ ليس فقط لجرم السماء وجرم الأرض؛ بل حفظه جل وعلا لمن في السماء ومن في الأرض، ومن تمام الحفظ الرزق، فإنه لا يقوم الحفظ إلا بالرزق، فلذلك كان جل وعلا رازقاً بلا مؤونة.
ويدل لذلك أيضاً ما في الصحيح من حديث أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى في الحديث الإلهي: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسأل كل واحد منهم مسألته، فأعطيته مسألته لم ينقص ذلك من ملكي شيئاً))([10]). فملك الله -جل وعلا- لا ينفد، ولا ينقصه سؤال السائل ولا إعطاء الداعي، فهو -جل وعلا- (رَازِقٌ بِلا مَؤُونَةٍ) بلا كلفة.
ثم قال: (مُمِيتٌ بِلا مَخَافَةٍ). لما ذكر الخلق رحمه الله ذكر الإماتة، وذلك أن من تمام الإيمان بالله عز وجل أن يؤمن العبد بأنه المحيي المميت، الخالق الباعث المميت.
قال رحمه الله: (مُمِيتٌ بِلا مَخَافَةٍ) أي إنه سبحانه وتعالى قضى بالموت على كل حي، أذل بالموت قوة الأقوياء -جل وعلا-، فإنه سبحانه وتعالى كتب الموت على كل خلقه، فلا أحد من الناس سالم من الموت، بل قد جعل الله -جل وعلا- الموت لكل نفس: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ([11]). لكن هٰذا الموت ليس عن خوف في منازعة المخلوق، بل هو من تمام قدرته وقوته واقتداره على خلقه؛ لأن الإنسان قد يميت شخصاً مخافة أن ينازعه في الملك، أو أن ينزع منه شيئاً مما هو له من الصفات أو من الملك أو من غير ذلك.
فالله جل وعلا (مُمِيتٌ بِلا مَخَافَةٍ). وهٰذه الصفات لله عز وجل بعضها يستفاد منه الاسم، كما دل عليه الكتاب والسنة في مثل الخالق: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ} ([12]). فقد جاء هٰذا الاسم لله عز وجل،
وكذلك الرازق: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} ([13]).أما المميت فإنه لم يثبت في الكتاب ولا في السنة تسمية الله تعالى بذلك، فليس من أسمائه سبحانه وتعالى، جاء ذلك في حديث أبي هريرة الذي فيه ذكر الأسماء،لكنه لم يثبت بطريق غير ذلك، والحديث معلوم أنه لا يصح عند أئمة الحديث والعلماء بهٰذا الشأن.
يقول رحمه الله: (بَاعِثٌ بِلا مَشَقَّةٍ). بعد أن ذكر الإماتة، ذكر البعث؛ وذلك أنه من تمام الإيمان بربوبية الله جل وعلا الإيمان بأنه باعث، يبعث الخلق.
والبعث هو الإحياء بعد الإماتة، وهٰذا عام لكل من فيه حياة، فإن كل من فيه حياة يبعثه الله جل وعلا ويحشره يوم القيامة، وبعثه بلا مشقة، كما قال الله جل وعلا: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} ([14])، وكما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالىٰ: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ([15]). وهٰذا يدل على سهولته ويسره على رب العالمين، وأنه جل وعلا لا مشقة عليه في الخلق، قال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} ([16]). فلا مشقة في بعث الخلق كلهم إنسهم وجنهم دوابهم وطيورهم، ما في البحر وما في البر، كلهم يبعثهم الله عز وجل ثم يحشرهم يوم القيامة، كل أمة تأتي في موقف عظيم مهول تشيب له رؤوس الولدان.
ثم قال بعد أن قرر البعث: (مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ). وهٰذا فيه الرد على معطلي الصفات من الجهمية والمعتزلة، فإن المؤلف رحمه الله أبطل شبهة من الشبه الكبار التي يعتمدها الجهمية والمعتزلة في إنكار الصفات.
اعلم بارك الله فيك أن صفات الله جل وعلا تنقسم إلى قسمين:
صفات ذاتية.
وصفات فعلية.
صفات ذات، وصفات فعل.
صفات الذات هي التي لم يزل ولا يزال سبحانه وتعالى متصفاً بها، فهو متصف بها في الأزل والأبد، كصفة الحياة، فهو الحي جل وعلا أزلاً وأبدا،ً وكصفة العلم، وكصفة القيومية، وغير ذلك من صفات الذات، فهو سبحانه وتعالى متصف بها أزلاً وأبداً.
