قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/418-419):
" ومما نُهِيَ عن بيعه جيف الكفار إذا قتلوا، خرجه الإمام أحمد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قتل المسلمون يوم الخندق رجلا من المشركين، فأعطوا بجيفته مالا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( ادفعوا إليهم جيفته؛ فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية)) فلم يقبل منهم شيئا. وخرجه الترمذي ولفظه: أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم، وخرجه وكيع في كتابه من وجه آخر عن عكرمة مرسلا، ثم قال وكيع: الجيفة لا تباع، وقال حارثة: قلت لإسحاق: ماتقول في بيع جيف المشركين من المشركين؟ قال: لا، وروى أبو عمرو الشيباني أن عليا أتي بالمستورد العجلي وقد تنصر فاستتابه فأبى أن يتوب فقتله، فطلبت النصارى جيفته بثلاثين ألفا فأبى علي فأحرقه".
قال الذهبي في ميزان الاعتدال (6/223) في حديث ابن عباس السابق:
" الثوري وغيره عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل أصيب يوم الخندق...الحديث حسنه الترمذي،وقال عبدالحق في أحكامه وابن القطان: إسناده ضعيف ومنقطع، لا سماع للحكم من مقسم إلا لخمسة أحاديث، ما هذا منها، وضعفاه من جهة ابن أبي ليلى، وقول الترمذي أولى".
قال ابن حجر في فتح الباري (6/283):
" قوله: (ولا يؤخذ لهم ثمن) أشار به إلى حديث ابن عباس: أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم، أخرجه الترمذي وغيره، وذكر ابن إسحاق في المغازي أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسد نوفل بن عبد الله بن المغيرة، وكان اقتحم الخندق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(( لا حاجة لنا بثمنه ولا جسده)) فقال ابن هشام: بلغنا عن الزهري أنهم بذلوا فيه عشرة آلاف، وأخذه من حديث الباب من جهة أن العادة تشهد أن أهل قتلى بدر لو فهموا أنه يقبل منهم فداء أجسادهم لبذلوا فيها ما شاء الله، فهذا شاهد لحديث ابن عباس وإن كان إسناده غير قوي".
وقال العيني في عمدة القاري (15/105):
" قوله:(ولا يؤخذ لهم ثمن) أي: لا يجوز أخذ الفداء فيها من المشركين؛ إذ كان أصحاب قليب بدر رؤساء مشركي مكة، ولو مكن أهلهم من إخراجهم من البئر ودفنهم لبذلوا في ذلك كثير المال، وإنما لا يجوز أخذ الثمن فيها؛ لأنها ميتة لا يجوز تملكها ولا أخذ عوض عنها، وقد حرم الشارع ثمنها وثمن الأصنام في حديث جابر. وفي الترمذي من حديث ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس: أن المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجل من المشركين فأبى صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم إياه. وقال أحمد: لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى، وقال البخاري: هو صدوق ولكن لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه ".
وقال أيضا (12/55):
" وقال ابن المنذر: فإذا أجمعوا على تحريم بيع الميتة فبيع جيفة الكافر من أهل الحرب كذلك. وقال شيخنا: استدل بالحديث على أنه لا يجوز بيع ميتة الآدمي مطلقا، سواء فيه المسلم والكافر، أما المسلم فلشرفه وفضله، حتى إنه لا يجوز الانتفاع بشيء من شعره وجلده وجميع أجزائه، وأما الكافر فلأن نوفل بن عبد الله بن المغيرة لما اقتحم الخندق وقتل، غلب المسلمون على جسده، فأراد المشركون أن يشتروه منهم، فقال صلى الله عليه وسلم:((لا حاجة لنا بجسده ولا بثمنه)) فخلى بينهم وبينه، ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل السير".