قالَ السَّرْخَسِيُّ في المبْسُوطِ (3/14):
" رَجُلٌ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِدَراهِمَ مِنَ مالِهِ عَنْ زَكاةِ مالٍ رَجُلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ, ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَضِيَ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ زَكاتِهِ; لأَنَّ رِضاهُ في الانْتِهاءِ إِنَّما يُؤثِّرُ فِيما كانَ مَوْقُوفاً عَلَيْهِ, وَالصَّدَقَةُ عَنِ المتَصَدِّقِ كانَ تَاماً غَيْرَ مَوْقُوفٍ، فَلا يُؤَثِّرُ فِيهِ رِضا الآخَرِ بِهِ، وَإِنْ كانَ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ أَجْزَأَهُ; لأَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا المالَ مِنْهُ إِنْ شَرَطَ لَهُ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ, أَوْ مُسْتَوْهِبًا مِنْهُ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ ذَلِكَ.
وَالفَقِيرُ يَكُونُ نائِبًا عَنْهُ في القَبْضِ، يَقْبِضُ لَهُ أَوَّلاً ثُمَّ لِنَفْسِهِ، بِخِلافِ ما إِذا انْعَدَمَ الأَمْرُ في الابْتِداءِ, ثُمَّ لا يَرْجِعُ المؤْدِّي عَلَى الآمِرِ هُنا إِلَّا بِالشَّرْطِ، بِخِلافِ المأْمُورِ بِقَضاءِ الدَّيْنِ، فَهُناكَ أَمْرُهُ أَنْ يَمْلِكَ ما في ذِمَّتِهِ بِما يُؤَدِّي، فَلَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِدُونِ الشَّرْطِ, وَهُنا لا يَصِيرُ مُمَلِّكاً مِنْهُ شَيْئا في ذِمَّتِهِ بِما يُؤَدِّي.
يُوَضِّحُ الفَرَْقَ بَيْنَهُما أَنَّ هُناكَ هُوَ مُطالَبٌ بِقَضاءٍ الدِّيْنِ، يُجْبَرُ عَلَيْهِ في الحُكْمِ، فَهُوَ بِالأَداءِ بِأَمْرِهِ سَقَطَتْ عَنْهُ هَذِهِ المطالَبَةُ، فَثَبَتَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، وَهُنا مَنْ عَلَيْهِ الزَّكاةُ لا يُطالَبُ بِأَداءِ الزَّكاةِ, وَلا يُجْبَرُ عَلَيْهِ في الحُكْمِ، فَلا يَثْبُتُ لِلمُؤْدِّي بِأَمْرِهِ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ إِلَّا باِلشَّرْطِ، كَمَنْ يَقُولُ لِغَيْرِهِ: عَوِّضْ هِبَتِي مِنْ مالِكٍ لِفُلانٍ، فَعَوَّضَهُ، لا يَرْجِعُ إِلَّا بِالشَّرْطِ".