القسم الثاني من الصفات صفات الفعل أو الصفات الفعلية، وهٰذا النوع من الصفات يفارق النوع السابق في أن الله -جل وعلا- متَّصف به إذا شاء، فهي صفات متعلقة بمشيئته سبحانه وتعالى، ومثال ذلك الإحياء والإماتة، مثال ذلك الاستواء هٰذا من صفات الفعل؛ لأنه لما شاء أن يستوي استوى -جل وعلا-، منه أيضاً النزول، كل صفات الفعل ويسميها بعض العلماء الصفات الاختيارية؛ للدلالة على أنها معلقة بالمشيئة والاختيار، إذا شاء اتصف بها وإذا شاء لم يتصف بها.
النوع الأول من حيث اتصاف الله جل وعلا بها في الأزل، ما فيه إشكال، فالله حي قيوم سميع بصير عليم أزلاً وأبداً.
فقول المؤلف رحمه الله: (مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا). المراد بذلك صفات الذات لا إشكال، صفات الذات داخلة في هٰذا لا الإشكال؛ لأنه لم يزل متصفاً بهٰذه الصفات، فهو الحي لا أولية لحياته، هو الأول الذي ليس قبله شيء سبحانه وتعالى، كذلك العلم، كذلك السمع، البصر، الإرادة، كل هٰذه من الصفات الذاتية التي اتصف بها سبحانه وتعالى أزلاً، فهي قديمة، والمراد بالقديمة هنا أي إنها لا أول لها، فهي كالأول (مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا) إذاً دخل في هٰذا صفات الذات.
صفات الفعل هل هي قديمة؟ صفات الفعل من حيث الجنس قديمة، من حيث الجنس قديمة، ومعنى قديمة: أنه لا أول لها، يدل لذلك قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ([17]). ويدل لذلك أيضاً أنه جل وعلا القيوم، وهو موصوف بهٰذا أزلاً وأبداً، لكن أفراد الصفات الفعلية الاختيارية حادثة بعد أن لم تكن، فعندنا في صفات الفعل جنس الأفعال هٰذا قديم ليس قبله شيء، أما أفراد الأفعال وآحاد الأفعال فهٰذه حادثة بعد أن لم تكن.
استواء الله عز وجل على العرش هل هو في الأزل، أم أنه جرى وحدث بعد أن لم يكن؟ حدث بعد أن لم يكن، فإنه جل وعلا إنما استوى بعد خلق السمٰوات والأرض، بعد خلق السمٰوات والأرض استوى على العرش –جل وعلا-، وقبل ذلك لم يكن مستوياً على العرش، قبل خلق العرش لم يكن مستوياً عليه سبحانه وتعالى، لكن من حيث فعل الله -جل وعلا- هل هو حادث أم قديم؟ جنس الفعل أصل الفعل؟ قديم، فإنه جل وعلا فعال لما يريد، وهٰذا وصف لا يتقيد بزمن، بل هو –جل وعلا- فعال لما يريد.
المؤلف رحمه الله يقول: (مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ). يعني قبل أن يخلق خلقه، (لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا). أي بخلقهم وإيجادهم ورزقهم وإمدادهم، إحيائهم وإماتتهم، لم يزدد بهٰذه الأفعال وهٰذه الأوصاف شيئاً (لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ). بل هو سبحانه وتعالى الموصوف بصفات الكمال أزلاً قبل كل شيء، (وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا) الآن فرغ من تقرير أن الله -جل وعلا- متصف بهٰذه الصفات أزلاً، ومعنى الأزل: الذي لا أول له، فقوله: (وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا) أي إنه لا أول لصفاته، (كَذَلِكَ لا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا) أي إنه لا آخر لهٰذه الصفات، بل هي ممتدة لأنه الآخر، وهٰذا الوصف للذات والصفات، فهو الآخر -جل وعلا- الذي ليس بعده شيء.
ثم قال في تقرير المعنى وتوضيحه وتبيينه: (لَيْسَ بَعْدَ خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ "الْخَالِقِ")، بل هو الخالق قبل أن يخلق الخلق -جل وعلا-، (وَلا بِإِحْدَاثِ الْبَرِيَّةِ) البرية هم الخلق، (وَلا بِإِحْدَاثِ الْبَرِيَّةِ اسْتَفَادَ اسْمَ "الْبَارِي") بل هو الموصوف والمتسمي بهٰذا الاسم قبل أن يخلق الخلق سبحانه وتعالى، هو الله الخالق البارئ أزلاً وأبداً، فليس بعد أن خلق البرية وأوجدهم استفاد اسم البارئ.
والخالق والبارئ اسمان من أسماء الله عز وجل دل عليهما الكتاب في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ} ([18]). والفرق بين الخالق والبارئ: أن الخالق الموجد والبارئ المبدع، وقيل في الفرق: إن الخالق هو المقدر، والبارئ هو الموجد لهٰذا التقدير، ومعناهما متقارب.
