قال ابن قدامة في المغني (9/299):
(( مسألة: قال: (والأم أحق بكفالة الطفل والمعتوه إذا طلقت) وجملته أن الزوجين إذا افترقا, ولهما ولد طفل أو معتوه, فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها, ذكرا كان أو أنثى, وهذا قول يحيى الأنصاري, والزهري, والثوري, ومالك, والشافعي, وأبي ثور, وإسحاق, وأصحاب الرأي, ولا نعلم أحدا خالفهم.
والأصل فيه ما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن امرأة قالت: يا رسول الله, إن ابني هذا كان بطني له وعاء, وثديي له سقاء, وحجري له حواء, وإن أباه طلقني, وأراد أن ينزعه مني! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنت أحق به ما لم تنكحي)) رواه أبو داود. ويروى أن أبا بكر الصديق حكم على عمر بن الخطاب بعاصم لأمه أم عاصم, وقال: (ريحها وشمها ولطفها, خير له منك) رواه سعيد في سننه. ولأنها أقرب إليه, وأشفق عليه, ولا يشاركها في القرب إلا أبوه, وليس له مثل شفقتها, ولا يتولى الحضانة بنفسه, وإنما يدفعه إلى امرأته, وأمه أولى به من امرأة أبيه )).
وقال (9/307):
(( الأم إذا تزوجت سقطت حضانتها، قال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم، قضى به شريح, وهو قول مالك, والشافعي, وأصحاب الرأي.
وحكي عن الحسن أنها لا تسقط بالتزويج، ونقل مهنا عن أحمد: إذا تزوجت الأم, وابنها صغير, أخذ منها، قيل له: فالجارية مثل الصبي؟ قال: لا, الجارية تكون معها إلى سبع سنين. فظاهر هذا أنه لم يُزِل الحضانة عن الجارية لتزويج أمها, وأزالها عن الغلام، ووجه ذلك ما روي أن عليا وجعفر وزيد بن حارثة, تنازعوا في حضانة ابنة حمزة, فقال علي: ابنة عمي, وأنا أخذتها، وقال زيد: بنت أخي; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين زيد وحمزة، وقال جعفر: بنت عمي, وعندي خالتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الخالة أم)) وسلمها إلى جعفر، رواه أبو داود بنحو هذا المعنى, فجعل لها الحضانة وهي مزوجة.
والرواية الأولى هي الصحيحة، قال ابن أبي موسى: وعليها العمل; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة: ((أنت أحق به ما لم تنكحي)) ولأنها إذا تزوجت اشتغلت حقوق الزوج عن الحضانة, فكان الأب أحظ له, ولأن منافعها تكون مملوكة لغيرها, فأشبهت المملوكة. فأما بنت حمزة, فإنما قضى بها لخالتها; لأن زوجها من أهل الحضانة, ولأنه لا يساويه في الاستحقاق إلا علي, وقد ترجح جعفر بأن امرأته من أهل الحضانة, فكان أولى، وعلى هذا متى كانت المرأة متزوجة لرجل من أهل الحضانة, كالجدة تكون متزوجة للجد, لم تسقط حضانتها; لأنه يشاركها في الولادة والشفقة على الولد, فأشبه الأم إذا كانت متزوجة للأب. ولو تنازع العمان في الحضانة, وأحدهما متزوج للأم أو الخالة, فهو أحق؛ لحديث بنت حمزة، وكذلك كل عصبتين تساويا, وأحدهما متزوج بمن هي من أهل الحضانة, قدم بها لذلك.
وظاهر قول الخرقي أن التزويج بأجنبي يسقط الحضانة بمجرد العقد، وإن عري عن الدخول، وهو قول الشافعي, ويحتمل أن لا تسقط إلا بالدخول، وهو قول مالك; لأن به تشتغل عن الحضانة، ووجه الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنت أحق به ما لم تنكحي)) وقد وجد النكاح قبل الدخول, ولأن بالعقد يملك منافعها, ويستحق زوجها منعها من حضانته, فزال حقها, كما لو دخل بها )).