قال الحطاب في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" (2/544):
مسألة: قال في كتاب كنز الراغبين العفاة في الرمز إلى المولد والوفاة ـ ولم أقف على اسم مؤلفه ولكنه متأخر جدا،فإنه كان ينقل عن الشيوخ الذين أدركتهم كالشيخ زكريا والشيخ كمال الدين بن حمزة الدمشقي ـ قال ما نصه : وأجاز بعض المتأخرين كالسبكي والبارزي،وبعض المتقدمين من الحنابلة كابن عقيل تبعا لعلي بن الموفق ـ وكان في طبقة الجنيد ـ وكأبي العباس محمد بن إسحاق السراج من المتقدمين إهداء ثواب القرآن له صلى الله عليه وسلم ...وقال الزركشي في شرح المنهاج: كان بعض من أدركناه يمنع منه؛لأنه لا يتجرأ على الجناب الرفيع...إلى آخر لفظه.
قال الزركشي: وكذلك اختلفوا في الدعاء له بالرحمة،وإن كان في معنى الصلاة؛لما في الصلاة من معنى التعظيم بخلاف الرحمة المجردة.
وقال ابن قاضي شهبة في شرحه: كان الشيخ تاج الدين القروي يمنع منه...وهو المختار،والأدب مع الكبار من الأدب والدين،وأعمال الأمة من الواجبات والمندوبات في صحيفته صلى الله عليه وسلم.
و...في اختيارات ابن تيمية أن إهداء القرب له صلى الله عليه وسلم ـ وهي أعم من القرآن وغيره ـ لا يستحب بل هو بدعة،وأنه الصواب المقطوع به،ونقل عنه ابن مفلح في فروعه أنه قال: لم يكن من عادة السلف إهداء الثواب إلى موتى المسلمين بل كانوا يدعون لهم،فلا ينبغي الخروج عنهم،ولم يره لمن له كأجر العامل،كالنبي صلى الله عليه وسلم معلم الخير،...قال: وأقدم من بلغنا أنه فعل ذلك علي بن الموفق،وأنه كان أقدم من الجنيد وأدرك الإمام أحمد وطبقته وعاصره وعاش بعده...
وسئل الشيخ عماد الدين بن العطار تلميذ النووي ـ رحمهما الله ـ هل تجوز قراءة القرآن وإهداء الثواب إليه صلى الله عليه وسلم،وهل فيه أثر ؟ فأجاب بما هذا لفظه: أما قراءة القرآن العزيز فمن أفضل القربات،وأما إهداؤه للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينقل فيه أثر ممن يعتد به،بل ينبغي أن يمنع منه؛لما فيه من التهجم عليه فيما لم يأذن فيه،مع أن ثواب التلاوة حاصل له بأصل شرعه صلى الله عليه وسلم،وجميع أعمال أمته في ميزانه،وقد أمرنا الله بالصلاة عليه،وحث صلى الله عليه وسلم على ذلك،وأمرنا بسؤال الوسيلة...فينبغي أن يتوقف على ذلك،مع أن هدية الأدنى للأعلى لا تكون إلا بالإذن انتهى كلامه.
قال صاحبنا الشيخ شمس الدين السخاوي ـ تلميذ شيخنا قاضي القضاة ابن حجر في مناقبه التي أفردها ـ أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن،وقال في دعائه: اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأجاب: هذا مخترع من متأخري القراء لا أعلم لهم سلفا فيه.
وقال الشيخ زين الدين عبد الرحمن الكردي في كتاب النصيحة: وقع السؤال عن جواز إهداء القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم،والجواب أن ذلك شيء لم يرو عن السلف فعله، ونحن بهم نقتدي وبذلك نهتدي،...
وقال الشيخ زين الدين خطاب: هذه المسألة لا توجد في كلام المتقدمين من أئمتنا وأكثر المتأخرين منع من ذلك.
وقال الشيخ نجم الدين القاضي بن عجلون: قد توسع الناس في ذلك،وتصرفوا في التعبير عنه بعبارات متقاربة في المعنى،كقولهم: في صحيفته صلى الله عليه وسلم،أو نقدمها إلى حضرته،أو زيادة في شرفه،وقد تقترن بذلك هيئات تخل بالأدب معه صلى الله عليه وسلم، وما ألجأهم إلى ارتكاب ذلك مع أن جميع حسنات الأمة في صحيفته،وقد قال صلى الله عليه وسلم:{ دع ما يريبك إلى ما لا يريبك } قال: فالذي ينبغي ترك ذلك،والاشتغال بما لا ريب فيه،كالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم،وسؤال الوسيلة له وغير ذلك من أعمال البر المأثورة في الشرع؛فإنها بحمد الله كثيرة،وفيها ما يغني عن الابتداع في الدين والوقوع في الأمور المختلف فيها.