ثم قال: (لَهُ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَلا مَرْبُوبَ) إن الله سبحانه وتعالى متصف بأنه الرب ولا مربوب؛ لأنه بصفاته قديم، وهو الأول الذي ليس قبله شيء.
(وَمَعْنَى الْخَالِقِ وَلا مَخْلُوقَ) أي إنه -جل وعلا- موصوف بأنه الخالق ولا مخلوق، وهٰذا تكرار لقوله: (لَيْسَ بَعْدَ خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ "الْخَالِقِ").
ثم قال في الاستدلال لصحة هٰذا التقرير: (وَكَمَا أَنَّهُ مُحْيِي الْمَوْتَى بَعْدَمَا أَحْيَا اسْتَحَقَّ هٰذا الاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ، كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْخَالِقِ قَبْلَ إِنْشَائِهِمْ). يقول المؤلف رحمه الله في الاستدلال لكونه سبحانه وتعالى بصفاته قديماً قبل أن يخلق الخلق: كما أنه محيي الموتى. الآن الموتى هل أحياهم الله جل وعلا؟
الموتى، الإحياء العام لم يحصل بعد، الإحياء العام إنما يكون بعد قيام الساعة: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} ([19]). فإذا نُفخ في الصور بعث الله عز وجل الخلق وأحياهم، هل هٰذا موجود أو ليس بموجود؟ لم يوجد بعد، ألا يوصف الله -جل وعلا- بأنه محيي الموتى؟ بلى يوصف بأنه محيي الموتى.
يقول المؤلف رحمه الله: (وَكَمَا أَنَّهُ مُحْيِي الْمَوْتَى بَعْدَمَا أَحْيَا). يعني كما أنه متحقق بهٰذا الوصف بعد إحيائه يوم القيامة لخلقه، وهو (اسْتَحَقَّ هٰذا الاسْمَ قَبْلَ إِحْيَائِهِمْ) يعني استحقه في الدنيا قبل أن يحصل الإحياء (كَذَلِكَ اسْتَحَقَّ اسْمَ الْخَالِقِ قَبْلَ إِنْشَائِهِمْ). وهٰذا دليل واضح وبيّن في أن الله -جل وعلا- موصوف بصفات الكمال قديماً أزلاً، وأنه سبحانه وتعالى لم يحدث له شيء من الصفات بعد أن لم يكن، والمقصود بالصفات صفات الذات وجنس صفات الفعل.
وفي هٰذا الموضع يبحث بعض العلماء مسألة التسلسل، تسلسل الحوادث، وهي مسألة لا خير في بحثها في الحقيقة، إلا على وجه الرد على أهل الشبه الذين يريدون إبطال ما دلت عليه النصوص من أن الله جل وعلا موصوف بصفات الكمال أزلاً وأبداً، وإلا فإن النظر في هٰذه المسألة لا يزيد به الإيمان ولا يزداد به العلم، وإنما يحتاجه واضطر إليه أهل السنة والجماعة في الرد على المبتدعة الذين تكلموا بهٰذه الأمور، ولذلك ينبغي لطالب العلم لاسيما المبتدئ أن لا يشتغل بهٰذه المسائل؛ لأنها مما يحسر عنه فكره ويضيق عنه فهمه، وقد يورثه شبهة لا ينفك منها، لكن ينبغي له أن يؤمن بأن الله هو الأول الآخر الظاهر الباطن، وأنه فعال لما يريد -جل وعلا-، وأنه موصوف بصفات الكمال أزلاً وأبداً ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
ثم إذا احتاج إلى الرد على المبتدعة في شبهة من الشبه أو قول من الأقوال فلا بأس، عند ذلك يطلب ويستعين بالله عز وجل وينظر في جواب هٰذه الشبهة، أما أن يطلب ذلك ويقرأه ويصرف فيه الوقت وهم لم يبتلَ به فهٰذا من تفويت ما هو أهم من العلم؛ لأن العلم كثير، والإنسان إذا اشتغل بفضول العلم وحواشيه صرفه ذلك عن أصوله ومقاصده.
الشبهة التي رد عليها الشيخ رحمه الله بهٰذا الكلام هي مسألة ما يدّعيه الجهمية من أنه يلزم من إثبات الصفات تعدد القدماء، هٰذه شبهة كبيرة عند أهل الكلام يجعلونها سيفاً مسلطاً على النصوص؛ لإبطال ما دلت عليه من اتصاف الله عز وجل بصفات الكمال.
يقول: إذا كان الله -جل وعلا- موصوفاً بالعلم وبالحياة وبالقدرة وبالكلام وبالسمع، وهو قديم وصفاته قديمة، إذاً تعدد القدماء، أصبح عندنا عدة قدماء، ما هو بقديم واحد، فإذا تعدد القدماء دل ذلك على أن الله ليس موصوفاً بهٰذه الصفات.
ونقول لهم: إن الله –جل وعلا- قديم بصفاته، وليس هٰذا من تعدد القدماء، وليس فيه أن غير الله -جل وعلا- يشاركه في أنه الأول الذي ليس قبله شيء؛ لأن صفاته له -جل وعلا-، فهو بصفاته قديم، ولذلك قال المؤلف رحمه الله في إبطال هٰذه الشبهة: (مَا زَالَ) أي الرب -جل وعلا- (بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ)، فجعل القِدَم له بصفاته التي هو متصف بها سبحانه وتعالى وهي له.
وهٰذه شبهة باطلة ناقشها شيخ الإسلام رحمه الله في مواضع عديدة، من هٰذه المواضع كتاب درء تعارض النقل والعقل، أبطلها وبين عوارها.
أيضاً مما يرد به على المعتزلة وغيرهم من الجهمية من خلال هٰذا الكلام ما يذكرونه من أن إثبات الصفات يقتضي حلول الحوادث، والله -جل وعلا- لا تحله الحوادث، ولذلك هم يقولون: لا تحله الحوادث، ومعنى لا تحله الحوادث أي إنه لا تقوم به الصفات الاختيارية.
وهٰذه من أكبر الشبه التي يستندون إليها أيضاً في إبطال الصفات، فبين المؤلف رحمه الله أن الله موصوف بصفات الكمال أزلاً وأبداً، وأنه سبحانه وتعالى لا يلزمه النقص بهٰذا بوجه من الوجوه.
علل المؤلف رحمه الله ما تقدم في قوله: (مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا قَبْلَ خَلْقِهِ، لَمْ يَزْدَدْ بِكَوْنِهِمْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ مِنْ صِفَتِهِ، وَكَمَا كَانَ بِصِفَاتِهِ أَزَلِيًّا كَذَلِكَ لا يَزَالُ عَلَيْهَا أَبَدِيًّا). علل ذلك بقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). فهٰذه الجملة كالتعليل لما تقدم من التقرير، فالمشار إليه في قوله: (ذَلِكَ) قول المؤلف رحمه الله: (مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا) (ذا) اسم إشارة، والمشار إليه قوله: (مَا زَالَ بِصِفَاتِهِ قَدِيمًا.. ذَلِكَ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فاتصاف الله سبحانه وتعالى بهٰذه الصفات العظيمة وأنه موصوف بها أزلاً وأبداً: (ذَلِكَ بِأَنَّهُ) جل وعلا (عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ([20]). وهٰذا يعم كل شيء، فالله جل وعلا على كل شيء قدير.
لكنه سيأتي الكلام في ما يخرج من هٰذا العموم كإخراج الممتنعات، فإنها لا تدخل في هٰذا، إنما الذي يدخل فيه الممكنات، فإنه عليها جل وعلا قدير، أما الممتنع فلا يدخل في هٰذا.
ثم قال رحمه الله: (وَكُلُّ شَيْءٍ إِلَيْهِ فَقِيرٌ). كل شيء من خلقه إليه فقير، فهو محتاج إلى ربه سبحانه وتعالى لا غنى به عنه جل وعلا، ويدل لذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} ،([21]) ويدل عليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} ([22]). فهٰذا يدل على أن خلقه محتاجون إليه، ويدل عليه أيضاً قوله تعالى: {وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} ،([23]) فإن حفظهما حفظ السماوات والأرض ومن فيهما لا يقوم إلا بالله جل وعلا، ويدل له أيضاً اسم (القيوم)، فإنه مقيم لكل نفس، مقيم لكل شيء، لا قيام لشيء إلا به سبحانه وتعالى.
ثم قال: (وَكُلُّ أَمْرٍ عَلَيْهِ يَسِيرٌ). هٰذا من تمام قدرته جل وعلا أنه لا يصعب عليه شيء، ولا يمتنع منه شيء، ولا يمتنع عليه شيء، أي لا يرده شيء: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82)} ([24]) جل وعلا، كما قال سبحانه وتعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} ([25]). فهٰذا يدل على عظم هٰذا الرب جل وعلا وعلى عظيم قدرته.
ثم قال: (لا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ) هٰذا لكمال غناه سبحانه وتعالى، فهو الغني الحميد، والعباد هم المحتاجون إليه وهم المفتقرون إليه، أما الله جل وعلا فهو الغني الحميد، كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} .([26])
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.